تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
قل -أيها الرسول-: إن كنتم تحبون الله حقا فاتبعوني وآمنوا بي ظاهرًا وباطنًا، يحببكم الله، ويمحُ ذنوبكم، فإنه غفور لذنوب عباده المؤمنين، رحيم بهم. وهذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله -تعالى- وليس متبعًا لنبيه محمد صلى الله عيه وسلم حق الاتباع، مطيعًا له في أمره ونهيه، فإنه كاذب في دعواه حتى يتابع الرسول صلى الله عليه وسلم حق الاتباع.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
ونزل لما قالوا ما نعبد الأصنام إلا حبّا لله ليقربونا إليه «قل» لهم يا محمد «إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله» بمعنى يثيبكم «ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور» لمن اتبعني ما سلف من قبل ذلك «رحيم» به.
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
قوله تعالى : قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم .الحب : المحبة ، وكذلك الحب بالكسر . والحب أيضا الحبيب ; مثل الخدن والخدين ; يقال أحبه فهو محب ، وحبه يحبه ( بالكسر ) فهو محبوب . قال الجوهري : وهذا [ ص: 57 ] شاذ ; لأنه لا يأتي في المضاعف يفعل بالكسر . قال أبو الفتح : والأصل فيه حبب كظرف ، فأسكنت الباء وأدغمت في الثانية . قال ابن الدهان سعيد : في حب لغتان : حب وأحب ، وأصل " حب " في هذا البناء حبب كظرف ; يدل على ذلك قولهم : حببت ، وأكثر ما ورد فعيل من فعل . قال أبو الفتح : والدلالة على " أحب " قوله تعالى : يحبهم ويحبونه بضم الياء . و اتبعوني يحببكم الله و " حب " يرد على فعل لقولهم حبيب . وعلى فعل كقولهم محبوب : ولم يرد اسم الفاعل من حب المتعدي ، فلا يقال : أنا حاب . ولم يرد اسم المفعول من أفعل إلا قليلا ; كقوله :مني بمنزلة المحب المكرموحكى أبو زيد : حببته أحبه . وأنشد :فوالله لولا تمره ما حببته ولا كان أدنى من عويف وهاشموأنشد :لعمرك إنني وطلاب مصر لكالمزداد مما حب بعداوحكى الأصمعي فتح حرف المضارعة مع الياء وحدها . والحب الخابية ، فارسي معرب ، والجمع حباب وحببة ; حكاه الجوهري . والآية نزلت في وفد نجران إذ زعموا أن ما ادعوه في عيسى حب لله عز وجل ; قاله محمد بن جعفر بن الزبير . وقال الحسن وابن جريج : نزلت في قوم من أهل الكتاب قالوا : نحن الذين نحب ربنا . وروي أن المسلمين قالوا : يا رسول الله ، والله إنا لنحب ربنا ; فأنزل الله عز وجل : قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني . قال ابن عرفة : المحبة عند العرب إرادة الشيء على قصد له . وقال الأزهري : محبة العبد لله ورسوله طاعته لهما واتباعه أمرهما ; قال الله تعالى : قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني [ ص: 58 ] . ومحبة الله للعباد إنعامه عليهم بالغفران ; قال الله تعالى : إن الله لا يحب الكافرين ; أي لا يغفر لهم . وقال سهل بن عبد الله : علامة حب الله حب القرآن ، وعلامة حب القرآن حب النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلامة حب النبي - صلى الله عليه وسلم - حب السنة ; وعلامة حب الله وحب القرآن وحب النبي - صلى الله عليه وسلم - وحب السنة حب الآخرة ، وعلامة حب الآخرة أن يحب نفسه ، وعلامة حب نفسه أن يبغض الدنيا ، وعلامة بغض الدنيا ألا يأخذ منها إلا الزاد والبلغة . وروى أبو الدرداء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قوله تعالى : قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله قال : ( على البر والتقوى والتواضع وذلة النفس ) خرجه أبو عبد الله الترمذي . وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : من أراد أن يحبه الله فعليه بصدق الحديث وأداء الأمانة وألا يؤذي جاره . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال إني أحب فلانا فأحبه قال فيحبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء - قال - ثم يوضع له القبول في الأرض ، وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول إني أبغض فلانا فأبغضه قال فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء إن الله يبغض فلانا فأبغضوه - قال - فيبغضونه ثم توضع له البغضاء في الأرض . وسيأتي لهذا مزيد بيان في آخر سورة " مريم " إن شاء الله تعالى . وقرأ أبو رجاء العطاردي ( فاتبعوني ) بفتح الباء ، ( ويغفر لكم ) عطف على ( يحببكم ) . وروى محبوب عن أبي عمرو بن العلاء أنه أدغم الراء من ( يغفر ) في اللام من ( لكم ) . قال النحاس : لا يجيز الخليل وسيبويه إدغام الراء في اللام ، وأبو عمرو أجل من أن يغلط في مثل هذا ، ولعله كان يخفي الحركة كما يفعل في أشياء كثيرة .
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
انتقال إلى الترغيب بعد الترهيب على عادة القرآن . والمناسبةُ أنّ الترهيب المتقدم ختم بقوله : { والله رؤف بالعباد } [ آل عمران : 30 ] والرأفة تستلزم محبة المرؤف به الرؤفَ ، فجَعْلُ محبة الله فعلاً للشرط في مقام تعليق الأمر باتباععِ الرسول عليه مَبْنِيٌّ على كون الرأفة تستلزم المحبة ، أو هو مبني على أنّ محبة الله أمر مقطوع به من جانب المخاطبين ، فالتعليق عليه تعليق شرط محقّق ، ثم رتّب على الجزاء مشروط آخر وهو قوله : { يحببكم الله } لكونه أيضاً مقطوع الرغبة من المخاطبين ، لأنّ الخطاب للمؤمنين ، والمؤمن غايةُ قصده تحصيل رضا الله عنه ومحبته إياه .والمحبة : انفعال نفساني ينشأ عند الشعور بحسن شيء : من صفات ذاتية . أو إحسان ، أو اعتقاد أنّه يُحِب المستحسِنَ ويَجُر إليه الخير . فإذا حصل ذلك الانفعال عقِبَهُ ميل وانجذاب إلى الشيء المشعور بمحاسنه ، فيكون المنفعِل محبّاً ، ويكون المشعور بمحاسنه محبوباً ، وتُعدّ الصفات التي أوجبت هذا الانفعال جمالاً عند المحبّ ، فإذا قويَ هذا الانفعال صار تهيّجاً نفسانياً ، فسُمي عشقاً للذوات ، وافتنَاناً بغيرها .والشعور بالحسن الموجبُ للمحبة يُستمدّ من الحواسّ في إدراك المحاسن الذاتية المعروفة بالجمال ، ويُستمد أيضاً من التفكّر في الكمالات المستدلّ عليها بالعقل وهي المدعوة بالفضيلة ، ولذلك يحبّ المؤمنون الله تعالى ، ويحبّون النبي صلى الله عليه وسلم تعظيماً للكمالات ، واعتقاداً بأنّهما يدعوانهم إلى الخير ، ويحبّ الناس أهل الفضل الأوّلين كالأنبياء والحكماء والفاضلين ، ويحبون سُعاة الخير من الحاضرين وهم لم يَلْقوهم ولا رَأوْهم .ويَرجِع الجماللِ والفضيلة إلى إدراك النفس ما يلائمها : من الأشكال ، والأنغام ، والمحسوسات ، والخلال . وهذه الملاءمة تكون حسيّة لأجل مناسبة الطبع كملاءمة البرودة في الصيف ، والحرّ في الشتاء ، وملاءمة الليِّن لسليم الجلد ، والخُشِن لمن به داعي حِكّة ، أو إلى حصول منافع كملاءمة الإحسان والإغاثة . وتكون فكرية لأجل غايات نافعة كملاءمة الدواء للمريض ، والتعبَ لجاني الثمرة ، والسهَر للمتفكّر في العلم ، وتكون لأجل الإلف ، وتكون لأجل الاعتقاد المحض ، كتلقّي الناس أنّ العلم فضيلة ، ويدخل في هذين محبة الأقوام عوائدَهم من غير تأمل في صلاحها ، وقد تكون مجهولة السبب كملاءمة الأشكال المنتظمة للنفوس وملاءَمة الألوان اللطيفة .وفي جميع ذلك تستطيع أن تزيد اتضاحاً بأضدادها كالأشكال الفاسدة ، والأصوات المنكرة ، والألوان الكريهة ، دائماً أو في بعض الأحوال ، كاللون الأحمر يراه المحموم .ولم يستطع الفلاسفة توضيح علّة ملاءمة بعض ما يعبر عنه بالجمال للنفوس : ككون الذات جميلة أو قبيحة الشكل ، وكون المربع أو الدائرة حَسناً لدى النفس ، والشكللِ المختلّ قبيحاً ، ومع الاعتراف باختلاف الناس في بعض ما يعبر عنه بالجمال والقبح كما قال أبو الطيب :ضُروبُ الناس عُشاقٌ ضُرُوبا ... وأنّ بعض الناس يستجيد من الملابس ما لا يرضى به الآخر ويستحسن من الألوان ما يستقبحه الآخر ، ومع ذلك كله فالمشاهَد أنّ معظم الأحوال لا يختلف فيها الناس السالمو الأذواق .فأما المتقدمون فقال سُقراط : سبب الجمال حبّ النفع ، وقال أفلاطون : «الجمال أمر إلا هي أزلي موجود فِي عالم العقل غير قابل للتغير قد تمتعت الأرواح به قبل هبوطها إلى الأجسام فلمّا نزلت إلى الأجسام صارت مهماً رأت شيئاً على مِثال ما عهِدته في العوالم العقلية وهي عالم المِثال مَالت إليه لأنّه مألوفها من قبل هبوطها» . وذهب الطبائعيون : إلى أنّ الجمال شيء ينشأ عندنا عن الإحساسسِ بالحواس . ورأيتُ في كتاب «جامع أسرار الطب» للحكيم عبد الملك ابن زُهر القرطبي «العشق الحسي إنما هو ميل النفس إلى الشيء الذي تستحسنه وتستلذّه ، وذلك أنّ الروح النفساني الذي مسكنه الدمَاغ قريب من النور البصري الذي يحيط بالعين ومتصل بمؤخّر الدماغ وهو الذُّكْر فإذا نظرت العين إلى الشيء المستحسَن انضم النوري البصريّ وارتَعَد فبذلك الانضمام والارتعاد يتصل بالروح النفساني فيقبله قبولاً حسناً ثم يودعه الذُّكر فيوجب ذلك المحبةَ . ويشترك أيضاً بالروح الحيواني الذي مسكنه القَلب لاتصاله بأفعاله في الجسد كله فحينئذ تكون الفكرة والهم والسهر» .والحق أنّ منشأ الشعور بالجمال قد يكون عن الملائم ، وعن التأثّر العصبي ، وهو يرجع إلى الملائم أيضاً كتأثّر المحمُوم باللون الأحمر ، وعن الإلف والعادة بكثرة الممارسة ، وهو يرجع إلى الملائم كما قال ابن الرومي :وحَبّبَ أوطَانَ الرجاللِ إليهِمُ ... مآربُ قَضّاها الشبابُ هُنالِكإذَا ذَكَروا أوطانَهم ذَكّرَتْهُمُ ... عُهُودَ الصِّبَا فيها فحنوا لِذَلِكَوعن ترقّب الخير والمنفعة وهو يرجع إلى الملائم ، وعن اعتقاد الكمال والفضيلة وهو يرجع إلى المألوف الراجع إلى الممارسة بسبب ترقّب الخير من صاحب الكمال والفضيلة .ووراء ذلك كلّهِ شيءٌ من الجمال ومن المحبة لا يمكن تعليله وهو استحسان الذوات الحسنة واستقباح الأشياء الموحشة فنرى الطفل الذي لا إلف له بشيء ينفر من الأشياء التي نراها وحشة .وقد اختلف المتقدمون في أنّ المحبة والجمال هل يقصران على المحسوسات : فالذين قصروهما على المحسوسات لم يثبتوا غير المحبّة المادية ، والذين لم يقصروهما عليها أثبتوا المحبة الرمزية ، أعني المتعلقة بالأكوان غير المحسوسة كمحبةِ العبد للَّهِ تعالى ، وهذا هو الحق ، وقال به من المتقدّمين أفلاطون ، ومن المسلمين الغزالي وفخر الدين وقد أضيفت هذه المحبة إلى أفلاطون ، فقيل محبة أفلاطونية : لأنّه بحث عنها وعلَّلَها فإننا نسمع بصفات مشاهير الرجال مثل الرسل وأهل الخير والذين نفعوا الناس ، والذين اتصفوا بمحامد الصفات كالعِلم والكرم والعدل ، فنجد من أنفسنا ميلاً إلى ذكرهم ثم يقوى ذلك الميلُ حتى يصير محبّة منا إياهم مع أننا ما عرفناهم ، ألا ترى أنّ مزاولة كتب الحديث والسيرةِ ممّا يقوّي محبة المزاوِل في الرسول صلى الله عليه وسلم وكذلك صفات الخالق تعالى ، لما كانت كلها كمالات وإحساناً إلينا وإصلاحاً لفاسدنا ، أكسبنا اعتقادُها إجلالاً لموصوفها ، ثم يذهب ذلك الإجلال يقوَى إلى أن يصير محبّة وفي الحديث :« ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان : أنْ يكونَ الله ورسوله أحبّ إليه ممّا سواهما ، وأن يُحب المرءَ لا يحبّه إلاّ لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار » فكانت هذه الثلاثة من قبيل المحبّة ولذلك جُعل عندها وجدان حلاوة الإيمان أي وجدانه جميلاً عند معتقدِه .فأصحاب الرأي الأول يرون تعليق المحبة بذات الله في هذه الآية ونحوها مجازاً بتشبيه الرغبة في مرضاته بالمحبة ، وأصحاب الرأي الثاني يرونه حقيقة وهو الصحيح .ومن آثار المحبّة تطلّب القرب من المحبوب والاتّصاللِ به واجتناب فراقه . ومن آثارها محبة ما يسّره ويرضيه ، واجتناب ما يغضبه ، فتعليق لزوم اتّباع الرسول على محبة الله تعالى لأنّ الرسول دعا إلى ما يأمر الله به وإلى إفراد الوجهة إليه ، وذلك كمال المحبّة .وأما إطلاق المحبة في قوله : { يحببكم الله } فهو مجاز لا محالة أريد به لازم المحبّة وهو الرضى وسَوْق المنفعة ونحو ذلك من تجليات لله يعلمها سبحانه . وهما المعبر عنهما بقوله : { يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم } فإنّ ذلك دليل المحبة وفي القرآن : { وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحِبَّاؤه قل فلمَ يعذبكم بذنوبكم } ( المائدة : 18 .( وتعليق محبة الله إياهم على { فاتبعون } المعلّق على قوله : { إن كنتم تحبون الله } ينتظم منه قياس شرطي اقتراني . ويدل على الحب المزعوم إذا لم يكن معه اتّباع الرسول فهو حبّ كاذب ، لأنّ المحب لمن يحبّ مطيع ، ولأنّ ارتكاب ما يكرهه المحبوب إغاضة له وتلبس بعدوّه وقد قال أبو الطيب :أأحبّه وأحبّ فيه ملامة ... إنّ الملامة فيه من أعدائهفعلم أنّ حب العدوّ لا يجامع الحب وقد قال العتابي :تودّ عدوي ثم تزعم أنّني ... صديقك ليس النوك عنك بعازبوجملة { والله غفور رحيم } في قوة التذييل مثل جملة { والله على كل شيء قدير } [ البقرة : 284 ] المتقدمة . ولم يذكر متعلّق للصفتين ليكون الناس ساعين في تحصيل أسباب المغفرة والرحمة .
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
ثم أمر الله - تعالى - رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرشد الناس إلى الطريق الذى متى سلكوه كانوا حقا محبين لله ، وكانوا من يحبهم - سبحانه - فقال تعالى : { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله فاتبعوني يُحْبِبْكُمُ الله وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } .قال بعضهم : عن الحسن البصرى قال : قال قوم على عهد النبى صلى الله عليه وسلم يا محمد إنا نحب ربنا ، فأنزل الله الآية ، وروى محمد بن إسحاق عن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير قال : " نزلت في نصارى نجران وذلك أنهم قالوا : إنما نعظم المسيح ونعبده حبا لله وتعظيما له فأنزل الله هذه الآية ردا عليهم " .ومحبة العباد لله - كما يقول الزمخشرى - مجاز عن إرادة نفوسهم اختصاصه بالعبادة دون غيره ورغبتهم فيها ، ومحبة الله عباده أن يرضى عنهم ويحمد فعلهم .والمعنى : قل يا محمد للناس على سبيل الإرشاد والتبيين : إن كنتم تحبون الله حقا كما تدعون ، فاتبعوني ، فإن اتباعكم لى يؤدى إلى محبة الله لكم ، وإلى غفرانه لذنوبكم ، وذلك لأن محبة الله ليست دعوة باللسان ، وإنما محبة الله تتحقق باتباع ما أمر به ، واجتناب ما نهى عنه على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم الذى أرسله رحمة للعالمين .قال ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية : " هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية ، بأنه كاذب في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدى ، والدين النبوى في كل أقواله وأعماله كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " .وقوله { يُحْبِبْكُمُ } جواب الأمر ، وهو قوله { فاتبعوني } . وهذا رأى الخليل .ويرى أكثر المتأخرين من النحاة أن قوله " يحببكم الله " جواب لشرط مقدر دل عليه المقام والتقدير : إن كنتم تحبون الله فاتبعونى ، وإن اتبعتمونى يحببكم الله ، أى يمنحكم الثواب الجزيل ، والأجر العظيم ، والرضا الكبير .فأنت ترى أن الآية الكريمة قد بينت أن أول علامات محبة العبد لربه ، هى اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم وأن هذا الاتباع يؤدى إلى محبة الله - تعالى - لهذا العبد وإلى مغفرة ذنوبه .ومحبة الله لعبده هى منتهى الأمانى ، وغاية الآمال ، ولذا قال بعض الحكماء : " ليس الشأن أن تحب إنما الشأن أن تَحب " . ومحبة الله إنما تتأتى بإخلاص العبادة والوقوف عند حدوده والاستجابة لتعاليم رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وكل من يدعى أنه محب لله وهو معرض عن أوامره ونواهيه فهو كاذب فى دعواه كما قال الشاعر الصوفى :تعصى الإله وأنت تظهر حبه ... هذا لعمرى في القياس بديعلو كان حبك صادقاً لأطعته ... إن المحب لمن يحب مطيعثم ختم - سبحانه - الآية بوصفين جليلين فقال : { والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أى أنه - سبحانه - كثير الغفران والرحمة لمن تقرب إليه بالطاعة ، واتبع رسوله فيما جاء به من عنده .
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
قوله تعالى : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) نزلت في اليهود والنصارى حيث قالوا : نحن أبناء الله وأحباؤه .وقال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما : وقف النبي صلى الله عليه وسلم على قريش وهم في المسجد الحرام وقد نصبوا أصنامهم وعلقوا عليها بيض النعام وجعلوا في آذانها ( الشنوف ) وهم يسجدون لها ، فقال : يا معشر قريش والله لقد خالفتم ملة أبيكم إبراهيم وإسماعيل " فقالت له قريش إنما نعبدها حبا لله ليقربونا إلى الله زلفى ، فقال الله تعالى : قل يا محمد إن كنتم تحبون الله وتعبدون الأصنام ليقربوكم إليه فاتبعوني يحببكم الله ، فأنا رسوله إليكم وحجته عليكم ، أي اتبعوا شريعتي وسنتي يحببكم الله فحب المؤمنين لله اتباعهم أمره وإيثار طاعته وابتغاء مرضاته ، وحب الله للمؤمنين ثناؤه عليهم وثوابه لهم وعفوه عنهم فذلك قوله تعالى : ( ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم ) .وقيل لما نزلت هذه الآية قال عبد الله بن أبي لأصحابه إن محمدا يجعل طاعته كطاعة الله ويأمرنا أن نحبه كما أحبت النصارى عيسى ابن مريم