تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
ومن عداوة هؤلاء أنكم -أيها المؤمنون- إن نزل بكم أمرٌ حسن مِن نصر وغنيمة ظهرت عليهم الكآبة والحزن، وإن وقع بكم مكروه من هزيمة أو نقص في الأموال والأنفس والثمرات فرحوا بذلك، وإن تصبروا على ما أصابكم، وتتقوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه، لا يضركم أذى مكرهم. والله بجميع ما يعمل هؤلاء الكفار من الفساد محيط، وسيجازيهم على ذلك.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
«إن تَمْسَسْكُمْ» تصبكم «حسنة» نعمة كنصر وغنيمة «تسؤهم» تحزنهم» «وإن تصبكم سيئة» كهزيمة وجدب «يفرحوا بها» وجملة الشرط متصلة بالشرط قبل وما بينهما اعتراض والمعنى أنهم متناهون في عداوتكم فلم توالوهم فاجتنبوهم «وإن تصبروا» على أذاهم «وتتقوا» الله في موالاتهم وغيرها «لا يضركمْ» بكسر الضاد وسكون الراء وضمها وتشديدها «كيدهم شيئا إن الله بما يعلمون» بالياء والتاء «محيط» عالم فيجازيهم به.
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
قوله تعالى : إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيطقوله تعالى : إن تمسسكم حسنة تسؤهم قرأ السلمي بالياء والباقون بالتاء . واللفظ عام في كل ما يحسن ويسوء . وما ذكره المفسرون من الخصب والجدب واجتماع المؤمنين ودخول الفرقة بينهم إلى غير ذلك من الأقوال أمثلة وليس باختلاف . والمعنى في الآية : أن من كانت من صفته من شدة العداوة والحقد والفرح بنزول الشدائد على المؤمنين ، لم يكن أهلا لأن يتخذ بطانة ، لا سيما في هذا الأمر الجسيم من الجهاد الذي هو ملاك الدنيا والآخرة ; ولقد أحسن القائل في قوله :كل العداوة قد ترجى إفاقتها إلا عداوة من عاداك من حسدوإن تصبروا أي على أذاهم وعلى الطاعة وموالاة المؤمنين . وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا يقال : ضاره يضوره ويضيره ضيرا وضورا ; فشرط تعالى نفي ضررهم بالصبر والتقوى ، فكان ذلك تسلية للمؤمنين وتقوية لنفوسهم .قلت : قرأ الحرميان وأبو عمرو " لا يضركم " من ضار يضير كما ذكرنا ; ومنه قوله لا ضير ، وحذفت الياء لالتقاء الساكنين ; لأنك لما حذفت الضمة من الراء بقيت الراء ساكنة والياء ساكنة فحذفت الياء ، وكانت أولى بالحذف ; لأن قبلها ما يدل عليها . وحكى الكسائي أنه سمع " ضاره يضوره " وأجاز " لا يضركم " وزعم أن في قراءة أبي بن كعب " لا يضرركم " . قرأ الكوفيون : لا يضركم بضم الراء وتشديدها من ضر يضر . ويجوز أن يكون مرفوعا على تقدير إضمار الفاء ; والمعنى : فلا يضركم ، ومنه قول الشاعر :من يفعل الحسنات الله يشكرهاهذا قول الكسائي والفراء ، أو يكون مرفوعا على نية التقديم ; وأنشد سيبويه :وإنك إن يصرع أخوك تصرعأي لا يضركم أن تصبروا وتتقوا . ويجوز أن يكون مجزوما ، وضمت الراء لالتقاء [ ص: 175 ] الساكنين على إتباع الضم . وكذلك قراءة من فتح الراء على أن الفعل مجزوم ، وفتح " يضركم " لالتقاء الساكنين لخفة الفتح ; رواه أبو زيد عن المفضل عن عاصم ، حكاه المهدوي . وحكى النحاس : وزعم المفضل الضبي عن عاصم " لا يضركم " بكسر الراء لالتقاء الساكنين .
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
زاد الله كشفا لِما في صدورهم بقوله : { إن تمسسكم حسنة نسؤهم } أي تصبكم حسنة والمسّ الإصابة ، ولا يختصّ أحدهما بالخير والآخر بالشرّ ، فالتَّعبير بأحدهما في جانب الحسنة ، وبالآخر في جانب السيِّئة ، تفنّن ، وتقدّم عند قوله تعالى : { كالذي يتخبطه الشيطان } من المس في سورة البقرة ( 275 ) .والحسنة والسيِّئة هنا الحادثة أو الحالة الَّتي تحسن عند صاحبها أو تسوء وليس المراد بهما هنا الاصطلاح الشَّرعي .{ وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ الله بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } .أرشد الله المؤمنين إلى كيفية تلقّي أذى العدوّ : بأن يتلقّوه بالصّبر والحذر ، وعبّر عن الحذر بالاتّقاء أي اتّقاء كيدهم وخداعهم ، وقوله { لا يَضِركم كيدهم شيئاً } أي بذلك ينتفي الضرّ كلّه لأنّه أثبت في أوّل الآيات أنّهم لا يضرّون المؤمنين إلاّ أذى ، فالأذى ضرّ خفيف ، فلمَّا انتفى الضرّ الأعظم الَّذي يحتاج في دفعه إلى شديدِ مقاومة من القتال وحراسة وإنفاق ، كان انتفاء ما بَقي من الضرّ هيّناً ، وذلك بالصّبر على الأذى ، وقلّة الاكتراث به ، مع الحذر منهم أن يتوسّلوا بذلك الأذى إلى ما يوصل ضرّاً عظيماً . وفي الحديث : « لا أحد أصبر على أذى يسمعه من اللَّهِ يدعون له نِدّاً وهو يرزقهم » .وقرأ نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، ويعقوب : { لا يضركم } بكسر الضاد وسكون الراء من ضارُه يضيره بمعنى أضرّه . وقرأه ابن عامر ، وحمزة ، وعاصم ، والكسائي ، وأبو جعفر ، وخلف بضم الضاد وضم الراء مشدّدة مِن ضرّهُ يضُرّه ، والضمّة ضمّة إتباع لحركة العين عند الإدغام للتخلّص من التقاء الساكنين : سكون الجزم وسكوننِ الإدغام ، ويجوز في مثله من المضموم العين في المضارع ثلاثةُ وجوه في العربية : الضمّ لإتباع حركة العين ، والفتح لخفّته ، والكسر لأنَّه الأصل في التخلّص من التقاء الساكنين ، ولم يُقرأ إلاّ بالضمّ في المتواتر .
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
ثم ذكر - سبحانه - لونا آخر من ألوان بغض هؤلاء الكافرين للمؤمنين فقال - سبحانه - : { إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا } والمس : أصله الجس باليد . أطلق على كل ما يصل إلى الشىء على سبيل التشبيه ، فيقال : فلان مسه النصب أو التعب ، أى أصابه .والمراد بالحسنة هنا منافع الدنيا على اختلاف ألوانها ، كصحة البدن ، وحصول النصر ، ووجود الألفة والمحبة بين المؤمنين .أى إن تمسسكم - أيها المؤمنون - حسنة كنصركم على أعدائكم . وإصلاح ذات بينكم ، { تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ } كنزول مصيبة بكم ، يفرحوا بها . أى يبتهجوا بها ، وتستطار ألبابهم سرورا وحبورا بسبب ما نزل بكم من مكاره .فالجملة الكريمة بيان لفرط عداوة هؤلاء المنافقين للمؤمنين ، حيث يحسدونهم على ما ينالهم من خيرن ويشمتون بهم عندما ينزل بهم شر .وعبر فى جانب الحسنة بالمس ، وفى جانب السيئة بالإصابة ، للإشارة إلى تمكن الأحقاد من قلوبهم ، بحيث إن أى حسنة حتى ولو كان مسها للمؤمنين خفيفاً وليس غامراً عاما فإن هؤلاء المنافقين يحزنون لذلك ، لأنهم يستكثرون كل خير للمؤمنين حتى ولو كان هذا الخير ضئيلا .أما بالنسبة لما يصيب المؤمنين من مكاره ، فإن هؤلاء المنافقين لا يفرحون بالمصيبة التى تمس المؤمنين مساً خفيفاً ، فإنها لا تشفى غيظهم وحقدهم ، وإنما يفرحون بالمصائب الشديدة الت تؤذى المؤمنين فى دينهم ودنياهم أذى شديدا ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بغرشاد المؤمنين إلى الدواء الذى يتقون به كيد أعدائهم وأعدائه فقال - تعالى - : { وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ الله بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } .وقوله : { تَصْبِرُواْ } من الصبر وهو حبس النفس على ما يقتضيه الشرع والعقل .وقوله : { وَتَتَّقُواْ } من التقوى وهى صيانة الإنسان نفسه عن محارم الله .وقوله : { كَيْدُهُمْ } من الكيد وهو أن يحتال الشخص ليوقع غيره في مكروه .والمعنى : { وَإِن تَصْبِرُواْ } أيها المؤمنون على طاعة الله ، فتضبطوا أنفسكم ولا تنساقوا فى مبحة من لا يستحق المحبة ، وتتحملوا بعزيمة صادقة مشاق التكاليف التى كلفكم الله بها ، وتقاوموا العداوة بمثلها { وَتَتَّقُواْ } الله - تعالى - فى كل ما نهاكم عنه ، وتمتثلوا أمره فى كل ما أمركم به ، إن فعلتم ذلك { لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ } وتدبيرهم السىء { شَيْئاً } من الضرر ببركة هاتين الفضيلتين : الصبر والتقوى ، فإنهما جامعتان لمحاسن الطاعات ، ومكارم الأخلاق .وإن لم تفعلوا ذلك اصابكم الضرر ، واستمكنوا منكم بكيدهم ومكرهم ، قال الجمل ما ملخصه : وقوله : { لاَ يَضُرُّكُمْ } وردت فيه قراءتان سبعيتان :إحداهما : بضم الضاد وضم الراء مع التسديد - من ضر يضر .والثانية : { لاَ يَضِرْكُمْ } بكسر الضاد وسكون الراء - من ضار يضير . والفعل فى كليهما مجزوم جواباً للشرط ، وجزمه على القراءة الثانية " يضركم " ظاهر ، وعلى القراءة الأولى " يضركم " يكون مجزوماً بسكون مقدر على آخره منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة الإتباع للتخلص من التقاء الساكنين ، وأصل الفعل يضرركم - بوزن ينصركم - نقلت حركة الراء الأولى إلى الضاد ثم أدغمت فى الثانية ، وحركت الثانية بالضم إتباعاً لحركة الضاد " .وقوله : { شَيْئاً } نصب على المصدرية . أى لا يضركم كيدهم شيئاً من الضرر لا قليلا ولا كثيرا بسبب اعتصامكم بالصبر والتقوى .وقوله : { إِنَّ الله بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } تذييل قصد به إدخال الطمأنينة على قلوب المؤمنين ، والرعب فى قلوب أعدائهم . . أى إنه - سبحانه - محيط بأعمالهم وبكل أحوالهم ، ولا تخفى عليه خافية منها ، وسيجازيهم عليها بما يستحقونه من عذاب أليم بسبب نياتهم الخبيثة ، وأقوالهم الذميمة . وأفعالهم القبيحة .وبهذا نرى أن الآيات الكريمة قد نهت المؤمنين بأسلوب بليغ حكيم عن مصافاة من يخالفونهم فى الدين ، وذكرت لهم من صفات وأحوال هؤلاء المخالفين ما يحملهم على منابذتهم والحذر منهم والبعد عنهم ، وأرشدتهم إلى ما يعينهم على النصر عليهم وعلى التخلص من آثار مكرهم وكيدهم .وإنها لوصايا حكيمة وتوجيهات سديدة ، وإرشادات عالية ، ما أحوج المسلمين فى كل زمان ومكان إلى العمل بها لكى يفلحوا فى دنياهم وآخرتهم .تدبر معى - أخى القارىء - هذه الآيات مرة أخرى فماذا ترى؟إنك تراها توجه إلى المؤمنين نداء محببا إلى نفوسهم ، محركا لحرارة العقيدة فى قلوبهم . . حيث نادتهم بصفة الإيمان ، ونهتهم فى هذا النداء عن اتخاذ أولياء وأصفياء لهم من غير إخوانهم المؤمنين . ولكن هل اكتفت بهذا النهى مع أنه كفيل بحجز المؤمنين علما نهتهم عنه؟كلا ، إنها لم تكتف بذلك ، بل ساقت لهم صورة كاملة السمات لأحوال أعدائهم ، صورة ناطقة بدخائل نفوسهم ، وبمشاعرهم الظاهرة والخفية ، وبانفعالاتهم القلبية والجسدية ، وبحركاتهم الذاهبة والآيبة ، صورة ناطقة بحالهم عندما يلتقون بالمؤمنين ، وبحالهم عندما يفارقونهم ويخلون بأنفسهم ، أو عندما يلتقون بأمثالهم من الضالين . صورة ناطقة بسرورهم عند ما تصيب المسلمين مصيبة ، وبحزنهم عندما يرون المؤمنين فى نعمة يسيرة .صورة ناطقة بموقف المؤمنين منهم وبموقفهم هم من المؤمنين ثم بعد رسم هذه الصورة العجيبة المتكاملة لهم ، يسوق القرآن للمؤمنين أسمى وأحكم ألوان التوجيه والإرشاد الذى يجعلهم فى مأمن من كيدهم ومكرهم { وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً } .أرأيت - يا أخى - كيف ربى القرآن أتباعه أكمل تربية وأحكمها وأسماها؟ إنه نهاهم أولا عن مباطنة أعدائهم ، ثم ساق لهم بعد ذلك من أوصافهم وأحوالهم ما يقنعهم ويحملهم على البعد عنهم ، ثم أرشدهم إلى الدواء الذى ينجيهم من مكرهم .فما أحكمه من توجيه . وما أسماه من إرشاد ، وإن ذلك ليدل على أن هذا القرآن من عند الله { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ الله لَوَجَدُواْ فِيهِ اختلافا كَثِيراً } وإلى هنا تكون سورة آل عمران قد حدثتنا - من بين ما حدثتنا - فى مائة وعشرون آية منها ، عن بعض الأدلة على وحدانية الله - تعالى - ، وعن مظاهر قدرته ورحمته ، وعن كتبه التى أنزلها على أنبيائه لسعادة الناس وهدايتهم وعن حب الناس للشهوات وعما هو أسمى وأفضل من هذه الشهوات الزائلة ، وعن المجادلات التى حدثت بين النبى صلى الله عليه وسلم وبين أهل الكتاب فيما يتعلق بوحدانية الله - تعالى - وبصحة دين الإسلام ، وعن جوانب من قصة آل عمران وما اشتملت عليه من عظات وعبر ، وعن الشبهات التى آثارها اليهود حول الدعوة الإسلامية والمسالك الخبيثة التى سلكوها فى حربهم لها وكيف رد القرآن عليهم بما يفضحهم ويكشف عن كذبهم ، ويجعل المؤمنين يزدادون إيمانا على إيمانهم .والخلاصة أن السورة الكريمة من مطلعها إلى هنا قد ساقت - من بين ما ساقت - ألوانا من الحرب النفسية التى شنها أهل الكتاب على الدعوة الإسلامية ، وردت عليهم بما يخرس ألسنتهم ، ويبصرهم بالحق - إن كانوا طلاب حق - وساقت للمؤمنين من التوجيهات والعظات ، ما يهدى قلوبهم ، ويصلح بالهم ويكفل لهم النصر على أعدائهم .وبعد هذا السبح الطويل فى الحديث عما دار بين المسلمين وبين أعدائهم من حرب كلامية وفكرية ونفسية . . . انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن حروب السيف والسنان ، وما صاحبها من أفكار وأقوال وأفعال .فقد حدثتنا السورة الكريمة فى حوالي ستين آية عن جوانب متعددة من غزوة " أحد " تلك الغزوة التى كانت لها آثارها الهامة في حياة المسلمين وأحوالهم .ولعل من الخير - قبل أن نبدأ فى تفسير الآيات الكريمة التى وردت فى سورة آل عمران بشأن هذه الغزوة - أن نسوق خلاصة تاريخية لهذه الغزوة تعين على فهم الآيات المتعلقة بها ، فنقول :كانت غزوة بدر من الغزوات المشهورة فى تاريخ الدعوة الإسلامية ، فقد انتصر المسلمون فيها انتصارا مؤزرا على كفار قريش .وصمم المشركون على أن يأخذوا بثأرهم من المسلمين ، فجمعوا جموعهم ، وخرجوا فى جيش كبير ، ومعهم بعض نسائهم حت يكون ذلك أبلغ فى استماتة الرجال فى القتال .ووصل مشركو قريش ومعهم حلفاؤهم إلى أطراف المدينة فى أوائل شوال من السنة الثالثة ، وكان عددهم يربو على ثلاثة آلاف رجل .واستشار النبى صلى الله عليه وسلم أصحابه فى شان هؤلاء المشركين الزاحفين إلى المدينة .فكان رأى بعضهم - ومعظمهم من الشباب - الخروج لملاقاة المشركين خارج المدينة .وكان من رأى فريق آخر من الصحابة ، استدراج المشركين إلى أزقة المدينة ومقاتلتهم بداخلها ، وكان النبى صلى الله عليه وسلم يميل إلى رأى هذا الفريق ، إلا أنه آثر الأخذ برأى الفريق الأول الذى يرى أصحابه الخروج لملاقاة المشركين خارج المدينة ، نظراً لكثرة عدد القائلين بذلك .ثم دخل النبى صلى الله عليه وسلم بيته ، ثم خرج منه وقد لبس آلة حربه ، وشعر بعض المسلمين أنهم قد استكرهوا النبى صلى الله عليه وسلم على القتال ، فأظهروا له الرغبة فى النزول على رأيه ، إلا أنه لم يستجب لهم ، وقال كلمته التى تعمل الناس الحزم وعدم التردد : " ما ينبغى لنبى لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه ، لقد دعوتكم إلى هذا الحديث فأبيتم إلا الخروج ، فعليكم بتقوى الله والصبر عند البأس . وانظروا ما أمركم الله به فافعلوه " .ثم خرج النبى صلى الله عليه وسلم فى ألف مقاتل من المسلمين حتى نزل قريباً من جبل " أحد " إلا أن " عبد الله بن أبى بن سلول " انسحب في الطريق بثلث الناس محتجا بأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يأخذ برأيه ، بل أخذ برأى غيره .وعكسر المسلمون بالشعب من أحد ، جاعلين ظهرهم إلى الجبل ، ورسم النبى صلى الله عليه وسلم الخطة لكسب المعركة ، فجاءت خطة محكمة رائعة . فقد وزع الرماة على أماكنهم - وكانوا خمسين راميا- ، وقال لهم : " انضحوا الخيل عنا بالنبل ، لا يأتونا من خلفنا ، إن كانت لنا أو علينا فالزموا أماكنكم لا نؤتين من قبلكم " .وفى رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال لهم : " أحموا ظهورنا ، وإن رأيتمونا نُقتل فلا تنصرونا . وإن رأيتمونا نغنم فلا تُشركونا " .وأخيراً التقى الجمعان ، وأذن النبى صلى الله عليه وسلم لأتباعه أن يجالدوا أعداءهم ، وأظهر المسلمون أسمى صور البطولة والإقدام ، وكان شعارهم فى هذا الالتحام " أمت أمت " .وما هى إلى جولات فى أوائل المعركة ، حتى ولى المشركون المسلمين الأدبار ، ولم يغن عن المشركين شيئاً ما كانت تقوم به نسوتهم من تحريض واستنهاض للعزائم .قال ابن إسحاق : ثم أنزل الله - تعالى - نصره ، وصدق وعده ، فحسوهم بالسيوف حتى كشفوهم عن المعكسر ، وكانت الهزيمة لا شك فيها .ورأى الرماة الهزيمة وهى تحل بقريش ، فتطلعت نفوسهم إلى الغنائم ، وحاول أميرهم ، عبد الله بن جبير أن يمنعهم من ترك أماكنهم عملا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن معظهم تركوا أماكنهم ونزلوا إلى ساحة المعركة ليشاركوا فى جمع الغنائم والأسلاب .وأدرك خالد بن الوليد - وكان ما زال مشركا - أن ظهور المسلمين قد انكشفت بترك الرماة لأماكنهم ، فاهتبل الفرصة على عجل ، واستدار بمن معه من خيل المشركين خلف المسلمين فأحدق بهم ، وأخذ فى مهاجمتهم من مكان ما كانوا ليظنوا أنهم سيهاجمون منه ، فقد كانوا يعتمدون على الرماة فى حماية ظهورهم .وعاد المشركون المنهزمون إلى مقاتلة المسلمين ، بعد أن رأوا ما فعله خالد ومن معه . واضطربت صفوف المسلمين للتحول المفاجىء الذى حدث لهم ، إلا أن فريقا منهم أخذ يقاتل ببسالة وصبر . واستشهد عدد كبير منهم وهم يحاولون شق طريقهم .وأصيب النبى صلى الله عليه وسلم خلال ذلك بجروح بالغة ، وأشيع أنه قد قتل ، إلا أنه صلى الله عليه وسلم جعل يصيح بالمسلمين : إلى عباد الله ، إلى عباد الله . . . فاجتمع إليه نحو ثلاثين رجلا ، ودافعوا عنه دفاع الأبطال المخلصين .ومرت على المسلمين ساعة من أحرج الساعات فى تاريخ الدعوة الإسلامية فقد كان المشركون يهاجمون النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعناد وحقد ، وكان المسلمون مستميتين فى الدفاع عن رسولهم صلى الله عليه وسلم وعن أنفسهم .وكان لهذه الاستماتة آثارها فى تراجع المشركين ، وقد ظنوا أنهم قد أخذوا بثأرهم من المسلمين . .وخشى النبى صلى الله عليه وسلم أن يكون تراجع المشركين من أجل مهاجمة المدينة ، فقال لعلى بن أبى طالب : " اخرج فى آثار القوم فانظر ماذا يصنعون؟ فإن هم جنبوا الخيل وامتطوا الإبل ، فإنهم يريدون مكة . وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل ، فهم يريدون المدينة . فوالذى نفسى بيده لئن أرادوها لأسيرن إليهم ، ثم لأناجزنهم فيها " .قال على : فخرجت فى آثارهم فرأيتهم جنبوا الخيل ، وامتطوا الإبل ، واتجهوا إلى مكة .وعندما انصرف أبو سفيان نادى : إن موعدكم بدر العام المقبل ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لرجل من أصحابه : قل لهم : نعم بيننا وبينك موعد .وانتهت غزوة أحد باستشهاد حوالى سبعين صحابيا من بينهم حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير ، وسعد بن الربيع . وغيرهم من الأبطال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه .وهذه خلاصة لأحداث غزوة أحد كما روتها كتب السيرة .
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
وقوله تعالى : ( إن تمسسكم حسنة ) أي : تصبكم أيها المؤمنون بظهوركم على عدوكم وغنيمة تنالونها منهم ، وتتابع الناس في الدخول في دينكم ، وخصب في معايشكم ( تسؤهم ) تحزنهم ، ( وإن تصبكم سيئة ) مساءة بإخفاق سرية لكم أو إصابة عدو منكم ، أو اختلاف يكون بينكم أو جدب أو نكبة تصبكم ( يفرحوا بها وإن تصبروا ) على أذاهم ( وتتقوا ) وتخافوا ربكم ( لا يضركم ) أي : لا ينقصكم ، ( كيدهم شيئا ) قرأ ابن كثير ونافع وأهل البصرة ( لا يضركم ) بكسر الضاد خفيفة يقال : ضار يضير ضيرا ، وهو جزم على جواب الجزاء ، وقرأ الباقون بضم الضاد وتشديد الراء من ضر يضر ضرا مثل رد يرد ردا وفي رفعه وجهان . أحدهما : أنه أراد الجزم وأصله يضرركم فأدغمت الراء في الراء ونقلت ضمة الراء الأولى إلى الضاد وضمت الثانية اتباعا ، والثاني : أن يكون لا بمعنى ليس ويضمر فيه الفاء تقديره : وإن تصبروا وتتقوا فليس يضركم كيدهم شيئا ، ( إن الله بما يعملون محيط ) عالم .