تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
ليس لك -أيها الرسول- من أمر العباد شيء، بل الأمر كله لله تعالى وحده لا شريك له، ولعل بعض هؤلاء الذين قاتلوك تنشرح صدورهم للإسلام فيسلموا، فيتوب الله عليهم. ومن بقي على كفره يعذبه الله في الدنيا والآخرة بسبب ظلمه وبغيه.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
ونزلت لما كسرت رباعيته صلى الله عليه وسلم وشج وجهه يوم أحد وقال: "" كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم "" (ليس لك من الأمر شيء) بل الأمر لله فاصبر (أو) بمعنى إلى أن (يتوب عليهم) بالإسلام (أو يعذبهم فإنهم ظالمون) بالكفر.
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
قوله تعالى : ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون[ ص: 188 ] فيه مسائل :الأولى : ثبت في صحيح مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كسرت رباعيته يوم أحد ، وشج في رأسه ، فجعل يسلت الدم عنه ويقول : كيف يفلح قوم شجوا رأس نبيهم وكسروا رباعيته وهو يدعوهم إلى الله تعالى فأنزل الله تعالى : ليس لك من الأمر شيء . الضحاك : هم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو على المشركين فأنزل الله تعالى : ليس لك من الأمر شيء . وقيل : استأذن في أن يدعو في استئصالهم ، فلما نزلت هذه الآية علم أن منهم من سيسلم وقد آمن كثير منهم خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعكرمة بن أبي جهل وغيرهم . وروى الترمذي عن ابن عمر قال : وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو على أربعة نفر فأنزل الله عز وجل : ليس لك من الأمر شيء فهداهم الله للإسلام وقال : هذا حديث حسن غريب صحيح . وقوله تعالى : أو يتوب عليهم قيل : هو معطوف على ليقطع طرفا . والمعنى : ليقتل طائفة منهم ، أو يحزنهم بالهزيمة أو يتوب عليهم أو يعذبهم . وقد تكون " أو " هاهنا بمعنى " حتى " و " إلا أن " . قال امرؤ القيس :فقلت له لا تبل عينك إنما نحاول ملكا أو نموت فنعذراقوله عليه السلام : ( كيف يفلح قوم شجوا رأس نبيهم ) استبعاد لتوفيق من فعل ذلك به . وقوله تعالى : ليس لك من الأمر شيء تقريب لما استبعده وإطماع في إسلامهم ، ولما أطمع في ذلك قال - صلى الله عليه وسلم - : اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون كما في صحيح مسلم عن ابن مسعود قال : كأني أنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحكي نبيا من الأنبياء ضربه قومه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول : رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون . قال علماؤنا : فالحاكي في حديث ابن مسعود هو الرسول عليه الصلاة والسلام ، وهو المحكي عنه ; بدليل ما قد جاء صريحا مبينا [ ص: 189 ] أنه عليه الصلاة والسلام لما كسرت رباعيته وشج وجهه يوم أحد شق ذلك على أصحابه شقا شديدا وقالوا : لو دعوت عليهم ! فقال : ( إني لم أبعث لعانا ولكني بعثت داعيا ورحمة ، اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ) . فكأنه عليه السلام أوحي إليه بذلك قبل وقوع قضية أحد ، ولم يعين له ذلك النبي ; فلما وقع له ذلك تعين أنه المعني بذلك بدليل ما ذكرنا . وبينه أيضا ما قاله عمر له في بعض كلامه : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ! لقد دعا نوح على قومه فقال : رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا الآية . ولو دعوت علينا مثلها لهلكنا من عند آخرنا ; فقد وطئ ظهرك وأدمي وجهك وكسرت رباعيتك فأبيت أن تقول إلا خيرا ، فقلت : ( رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ) . وقوله : ( اشتد غضب الله على قوم كسروا رباعية نبيهم ) يعني بذلك المباشر لذلك ، وقد ذكرنا اسمه على اختلاف في ذلك ، وإنما قلنا إنه خصوص في المباشر ; لأنه قد أسلم جماعة ممن شهد أحدا وحسن إسلامهم .الثانية : زعم بعض الكوفيين أن هذه الآية ناسخة للقنوت الذي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعله بعد الركوع في الركعة الأخيرة من الصبح ، واحتج بحديث ابن عمر أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في صلاة الفجر بعد رفع رأسه من الركوع فقال : ( اللهم ربنا ولك الحمد في الآخرة ، ثم قال : اللهم العن فلانا وفلانا ) فأنزل الله عز وجل ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم الآية . أخرجه البخاري ، وأخرجه مسلم أيضا من حديث أبي هريرة أتم منه . وليس هذا موضع نسخ وإنما نبه الله تعالى على نبيه على أن الأمر ليس إليه ، وأنه لا يعلم من الغيب شيئا إلا ما أعلمه ، وأن الأمر كله لله يتوب على من يشاء ويعجل العقوبة لمن يشاء . والتقدير : ليس لك من الأمر شيء ولله ما في السماوات وما في الأرض دونك ودونهم يغفر لمن يشاء [ ص: 190 ] ويتوب على من يشاء . فلا نسخ ، والله أعلم . وبين بقوله : ليس لك من الأمر شيء أن الأمور بقضاء الله وقدره ردا على القدرية وغيرهم .الثالثة : واختلف العلماء في القنوت في صلاة الفجر وغيرها ; فمنع الكوفيون منه في الفجر وغيرها . وهو مذهب الليث ويحيى بن يحيى الليثي الأندلسي صاحب مالك ، وأنكره الشعبي . وفي الموطأ عن ابن عمر : أنه كان لا يقنت في شيء من الصلاة . وروى النسائي ، أنبأنا قتيبة ، عن خلف ، عن أبي مالك الأشجعي عن أبيه قال : صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يقنت ، وصليت خلف أبي بكر فلم يقنت ، وصليت خلف عمر فلم يقنت ، وصليت خلف عثمان فلم يقنت ، وصليت خلف علي فلم يقنت ; ثم قال : يا بني إنها بدعة . وقيل : يقنت في الفجر دائما وفي سائر الصلوات إذا نزل بالمسلمين نازلة ; قاله الشافعي والطبري . وقيل : هو مستحب في صلاة الفجر ، وروي عن الشافعي . وقال الحسن وسحنون : إنه سنة . وهو مقتضى رواية علي بن زياد عن مالك بإعادة تاركه للصلاة عمدا . وحكى الطبري الإجماع على أن تركه غير مفسد للصلاة . وعن الحسن : في تركه سجود السهو ; وهو أحد قولي الشافعي . وذكر الدارقطني عن سعيد بن عبد العزيز فيمن نسي القنوت في صلاة الصبح قال : يسجد سجدتي السهو . واختار مالك قبل الركوع ; وهو قول إسحاق . وروي أيضا عن مالك بعد الركوع ، وروي عن الخلفاء الأربعة ، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق أيضا . وروى عن جماعة من الصحابة التخيير في ذلك . وروى الدارقطني بإسناد صحيح عن أنس أنه قال : ما زال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقنت في صلاة الغداة حتى فارق الدنيا . وذكر أبو داود في المراسيل عن خالد بن أبي عمران قال : بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو على مضر إذ جاءه جبريل فأومأ إليه أن اسكت فسكت ; فقال : ( يا محمد إن الله لم يبعثك سبابا ولا لعانا ، وإنما بعثك رحمة ولم يبعثك [ ص: 191 ] عذابا ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون قال : ثم علمه هذا القنوت فقال : ( اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك ونخنع لك ونخلع ونترك من يكفرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد ونرجو رحمتك ونخاف عذابك الجد إن عذابك بالكافرين ملحق ) .
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
وجملة { ليس لك من الأمر شيء } معترضة بين المتعاطفات ، والخطاب للنَّبيء صلى الله عليه وسلم فيجوز أن تُحْمَل على صريح لفظها ، فيكون المعنى نفي أن يكون للنَّبيء ، أي لقتاله الكفارَ بجيشه من المسلمين ، تأثير في حصول النَّصر يوم بدر ، فإن المسلمين كانوا في قلّة من كُلّ جانب من جوانب القتال ، أي فالنصر حصل بمحض فضل الله على المسلمين ، وهذا من معنى قوله : { فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى } [ الأنفال : 17 ] . ولفظ ( الأمر ) من قوله : { ليس لك من الأمر شيء } معناه الشأن ، و ( أل ) فيه للعهد ، أي من الشأن الذي عرفتموه وهو النَّصر .ويجوز أن تحمل الجملة على أنَّها كناية عن صرف النَّبيء عليْه الصلاة والسلام عن الاشتغال بشأن ما صنع الله بالَّذين كفروا ، من قطع طَرفهم ، وكبْتِهم أو توبة عليهم ، أو تعذيب لهم : أي فذلك موكول إلينا نحقّقُه متى أردنا ، ويتخلّف متى أردنا على حسب ما تقتضيه حكمتنا ، وذلك كالاعتذار عن تخلّف نصر المُسلمين يوم أحُد .فلفظ ( الأمر ) بمعنى شأن المشركين . والتعريفُ فيه عوض عن المضاف إليه ، أي ليس لك من أمرهم اهتمام . وهذا تذكير بما كان للنَّبيء صلى الله عليه وسلم يوم بدر من تخوّف ظهور المشركين عليه ، وإلحاحه في الدّعاء بالنَّصر . ولعلّ النَّبيء صلى الله عليه وسلم كان يوَدّ استيصال جميع المشركين يوم بدر حيث وجد مقتضى ذلك وهو نزول الملائكة لإهلاكهم ، فذكّره الله بذلك أنَّه لم يقدّر استيصالهم جميعاً بل جعل الانتقام منهم ألواناً فانتقم من طائفة بقطع طرَف منهم ، ومن بقيّتهم بالكَبْتتِ ، وهو الحزن على قتلاهم ، وذهاب رؤسائهم ، واختلال أمورهم ، واستبقى طائفة ليتوب عليهم ويهديهم ، فيكونوا قوّة للمسلمين فيؤمنوا بعد ذلك ، وهم من آمن من أهل مكَّة قبل الفتح ، ويوم الفتح : مثل أبي سفيان ، والحارث بن هشام أخي أبي جهل ، وعكرمة بن أبي جهل ، وصفوان بن أمية ، وخالد بن الوليد ، وعذّب طائفة عذاب الدنيا بالأسر ، أو بالقتل : مثل ابن خَطل ، والنضْر بن الحارث ، فلذلك قيل له : «ليس لك من الأمر شيء» .ووضعت هذه الجملة بين المتعاطفات ليظهر أنّ المراد من الأمر هو الأمر الدائر بين هذه الأحوال الأربعة من أحوال المشركين ، أي ليس لك من أمر هذه الأحوال الأربعة شيء ولكنّه موكول إلى الله ، هو أعلم بما سيصيرون إليه وجَعل هذه الجملة قبل قوله : { أو يتوب عليهم } استئناس للنَّبيء صلى الله عليه وسلم إذ قُدّم ما يدلّ على الانتقام منهم لأجله ، ثُمّ أردف بما يدلّ على العفو عنهم ، ثُمّ أردف بما يدلّ على عقابهم ، ففي بعض هذه الأحوال إرضاء له من جانب الانتصار له ، وفي بعضها إرضاء له من جانب تطويعهم له . ولأجل هذا المقصد عاد الكلام إلى بقية عقوبات المشركين بقوله تعالى : { أو يعذبهم } .ولكون التَّذكير بيوم بدر وقع في خلال الإشارة إلى وقعة أحُد ، كأنّ في هذا التَّقسيم إيماء إلى ما يصلح بياناً لِحكمة الهزيمة اللاحقة المسلمين يوم أحُد ، إذ كان في استبقاء كثير من المشركين ، لم يصبهم القتلُ يومئذ ، ادّخار فريق عظيم منهم للإسلام فيما بعد ، بَعْد أن حصل رعبهم من المسلمين بوقعة بدر ، وإن حسِبوا للمسلمين أي حساب بما شاهدوه من شجاعتهم يوم أحُد ، وإن لم ينتصروا . ولا يستقيم أن يكون قوله : { ليس لك من الأمر شيء } متعلّقاً بأحوال يوم أحُد : لأنّ سياق الكلام ينبو عنه ، وحال المشركين يوم أحُد لا يناسبه قولُه : { ليقطع طرفاً من الذين كفروا } إلى قوله : { خائبين } .ووقع في «صَحِيح مسلم» ، عن أنس بن مالك : أنّ النَّبيء صلى الله عليه وسلم شُجّ وجهه ، وكُسرت رباعيته يوم أحُد ، وجاء المسلمون يمسحون الدم عن وجه نبيّهم ، فقال النَّبيء عليْه السَّلام : " كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيّهم وهو يدعوهم إلى ربّهم " أي في حال أنَّه يدعوهم إلى الخير عند ربّهم ، فنزلت الآية ، ومعناه : لا تستبْعِد فلاحهم . ولا شكّ أن قوله فنزلت هذه الآية مُتأوّل على إرادة : : فذُكِّر النَّبيء صلى الله عليه وسلم بهذه الآية ، لظهور أن ما ذكروه غير صالح لأن يكون سبباً لأنّ النَّبيء تعجّب من فلاحهم أو استبعده ، ولم يدّع لنفسه شيئاً ، أو عملاً ، حتَّى يقال : «ليس لك من الأمر شيء» . وروى الترمذي : أنّ النَّبيء صلى الله عليه وسلم دعا على أربعة من المشركين ، وسمّى أناساً ، فنزلت هذه الآية لنهيه عن ذلك ، ثُمّ أسلموا .وقيل : إنَّه همّ بالدعاء ، أو استأذن الله أن يدعو عليهم بالاستيصال ، فنهى . ويردّ هذه الوجوه ما في «صحيح مسلم» ، عن ابن مسعود ، قال : كأنِّي أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبيئاً من الأنبياء ضربه قومه ، وهو يمسح الدم عن وجهه ، وهو يقول : ربّ اغفر لقومي فإنَّهم لا يعلمون . وورد أنَّه لمَّا شجّ وجهه يوم أحُد قال له أصحابه : لو دعوت عليهم ، فقال : إنِّي لم أبعث لَعَّاناً ، ولكِنِّي بعثت داعياً ورحمة ، اللَّهُمّ اهْدِ قومي فإنَّهم لا يعلمون . وما ثبت من خُلقه صلى الله عليه وسلم أنَّه كان لا ينتقم لنفسه .وأغرَبَ جماعة فقالوا نزل قوله : { ليس لك من الأمر شيء } نسخاً لما كان يدعو به النَّبيء صلى الله عليه وسلم في قنوته على رِعْل ، وذكْوان ، وعُصية ، ولِحْيان ، الَّذين قتلوا أصحاب بئر معونة ، وسندهم في ذلك ما وقع في «البخاري» أنّ النَّبيء صلى الله عليه وسلم لم يزل يدعو عليهم ، حتَّى أنزل الله : { ليس لك من الأمر شيء } . قال ابن عطية : وهذا كلام ضعيف كله وليس هذا من مواضع الناسخ والمنسوخ . وكيف يصحّ أن تكون نزلت لنسخ ذلك وهي متوسطة بين علل النَّصر الواقع يوم بدر . وتفسيرُ ما وقع في «صحيح البخاري» من حديث أبي هريرة : أنّ النبي صلى الله عليه وسلم ترك الدعاء على المشركين بعد نزول هذه الآية أخذاً بكامل الأدب ، لأنّ الله لمَّا أعلمه في هذا بما يدلّ على أن الله أعلَمُ بما فيه نفع الإسلام ، ونقمة الكفر ، ترك الدعاء عليهم إذ لعلّهم أن يسلموا . وإذ جعلنا دعاءه صلى الله عليه وسلم على قبائل من المشركين في القنوت شرعاً تقررّ بالاجتهاد في موضع الإباحة لأن أصل الدعاء على العدوّ مباح ، فتركه لذلك بعد نزول هذه الآية ، من قبيل النسخ بالقياس ، نسخت حكم الإباحة التي هي استواء الفعل والترك بإثبات حكم أولوية الفعل .ومنهم من أبعد المرمى ، وزعم أن قوله : { أو يتوب عليهم } منصوب بأن مضمرة وجوباً ، وأنّ ( أو ) بمعنى حتَّى : أي ليس لك من أمر إيمانهم شيء حتَّى يتوب الله عليهم ، أي لا يؤمنون إلاّ إذا تاب عليهم ، وهل يجهل هذا أحد حتَّى يحتاج إلى بيانه ، على أن الجملة وقعت بين علل النصر ، فكيف يشتّت الكلام ، وتنتثر المتعاطفات .ومنهم من جعل { أو يتوب عليهم } عطفاً على قوله { الأمر } أو على قوله { شيء } ، من عطف الفعل على اسم خالص بإضمار أنْ على سبيل الجواز ، أي ليس لك من أمرهم أو توبتهم شيء ، أو ليس لك من الأمر شيء أو توبة عليهم .فإن قلت : هلاّ جمع العقوبات متوالية : فقال ليقطع طرفاً من الَّذين كفروا ، أو يكبتهم فينقلبوا خائبين ، أو يتوبَ عليهم ، أو يعذّبهم ، قلت : روعي قضاء حقّ جمع النظير أولاً ، وجمع الضدّين ثانياً ، بجمع القَطْع والكبْتتِ ، ثم جمع التوبة والعذاب ، على نحو ما أجاب به أبو الطيب عن نقد من نقد قوله في سيف الدّولة :وقفتَ وما في الموت شَكّ لواقف ... كأنَّك في جفن الردى وهو نائمتَمُرّ بك الأبطال كَلْمى حزينة ... ووَجْهُك وَضّاح وثَغرك باسمإذ قدّم من صفتيه تشبيهه بكونه في جفن الردى لمناسبة الموت ، وأخَّر الحال وهي ووجهك وضّاح لمضادّة قوله كلمى حزينة ، في قصة مذكورة في كتب الأدب .واللام الجارّة لام الملك ، وكاف الخطاب لمعيّن ، وهو الرسول عليه الصّلاة والسّلام .وهذه الجملة تجري مجرى المثل إذ ركبت تركيباً وجيزاً محذوفاً منه بعض الكلمات ، ولم أظفر ، فيما حفظت من غير القرآن ، بأنَّها كانت مستعملة عند العرب ، فلعلّها من مبتكرات القرآن ، وقريب منها قوله : { وما أملك لك من اللَّه من شيء } [ الممتحنة : 4 ] وسيجيء قريب منها في قوله الآتي : { يقولون هل لنا من الأمر من شيء } [ آل عمران : 154 ] و { يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا } [ آل عمران : 154 ] فإن كانت حكاية قولهم بلفظه ، فقد دلّ على أنّ هذه الكلمة مستعملة عند العرب ، وإن كان حكاية بالمعنى فلا .وقوله : { فإنهم ظالمون } إشارة إلى أنَّهم بالعقوبة أجدر ، وأنّ التّوبة عليهم إن وقعت فضل من الله تعالى .
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
وقوله { لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمر شَيْءٌ } أى : ليس لك من أمر الناس شىء ، وإنما أمرهم إلى الله وحده ، أما أنت فوظيفتك التبليغ والإرشاد ثم بعد ذلك من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر .وقوله { أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } . أى مما هم فيه من الكفر فيهديهم إلى الإسلام بعد كفرهم وظلالهم .وقوله { أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ } أى أو يعذبهم فى الدنيا والآخرة على كفرهم واجتراحهم للسيئات ، فإنهم بذلك يكونون مستحقين للعقاب ، وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ، فهم الذين صموا آذانهم عن الحق واستحبوا العمى على الهدى .وعلى هذا يكون قوله - تعالى - { لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمر شَيْءٌ } جملة معترضة بين المتعاطفات ويكون تقدير الآيتين هكذا :ولقد نصركم الله ببدر ليهلك طائفة من الذين كفروا بالقتل والأسر ، ا يخزيهم ويغيظهم بالهزيمة ، أو يتوب عليهم إن أسلموا ، أو يعذبهم فى الدنيا والآخرة بسبب ظلمهم ، وليس لك من أمرهم شىء ، إنما أنت رسول ن عند الله - تعالى - مأمور بإنذارهم وجهادهم .وقد رجح هذا الوجه صاحب الكشاف فقال : وقوله : { لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمر شَيْءٌ } اعتراض . والمعنى أن الله مالك أمرهم ، فإما أن يهلكهم أو يهزمهم أو يتوب عليهم إن أسلموا أو يعذبهم إن أصروا على الكفر ، وليس لك من أمرهم شىء إنما أنت عبد مبعوث لإنذارهم ومجاهدتهم . .وقيل إن { أَوْ } بمعنى " إلا أن " كقولك : لألزمنك أو تقضينى حقى ، على معنى ليس لك من أمرهم شىء إلا أن يتوب عليهم فتفرح بحالهم ، أو يعذبهم فتتشفى منهم .فأنت ترى أن الآيتين الكريمتين قد بينتا أحوال الكافرين فى غزوة بدر أكمل بيان ، لأن فريقاً منهم قد قتلوا فقطع بهم طرف من الكافرين ، وفريقاً كبتوا وذلوا ، وفريقا من الله عليهم بالإسلام فأسلموا ، وفريقاً عذبوا بالموت على الكفر أو عذبوا فى الدنيا بالذل والصغار .و " أو " التى جىء بها بين هذه الجمل للتقسيم .هذا ، وقد روى المفسرون فى سبب نزول قوله - تعالى - { لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمر شَيْءٌ } روايات منها ما أخرجه مسلم عن أنس " أن النبى صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد وشج فى وجهه حتى سال الدم على وجهه فقال : كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبهم وهو يدعوهم إلى ربهم - عز وجل - فأنزل الله - تعالى - { لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمر شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ } " .ومنها ما أخرجه البخارى عن أبى هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أرا أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع فربما قال إذا قال سمع الله لمن حمده : " اللهم ربنا ولك الحمد . اللهم أنج الوليد بن الوليد . وسلمة بن هشام ، وعياش بن أبى ربيعة ، اللهم اشدد وطأتك على مضر ، واجعلها عليهم سنين كسنى يوسف " يجهر بذلك . وكان يقول فى بعض صلاته فى صلاة الفجر : اللهم العن فلانا وفلانا " لأحياء من العرب " حتى أنزل الله - تعالى - : { لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمر شَيْءٌ } " .
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
قوله تعالى : ( ليس لك من الأمر شيء ) الآية ، اختلفوا في سبب نزول هذه الآية فقال قوم : نزلت في أهل بئر معونة ، وهم سبعون رجلا من القراء ، بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بئر معونة في صفر سنة أربع من الهجرة على رأس أربعة أشهر من أحد ليعلموا الناس القرآن والعلم ، أميرهم المنذر بن عمرو ، فقتلهم عامر بن الطفيل فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك وجدا شديدا ، وقنت شهرا في الصلوات كلها يدعو على جماعة من تلك القبائل باللعن والسنين فنزلت : ( ليس لك من الأمر شيء )أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا حبان بن موسى ، أخبرنا عبد الله يعني ابن المبارك ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، حدثني سالم ، عن أبيه ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة من الفجر : " اللهم العن فلانا وفلانا وفلانا بعد ما يقول : سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد " فأنزل الله تعالى ( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ) .وقال قوم : نزلت يوم أحد ، أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد ، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي ، أخبرنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، أخبرنا مسلم بن الحجاج ، أخبرنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب ، أخبرنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد وشج في رأسه ، فجعل يسلت الدم عنه ويقول : " كيف يفلح قوم شجوا [ رأس ] نبيهم ، وكسروا رباعيته ، وهو يدعوهم إلى [ الله عز وجل ] فأنزل الله تعالى : ( ليس لك من الأمر شيء ) .وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد : " اللهم العن أبا سفيان اللهم العن الحارث بن هشام ، اللهم العن صفوان بن أمية " فنزلت : ( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم ) فأسلموا وحسن إسلامهم .وقال سعيد بن المسيب ومحمد بن إسحاق لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون يوم أحد ما بأصحابهم من جدع الآذان والأنوف وقطع المذاكير ، قالوا : لئن أدالنا الله تعالى منهم لنفعلن بهم مثل ما فعلوا ، ولنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد فأنزل الله تعالى هذه الآية .وقيل : أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو عليهم بالاستئصال فنزلت هذه الآية وذلك لعلمه فيهم بأن كثيرا منهم يسلمون . فقوله تعالى : ( ليس لك من الأمر شيء ) أي : ليس إليك ، فاللام بمعنى " إلى " كقوله تعالى : " ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان " ( سورة آل عمران - 193 ) أي : إلى الإيمان : قوله تعالى : ( أو يتوب عليهم ) ( قال بعضهم : معناه حتى يتوب عليهم ) أو : إلى أن يتوب عليهم ، وقيل : هو نسق على قوله " ليقطع طرفا " وقوله : ( ليس لك من الأمر شيء ) اعتراض بين نظم الكلام ونظم الآية ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ، ليس لك من الأمر شيء ، بل الأمر أمري في ذلك كله .