تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
قل -أيها الرسول- لمشركي قومك: ما كنتُ أول رسل الله إلى خلقه، وما أدري ما يفعل الله بي ولا بكم في الدنيا، ما أتبع فيما آمركم به وفيما أفعله إلا وحي الله الذي يوحيه إليَّ، وما أنا إلا نذير بيِّن الإنذار.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
«قل ما كنت بدعا» بديعا «من الرسل» أي أول مرسل، قد سبق قبلي كثيرون منهم، فكيف تكذبوني «وما أدري ما يفعل بي ولا بكم» في الدنيا أأخرج من بلدي أم أقتل كما فعل بالأنبياء قبلي، أو ترموني بالحجارة أم يخسف بكم كالمكذبين قبلكم «إن» ما «أتبع إلا ما يوحى إليَّ» أي القرآن ولا أبتدع من عندي شيئا «وما أنا إلا نذير مبين» بيّن الإنذار.
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
قوله تعالى : قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين .قوله تعالى : قل ما كنت بدعا من الرسل أي أول من أرسل ، قد كان قبلي رسل ، عن ابن عباس وغيره . والبدع : الأول . وقرأ عكرمة وغيره ( بدعا ) بفتح الدال ، على تقدير حذف المضاف ، والمعنى : ما كنت صاحب بدع . وقيل : بدع وبديع بمعنى ، مثل نصف ونصيف . وأبدع الشاعر : جاء بالبديع . وشيء بدع ( بالكسر ) أي : مبتدع . وفلان بدع في هذا الأمر أي : بديع . وقوم أبداع ، عن الأخفش . وأنشد قطرب قول عدي بن زيد :فلا أنا بدع من حوادث تعتري رجالا غدت من بعد بؤسي بأسعد[ قوله تعالى : ] وما أدري ما يفعل بي ولا بكم يريد يوم القيامة . ولما نزلت فرح المشركون واليهود والمنافقون وقالوا : كيف نتبع نبيا لا يدري ما يفعل به ولا بنا ، وأنه لا فضل له علينا ، ولولا أنه ابتدع الذي يقوله من تلقاء نفسه لأخبره الذي بعثه بما يفعل به ، فنزلت : ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر فنسخت هذه الآية ، وأرغم الله أنف الكفار . وقالت الصحابة : هنيئا لك يا رسول الله ، لقد بين الله لك ما يفعل بك يا رسول الله ، فليت شعرنا ما هو فاعل بنا ؟ [ ص: 174 ] فنزلت : ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار الآية . ونزلت : وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا قاله أنس وابن عباس وقتادة والحسن وعكرمة والضحاك . وقالت أم العلاء امرأة من الأنصار : اقتسمنا المهاجرين فصار لنا عثمان بن مظعون بن حذافة بن جمح ، فأنزلناه أبياتنا فتوفي ، فقلت : رحمة الله عليك أبا السائب إن الله أكرمك . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : [ وما يدريك أن الله أكرمه ] ؟ فقلت : بأبي وأمي يا رسول الله فمن ؟ قال : [ أما هو فقد جاءه اليقين وما رأينا إلا خيرا فوالله إني لأرجو له الجنة ووالله إني لرسول الله وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ] . قالت : فوالله لا أزكي بعده أحدا أبدا . ذكره الثعلبي ، وقال : وإنما قال هذا حين لم يعلم بغفران ذنبه ، وإنما غفر الله له ذنبه في غزوة الحديبية قبل موته بأربع سنين .قلت : حديث أم العلاء خرجه البخاري ، وروايتي فيه : وما أدري ما يفعل به ليس فيه بي ولا بكم وهو الصحيح إن شاء الله ، على ما يأتي بيانه . والآية ليست منسوخة ; لأنها خبر .قال النحاس : محال أن يكون في هذا ناسخ ولا منسوخ من جهتين : أحدهما أنه خبر ، والآخر أنه من أول السورة إلى هذا الموضع خطاب للمشركين واحتجاج عليهم وتوبيخ لهم ، فوجب أن يكون هذا أيضا خطابا للمشركين كما كان قبله وما بعده ، ومحال أن يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - للمشركين ما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الآخرة ، ولم يزل - صلى الله عليه وسلم - من أول مبعثه إلى مماته يخبر أن من مات على الكفر مخلد في النار ، ومن مات على الإيمان واتبعه وأطاعه فهو في الجنة ، فقد رأى - صلى الله عليه وسلم - ما يفعل به وبهم في الآخرة . وليس يجوز أن يقول لهم ما أدري ما [ ص: 175 ] يفعل بي ولا بكم في الآخرة ، فيقولون كيف نتبعك وأنت لا تدري أتصير إلى خفض ودعة أم إلى عذاب وعقاب . والصحيح في الآية قول الحسن ، كما قرأ علي بن محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى قال حدثنا وكيع قال حدثنا أبو بكر الهذلي عن الحسن : " وما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدنيا " قال أبو جعفر : وهذا أصح قول وأحسنه ، لا يدري - صلى الله عليه وسلم - ما يلحقه وإياهم من مرض وصحة ورخص وغلاء وغنى وفقر . ومثله : ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس : لما اشتد البلاء بأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى في المنام أنه يهاجر إلى أرض ذات نخل وشجر وماء ، فقصها على أصحابه فاستبشروا بذلك ، ورأوا فيها فرجا مما هم فيه من أذى المشركين ، ثم إنهم مكثوا برهة لا يرون ذلك فقالوا : يا رسول الله ، متى نهاجر إلى الأرض التي رأيت ؟ فسكت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله تعالى : وما أدري ما يفعل بي ولا بكم أي : لا أدري أأخرج إلى الموضع الذي رأيته في منامي أم لا . ثم قال : [ إنما هو شيء رأيته في منامي ما أتبع إلا ما يوحى إلي ] أي : لم يوح إلي ما أخبرتكم به . قال القشيري : فعلى هذا لا نسخ في الآية . وقيل : المعنى لا أدري ما يفرض علي وعليكم من الفرائض . واختار الطبري أن يكون المعنى : ما أدري ما يصير إليه أمري وأمركم في الدنيا ، أتؤمنون أم تكفرون ، أم تعاجلون بالعذاب أم تؤخرون .قلت : وهو معنى قول الحسن والسدي وغيرهما . قال الحسن : ما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدنيا ، أما في الآخرة فمعاذ الله ، قد علم أنه في الجنة حين أخذ ميثاقه في الرسل ، ولكن قال ما أدري ما يفعل بي في الدنيا أأخرج كما أخرجت الأنبياء قبلي ، أو أقتل كما قتلت الأنبياء قبلي ، ولا أدري ما يفعل بكم ، أأمتي المصدقة أم المكذبة ، أم أمتي المرمية بالحجارة من السماء قذفا ، أو مخسوف بها خسفا ، ثم نزلت : هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله . يقول : سيظهر دينه على الأديان . ثم قال في أمته : وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم فأخبره تعالى بما يصنع به وبأمته ، ولا نسخ على هذا كله ، والحمد لله .وقال الضحاك أيضا : ما أدري ما يفعل بي ولا بكم أي : ما تؤمرون به وتنهون عنه . وقيل : أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقول للمؤمنين ما أدري ما يفعل بي ولا بكم في القيامة ، ثم بين [ ص: 176 ] الله تعالى ذلك في قوله : ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر وبين فيما بعد ذلك حال المؤمنين ثم بين حال الكافرين .قلت : وهذا معنى القول الأول ، إلا أنه أطلق فيه النسخ بمعنى البيان ، وأنه أمر أن يقول ذلك للمؤمنين ، والصحيح ما ذكرناه عن الحسن وغيره . وما في ما يفعل يجوز أن تكون موصولة ، وأن تكون استفهامية مرفوعة .إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين . وقرئ يوحي أي : الله عز وجل . تقدم في غير موضع .
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9(أعيد الأمر بأن يقول ما هو حجة عليهم لما علمت آنفاً في تفسير قوله : { قل أرأيتم ما تدعون من دون الله } [ الأحقاف : 4 ] الآيات . وهذا جواب عما تضمنه قولهم : { افتراه } [ الأحقاف : 8 ] من إحالتهم صدقه فيما جاء به من الرسالة عن الله إحالة دعتهم إلى نسبة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الافتراء على الله . وإنما لم يعطف على جملة { قل إن افتريته } [ الأحقاف : 8 ] لأن المقصود الارتقاء في الرد عليهم من ردّ إلى أقوى منه فكان هذا كالتعدد والتكرير ، وسيأتي بعده قوله : { قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به } [ الأحقاف : 10 ] . ونظير ذلك ما في سورة المؤمنين ( 81 84 ( { بل قالوا مثل ما قال الأولون إلى قل لمن الأرضُ ومَن فيها إن كنتم تعلمون وقولِه قل من رب السماوات السبع } [ المؤمنون : 86 ] وقوله : { قل من بيده ملكوت كل شيء } [ المؤمنون : 88 ] الخ .والبِدع بكسر الباء وسكون الدال ، معناه البَديع مثل : الخِفّ يعني الخفيف قال امرؤ القيس :يزل الغلام الخف عن صواته ... ومنه : الخِلّ بمعنى الخليل . فالبِدْع : صفة مشبهة بمعنى البَادع ، ومن أسمائه تعالى : «البديع» خالق الأشياء ومخترعها . فالمعنى : ما كنت محدثاً شيئاً لم يكن بين الرسل .و { مِن } ابتدائية ، أي ما كنت آتياً منهم بديعاً غير مماثل لهم فكما سمعتم بالرسل الأولين أخبروا عن رسالة الله إياهم فكذلك أنا فلماذا يعجبون من دعوتي . وهذه الآية صالحة للرد على نصارى زماننا الذين طعنوا في نبوته بمطاعن لا منشأ لها إلا تضليلٌ وتمويه على عامتهم لأن الطاعنين ليسوا من الغباوة بالذين يخفى عليهم بهتانهم كقولهم إنه تزوج النساء ، أو أنه قاتل الذين كفروا ، أو أنه أحبّ زينب بنت جحش .وقوله : { وما أدري ما يُفعل بي ولا بكم } تتميم لقوله : { قل ما كنت بدعاً من الرسل } وهو بمنزلة الاعتراض فإن المشركين كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن مغيبات استهزاء فيقول أحدهم إذا ضلَّت ناقته : أين ناقتي؟ ويقول أحدهم : مَن أبي ، أو نحو ذلك فأمر الله الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعلمهم بأنه لا يدري ما يفعل به ولا بهم ، أي في الدنيا ، وهذا معنى قوله تعالى : { قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنتُ أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسّني السوء } [ الأعراف : 188 ] .ولذلك كان قوله : { إن أتبع إلا ما يوحى } استئنافاً بيانياً وإتماماً لما في قوله : { وما أدرى ما يفعل بي ولا بكم } بأن قصارى ما يدريه هو اتباع ما يُعلمه الله به فهو تخصيص لعمومه ، ومثل علمه بأنه رسول من الله وأن المشركين في النار وأن وراء الموت بعثا . ومثل أنه سيهاجر إلى أرض ذات نخل بين حرتين ، ومثل قوله تعالى :{ إنّا فتحنا لك فتحاً مبيناً } [ الفتح : 1 ] ، ونحو ذلك مما يرجع إلى ما أطلعه الله عليه ، فدع ما أطال به بعض المفسرين هنا من المراد بقوله : { وما أدري ما يفعل بي ولا بكم } ومن كونها منسوخة أو محكمة ومن حُكم نسخ الخبر .ووجه عطف { ولا بكم } على { بي } بإقحام ( لا ( النافية مع أنهما متعلقان بفعل صلة { ما } الموصولة وليس في الصلة نفي ، فلماذا لم يقل : ما يفعل بي وبكم لأن الموصول وصلته لما وقعا مفعولاً للمنفي في قوله : { وما أدري } تناول النفي ما هو في حيّز ذلك الفعل المنفي فصار النفي شاملاً للجميع فحسّن إدخال حرف النفي على المعطوف ، كما حسُن دخول الباء التي شأنها أن تزاد فيجرَّ بها الاسم المنفي المعطوف على اسم ( إن ( وهو مُثبت في قوله تعالى : { أو لم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يَعْىَ بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى } [ الأحقاف : 33 ] لوقوع { أنّ } العاملة فيه في خبر النفي وهو { أو لم يروا } وكذلك زيادة ( مِن ( في قوله تعالى : { ما يَودّ الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن يُنزّل عليكم من خير } [ البقرة : 105 ] فإن { خيرٍ } وقع معمولاً لفعل { يُنزَّل } وهو فعل مثبت ولكنه لما انتفت ودادتهم التنزيلَ صار التنزيل كالمنفي لديهم .وعطف { وما أنا إلا نذير مبين } على جملة { ما كنت بدعا من الرسل } لأنه الغرض المسوق له الكلام بخلاف قوله : { وما أدري ما يفعل بي ولا بكم } . والمعنى : وما أنا نذير مبين لا مُفْتَرٍ ، فالقصر قصر إضافي ، وهو قصر قلب لردّ قولهم { افتراه } .
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
ثم أمره الله - تعالى - أن يبين لهم ما جاءهم به من هداية ، قد جاء بها الرسل من قبله لأقوامهم ، وأنه رسول كسائر الرسل السابقين فقال - تعالى - : ( قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ الرسل . . ) .والبدع من كل شئ : أوله ومبدؤه . يقال : فلان بدع فى هذا الأمر ، أى : هو أول فيه دون أن يسبقه فيه سابق ، من الابتداع بمعنى الاختراع .أى : وقل لهم - أيها الرسول الكريم - إنى لست أول رسول أرسله الله - تعالى - إلى الناس ، وإنما سبقنى كثيرون أنتم تعرفون شيئا من أخبارهم ومن أخبار أقوامهم ، وما دام الأمر كذلك فكيف تنكرون نبوتى ، وتشككون فى دعوتى؟ .وقوله - سبحانه - : ( قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ الرسل وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَيَّ وَمَآ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ) بيان لوظيفته - صلى الله عليه وسلم - . أى : وإننى وأنا رسول الله لا أعلم ما سيفعله الله - تعالى - بى أو بكم فى المستقبل من أمور الدنيا ، هل سأبقى معكم فى مكة أو سأهاجر منها . وهل سيصيبكم العذاب عاجلا أو آجلا؟ فإنى ما أفعل معكم ، ولا أقول لكم إلا ما أوحاه الله - تعالى -إلىَّ ، وما أنا إلا نذير مبين ، أوضح لكم الحق من الباطل ، وأُخوِّفكُم من سوء المصير ، إذا ما بقيتم على كفركم وشرككم .فالمقصود بقوله - تعالى - : ( وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ ) أى : فى دار الدنيا ، أما بالنسبة للآخرة ، فالله - تعالى - قد بشره وبشر أتباعه بالثواب العظيم فى آيات كثيرة ، ومن ذلك قوله - تعالى - : ( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى ) وقوله - سبحانه - : ( وَبَشِّرِ المؤمنين بِأَنَّ لَهُمْ مِّنَ الله فَضْلاً كَبِيراً ) .قال الإِمام ابن كثير ما ملخصه : قال الحسن البصرى فى قوله : ( وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ ) أى : فى الدنيا ، أأخرج كما أخرجت الأنبياء قبلى؟ أم أقتل كما قتلوا ، ولا أدرى أيخسف بكم أو ترمون بالحجارة؟ أما فى الآخرة فمعاذ الله ، قد علم أنه فى الجنة .وهذا القول هو الذى عوّل عليه ابن جرير ، وأنه لا يجوز غيره ، ولا شك أن هذا هو اللائق به - صلى الله عليه وسلم ، فإنه بالنسبة للآخرة ، جازم أنه يصير إلى الجنة ومن اتبعه ، وأما فى الدنيا فلم يدر ما كان يؤول إليه أمره وأمر المشركين . أيؤمنون أم يكفرون فيعذبون فيستأصلون بكفرهم؟والمتدبر فى هذه الآية الكريمة ، يراها قد اشتملت على أسمى ألوان الأدب من النبى - صلى الله عليه وسلم - مع خالقه - عز وجل - فقد فوّض - صلى الله عليه وسلم - أمره إلى خالقه ، وصرح بأنه لا يتبع إلا ما يوحيه إليه سبحانه - وأنه لا علم له بالغيب ، وإنما علم ذلك إلى الله - تعالى - وحده .
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
( قل ما كنت بدعا من الرسل ) أي بديعا ، مثل : نصف ونصيف ، وجمع البدع أبداع ، لست بأول مرسل ، قد بعث قبلي كثير من الأنبياء ، فكيف تنكرون نبوتي . ( وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ) اختلف العلماء في معنى هذه الآية :فقال بعضهم : معناه ما أدري ما يفعل بي ولا بكم يوم القيامة ، فلما نزلت هذه الآية فرح المشركون ، فقالوا : واللات والعزى ما أمرنا وأمر محمد عند الله إلا واحد ، وما له علينا من مزية وفضل ، ولولا أنه ابتدع ما يقوله من ذات نفسه لأخبره الذي بعثه بما يفعل به ، فأنزل الله : " ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر " ، ( الفتح - 2 ) فقالت الصحابة : هنيئا لك يا نبي الله قد علمنا ما يفعل بك ، فماذا يفعل بنا ؟ فأنزل الله تعالى : " ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات " الآية ، ( الفتح - 5 ) وأنزل : " وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا " ( الأحزاب - 47 ) فبين الله تعالى ما يفعل به وبهم . وهذا قول أنس وقتادة والحسن وعكرمة ، قالوا : إنما قال هذا قبل أن يخبر بغفران ذنبه [ وإنما أخبر بغفران ذنبه ] عام الحديبية ، فنسخ ذلك .أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران ، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار ، حدثنا أحمد بن منصور الرمادي ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر عن الزهري ، عن خارجة بن زيد قال : كانت أم العلاء الأنصارية تقول : لما قدم المهاجرون المدينة اقترعت الأنصار على سكنتهم ، قالت [ فطار لنا ] عثمان بن مظعون في السكنى ، فمرض فمرضناه ، ثم توفي فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فدخل فقلت : رحمة الله عليك أبا السائب فشهادتي قد أكرمك الله ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : وما يدريك أن الله قد أكرمه " ؟ فقلت : لا والله لا أدري ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أما هو فقد أتاه اليقين من ربه وإني لأرجو له الخير والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي ولا بكم " قالت : فوالله لا أزكي بعده أحدا أبدا ، قالت : ثم رأيت لعثمان بعد في النوم عينا تجري فقصصتها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : " ذاك عمله " .وقال جماعة : قوله " وما أدري ما يفعل بي ولا بكم " في الدنيا ، أما في الآخرة فقد علم أنه في الجنة ، وأن من كذبه فهو في النار ، ثم اختلفوا فيه :قال ابن عباس - رضي الله عنه - ما : لما اشتد البلاء بأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يرى النائم وهو بمكة أرضا ذات سباخ ونخل رفعت له ، يهاجر إليها ، فقال له أصحابه متى تهاجر إلى الأرض التي أريت ؟ فسكت ، فأنزل الله تعالى هذه الآية : " وما أدري ما يفعل بي ولا بكم " ، أأترك في مكاني أم أخرج وإياكم إلى الأرض التي رفعت لي ؟ .وقال بعضهم : " وما أدري ما يفعل بي ولا بكم " إلى ماذا يصير أمري وأمركم في الدنيا ، بأن أقيم معكم في مكانكم أم أخرج كما أخرجت الأنبياء من قبلي ، أم أقتل كما قتل الأنبياء من قبلي وأنتم أيها المصدقون لا أدري تخرجون معي أم تتركون ، أم ماذا يفعل بكم ، [ وأنتم ] أيها المكذبون ، أترمون بالحجارة من السماء أم يخسف بكم ، أم أي شيء يفعل بكم ، مما فعل بالأمم المكذبة ؟ .ثم أخبر الله - عز وجل - أنه يظهر دينه على الأديان ، فقال : " هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله " ، ( الصف - 9 ) وقال في أمته : " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " ( الأنفال - 33 ) ، فأخبر الله ما يصنع به وبأمته ، هذا قول السدي .( إن أتبع إلا ما يوحى إلي ) أي ما أتبع إلا القرآن ، ولا أبتدع من عندي شيئا ( وما أنا إلا نذير مبين ) .