تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
ليس في الأرض حيوان يَدِبُّ على الأرض أو طائر يطير في السماء بجناحيه إلا جماعات متجانسة الخلق مثلكم. ما تركنا في اللوح المحفوظ شيئًا إلا أثبتناه، ثم إنهم إلى ربهم يحشرون يوم القيامة، فيحاسب الله كلا بما عمل.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
«وما من» زائدة «دابة» تمشي «في الأرض ولا طائر يطير» في الهواء «بجناحيه إلا أمم أمثالكم» في تدبير خلقها ورزقها وأحوالها «ما فرطنا» تركنا «في الكتاب» اللوح المحفوظ «من» زائدة «شىء» فلم نكتبه «ثم إلى ربهم يحشرون» بينهم ويقتص للجماء من القرناه ثم يقول لهم كونوا ترابا.
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
قوله تعالى : وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرونقوله تعالى : وما من دابة في الأرض تقدم معنى الدابة والقول فيه في " البقرة " وأصله الصفة ; من دب يدب فهو داب إذا مشى مشيا فيه تقارب خطو . ولا طائر يطير بجناحيه بخفض طائر عطفا على اللفظ .وقرأ الحسن وعبد الله بن أبي إسحاق ( ولا طائر ) بالرفع عطفا على الموضع ، و ( من ) زائدة ، التقدير : وما من دابة . ( بجناحيه ) تأكيد وإزالة للإبهام ; فإن العرب تستعمل الطيران لغير الطائر ; تقول للرجل : طر في حاجتي ; أي : أسرع ; فذكر بجناحيه ليتمحض القول في الطير ، وهو في غيره مجاز . وقيل : إن اعتدال جسد الطائر بين الجناحين يعينه على الطيران ، ولو كان غير معتدل لكان يميل ; فأعلمنا أن الطيران بالجناحين و ما يمسكهن إلا الله . والجناح أحد ناحيتي الطير الذي يتمكن به من الطيران في الهواء ، وأصله الميل إلى ناحية من النواحي ; ومنه جنحت السفينة إذا مالت إلى ناحية الأرض لاصقة بها فوقفت . وطائر الإنسان عمله ; وفي التنزيل وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه . إلا أمم أمثالكم أي : هم جماعات مثلكم في أن الله عز وجل خلقهم ، وتكفل بأرزاقهم ، وعدل عليهم ، فلا ينبغي أن [ ص: 328 ] تظلموهم ، ولا تجاوزوا فيهم ما أمرتم به . و ( دابة ) تقع على جميع ما دب ; وخص بالذكر ما في الأرض دون السماء لأنه الذي يعرفونه ويعاينونه . وقيل : هي أمثال لنا في التسبيح والدلالة ; والمعنى : وما من دابة ولا طائر إلا وهو يسبح الله تعالى ، ويدل على وحدانيته لو تأمل الكفار . وقال أبو هريرة : هي أمثال لنا على معنى أنه يحشر البهائم غدا ويقتص للجماء من القرناء ، ثم يقول الله لها : كوني ترابا . وهذا اختيار الزجاج فإنه قال : إلا أمم أمثالكم في الخلق والرزق والموت والبعث والاقتصاص ، وقد دخل فيه معنى القول الأول أيضا . وقال سفيان بن عيينة : أي : ما من صنف من الدواب والطير إلا في الناس شبه منه ; فمنهم من يعدو كالأسد ، ومنهم من يشره كالخنزير ، ومنهم من يعوي كالكلب ، ومنهم من يزهو كالطاوس ; فهذا معنى المماثلة . واستحسن الخطابي هذا وقال : فإنك تعاشر البهائم والسباع فخذ حذرك . وقال مجاهد في قوله عز وجل : إلا أمم أمثالكم قال أصناف لهن أسماء تعرف بها كما تعرفون . وقيل غير هذا مما لا يصح من أنها مثلنا في المعرفة ، وأنها تحشر وتنعم في الجنة ، وتعوض من الآلام التي حلت بها في الدنيا وأن أهل الجنة يستأنسون بصورهم ; والصحيح إلا أمم أمثالكم في كونها مخلوقة دالة على الصانع محتاجة إليه مرزوقة من جهته ، كما أن رزقكم على الله . وقول سفيان أيضا حسن ; فإنه تشبيه واقع في الوجود .قوله تعالى : ما فرطنا في الكتاب من شيء أي : في اللوح المحفوظ فإنه أثبت فيه ما يقع من الحوادث . وقيل : أي : في القرآن أي : ما تركنا شيئا من أمر الدين إلا وقد دللنا عليه في القرآن ; إما دلالة مبينة مشروحة ، وإما مجملة يتلقى بيانها من الرسول عليه الصلاة والسلام ، أو من الإجماع ، أو من القياس الذي ثبت بنص الكتاب ; قال الله تعالى : ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وقال : وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم وقال : وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا فأجمل في هذه الآية وآية ( النحل ) ما لم ينص عليه مما لم يذكره ، فصدق خبر الله بأنه ما فرط في الكتاب من شيء إلا ذكره ، إما تفصيلا وإما تأصيلا ; وقال : اليوم أكملت لكم دينكم .قوله تعالى : ثم إلى ربهم يحشرون أي : للجزاء ، كما سبق في خبر أبي هريرة ، وفي صحيح مسلم عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة [ ص: 329 ] الجلحاء من الشاة القرناء . ودل بهذا على أن البهائم تحشر يوم القيامة ; وهذا قول أبي ذر ، وأبي هريرة ، والحسن وغيرهم ; وروي عن ابن عباس ; قال ابن عباس في رواية : حشر الدواب والطير موتها ; وقال الضحاك ; والأول أصح لظاهر الآية والخبر الصحيح ; وفي التنزيل وإذا الوحوش حشرت وقول أبي هريرة فيما روى جعفر بن برقان ، عن يزيد بن الأصم ، عنه : يحشر الله الخلق كلهم يوم القيامة ، البهائم والدواب والطير وكل شيء ; فيبلغ من عدل الله تعالى يومئذ أن يأخذ للجماء من القرناء ثم يقول : ( كوني ترابا ) فذلك قوله تعالى : ويقول الكافر ياليتني كنت ترابا . وقال عطاء : فإذا رأوا بني آدم وما هم عليه من الجزع قلن : الحمد لله الذي لم يجعلنا مثلكم ، فلا جنة نرجو ولا نار نخاف ; فيقول الله تعالى لهن : ( كن ترابا ) فحينئذ يتمنى الكافر أن يكون ترابا . وقالت جماعة : هذا الحشر الذي في الآية يرجع إلى الكفار وما تخلل كلام معترض وإقامة حجج ; وأما الحديث فالمقصود منه التمثيل على جهة تعظيم أمر الحساب والقصاص والاعتناء فيه حتى يفهم منه أنه لا بد لكل أحد منه ، وأنه لا محيص له عنه ; وعضدوا هذا بما في الحديث في غير الصحيح عن بعض رواته من الزيادة فقال : حتى يقاد للشاة الجلحاء من القرناء ، وللحجر لما ركب على الحجر ، وللعود لما خدش العود ; قالوا : فظهر من هذا أن المقصود منه التمثيل المفيد للاعتبار والتهويل ، لأن الجمادات لا يعقل خطابها ولا ثوابها ولا عقابها ، ولم يصر إليه أحد من العقلاء ، ومتخيله من جملة المعتوهين الأغبياء ; قالوا : ولأن القلم لا يجري عليهم فلا يجوز أن يؤاخذوا .قلت : الصحيح القول الأول لما ذكرناه من حديث أبي هريرة ، وإن كان القلم لا يجري عليهم في الأحكام ولكن فيما بينهم يؤاخذون به ; وروي عن أبي ذر قال : انتطحت شاتان عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا أبا ذر ، هل تدري فيما انتطحتا ؟ قلت : لا . قال : لكن الله تعالى يدري وسيقضي بينهما وهذا نص ، وقد زدناه بيانا في كتاب ( التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة ) . والله أعلم .
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
معنى هذه الآية غامض بدءاً . ونهايتها أشدّ غموضاً ، وموقعها في هذا السياق خفي المناسبة . فاعلَم أنّ معنى قوله : { وما من دابّة في الأرض إلى قوله إلاّ أمم أمثالكم } أنّ لها خصائص لكلّ جنس ونوع منها كما لأمم البشر خصائصها ، أي جعل الله لكلّ نوع ما به قوامه وألهمه اتِّباع نظامه وأنّ لها حياة مؤجّلة لا محالة .فمعنى { أمثالكم } المماثلة في الحياة الحيوانية وفي اختصاصها بنظامها .وأمّا معنى قوله : { ثم إلى ربّهم يحشرون } أنّها صائرة إلى الموت . ويعضّده ما روي عن ابن عباس : حشر البهائم موتها ، أي فالحشر مستعمل في مجاز قريب إلى حقيقته اللغوية التي في نحو قوله تعالى : { وحشر لسليمان جنوده } [ النمل : 17 ]. فموقع هذه الآية عند بعض المفسّرين أنّها بمنزلة الدليل على مضمون قوله تعالى : { قل إنّ الله قادر على أن ينزّل آية ولكن أكثرهم لا يعلمون } [ الأنعام : 37 ] ، فيجوز أن تكون معطوفة على جملة { إنّ الله قادر على أن ينزّل آية } [ الأنعام : 37 ] على أنّها من جملة ما أمر النبي بأن يقوله لهم؛ ويجوز أن تكون معطوفة على جملة : { قُل إنّ الله قادر } [ الأنعام : 37 ] على أنّها من خطاب الله لهم . أي أنّ الذي خلق أنواع الأحياء كلِّها وجعلها كالأمم ذات خصائص جامعة لأفراد كلّ نوع منها فكان خلقها آية على عظيم قدرته لا يعجزه أن يأتي بآية حسب مقترحكم ولكنّكم لا تعلمون الحكمة في عدم إجابتكم لما سألتم . ويكون تعقيبه بقوله تعالى : { والّذين كذّبوا بآياتنا صمّ وبُكْم } [ الأنعام : 39 ] الآية واضح المناسبة ، أي لا يهتدون إلى ما في عوالم الدواب والطير من الدلائل على وحدانية الله .وأمّا قوله : { ثمّ إلى ربّهم يحشرون } فإن نظرنا إليه مستقلاً بنصّه غير ملتفتين إلى ما نيط به من آثار مروية في تفسيره؛ فأول ما يبدو للناظر أنّ ضميري { ربّهم } و { يحشرون } عائدان إلى { دابّة } و { طائر } باعتبار دلالتهما على جماعات الدّواب والطير لوقوعهما في حيّز حرف ( مِنْ ) المفيدة للعموم في سياق النفي ، فيتساءل الناظر عن ذلك وهما ضميران موضوعان للعقلاء . وقد تأولوا لوقوع الضميرين على غير العقلاء بوجهين : أحدهما أنّه بناءٌ على التغليب إذ جاء بعده { إلاّ أمم أمثالكم }.الوجه الثاني أنّهما عائدان إلى { أمم أمثالكم } ، أي أنّ الأمم كلّها محشورة إلى الله تعالى .وأحسن من ذلك تأويلاً أن يكون الضميران عائديْن إلى ما عادت إليه ضمائر الغيبة في هذه الآيات التي آخرها ضمير { وقالوا لولا نزّل عليه آية من ربّه } ، فيكون موقع جملة { ثم إلى ربّهم يحشرون } موقع الإدماج والاستطراد مجابهة للمشركين بأنَّهم محشورون إلى الله لا محالة وإن أنكروا ذلك .فإذا وقع الإلتفات إلى ما روي من الآثار المتعلّقة بالآية كان الأمر مُشكلاً .فقد روى مسلم عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لتُؤَدّنّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتّى يقاد للشّاة الجلحاء ( التي لا قرن لها ، وفي رواية غيره : الجَماء ) من الشاة القرناء " وروى أحمد بن حنبل وأبو داوود الطيالسي في «مسنديهما» عن أبي ذرّ قال : انتطحت شاتان أو عنزان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا أبا ذر أتدري فيم انتطحتا ، قلت : لا ، قال : لكن الله يدري وسيقضي بينهما يوم القيامة . فهذا مقتض إثبات حشر الدوابّ ليوم الحساب ، فكان معناه خفي الحكمة إذ من المحقّق انتفاء تكليف الدوابّ والطير تبعاً لانتفاء العقل عنها . وكان موقعها جلي المناسبة بما قاله الفخر نقلاً عن عبد الجبّار بأنّه لمّا قدّم الله أنّ الكفّار يُرجعون إليه ويحشرون بيّن بعده أنّ الدوابّ والطير أمم أمثالهم في أنّهم يحشرون . والمقصود بيان أنّ الحشر والبعث كما هو حاصل في الناس حاصل في البهائم . وهذا ظاهر قوله : { يحشرون } لأنّ غالب إطلاق الحشر في القرآن على الحشر للحساب ، فيناسب أن تكون جملة : { وما من دابّة في الأرض } الآية عطفاً على جملة : { والموتى يبعثهم الله } ، فإنّ المشركين ينكرون البعث ويجعلون إخبار الرسول عليه الصلاة والسلام به من أسباب تهمته فيما جاء به ، فلمّا توعّدهم الله بالآية السابقة بأنّهم إليه يرجعون زاد أن سجّل عليهم جهلهم فأخبرهم بما هو أعجب ممّا أنكروه ، وهو إعلامهم بأنّ الحشر ليس يختصّ بالبشر بل يعمّ كلّ ما فيه حياة من الدّوابّ والطير . فالمقصود من هذا الخبر هو قوله : { ثم إلى ربّهم يحشرون }.وأمّا ما قبله فهو بمنزلة المقدمة له والاستدلال عليه ، أي فالدّوابّ والطير تبعث مثل البشر وتحضر أفرادها كلّها يوم الحشر ، وذلك يقتضي لا محالة أن يقتصّ لها ، فقد تكون حكمة حشرها تابعة لإلقاء الأرض وما فيها وإعادة أجزاء الحيوان .وإذا كان المراد من هذين الحديثين ظاهرهما فإنّ هذا مظهر من مظاهر الحق يوم القيامة لإصلاح ما فرط في عالم الفناء من رواج الباطل وحكم القوة على العدالة ، ويكون القصاص بتمكين المظلوم من الدوابّ من ردّ فعل ظالمه كيلا يستقرّ بالباطل . فهو من قبيل ترتّب المسبّبات على أسبابها شبيه بخطاب الوضع ، وليس في ذلك ثواب ولا عقاب لانتفاء التكليف ثم تصير الدواب يومئذٍ تراباً ، كما ورد في رواية عن أبي هريرة في قوله تعالى : { ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً } [ النبأ : 40 ]. قال المازري في المُعَلِم : واضطرب العلماء في بعث البهائم . وأقوى ما تعلّق به من يقول ببعثها قوله تعالى : { وإذا الوحوش حشرت }.وقد قيل : إنّ هذا كلّه تمثيل للعدل . ونسبه المازري إلى بعض شيوخه قال : هو ضرب مَثل إعلاماً للخلق بأن لا يبقى حقّ عند أحد .والدابّة مشتقّة من دبّ إذا مشى على الأرض ، وهي اسم لكلّ ما يدبّ على الأرض . وقوله : { في الأرض } صفة قصد منها إفادة التعميم والشمول بذكر اسم المكان الذي يحوي جميع الدوابّ وهو الأرض ، وكذلك وصف { طائر } بقوله { يطير بجناحيه } قصد به الشمول والإحاطة ، لأنّه وصف آيل إلى معنى التوكيد ، لأنّ مفاد { يطير بجناحيه } أنَّه طائر ، كأنَّه قيل : ولا طائر ولا طائر . والتوكيد هنا يؤكّد معنى الشمول الذي دلّت عليه ( من ) الزائدة في سياق النفي؛ فحصل من هذين الوصفين تقرير معنى الشمول الحاصل من نفي اسمي الجنسين . ونكتة التوكيد أنّ الخبر لغرابته عندهم وكونه مظنّة إنكارهم أنَّه حقيق بأن يؤكّد .ووقع في «المفتاح» في بحث إتباع المسند إليه بالبيان أنّ هذين الوصفين في هذه الآية للدلالة على أنّ القصد من اللفظين الجنس لا بعض الأفراد وهو غير ما في «الكشاف» ، وكيف يتوهَّم أنّ المقصود بعض الأفراد ووجود ( مِن ) في النفي نصّ على نفي الجنس دون الوحدة .وبهذا تعلم أن ليس وصف { يطير بجناحيه } وارداً لرفع احتمال المجاز في { طائر } كما جنح إليه كثير من المفسِّرين وإن كان رفع احتمال المجاز من جملة نكت التوكيد اللفظي إلاّ أنّه غير مطّرد ، ولأنّ اعتبار تأكيد العموم أولى ، بخلاف نحو قولهم :نظرته بعيني وسمعته بأذني . وقول صخْر: ... شر واتّخذت من شَعَر صدارهاإذ من المعلوم أنّ الصّدار لا يكون إلاّ من شَعَر .و { أمم } جمع أمّة . والأمّة أصلها الجماعة من الناس المتماثلة في صفات ذاتية من نسب أو لغة أو عادة أو جنس أو نوع . قيل : سمّيت أمة لأنّ أفرادها تؤمّ أمَماً واحداً وهو ما يجمع مقوّماتها .وأحسب أنّ لفظ أمَّة خاصّ بالجماعة العظيمة من البشر ، فلا يقال في اللغة أمّة الملائكة ولا أمّة السباع . فأمّا إطلاق الأمم على الدّوابّ والطير في هذه الآية فهو مجاز ، أي مثل الأمم لأنّ كلّ نوع منها تجتمع أفراده في صفات متّحدة بينها أمماً واحدة ، وهو ما يجمعها وأحسب أنّها خاصّة بالبشر .و { دابّة } و { طائر } في سياق النفي يُراد بهما جميع أفراد النوعين كما هو شأن الاستغراق ، فالإخبار عنهما بلفظ { أمم } وهو جمع على تأويله بجماعاتها ، أي إلاّ جماعاتها أمم ، أو إلاّ أفراد أمم .وتشمل الأرض البحر لأنَّه من الأرض ولأنّ مخلوقاته يطلق عليها لفظ الدابَّة ، كما ورد في حديث سرية سِيف البحر قول جابر بن عبد الله : فألقى لنا البحر دابّة يقال لها العنبر .والمماثلة في قوله : { أمثالكم } التشابه في فصول الحقائق والخاصّات التي تميّز كلّ نوع من غيره ، وهي النظم الفطرية التي فطر الله عليها أنواع المخلوقات . فالدّواب والطير تُماثل الأناسي في أنّها خلقت على طبيعة تشترك فيها أفراد أنواعها وأنّها مخلوقة لله معطاة حياة مقدّرة مع تقدير أرزاقها وولادتها وشبابها وهرمها ، ولها نظم لا تستطيع تبديلها .وليست المماثلة براجعة إلى جميع الصفات فإنّها لا تماثل الإنسان في التفكير والحضارة المكتسبة من الفكر الذي اختصّ به الإنسان . ولذلك لا يصحّ أن يكون لغير الإنسان نظام دولة ولا شرائع ولا رسل ترسل إليهن لانعدام عقل التكليف فيهنّ ، وكذلك لا يصحّ أن توصف بمعرفة الله تعالى . وأما قوله تعالى : { وإنْ من شيء إلاّ يُسبّح بحمده } [ الإسراء : 44 ] فذلك بلسان الحال في العجماوات حين نراها بَهِجَة عند حصول ما يلائمها فنراها مرحة فرحة . وإنّما ذلك بما ساق الله إليها من النعمة وهي لا تفقه أصلها ولكنّها تحسّ بأثرها فتبتهج ، ولأنّ في كل نوع منها خصائص لها دلالة على عظيم قدرة الله وعلمه تختلف عن بقية الأنواع من جنسه والمقصد من هذا صرف الأفهام إلى الاعتبار بنظام الخلق الذي أودعه الله في كلّ نوع ، والخطاب في قوله : { أمثالكم } موجّه إلى المشركين .وجملة : { ما فرطنا في الكتاب من شيء } معترضة لبيان سعة علم الله تعالى وعظيم قدرته . فالكتاب هنا بمعنى المكتوب ، وهو المكنّى عنه بالقلم المراد به ما سبق في علم الله وإرادته الجارية على ، وفْقِه كما تقدّم في قوله تعالى : { كتب على نفسه الرحمة } [ الأنعام : 12 ].وقيل الكتاب القرآن . وهذا بعيد إذ لا مناسبة بالغرض على هذا التفسير ، فقد أورد كيف يشتمل القرآن على كلّ شيء . وقد بسط فخر الدين بيان ذلك لاختيار هذا القول وكذلك أبو إسحاق الشاطبي في «الموافقات» .والتفريط : الترك والإهمال ، وتقدّم بيانه آنفاً عند قوله تعالى : { قالوا يا حسرتنا على ما فرّطنا فيها } [ الأنعام : 31 ].والشيء هو الموجود . والمراد به هنا أحوال المخلوقات كما يدلّ عليه السياق فشمل أحوال الدّواب والطير فإنّها معلومة لله تعالى مقدّرة عنده بما أودع فيها من حكمة خلقه تعالى .وقوله { ثم إلى ربِّهم يحشرون } تقدّم تفسيره آنفاً في أوّل تفسير هذه الآية . وفي الآية تنبيه للمسلمين على الرفق بالحيوان فإنّ الإخبار بأنّها أمم أمثالنا تنبيه على المشاركة في المخلوقية وصفات الحيوانية كلّها . وفي قوله : { ثم إلى ربِّهم يحشرون } إلقاء للحذر من الاعتداء عليها بما نهى الشرع عنه من تعذيبها وإذا كان يقتصّ لبعضها من بعض وهي غير مكلّفة ، فالاقتصاص من الإنسان لها أولى بالعدل . وقد ثبت في الحديث الصحيح : أنّ الله شكر للذي سقى الكلب العطشان ، وأنّ الله أدخل امرأة النار في هرّة حبستها فماتت جوعاً .
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
ثم ذكر - سبحانه - بعض الآيات الكونية المبثوثة فى الأرض والجو والمعروضة على البصائر والأبصار فقال - تعالى - :{ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأرض وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ } .الدابة : كل ما يدب على الأرض من حيوان . والطائر : كل ذى جناح يسبح فى الهواء ، والأمم : جمع أمة وهى جماعة يجمعهم أمر ما .والمعنى : إنه لا يوجد نوع ما من أنواع الأحياء التى تدب على الأرض ولا من أنواع الطير التى تسبح فى الهواء إلا وهى أمم مماثلة لكم فى أن الله خلقهم وتكفل بأرزاقهم .قال صاحب الكشاف : فإن قلت ما الغرض من ذكر ذلكظ قلت : الدلالة عن عظم قدرة الله . وسعة سلطانه ، وتدبير تلك الخلائق المتفاوتة الأجناس ، المتكاثرة الأصناف ، وهو حافظ لما لها ، وما عليها ، مهيمن على أحوالها ، لا يشغله شأن من شأن ، وأن المكلفين ليسوا بمخصوصين بذلك دون من عداهم من سائر الحيوان " .وذكر الجناحين فى الطير لتوجيه الأنظار إلى بديع صنعه - سبحانه - وحسن خلقه .قال - تعالى - : { أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطير فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرحمن إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ } ثم قال - تعالى - : { مَّا فَرَّطْنَا فِي الكتاب مِن شَيْءٍ ثُمَّ إلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } .التفريط فى الأمر : التقصير فيه وتضييعه حتى يفوت . والمراد بالكتاب اللوح المحفوظ وقيل المراد به القرآن .والمعنى : ما تركنا فى الكتاب شيئاً لم نحصه ولم نثبته ، وإنما أحطنا بكل شىء علماً ، وليس من مخلوق صغر أو كبر فى هذا الوجود إلا وسيجمع يوم القيامة أمام خالقه .فالآية الكريمة مسوقة لبيان سعة علم الله - تعالى - وكمال قدرته ، لتكون كالدليل على أنه - سبحانه - قادر على تنزيل الآية التى اقترحوها ، وإنما لم ينزلها لأن حكمته تقتضى ذلك .وجملة { مَّا فَرَّطْنَا فِي الكتاب مِن شَيْءٍ } معترضة لتقرير مضمون ما قبلها .والتعبير بثم فى قوله { ثُمَّ إلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } للإشارة إلى أنهم أعداد لا يحصيها العد ، وجمعهم ليس يسيرا فى ذاته ، وإن كان بالنسبة لقدرته - تعالى - أمرا هينا .ويرى بعض العلماء أن المراد بحشر البهائم موتها . ويرى آخرون أن المراد بعثها يوم القيامة لقوله - تعالى - : { وَإِذَا الوحوش حُشِرَتْ } وفى الحديث الشريف عن أبى ذر الغفارى أن النبى صلى الله عليه وسلم " رأى شاتين تتناطحان فقال : يا أبا ذر هل تدرى فيم تتناطحان؟ قال : لا . قال : ولكن الله يدرى ويقضى بينهما " .
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
قوله عز وجل : ( وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه ) قيد الطيران بالجناح تأكيدا كما يقال نظرت بعيني وأخذت بيدي ، ( إلا أمم أمثالكم ) قال مجاهد : أصناف مصنفة تعرف بأسمائها يريد أن كل جنس من الحيوان أمة ، فالطير أمة ، والدواب أمة ، والسباع أمة ، تعرف بأسمائها ، مثل بني آدم ، يعرفون بأسمائهم ، يقال : الإنس والناس .أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو عبد الرحمن بن أبي شريح أنا أبو القاسم البغوي أنا علي بن الجعد أنا المبارك هو ابن فضالة عن الحسن عن عبد الله بن مغفل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لولا أن الكلاب أمة لأمرت بقتلها ، فاقتلوا منها كل أسود بهيم ) .وقيل : أمم أمثالكم : يفقه بعضهم عن بعض ، وقيل : أمم أمثالكم في الخلق والموت والبعث ، وقال عطاء : أمم أمثالكم في التوحيد والمعرفة ، قال ابن قتيبة : أمم أمثالكم في الغذاء وابتغاء الرزق وتوقي المهالك .( ما فرطنا في الكتاب ) أي : في اللوح المحفوظ ، ( من شيء ثم إلى ربهم يحشرون ) قال ابن عباس والضحاك : حشرها موتها ، وقال أبو هريرة : يحشر الله الخلق كلهم يوم القيامة البهائم والدواب والطير ، وكل شيء فيأخذ للجماء من القرناء ، ثم يقول : كوني ترابا فحينئذ يتمنى الكافر ويقول : ( يا ليتني كنت ترابا ) .أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي أنا أبو الحسن الطيسفوني أخبرنا عبد الله بن عمر الجوهري أنا أحمد بن علي الكشميهني أنا علي بن حجر أنا إسماعيل بن جعفر عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لتردن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من القرناء " .