تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
ولا تُبْعد -أيها النبي- عن مجالستك ضعفاء المسلمين الذين يعبدون ربهم أول النهار وآخره، يريدون بأعمالهم الصالحة وجه الله، ما عليك من حساب هؤلاء الفقراء من شيء، إنما حسابهم على الله، وليس عليهم شيء من حسابك، فإن أبعدتهم فإنك تكون من المتجاوزين حدود الله، الذين يضعون الشيء في غير موضعه.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
«ولا تطرد الذين يدعون ربَّهم بالغداة والعشي يريدون» بعبادتهم «وجهه» تعالى لا شيئا من أعراض الدنيا وهم الفقراء، وكان المشركون طعنوا فيهم وطلبوا أن يطردهم ليجالسوه وأراد النبي صلي الله عليه وسلم ذلك طمعا في إسلامهم «ما عليك من حسابهم من» زائدة «شيء» إن كان باطنهم غير مرضي «وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم» جواب النفي «فتكون من الظالمين» إن فعلت ذلك.
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
قوله تعالى : ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين .قوله تعالى : ولا تطرد الذين يدعون ربهم الآية . قال المشركون : ولا نرضى بمجالسة أمثال هؤلاء - يعنون سلمان وصهيبا وبلالا وخبابا - فاطردهم عنك ; وطلبوا أن يكتب لهم بذلك ، فهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، ودعا عليا ليكتب ; فقام الفقراء وجلسوا ناحية ; فأنزل الله الآية . ولهذا أشار سعد بقوله في الحديث الصحيح : فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع ; وسيأتي ذكره . وكان النبي صلى الله عليه وسلم إنما مال إلى ذلك طمعا في إسلامهم ، وإسلام قومهم ، ورأى أن ذلك لا يفوت أصحابه شيئا ، ولا ينقص لهم قدرا ، فمال إليه فأنزل الله الآية ، فنهاه عما هم به من الطرد لا أنه أوقع الطرد . روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر ، فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم : اطرد هؤلاء عنك لا يجترئون علينا ; قال : وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان لست أسميهما ، فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع ، فحدث نفسه ، فأنزل الله عز وجل ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه . قيل : المراد بالدعاء المحافظة على الصلاة المكتوبة في الجماعة ; قاله ابن عباس ومجاهد والحسن . وقيل : الذكر وقراءة القرآن . ويحتمل أن يريد الدعاء في أول النهار وآخره ; ليستفتحوا يومهم بالدعاء رغبة في التوفيق . ويختموه بالدعاء طلبا للمغفرة . يريدون وجهه أي : طاعته ، والإخلاص فيها ، أي : يخلصون في عبادتهم وأعمالهم لله ، ويتوجهون بذلك إليه لا لغيره . وقيل : يريدون الله الموصوف بأن له الوجه كما قال : ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام وهو كقوله : والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم . وخص الغداة والعشي بالذكر ; لأن الشغل غالب فيهما على الناس ، ومن كان في وقت الشغل مقبلا على العبادة كان في وقت الفراغ من الشغل أعمل . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يصبر نفسه معهم كما أمره الله في قوله : واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم ، فكان لا يقوم حتى يكونوا هم الذين يبتدئون [ ص: 339 ] القيام ، وقد أخرج هذا المعنى مبينا مكملا ابن ماجه في سننه عن خباب في قول الله عز وجل : ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي إلى قوله : فتكون من الظالمين قال : جاء الأقرع بن حابس التميمي ، وعيينة بن حصن الفزاري فوجدا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صهيب وبلال وعمار وخباب ، قاعدا في ناس من الضعفاء من المؤمنين ; فلما رأوهم حول النبي صلى الله عليه وسلم حقروهم ; فأتوه فخلوا به وقالوا : إنا نريد أن تجعل لنا منك مجلسا تعرف لنا به العرب فضلنا ، فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن ترانا العرب مع هذه الأعبد ، فإذا نحن جئناك فأقمهم عنك ، فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت ; قال : ( نعم ) قالوا : فاكتب لنا عليك كتابا ; قال : فدعا بصحيفة ودعا عليا - رضي الله عنه - ليكتب ونحن قعود في ناحية ; فنزل جبريل عليه السلام فقال : ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين ثم ذكر الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن ; فقال : وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين ثم قال : وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة قال : فدنونا منه حتى وضعنا ركبنا على ركبته ; وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس معنا فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا ; فأنزل الله عز وجل واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تجالس الأشراف ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا يعني عيينة والأقرع ، واتبع هواه وكان أمره فرطا ، أي : هلاكا . قال : أمر عيينة والأقرع ; ثم ضرب لهم مثل الرجلين ومثل الحياة الدنيا . قال خباب : فكنا نقعد مع النبي صلى الله عليه وسلم فإذا بلغنا الساعة التي يقوم فيها قمنا وتركناه حتى يقوم ; رواه عن أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان ، حدثنا عمرو بن محمد العنقزي ، حدثنا أسباط ، عن السدي ، عن أبي سعيد الأزدي ، وكان قارئ الأزد ، عن أبي الكنود ، عن خباب ; وأخرجه أيضا عن سعد ، قال : نزلت هذه الآية فينا ستة ، في وفي ابن مسعود وصهيب وعمار والمقداد وبلال ; قال : قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا لا نرضى أن نكون أتباعا لهم فاطردهم ، قال : فدخل قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ما شاء الله أن يدخل ; فأنزل الله عز وجل : ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي الآية . وقرئ ( بالغدوة ) وسيأتي بيانه في ( الكهف ) إن شاء الله .[ ص: 340 ] قوله تعالى : ما عليك من حسابهم من شيء أي : من جزائهم ولا كفاية أرزاقهم ، أي : جزاؤهم ورزقهم على الله ، وجزاؤك ورزقك على الله لا على غيره . من الأولى للتبعيض ، والثانية زائدة للتوكيد . وكذا وما من حسابك عليهم من شيء المعنى وإذا كان الأمر كذلك فأقبل عليهم وجالسهم ولا تطردهم مراعاة لحق من ليس على مثل حالهم في الدين والفضل ; فإن فعلت كنت ظالما . وحاشاه من وقوع ذلك منه ، وإنما هذا بيان للأحكام ، ولئلا يقع مثل ذلك من غيره من أهل السلام ; وهذا مثل قوله : لئن أشركت ليحبطن عملك وقد علم الله منه أنه لا يشرك ولا يحبط عمله . فتطردهم جواب النفي . فتكون من الظالمين نصب بالفاء في جواب النهي ; المعنى : ولا تطرد الذين يدعون ربهم فتكون من الظالمين ، وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم ، على التقديم والتأخير . والظلم أصله وضع الشيء في غير موضعه . وقد تقدم في البقرة مستوفى ، وقد حصل من قوة الآية والحديث النهي عن أن يعظم أحد لجاهه ولثوبه ، وعن أن يحتقر أحد لخموله ولرثاثة ثوبيه .
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
عطف على قوله : { وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربّهم } [ الأنعام : 51 ] لأنّه في معنى أنذرهم ولازمهم وإن كره ذلك متكبّرو المشركين . فقد أجريت عليهم هنا صلة أخرى هي أنسب بهذا الحكم من الصلة التي قبلها ، كما أنّ تلك أنسبُ بالحكم الذي اقترنت معه منها بهذا ، فلذلك لم يُسلك طريق الإضمار ، فيقال : ولا تَطْردْهُم ، فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم جاء داعياً إلى الله فأولى الناس بملازمته الذين هجيّراهم دعاء الله تعالى بإخلاص فكيف يطردهم فإنّهم أولى بذلك المجلس ، كما قال تعالى : { إنّ أولى الناس بإبراهيم للّذين اتَّبعوه } [ آل عمران : 68 ].روى مسلم عن سعد بن أبي وقَّاص قال : كنَّا مع النَّبيء ستة نفر ، فقال المشركون للنبيء : أطرد هؤلاء لا يَجْتَرئُون علينا . قال : وكنت أنا ، وابن مسعود ، ورجل من هُذيل ، وبلال ، ورجلان ، لست أسمِّيهما ، فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع ، فحدّث نفسه فأنزل الله تعالى : { ولا تطرد الذين يدعون ربّهم بالغداة والعشي يريدون وجهه } اه . وسمّى الواحدي بقيّة الستَّة : وهم صهيب ، وعمّار بن ياسر ، والمقدادُ بن الأسود ، وخبّاب بن الأرتّ . وفي قول ابن مسعود «فوقع في نفس رسول الله ما شاء الله» إجمال بيِّنه ما رواه البيهقي أنّ رؤساء قريش قالوا لرسول الله : لو طردت هؤلاء الأعْبُدَ وأرواحَ جِبَابِهم ( جمع جُبّة ) جَلَسْنا إليك وحادثناك . فقال : ما أنا بطارد المؤمنين . فقالوا : فأقمهم عنّا إذا جئنا فإذا قمنا فأقعدهم معك إن شئت ، فقال : نعم ، طَعماً في إيمانهم . فأنزل الله هذه الآية . ووقع في «سنن» ابن ماجة عن خبَّاب أنّ قائل ذلك للنبيء صلى الله عليه وسلم الأقْرعُ بن حابس وعُبَيْنَةُ بن حِصْن ، وأنّ ذلك سبب نزول الآية ، وقال ابن عطية : هو بعيد لأنّ الآية مكية . وعيينة والأقرع إنَّما وفَدا مع وفد بني تميم بالمدينة سنة الوفود . اه . قلت : ولعلّ ذلك وقع منهما فأجابهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الآية التي نزلت في نظير اقتراحهما .وفي سنده أسباط بن نصر أو نضر ، ولم يكن بالقوي ، وفيه السديّ ضعيف . وروي مثله في بعض التفاسير عن سلمان الفارسي ، ولا يعرف سنده . وسمّى ابنُ إسحاق أنَّهم المستضعفون من المؤمنين وهم : خبَّاب ، وعمَّار ، وأبُو فُكيهة ، يسار مَولى صفوان بن أمية بن مُحرّث ، وصهيب وأشباههم ، وأنّ قريشاً قالوا : { أهؤلاء منّ الله عليهم من بيننا } [ الأنعام : 53 ] وذكر الواحدي في «أسباب النزول» : أنّ هذه الآية نزلت في حياة أبي طالب . فعن عكرمة قال : جاء عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، ومُطعِم بن عدي ، والحارثُ بن نوفل ، في أشراف بني عبد مناف إلى أبي طالب فقالوا : لو أنّ ابن أخيك محمداً يَطرد عنه موالينا وعبيدنا وعتقاءنا كان أعظم من صدورنا وأطمع له عندنا وأرجى لاتِّبَاعِنا إيَّاه وتصديقنا له .فأتى أبو طالب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحدّثه بالذي كلَّموه ، فقال عمر بن الخطاب : لو فعلت ذلك حتَّى ننظر ما الذي يريدون وإلامَ يصيرون من قولهم ، فأنزل الله هذه الآية . فلمّا نزلت أقبل عمر يعتذر .والمعنى أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لحرصه على إيمان عظماء قريش ليكونوا قدوة لقومهم ولعلمه بأنّ أصحابه يحرصون حرصه ولا يوحشهم أن يقاموا من المجلس إذا حضره عظماء قريش لأنّهم آمنوا يريدون وجه الله لا للرياء والسمعة ولكن الله نهاه عن ذلك . وسمَّاه طرداً تأكيداً لمعنى النهي ، وذلك لحكمة : وهي كانت أرجح من الطمع في إيمان أولئك ، لأنّ الله اطّلع على سرائرهم فعلم أنّهم لا يؤمنون ، وأراد الله أن يظهر استغناء دينه ورسوله عن الاعتزاز بأولئك الطغاة القساة ، وليظهر لهم أنّ أولئك الضعفاء خير منهم ، وأنّ الحرص على قربهم من الرسول صلى الله عليه وسلم أولى من الحرص على قرب المشركين ، وأنّ الدين يرغب الناس فيه وليس هو يرغب في الناس كما قال تعالى : { يمنّون عليك أنْ أسلموا قُل لا تَمنُوا عليّ إسلامكم بلْ اللّهُ يَمُنّ عَلَيْكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين } [ الحجرات : 17 ].ومعنى { يدعون ربّهم } يعلنون إيمانهم به دون الأصنام إعلاناً بالقول ، وهو يستلزم اعتقاد القائل بما يقوله ، إذ لم يكن يومئذٍ نفاق وإنَّما ظهر المنافقون بالمدينة .والغداة : أوّل النهار . والعشيّ من الزوال إلى الصباح . والباء للظرفية . والتعريف فيهما تعريف الجنس . والمعنى أنّهم يدعون الله اليوم كلّه . فالغداة والعشي قصد بهما استيعاب الزمان والأيام كما يقصد بالمشرق والمغرب استيعاب الأمكنة . وكما يقال : الحمد لله بكرة وأصيلاً ، وقيل : أريد بالدعاء الصلاة . وبالغداة والعشي عموم أوقات الصلوات الخمس . فالمعنى ولا تطرد المصلّين ، أي المؤمنين .وقرأ الجمهور { بالغَداة } بفتح الغين وبألف بعد الدال . وقرأه ابن عامر بضمّ الغين وسكون الدال وبواو ساكنة بعد الدال وهي لغة في الغَدَاة .وجملة { يريدون وجهه } حال من الضمير المرفوع في { يدعون } ، أي يدعون مخلصين يريدون وجه الله ، أي لا يريدون حظاً دنيوياً .والوجه حقيقة الجزء من الرأس الذي فيه العينان والأنف والفم . ويطلق الوجه على الذات كلّها مجازاً مرسلاً .والوجه هنا مستعار للذات على اعتبار مضاف ، أي يريدون رضى الله ، أي لا يريدون إرضاء غيره . ومنه قوله تعالى : { إنّما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً } [ الإنسان : 9 ] ، وقوله : { فأينما تولّوا فثمّ وجهُ الله } ، وتقدّم في سورة [ البقرة : 115 ]. فمعنى { يريدون وجهه } أنَّهم آمنوا ودعوا الله لا يريدون بذلك عرضاً من الدنيا . وقد قيل : إنّ قريشاً طعنوا في إيمان الضعفاء ونسبوهم إلى النفاق ، إلاّ أنّ هذا لم يرد به أثر صحيح ، فالأظهر أنّ قوله { يريدون وجهه } ثناء عليهم بكمال إيمانهم ، وشهادة لهم بأنَّهم مجرّدون عن الغايات الدنيوية كلّها ، وليس المقصود به الرّدّ على المشركين .وجملة { ما عليك من حسابهم من شيء } تعليل للنهي عن طردهم ، أو إبطال لعلّة الهَمّ بطردهم ، أو لعلَّة طلب طردهم . فإنّ إبطال علَّة فعل المنهي عنه يؤول إلى كونه تعليلاً للنهي ، ولذا فصلت هذه الجملة .والحسابُ : عَدّ أفراد الشيء ذي الأفراد ويطلق على إعمال النظر في تمييز بعض الأحوال عن بعض إذا اشتبهت على طريقة الاستعارة بتشبيه تتبّع الأحوال بعَدّ الأفراد . ومنه جاء معنى الحِسْبةَ بكسر الحاء ، وهي النظر في تمييز أحوال أهل السوق من استقامة وضدّها . ويقال : حاسبَ فلاناً على أعماله إذا استقراها وتتبّعها . قال النابغة: ... يُحاسِبُ نفسه بِكَمْ اشتراهافالحساب هنا مصدر حاسب . والمراد به تتبّع الأعمال والأحوال والنظر فيما تقابل به من جزاء .وضمير الجمع في قوله : { من حسابهم } وقوله { وما من حسابك عليهم } يجوز أن يكونا عائدين إلى { الذين يَدْعون ربّهم } وهو مَعَاد مَذْكور ، وهو المناسب لتناسق الضمائر مع قوله { فتطردهم }.فالمعنى أنَّهم أهل الحقّ في مجلسك لأنَّهم مؤمنون فلا يطردون عنه وما عليك أن تحسب ما عدا ذلك من الأمور العارضة لهم بزعم المشركين ، وأنّ حضور أولئك في مجلسك يصدّ كبراء المشركين عن الإيمان ، أي أنّ ذلك مدحوض تجاه حقّ المؤمنين في مجلس رسولهم وسماع هديه .وقيل معنى : { ما عليك من حسابهم } أنّ المشركين طعنوا في إخلاص هؤلاء النفر ، قالوا : يا محمد إنّ هؤلاء إنّما اجتمعوا عندك وقبلوا دينك لأنَّهم يجدون مأكولاً وملبوساً عندك ، فقال الله تعالى : ما يلزمك إلاّ اعتبار ظاهرهم وإن كان لهم باطن يخالفه فحسابهم على الله ، أي إحصاء أحوالهم ومناقشتهم عليها على نحو قول نوح { إنْ حسابُهم إلاّ على ربِّي لو تَشعرون } [ الشعراء : 113 ]. فمعنى حسابهم على هذا الوجه تمحيص نياتهم وبواطنهم . والقصد من هذا تبكيتُ المشركين على طريقة إرخاء العنان ، وليس المراد استضعاف يقين المؤمنين . و { حسابهم } على هذا الوجه من إضافة المصدر إلى مفعوله .ويجوز أن يكون الضميران عائدين إلى غير مذكور في الكلام ولكنّه معلوم من السياق الذي أشار إليه سبب النزول ، فيعود الضميران إلى المشركين الذين سألوا طَرد ضعفاء المؤمنين من مجلس النبي صلى الله عليه وسلم فيكون ضمير { فتطردهم } عائداً إلى المؤمنين . ويختلف معاد الضميرين اعتماداً على ما يعيِّنه سياق الكلام ، كقوله تعالى : { وعَمَرُوها أكثر ممَّا عمروها } [ الروم : 9 ] ، وقول عباس بن مرداس في وقعة حنين: ... عُدْنَا ولولا نَحْنُ أحْدَقَ جَمعُهمبالمسلمين وأَحرَزُوا ما جَمَّعُوا ... أي أحرز المشركون ما جمعه المسلمون من الغنائم .والمعنى : ما عليك من حساب المشركين على الإيمان بِك أو على عدم الإيمان شيء ، فإنّ ذلك موكول إليّ فلا تظلم المؤمنين بحرمانهم حقّاً لأجل تحصيل إيمان المشركين ، فيكون من باب قوله تعالى :{ إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أوْلَى بهما فلا تتَّبعوا الهوى أن تعدلوا } [ النساء : 135 ].وعلى هذا الوجه يجوز كون إضافة { حسابهم } من إضافة المصدر إلى مفعوله ، أي محاسبتك إيّاهم . ويجوز كونها من إضافته إلى فاعله ، أي من حساب المشركين على هؤلاء المؤمنين فقرَهم وضعفهم .و { عليك } خبر مقدّم . و ( على ) فيه دالّة على معنى اللزوم والوجوب لأنّ الرسول عليه الصلاة والسلام همّ أو كان بحيث يهمّ بإجابة صناديد قريش لما سألوه ، فيكون تنبيهاً على أنّ تلك المصلحة مدحوضة .و ( منْ ) في قوله : { من شيء } زائدة لتوكيد النفي للتنصيص على الشمول في سياق النفي ، وهو الحرف الذي بتقديره بُني اسم ( لا ) على الفتح للدلالة على إرادة نفي الجنس .وتقديم المسنَدَين على المسند إليهما في قوله { ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء } تقديم غير واجب لأنّ للابتداء بالنكرتين هنا مسوّغاً ، وهو وقوعهما في سياق النفي ، فكان تقديم المجرورين هنا اختيارياً فلا بدّ له من غرض . والغرض يحتمل مجرّدَ الاهتمام ويحتمل الاختصاص . وحيث تأتّى معنى الاختصاص هنا فاعتباره أليق بأبلغ كلام ، ولذلك جرى عليه كلام «الكشاف» . وعليه فمعنى الكلام قصر نفي حسابهم على النبي صلى الله عليه وسلم ليفيد أنّ حسابهم على غيره وهو الله تعالى . وذلك هو مفاد القصر الحاصل بالتقديم إذا وقع في سياق النفي ، وهو مفاد خِفي على كثير لقلّة وقوع القصر بواسطة التقديم في سياق النفي . ومثالُه المشهور قوله تعالى : { لا فيها غوْل } [ الصافات : 47 ] فإنَّهم فسّروه بأنّ عدم الغول مقصور على الاتِّصاف بفِي خمور الجنَّة ، فالقصر قصر قلب .وقد اجتمع في هذا الكلام خمسة مؤكِّدات . وهي ( مِنْ ) البيانية ، و ( مِنْ ) الزّائدة ، وتقديم المعمول ، وصيغة الحصر في قوله : { ما عليك من حسابهم من شيء } ، والتأكيدُ بالتَّتميم بنفي المقابل في قوله : { وما من حسابك عليهم من شيء } ، فإنَّه شبيه بالتوكيد اللفظي . وكلّ ذلك للتنصيص على منتهى التبرئة من محاولة إجابتهم لاقتراحهم .ويُفيد هذا الكلام التعريضَ برؤساء قريش الذين سألوا إبعاد الفقراء عن مجلس الرسول عليه الصلاة والسلام حين ما يحضرون وأوهموا أنّ ذلك هو الحائل لهم دون حضور مجلس الرسول عليه الصلاة والسلام والإيمان به والكون من أصحابه ، فخاطب الله رسوله بهذا الكلام إذ كان الرسول هو المسؤول أن يقضي أصحابَه عن مجلسه ليعلم السائلون أنّهم سألوه ما لا يقع ويعلموا أنّ الله أطْلَع رسوله صلى الله عليه وسلم على كذبهم ، وأنّهم لو كانوا راغبين في الإيمان لما كان عليهم حساب أحوال الناس ولاشتغلوا بإصلاح خُوَيْصتِهم ، فيكون الخطاب على نحو قوله تعالى : { لئن أشركتَ ليحبطنّ عَمَلُك } [ الزمر : 65 ]. وقد صرّح بذلك في قوله بعدُ{ ولتستبين سبيل المجرمين } [ الأنعام : 55 ]. وإذ كان القصر ينحلّ على نسبتي إثبات ونفي فالنسبة المقدّرة مع القصر وهي نسبة الإثبات ظاهرة من الجمع بين ضمير المخاطب وضمير الغائبين ، أي عدم حسابهم مقصور عليك ، فحسابهم على أنفسهم إذ كلّ نفس بما كسبت رهينة .وقد دلّ على هذا أيضاً قوله بعده { ومَا من حسابك عليهم من شيء } فإنّه ذُكر لاستكمال التعليل ، ولذلك عطف على العلّة ، لأنّ مجموع مدلول الجملتين هو العلّة ، أي حسابهم ليس عليك كما أنّ حسابك ليس عليهم بل على نفسك ، إذ كلّ نفس بما كسبت رهينة ، ولا تزر وازرة وزْر أخرى . فكما أنّك لا تنظُر إلاّ إلى أنَّهم مؤمنون ، فهم كذلك لا يطلب منهم التفريط في حق من حقوق المؤمنين لتسديد رغبة منك في شيء لا يتعلّق بهم أو لتحصيل رغبة غيرهم في إيمانه . وتقديم المسند على المسند إليه هنا كتقديمه في نظيره السابق .وفي قوله : { وما من حسابك عليهم من شيء } تعريض بالمشركين بأنَّهم أظهروا أنّهم أرادوا بطرد ضعفاء المؤمنين عن مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم النصح له ليكتسب إقبال المشركين عليه والإطماع بأنَّهم يؤمنون به فيكثر متَّبعوه .ثم بهذا يظهر أن ليس المعنى : بل حسابهم على الله وحسابك على الله ، لأنّ هذا غير مناسب لسياق الآية ، ولأنَّه يصير به قوله : { وما من حسابك عليهم من شيء } مستدركاً في هذا المقام ، ولذلك لم يتكرّر نظير هذه الجملة الثانية مع نظير الجملة الأولى فيما حكى الله عن نوح { إن حسابهم إلاّ على ربِّي } في سورة [ الشعراء : 113 ] لأنّ ذلك حكي به ما صدر من نوح وما هنا حكي به كلام الله تعالى لرسوله ، فتنبّهْ .ويجوز أن يكون تقديم المسند في الموضعين من الآية لمجرّد الاهتمام بنفي اللزوم والوجوب الذي دلّ عليه حرف ( على ) في الموضعين لا سيما واعتبار معنى القصر في قوله وَمَا مِن حسابك عليهم من شيء } غيرُ واضح ، لأنَّنا إذا سلَّمنا أن يكون للرسول عليه الصلاة والسلام شِبْه اعتقاد لزوممِ تتَّبع أحوالهم فقُلب ذلك الاعتقاد بالقصر ، لا نجد ذلك بالنسبة إلى { الذين يدعون ربَّهم بالغداة والعشي } إذ لا اعتقاد لهم في هذا الشأن .وقدّم البيان على المبيَّن في قوله : { وما من حسابك عليهم من شيء } لأنّ الأهمّ في المقامين هو ما يختصّ بالمخاطب المعرِّضُ فيه بالذين سألوه الطرد لأنَّه المقصود بالذات ، وإنَّما جيء بالجملة الثانية لاستكمال التعليل كما تقدّم .وقوله : { فتطردهم } منصوب في جواب النهي الذي في قوله : { ولا تطرُد الذين يدعون ربَّهم }.وإعادة فعل الطرد دون الاقتصار على قوله : { فتكونَ من الظالمين } ، لإفادة تأكيد ذلك النهي وليبنى عليه قوله { فتكون من الظالمين } لوقوع طول الفصل بين التفريع والفرّع عليه . فحصل بإعادة فعل { فتطردهم } غرضان لفظي ومعنوي .على أنَّه يجوز أن يجعل { فتطردهم } منصوباً في جواب النفي من قوله : { ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء } ، أي لا تطردهم إجابة لرغبة أعدائهم .وقوله : { فتكون من الظالمين } عطف على { فتطردهم } متفرّع عليه ، أي فتكون من الظالمين بطردهم ، أي فكونه من الظالمين منتف تبعاً لانتفاء سببه وهو الطرد .وإنَّما جُعل طردهم ظلماً لأنَّه لما انتفى تكليفه بأن يحاسبهم صار طردهم لأجل إرضاء غيرهم ظلماً لهم . وفيه تعريض بالذين سألوا طردهم لإرضاء كبريائهم بأنَّهم ظالمون مفطرون على الظلم؛ ويجوز أن يجعل قوله : { فتكون من الظالمين } منصوباً في جواب النهي ، ويجعل قوله { فتطردهم } جيء به على هذا الأسلوب لتجديد ربط الكلام لطول الفصل بين النهي وجوابه بالظرف والحال والتعليل؛ فكان قوله { فتطردهم } كالمقدّمة لقوله { فتكون من الظالمين } وليس مقصودٌ بالذات للجوابية؛ فالتقدير : فتكون من الظالمين بطردهم .
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
ثم أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقرب فقراء المسلمين من مجلسه لأنهم مع فقرهم أفضل عند الله من كثير من الأغنياء .فقال تعالى :{ وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغداة والعشي يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } .أى : لا تبعد أيها الرسول الكريم عن مجالسك هؤلاء المؤمنين الفقراء الذين يدعون ربهم صباح مساء ، ويريدون بعملهم وعبادتهم وجه الله وحده بل اجعلهم جلساءك وأخصاءك فهم أفضل عند الله من الأغنياء المتغطرسين والأقوياء الجاهلين .وقد روى المفسرون فى سبب نزول هذه الآية روايات منها ما جاء عن ابن مسعود قال : مر الملأ من قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم . وعنده خباب وصهيب وبلال وعمار فقالوا : يا محمد أرضيت بهؤلاء من قومك؟ أهؤلاء الذين من الله عليهم من بيننا؟ أنحن نصير تبعاً لهؤلاء؟ لا أطردهم فلعلك إن طردتهم نتبعك؟ فنزلت هذه الآية .ففى الآية الكريمة نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن أن يطرد هؤلاء الضعفاء من مجلسه . لأنه وإن كان صلى الله عليه وسلم يميل إلى تأليف قلوب الأقوياء للاسلام لينال بقوتهم قوة ، إلا أن الله تعالى بين له أن القوة فى الإيمان والعمل الصالح ، وأن هؤلاء الضعفاء من المؤمنين قد وصفهم خالقهم بأنهم يتضرعون إليه فى كل أوقاتهم ولا يقصدون بعبادتهم إلا وجه الله ، فكيف يطردون من مجالس الخير؟ثم قال تعالى : { مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظالمين } .أى : إن الله تعالى هو الذى سيتولى حسابهم وجزاءهم ولن يعود عليك من حسابهم شىء ، كما أنه لا يعود عليهم من حسابك شىء ، فهم مجزبون بأعمالهم ، كما أنك أنت يا محمد مجزى بعملك ، فإن طردتهم استجابة لرضى غيرهم كنت من الضالين . إذ انهم لم يصدر عنهم ما يستوجب ذلك ، وحاشا للرسول صلى الله عليه وسلم أن يطرد قوما تلك هى صفاتهم .قال صاحب الكشاف : فإن قلت : أما كفى قوله { مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ } حتى ضم إليه { وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ } ؟ قلت : قد جعلت الجملتان بمنزلة جملة واحدة وقصد بهما مؤدى واحد وهو المعنى فى قوله :{ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى } ولا يستقل بهذا المعنى إلا الجملتان جميعاً كأنه قيل : لا تؤاخذ أنت ولا هم بحساب صاحبه .وقيل : الضمير للمشركين . والمعنى : لا يؤاخذون بحسابك ولا أنت بحسابهم حتى يهمك إيمانهم ويحركك الحرص عليه إلى أن تطرد المؤمنين .وهنا تخريج آخر لقوله : { مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ } بأن المعنى : ما عليك شىء من حساب رزقهم إن كانوا فقراء ، وما من حسابك فى الفقر والغنى عليهم من شىء ، أى أ ، ت مبشر ومنذر ومبلغ للناس جميعاً سواء منهم الفقير والغنى ، فكيف تطرد فقيراً لفقره ، وتقرب غنيا لغناه؟ إنك إن فعلت ذلك كنت من الظالمين ، ومعاذ الله أن يكون ذلك منك .وقوله { فَتَكُونَ مِنَ الظالمين } جواب للنهى عن الطرد ، وقوله { فَتَطْرُدَهُمْ } جواب لنفى الحساب .
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ) قرأ ابن عامر " بالغدوة " بضم الغين وسكون الدال وواو بعدها ، هاهنا وفي سورة الكهف ، وقرأ الآخرون : بفتح العين والدال وألف بعدها .قال سلمان وخباب بن الأرت : فينا نزلت هذه الآية ، جاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصن الفزاري وذووهم من المؤلفة قلوبهم ، فوجدوا النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا مع بلال وصهيب وعمار وخباب في ناس من ضعفاء المؤمنين ، فلما رأوهم حوله حقروهم ، فأتوه فقالوا : يا رسول الله لو جلست في صدر المجلس ونفيت عنا هؤلاء وأرواح جبابهم - وكان عليهم جباب صوف لم يكن عليهم غيرها - لجالسناك وأخذنا عنك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهم : " ما أنا بطارد المؤمنين " قالوا فإنا نحب أن تجعل لنا منك مجلسا تعرف به العرب فضلنا ، فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن ترانا العرب مع هؤلاء الأعبد ، فإذا نحن جئناك فأقمهم عنا ، فإذا فرغنا فاقعد معهم إن شئت ، قال : نعم ، قالوا : اكتب لنا عليك بذلك كتابا ، قال : فدعا بالصحيفة ودعا عليا ليكتب ، قالوا ونحن قعود في ناحية إذ نزل جبريل بقوله : ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ) إلى قوله : ( بالشاكرين ) فألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيفة من يده ، ثم دعانا فأثبته ، وهو يقول : ( سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة ) ، فكنا نقعد معه فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا فأنزل الله عز وجل : ( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ) ( الكهف ، 28 ) ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقعد معنا بعد وندنو منه حتى كادت ركبنا تمس ركبته ، فإذا بلغ الساعة التي يقوم فيها قمنا وتركناه حتى يقوم ، وقال لنا : " الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع قوم من أمتي ، معكم المحيا ومعكم الممات " .وقال الكلبي : قالوا له اجعل لنا يوما ولهم يوما ، فقال : لا أفعل ، قالوا : فاجعل المجلس واحدا فأقبل إلينا وول ظهرك عليهم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية : ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي )قال مجاهد : قالت قريش : لولا بلال وابن أم عبد لبايعنا محمدا ، فأنزل الله هذه الآية : ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ) قال ابن عباس : يعني يعبدون ربهم بالغداة والعشي ، يعني : صلاة الصبح وصلاة العصر ، ويروى عنه : أن المراد منه الصلوات الخمس ، وذلك أن أناسا من الفقراء كانوا مع النبي عليه السلام ، فقال ناس من الأشراف : إذا صلينا فأخر هؤلاء فليصلوا خلفنا ، فنزلت الآية . وقال مجاهد : صليت الصبح مع سعيد بن المسيب ، فلما سلم الإمام ابتدر الناس القاص ، فقال سعيد : ما أسرع الناس إلى هذا المجلس! قال مجاهد : فقلت يتأولون قوله تعالى ( يدعون ربهم بالغداة والعشي ) قال : أفي هذا هو ، إنما ذلك في الصلاة التي انصرفنا عنها الآن ، وقال إبراهيم النخعي : يعني يذكرون ربهم ، وقيل المراد منه : حقيقة الدعاء ، ( يريدون وجهه ) أي : يريدون الله بطاعتهم ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : يطلبون ثواب الله فقال : ( ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء ) أي : لا تكلف أمرهم ولا يتكلفون أمرك ، وقيل : ليس رزقهم عليك فتملهم ، ( فتطردهم ) ولا رزقك عليهم ، قوله ( فتطردهم ) جواب لقوله ( ما عليك من حسابهم من شيء ) وقوله : ( فتكون من الظالمين ) جواب لقوله ( ولا تطرد ) أحدهما جواب النفي والآخر جواب النهي .