تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
والله سبحانه هو الذي أنزل من السحاب مطرًا فأخرج به نبات كل شيء، فأخرج من النبات زرعًا وشجرًا أخضر، ثم أخرج من الزرع حَبًّا يركب بعضه بعضًا، كسنابل القمح والشعير والأرز، وأخرج من طلع النخل -وهو ما تنشأ فيه عذوق الرطب- عذوقًا قريبة التناول، وأخرج سبحانه بساتين من أعناب، وأخرج شجر الزيتون والرمان الذي يتشابه في ورقه ويختلف في ثمره شكلا وطعمًا وطبعًا. انظروا أيها الناس إلى ثمر هذا النبات إذا أثمر، وإلى نضجه وبلوغه حين يبلغ. إن في ذلكم - أيها الناس - لدلالات على كمال قدرة خالق هذه الأشياء وحكمته ورحمته لقوم يصدقون به تعالى ويعملون بشرعه.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
«وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا» فيه التفات عن الغيبة «به» بالماء «نبات كل شيء» ينبت «فأخرجنا منه» أي النبات شيئا «خَضِرا» بمعنى أخضر «نخرج منه» من الخضر «حبا متراكبا» يركب بعضه بعضا كسنابل الحنطة ونحوها «ومن النخل» خبر ويبدل منه «من طلعها» أول ما يخرج منها والمبتدأ «قنوان» عراجين «دانية» قريب بعضها من بعض «و» أخرجنا به «جناتِ» بساتين «من أعناب والزيتون والرمان مشتبها» ورقهما حال «وغير متشابه» ثمرها «انظروا» يا مخاطبون نظر اعتبار «إلى ثمره» بفتح الثاء والميم وبضمهما وهو جمع ثمرة كشجرة وشجر وخشبة وخشب «إذا أثمر» أول ما يبدو كيف هو «و» إلى «ينعه» نضجه إذا أدرك كيف يعود «إن في ذلكم لآيات» دلالات على قدرته تعالى على البعث وغيره «لقوم يؤمنون» خصوا بالذكر لأنهم المنتفعون بها في الإيمان بخلاف الكافرين.
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنونفيه سبع مسائل :الأولى قوله تعالى وهو الذي أنزل من السماء ماء أي المطر .فأخرجنا به نبات كل شيء أي كل صنف من النبات . وقيل : رزق كل حيوان .فأخرجنا منه خضرا قال الأخفش : أي أخضر ; كما تقول العرب : أرنيها نمرة أركها مطرة . والخضر رطب البقول . وقال ابن عباس : يريد القمح والشعير والسلت والذرة والأرز وسائر الحبوب .نخرج منه حبا متراكبا أي يركب بعضه على بعض كالسنبلة .الثانية قوله تعالى ومن النخل من طلعها قنوان دانية ابتداء وخبر . وأجاز الفراء في غير القرآن " قنوانا دانية " على العطف على ما قبله . قال سيبويه : ومن العرب من يقول : قنوان . قال الفراء : هذه لغة قيس ، وأهل الحجاز يقولون : قنوان ، وتميم يقولون : قنيان ; ثم يجتمعون في الواحد فيقولون : قنو وقنو . والطلع : الكفرى قبل أن ينشق عن الإغريض . والإغريض يسمى طلعا أيضا . والطلع ما يرى من عذق النخلة . والقنوان : جمع قنو ، وتثنيته قنوان كصنو وصنوان " بكسر النون " . وجاء الجمع على لفظ الاثنين . قال الجوهري وغيره : الاثنان صنوان والجمع صنوان " برفع النون " . والقنو : العذق والجمع القنوان والأقناء ; قال :طويلة الأقناء والأثاكل[ ص: 45 ] غيره : " أقناء " جمع القلة . قال المهدوي : قرأ ابن هرمز " قنوان " بفتح القاف ، وروي عنه ضمها . فعلى الفتح هو اسم للجمع غير مكسر ، بمنزلة ركب عند سيبويه ، وبمنزلة الباقر والجامل ; لأن فعلان ليس من أمثلة الجمع ، وضم القاف على أنه جمع قنو وهو العذق " بكسر العين " وهي الكباسة ، وهي عنقود النخلة . والعذق " بفتح العين " النخلة نفسها . وقيل : القنوان الجمار .دانية : قريبة ، ينالها القائم والقاعد . عن ابن عباس والبراء بن عازب وغيرهما . وقال الزجاج : منها دانية ومنها بعيدة ; فحذف ; ومثله : سرابيل تقيكم الحر . وخص الدانية بالذكر ، لأن من الغرض في الآية ذكر القدرة والامتنان بالنعمة ، والامتنان فيما يقرب متناوله أكثر .الثالثة : قوله تعالى : وجنات من أعناب أي وأخرجنا جنات . وقرأ محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى والأعمش ، وهو الصحيح من قراءة عاصم " وجنات " بالرفع . وأنكر هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم ، حتى قال أبو حاتم : هي محال ; لأن الجنات لا تكون من النخل . قال النحاس : والقراءة جائزة ، وليس التأويل على هذا ، ولكنه رفع بالابتداء والخبر محذوف ; أي ولهم جنات . كما قرأ جماعة من القراء " وحور عين " . وأجاز مثل هذا سيبويه والكسائي والفراء ; ومثله كثير . وعلى هذا أيضا " وحورا عينا " حكاه سيبويه ، وأنشد :جئني بمثل بني بدر لقومهم أو مثل أسرة منظور بن سياروقيل : التقدير وجنات من أعناب أخرجناها ; كقولك : أكرمت عبد الله وأخوه ، أي وأخوه أكرمت أيضا . فأما الزيتون والرمان فليس فيه إلا النصب للإجماع على ذلك . وقيل : " وجنات " بالرفع عطف على قنوان لفظا ، وإن لم تكن في المعنى من جنسها .والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه أي متشابها في الأوراق ; أي ورق الزيتون يشبه ورق الرمان في اشتماله على جميع الغصن وفي حجم الورق ، وغير متشابه في الذواق ; عن قتادة وغيره . قال ابن جريج : متشابها في النظر وغير متشابه في الطعم ; مثل الرمانتين لونهما واحد وطعمهما مختلف . وخص الرمان والزيتون بالذكر لقربهما منهم ومكانهما عندهم . وهو كقوله : أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت . ردهم إلى الإبل لأنها أغلب ما يعرفونه .[ ص: 46 ] الرابعة : قوله تعالى انظروا إلى ثمره إذا أثمر أي نظر الاعتبار لا نظر الإبصار المجرد عن التفكر . والثمر في اللغة جنى الشجر . وقرأ حمزة والكسائي " ثمره " بضم الثاء والميم . والباقون بالفتح فيهما جمع ثمرة ، مثل بقرة وبقر وشجرة وشجر . قال مجاهد الثمر أصناف المال ، والثمر ثمر النخل . وكأن المعنى على قول مجاهد : انظروا إلى الأموال التي يتحصل منه الثمر ; فالثمر بضمتين جمع ثمار وهو المال المثمر . وروي عن الأعمش " ثمره " بضم الثاء وسكون الميم ; حذفت الضمة لثقلها طلبا للخفة . ويجوز أن يكون ثمر جمع ثمرة مثل بدنة وبدن . ويجوز أن يكون ثمر جمع جمع ، فتقول : ثمرة وثمار وثمر مثل حمار وحمر . ويجوز أن يكون جمع ثمرة كخشبة وخشب لا جمع الجمع .الخامسة : قوله تعالى وينعه قرأ محمد بن السميقع " ويانعه " . وابن محيصن وابن أبي إسحاق " وينعه " بضم الياء . قال الفراء : هي لغة بعض أهل نجد ; يقال : ينع الثمر يينع ، والثمر يانع . وأينع يونع والثمر مونع . والمعنى : ونضجه . ينع وأينع إذا نضج وأدرك . قال الحجاج في خطبته : أرى رءوسا قد أينعت وحان قطافها . قال ابن الأنباري : الينع جمع يانع ، كراكب وركب ، وتاجر وتجر ، وهو المدرك البالغ . وقال الفراء : أينع أكثر من ينع ، ومعناه أحمر ; ومنه ما روي في حديث الملاعنة إن ولدته أحمر مثل الينعة وهي خرزة حمراء ، يقال : إنه العقيق أو نوع منه . فدلت الآية لمن تدبر ونظر ببصره وقلبه ، نظر من تفكر ، أن المتغيرات لا بد لها من مغير ; وذلك أنه تعالى قال : انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه . فتراه أولا طلعا ثم إغريضا إذا انشق عنه الطلع . والإغريض يسمى ضحكا أيضا ، ثم بلحا ، ثم سيابا ، ثم جدالا إذ اخضر واستدار قبل أن يشتد ، ثم بسرا إذا عظم ، ثم زهوا إذا احمر ; يقال : أزهى يزهي ، ثم موكتا إذا بدت فيه نقط من الإرطاب . فإن كان ذلك من قبل الذنب فهي مذنبة ، وهو التذنوب ، فإذا لانت فهي ثعدة ، فإذا بلغ الإرطاب نصفها فهي مجزعة ، فإذا بلغ ثلثيها فهي حلقانة ، فإذا عمها الإرطاب فهي منسبتة ; يقال : رطب منسبت ، ثم ييبس فيصير تمرا . فنبه الله تعالى بانتقالها من حال إلى حال وتغيرها ووجودها بعد أن لم تكن بعد على وحدانيته وكمال قدرته ، وأن لها صانعا قادرا عالما . ودل على جواز البعث ; لإيجاد النبات بعد الجفاف . قال الجوهري : ينع الثمر يينع ويينع ينعا وينوعا ، أي نضج .السادسة : قال ابن العربي قال مالك : الإيناع الطيب بغير فساد ولا نقش . قال مالك : والنقش أن ينقش أهل البصيرة الثمر حتى يرطب ; يريد يثقب فيه بحيث يسرع دخول الهواء إليه فيرطب معجلا . فليس ذلك الينع المراد في القرآن ، ولا هو الذي ربط به رسول الله صلى الله عليه وسلم البيع ، [ ص: 47 ] وإنما هو ما يكون من ذاته بغير محاولة . وفي بعض بلاد التين ، وهي البلاد الباردة ، لا ينضج حتى يدخل في فمه عود قد دهن زيتا ، فإذا طاب حل بيعه ; لأن ذلك ضرورة الهواء وعادة البلاد ، ولولا ذلك ما طاب في وقت الطيب . قلت : وهذا الينع الذي يقف عليه جواز بيع التمر وبه يطيب أكلها ويأمن من العاهة ، هو عند طلوع الثريا بما أجرى الله سبحانه من العادة وأحكمه من العلم والقدرة . ذكر المعلى بن أسد عن وهيب عن عسل بن سفيان عن عطاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلعت الثريا صباحا رفعت العاهة عن أهل البلد . والثريا النجم ، لا خلاف في ذلك . وطلوعها صباحا لاثنتي عشرة ليلة تمضي من شهر أيار ، وهو شهر مايو . وفي البخاري : وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت أن زيد بن ثابت لم يكن يبيع ثمار أرضه حتى تطلع الثريا فيتبين الأصفر من الأحمر .السابعة : وقد استدل من أسقط الجوائح في الثمار بهذه الآثار ، وما كان مثلها من نهيه عليه السلام عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها ، وعن بيع الثمار حتى تذهب العاهة . قال عثمان بن سراقة : فسألت ابن عمر متى هذا ؟ فقال : طلوع الثريا . قال الشافعي : لم يثبت عندي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح ، ولو ثبت عندي لم أعده ، والأصل المجتمع عليه أن كل من ابتاع ما يجوز بيعه وقبضه كانت المصيبة منه ، قال : ولو كنت قائلا بوضع الجوائح لوضعتها في القليل والكثير . وهو قول الثوري والكوفيين . وذهب مالك وأكثر أهل المدينة إلى وضعها ; لحديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح . أخرجه مسلم . وبه كان يقضي عمر بن عبد العزيز ، وهو قول أحمد بن حنبل وسائر أصحاب الحديث . وأهل الظاهر وضعوها عن المبتاع في القليل والكثير على عموم الحديث ; إلا أن مالكا وأصحابه اعتبروا أن تبلغ الجائحة ثلث الثمرة فصاعدا ، وما كان دون الثلث ألغوه وجعلوه تبعا ، إذ لا تخلو ثمرة من أن يتعذر القليل من طيبها وأن يلحقها في اليسير منها فساد . وكان أصبغ وأشهب لا ينظران إلى الثمرة ولكن إلى القيمة ، فإذا كانت القيمة الثلث فصاعدا وضع عنه . والجائحة ما لا يمكن [ ص: 48 ] دفعه عند ابن القاسم . وعليه فلا تكون السرقة جائحة ، وكذا في كتاب محمد . وفي الكتاب أنه جائحة ، وروي عن ابن القاسم ، وخالفه أصحابه والناس . وقال مطرف وابن الماجشون : ما أصاب الثمرة من السماء من عفن أو برد ، أو عطش أو حر أو كسر الشجر بما ليس بصنع آدمي فهو جائحة . واختلف في العطش ; ففي رواية ابن القاسم هو جائحة . والصحيح في البقول أنها فيها جائحة كالثمرة . ومن باع ثمرا قبل بدو صلاحه بشرط التبقية فسخ بيعه ورد ; للنهي عنه ; ولأنه من أكل المال بالباطل ; لقوله عليه السلام : أرأيت إن منع الله الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه بغير حق ؟ هذا قول الجمهور ، وصححه أبو حنيفة وأصحابه وحملوا النهي على الكراهة . وذهب الجمهور إلى جواز بيعها قبل بدو الصلاح بشرط القطع . ومنعه الثوري وابن أبي ليلى تمسكا بالنهي الوارد في ذلك . وخصصه الجمهور بالقياس الجلي ; لأنه مبيع معلوم يصح قبضه حالة العقد فصح بيعه كسائر المبيعات .
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
القول في صيغة القصر من قوله : { وهو الذي أنزل } إلخ كالقول في نظيره السّابق . و ( مِن ) في قوله : { مِن السّماء } ابتدائية لأنّ ماء المطر يتكوّن في طبقات الجوّ العُليا الزمهريرية عند تصاعد البخار الأرضي إليها فيصير البخار كثيفاً وهو السّحاب ثمّ يستحيل ماء . فالسّماء اسم لأعلى طبقات الجوّ حيث تتكوّن الأمطار . وتقدّم في قوله تعالى : { أو كَصيّب من السّماء في سورة البقرة . وعُدل عن ضمير الغيبة إلى ضمير التكلّم في قوله : فأخرجْنا } على طريقة الإلتفات . والباء للسّببيّة جَعل الله الماء سبباً لخروج النّبات ، والضّمير المجرور بالباء عائد إلى الماء .والنّباتُ اسم لما يَنبت ، وهو اسم مصدر نَبَتَ ، سمّي به النّابت على طريقة المجاز الّذي صار حقيقة شائعة فصار النَّبات اسماً مشتركاً مع المصدر .و { شيء } مراد به صِنف من النّبات بقرينة إضافة { نباتَ } إليه . والمعنى : فأخرجنا بالماء ما ينبت من أصناف النّبت . فإنّ النبت جنس له أنواع كثيرة؛ فمنه زرع وهو ما له ساق ليّنة كالقَصَب؛ ومنه شجر وهو ما له ساق غليظة كالنّخل ، والعنب؛ ومنه نَجْم وأبّ وهو ما ينبت لاصِقاً بالتّراب ، وهذا التّعميم يشير إلى أنّها مختلفة الصّفات والثّمرات والطبائع والخصوصيات والمذاق ، وهي كلّها نابتة من ماء السّماء الّذي هو واحد ، وذلك آية على عظم القدرة ، قال تعالى : { تُسقَى بماء واحد ونُفضّل بعضَها على بعضضٍ في الأكل } [ الرعد : 4 ] وهو تنبيه للنّاس ليعتبروا بدقائق ما أودعه الله فيها من مختلف القوى الّتي سبّبتْ اختلاف أحوالها .والفاء في قوله : { فأخرجنا به نبات كلّ شيء } فاء التّفريع .وقوله : { فأخرجنا منه خضراً } تفصيل لمضمون جملة { فأخرجْنا به نبات كلّ شيء } ، فالفاء للتّفصيل ، و ( من ) ابتدائية أو تبعيضيّة ، والضّمير المجرور بها عائد إلى النّبات ، أي فكان من النبت خضر ونَخْل وجنّات وشجر ، وهذا تقسيم الجنس إلى أنواعه .والخَضِر : الشّيء الّذي لونه أخضر ، يقال : أخْضر وخَضِر كما يقال : أعور وعَور ، ويطلق الخضر اسماً للنّبت الرّطب الّذي ليس بشجر كالقصيل والقضب . وفي الحديث : « وإنّ ممّا يُنبت الرّبيعُ لَمَا يَقْتُل حَبَطا أو يُلِمّ إلاّ آكِلَةَ الخَضِر أكلتْ حتّى إذا امتَدّتْ خاصرتاها » الحديث . وهذا هو المراد هنا لقوله في وصفه { نخرج منه حبّاً متراكباً } ، فإنّ الحبّ يخرج من النّبت الرّطب .وجملة : { نخرج منه } صفة لقوله { خضرا } لأنّه صار اسماً ، و ( من ) اتِّصاليّة أو ابتدائيّة ، والضّمير المجرور بها عائد إلى { خَضِرا }.والحَبّ : هو ثمر النّبات ، كالبُرّ والشّعير والزّراريع كلّها .والمتراكب : الملتصق بعضه على بعض في السنبلة ، مثل القَمح وغيره ، والتّفاعل للمبالغة في ركوب بعضه بعضاً .وجملة : { ومن النّخل من طلعها قنوان دانية } عطف على { فأخرجنا منه خضراً }.ويجوز أن تكون معترضة والواو اعتراضيّة ، وقوله : { من النّخل } خبر مقدّم و { قنوان } مبتدأ مؤخّر .والمقصود بالإخبار هنا التّعجيب من خروج القنوان من الطلع وما فيه من بهجةٍ ، وبهذا يظهر وجه تغيير أسلوب هذه الجملة عن أساليب ما قبلها وما بعدها إذ لم تعطف أجزاؤها عطف المفردات ، على أنّ موقع الجملة بين أخواتها يفيد ما أفادته أخواتها من العبرة والمنّة .والتّعريف في { النّخل } تعريف العهد الجنسي ، وإنّما جيء بالتّعريف فيه للإشارة إلى أنّه الجنس المألوف المعهود للعرب ، فإنّ النّخل شجرهم وثَمره قُوتُهم وحوائطه منبَسَط نفوسهم ، ولك أن تجعله حالاً من { النّخل } اعتداداً بالتّعريف اللّفظي كقوله { والزّيتونَ والرّمَّان مشتبهاً } ، ويجوز أن يكون { من طلعها } بدل بعض من { النّخل } بإعادة حرف الجرّ الدّاخل على المبدل منه .و { قِنوان } بكسر القاف جمع قِنو بكسر القاف أيضاً على المشهور فيه عند العرب غيرَ لغة قيس وأهل الحجاز فإنّهم يضمّون القاف . فقنوان بالكسر جمع تكسير . وهذه الصّيغة نادرة ، غير جمع فُعَل ( بضمّ ففتح ) وفُعْل ( بضمّ فسكون ) وفَعْل ( بفتح فسكون ) إذا كانا واويي العين وفُعال .والقِنو : عرجون التّمر ، كالعنقود للعنب ، ويسمّى العِذق بكسر العين ويسمّى الكِبَاسة بكسر الكاف .والطَّلْع : وعاء عرجون التّمر الّذي يبدو في أوّل خروجه يكون كشكل الأترُجَّة العظيمة مغلقاً على العرجون ، ثمّ ينفتح كصورة نعلين فيخرج منه العنقود مجتمعاً ، ويسمّى حينئذٍ الإغريض ، ثمّ يصير قِنوا .و { دانية } قريبة . والمراد قريبة التّناول كقوله تعالى : { قطوفها دانية } [ الحاقة : 23 ]. والقنوان الدانية بعض قنوان النّخل خصّت بالذّكر هنا إدماجاً للمنّة في خلال التّذكير بإتّقان الصنعة فإنّ المنّة بالقنوان الدّانية أتمّ ، والدّانية هي الّتي تكون نخلتها قصيرة لم تتجاوز طول قامة المتناول ، ولا حاجة لذكر البعيدة التّناول لأنّ الذّكرى قد حصلت بالدّانية وزادت بالمنّة التّامّة .و { جنّاتٍ } بالنّصب عطف على { خِضرا }.وما نسب إلى أبي بكر عن عاصم من رفْع { جنّات } لم يصحّ .وقوله : { من أعناب } تمييز مجرور ب { مِن } البيانيّة لأنّ الجنّات للأعناب بمنزلة المقادير كما يقال جريت تَمراً ، وبهذا الاعتبار عُدّي فعل الإخراج إلى الجنّات دون الأعناب ، فلم يقل وأعناباً في جنّات . والأعناب جمع عِنَب ، وهو جمع عِنَبَة ، وهو في الأصل ثمر شجر الكَرْم . ويطلق على شجرة الكرم عِنب على تقدير مضاف ، أي شجرة عنب ، وشاع ذلك فتنوسي المضاف . قال الرّاغب : «العِنب يقال لثمرة الكرم وللكرم نفسه» اه . ولا يعرف إطلاق المفرد على شجرة الكرم ، فلم أر في كلامهم إطلاق العنبة بالإفراد على شجرة الكرم ولكن يطلق بالجمع ، يقال : عنب ، مراد به الكرم ، كما في قوله تعالى : { فأنبتنا فيها حَبّاً وعنباً } [ عبس : 27 ، 28 ] ، ويقال : أعناب كذلك ، كما هنا ، وظاهر كلام الرّاغب أنّه يقال : عِنبة لشجرة الكرم ، فإنّه قال : «العنب يقال لثمرة الكرم وللكرم نفسه الواحدة عنبة» .{ والزّيتون والرمّان } بالنّصب عطف على { جنّات } والتّعريف فيهما الجنس كالتّعريف في قوله : { ومن النّخل }.والمراد بالزّيتون والرمّان شجرهما . وهما في الأصل اسمان للثمرتين ثمّ أطلقا على شجرتيهما كما تقدّم في الأعناب . وهاتان الشّجرتان وإن لم تكونا مثل النّخل في الأهميّة عند العرب إلاّ أنّهما لعزّة وجودهما في بلاد العرب ولتنافس العرب في التّفكّه بثمرهما والإعجاب باقتنائهما ذُكرا في مقام التّذكير بعجيب صنع الله تعالى ومنّته . وكانت شجرة الزّيتون موجودة بالشّام وفي سينا ، وشجرة الرمّان موجودة بالطّائف .وقوله : { مشتبهاً وغير متشابه } حال ومعطوف عليه ، والواو للتّقسيم بقرينة أنّ الشيء الواحد لا يكون مشتبهاً وغير متشابه ، أي بعضه مشتبه وبعضه غير متشابه . وهما حالان من «الزّيتون والرمّان» معاً ، وإنّما أفرد ولم يجمع اعتباراً بإفراد اللّفظ . والتّشابه والاشتباه مترادفان كالتساوي والاستواء ، وهما مشتقّان من الشبَه . والجمع بينهما في الآية للتّفنّن كراهيّة إعادة اللّفظ ، ولأنّ اسم الفاعل من التّشابه أسعد بالوقف لما فيه من مدّ الصّوت بخلاف { مُشتبه }.وهذا من بديع الفصاحة .والتّشابه : التماثل في حالة مع الاختلاف في غيرها من الأحوال ، أي بعض شجره يشبه بعضاً وبعضه لا يشبه بعضاً ، أو بعض ثمره يشبه بعضاً وبعضه لا يشبه بعضاً ، فالتّشابه ممّا تقارب لونه أو طعمه أو شكله ممّا يتطلّبه النّاس من أحواله على اختلاف أميالهم ، وعدم التّشابه ما اختلف بعضه عن البعض الآخر فيما يتطلّبه النّاس من الصّفات على اختلاف شهواتهم ، فمن أعواد الشّجر غليظ ودقيق ، ومن ألوان ورقه قاتم وداكن ، ومن ألوان ثمره مختلف ومن طعمه كذلك ، وهذا كقوله تعالى : { ونفضّل بعضها على بعض الأكل } [ الرعد : 4 ]. والمقصود من التّقييد بهذه الحال التّنبيه على أنّها مخلوقة بالقصد والاختيار لا بالصدفة .ويجوز أن تجعل هذه الحال من جميع ما تقدّم من قوله : { نخرج منه حبّاً متراكباً } ، فإنّ جميع ذلك مشتبه وغير متشابه . وجعله الزمخشري حالاً من { الزّيتون } لأنّه المعطوف عليه وقدّر ل { الرمّان } حالاً أخرى تدلّ عليها الأولى ، بتقدير : والرمّان كذلك . وإنّما دعاه إلى ذلك أنّه لا يَرى تعدّدَ صاحب الحال الواحدة ولا التّنازع في الحال ونظره بإفراد الخبر بعد مبتدأ ومعطوففٍ في قول الأزرق بن طَرفة الباهلي ، جواباً لبعض بني قشير وقد اختصما في بئر فقال القُشيري : أنتَ لِصّ ابنُ لِصّ: ... رَمَاني بأمر كنتُ منه ووالديبَريئاً ومن أجللِ الطَّوِي رَماني ... ولا ضير في هذا الإعراب من جهة المعنى لأنّ التّنبيه إلى ما في بعض النّبات من دلائل الاختيار يوجّه العقول إلى ما في مماثله من أمثالها .وجملة : { انظروا إلى ثمره } بيان للجمل الّتي قبلها المقصودِ منها الوصول إلى معرفة صنع الله تعالى وقدرته ، والضّمير المضاف إليه في { ثمره } عائد إلى ما عاد إليه ضمير { مشتبهاً } من تخصيص أو تعميم . والمأمور به هو نظر الاستبصار والاعتبار بأطواره .والثَمَر : الجَنَى الّذي يُخرجه الشّجر . وهو بفتح الثّاء والميم في قراءة الأكثر ، جمع ثَمَرة بفتح الثّاء والميم وقرأه حمزة والكسائي وخلَف بضمّ الثّاء والميم وهو جمع تَكسير ، كما جمعت : خَشبة على خُشُب ، وناقة على نُوق .واليَنْعُ : الطِّيبُ والنّضج . يقال : يَنَع بفتح النّون يَيْنع بفتح النّون وكسرها ويقال : أيْنَع يُونِع يَنْعا بفتح التّحتيّة بعدها نون ساكنة .و { إذا } ظرف لحدوث الفعل ، فهي بمعنى الوقت الّذي يبتدىء فيه مضمون الجملة المضاف إليها ، أي حين ابتداء أثماره . وقوله : { وينعه } لم يقيّد بإذا أينع لأنّه إذَا ينع فقد تمّ تطوّره وحان قطافه فلم تبق للنّظر فيه عبرة لأنّه قد انتهت أطواره .وجملة : { إنّ في ذلكم لآيات } علّة للأمر بالنّظر . وموقع ( إنّ ) فيه موقع لام التّعليل ، كقول بشّار: ... إنّ ذاك النّجَاحَ في التّبْكيروالإشارة ب { ذلكم } إلى المذكور كلّه من قوله { وهو الّذي أنزل من السّماء ماء فأخرجنا به نبات كلّ شيء إلى قوله ويَنْعه } فتوحيد اسم الإشارة بتأويل المذكور ، كما تقدّم في قوله تعالى : { عوان بين ذلك } في سورة [ البقرة : 68 ].ولقوم يؤمنون } وصف للآيات . واللاّم للتّعليل ، والمعلّل هو ما في مدلول الآيات من مضمّن معنى الدّلالة والنّفع . وقد صرّح في هذا بأنّ الآيات إنّما تنفع المؤمنين تصريحاً بأنّهم المقصود في الآيتين الأخريين بقوله : { لقوم يعلمون } [ الأنعام : 97 ] وقوله { لقوم يفقهون } [ الأنعام : 98 ] ، وإتماماً للتّعريض بأنّ غير العالمين وغير الفاقهين هم غير المؤمنين يعني المشركين .
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
ثم ساق - سبحانه - حجة خامسة تدل دلالة واضحة على كمال قدرته وعلمه ورحمته وإحسانه إلى خلقه فقال - تعالى - :{ وَهُوَ الذي أَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ } .أى : وهو - سبحانه - الذى أنزل من السحاب ماء فأخرجنا بسبب ذلك كل صنف من أصناف النبات والثمار المختلفة فى الكم والكيف والطعوم والألوان ، قال - تعالى -{ وَفِي الأرض قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يسقى بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا على بَعْضٍ فِي الأكل إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } وسمى السحاب سماء لأن العرب تسمى كل ما علا سماء ، و نزول الماء من السحاب قد جاء صريحاً فى مثل قوله - تعالى - { أَفَرَأَيْتُمُ المآء الذي تَشْرَبُونَ أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ المزن أَمْ نَحْنُ المنزلون } و { مِنَ } فى قوله { مِنَ السمآء } ابتدائية ، لأن ماء المطر يتكون فى طبقات الجو العليا البادرة عند تصاعد البخار الأرضى إليها فيصير البخار كثيفا وهو السحاب ثم يتحول إلى ماء ، والباء فى { بِهِ } للسببية . حيث جعل الله - تعالى - الماء سبباً فى خروج النبات ، والفاء فى قوله { فَأَخْرَجْنَا بِهِ } للتفريع و { أَخْرَجْنَا } عطف على { أَنزَلَ } والالتفات إلى التكلم إظهار لكمال العناية بشأن ما أنزل الماء لأجله .ثم شرع - سبحانه - فى تفصيل ما أجمل من الإخراج فقال : { فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً } أى : فأخرجنا من النبات الذى لا ساق له نباتا غضا أخر ، وهو ما تشعب من أصل النبات الخارج من الحبة ، وخضر بمعنى أخضر اسم فاعل . يقال " خضر الزرع - من باب فرح - وأخضر ، فهو خضر وأخضر .وقوله { نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً } . أى : نخرج من هذا النبات الخضر { حَبّاً مُّتَرَاكِباً } أى : متراكما بعضه فوق بعض كما فى الحنطة والشعير وسائر الحبوب ، يقال : ركبه - كسمعه - ركوباً ومراكباً . أى : علاه .وجملة { نُّخْرِجُ مِنْهُ } صفة لقوله " خضرا " . وعبر عنها بصيغة المضارع لاستحضار الصورة لما فيها من الغرابة لأن إخراج الحب المتراكب من هذا الخضر الغض يدعو إلى التأمل والإعجاب بمظاهر قدرة الله .وبعد أن ذكر - سبحانه - ما ينبت من الحب أتبعه بذكر ما ينبت من النوى فقال : { وَمِنَ النخل مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ } .الطلع : أول ما يبدو ويخرج من تمر النخل كالكيزان . وقشره يسمى الكفرى؛ وما فى داخله يسمى الإغريق لبياضه .والقنوان : جمع قنو وهو العرجون بما فيه الشماريخ ، وهو ومثناه سواه لا يفرق بينهما إلا فى الإعراب . أى : ونخرج بقدرتنا من طلع النخل قنوان دانية القطوف ، سهلة التناول أو بعضها دان قريب من بعض لكثرة حملها .قال صاحب الكشاف : و { قِنْوَانٌ } رفع بالابتداء ، و { مِنَ النخل } خبره و { ِن طَلْعِهَا } بدل منه . كأنه قيل : وحاصلة من طلع النخل قنوان دانية . وذكر القريبة وترك ذكر البعيدة ، لأن النعمة فيها أظهر وأدل ، واكتفى بذكر القريبة على ذكر البعيدة كقوله : { سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحر } وقوله : { وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ } معطوف على { نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ } أى : فأخرجنا بهذا الماء نبات كل شىء وأخرجنا به جنات كائنة من أعناب .وجعله : بعضهم عطفاً على { خَضِراً } . وقيل هو معطوف على { حَبّاً } .وقوله : { والزيتون والرمان } منصوب على الاختصاص أى : وأخص من نبات كل شىء الزيتون والرمان ، وقيل معطوف على { نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ } .قال الآلوسى : وقوله : { مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ } إما حال من الزيتون لسبقه اكتفى به عن حال ما عطف عليه وهو الرمان والتقدير : والزيتون مشتبها وغير متشابه والرمان كذلك ، وإما حال من الرمان لقربه ويقدر مثله فى الأول .وأياما كان ففى الكلام مضاف مقدر وهو بعض . أى بعض ذلك مشتبهاً وبعضه غير متشابه فى الهيئة والمقدار واللون والطعم وغير ذلك من الأوصاف الدالة على كمال قدرة صانعها ، وحكمة منشئها ومبدعها كما قال - تعالى - { يسقى بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا على بَعْضٍ فِي الأكل } ثم أمر الله عباده أن يتأملوا فى بديع صنعه فقال : { انظروا إلى ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ } أى : انظروا نظر تأمل واعتبار إلى ثمار كل واحد مما ذكرنا حال ابتدائه حين يكون ضئيلا ضعيفاً لا يكاد ينتفع به ، وحال ينعه أى : نضجه كيف يصير كبيراً أو جامعاً لألوان من المنافع والملاذ .يقال : أينعت الثمرة إذا نضجت .وقوله { إِنَّ فِي ذلكم لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } أى : إن فى ذلكم الذى ذكرناه من أنواع النبات والثمار ، وذلكم الذى أمرتم بالنظر إليه لدلائل عظيمة على وجود القادر الحكيم لقوم يصدقون بأن الذى أخرج هذا النبات وهذه الثمار لهو المستحق للعبادة دون ما سواه أو هو القادر على أن يحيى الموتى ويبعثهم .قال الشيخ القاسمى : قال بعضهم : القوم كانوا ينكرون البعث فاحتج عليهم بتعريف ما خلق ونقله من حال إلى حال وهو ما يعلمونه قطعاً ويشاهدونه من إحياء الأرض بعد موتها ، وإخراج أنواع النبات والثمار منها . وأنه لا يقدر على ذلك أحد إلى الله - تعالى - فبين أنه - سبحانه - كذلك قادر على إنشائهم من نفوسهم وأبدانهم ، وعلى البعث بإنزال المطر من السماء ، ثم إنبات الأجساد كالنبات ، ثم جعلها خضرة بالحياة ثم تصوير الأعمال بصورة كثيرة ، وإفادة أمور زائدة وتفريعها ، وإعطاء أطعمة مشتبهة فى الصورة غير متشابهة فى اللذة جزاء عليها " .هذا وقد أفاض الإمام الرازى - رحمه الله - عند تفسيره لهذه الآية فى بيان مظاهر قدرة الله وكمال رحمته وحكمته فقال ما ملخصه :" اعلم أنه - تعالى - ذكره هنا أربعة أنواع من الأشجار : النخل والعنب والزيتون والرمان . وإنما قدم الزرع على الشجر لأن الزرع غذاء ، وثمار الأشجار فواكه ، والغذاء مقدم على الفاكهة ، وإنما قدم النخل على سائر الفواكه لأن التمر يجرى مجرى الغذاء بالنسبة إلى العرب . وإنما ذكر العنب عقيب النخيل ، لأن العنب أشرف أنواع الفواكه ، وذلك لأنه من أول ما يظهر يصير منتفعاً به إلى آخر الحال .وأما الزيتون فهو - أيضاً - كثير النفع لأنه يمكن تناوله كما هو وينفصل - أيضاً - عنه دهن كثير عظيم النفع . وأما الرمان فحاله عجيب جداً . واعلم أن أنواع النبات أكثر من أن تفى بشرحها مجلدات ، فلهذا السبب ذكر - سبحانه - هذه الأقسام الأربعة التى هى أشرف أنواع النبات ، واكتفى بذكرها تنبيهاً على البواقى .ثم قال : وقد أمر - سبحانه - بالنظر فى حال ابتداء الثمر ونضجه لأن هذا هو موضوع الاستدلال ، والحجة التى هى تمام المقصود من هذه الآية وذلك لأن هذه الثمار والأزهار تتولد فى أول حدوثها عن صفات مخصوصة وعند تمامها لا تبقى على حالاتها الأولى بل تنتقل إلى أحوال مضادة للأحوال السابقة مثل أنها كانت موصوفة بلون الخضرة فتصير ملونة بلون السواد أو بلون الحمرة وكانت موصوفة بالحموضة فتصير موصوفة بالحلاوة ، وربما كانت فى أول الأمر باردة بحسب الطبيعة فتصير فى آخر أمرها حارة بحسب الطبيعة - أيضاً - فحصول هذه المتبدلات والمتغيرات لا بد له من سبب ، وذلك السبب ليس هو تأثير الطبائع والفصول والأنجم والأفلاك ، لأن نسبة هذه الأحوال بأسرها إلى جميع هذه الأجسام المتباينة متساوية متشابهة ، والنسب المتشابهة لا يمكن أن تكون أسباباً لحدوث الحوادث المختلفة . ولما بطل إسناد حدوث هذه الحوادث إلى الطبائع والأنجم والأفلاك وجب إسناده إلى القادر المختار الحكيم الرحيم المدبر لهذا العالم على وفق الرحمة ، والمصلحة الحكيمة " .
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
( وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ) أي : بالماء ، ( نبات كل شيء فأخرجنا منه ) أي من الماء ، وقيل : من النبات ، ( خضرا ) يعني : أخضر ، مثل العور والأعور ، يعني : ما كان رطبا أخضر مما ينبت من القمح والشعير ونحوهما ، ( نخرج منه حبا متراكبا ) أي متراكما بعضه على بعض ، مثل سنابل البر والشعير والأرز وسائر الحبوب ، ( ومن النخل من طلعها ) والطلع أول ما يخرج من ثمر النخل ، ( قنوان ) جمع قنو وهو العذق ، مثل صنو وصنوان ، ولا نظير لهما في الكلام ، ( دانية ) أي : قريبة المتناول ينالها القائم والقاعد ، وقال مجاهد : متدلية ، وقال الضحاك : قصار ملتزقة بالأرض ، وفيه اختصار معناه : ومن النخل ما قنوانها دانية ومنها ما هي بعيدة ، فاكتفى بذكر القريبة عن البعيدة لسبقه إلى الأفهام ، كقوله تعالى : " سرابيل تقيكم الحر " ( النمل ، 81 ) يعني : الحر والبرد فاكتفى بذكر أحدهما ( وجنات من أعناب ) أي : وأخرجنا منه جنات ، وقرأ الأعمش عن عاصم " وجنات " بالرفع نسقا على قوله " قنوان " وعامة القراء على خلافه ، ( والزيتون والرمان ) يعني : وشجر الزيتون [ وشجر ] الرمان ، ( مشتبها وغير متشابه ) قال قتادة : معناه مشتبها ورقها مختلفا ثمرها ، لأن ورق الزيتون يشبه ورق الرمان ، وقيل : مشتبه في المنظر مختلف في الطعم ، ( انظروا إلى ثمره ) قرأ حمزة والكسائي بضم الثاء والميم ، هذا وما بعده وفي " يس " على جمع الثمار ، وقرأ الآخرون [ بفتحهما ] على جمع الثمرة ، مثل : بقرة وبقر ، ( إذا أثمر وينعه ) ونضجه وإدراكه ، ( إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون ) .