تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
وأقسم هؤلاء المشركون بأيمان مؤكَّدة: لئن جاءنا محمد بعلامة خارقة لنصدقنَّ بما جاء به، قل -أيها الرسول-: إنما مجيء المعجزات الخارقة من عند الله تعالى، هو القادر على المجيء بها إذا شاء، وما يدريكم أيها المؤمنون: لعل هذه المعجزات إذا جاءت لا يصدِّق بها هؤلاء المشركون.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
«وأقسموا» أي كفار مكة «بالله جهد أيمانهم» أي غاية اجتهادهم فيها «لئن جاءتهم آية» مما اقترحوا «ليؤمنن بها قل» لهم «إنما الآيات عند الله» ينزلها كما يشاء وإنما أنا نذير «وما يشعركم» يدريكم بإيمانهم إذا جاءت: أي أنتم لا تدرون ذلك «إنهَّا إذا جاءت لا يؤمنون» لما سبق في علمي، وفي قراءة بالتاء خطابا للكفار وفي أخر بفتح أن بمعنى لعل أو معمولة لما قبلها.
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
قوله تعالى وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنونقوله تعالى وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها فيه مسألتان ، الأولى : قوله تعالى : وأقسموا أي حلفوا . وجهد اليمين أشدها ، وهو بالله . فقوله : جهد أيمانهم أي غاية أيمانهم التي بلغها علمهم ، وانتهت إليها قدرتهم . وذلك أنهم كانوا يعتقدون أن الله هو الإله الأعظم ، وأن هذه الآلهة إنما يعبدونها ظنا منهم أنها تقربهم إلى الله [ ص: 57 ] زلفى ; كما أخبر عنهم بقوله تعالى : ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى . وكانوا يحلفون بآبائهم وبالأصنام وبغير ذلك ، وكانوا يحلفون بالله تعالى وكانوا يسمونه جهد اليمين إذا كانت اليمين بالله ." جهد " منصوب على المصدر والعامل فيه " أقسموا " على مذهب سيبويه ; لأنه في معناه . والجهد " بفتح الجيم " : المشقة يقال : فعلت ذلك بجهد . والجهد " بضمها " : الطاقة يقال : هذا جهدي ، أي طاقتي . ومنهم من يجعلهما واحدا ، ويحتج بقوله والذين لا يجدون إلا جهدهم . وقرئ " جهدهم " بالفتح ; عن ابن قتيبة . وسبب الآية فيما ذكر المفسرون : القرظي والكلبي وغيرهما ، أن قريشا قالت : يا محمد ، تخبرنا بأن موسى ضرب بعصاه الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ، وأن عيسى كان يحيي الموتى ، وأن ثمود كانت لهم ناقة ; فائتنا ببعض هذه الآيات حتى نصدقك . فقال : أي شيء تحبون ؟ قالوا : اجعل لنا الصفا ذهبا ; فوالله إن فعلته لنتبعنك أجمعون . فقام رسول الله صلى الله عليه سلم يدعو ; فجاءه جبريل عليه السلام فقال : إن شئت أصبح الصفا ذهبا ، ولئن أرسل الله آية ولم يصدقوا عندها ليعذبنهم فاتركهم حتى يتوب تائبهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل يتوب تائبهم فنزلت هذه الآية . وبين الرب بأن من سبق العلم الأزلي بأنه لا يؤمن فإنه لا يؤمن وإن أقسم ليؤمنن .الثانية : قوله تعالى جهد أيمانهم قيل : معناه بأغلظ الأيمان عندهم . وتعرض هنا مسألة من الأحكام عظمى ، وهي قول الرجل : الأيمان تلزمه إن كان كذا وكذا . قال ابن العربي : وقد كانت هذه اليمين في صدر الإسلام معروفة بغير هذه الصورة ، كانوا يقولون : علي أشد ما أخذه أحد على أحد ; فقال مالك : تطلق نساؤه . ثم تكاثرت الصورة حتى آلت بين الناس إلى صورة هذه أمها . وكان شيخنا الفهري الطرسوسي يقول : يلزمه إطعام ثلاثين مسكينا إذا حنث فيها ; لأن قوله " الأيمان " جمع يمين ، وهو لو قال علي يمين وحنث ألزمناه كفارة . ولو قال : علي يمينان للزمته كفارتان إذا حنث . والأيمان جمع يمين فيلزمه فيها ثلاث كفارات . قلت : وذكر أحمد بن محمد بن مغيث في وثائقه : اختلف شيوخ القيروان فيها ; فقال أبو [ ص: 58 ] محمد بن أبي زيد ; يلزمه في زوجته ثلاث تطليقات ، والمشي إلى مكة ، وتفريق ثلث ماله ، وكفارة يمين ، وعتق رقبة . قال ابن مغيث : وبه قال ابن أرفع رأسه وابن بدر من فقهاء طليطلة . وقال الشيخ أبو عمران الفاسي وأبو الحسن القابسي وأبو بكر بن عبد الرحمن القروي : تلزمه طلقة واحدة إذا لم تكن له نية . ومن حجتهم في ذلك رواية ابن الحسن في سماعه من ابن وهب في قوله : " وأشد ما أخذه أحد على أحد أن عليه في ذلك كفارة يمين " . قال ابن مغيث : فجعل من سميناه على القائل : " الأيمان تلزمه " طلقة واحدة ; لأنه لا يكون أسوأ حالا من قوله : أشد ما أخذه أحد على أحد أن عليه كفارة يمين ، قال وبه نقول . قال : واحتج الأولون بقول ابن القاسم في من قال : علي عهد الله وغليظ ميثاقه وكفالته وأشد ما أخذه أحد على أحد على أمر ألا يفعله ثم فعله ; فقال : إن لم يرد الطلاق ولا العتاق وعزلهما عن ذلك فلتكن ثلاث كفارات . فإن لم تكن له نية حين حلف فليكفر كفارتين في قوله : علي عهد الله وغليظ ميثاقه . ويعتق رقبة وتطلق نساؤه ، ويمشي إلى مكة ويتصدق بثلث ماله في قوله : وأشد ما أخذه على أحد . قال ابن العربي : أما طريق الأدلة فإن الألف واللام في الأيمان لا تخلو أن يراد بها الجنس أو العهد ; فإن دخلت للعهد فالمعهود قولك بالله فيكون ما قاله الفهري . فإن دخلت للجنس فالطلاق جنس فيدخل فيها ولا يستوفى عدده ، فإن الذي يكفي أن يدخل في كل جنس معنى واحد ; فإنه لو دخل في الجنس المعنى كله للزمه أن يتصدق بجميع ماله ; إذ قد تكون الصدقة بالمال يمينا . والله أعلم .قوله تعالى قل إنما الآيات عند الله أي قل يا محمد : الله القادر على الإتيان بها ، وإنما يأتي بها إذا شاء . وما يشعركم أي وما يدريكم أيمانكم ; فحذف المفعول . ثم استأنف فقال : " إنها إذا جاءت لا يؤمنون " بكسر إن ، وهي قراءة مجاهد وأبي عمرو وابن كثير . ويشهد لهذا قراءة ابن مسعود " وما يشعركم إذا جاءت لا يؤمنون " . وقال مجاهد وابن زيد : المخاطب بهذا المشركون ، وتم الكلام . حكم عليهم بأنهم لا يؤمنون ، وقد أعلمنا في الآية بعد هذه أنهم لا يؤمنون . وهذا التأويل يشبه قراءة من قرأ " تؤمنون " بالتاء . وقال الفراء وغيره ; الخطاب للمؤمنين ; لأن المؤمنين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ، لو نزلت الآية لعلهم يؤمنون ; فقال الله تعالى : وما يشعركم .وما يشعركم أي يعلمكم ويدريكم أيها المؤمنون . أنها بالفتح ، وهي قراءة أهل المدينة والأعمش وحمزة ، أي لعلها إذا جاءت لا يؤمنون . قال الخليل : " أنها " بمعنى لعلها ; وحكاه عنه سيبويه . وفي التنزيل : وما يدريك لعله يزكى [ ص: 59 ] أي أنه يزكى . وحكي عن العرب : ايت السوق أنك تشتري لنا شيئا ، أي لعلك . وقال أبو النجم :قلت لشيبان ادن من لقائه أن تغدي القوم من شوائهوقال عدي بن زيد :أعاذل ما يدريك أن منيتي إلى ساعة في اليوم أو في ضحى الغدأي لعل . وقال دريد بن الصمة .أريني جوادا مات هزلا لأنني أرى ما ترين أو بخيلا مخلداأي لعلني . وهو في كلام العرب كثير " أن " بمعنى لعل . وحكى الكسائي أنه كذلك في مصحف أبي بن كعب " وما أدراكم لعلها " . وقال الكسائي والفراء : أن " لا " زائدة ، والمعنى : وما يشعركم أنها - أي الآيات - إذا جاءت المشركين يؤمنون ، فزيدت " لا " ; كما زيدت " لا " في قوله تعالى : وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون . لأن المعنى : وحرام على قرية مهلكة رجوعهم . وفي قوله : ما منعك ألا تسجد . والمعنى : ما منعك أن تسجد . وضعف الزجاج والنحاس وغيرهما زيادة " لا " وقالوا : هو غلط وخطأ ; لأنها إنما تزاد فيما لا يشكل . وقيل : في الكلام حذف ، والمعنى : وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون أو يؤمنون ، ثم حذف هذا لعلم السامع ; ذكره النحاس وغيره .
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
عطف جملة : { وأقسموا } على جملة : { اتَّبِعْ ما أوحِي إليك من ربّك } [ الأنعام : 106 ] الآية . والضّمير عائد إلى القوم في قوله : { وكذّب به قومك وهو الحقّ } [ الأنعام : 66 ] مثل الضّمائر الّتي جاءت بعد تلك الآية ومعنى : { لئن جاءتهم آية } آية غيرُ القرآن . وهذا إشارة إلى شيء من تعلّلاتهم للتمادي على الكفر بعد ظهور الحجج الدّامغة لهم ، كانوا قد تعلّلوا به في بعض تورّكهم على الإسلام . فروى الطّبري وغيره عن مجاهد ، ومحمدّ بن كعب القُرظِي ، والكلبي ، يزيد بعضهم على بعض : أنّ قريشاً سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم آية مثل آية موسى عليه السّلام إذ ضرب بعصاه الحجر فانفجرت منه العيون ، أو مثل آية صالح ، أو مثل آية عيسى عليهم السّلام ، وأنّهم قالوا لمّا سمعوا قوله تعالى : { إنْ نشأ ننزّل عليهم من السّماء آية فظلَّت أعناقهم لها خاضعين } [ الشعراء : 4 ] أقسموا أنّهم إن جاءتهم آية كما سألوا أو كما تُوُعدوا ليوقِنُنّ أجمعون ، وأنّ رسول الله عليه الصلاة والسّلام سأل الله أن يأتيهم بآية كما سألوا ، حرصاً على أن يؤمنوا . فهذه الآية نازلة في ذلك المعنى لأنّ هذه السّورة جمعت كثيراً من أحوالهم ومحاجّاتهم .والكلام على قوله : { وأقسموا بالله جهد أيمانهم } هو نحو الكلام على قوله في سورة [ العقود : 53 ] { أهؤلاء الّذين أقسموا بالله جهد أيمانهم } والأيمان تقدّم الكلام عليها عند قوله تعالى : { لا يؤاخذكم الله باللّغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم } في سورة [ البقرة : 225 ].وجملة : لئن جاءتهم آية } إلخ مبيّنة لجملة : { وأقسموا بالله }.واللاّم في { لئن جاءتهم آية } موطّئة للقسم ، لأنّها تدلّ على أنّ الشّرط قد جعل شَرطاً في القسم فتدلّ على قَسَم محذوف غالباً ، وقد جاءت هنا مع فعل القسم لأنّها صارت ملازمة للشّرط الواقع جواباً للقسم فلم تنفكّ عنه مع وجود فعل القسم . واللاّم في { ليومننّ بها } لام القسم ، أي لام جوابه .والمراد بالآية ما اقترحوه على الرّسول صلى الله عليه وسلم يَعنُون بها خارق عادة تدلّ على أنّ الله أجاب مقترحهم ليصدّق رسوله عليه الصلاة والسّلام ، فلذلك نُكّرت { آية } ، يعني : آيَّةَ آيةٍ كانت من جنس ما تنحصر فيه الآيات في زعمهم . ومجيء الآية مستعار لظهورها لأنّ الشّيء الظّاهر يشبه حضور الغائب فلذلك يستعار له المجيء . وتقدّم بيان معنى الآية واشتقاقها عند قوله تعالى : { والّذين كفروا وكذّبوا بآياتنا أولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون } في سورة [ البقرة : 39 ].ومعنى كون الآيات عند الله أنّ الآيات من آثار قدرة الله وإرادته ، فأسباب إيجاد الآيات من صفاته ، فهو قادر عليها ، فلأجل ذلك شُبّهت بالأمور المدّخرة عنده ، وأنّه إذا شاء إبرازَها أبرزها للنّاس ، فكلمة عند } هنا مجاز .استعمل اسم المكان الشّديد القُرب في معنى الاستبداد والاستئثار مجازاً مرسلاً ، لأنّ الاستئثار من لوازم حالة المكان الشّديد القرب عرفاً ، كقوله تعالى : { وعنده مفاتح الغيب } [ الأنعام : 59 ].والحصر ب { إنّما } ردّ على المشركين ظنّهم بأنّ الآيات في مقدور النّبيء صلى الله عليه وسلم إن كان نبيئاً فجعلوا عدم إجابة النّبيء صلى الله عليه وسلم اقتراحَهم آية أمارة على انتفاء نبوءته ، فأمره الله أن يجيب بأنّ الآيات عند الله لا عند الرّسول عليه الصّلاة والسّلام ، والله أعلم بما يُظهره من الآيات .وقوله : { وما يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون } قرأ الأكثر ( أنّها ) بفتح همزة «أنّ» . وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، ويعقوب ، وخلَف ، وأبو بكر عن عاصم في إحدى روايتين عن أبي بكر بكسر همزة ( إنّ ).وقرأ الجمهور { لا يؤمنون } بياء الغيبة . وقرأه ابن عامر ، وحمزة ، وخلف بتاء الخطاب ، وعليه فالخطاب للمشركين .وهذه الجملة عقبة حَيرة للمفسّرين في الإبانة عن معناها ونظمها ولْنَأت على ما لاح لنا في موقعها ونظمها وتفسير معناها ، ثمّ نعقّبه بأقوال المفسّرين . فالّذي يلوح لي أنّ الجملة يجوز أن تكون الواو فيها واوَ العطف وأن تكون واو الحال . فأمّا وجه كونها واو العطف فأن تكون معطوفة على جملة : { إنّما الآيات عند الله } كلام مستقلّ ، وهي كلام مستقلّ وجّهه الله إلى المؤمنين ، وليست من القول المأمور به النّبيء عليه الصّلاة والسّلام بقوله تعالى : { قل إنّما الآيات عند الله }.والمخاطب ب { يشعركم } الأظهر أنّه الرّسول عليه الصلاة والسلام والمؤمنون ، وذلك على قراءة الجمهور قوله : { لا يؤمنون } بياء الغيبة . والمخاطب ب { يشعركم } المشركون على قراءة ابن عامر ، وحمزة ، وخلف { لا تؤمنون } بتاء الخطاب ، وتكون جملة { وما يشعركم } من جملة ما أمر الرّسول صلى الله عليه وسلم أن يقوله في قوله تعالى : { قل إنّما الآيات عند الله }.{ وأما } استفهامية مستعملة في التّشكيك والإيقاظ ، لئلاّ يغرّهم قَسم المشركين ولا تروجَ عليهم ترّهاتهم ، فإن كان الخطاب للمسلمين فليس في الاستفهام شيء من الإنكار ولا التّوبيخ ولا التّغليظ إذ ليس في سياق الكلام ولا في حال المسلمين فيما يؤثر من الأخبار ما يقتضي إرادة توبيخهم ولا تغليطهم ، إذ لم يثبت أنّ المسلمين طمعوا في حصول إيمان المشركين أو أنّ يجَابُوا إلى إظهار آية حسب مقترحهم ، وكيف والمسلمون يقرأون قوله تعالى : { إنّ الّذين حقّت عليهم كلمات ربّك لا يؤمنون ولو جاءتهم كلّ آية } وهي في سورة [ يونس : 96 ، 97 ] وهي نازلة قبل سورة الأنعام ، وقد عرف المسلمون كذب المشركين في الدّين وتلوّنهم في اختلاق المعاذير . والمقصود من الكلام تحقيق ذلك عند المسلمين ، وسيق الخبر بصيغة الاستفهام لأنّ الاستفهام من شأنه أن يهيّءَ نفس السامع لطلب جواب ذلك الاستفهام فيتأهّب لوعي ما يرد بعده .والإشعار : الإعلام بمعلوم من شأنه أن يخفَى ويَدِقّ . يقال : شعَرَ فلان بكذا ، أي علمه وتفطّن له ، فالفعل يقتضي متعلِّقاً به بعد مفعوله ويتعيّن أن قوله : أنّها إذا جاءت لا يؤمنون } هو المتعلِّق به ، فهو على تقدير باء الجرّ . والتّقدير : بأنّها إذا جاءت لا يؤمنون ، فحذف الجارّ مع ( أنّ ) المفتوحة حذف مطّرد .وهمزة ( أنّ ) مفتوحة في قراءة الجمهور . والمعنى أمُشْعِر يُشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون ، أي بعدم إيمانهم .فهذا بيان المعنى والتّركيب ، وإنّما العقدَة في وجود حرف النّفي من قوله : { لا يؤمنون } لأنّ { ما يشعركم } بمعنى قولهم : ما يدريكم ، ومعتاد الكلام في نظير هذا التّركيب أن يجعل متعلّق فعل الدّراية فيه هو الشّيء الّذي شأنُه أن يَظُنّ المخاطبُ وقوعَه ، والشَّيء الَّذي يُظَنّ وقوعُه في مثل هذا المقام هو أنّهم يُؤمنون لأنّه الَّذي يقتضيه قسمهم { لئن جاءتهم آية ليؤمننّ } فلمّا جعل متعلِّق فعل الشّعور نفيَ إيمانهم كان متعلِّقاً غريباً بحسب العرف في استعمال نظير هذا التّركيب .والّذي يقتضيه النّظر في خصائص الكلام البليغ وفروقِه أن لا يقاس قوله : { وما يُشعركم } على ما شاع من قول العرب { ما يُدريك } ، لأنّ تركيب ما يدريك شاع في الكلام حتّى جرى مجرى المثل باستعماللٍ خاصّ لا يكادون يخالفونه كما هي سُنّة الأمثال أن لا تغيّر عمّا استعملت فيه ، وهو أن يكون اسم ( ما ) فيه استفهاماً إنكارياً ، وأن يكون متعلّق يُدريك هو الأمر الّذي ينكره المتكلّم على المخاطب . فلو قسنا استعمال { ما يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون } على استعمال ( ما يدريكم ) لكان وجود حرف النّفي منافياً للمقصود ، وذلك مثار تردّد علماء التّفسير والعربيّة في محمل { لا } في هذه الآية . فأمّا حين نتطلّب وجه العدول في الآية عن استعمال تركيب ( ما يدريكم ) وإلى إيثار تركيب { ما يشعركم } فإنّنا نعلم أنّ ذلك العدول لمراعاة خصوصيّة في المعدول إليه بأنّه تركيب ليس متَّبعاً فيه طريق مخصوص في الاستعمال ، فلذلك فهو جار على ما يسمح به الوضع والنظمُ في استعمال الأدواتتِ والأفعاللِ ومفاعيلها ومتعلّقاتها .فلنحمل اسم الاستفهام هنا على معنى التّنبيه والتشكيك في الظنّ ، ونحمل فعل { يشعركم } على أصل مقتضى أمثاله من أفعال العِلم ، وإذا كان كذلك كان نفي إيمان المشركين بإتيان آية وإثباتُه سواء في الفرض الّذي اقتضاه الاستفهام ، فكان المتكلّم بالخيار بين أن يقول : إنّها إذا جاءت لا يؤمنون ، وأن يقول : إنّها إذا جاءت يؤمنون . وإنّما أوثر جانب النفي للإيماء إلى أنّه الطرف الرّاجح الّذي ينبغي اعتماده في هذا الظنّ .هذا وجه الفرق بين التّركيبين . وللفروق في علم المعاني اعتبارات لا تنحصر ولا يَنبغي لصاحب علم المعاني غضّ النّظر عنها ، وكثيراً ما بيّن عبد القاهر أصنافاً منها فليُلحَق هذا الفرق بأمثاله .وإنْ أبَيْتَ إلاّ قياسَ { ما يشعركم } على ( مَا يُدريكم ) سواء ، كما سلكه المفسّرون فاجعل الغالب في استعمال ( ما يُدريك ) هو مقتضى الظّاهر في استعمال { ما يُشعركم } واجعَل تعليق المنفي بالفعل جرياً على خلاف مقتضى الظّاهر لنكتة ذلك الإيماء ويسهل الخطب . وأمّا وجه كون الواو في قوله : { وما يشعركم } واو الحال فتكون «ما» نكرة موصوفة بجملة { يشعركم }.ومعناها شَيء موصوف بأنّه يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون . وهذا الشّيء هو ما سبق نُزوله من القرآن ، مثل قوله تعالى : { إنّ الَّذين حقّت عليهم كلمات ربّك لا يؤمنون ولو جاءتهم كلّ آية } [ يونس : 96 ، 97 ] ، وكذلك ما جرّبوه من تلوّن المشركين في التفصّي من ترك دين آبائهم ، فتكون الجملة حالاً ، أي والحال أنّ القرآن والاستقراء أشعركم بكذبهم فلا تطمعوا في إيمانهم لو جاءتهم آية ولا في صدق أيْمانهم ، قال تعالى : { إنّهم لا أيْمان لهم } [ التوبة : 12 ]. وإنّي لأعجب كيف غاب عن المفسّرين هذا الوجه من جعل «ما» نكرة موصوفة في حين أنّهم تطرّقوا إلى ما هو أغرب من ذلك .فإذا جعل الخطاب في قوله : { وما يشعركم } خطاباً للمشركين ، كان الاستفهام للإنكار والتّوبيخ ومتعلِّق فعل { يشعركم } محذوفاً دلّ عليه قوله : { لئن جاءتهم آية }.والتّقدير : وما يشعركم أنّنا نأتيكم بآية كما تريدون .ولا نحتاج إلى تكلّفات تكلّفها المفسّرون ، ففي «الكشاف» : أنّ المؤمنين طمعوا في إيمان المشركين إذا جاءتهم آية وتمنّوا مجيئها فقال الله تعالى : وما يدريكم أنّهم لا يؤمنون ، أي أنّكم لا تدرون أنّي أعلم أنّهم لا يؤمنون . وهو بناء على جعل { ما يشعركم } مساوياً في الاستعمال لِقولهم { ما يدريك }.ورَوى سيبويه عن الخليل : أنّ قوله تعالى : { أنّها } معناه لَعلّها ، أي لعلّ آية إذا جاءت لا يؤمنون بها . وقال : تأتى ( أنّ ) بمعنى لعلّ ، يريد أنّ في لعلّ لغة تقول : لأنّ ، بإبدال العين همزة وإبدال اللام الأخيرة نوناً ، وأنّهم قد يحذفون اللام الأولى تخفيفاً كما يحذفونها في قولهم : علّك أن تفعل ، فتصير ( أنّ ) أي ( لعلّ ). وتبعه الزمخشري وبعض أهل اللّغة ، وأنشدوا أبياتاً .وعن الفرّاء ، والكسائي ، وأبي عليّ الفارسي : أنّ { لا } زائدة ، كما ادّعوا زيادتها في قوله تعالى : { وحرام على قرية أهلكناها أنّهم لا يرجعون } [ الأنبياء : 95 ].وذكر ابن عطيّة : أنّ أبا عليّ الفارسي جعل { أنّها } تعليلاً لقوله { عند الله } أي لا تأتيهم بها لأنّها إذا جاءت لا يؤمنون ، أي على أن يكون { عند } كناية عن منعهم من الإجابة لما طلبوه .وعلى قراءة ابن كثير ، وأبي عمرو ، ويعقوب ، وخلف ، وأبي بكر ، في إحدى روايتين عنه { إنّها } بكسر الهمزة يكون استئنافاً . وحذف متعلّق { يشعركم } لظهوره من قوله { لَيُؤمِنُنّ بها }.والتّقدير : وما يشعركم بإيمانهم إنّهم لا يؤمنون إذا جاءت آية .وعلى قراءة ابن عامر ، وحمزة ، وخلف بتاء المخاطب . فتوجيه قراءة خلف الّذي قرأ { إنّها } بكسر الهمزة ، أن تكون جملة { أنّها إذا جاءت } الخ خطاباً موجّهاً إلى المشركين . وأمّا على قراءة ابن عامر وحمزة اللّذيْن قرآ { أنّها } بفَتح الهمزة فأن يجعل ضمير الخطاب في قوله : { وما يشعركم } موجّهاً إلى المشركين على طريقة الالتفات على اعتبار الوقف على { يشعركم }.
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
ثم حكى القرآن بعض المقترحات المتعنتة التى كان يقترحها المشركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : { وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ } .الجهد : الوسع والطاقة من جهد نفسه يجهدها فى الأمر إذا بلغ أقصى وسعها وطاقتها فيه . وهو مصدر فى موضع الحال .أى : وأقسم أولئك المشركون بالله مجتهدين فى أيمانهم ، مؤكدين إياها بأقصى ألوان التأكيد ، معلنين أنهم لئن جاءتهم آية من الآيات الكونية التى اقترحوها عليك يا محمد ليؤمنن بها أنها من عند الله وأنك صادق فيما تبلغه عن ربك .وقد لقن الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم الرد المفحم لهم فقال : { قُلْ إِنَّمَا الآيات عِندَ الله } .أى : قل لهم يا محمد إن هذه الآيات التى اقترحتموها تعنتا وعنادا مردها إلى الله ، فهو وحده القادر عليها والمتصرف فيها حسب مشيئته وحكمته ، إن شاء أنزلها وإن شاء منعها ، أما أنا فليس ذلك إلىَّ .أخرج ابن جرير - بسنده - عن محمد بن كعب القرظى قال : " كلم نفر من قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا له ، يا محمد تخبرنا أن موسى كان معه عصا ضرب بها الحجر ، فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً ، وتخبرنا أن عيى كان يحيى الموتى ، وتخبرنا أن ثمود كانت لهم ناقة فأتنا بآية من هذه الآيات حتى نصدقك ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أى شىء تحبون أن آتيكم به "؟ قالوا ، تجعل لنا الصا ذهبا ، فقال لهم " فإن فعلت تصدقونى "؟ قالوا نعم . والله لئن فعلت لنتبعنك أجمعون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو فجاءه جبريل فقال ، إن شئت أصبح الصفا ذهبا على أن يعذبهم الله إذا لم يؤمنوا ، وإن شئت فاتركهم حتى يتوب تائبهم ، فقال صلى الله عليه وسلم " بل أتركهم حتى يتوب تائبهم " ، فأنزل الله - تعالى - قوله : { وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ } . إلى قوله ( ولكن أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ ) " .وقوله : { وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ } .أى : وما يدريكم أيها المؤمنون الراغبون فى إنزال هذه الآيات طمعا فى إسلام هؤلاء المشركين أنها إذا جاءت لا يؤمنون أى : إذا جاءت هذه الآيات فأنا أعلم أنهم لا يؤمنون وأنتم لا تعلمون ذلك ولذا توقعتم إيمانهم ورغبتم فى نزول الآيات .فالخطاب هنا للمؤمنين ، والاستفهام فى معنى النفى ، وهو إخبار عنهم بعدم العلم وليس للإنكار عليهم .أى : إنكم إيها المؤمنون ليس عندكم شىء من أسباب الشعور بهذا الأمر الغيبى الذى لا يعلمه إلا علام الغيوب وهو أنهم لا يؤمنون إن جاءتهم الآيات التى يقترحونها على رسول الله صلى الله عليه وسلم تعنتا وجهلا .قال صاحب الكشاف : { وَمَا يُشْعِرُكُمْ } وما يدريكم { أَنَّهَآ } أى الآية التى تقترحونها { إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ } يعنى أنا أعلم أنها إذا جاءت لا يؤمنون بها وأنتم لا تدرون بذلك ، وذلك أن المؤمنين كانوا يطمعون فى إيمانهم إذا جاءت تلك الآية ويتمنون مجيئها ، فقال - عز وجل - وما يدريكم أنهم لا يؤمنون ، وقيل : إنها بمعنى " لعل " من قول العرب : ائت السوق أنك تشترى حماراً .وقال امرؤ القيس .عوجا على الطلل المحيل لأننا ... نبكى الديار كما بكى ابن خذامأى : لعلنا نبكى الديار .وقرىء بكسر " إنها " على أن الكلام قد تم قبله بمعنى : وما يشعركم ما يكون منهم؟ ثم أخبرهم بعلمه فيهم فقال : إنها إذا جاءت لا يؤمنون البتة " .
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
قوله عز وجل : ( وأقسموا بالله جهد أيمانهم ) الآية . قال محمد بن كعب القرظي والكلبي : قالت قريش يا محمد إنك تخبرنا أن موسى كان معه عصى يضرب بها الحجر فينفجر منه اثنتا عشرة عينا ، وتخبرنا أن عيسى عليه السلام كان يحيي الموتى فأتنا من الآيات حتى نصدقك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي شيء تحبون؟ قالوا : تجعل لنا الصفا ذهبا أو ابعث لنا بعض أمواتنا حتى نسأله عنك أحق ما تقول أم باطل ، أو أرنا الملائكة يشهدون لك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فإن فعلت بعض ما تقولون أتصدقونني؟ قالوا : نعم والله لئن فعلت لنتبعنك أجمعين ، وسأل المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزلها عليهم حتى يؤمنوا ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الله أن يجعل الصفا ذهبا فجاءه جبريل عليه السلام ، فقال له : اختر ما شئت إن شئت أصبح ذهبا ولكن إن لم يصدقوا عذبتهم ، وإن شئت تركتهم حتى يتوب تائبهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل يتوب تائبهم ، فأنزل الله عز وجل : ( وأقسموا بالله جهد أيمانهم ) أي : حلفوا بالله جهد أيمانهم ، أي : بجهد أيمانهم ، يعني أوكد ما قدروا عليه من الأيمان وأشدها .قال الكلبي ومقاتل : إذا حلف الرجل بالله ، فهو جهد يمينه .( لئن جاءتهم آية ) كما جاءت من قبلهم من الأمم ، ( ليؤمنن بها قل ) يا محمد ، ( إنما الآيات عند الله ) والله قادر على إنزالها ، ( وما يشعركم ) وما يدريكم .واختلفوا في المخاطبين بقوله ( وما يشعركم ) فقال بعضهم : الخطاب للمشركين الذين أقسموا .وقال بعضهم : الخطاب للمؤمنين .وقوله تعالى : ( أنها إذا جاءت لا يؤمنون ) قرأ ابن كثير وأهل البصرة وأبو بكر عن عاصم " إنها " بكسر الألف على الابتداء ، وقالوا : تم الكلام عند قوله ( وما يشعركم ) فمن جعل الخطاب للمشركين قال : معناه : وما يشعركم أيها [ المشركون ] أنها لو جاءت آمنتم؟ ومن جعل الخطاب للمؤمنين قال معناه : وما يشعركم أيها المؤمنون أنها لو جاءت آمنوا؟ لأن المسلمين كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله حتى يريهم ما اقترحوا حتى يؤمنوا فخاطبهم بقوله : ( وما يشعركم ) ثم ابتدأ فقال جل ذكره : ( أنها إذا جاءت لا يؤمنون ) وهذا في قوم مخصوصين [ حكم الله عليهم بأنهم لا يؤمنون ] ، وقرأ الآخرون : " أنها " بفتح الألف وجعلوا الخطاب للمؤمنين ، واختلفوا في قوله : ( لا يؤمنون ) فقال الكسائي : ( لا ) صلة ، ومعنى الآية : وما يشعركم أيها المؤمنون أن الآيات إذا جاءت المشركين يؤمنون؟ كقوله تعالى " وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون " ( الأنبياء ، 95 ) ، أي : يرجعون وقيل : إنها بمعنى لعل ، وكذلك هو في قراءة أبي ، تقول العرب : اذهب إلى السوق أنك تشتري شيئا ، أي : لعلك ، وقال عدي بن زيد :أعاذل ما يدريك أن منيتي إلى ساعة في اليوم أو في ضحى الغدأي : لعل منيتي ، وقيل : فيه حذف وتقديره : وما يشعركم أنها إذا جاءت [ يؤمنون أو لا يؤمنون؟ وقرأ ابن عامر وحمزة " لا تؤمنون " بالتاء على الخطاب للكفار واعتبروا بقراءة أبي : إذا جاءتكم ] لا تؤمنون ، وقرأ الآخرون بالياء على الخبر ، دليلها قراءة الأعمش : أنها إذا جاءتهم لا يؤمنون .