تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
واعلموا -أيها المؤمنون- أن ما ظَفِرتم به مِن عدوكم بالجهاد في سبيل الله فأربعة أخماسه للمقاتلين الذين حضروا المعركة، والخمس الباقي يجزَّأُ خمسة أقسام: الأول لله وللرسول، فيجعل في مصالح المسلمين العامة، والثاني لذوي قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم بنو هاشم وبنو المطلب، جُعِل لهم الخمس مكان الصدقة فإنها لا تحلُّ لهم، والثالث لليتامى، والرابع للمساكين، والخامس للمسافر الذي انقطعت به النفقة، إن كنتم مقرِّين بتوحيد الله مطيعين له، مؤمنين بما أنزل على عبده محمد صلى الله عليه وسلم من الآيات والمدد والنصر يوم فَرَق بين الحق والباطل بـ"بدر"، يوم التقى جَمْعُ المؤمنين وجَمْعُ المشركين. والله على كل شيء قدير لا يعجزه شيء.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
«واعلموا أنما غنمتم» أخذتم من الكفار قهرا «من شيء فأن لله خمسه» يأمر فيه بما يشاء «وللرسول ولذي القربى» قرابة النبي صلى الله عليه وسلم من بني هاشم وبني المطلب «واليتامى» أطفال المسلمين الذين هلك آباؤهم وهم فقراء «والمساكين» ذوي الحاجة من المسلمين «وابن السبيل» المنقطع في سفره من المسلمين، أي يستحقه النبي صلى الله عليه وسلم والأصناف الأربعة على ما كان يقسمه من أن لكلٍ خُمسَ الخمس، والأخماس الأربعة الباقية للغانمين «إن كنتم آمنتم بالله» فاعملوا ذلك «وما» عطف على بالله «أنزلنا على عبدنا» محمد صلى الله عليه وسلم من الملائكة والآيات «يوم الفرقان» أي يوم بدر الفارق بين الحق والباطل «يوم التقى الجمعان» المسلمون والكفار «والله على كل شيء قدير» ومنه نصركم مع قلتكم وكثرتهم.
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
قوله تعالى واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قديرقوله تعالى واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله فيه ست وعشرون مسألة :الأولى : قوله تعالى واعلموا أنما غنمتم من شيء الغنيمة في اللغة ما يناله الرجل أو الجماعة بسعي ، ومن ذلك قول الشاعر :وقد طوفت في الآفاق حتى رضيت من الغنيمة بالإيابوقال آخر :ومطعم الغنم يوم الغنم مطعمه أنى توجه والمحروم محروموالمغنم والغنيمة بمعنى ; يقال : غنم القوم غنما . واعلم أن الاتفاق حاصل على أن المراد بقوله تعالى : غنمتم من شيء مال الكفار إذا ظفر به المسلمون على وجه الغلبة والقهر . ولا تقتضي اللغة هذا التخصيص على ما بيناه ، ولكن عرف الشرع قيد اللفظ بهذا [ ص: 363 ] النوع . وسمى الشرع الواصل من الكفار إلينا من الأموال باسمين : غنيمة وفيئا . فالشيء الذي يناله المسلمون من عدوهم بالسعي وإيجاف الخيل والركاب يسمى غنيمة . ولزم هذا الاسم هذا المعنى حتى صار عرفا . والفيء مأخوذ من فاء يفيء إذا رجع ، وهو كل مال دخل على المسلمين من غير حرب ولا إيجاف . كخراج الأرضين وجزية الجماجم وخمس الغنائم . ونحو هذا قال سفيان الثوري وعطاء بن السائب . وقيل : إنهما واحد ، وفيهما الخمس ; قاله قتادة . وقيل : الفيء عبارة عن كل ما صار للمسلمين من الأموال بغير قهر . والمعنى متقارب .الثانية : هذه الآية ناسخة لأول السورة ، عند الجمهور . وقد ادعى ابن عبد البر الإجماع على أن هذه الآية نزلت بعد قوله : يسألونك عن الأنفال وأن أربعة أخماس الغنيمة مقسومة على الغانمين ، على ما يأتي بيانه . وأن قوله : يسألونك عن الأنفال نزلت في حين تشاجر أهل بدر في غنائم بدر ، على ما تقدم أول السورة .قلت : ومما يدل على صحة هذا ما ذكره إسماعيل بن إسحاق قال : حدثنا محمد بن كثير قال حدثنا سفيان قال حدثني محمد بن السائب عن أبي صالح عن ابن عباس قال : لما كان يوم بدر قال النبي صلى الله عليه وسلم : من قتل قتيلا فله كذا ومن أسر أسيرا فله كذا وكانوا قتلوا سبعين ، وأسروا سبعين ، فجاء أبو اليسر بن عمرو بأسيرين ، فقال : يا رسول الله إنك وعدتنا من قتل قتيلا فله كذا ، وقد جئت بأسيرين . فقام سعد فقال : يا رسول الله ، إنا لم يمنعنا زيادة في الأجر ولا جبن عن العدو ولكنا قمنا هذا المقام خشية أن يعطف المشركون ، فإنك إن تعط هؤلاء لا يبق لأصحابك شيء . قال : وجعل هؤلاء يقولون وهؤلاء يقولون فنزلت يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فسلموا الغنيمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم نزلت واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه الآية . وقد قيل : إنها محكمة غير منسوخة ، وأن الغنيمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليست مقسومة بين الغانمين ، وكذلك لمن بعده من الأئمة . كذا حكاه المازري عن كثير من أصحابنا ، رضي الله عنهم ، وأن للإمام أن يخرجها عنهم . واحتجوا بفتح مكة وقصة حنين . وكان أبو عبيد يقول : افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة ومن على أهلها فردها عليهم ولم يقسمها ولم يجعلها عليهم فيئا . ورأى بعض الناس أن هذا جائز للأئمة بعده . [ ص: 364 ]قلت : وعلى هذا يكون معنى قوله تعالى : واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه والأربعة الأخماس للإمام ، إن شاء حبسها وإن شاء قسمها بين الغانمين . وهذا ليس بشيء ، لما ذكرناه ، ولأن الله سبحانه أضاف الغنيمة للغانمين فقال : واعلموا أنما غنمتم من شيء ثم عين الخمس لمن سمى في كتابه ، وسكت عن الأربعة الأخماس ، كما سكت عن الثلثين في قوله : وورثه أبواه فلأمه الثلث فكان للأب الثلثان اتفاقا . وكذا الأربعة الأخماس للغانمين إجماعا ، على ما ذكره ابن المنذر وابن عبد البر والداودي والمازري أيضا والقاضي عياض وابن العربي . والأخبار بهذا المعنى متظاهرة ، وسيأتي بعضها . ويكون معنى قوله : يسألونك عن الأنفال الآية ، ما ينفله الإمام لمن شاء لما يراه من المصلحة قبل القسمة . وقال عطاء والحسن : هي مخصوصة بما شذ من المشركين إلى المسلمين ، من عبد أو أمة أو دابة ، يقضي فيها الإمام بما أحب . وقيل : المراد بها أنفال السرايا أي غنائمها ، إن شاء خمسها الإمام ، وإن شاء نفلها كلها . وقال إبراهيم النخعي في الإمام يبعث السرية فيصيبون المغنم : إن شاء الإمام نفله كله ، وإن شاء خمسه . وحكاه أبو عمر عن مكحول وعطاء . قال علي بن ثابت : سألت مكحولا وعطاء عن الإمام ينفل القوم ما أصابوا ، قال : ذلك لهم . قال أبو عمر : من ذهب إلى هذا تأول قول الله عز وجل : يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول أن ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم يضعها حيث شاء . ولم ير أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى : واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه . وقيل غير هذا مما قد أتينا عليه في كتاب " القبس في شرح موطأ مالك بن أنس " . ولم يقل أحد من العلماء فيما أعلم أن قوله تعالى يسألونك عن الأنفال الآية ، ناسخ لقوله : واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه بل قال الجمهور على ما ذكرنا : إن قوله : ما غنمتم ناسخ ، وهم الذين لا يجوز عليهم التحريف ولا التبديل لكتاب الله تعالى . وأما قصة فتح مكة فلا حجة فيها لاختلاف العلماء في فتحها . وقد قال أبو عبيد : ولا نعلم مكة يشبهها شيء من البلدان من جهتين : إحداهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان الله قد خصه من الأنفال والغنائم ما لم يجعله لغيره ، وذلك لقوله : يسألونك عن الأنفال الآية ، فنرى أن هذا كان خاصا له والجهة الأخرى أنه سن لمكة سننا ليست لشيء من البلاد . وأما قصة حنين فقد عوض الأنصار لما قالوا : يعطي الغنائم قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم ! فقال لهم : أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا وترجعون [ ص: 365 ] برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيوتكم . خرجه مسلم وغيره . وليس لغيره أن يقول هذا القول ، مع أن ذلك خاص به على ما قاله بعض علمائنا . والله أعلم .الثالثة : لم يختلف العلماء أن قوله : واعلموا أنما غنمتم من شيء ليس على عمومه ، وأنه يدخله الخصوص ، فمما خصصوه بإجماع أن قالوا : سلب المقتول لقاتله إذا نادى به الإمام . وكذلك الرقاب ، أعني الأسارى ، الخيرة فيها إلى الإمام بلا خلاف ، على ما يأتي بيانه . ومما خص به أيضا الأرض . والمعنى : ما غنمتم من ذهب وفضة وسائر الأمتعة والسبي . وأما الأرض فغير داخلة في عموم هذه الآية ، لما روى أبو داود عن عمر بن الخطاب أنه قال : لولا آخر الناس ما فتحت قرية إلا قسمتها كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر . ومما يصحح هذا المذهب ما رواه الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : منعت العراق قفيزها ودرهمها ومنعت الشام مدها ودينارها الحديث . قال الطحاوي : " منعت " بمعنى ستمنع ، فدل ذلك على أنها لا تكون للغانمين ، لأن ما ملكه الغانمون لا يكون فيه قفيز ولا درهم ، ولو كانت الأرض تقسم ما بقي لمن جاء بعد الغانمين شيء . والله تعالى يقول : والذين جاءوا من بعدهم بالعطف على قوله : للفقراء المهاجرين . قال : وإنما يقسم ما ينقل من موضع إلى موضع . وقال الشافعي : كل ما حصل من الغنائم من أهل دار الحرب من شيء قل أو كثر من دار أو أرض أو متاع أو غير ذلك قسم ، إلا الرجال البالغين فإن الإمام فيهم مخير أن يمن أو يقتل أو يسبي . وسبيل ما أخذ منهم وسبي سبيل الغنيمة . واحتج بعموم الآية . قال : والأرض مغنومة لا محالة ، فوجب أن تقسم كسائر الغنائم . وقد قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما افتتح عنوة من خيبر . قالوا : ولو جاز أن يدعى الخصوص في الأرض جاز أن يدعى في غير الأرض فيبطل حكم الآية . وأما آية " الحشر " فلا حجة فيها ، لأن ذلك إنما هو في الفيء لا في الغنيمة وقوله : والذين جاءوا من بعدهم استئناف كلام بالدعاء لمن سبقهم بالإيمان لا لغير ذلك . قالوا : وليس يخلو فعل عمر في توقيفه الأرض من أحد وجهين : إما أن تكون غنيمة استطاب أنفس أهلها ، وطابت بذلك فوقفها . وكذلك روى جرير أن عمر استطاب أنفس أهلها ، وكذلك [ ص: 366 ] صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبي هوازن ، لما أتوه استطاب أنفس أصحابه عما كان في أيديهم . وإما أن يكون ما وقفه عمر فيئا فلم يحتج إلى مراضاة أحد . وذهب الكوفيون إلى تخيير الإمام في قسمها أو إقرارها وتوظيف الخراج عليها ، وتصير ملكا لهم كأرض الصلح . قال شيخنا أبو العباس رضي الله عنه : وكأن هذا جمع بين الدليلين ووسط بين المذهبين ، وهو الذي فهمه عمر رضي الله عنه قطعا ، ولذلك قال : لولا آخر الناس ، فلم يخبر بنسخ فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولا بتخصيصه بهم ، غير أن الكوفيين زادوا على ما فعل عمر ، فإن عمر إنما وقفها على مصالح المسلمين ولم يملكها لأهل الصلح ، وهم الذين قالوا للإمام أن يملكها لأهل الصلح .الرابعة : ذهب مالك وأبو حنيفة والثوري إلى أن السلب ليس للقاتل ، وأن حكمه حكم الغنيمة ، إلا أن يقول الأمير : من قتل قتيلا فله سلبه ، فيكون حينئذ له . وقال الليث والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد والطبري وابن المنذر : السلب للقاتل على كل حال ، قاله الإمام أو لم يقله . إلا أن الشافعي رضي الله عنه قال : إنما يكون السلب للقاتل إذا قتل قتيلا مقبلا عليه ، وأما إذا قتله مدبرا عنه فلا . قال أبو العباس بن سريج من أصحاب الشافعي : ليس الحديث من قتل قتيلا فله سلبه على عمومه ، لإجماع العلماء على أن من قتل أسيرا أو امرأة أو شيخا أنه ليس له سلب واحد منهم . وكذلك من ذفف على جريح ، ومن قتل من قطعت يداه ورجلاه . قال : وكذلك المنهزم لا يمتنع في انهزامه ، وهو كالمكتوف . قال : فعلم بذلك أن الحديث إنما جعل السلب لمن لقتله معنى زائد ، أو لمن في قتله فضيلة ، وهو القاتل في الإقبال ، لما في ذلك من المؤنة . وأما من أثخن فلا . وقال الطبري : السلب للقاتل ، مقبلا قتله أو مدبرا ، هاربا أو مبارزا إذا كان في المعركة . وهذا يرده ما ذكره عبد الرزاق ومحمد بن بكر عن ابن جريج قال سمعت نافعا مولى ابن عمر يقول : لم نزل نسمع إذا التقى المسلمون والكفار فقتل رجل من المسلمين رجلا من الكفار فإن سلبه له إلا أن يكون في معمعة القتال ، لأنه حينئذ لا يدرى من قتل قتيلا . فظاهر هذا يرد قول الطبري لاشتراطه في السلب القتل في المعركة خاصة . وقال أبو ثور وابن المنذر : السلب للقاتل في معركة كان أو غير معركة ، في الإقبال والإدبار والهروب والانتهار ، على كل الوجوه ، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : من قتل قتيلا فله [ ص: 367 ] سلبه .قلت : روى مسلم عن سلمة بن الأكوع قال : غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هوازن فبينا نحن نتضحى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل على جمل أحمر فأناخه ، ثم انتزع طلقا من حقبه فقيد به الجمل ، ثم تقدم يتغدى مع القوم ، وجعل ينظر ، وفينا ضعفة ورقة في الظهر ، وبعضنا مشاة ، إذ خرج يشتد ، فأتى جمله فأطلق قيده ثم أناخه وقعد عليه فأثاره فاشتد به الجمل ، فاتبعه رجل على ناقة ورقاء . قال سلمة : وخرجت أشتد فكنت عند ورك الناقة ، ثم تقدمت حتى كنت عند ورك الجمل ، ثم تقدمت حتى أخذت بخطام الجمل فأنخته ، فلما وضع ركبته في الأرض اخترطت سيفي فضربت رأس الرجل فندر ، ثم جئت بالجمل أقوده ، عليه رحله وسلاحه ، فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه فقال : من قتل الرجل ؟ قالوا : ابن الأكوع . قال : له سلبه أجمع . فهذا سلمة قتله هاربا غير مقبل ، وأعطاه سلبه . وفيه حجة لمالك من أن السلب لا يستحقه القاتل إلا بإذن الإمام ، إذ لو كان واجبا له بنفس القتل لما احتاج إلى تكرير هذا القول . ومن حجته أيضا ما ذكره أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا أبو الأحوص عن الأسود بن قيس عن بشر بن علقمة قال : بارزت رجلا يوم القادسية فقتلته وأخذت سلبه ، فأتيت سعدا فخطب سعد أصحابه ثم قال : هذا سلب بشر بن علقمة ، فهو خير من اثني عشر ألف درهم ، وإنا قد نفلناه إياه . فلو كان السلب للقاتل قضاء من النبي صلى الله عليه وسلم ما احتاج الأمر أن يضيفوا ذلك إلى أنفسهم باجتهادهم ، ولأخذه القاتل دون أمرهم . والله أعلم . وفي الصحيح أن معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء ضربا أبا جهل بسيفيهما حتى قتلاه ، فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أيكما قتله ؟ فقال كل واحد منهما : أنا قتلته . فنظر في السيفين فقال : كلاكما قتله وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح وهذا نص على أن السلب ليس للقاتل ، إذ لو كان له لقسمه النبي صلى الله عليه وسلم بينهما . وفي الصحيح أيضا عن عوف بن مالك قال : خرجت مع من خرج مع زيد بن حارثة في غزوة مؤتة ، ورافقني مددي من اليمن . وساق الحديث ، وفيه : فقال عوف : يا خالد ، أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل ؟ [ ص: 368 ] قال : بلى ، ولكني استكثرته . وأخرجه أبو بكر البرقاني بإسناده الذي أخرجه به مسلم ، وزاد فيه بيانا أن عوف بن مالك قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يخمس السلب ، وإن مدديا كان رفيقا لهم في غزوة مؤتة في طرف من الشام ، قال : فجعل رومي منهم يشتد على المسلمين وهو على فرس أشقر وسرج مذهب ومنطقة ملطخة وسيف محلى بذهب . قال : فيغري بهم ، قال : فتلطف له المددي حتى مر به فضرب عرقوب فرسه فوقع ، وعلاه بالسيف فقتله وأخذ سلاحه . قال : فأعطاه خالد بن الوليد وحبس منه ، قال عوف : فقلت له أعطه كله ، أليس قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : السلب للقاتل ! قال : بلى ، ولكني استكثرته . قال عوف : وكان بيني وبينه كلام ، فقلت له : لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال عوف : فلما اجتمعنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عوف ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لخالد : لم لم تعطه ؟ قال فقال : استكثرته . قال : فادفعه إليه . فقلت له : ألم أنجز لك ما وعدتك ؟ قال : فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : يا خالد لا تدفعه إليه هل أنتم تاركون لي أمرائي . فهذا يدل دلالة واضحة على أن السلب لا يستحقه القاتل بنفس القتل بل برأي الإمام ونظره . وقال أحمد بن حنبل : لا يكون السلب للقاتل إلا في المبارزة خاصة .الخامسة : اختلف العلماء في تخميس السلب ، فقال الشافعي : لا يخمس . وقال إسحاق : إن كان السلب يسيرا فهو للقاتل ، وإن كان كثيرا خمس . وفعله عمر بن الخطاب مع البراء بن مالك حين بارز المرزبان فقتله ، فكانت قيمة منطقته وسواريه ثلاثين ألفا فخمس ذلك . أنس عن البراء بن مالك أنه قتل من المشركين مائة رجل إلا رجلا مبارزة ، وأنهم لما غزوا الزارة خرج دهقان الزارة فقال : رجل ورجل ، فبرز البراء فاختلفا بسيفيهما ثم اعتنقا فتوركه البراء فقعد على كبده ، ثم أخذ السيف فذبحه ، وأخذ سلاحه ومنطقته وأتى به عمر ، فنفله السلاح وقوم المنطقة بثلاثين ألفا فخمسها ، وقال : إنها مال . وقال الأوزاعي ومكحول : السلب مغنم وفيه الخمس . وروي نحوه عن عمر بن الخطاب . والحجة للشافعي ما رواه أبو داود عن عوف بن مالك الأشجعي وخالد بن الوليد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في السلب للقاتل ولم يخمس السلب .[ ص: 369 ] السادسة : ذهب جمهور العلماء إلى أن السلب لا يعطى للقاتل إلا أن يقيم البينة على قتله . قال أكثرهم : ويجزئ شاهد واحد ، على حديث أبي قتادة . وقيل : شاهدان أو شاهد ويمين . وقال الأوزاعي : يعطاه بمجرد دعواه ، وليست البينة : شرطا في الاستحقاق ، بل إن اتفق ذلك فهو الأولى دفعا للمنازعة . ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أبا قتادة سلب مقتول من غير شهادة ولا يمين . ولا تكفي شهادة واحد ، ولا يناط بها حكم بمجردها . وبه قال الليث بن سعد .قلت : سمعت شيخنا الحافظ المنذري الشافعي أبا محمد عبد العظيم يقول : إنما أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم السلب بشهادة الأسود بن خزاعي وعبد الله بن أنيس . وعلى هذا يندفع النزاع ويزول الإشكال ، ويطرد الحكم . وأما المالكية فيخرج على قولهم أنه لا يحتاج الإمام فيه إلى بينة ، لأنه من الإمام ابتداء عطية ، فإن شرط الشهادة كان له ، وإن لم يشترط جاز أن يعطيه من غير شهادة .السابعة : واختلفوا في السلب ما هو ، فأما السلاح وكل ما يحتاج للقتال فلا خلاف أنه من السلب ، وفرسه إن قاتل عليه وصرع عنه . وقال أحمد في الفرس : ليس من السلب . وكذلك إن كان في هميانه وفي منطقته دنانير أو جواهر أو نحو هذا ، فلا خلاف أنه ليس من السلب . واختلفوا فيما يتزين به للحرب ، فقال الأوزاعي : ذلك كله من السلب . وقالت فرقة : ليس من السلب . وهذا مروي عن سحنون رحمه الله ، إلا المنطقة فإنها عنده من السلب . وقال ابن حبيب في الواضحة : والسواران من السلب .الثامنة : قوله تعالى فأن لله خمسه قال أبو عبيد : هذا ناسخ لقوله عز وجل في أول السورة قل الأنفال لله والرسول ولم يخمس رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم بدر ، فنسخ حكمه في ترك التخميس بهذا . إلا أنه يظهر من قول علي رضي الله عنه في صحيح مسلم " كان لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني شارفا من الخمس يومئذ " الحديث - أنه خمس ، فإن كان هذا فقول أبي عبيد مردود . قال ابن عطية : ويحتمل أن يكون الخمس الذي ذكر علي من إحدى الغزوات التي كانت بين بدر وأحد ، فقد كانت غزوة بني سليم وغزوة بني المصطلق وغزوة ذي أمر وغزوة بحران ، ولم يحفظ فيها قتال ، ولكن يمكن أن غنمت غنائم . والله أعلم .[ ص: 370 ] قلت : وهذا التأويل يرده قول علي يومئذ ، وذلك إشارة إلى يوم قسم غنائم بدر ، إلا أنه يحتمل أن يكون من الخمس إن كان لم يقع في بدر تخميس ، من خمس سرية عبد الله بن جحش فإنها أول غنيمة غنمت في الإسلام ، وأول خمس كان في الإسلام ، ثم نزل القرآن واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه . وهذا أولى من التأويل الأول . والله أعلم .التاسعة ما في قوله ما غنمتم بمعنى الذي والهاء محذوفة ، أي الذي غنمتموه . ودخلت الفاء لأن في الكلام معنى المجازاة . و أن الثانية توكيد للأولى ، ويجوز كسرها ، وروي عن أبي عمرو . قال الحسن : هذا مفتاح كلام ، الدنيا والآخرة لله ، ذكره النسائي . واستفتح عز وجل الكلام في الفيء والخمس بذكر نفسه ، لأنهما أشرف الكسب ، ولم ينسب الصدقة إليه لأنها أوساخ الناس .العاشرة : واختلف العلماء في كيفية قسم الخمس على أقوال ستة :الأول : قالت طائفة : يقسم الخمس على ستة ، فيجعل السدس للكعبة ، وهو الذي لله . والثاني لرسول الله صلى الله عليه وسلم . والثالث لذوي القربى . والرابع لليتامى . والخامس للمساكين . والسادس لابن السبيل . وقال بعض أصحاب هذا القول : يرد السهم الذي لله على ذوي الحاجة .الثاني : قال أبو العالية والربيع : تقسم الغنيمة على خمسة ، فيعزل منها سهم واحد ، وتقسم الأربعة على الناس ، ثم يضرب بيده على السهم الذي عزله فما قبض عليه من شيء جعله للكعبة ، ثم يقسم بقية السهم الذي عزله على خمسة ، سهم للنبي صلى الله عليه وسلم ، وسهم لذوي القربى ، وسهم لليتامى ، وسهم للمساكين ، وسهم لابن السبيل .الثالث : قال المنهال بن عمرو : سألت عبد الله بن محمد بن علي وعلي بن الحسين عن الخمس فقال : هو لنا . قلت لعلي : إن الله تعالى يقول : واليتامى والمساكين وابن السبيل فقال : أيتامنا ومساكيننا .الرابع : قال الشافعي : يقسم على خمسة . ورأى أن سهم الله ورسوله واحد ، وأنه يصرف في مصالح المؤمنين ، والأربعة الأخماس على الأربعة الأصناف المذكورين في الآية .[ ص: 371 ] الخامس : قال أبو حنيفة : يقسم على ثلاثة : اليتامى والمساكين وابن السبيل . وارتفع عنده حكم قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بموته ، كما ارتفع حكم سهمه . قالوا : ويبدأ من الخمس بإصلاح القناطر ، وبناء المساجد ، وأرزاق القضاة والجند ، وروي نحو هذا عن الشافعي أيضا .السادس : قال مالك : هو موكول إلى نظر الإمام واجتهاده ، فيأخذ منه من غير تقدير ، ويعطي منه القرابة باجتهاد ، ويصرف الباقي في مصالح المسلمين . وبه قال الخلفاء الأربعة ، وبه عملوا . وعليه يدل قوله صلى الله عليه وسلم : ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود عليكم . فإنه لم يقسمه أخماسا ولا أثلاثا ، وإنما ذكر في الآية من ذكر على وجه التنبيه عليهم ، لأنهم من أهم من يدفع إليه . قال الزجاج محتجا لمالك : قال الله عز وجل : يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وللرجل جائز بإجماع أن ينفق في غير هذه الأصناف إذا رأى ذلك . وذكر النسائي عن عطاء قال : خمس الله وخمس رسوله واحد ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل منه ويضعه حيث شاء ويصنع به ما شاء .الحادية عشرة : ولذي القربى ليست اللام لبيان الاستحقاق والملك ، وإنما هي لبيان المصرف والمحل . والدليل عليه ما رواه مسلم أن الفضل بن عباس وربيعة بن عبد المطلب أتيا النبي صلى الله عليه وسلم ، فتكلم أحدهما فقال : يا رسول الله ، أنت أبر الناس ، وأوصل الناس ، وقد بلغنا النكاح فجئنا لتؤمرنا على بعض هذه الصدقات ، فنؤدي إليك كما يؤدي الناس ، ونصيب كما يصيبون . فسكت طويلا حتى أردنا أن نكلمه ، قال : وجعلت زينب تلمع إلينا من وراء الحجاب ألا تكلماه ، قال : ثم قال : إن الصدقة لا تحل لآل محمد إنما هي أوساخ الناس ادعوا لي محمية - وكان على الخمس - ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب . قال : فجاءاه فقال لمحمية : أنكح هذا الغلام ابنتك - للفضل بن عباس - فأنكحه . وقال لنوفل بن الحارث : أنكح هذا الغلام ابنتك - يعني ربيعة بن عبد المطلب . وقال لمحمية : أصدق عنهما من الخمس كذا وكذا . وقال صلى الله عليه وسلم : ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس [ ص: 372 ] والخمس مردود عليكم . وقد أعطى جميعه وبعضه ، وأعطى منه المؤلفة قلوبهم ، وليس ممن ذكرهم الله في التقسيم ، فدل على ما ذكرناه ، والموفق الإله .الثانية عشرة : واختلف العلماء في ذوي القربى على ثلاثة أقوال : قريش كلها ، قاله بعض السلف ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما صعد الصفا جعل يهتف : يا بني فلان يا بني عبد مناف يا بني عبد المطلب يا بني كعب يا بني مرة يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار الحديث . وسيأتي في " الشعراء " . وقال الشافعي وأحمد وأبو ثور ومجاهد وقتادة وابن جريج ومسلم بن خالد : بنو هاشم وبنو عبد المطلب ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قسم سهم ذوي القربى بين بني هاشم وبني عبد المطلب قال : إنهم لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد وشبك بين أصابعه ، أخرجه النسائي والبخاري . قال البخاري : قال الليث حدثني يونس ، وزاد : ولم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم لبني عبد شمس ولا لبني نوفل شيئا . قال ابن إسحاق : وعبد شمس وهاشم والمطلب إخوة لأم ، وأمهم عاتكة بنت مرة . وكان نوفل أخاهم لأبيهم . قال النسائي : وأسهم النبي صلى الله عليه وسلم لذوي القربى ، وهم بنو هاشم وبنو المطلب ، بينهم الغني والفقير . وقد قيل : إنه للفقير منهم دون الغني ، كاليتامى وابن السبيل - وهو أشبه القولين بالصواب عندي . والله أعلم - والصغير والكبير والذكر والأنثى سواء ، لأن الله تعالى جعل ذلك لهم ، وقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم . وليس في الحديث أنه فضل بعضهم على بعض . الثالث : بنو هاشم خاصة ، قاله مجاهد وعلي بن الحسين . وهو قول مالك والثوري والأوزاعي وغيرهم .الثالثة عشرة : لما بين الله عز وجل حكم الخمس وسكت عن الأربعة الأخماس ، دل ذلك على أنها ملك للغانمين . وبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله : وأيما قرية عصت الله ورسوله فإن خمسها لله ورسوله ثم هي لكم . وهذا مما لا خلاف فيه بين الأمة ولا بين الأئمة ، على ما [ ص: 373 ] حكاه ابن العربي في أحكامه ، وغيره . بيد أن الإمام إن رأى أن يمن على الأسارى بالإطلاق فعل ، وبطلت حقوق الغانمين فيهم ، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بثمامة بن أثال وغيره ، وقال : لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء النتنى - يعني أسارى بدر - لتركتهم له . أخرجه البخاري . مكافأة له لقيامه في شأن نقض الصحيفة . وله أن يقتل جميعهم ، وقد قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم عقبة بن أبي معيط من بين الأسرى صبرا ، وكذلك النضر بن الحارث قتله بالصفراء صبرا ، وهذا ما لا خلاف فيه . وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سهم كسهم الغانمين ، حضر أو غاب . وسهم الصفي ، يصطفي سيفا أو سهما أو خادما أو دابة . وكانت صفية بنت حيي من الصفي من غنائم خيبر . وكذلك ذو الفقار كان من الصفي . وقد انقطع بموته ، إلا عند أبي ثور فإنه رآه باقيا للإمام يجعله مجعل سهم النبي صلى الله عليه وسلم . وكانت الحكمة في ذلك أن أهل الجاهلية كانوا يرون للرئيس ربع الغنيمة . قال شاعرهم :لك المرباع منها والصفايا وحكمك والنشيطة والفضولوقال آخر :منا الذي ربع الجيوش ، لصلبه عشرون وهو يعد في الأحياءيقال : ربع الجيش يربعه رباعة إذا أخذ ربع الغنيمة . قال الأصمعي : ربع في الجاهلية وخمس في الإسلام ، فكان يأخذ بغير شرع ولا دين الربع من الغنيمة ، ويصطفي منها ، ثم يتحكم بعد الصفي في أي شيء أراد ، وكان ما شذ منها وما فضل من خرثي ومتاع له . فأحكم الله سبحانه الدين بقوله : واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وأبقى سهم الصفي لنبيه صلى الله عليه وسلم وأسقط حكم الجاهلية . وقال عامر الشعبي : كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سهم يدعى الصفي إن شاء عبدا أو أمة أو فرسا يختاره قبل الخمس ، أخرجه أبو داود . وفي حديث أبي هريرة قال فيلقى العبد فيقول : أي فل ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل [ ص: 374 ] والإبل وأذرك ترأس وتربع الحديث . أخرجه مسلم . " تربع " بالباء الموحدة من تحتها : تأخذ المرباع ، أي الربع مما يحصل لقومك من الغنائم والكسب . وقد ذهب بعض أصحاب الشافعي رضي الله عنه إلى أن خمس الخمس كان النبي صلى الله عليه وسلم يصرفه في كفاية أولاده ونسائه ، ويدخر من ذلك قوت سنته ، ويصرف الباقي في الكراع والسلاح . وهذا يرده ما رواه عمر قال : كانت أموال بني النضير مما أفاء - الله على رسوله مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب ، فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة ، فكان ينفق على نفسه منها قوت سنة ، وما بقي جعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله . أخرجه مسلم . وقال : والخمس مردود عليكم .الرابعة عشرة : ليس في كتاب الله تعالى دلالة على تفضيل الفارس على الراجل ، بل فيه أنهم سواء ، لأن الله تعالى جعل الأربعة أخماس لهم ولم يخص راجلا من فارس . ولولا الأخبار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم لكان الفارس كالراجل ، والعبد كالحر ، والصبي كالبالغ . وقد اختلف العلماء في قسمة الأربعة الأخماس ، فالذي عليه عامة أهل العلم فيما ذكر ابن المنذر أنه يسهم للفارس سهمان ، وللراجل سهم . وممن قال ذلك مالك بن أنس ومن تبعه من أهل المدينة . وكذلك قال الأوزاعي ومن وافقه من أهل الشام . وكذلك قال الثوري ومن وافقه من أهل العراق . وهو قول الليث بن سعد ومن تبعه من أهل مصر . وكذلك قال الشافعي رضي الله عنه وأصحابه . وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور ويعقوب ومحمد . قال ابن المنذر : ولا نعلم أحدا خالف في ذلك إلا النعمان فإنه خالف فيه السنن وما عليه جل أهل العلم في القديم والحديث . قال : لا يسهم للفارس إلا سهم واحد .قلت : ولعله شبه عليه بحديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل للفارس سهمين ، وللراجل سهما . خرجه الدارقطني وقال : قال الرمادي كذا يقول ابن نمير قال لنا النيسابوري : هذا عندي وهم من ابن أبي شيبة أو من الرمادي ، لأن أحمد بن حنبل [ ص: 375 ] وعبد الرحمن بن بشر وغيرهما رووه عن ابن عمر رضي الله عنهما بخلاف هذا ، وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم للرجل ولفرسه ثلاثة أسهم ، سهما له وسهمين لفرسه ، هكذا رواه عبد الرحمن بن بشر عن عبد الله بن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ، وذكر الحديث . وفي صحيح البخاري عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل للفرس سهمين ولصاحبه سهما . وهذا نص . وقد روى الدارقطني عن الزبير قال : أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أسهم يوم بدر ، سهمين لفرسي وسهما لي وسهما لأمي من ذوي القرابة . وفي رواية : وسهما لأمه سهم ذوي القربى . وخرج عن بشير بن عمرو بن محصن قال : أسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لفرسي أربعة أسهم ، ولي سهما ، فأخذت خمسة أسهم . وقيل إن ذلك راجع إلى اجتهاد الإمام ، فينفذ ما رأى . والله أعلم .الخامسة عشرة : لا يفاضل بين الفارس والراجل بأكثر من فرس واحد ، وبه قال الشافعي . وقال أبو حنيفة : يسهم لأكثر من فرس واحد ، لأنه أكثر عناء وأعظم منفعة ، وبه قال ابن الجهم من أصحابنا ، ورواه سحنون عن ابن وهب . ودليلنا أنه لم ترد رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن يسهم لأكثر من فرس واحد ، وكذلك الأئمة بعده ، ولأن العدو لا يمكن أن يقاتل إلا على فرس واحد ، وما زاد على ذلك فرفاهية وزيادة عدة ، وذلك لا يؤثر في زيادة السهمان ، كالذي معه زيادة سيوف أو رماح ، واعتبارا بالثالث والرابع . وقد روي عن سليمان بن موسى أنه يسهم لمن كان عنده أفراس ، لكل فرس سهم .السادسة عشرة : لا يسهم إلا للعتاق من الخيل ، لما فيها من الكر والفر ، وما كان من البراذين والهجن بمثابتها في ذلك . وما لم يكن كذلك لم يسهم له . وقيل : إن أجازها الإمام أسهم لها ، لأن الانتفاع بها يختلف بحسب الموضع ، فالهجن والبراذين تصلح للمواضع المتوعرة كالشعاب والجبال ، والعتاق تصلح للمواضع التي يتأتى فيها الكر والفر ، فكان ذلك متعلقا برأي الإمام . والعتاق : خيل العرب . والهجن والبراذين : خيل الروم .السابعة عشرة : واختلف علماؤنا في الفرس الضعيف ، فقال أشهب وابن نافع : لا [ ص: 376 ] يسهم له ، لأنه لا يمكن القتال عليه فأشبه الكسير . وقيل : يسهم له لأنه يرجى برؤه . ولا يسهم للأعجف إذا كان في حيز ما لا ينتفع به ، كما لا يسهم للكسير . فأما المريض مرضا خفيفا مثل الرهيص ، وما يجري مجراه مما لا يمنعه المرض عن حصول المنفعة المقصودة منه فإنه يسهم له . ويعطى الفرس المستعار والمستأجر ، وكذلك المغصوب ، وسهمه لصاحبه . ويستحق السهم للخيل وإن كانت في السفن ووقعت الغنيمة في البحر ، لأنها معدة للنزول إلى البر .الثامنة عشرة : لا حق في الغنائم للحشوة كالأجراء والصناع الذين يصحبون الجيش للمعاش ، لأنهم لم يقصدوا قتالا ولا خرجوا مجاهدين . وقيل : يسهم لهم ، لقوله صلى الله عليه وسلم : الغنيمة لمن شهد الوقعة . أخرجه البخاري . وهذا لا حجة فيه لأنه جاء بيانا لمن باشر الحرب وخرج إليه ، وكفى ببيان الله عز وجل المقاتلين وأهل المعاش من المسلمين حيث جعلهم فرقتين متميزتين ، لكل واحدة حالها في حكمها ، فقال : علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله إلا أن هؤلاء إذا قاتلوا لا يضرهم كونهم على معاشهم ، لأن سبب الاستحقاق قد وجد منهم . وقال أشهب : لا يستحق أحد منهم وإن قاتل ، وبه قال ابن القصار في الأجير : لا يسهم له وإن قاتل . وهذا يرده حديث سلمة بن الأكوع قال : كنت تبيعا لطلحة بن عبيد الله أسقي فرسه وأحسه وأخدمه وآكل من طعامه ، الحديث . وفيه : ثم أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سهمين ، سهم الفارس وسهم الراجل ، فجمعهما لي . خرجه مسلم . واحتج ابن القصار ومن قال بقوله بحديث عبد الرحمن بن عوف ، ذكره عبد الرزاق ، وفيه : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن : هذه الثلاثة الدنانير حظه ونصيبه من غزوته في أمر دنياه وآخرته . [ ص: 377 ]التاسعة عشرة : فأما العبيد والنساء فمذهب الكتاب أنه لا يسهم لهم ولا يرضخ . وقيل : يرضخ لهم ، وبه قال جمهور العلماء . وقال الأوزاعي : إن قاتلت المرأة أسهم لها . وزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم للنساء يوم خيبر . قال : وأخذ المسلمون بذلك عندنا . وإلى هذا القول مال ابن حبيب من أصحابنا . خرج مسلم عن ابن عباس أنه كان في كتابه إلى نجدة : تسألني هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء ؟ وقد كان يغزو بهن فيداوين الجرحى ويحذين من الغنيمة ، وأما بسهم فلم يضرب لهن . وأما الصبيان فإن كان مطيقا للقتال ففيه عندنا ثلاثة أقوال : الإسهام ونفيه حتى يبلغ ، لحديث ابن عمر ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي . والتفرقة بين أن يقاتل فيسهم له أو يقاتل فلا يسهم له . والصحيح الأول ، لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني قريظة أن يقتل منهم من أنبت ويخلى منهم من لم ينبت . وهذه مراعاة لإطاقة القتال لا للبلوغ . وقد روى أبو عمر في الاستيعاب عن سمرة بن جندب قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض عليه الغلمان من الأنصار فيلحق من أدرك منهم ، فعرضت عليه عاما فألحق غلاما وردني ، فقلت : يا رسول الله ، ألحقته ورددتني ، ولو صارعني صرعته قال : فصارعني فصرعته فألحقني . وأما العبيد فلا يسهم لهم أيضا ويرضخ لهم .الموفية العشرين : الكافر إذا حضر بإذن الإمام وقاتل ففي الإسهام له عندنا ثلاثة أقوال : الإسهام ونفيه ، وبه قال مالك وابن القاسم . زاد ابن حبيب : ولا نصيب لهم . ويفرق في الثالث - وهو لسحنون - بين أن يستقل المسلمون بأنفسهم فلا يسهم له ، أو لا يستقلوا ويفتقروا إلى معونته فيسهم له . فإن لم يقاتل فلا يستحق شيئا . وكذلك العبيد مع الأحرار . وقال الثوري والأوزاعي : إذا استعين بأهل الذمة أسهم لهم . وقال أبو حنيفة وأصحابه : لا يسهم لهم ، ولكن يرضخ لهم . وقال الشافعي رضي الله عنه : يستأجرهم الإمام من مال لا مالك له بعينه . فإن لم يفعل أعطاهم سهم النبي صلى الله عليه وسلم . وقال في موضع آخر : يرضخ للمشركين إذا قاتلوا مع المسلمين . قال أبو عمر : اتفق الجميع أن العبد ، وهو ممن يجوز أمانه ، إذا قاتل لم يسهم له ولكن يرضخ ، فالكافر بذلك أولى ألا يسهم له .الحادية والعشرون : لو خرج العبد وأهل الذمة لصوصا وأخذوا مال أهل الحرب فهو لهم ولا يخمس ، لأنه لم يدخل في عموم قوله عز وجل : واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه [ ص: 378 ] أحد منهم ولا من النساء . فأما الكفار فلا مدخل لهم من غير خلاف . وقال سحنون . لا يخمس ما ينوب العبد . وقال ابن القاسم : يخمس ، لأنه يجوز أن يأذن له سيده في القتال ويقاتل على الدين ، بخلاف الكافر . وقال أشهب في كتاب محمد : إذا خرج العبد والذمي من الجيش وغنما فالغنيمة للجيش دونهم .الثانية والعشرون : سبب استحقاق السهم شهود الوقعة لنصر المسلمين ، على ما تقدم . فلو شهد آخر الوقعة استحق . ولو حضر بعد انقضاء القتال فلا . ولو غاب بانهزام فكذلك . فإن كان قصد التحيز إلى فئة فلا يسقط استحقاقه . روى البخاري وأبو داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبان بن سعيد على سرية من المدينة قبل نجد ، فقدم أبان بن سعيد وأصحابه على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر بعد أن فتحها ، وإن حزم خيلهم ليف ، فقال أبان : اقسم لنا يا رسول الله . قال أبو هريرة : فقلت لا تقسم لهم يا رسول الله . فقال أبان : أنت بها يا وبر تحدر علينا من رأس ضال . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اجلس يا أبان ولم يقسم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم .الثالثة والعشرون : واختلف العلماء فيمن خرج لشهود الوقعة فمنعه العذر منه كمرض ، ففي ثبوت الإسهام له ونفيه ثلاثة أقوال : يفرق في الثالث ، وهو المشهور ، فيثبته إن كان الضلال قبل القتال وبعد الإدراب ، وهو الأصح ، قاله ابن العربي . وينفيه إن كان قبله . وكمن بعثه الأمير من الجيش في أمر من مصلحة الجيش فشغله ذلك عن شهود الوقعة فإنه يسهم له ، قاله ابن المواز ، ورواه ابن وهب وابن نافع عن مالك . وروي لا يسهم له بل يرضخ له لعدم السبب الذي يستحق به السهم ، والله أعلم . وقال أشهب : يسهم للأسير وإن كان في الحديد . والصحيح أنه لا يسهم له ، لأنه ملك مستحق بالقتال ، فمن غاب أو حضر مريضا كمن لم يحضر .الرابعة والعشرون : الغائب المطلق لا يسهم له ، ولم يسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لغائب قط [ ص: 379 ] إلا يوم خيبر ، فإنه أسهم لأهل الحديبية من حضر منهم ومن غاب ، لقول الله عز وجل : وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها ، قاله موسى بن عقبة . وروي ذلك عن جماعة من السلف . وقسم يوم بدر لعثمان ولسعيد بن زيد وطلحة ، وكانوا غائبين ، فهم كمن حضرها إن شاء الله تعالى . فأما عثمان فإنه تخلف على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمره من أجل مرضها . فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره ، فكان كمن شهدها . وأما طلحة بن عبيد الله فكان بالشام في تجارة فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره ، فيعد لذلك في أهل بدر . وأما سعيد بن زيد فكان غائبا بالشام أيضا فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره . فهو معدود في البدريين . قال ابن العربي : أما أهل الحديبية فكان ميعادا من الله اختص به أولئك النفر فلا يشاركهم فيه غيرهم . وأما عثمان وسعيد وطلحة فيحتمل أن يكون أسهم لهم من الخمس ، لأن الأمة مجمعة على أن من بقي لعذر فلا يسهم له .قلت : الظاهر أن ذلك مخصوص بعثمان وطلحة وسعيد فلا يقاس عليهم غيرهم . وأن سهمهم كان من صلب الغنيمة كسائر من حضرها لا من الخمس . هذا الظاهر من الأحاديث والله أعلم . وقد روى البخاري عن ابن عمر قال : لما تغيب عثمان عن بدر فإنه كان تحته ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت مريضة ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه .الخامسة والعشرون قوله تعالى إن كنتم آمنتم بالله قال الزجاج عن فرقة : المعنى فاعلموا أن الله مولاكم إن كنتم ، ف ( إن ) متعلقة بهذا الوعد . وقالت فرقة : إن ( إن ) متعلقة بقوله واعلموا أنما غنمتم . قال ابن عطية : وهذا هو الصحيح ، لأن قوله واعلموا يتضمن الأمر بالانقياد والتسليم لأمر الله في الغنائم ، فعلق إن بقوله : واعلموا على هذا المعنى ، أي إن كنتم مؤمنين بالله فانقادوا وسلموا لأمر الله فيما أعلمكم به من حال قسمة الغنيمة .السادسة والعشرون : وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان ما في موضع [ ص: 380 ] خفض عطف على اسم الله يوم الفرقان أي اليوم الذي فرقت فيه بين الحق والباطل ، وهو يوم بدر .يوم التقى الجمعان حزب الله وحزب الشيطان . والله على كل شيء قدير
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
انتقال لبيان ما أجمل من حكم الأنفال ، الذي افتتحته السورة ، ناسب الانتقال إليه ما جرى من الأمر بقتال المشركين إن عادوا إلى قتال المسلمين . والجملة معطوفة على جملة { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة } [ الأنفال : 39 ].وافتتاحه ب { اعلموا } للاهتمام بشأنه ، والتنبيهِ على رعاية العمل به ، كما تقدّم في قوله : { واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه } [ الأنفال : 24 ] فإنّ المقصود بالعلم تقرّر الجزم بأنّ ذلك حكم الله ، والعمل بذلك المعلوم ، فيكون { اعلموا } كناية مراداً به صريحه ولازمه . والخطاب لجميع المسلمين وبالخصوص جيش بدر ، وليس هذا نسخاً لحكم الأنفال المذكور أوّل السورة ، بل هو بيان لإجمال قوله : { للَّه . . وللرسول } وقال أبو عبيد : إنّها ناسخة ، وأنّ الله شرع ابتداء أنّ قسمة المغانم لرسوله صلى الله عليه وسلم يريد أنها لاجتهاد الرسول بدون تعيين ، ثم شرع التخميس . وذكروا : أنّ رسول الله لم يخمّس مغانم بدر ، ثم خمّس مغانم أخرى بعد بدر ، أي بعد نزول آية سورة الأنفال ، وفي حديث علي : أنّ رسول الله أعطاه شارفاً من الخمس يوم بدر ، فاقتضت هذه الرواية أنّ مغانم بدر خمّست .وقد اضطربت أقوال المفسّرين قديماً في المراد من المغنم في هذه الآية ، ولم تنضبط تقارير أصحاب التفاسير في طريقة الجمع بين كلامهم على تفاوت بينهم في ذلك ، ومنهم من خلطها مع آية سورة الحشر ، فجعل هذه ناسخة لآية الحشر والعكس ، أو أنّ إحدى الآيتين مخصّصة للأخرى : إمّا في السهام ، وإمّا في أنواع المغانم ، وتفصيل ذلك يطول . وتردّدوا في مسمّى الفيء فصارت ثلاثة أسماء مجالاً لاختلاف الأقوال : النفَل ، والغنيمة ، والفيء .والوجه عندي في تفسير هذه الآية ، واتّصالها بقوله : { يسألونك عن الأنفال } [ الأنفال : 1 ] أنَّ المراد بقوله : { ما غنمتم } في هذه الآية : ما حصلتم من الغنائم من متاع الجيش ، وذلك ما سمّي بالأنفال ، في أوّل السورة ، فالنفل والغنيمة مترادفان ، وذلك مقتضى استعمال اللغة ، فعن ابن عبّاس ، ومجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، وعكرمة ، وعطاء : الأنفال الغنائم . وعليه فوجه المخالفة بين اللفظين إذ قال تعالى هنا { غنمتم } وقال في أوّل السورة [ الأنفال : 1 ] : { يسألونك عن الأنفال } لاقتضاء الحال التعبيرَ هنا بفعللٍ ، وليس في العربية فعل من مادّة النفَل يفيد إسناد معناه إلى من حَصَل له ، ولذلك فآية { واعلموا أنما غنمتم } سيقت هنا بياناً لآية { يسألونك عن الأنفال فإنّهما وردتا في انتظام متّصل من الكلام . ونرى أنّ تخصيص اسم النفَل بما يعطيه أميرُ الجيش أحدَ المقاتلين زائداً على سهمه من الغنيمة سواء كان سلبَاً أو نحوه ممّا يسعه الخمس أو من أصل مال الغنيمة على الخلاف الآتي ، إنّما هو اصطلاح شاع بين أمراء الجيوش بعد نزول هذه الآية ، وقد وقع ذلك في كلام عبد الله بن عمر ، وأمّا ما روي عن ابن عبّاس : أنّ الأنفال ما يصل إلى المسلمين بغير قتال ، فجعلها بمعنى الفيء ، فمحمله على بيان الاصطلاح الذي اصطلحوا عليه من بعد .وتعبيرات السلف في التفرقة بين الغنيمة والنفل غير مضبوطة ، وهذا ملاك الفصل في هذا المقام لتمييز أصناف الأموال المأخوذة في القتال ، فأما صور قسمتها فسيأتي بعضها في هذه الآية .فاصطلحوا على أنّ الغنيمة ، ويُقال : لها المغنم ، ما يأخذه الغزاة من أمتعة المقاتلين غصباً ، بقتل أو بأسر ، أو يقتحمون ديارهم غازين ، أو مايتركه الأعداء في ديارهم ، إذا فرّوا عند هجوم الجيش عليهم بعد ابتداء القتال . فأمّا ما يظفر به الجيش في غير حالة الغزو من مال العدوّ ، وما يتركه العدوّ من المتاع إذا أخلوا بلادهم قبل هجوم جيش المسلمين ، فذلك الفيء وسيجيء في سورة الحشر .وقد اختلف فقهاء الأمصار في مقتضى هذه الآية مع آية { يسألونك عن الأنفال } [ الأنفال : 1 ] إلخ . فقال مالك : ليس أموال العدوّ المقاتل حقّ لجيش المسلمين إلاّ الغنيمة والفيء . وأمّا النفَل فليس حقَّاً مستقلاً بالحكم ، ولكنّه ما يعطيه الإمام من الخمس لبعض المقاتلين زائداً على سهمه من الغنيمة ، على ما يرى من الاجتهاد ، ولا تعيين لمقدار النفل في الخمس ولا حدّ له ، ولا يكون فيما زاد على الخُمس . هذا قول مالك ورواية عن الشافعي . وهو الجاري على ما عمل به الخلفاء الثلاثة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أبو حنيفة ، والشافعي ، في أشهر الروايتين عنه ، وسعيد بن المسيّب : النفل من الخمس وهو خُمس الخمس .وعن الأوزاعي ، ومكحول ، وجمهور الفقهاء : النفل ما يعطى من الغنيمة يخرج من ثلث الخمس .و ( ما ) في قوله : { أنما } اسم موصول وهو اسم ( أنَّ ) وكتبت هذه في المصحف متّصلة ب ( أنّ ) لأنّ زمان كتابة المصحف كان قبل استقرار قواعد الرسم وضبط الفروق فيه بين ما يتشابه نطقه ويختلف معناه ، فالتفرقة في الرسم بين ( ما ) الكافّة وغيرها لم ينضبط زمن كتابة المصاحف الأولى ، وبقيت كتابة المصاحف على مثال المصحف الإمام مبالغة في احترام القرآن عن التغيير .و { من شيء } بيان لعموم ( ما ) لئلا يتوهّم أنّ المقصود غنيمة معيّنة خاصّة . والفاء في قوله : { فأن لله خمسه } لما في الموصول من معنى الاشتراط ، وما في الخبر من معنى المجازاة بتأويل : إن غنمتم فحقّ لله خمسُهُ إلخ .والمصدر المؤوّل بعد ( أنّ ) في قوله : { فأن لله خمسه } مبتدأ حذف خبره ، أو خبر حذف مبتدؤه ، وتقدير المحذوف بما يناسب المعنى الذي دلّت عليه لام الاستحقاق ، أي فحقّ لله خمسهُ . وإنّما صيغ على هذا النظم ، مع كون معنى اللام كافياً في الدلالة على الأحقّيّة ، كما قرىء في الشاذ { فللَّه خمسه } لما يفيده الإتيان بحرف ( أنّ ) من الإسناد مرتين تأكيداً ، ولأنّ في حذف أحد ركني الإسناد تكثيراً لوجوه الاحتمال في المقدّر ، من نحو تقدير : حقّ ، أو ثبات ، أو لازم ، أو واجب .واللام للملك ، أو الاستحقاق ، وقد علم أنّ أربعة الأخماس للغزاة الصادق عليهم ضمير { غنمتم } فثبت به أنّ الغنيمة لهم عدا خمسها .وقد جعل الله خمس الغنيمة حقّا لله وللرسول ومن عطف عليهما ، وكان أمر العرب في الجاهلية أنّ ربع الغنيمة يكون لقائد الجيش ، ويسمّى ذلك «المرباع» بكسر الميم .وفي عرف الإسلام إذا جعل شيء حقَّاً لله ، من غير ما فيه عبادة له : أنّ ذلك يكون للذين يأمر الله بتسديد حاجتهم منه ، فلكلّ نوع من الأموال مستحقّون عيّنهم الشرع ، فالمعنى في قوله : { فأن لله خمسه } أنّ الابتداء باسم الله تعالى للإشارة إلى أنّ ذلك الخمس حقّ الله يصرفه حيث يشاء ، وقد شاء فوكل صرفه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم ولمن يخلف رسوله من أئمّة المسلمين . وبهذا التأويل يكون الخمس مقسوماً على خمسة أسهم ، وهذا قول عامّة علماء الإسلام وشذّ أبو العالية رفيع الرياحي ولاء من التابعين ، فقال : إنّ الخمس يقسم على خمسة أسهم فيعزل منها سهم فيضرب الأمير بيده على ذلك السهم الذي عزله فما قبضت عليه يده من ذلك جعله للكعبة : أي على وجه يشبه القرعة ، ثم يقسم بقية ذلك السهم على خمسة : سهم للنبيء صلى الله عليه وسلم وسهم لذوي القربى ، وسهم لليتامى ، وسهم للمساكين ، وسهم لابن السبيل . ونسب أبو العالية ذلك إلى فعل النبي صلى الله عليه وسلموأمّا الرسول عليه الصلاة والسلام فلحقه حالتان : حالة تصرّفه في مال الله بما ائتمنه الله على سائر مصالح الأمة ، وحالة انتفاعه بما يحبّ انتفاعه به من ذلك . فلذلك ثبت في الصحيح : أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من الخمس نفقته ونفقة عياله ، ويجعل الباقي مجعل مال الله . وفي الصحيح : أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال في الفيء " مالي ممّا أفاء الله عليكم إلاّ الخمس والخمس مردود عليكم " فيقاس عليه خمس الغنيمة ، وكذلك كان شأن رسول الله في انتفاعه بما جعله الله له من الحقّ في مال الله . وأوضح شيء في هذا الباب حديث عمر بن الخطاب في محاورته مع العباس وعلي ، حين تحاكما إليه ، رواه مالك في «الموطأ» ورجال «الصحيح» ، قال عمر : «إنّ الله كان قد خصّ رسوله في هذا الفيء بشيء لم يعطه غيره قال { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فللَّه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين } [ الحشر : 7 ] فكانت هذه خالصة لرسول الله ، ووالله ما احتازها دونكم ولا استأثر بها عليكم قد أعطاكموها وبثّها فيكم حتّى بقي منها هذا المال . فكان رسول الله ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله» .والغرض من جلب كلام عمر قوله : «ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله» .وأمّا ذو { القربى } ف ( أل ) في { القربى } عوض عن المضاف إليه كما في قوله تعالى في سورة [ البقرة : 177 ] { وآتى المال على حبه ذوي القربى } أي ذوي قرابة المؤتي المال . والمراد هنا هو ( الرسول ) المذكور قبله ، أي ولذوي قربى الرسول ، والمراد ب ( ذي ) الجنس ، أي : ذوي قربى الرسول ، أي : قرابته ، وذلك إكرام من الله لرسوله إذ جعل لأهل قرابته حقّاً في مال الله ، لأن الله حرّم عليهم أخذ الصدقات والزكاة . فلا جرم أنّه أغناهم من مال الله . ولذلك كان حقّهم في الخمس ثابتاً بوصف القرابة .فذو القربى مراد به كلّ من اتّصف بقرابة الرسول عليه الصلاة والسلام فهو عام في الأشخاص ، ولكن لفظ القربى } جنس فهو مجمل ، وأجملت رتبة القرابة إحالة على المعروف في قربى الرجل ، وتلك هي قربى نسب الآباء دون الأمّهات . ثم إنّ نسب الآباء بين العرب يعدّ مشتركاً إلى الحَدّ الذي تنشقّ منه الفصائل ، ومحملها الظاهر على عَصبة الرجل من أبناء جدّه الأدنى . وأبناء أدنى أجداد النبي صلى الله عليه وسلم هم بنو عبد المطلب بن هاشم ، وإن شئت فقل : هم بنو هاشم ، لأنّ هاشماً لم يبقَ له عقب في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلاّ مِن عبد المطلب ، فالأرجح أنّ قربى الرسول صلى الله عليه وسلم هم بنو هاشم ، وهذا قول مالك وجمهور أصحابه ، وهو إحدى روايتين عن أحمد بن حنبل ، وقاله ابن عبّاس ، وعلي بن الحسين ، وعبد الله بن الحسن ، ومجاهد ، والأوزاعي ، والثوري . وذهب الشافعي ، وأحمد في إحدى روايتين عنه ، التي جرى عليها أصحابه ، وإسحاق وأبو ثور : أنّ القربى هنا : هم بنو هاشم وبنو المطلب ، دون غيرهم من بني عبد مناف . ومال إليه من المالكية ابنُ العربي ، ومتمسّك هؤلاء ما رواه البخاري ، وأبو داود ، والنسائي ، عن جبير بن مُطعِم : أنّه قال : أتيت أنا وعثمان بن عفّان رسولَ الله نكلّمه فيما قسم من الخمس بين بني هاشم وبني المطلب فقلت يا رسول الله : قسمت لإخواننا بني المطلب ولم تعطنا شيئاً ، وقرابتُنا وقرابتهم واحدة فقال : «إنّما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد» . وهو حديث صحيح لا نزاع فيه ، ولا في أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى بني هاشم وبني المطلب دون غيرهم . ولكن فِعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه يحتمل العموم في الأموال المعطاة ويحتمل الخصوص لأمور : أحدها : أنّ للنبيء صلى الله عليه وسلم في حياته سهماً من الخمس فيحتمل أنّه أعطى بني المطلب عطاء من سهمه الخاصّ ، جزاء لهم على وفائهم له في الجاهلية ، وانتصارهم له ، وتلك منقبة شريفة أيّدوا بها دعوة الدين وهم مشركون ، فلم يضعها الله لهم ، وأمر رسوله بمواساتهم ، وذلك لا يكسبهم حقّاً مستمراً .ثانيها : أنّ الحقوق الشرعية تستند للأوصاف المنضبطة ، فالقربى هي النسب ، ونسب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهاشم ، وأمّا بنو المطلب فهم وبنو عبد شمس وبنو نوفل في رتبة واحدة من قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنّ آباءَهم هم أبناء عبد مناف ، وأخوة لهاشم ، فالذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وظاهروه في الجاهلية كانت لهم المزية ، وهم الذين أعطى رسولُ الله أعيانهم ولم يثبت أنّه أعطى من نشأ بعدهم من أبنائهم الذين لم يحضروا ذلك النصر ، فمن نشأ بعدهم في الإسلام يساوون أبناء نوفل وأبناء عبد شمس ، فلا يكون في عطائه ذلك دليل على تأويل ذي القربى في الآية ببني هاشم وبني المطلب .أمّا قول أبي حنيفة فقال الجصاص في «أحكام القرآن» : قال أبو حنيفة في «الجامع الصغير» : يقسم الخمس على ثلاثة أسهم ( أي ولم يتعرّض لسهم ذوي القربى ) وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة قال : خمس الله والرسول واحدٌ ، وخمسٌ لذي القربى فلكلّ صنف سمّاه الله تعالى في هذه الآية خمُس الخمس قال : وإنّ الخلفاء الأربعة متّفقون على أنّ ذا القربى لا يستحقّ إلاّ بالفقر . قال : وقد اختلف في ذوي القربى من هم؟ فقال أصحابنا : قرابة النبي صلى الله عليه وسلم الذين حَرّم عليهم الصدقة وهم ( آل علي والعباس وآل جعفر وآل عقيل وولد الحارث بن عبد المطلب ) وقال آخرون : بنو المطلب داخلون فيهم .وقال أصبغ من المالكية : ذوو القربى هم عشيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم الأقربون الذين أمره الله بإنذارهم في قوله : { وأنذر عشيرتك الأقربين } [ الشعراء : 214 ] وهم آل قُصي . وعنه أنّهم آل غالب بن فهر ، أي قريش ، ونسب هذا إلى بعض السلف وأخرَج أبو حنيفة من القربى بني أبي لهب قال : لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا قرابة بيني وبين أبي لهب فإنّه آثر علينا الأفجرين " رواه الحنفية في كتاب الزكاة ، ولا يعرف لهذا الحديث سند ، وبعد فلا دلالة فيه ، لأنّ ذلك خاصّ بأبي لهب فلا يشمل أبناءه في الإسلام . ذكر ابن حجر في { الإصابة } أنّ محمد بن إسحاق ، وغيره . روى عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال : قدمت دُرة بنت أبي لهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إنّ الناس يصيحون بي ويقولون : إنّي بنت حطَب النار ، فقام رسول الله؛ وهو مغضَب شديدَ الغضب ، فقال : «ما بال أقوام يؤذونني في نسبي وذوي رحمي ألاَ ومن آذى نسبي وذوي رحمي فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله» . فوصف درّة بأنّها من نسبه . والجمهور على أنّ ذوي القربى يستحقّون دون اشتراط الفقر ، لأنّ ظاهر الآية أنّ وصف قربى النبي صلى الله عليه وسلم هو سبب ثبوت الحقّ لهم في خمس المغنم دون تقييد بوصف فقرهم ، وهذا قول جمهور العلماء .وقال أبو حنيفة : لا يعطَون إلاّ بوصف الفقر وروي عن عمر بن عبد العزيز . ففائدة تعيين خمس الخمس لهم أنّ لا يحاصهم فيه مَن عَداهم من الفقراء ، هذا هو المشهور عن أبي حنيفة ، وبعض الحنفية يحكي عن أبي يوسف موافقةَ الجمهور في عدم اشتراط الفقر فيهم .وقد جعل الله الخمس لخمسةِ مصارف ولم يعيّن مقدار ما لكلّ مصرف منه ، ولا شكّ أنّ الله أراد ذلك؛ ليكون صرفه لمصارفه هذه موكولاً إلى اجتهاد رسوله صلى الله عليه وسلم وخلفائه من بعده ، فيقسم بحسب الحاجات والمصالح ، فيأخذ كلّ مصرف منه ما يفي بحاجته على وجه لا ضرّ معه على أهل المصرف الآخر ، وهذا قول مالك في قسمة الخمس ، وهو أصح الأقوال ، إذ ليس في الآية تعرّض لمقدار القسمة ، ولم يَرد في السنة ما يصحّ التمسك به لذلك ، فوجب أن يناط بالحاجة ، وبتقديم الأحوج والأهمّ عند التضايق ، والأمر فيه موكول إلى اجتهاد الإمام ، وقد قال عمر : «فكان رسول الله ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله» .وقال الشافعي : يقسم لكلّ مصرف الخمس من الخمس ، لأنها خمسة مصارف ، فجعلها متساوية ، لأنَّ التساوي هو الأصل في الشركة المجملة ولم يلتفت إلى دليل المصلحة المقتضية للترجيح وإذ قد جَعل ما لله ولرسوله خمساً واحداً تبعاً للجمهور فقد جعله بعد رسول الله لمصالح المسلمين .وقال أبو حنيفة : ارتفع سهم رسول الله وسهم قرابته بوفاته ، وبقي الخمس لليتامى والمساكين وابن السبيل ، لأنّ رسول الله إنّما أخذ سهماً في المغنم لأنّه رسول الله ، لا لأنّه إمام ، فلذلك لا يخلفه فيه غيره .وعند الجمهور أنّ سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يخلفه فيه الإمام ، يبدأ بنفقته ونفقة عياله بلا تقدير ، ويصرف الباقي في مصالح المسلمين .{ واليتامى والمساكين وابن السبيل } تقدّم تفسير معانيها عند قوله تعالى : { وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } [ البقرة : 177 ] وعند قوله تعالى : { واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا إلى قوله وابن السبيل } [ النساء : 36 ].واليتامى وابن السبيل لا يعطون إلاّ إذا كانوا فقراء ففائدة تعيين خمس الخمس لكلّ صنف من هؤلاء أن لا يحاصهم فيه غيرهم من الفقراء والشأن ، في اليتامى في الغالب أن لا تكون لهم سعة في المكاسب فهم مظنّة الحاجّة ، ولكنّها دون الفقر فجُعل لهم حقّ في المغنم توفيراً عليهم في إقامة شؤونهم ، فهم من الحاجة المالية أحسن حالاً من المساكين ، وهم من حالة المقدرة أضعف حالاً منهم ، فلو كانوا أغنياء بأموال تركها لهم آباؤهم فلا يعطون من الخمس شيئاً .والمساكينُ الفقراء الشديدو الفقرِ جعل الله لهم خمس الخمس كما جعل لهم حقّاً في الزكاة ، ولم يجعَل للفقراء حقّاً في الخمس كما لم يجعل لليتامى حقّاً في الزكاة .وابنُ السبيل أيضاً في حاجة إلى الإعانة على البلاغ وتسديد شؤونه ، فهو مظنّة الحاجة ، فلو كان ابن السبيل ذا وفْر وغنىً لم يعط من الخمس ، ولذلك لم يشترط مالك وبعض الفقهاء في اليتامى وأبناءِ السبيل الفقر ، بل مُطلقَ الحاجة . واشترط أبو حنيفة الفقر في ذوي القربى واليتامى وأبناء السبيل ، وجعل ذكرِهم دون الاكتفاء بالمساكين؛ لتقرير استحقاقهم .وقوله : { إن كنتم آمنتم بالله } شرط يتعلق بما دلّ عليه قوله : { واعلموا أنما غنمتم } لأن الأمر بالعلم لما كان المقصود به العملَ بالمعلوم والأمتثالَ لمقتضاه كما تقدّم ، صحّ تعلّق الشرط به ، فيكون قوله : { واعلموا } دليلاً على الجواب أوْ هو الجوابَ مقدّماً على شرطه ، والتقدير : إنْ كنتم آمنتم بالله فاعلموا أنّ ما غنمتم إلخ . واعمَلوا بما علمتم فاقطعوا أطماعكم في ذلك الخمس واقتنعوا بالأخماس الأربعة ، لأنّ الذي يتوقّف على تحقّق الإيمان بالله وآياته هو العِلم بأنّه حكم الله مع العمل المترتّب على ذلك العلم . مطلق العلم بأنّ الرسول قال ذلك .والشرط هنا محقق الوقوع إذ لا شك في أنّ المخاطبين مؤمنون بالله والمقصود منه تحقّق المشروط ، وهو مضمون جملة { واعلموا أن ما غنمتم من شيء } إلى آخرها . وجيء في الشرط بحرف ( إنْ ) التي شأن شرطها أن يكون مشكوكاً في وقوعه زيادة في حثّهم على الطاعة حيث يفرض حالهم في صورة المشكوك في حصول شرطه إلهاباً لهم؛ ليبعثهم على إظهار تحقّق الشرط فيهم ، فالمعنى : أنكم آمنتم بالله والإيمانُ يرشد إلى اليقين بتمام العلم والقدرة له وآمنتم بما أنزل الله على عبده يومَ بدر حين فرق الله بين الحقّ والباطل فرأيتم ذلك رأي العين وارتقى إيمانكم من مرتبة حقّ اليقين إلى مرتبة عين اليقين فعلمتم أنّ الله أعلم بنفعكم من أنفسكم إذ يعدكم إحدى الطائفتين أنّها لكم وتودّون أنّ غير ذات الشوكة تكون لكم ، فكان ما دفعكم الله إليه أحفظ لمصلحتكم وأشدّ تثبيتاً لقوّة دينكم . فمَن رأوا ذلك وتحقّقوه فهم أحرياء بأن يعلموا أنّ ما شرع الله لهم من قسمة الغنائم هو المصلحة ، ولم يعبأوا بما يدخل عليهم من نقص في حظوظهم العاجلة ، علماً بأنّ وراء ذلك مصالحَ جمة آجلة في الدنيا والآخرة .وقوله : { وما أنزلنا } عطف على اسم الجلالة ، والمعنى : وآمنتم بما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان ، وهذا تخلّص للتذكير بما حصل لهم من النصر يوم بدر ، والإيمانُ به يجوز أن يكون الاعتقاد الجازم بحصوله ، ويجوز أن يكون العلم به ، فيكون على الوجه الثاني من استعمال المشترك في معنييه ، أو من عموم المشترك .وتخصيص { ما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان } بالذكر من بين جملة المعلومات الراجعة للاعتقاد ، لأن لذلك المُنْزَل مزيد تعلق بما أمروا به من العمل المعبر عنه بالأمر بالعلم في قوله تعالى : { واعلموا }.والإنزالُ : هو إيصال شيء من علُوّ إلى سُفل ، وأطلق هنا على إبلاغ أمر من الله ، ومن النعم الإلهية إلى الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين ، فيجوز أن يكون هذا المُنزل من قبيل الوحي ، أي والوحي الذي أنزلناه على عبدنا يوم بَدر ، لكنه الوحي المتضمّن شيئاً يؤمنون به مثل قوله : { وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم } [ الأنفال : 7 ].ويجوز أن يكون من قبيل خوارق العادات ، والألطاف العجيبة ، مثل إنزال الملائكة للنصر ، وإنزال المطر عند حاجة المسلمين إليه ، لتعبيد الطريق ، وتثبيتتِ الأقدام ، والاستقاء .وإطلاق الإنزال على حصوله استعارة تشبيهاً له بالواصل إليهم من علوّ تشريفاً له كقوله تعالى : { فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين } [ الفتح : 26 ]. والتطهر ولا مانع من إرادة الجميع لأنّ غرض ذلك واحد ، وكذلك ما هو من معناه ممّا نعلمه أو لما علمناه .و { يوم الفرقان } هو يوم بدر ، وهو اليوم السابع عشر من رمضان سنة اثنتين سمّي يوم الفرقان؛ لأنّ الفرقان الفرق بين الحقّ والباطل كما تقدّم آنفاً في قوله : { يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً } [ الأنفال : 29 ] وقد كان يوم بدر فارقاً بين الحقّ والباطل؛ لأنّه أول يوم ظهر فيه نصر المسلمين الضعفاء على المشركين الأقوياء ، وهو نصر المحقّين الأذلّة على الأعزّة المبطلين ، وكفى بذلك فرقاناً وتمييزاً بين من هم على الحقّ ، ومن هم على الباطل .فإضافة { يوم } إلى { الفرقان } إضافة تنويه به وتشريف ، وقوله : { يوم التقى الجمعان } بدل من { يوم الفرقان } فإضافة { يوم } إلى جملة : { التقى الجمعان } للتذكير بذلك الإلتقاء العجيب الذي كان فيه نصرهم على عدوّهم . والتعريف في { الجمعان } للعهد . وهما جمع المسلمين وجمع المشركين .وقوله : { والله على كل شيء قدير } اعتراض بتذييل الآيات السابقة وهو متعلّق ببعض جملة الشرط في قوله : { وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان } فإنّ ذلك دليل على أنّه لا يتعاصى على قدرته شيء ، فإنّ ما أسداه إليكم يوم بدر لم يكن جارياً على متعارف الأسباب المعتادة ، فقدرة الله قلبت الأحوال وأنشأت الأشياءَ من غير مجاريها ولا يبعد أن يكون من سبب تسمية ذلك اليوم { يوم الفرقان } أنّه أضيف إلى الفرقان الذي هو لَقب القرآن ، فإنّ المشهور أنّ ابتداء نزول القرآن كان يوم سبعة عشر من رمضان ، فيكون من استعمال المشترك في معنييه .
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
وبعد هذا الحديث المتنوع عن مكر الكافرين وعن دعاويهم الكاذبة ، وعن وجوب مقاتلتهم إذا ما استمروا فى طغيانهم وعدوانهم . . لعد كل ذلك بين - سبحانه - للمؤمنين كيفية قسمة الغنائم التى كثيرا ما تترب على قتال أعدائهم ، فقال - تعالى - : ( واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ . . . ) .وقوله : ( غَنِمْتُمْ ) من الغنم بمعنى الفوز والربح يقال : غنم غنما وغنيمة إذا ظفر بالشئ قال القرطبى ما ملخصه : الغنيمة فى اللغة ما يناله الرجل أو الجماعة بسعى ، ومن ذلك قول الشاعر :وقد طوفت فى الآفاق حتى ... رضيت من الغنيمة بالإِيابواعلم أن الاتفاق حاصل على أن المراد بقوله - تعالى - : ( غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ ) مال الكفار إذا ظفر به المسلمون على وجه الغلبة والقهر .وسمى الشرع الواصل من الكافر إلينا من الأموال باسمين : غنيمة وفيئا . فالشئ الذى يناله المسلمون من عدوهم بالسعى وإيجاف الخيل والركاب يسمى غنيمة . ولزم هذا الاسم هذا المعنى حتى صار عرفا .والفئ مأخوذ من فاء يفئ إذا رجع ، وهو كل ما دخل على المسلمين من غير حرب ولا إيجاف . كخراج الأرضين ، وزية الجماجم .والمعنى : الاجمالى للآية الكريمة : ( واعلموا ) - أيها المسلمون - ( أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ ) أى : ما أخذتموه من الكفار قهراً ( فَأَنَّ للَّهِ ) الذى منه - سبحانه - النصر المتفرع عليه الغنيمة ( خُمُسَهُ ) أى خمس ما غنمتموه شكرا له على هذا النعمة ( وَلِلرَّسُولِ ) الذى هو سبب فى هدايتكم ( وَلِذِي القربى ) أى : ولأصحاب القرابة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم والمراد بهم على الراجح بن هاشم وبنو المطلب .( واليتامى ) وهم أطفال المسلمين الذين مات آباؤهم قبل أن يبلغوا .( والمساكين ) وهم أهل الفاقة والحاجة من المسلمين .( وابن السبيل ) وهو المسافر الذى نقد ماله وهو الطريق قبل أن يصل إلى بلده .وقوله ( واعلموا ) معطوف على قوله قبل ذلك ( وَقَاتِلُوهُمْ حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ . . . ) الخ و ( مَا ) فى قوله : ( أَنَّمَا غَنِمْتُمْ ) موصولة والعائد محذوف .وقوله : ( مِّن شَيْءٍ ) بيان الموصول محله النصب على أنه حال من العائد المقدر .أى : أن ما غنمتموه من شئ سواء أكان هذا الشئ قليلا أم كثيرا ( فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ ) .وقوله : ( فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ ) خبر مبتدأ محذوف والتقدير : فحكمه أن لله خمسة والجار والمجرور خبر ( أَنَّ ) مقدم ، وخمسة اسمها مؤخر . والتقدير : فأن خمسه كائن لله وللرسول ولذى القربى . . إلخ .وأعيدت اللام فى قوله ( وَلِذِي القربى ) دون غيرهم من الأصناف التالية لدفع توهم اشتراكهم فى سهم النبى - صلى الله عليه وسلم - لمزيد اتصالهم به .وقوله : ( إِن كُنتُمْ آمَنْتُمْ بالله . . . ) شرط جزاؤه محذوف .أى : إن كنتم آمنتم بالله حق الإِيمان ، وآمنتم بما أنزلنا على عبدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - ( يَوْمَ الفرقان ) أى يوم بدر ( يَوْمَ التقى الجمعان ) أى : جمع المؤمنين وجمع الكافرين . . إن كنتم آمنتم بكل ذلك ، فاعملوا بما علمتم ، وارضوا بهذه القسمة عن إذعان وتسليم وحسن قبول .وما أنزله الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر .يتناول ما نزل من آيات قرآنية ، كما يتناول نزول الملائكة لتثبيت المؤمنين ، وتبشيرهم بالنصر كما يتناول غير ذلك مما أيدهم الله به فى بدر .وسمى يوم بدر بيوم الفرقان ، لأنه اليوم الذى فرق الله فيه بين الحق والباطل وقوله ( والله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) تذييل قصد به بيان أن ما أصابه المؤمنون يوم بدر من غنيمة ونصر إنما هو بقدرة الله التى لا يعجزها شئ فعليهم أن يداموا على طاعته وشكره ليزيدهم من عطائه وفضله .هذا ، وقد ذكر العلماء عند تفسيره لهذه الآية جملة من المسائل والأحكام من أهمها ما يأتى :1- أن هذه الآية وضحت أن غنائم الحرب تخمس فيجعل الخمس الأول منها لله وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ، والأربعة الأخماس الباقية بينت السنة أنها تقسم على الجيش : للراجل سهم ، وللفارس ثلاثة أسهم أو سهمان .قال ابن كثير : ويؤيد هذا ما رواه البيهقى بإسناد صحيح عن عبد الله بن شقيق عن رجل قال : أتيت النبى - صلى الله عليه وسلم - ، وهو بوادى القرى ، وهو معترض فرسا فقلت : يا رسول الله ، ما تقول فى الغنيمة ، فقال : لله خمسها وأربعة أخماسها للجيش ، قلت : فما أحد أولى به من أحد ، قال : لا ، ولا السهم تستخرجه من جيبك ، ليس أنت أحق به من أخيك المسلم .وقال بعض العلماء : أفادت الآية أن الواجب فى المغنم تخميسه ، وصرف الخمس إلى من ذكره الله - تعالى - وقسمه الباقى بين الغانمين بالعدل ، للراجل سهم ، وللفارس ثلاثة أسهم ، سهم له وسهمان لفرسه . هكذا قسم النبى - صلى الله عليه وسلم الغنائم عام خيبر .ومن الفقهاء من يقول : للفارس سهمان . والأول هو الذى دلت عليه السنة الصحيحة ، ولأن الفرس يحتاج إلى مؤمنة نفسه وسائسه ، ومنفعة الفارس بن أكثر من منفعة رجلين .ويجب قسمتها بينهم بالعدل ، فلا يحابى أحدا ، لا لرياسته ولا لنسبه ولا لفضله وفى صحيح البخارى " أن سعد بن أبى وقاص رأى أن له فضلا على من دونه ، فقال النبى - صلى الله عليه وسلم - " هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم "ذهب جمهور العلماء إلى ان المقصود بإِيتاء لفظ الجلالة فى قوله ( فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ ) : التبرك والتعظيم والحض على إخلاص النية عند القسمة وعلى الامتثال والطاعة له - سبحانه - .وليس المقصود أن يقسم الخمس على ستة منها الله - تعالى - ، فإنه سبحانه - له الدنيا والآخرة ، وله ما فى السماوات وما فى الأرض وما بينهما .وعليه يكون خمس الغنيمة مقسما على خمسة أقسام : للرسول ، ولذى القربى واليتامى ، والمساكين ، وابن السبيل .ويرى أبو العالية والربيع والقاسم أن هذا الخمس يقسم إلى ستة أقسام ، عملا بظاهر الآية ، وأن سهم الله - تعالى - يصرف فى وجوه الخير ، أو يؤخذ للكعبة .وقد رجح ابن جرير رأى الجمهور فقال : وأولى الأقوال فى ذلك بالصواب من قال : قوله ( فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ ) افتتاح كلام ، وذلك لاجتماع الحجة على أن الخمس غير جائز قسمه على ستة أسهم . ولو كان لله فيه سهم - كما قال ابو العالية - لوجب أن يكون خمس الغنيمة مقسوما على ستة أسهم . وإنما اختلف أهل العلم فى قسمه على خمسة فما دونها .فأما على أكثر من ذلك فلا نعلم قائلا غير الذى ذكرناه من الخبر عن أبى العالية . وفى إجماع من ذكرت - الدلالة الواضحة على ما اخترناه .وسهم النبى - صلى الله عليه وسلم - جعله الله - تعالى - له فى قوله ( وَلِلرَّسُولِ ) كان مفوضا إليه فى حياته ، يتصرف فيه كما شاء ، ويضعه حيث يشاء .روى الإِمام أحمد " أن أبا الدرداء قال لعبادة بن الصامت : يا عبادة ، ما كلمات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى غزوة كذا وكذا فى شأن الأخماس؟ فقال عبادة : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم فى غزوهم إلى بعير من المقسم . فلما سلم قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتناول وبرة فقال : إن هذه من غنائمكم ، وأنه ليس لى فيها إلا نصيبى معكم الخمس ، والخمس مردود عليكم ، فأدوا الخيط والمخيط وأكبر من ذلك وأصغر ، ولا تغلوا فإن الغلو نار وعار على أصحابه فى الدنيا والآخرة ، وجاهدوا الناس فى الله تبارك وتعالى القريب والبعيد ، ولا تبالوا فى الله لومة لائم ، وأقيموا الحدود فى الحضر والسفر ، وجاهدوا فى سبيل الله ، فإن الجهاد باب من أبواب الجنة . ينجى الله به من الغم والهم " ، قال ابن كثير : هذا حديث حسن عظيم .وروى أبو داود والنسائى " عن عمور بن عبسة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم إلى بعير من الغنم ، فلما سلم أخذ وبرة من جنب البعير ثم قال : ولا يحل لى من غنائمكم مثل هذا إلا الخمس ، والخمس مردودة عليكم " .هذا بالنسبة لسهمه - صلى الله عليه وسلم - فى حياته ، أما بعد وفاته ، فمنهم من يرى : أن سهمه - صلى الله عليه وسلم - يكون لمن يلى الأمر من بعده . روى هذا عن أبى بكر وعلى قتادة وجماعة . .ومنهم من يرى أن سهمه - صلى الله عليه وسلم - يصرف فى مصالح المسلمين . روى ابن جرير عن الأعمش عن إبراهيم قال : كان أبو بكر وعمر يجعلان سهم النبى - صلى الله عليه وسلم - فى الكراع والسلاح .ومنهم من يرى صرفه لبقية الأصناف : ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل .وقد رجح ابن جرير هذا الرأى فقال : والصواب من القول فى ذلك عندنا : ان سهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مردود فى الخمس ، والخمس مقسوم على أربعة اسهم على ما روى عن ابن عبسا : للقرابة سهم ، ولليتامى سهم ، وللمساكين سهم ، ولابن السبيل سهم ، لأن الله - تعالى - أوجب الخمس لأقوام موصوفين بصفات ، كما أوجب الأربعة الأخماس الآخرين . وقد اجمعوا أن حق أهل الأربعة الأخماس لن يستحقه غيرهم ، فكذلك حق أهل الخمس لن يستحقه غيرهم ، فغير جائز أن يخرج عنهم إلى غيرهم . .4- المراد بذى القربى - كما سبق أن أشرنا - بنو هاشم وبنو المطلب على الراجح . وعليه فإن السهم المخصص لذى القربى لا يصرف إلى لهم .قال القرطبى ما ملخصه : اختلف العلماء فى ذوى القربى على ثلاثة أقوال :أولها : أن المراد بهم بنو هاشم وبنو المطلب . " قاله الشافعى وأحمد وأبو ثور ومجاهد . . لأن النبى - صلى الله عليه وسلم - لما قسم سهم ذوى القربى بين بنى هاشم وبنى المطلق قال : " إنهم لم يفارقونى فى جاهلية ولا إسلام وإنما بنو هاشم وبنو المطلب شئ واحد " وشبك بين أصابعه " أخرجه البخارى والنسائى .ثالثها : أن المراد بهم بنو هاشم خاصة . قاله مجاهد وعلى بن الحسين . وهو قول مالك والثورى والأوزاعى وغيرهم .وقال الآلوسى : وكيفية القسمة عند الأصحاب أنها كانت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على خمسة أسهم سهم له - صلى الله عليه وسلم - للمذكورين من ذوى القربى ، وثلاثة أسهم للاصناف الثلاثة الباقية .وأما بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - فسقط سهمه . . وكذا سقط سهم ذوى القربى ، وإنما يعطون بالفقر ، ويقدم فقراؤهم على فقراء غيرهم ، ولا حق لأغنيائهم ، لأن الخلفاء الأربعة قسموا الخمس كذلك وكفى بهم قدوة . .ثم قال : ومذهب المالكية أن الخمس لا يلزم تخمسه ، وأنه مفوض إلى رأى الإِمام .- أى انهم يرون أن خمس الغنيمة يجعل فى بيت المال فينفق منه على ما ذكر وعلى غيرهم بحسب ما يراه الأمام من مصلحة المسلمين ، وكأنهم يرون أن هذه الأصناف إنما ذكرت على سبيل المثال ، وأنها من باب الخاص الذى قصد به العام ، بينما يرى غيرهم أن هذه الاصناف من باب الخاص الذى قصد به الخاص .ثم قال : ومذهب الإِمامية أنه ينقسم إلى ستة أسهم كما ذهب أبو بالعالية ، إلا أنهم قالوا : إن سهم الله - تعالى - ، وسهم رسوله - صلى الله عليه وسلم - وسهم ذوى القربى الكل للإِمام القائم مقام الرسول - صلى الله عليه وسلم - أما الاسهم الثلاثة الباقية فهم لليتامى من آل محمد - صلى الله عليه وسلم - وسهم لمساكينهم ، وسهم لآبناء سبيلهم ، لا يشركهم فى ذلك غيرهم .رووا ذلك عن زين العابدين ، ومحمد بن على الباقر .ثم قال : والظاهر أن الاسهم الثلاثة الأولى التى ذكروها اليوم تخبأ فى السرداب ، إذ القام مقام الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد غاب عندهم فتخبأ له حتى يرجع من غيبته . .هذا ، ومن كل ما سبق نرى أن أكثر العلماء يرون أن خمس الغنيمة يقسم إلى خمسة أقسام ، ومنهم من يرى أنه يقسم الى ستة أقسام ، ومنهم من يرى أنه لا يلزم تقسيمه إلى خمسة أقسام أو الى ستة ، وإنما هو موكول إلى نظر الإِمام واجتهاده . . ومنهم من يرى غير ذلك ، ولكل فريق أدلة المبسوطة فى كتب الفروع .5- ذكرنا عند تفسيرنا لقوله - تعالى - فى مطلع السورة ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفال . . . ) أن المراد بالأنفال : الغنائم وعليه تكون الآية التى معنا وهى قوله ( واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ ) مفصلة لما أجملته الآية التى فى مطلع السورة .أى أن الآية التى فى مطلع السورة بينت أن الأمر فى قسمة الانفال مفوض إلى الله ورسوله ، ثم جاءت الآية التى معنا ففصلت كيفية قسمة الغنائم حتى لا يتطلع أحد إلى ما ليس من حقه .وهذا أولى من قول بعضهم : إن الآية التى معنا نسخت الآية التى فى مطلع السورة : لأن النسخ لا يصار إليه عند التعارض وهنا لا تعارض بين الآيتين .6- الآية الكريمة أرشدت المؤمنين إلى أن من الواجب عليهم أن يخلصوا فى طاعتهم لله - تعالى - ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - وأن يجعلوا غياتهم من جهادهم إعلاء كلمة الله ، لكى يكونوا مؤمنين حقا .ويشعر بهذا الإِرشاد تصديره - سبحانه - الآية بقوله : ( واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ ) كما يشعر به قوله - تعالى - ( إِن كُنتُمْ آمَنْتُمْ بالله وَمَآ أَنزَلْنَا على عَبْدِنَا يَوْمَ الفرقان . . ) ، فإن كل ذلك فيه معنى الحض على إخلاص النية لله - تعالى - والامتثال لحكمه ، والمداومة على شكره ، حيث منحهم - سبحانه - هذه النعم بفضله وإحسانه .وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله : فإن قلت : بم تعلق قوله ( إِن كُنتُمْ آمَنْتُمْ بالله ) : قلت بمحذوف يدل عليه قوله ( واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ ) والمعنى : إن كنتم آمنتم بالله فاعلموا أن الخمس من الغنيمة يجب التقرب به ، فاقطعوا عنه أطماعكم واقتنعوا بالأخماس الأربعة . ولس المراد بالعلم المجرد ، ولكنه العلم المضمن بالعمل ، والطاعة لأمر الله - تعالى - ، لأن العلم المجرد يستوى فيه المؤمن والكافر .هذه بعض المسائل والأحكام التى استنبطناها من الآية الكريمة ، وهناك مسائل وأحكام اخرى تتعلق بها ذكرها بعض المفسرين فارجع إليه إن شئت .
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
قوله تعالى : ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ) الآية . الغنيمة والفيء : اسمان لمال يصيبه المسلمون من أموال الكفار . فذهب جماعة إلى أنهما واحد ، وذهب قوم إلى أنهما مختلفان : فالغنيمة : ما أصابه المسلمون منهم عنوة بقتال ، والفيء : ما كان عن صلح بغير قتال . فذكر الله - عز وجل - في هذه الآية حكم الغنيمة فقال : " فأن لله خمسه وللرسول " .ذهب أكثر المفسرين والفقهاء إلى أن قوله : " لله " افتتاح كلام على سبيل التبرك وإضافة هذا المال إلى نفسه لشرفه ، وليس المراد منه أن سهما من الغنيمة لله منفردا ، فإن الدنيا والآخرة كلها لله - عز وجل - . وهو قول الحسن وقتادة وعطاء وإبراهيم والشعبي ، قالوا : سهم الله وسهم الرسول واحد . والغنيمة تقسم خمسة أخماس ، أربعة أخماسها لمن قاتل عليها ، والخمس لخمسة أصناف كما ذكر الله - عز وجل - ، " وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل " .قال بعضهم : يقسم الخمس على ستة أسهم ، وهو قول أبي العالية ، سهم لله : فيصرف إلى الكعبة . والأول أصح ، أن خمس الغنيمة يقسم على خمسة أسهم ، سهم كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حياته ، واليوم هو لمصالح المسلمين وما فيه قوة الإسلام ، وهو قول الشافعي رحمه الله .وروى الأعمش عن إبراهيم قال : كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما يجعلان سهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في الكراع والسلاح .وقال قتادة : هو للخليفة بعده . وقال بعضهم : سهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مردود في الخمس والخمس لأربعة أصناف .قوله : ( ولذي القربى ) أراد أن سهما من الخمس لذوي القربى وهم أقارب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، واختلفوا فيهم ، فقال قوم : جميع قريش . وقال قوم : هم الذين لا تحل لهم الصدقة .وقال مجاهد وعلي بن الحسين : هم بنو هاشم .وقال الشافعي : هم بنو هاشم وبنو المطلب وليس لبني عبد شمس ولا لبني نوفل منه شيء ، وإن كانوا إخوة ، والدليل عليه ما :أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، ثنا أبو العباس الأصم ، أنبأنا الربيع ، أنبأنا الشافعي ، أنبأنا الثقة ، عن ابن شهاب ، عن ابن المسيب ، عن جبير بن مطعم عن أبيه قال : قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سهم ذي القربى بين بني هاشم وبني المطلب ، ولم يعط منه أحدا من بني عبد شمس ولا بني نوفل شيئا .وأخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، ثنا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع أنا الشافعي ، أنا مطرف بن مازن عن معمر بن راشد ، عن ابن شهاب ، أخبرني محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال : لما قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سهم ذوي القربى بين بني هاشم وبني المطلب أتيته أنا وعثمان بن عفان فقلنا : يا رسول الله هؤلاء إخواننا من بني هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله منهم ، أرأيت إخواننا من بني المطلب أعطيتهم وتركتنا أو منعتنا ، وإنما قرابتنا وقرابتهم واحدة ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد هكذا وشبك بين أصابعه " .واختلف أهل العلم في سهم ذوي القربى هل هو ثابت اليوم؟ .فذهب أكثرهم إلى أنه ثابت ، وهو قول مالك والشافعي .وذهب أصحاب الرأي إلى أنه غير ثابت ، وقالوا : سهم رسول الله وسهم ذوي القربى مردودان في الخمس ، وخمس الغنيمة لثلاثة أصناف اليتامى والمساكين وابن السبيل .وقال بعضهم : يعطى للفقراء منهم دون الأغنياء .والكتاب والسنة يدلان على ثبوته ، والخلفاء بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - كانوا يعطونه ، ولا يفضل فقير على غني لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء بعده كانوا يعطون العباس بن عبد المطلب مع كثرة ماله ، فألحقه الشافعي بالميراث الذي يستحق باسم القرابة ، غير أنه يعطى القريب والبعيد . وقال : يفضل الذكر على الأنثى فيعطى الرجل سهمين والأنثى سهما واحدا .قوله : ( واليتامى ) وهو جمع اليتيم ، واليتيم الذي له سهم في الخمس هو الصغير المسلم ، الذي لا أب له ، إذا كان فقيرا ، ( والمساكين ) هم أهل الفاقة والحاجة من المسلمين ، ( وابن السبيل ) هو المسافر البعيد عن ماله ، فهذا مصرف خمس الغنيمة ويقسم أربعة أخماس الغنيمة بين الغانمين الذين شهدوا الوقعة ، للفارس منهم ثلاثة أسهم ، وللراجل سهم واحد ، لما :أخبرنا أبو صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن ، أنا عبد الله بن يوسف أنا أبو سعيد بن الأعرابي ثنا سعدان بن نصر ثنا أبو معاوية عن عبيد الله عن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسهم لرجل ولفرسه ثلاثة أسهم : سهما له وسهمين لفرسه " وهذا قول أكثر أهل العلماء وإليه ذهب الثوري ، والأوزاعي ، ومالك ، وابن المبارك ، والشافعي وأحمد وإسحاق .وقال أبو حنيفة رضي الله عنه : للفارس سهمان ، وللراجل سهم واحد .ويرضخ للعبيد والنسوان والصبيان إذا حضروا القتال ، ويقسم العقار الذي استولى عليه المسلمون كالمنقول . وعند أبي حنيفة : يتخير الإمام في العقار : بين أن يقسمه بينهم ، وبين أن يجعله وقفا على المصالح .وظاهر الآية لا يفرق بين العقار والمنقول .ومن قتل مشركا في القتال يستحق سلبه من رأس الغنيمة ، لما روي عن أبي قتادة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوم حنين : " من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه " . والسلب : كل ما يكون على المقتول من ملبوس وسلاح ، وفرسه الذي هو راكبه .ويجوز للإمام أن ينفل بعض الجيش من الغنيمة ، لزيادة عناء وبلاء يكون منهم في الحرب ، يخصهم به من بين سائر الجيش ويجعله أسوة الجماعة في سهمان الغنيمة :أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، ثنا محمد بن إسماعيل ، ثنا يحيى بن بكير ، ثنا الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ينفل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة ، سوى قسم عامة الجيش .وروي عن حبيب بن مسلمة الفهري ، قال : شهدت النبي - صلى الله عليه وسلم - نفل الربع في البدأة والثلث في الرجعة .واختلفوا في أن النفل من أين يعطى؟ فقال قوم : من خمس الخمس ، سهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهو قول سعيد بن المسيب ، وبه قال الشافعي ، وهذا معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " مالي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود فيكم " .وقال قوم : هو من الأربعة الأخماس بعد إفراز الخمس كسهام الغزاة ، وهو قول أحمد وإسحاق .وذهب بعضهم إلى أن النفل من رأس الغنيمة قبل الخمس كالسلب للقاتل . وأما الفيء : وهو ما أصابه المسلمون من أموال الكفار بغير إيجاف خيل ولا ركاب ، بأن صالحهم على مال يؤدونه ، ومال الجزية ، وما يؤخذ من أموالهم إذا دخلوا دار الإسلام للتجارة ، أو يموت واحد منهم في دار الإسلام ولا وارث له ، فهذا كله فيء .ومال الفيء كان خالصا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حياته ، قال عمر رضي الله عنه : إن الله قد خص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الفيء بشيء لم يعطه أحدا غيره ثم قرأ : " وما أفاء الله على رسوله منهم "إلى قوله : " قدير " " الحشر - 6 " ، وكانت هذه خالصة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ينفق على أهله وعياله نفقة سنتهم من هذا المال ، ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله - عز وجل - .واختلف أهل العلم في مصرف الفيء بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال قوم : هو للأئمة بعده . وللشافعي فيه قولان : أحدهما ، للمقاتلة الذين أثبتت أساميهم في ديوان الجهاد ، لأنهم القائمون مقام النبي - صلى الله عليه وسلم - في إرهاب العدو . والقول الثاني : أنه لمصالح المسلمين ، ويبدأ بالمقاتلة فيعطون منه كفايتهم ، ثم بالأهم فالأهم من المصالح .واختلف أهل العلم في تخميس الفيء : فذهب الشافعي إلى أنه يخمس خمسه لأهل الغنيمة ، على خمسة أسهم . وأربعة أخماسه للمقاتلة وللمصالح .وذهب الأكثرون : إلى أن الفيء لا يخمس ، بل مصرف جميعه واحد ، ولجميع المسلمين فيه حق :أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري ، أنا جدي عبد الصمد بن عبد الرحمن البزاز ، أنا محمد بن زكريا العذافري ، أنا إسحاق الدبري ، ثنا عبد الرزاق ، ثنا معمر ، عن الزهري ، عن مالك بن أوس بن الحدثان : أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : " ما على وجه الأرض مسلم إلا له في هذا الفيء حق ، إلا ما ملكت أيمانكم " .وأخبرنا أبو سعيد الطاهري أنبأنا جدي عبد الصمد بن عبد الرحمن البزاز أنبأنا محمد بن زكريا العذافري أنبأنا أبو إسحاق الدبري ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن أيوب عن عكرمة بن خالد عن مالك بن أوس بن الحدثان قال : قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه " إنما الصدقات للفقراء والمساكين حتى بلغ " عليم حكيم " " التوبة - 60 " فقال : هذه لهؤلاء ثم قرأ : " واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه " حتى بلغ وابن السبيل ، ثم قال : هذه لهؤلاء ، ثم قرأ " ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى " حتى بلغ " للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا " " الحشر - 7 - 9 " ثم قال : هذه استوعبت المسلمين عامة ، فلئن عشت ، فليأتين الراعي وهو بسرو حمير نصيبه منها ، لم يعرق فيها جبينه " .قوله تعالى : ( إن كنتم آمنتم بالله ) قيل : أراد " اعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول " يأمر فيه بما يريد ، فاقبلوه إن كنتم آمنتم بالله ( وما أنزلنا على عبدنا ) أي : إن كنتم آمنتم بالله وبما أنزلنا على عبدنا ، يعني : قوله : " يسألونك عن الأنفال " ( يوم الفرقان ) يعني يوم بدر ، فرق الله بين الحق والباطل وهو ( يوم التقى الجمعان ) حزب الله وحزب الشيطان ، وكان يوم الجمعة لسبع عشرة مضت من رمضان ، ( والله على كل شيء قدير ) على نصركم مع قلتكم وكثرتهم .