تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
ولا تُفْسدوا في الأرض بأيِّ نوع من أنواع الفساد، بعد إصلاح الله إياها ببعثة الرسل -عليهم السلام- وعُمْرانها بطاعة الله، وادعوه -سبحانه- مخلصين له الدعاء؛ خوفًا من عقابه ورجاء لثوابه. إن رحمة الله قريب من المحسنين.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
«ولا تُفسدوا في الأرض» بالشرك والمعاصي «بعد إصلاحها» ببعث الرسل «وادعوه خوفا» من عقابه «وطمعا» في رحمته «إن رحمة الله قريب من المحسنين» المطيعين وتذكير قريب المخبر به عن رحمة لإضافتها إلى الله.
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
قوله تعالى ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمة الله قريب من المحسنينقوله تعالى : ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها فيه مسألة واحدة ، وهو أنه سبحانه نهى عن كل فساد قل أو كثر بعد صلاح قل أو كثر . فهو على العموم على الصحيح من الأقوال . وقال الضحاك : معناه لا تغوروا الماء المعين ، ولا تقطعوا الشجر المثمر ضرارا . وقد ورد : قطع الدنانير من الفساد في الأرض . وقد قيل : تجارة الحكام من الفساد في الأرض . وقال القشيري : المراد ولا تشركوا ; فهو نهي عن الشرك وسفك الدماء والهرج في الأرض ، وأمر بلزوم الشرائع بعد إصلاحها بعد أن أصلحها الله ببعثه الرسل وتقرير الشرائع ووضوح ملة محمد صلى الله عليه وسلم . قال ابن عطية : وقائل هذه المقالة قصد إلى أكبر فساد بعد أعظم صلاح فخصه بالذكر . قلت : وأما ما ذكره الضحاك فليس على عمومه ، وإنما ذلك إذا كان فيه ضرر على المؤمن ، وأما ما يعود ضرره على المشركين فذلك جائز ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد عور ماء قليب بدر وقطع شجر الكافرين . وسيأتي الكلام في قطع الدنانير في " هود " إن شاء الله تعالى .وادعوه خوفا وطمعا أمر بأن يكون الإنسان في حالة ترقب وتخوف وتأميل لله عز وجل ، حتى يكون الرجاء والخوف للإنسان كالجناحين للطائر يحملانه في طريق استقامته ، [ ص: 205 ] وإن انفرد أحدهما هلك الإنسان ، قال الله تعالى : نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم فرجى وخوف . فيدعو الإنسان خوفا من عقابه وطمعا في ثوابه ; قال الله تعالى : ويدعوننا رغبا ورهبا . وسيأتي القول فيه . والخوف : الانزعاج لما لا يؤمن من المضار . والطمع : توقع المحبوب ; قال القشيري . وقال بعض أهل العلم : ينبغي أن يغلب الخوف الرجاء طول الحياة ، فإذا جاء الموت غلب الرجاء . قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله . صحيح أخرجه مسلم .قوله تعالى إن رحمة الله قريب من المحسنين ولم يقل قريبة . ففيه سبعة أوجه : أولها أن الرحمة والرحم واحد ، وهي بمعنى العفو والغفران ; قاله الزجاج واختاره النحاس . وقال النضر بن شميل : الرحمة مصدر ، وحق المصدر التذكير ; كقوله : فمن جاءه موعظة وهذا قريب من قول الزجاج ; لأن الموعظة بمعنى الوعظ . وقيل : أراد بالرحمة الإحسان ; ولأن ما لا يكون تأنيثه حقيقيا جاز تذكيره ; ذكره الجوهري . وقيل : أراد بالرحمة هنا المطر ; قاله الأخفش . قال : ويجوز أن يذكر كما يذكر بعض المؤنث . وأنشد :فلا مزنة ودقت ودقها ولا أرض أبقل إبقالهاوقال أبو عبيدة : ذكر قريب على تذكير المكان ، أي مكانا قريبا . قال علي بن سليمان : وهذا خطأ ، ولو كان كما قال لكان قريب منصوبا في القرآن ; كما تقول : إن زيدا قريبا منك . وقيل : ذكر على النسب ; كأنه قال : إن رحمة الله ذات قرب ; كما تقول : امرأة طالق وحائض . وقال الفراء : إذا كان القريب في معنى المسافة يذكر ويؤنث ، وإن كان في معنى النسب يؤنث بلا اختلاف بينهم . تقول : هذه المرأة قريبتي ، أي ذات قرابتي ; ذكره الجوهري . وذكره غيره عن الفراء : يقال في النسب قريبة فلان ، وفي غير النسب يجوز التذكير والتأنيث ; يقال : دارك منا قريب ، وفلانة منا قريب ; قال الله تعالى : وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا . وقال من احتج له : كذا كلام العرب ; كما قال امرؤ القيس : [ ص: 206 ]له الويل إن أمسى ولا أم هاشم قريب ولا البسباسة ابنة يشكراقال الزجاج : وهذا خطأ ; لأن سبيل المذكر والمؤنث أن يجريا على أفعالهما .
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
عُطف النّهي عن الفساد في الأرض على جملة { إنه لا يحب المعتدين } [ الأعراف : 55 ] عَطْفاً على طريقة الاعتراض ، فإنّ الكلام لمّا أنبأ عن عناية الله بالمسلمين وتقريبه إياهم إذ أمرهم بأن يدعوه وشرّفهم بذلك العنوان العظيم في قوله : { ربكم } [ الأعراف : 55 ] ، وعرّض لهم بمحبّته إياهم دون أعدائهم المعتدين ، أعقبه بما يحول بينهم وبين الإدلال على الله بالاسترسال فيما تُمليه عليهم شهواتهم من ثوران القوتين الشّهوية والغَضبيّة ، فإنّهما تجنيان فساداً في الغالب ، فذكَّرهم بترك الإفساد ليكون صلاحهم منزّهاً عن أن يخالطه فساد ، فإنّهم إن أفسدوا في الأرض أفسدوا مخلوقات كثيرة وأفسدوا أنفسهم في ضمن ذلك الإفساد ، فأشبه موقعَ الاحتراس ، وكذلك دأب القرآن أن يعقِّب التّرغيب بالتّرهيب ، وبالعكس ، لئلاّ يقع النّاس في اليأس أو الأمْن .والاهتمامُ بدرء الفساد كان مَقَاماً هنا مقتضياً التّعجيل بهذا النّهي مُعترضاً بين جملتي الأمر بالدّعاء .وفي إيقاع هذا النّهي عقب قوله { إنه لا يحب المعتدين } [ الأعراف : 55 ] تعريض بأنّ المعتدين وهم المشركون مفسدون في الأرض ، وإرْباءُ للمسلمين عن مشابهتهم ، أي لا يليق بكم وأنتم المقرّبون من ربّكم ، المأذونُ لكم بدعائه ، أن تكونوا مثل المبعدين منه المبغضين .والإفساد في الأرض والإصلاح تقدّم الكلام عليهما عند قوله تعالى : { وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون } في سورة البقرة ( 11 ) ، وبيّنّا هنالك أصول الفساد وحقائق الإصلاح ، ومر هنالك القول في حذف مفعول تفسدوا } ممّا هو نظير ما هنا .و { الأرض } هنا هي الجسم الكُروي المعبّر عنه بالدّنيا .والإفساد في كلّ جزء من الأرض هو إفساد لمجموع الأرض ، وقد يكون بعض الإفساد مؤدّياً إلى صلاح أعظم ممّا جرّه الإفساد من المضرّة ، فيترجّح الإفساد إذا لم يمكن تحصيل صلاح ضروري إلاّ به ، فقد قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل بني النضير ، ونهى أبو بكر رضي الله عنه عن قطع شجر العدوّ ، لاختلاف الأحوال .والبعدية في قوله : { بعد إصلاحها } بعديةٌ حقيقيةٌ ، لأنّ الأرض خلقت من أوّل أمرها على صلاح قال الله تعالى : { وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها } [ فصلت : 10 ] على نظام صالح بما تحتوي عليه ، وبخاصة الإنسان الذي هو أشرف المخلوقات التي جعلها الله على الأرض ، وخلق له ما في الأرض ، وعزّز ذلك النّظام بقوانين وضعها الله على ألْسِنَةِ المرسلين والصّالحين والحكماء من عباده ، الذين أيّدهم بالوحي والخطاب الإلهي ، أو بالإلهام والتّوفيق والحكمة ، فعلموا النّاس كيف يستعملون ما في الأرض على نظام يحصل به الانتفاع بنفع النّافع وإزالة ما في بعض النّافع من الضرّ وتجنّب ضرّ الضار ، فذلك النّظامُ الأصلي ، والقانُونُ المعزّزُ له ، كلاهما إصلاح في الأرض ، لأنّ الأوّل إيجاد الشّيء صالحاً ، والثّاني جعل الضّار صالحاً بالتّهذيب أو بالإزالة ، وقد مضَى في قوله تعالى :{ وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون } في سورة البقرة ( 11 ) ، أنّ الإصلاح موضوع للقدر المشترك بين إيجاد الشّيء صالحاً وبين جعل الفاسد صالحاً . فالإصلاح هنا مصدر في معنى الاسم الجامد ، وليس في معنى الفعل ، لأنّه أريد به إصلاح حاصل ثابت في الأرض لا إصلاح هو بصدد الحصول ، فإذا غُيّر ذلك النّظام فأفْسِد الصّالحُ ، واستُعمل الضّار على ضرّه ، أو استبقى مع إمكان إزالته ، كان إفساداً بعد إصلاح ، كما أشار إليه قوله تعالى : { والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير } [ الأنفال : 73 ].والتّصريح بالبعدية هنا تسجيل لفظاعة الإفساد بأنّه إفساد لما هو حسن ونافع ، فلا معذرة لفاعله ولا مساغ لفعله عند أهل الأرض .عود إلى أمر الدّعاء لأنّ ما قبله من النّهي عن الإفساد أشبه الاحتراس المعترض بين أجزاء الكلام ، وأعيد الأمر بالدّعاء ليبنى عليه قوله : { خوفاً وطمعاً } قصداً لتعليم الباعث على الدّعاء بعد أن عُلّموا كيفيته ، وهذا الباعث تنطوي تحته أغراض الدّعاء وأنواعه ، فلا إشكال في عطف الأمر بالدّعاء على مِثله لأنّهما مختلفان باختلاف متعلّقاتهما .والخوف تقدّم عند قوله تعالى : { إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله } [ البقرة : 229 ].والطّمع تقدّم في قوله : { أفتطمعون أن يؤمنوا لكم } في سورة البقرة ( 75 ).وانتصاب خوفاً وطمعاً } هنا على المفعول لأجله ، أي أنّ الدّعاء يكون لأجل خوف منه وطمع فيه ، فحذف متعلِّق الخوف والطّمع لدلالة الضّمير المنصوب في { ادعوه }.والواو للتّقسيم للدّعاء بأنّه يكون على نوعين :فالخوف من غضبه وعقابه ، والطّمع في رضاه وثوابه ، والدّعاء لأجل الخوف نحو الدّعاء بالمغفرة ، والدّعاء لأجل الطّمع نحو الدّعاء بالتّوفيق وبالرّحمة . وليس المراد أنّ الدّعاء يشتمل على خوف وطمع في ذاته كما فسرّ به الفخر في السّؤال الثّالث لأنّ ذلك وإن صحّ في الطّمع لا يصحّ في الخوف إلاّ بسماجة . وفي الأمر بالدّعاء خوفاً وطمعاً دليل على أنّ من حظوظ المكلّفين في أعمالهم مراعاة جانب الخوف من عقاب اللَّه والطّمععِ في ثوابه ، وهذا ممّا طفحت به أدلّة الكتاب والسنّة ، وقد أتى الفخر في السّؤال الثّاني في تفسير الآية بكلام غيْر مُلاق للمعروف عند علماء الأمّة ، ونزع به نزعة المتصوّفة الغلاة . وتعقبّه يطول ، فدونك فانظره إن شئت .وقد شمل الخوف والطّمع جميع ما تتعلّق به أغراض المسلمين نحوّ ربّهم في عاجلهم وآجلهم ، ليدعُوا الله بأن ييسِر لهم أسباب حصول ما يطمعون ، وأن يجنبهم أسباب حصول ما يخافون . وهذا يقتضي توجّه همّتهم إلى اجتناب المنهيات لأجل خوفهم من العقاب ، وإلى امتثال المأمورات لأجل الطّمع في الثّواب ، فلا جرم أنّه اقتضى الأمرَ بالإحسان ، وهو أن يعبدُوا الله عبادة من هو حاضر بين يديه فيستحيي من أن يعصيه ، فالتّقدير : وادعوه خوفاً وطمعاً وأحسنوا بقرينة تعقيبه بقوله : { إن رحمة الله قريب من المحسنين }.وهذا إيجاز .وجملة : { إن رحمة الله قريب من المحسنين } واقعة موقع التّفريع على جملة { وادعوه } ، فلذلك قرنت ب { إن } الدّالة على التّوكيد ، وهو لمجرّد الاهتمام بالخبر ، إذ ليس المخاطبون بمتردّدين في مضمون الخبر ، ومن شأن ( إن ) إذا جاءت على هذا الوجه أن تفيد التّعليل وربط مضمون جملتها بمضمون الجملة التي قبلها ، فتغني عن فاء التّفريع ، ولذلك فُصلت الجملة عن التي قبلها فلم تعطف لإغناء ( إنّ ) عن العاطف .و { رحمة الله } : إحسانه وإيتاؤه الخبر .والقرب حقيقته دُنُّو المكان وتجاوره ، ويطلق على الرّجاء مجازاً يقال : هذا قريب ، أي ممكن مرجو ، ومنه قوله : { إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً } [ المعارج : 6 ، 7 ] فإنّهم كانوا ينكرون الحشر وهو عند الله واقع لا محالة ، فالقريب هنا بمعنى المرجو الحصول وليس بقرب مكان . ودلّ قوله { قريب من المحسنين } على مقدّر في الكلام ، أي وأحسنوا لأنّهم إذا دَعوا خوفاً وطعماً فقد تهيَّأوا لنبذ ما يوجب الخوف ، واكتساب ما يوجب الطّمع ، لئلا يكون الخوف والطّمع كاذبين ، لأنّ من خاف لا يُقدم على المخوف ، ومن طمع لا يَترك طلب المطموع ، ويتحقّق ذلك بالإحسان في العمل ويلزم من الإحسان ترك السَيِّئات ، فلا جرم تكون رحمة الله قريباً منهم ، وسكت عن ضد المحسنين رفقاً بالمؤمنين وتعريضاً بأنّهم لا يظن بهم أن يسيئوا فتبعد الرّحمة عنهم .وعدم لحاق علامة التّأنيث لوصففِ { قريب } مع أنّ موصوفه مؤنّث اللّفظ ، وجَّهه علماء العربيّة بوجوه كثيرة ، وأشار إليها في «الكشاف» .وجلّها يحوم حول تأويل الاسم المؤنّث بما يرادفه من اسممٍ مذكّر ، أو الاعتذارِ بأنّ بعض الموصوف به غيرُ حقيقي التّأنيث كما هنا ، وأحسنها عندي قول الفراء وأبي عبيدة : أنّ قريباً أو بعيداً إذا أطلق على قرابة النّسب أو بُعد النّسب فهو مع المؤنّث بتاء ولا بُدّ ، وإذا أطلق على قُرب المسافة أو بُعدها جاز فيه مطابقة موصوفه وجاز فيه التّذكير على التّأويل بالمكان ، وهو الأكثر ، قال الله تعالى : { وما هي من الظالمين ببعيد } [ هود : 83 ] وقال : { وما يدريك لعل الساعة تكون قريباً } [ الأحزاب : 63 ]. ولمّا كان إطلاقه في هذه الآية على وجه الاستعارة من قرب المسافة جرى على الشّائع في استعماله في المعنى الحقيقي ، وهذا من لطيف الفروق العربيّة في استعمال المشترك إزالة للإبهام بقدر الإمكان .
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
ثم نهى الله عباده عن كل لون من ألوان المعاصى فقال : ( وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرض بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ) أى : لا تفسدوا فى الأرض بعد إصلاح الله إياها ، بأن خلقها على أحسن نظام ، فالجملة الكريمة نهى عن سائر أنواعى الافساد كإفساد النفوس والأموال والأنساب والعقول والأديان .روى ابو الشيخ عن أبى بكر بن عياش أنه سئل عن قوله - تعالى - : ( وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرض بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ) أى : لا تفسدوا فى الأرض بعد إصلا الله إياها ، بأن خلقها على أحسن نظام ، فالجملة الكريمة نهى عن سائر أنواع الافساد كإفساد النفوس والأموال والأنساب والعقول والأديان .روى أبو الشيخ عن أبى بكر عن عياش أنه سئل عن قوله - تعالى - : ( وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرض بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ) فقال : إن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم إلى أهل الأرض وهم فى فساد فأصلحهم الله به ، فمن دعا إلى خلاف ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فهو من المفسدين فى الأرض " .قال صاحب المنار : وقال - سبحانه - : ( وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرض بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ) لأن الإفساد بعد الإصلاح أشد قبحاً من الإفساد على الإفساد ، فإن وجوه الإصلاح أكبر حجة على المفسد إذا هو لم يحفظه ويجرى على سننه .فكيف إذا هو أفسده وأخرجه عن وضعه؟ ولذا خص بالذكر وإلا فالإفساد مذموم ومنهى عنه فى كل حال " .وقوله : ( وادعوه خَوْفاً وَطَمَعاً ) .أصل الخوف : انزعاج فى الباطن يحصل من توقع أمر مكروه يقع فى المستقبل .والمعنى : وادعوه خائفين من عقابه إياكم على مخالفتكم لأوامره ، طامعين فى رحمته وإحسانه وفى إجابته لدعائكم تفضلا منه وكرما .قال الجمل : فإن قلت : قال فى أول الآية : ( ادعوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً ) وقال هنا : ( وادعوه خَوْفاً وَطَمَعاً ) وهذا عطف للشىء على نفسه فما فائدة ذلك؟ قلت : الفائدة أن المراد بقوله - تعالى - : ( ادعوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً ) بيان شرطين من شروط الدعاء وبقوله : ( ادعوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً ) وقال هنا : ( وادعوه خَوْفاً وَطَمَعاً ) بيان شرطين آخرين ، والمعنى : كونوا جامعين فى أنفسكم بين الخوف والرجاء فى أعمالكم ولا تطمعوا أنكم وفيتم حق الله فى العبادة والدعاء وإن اجتهدتم فيهما " .وقوله : ( إِنَّ رَحْمَتَ الله قَرِيبٌ مِّنَ المحسنين ) أى إن رحمته - تعالى - وإنعامه على عباده قريب من المتقنين لأعمالهم ، المخلصين فيهما ، لأن الجزاء من جنس العمل ، فمن أحسن عبادته نال عليها الثواب الجزيل ، ومن أحسن فى أمور دنياه كان أهلا للنجاح فى مسعاه ، ومن أحسن فى دعائه كان جديراً بالقبول والإجابة .قال الشيخ القاسمى : وفى الآية الكريمة ترجيح للطمع على الخوف ، لأن المؤمن بين الرجاء والخوف ، ولكنه إذا رأى سعة رحمته - سبحانه - وسبقها ، غلب الرجاء عليه . وفيها تنبيه على ما يتوسل به إلى الإجابة وهو الاحسان فى القول والعمل .قال مطر الوراق : استنجزوا موعود الله بطاعته ، فإنه قضى أن رحمته قريب من المحسنين " .هذا ، وكلمة " قريب " وقعت خبراً للرحمة ، ومن قواعد النحو أن يكون الخبر مطابقا للمبتدأ فى التذكير والتأنيث ، فكان مقتضى هذه القواعد أن يقال إن رحمة الله قريبة . وقد ذكر العلماء فى تعليل ذلك بضعة عشر وجها ، منها أن تذكير " قريب " صفة لمحذوف أى أمر قريب ، أو لأن كلمة الرحمة مؤنثة تأنيثا مجازيا ، فجاز فى خبرها التذكير والتأنيث أو لأن الرحمة هنا بمعنى الثواب وهو مذكر فيكون تذكير قريب باعتبار ذلك وقيل غير ذلك مما لا مجال لذكره هنا .وبعد أن بيَّن - سبحانه - أنه هو الخالق للسموات والأرض ، وأنه هو المتصرف الحاكم المدبر المسخر ، وأن رحمته قريبة من المحسنين الذين يكثرون من التضرع إليه بخشوع وإخلاص .
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ) أي لا تفسدوا فيها بالمعاصي والدعاء إلى غير طاعة الله بعد إصلاح الله إياها ببعث الرسل وبيان الشريعة ، والدعاء إلى طاعة الله ، وهذا معنى قول الحسن والسدي والضحاك والكلبي .وقال عطية : لا تعصوا في الأرض فيمسك الله المطر ويهلك الحرث بمعاصيكم . فعلى هذا معنى قوله : " بعد إصلاحها " أي : بعد إصلاح الله إياها بالمطر والخصب .( وادعوه خوفا وطمعا ) أي : خوفا منه ومن عذابه ، وطمعا فيما عنده من مغفرته وثوابه . وقال ابن جريج : خوف العدل وطمع الفضل . ( إن رحمة الله قريب من المحسنين ) ولم يقل قريبة ، قال سعيد بن جبير : الرحمة هاهنا الثواب فرجع النعت إلى المعنى دون اللفظ كقوله : ( وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه ) النساء - 8 ولم يقل منها لأنه أراد الميراث والمال .وقال الخليل بن أحمد : القريب والبعيد يستوي فيهما في اللغة : المذكر والمؤنث والواحد والجمع . قال أبو عمرو بن العلاء : القريب في اللغة يكون بمعنى القرب وبمعنى المسافة ، تقول العرب : هذه امرأة قريبة منك إذا كانت بمعنى القرابة ، وقريب منك إذا كانت بمعنى المسافة .