تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
الله يستهزئ بهم ويُمهلهم؛ ليزدادوا ضلالا وحَيْرة وترددًا، ويجازيهم على استهزائهم بالمؤمنين.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
«الله يستهزئ بهم» يجازيهم باستهزائهم «ويمدهم» يُمهلهم «في طغيانهم» بتجاوزهم الحد بالكفر «يعمهون» يترددون تحيراً حال.
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
قوله تعالى : الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهونقوله تعالى : الله يستهزئ بهم أي ينتقم منهم ويعاقبهم ، ويسخر بهم ويجازيهم على استهزائهم ، فسمى العقوبة باسم الذنب . هذا قول الجمهور من العلماء ، والعرب تستعمل ذلك كثيرا في كلامهم ، من ذلك قول عمرو بن كلثوم :ألا لا يجهلا أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا[ ص: 201 ] فسمى انتصاره جهلا ، والجهل لا يفتخر به ذو عقل ، وإنما قاله ليزدوج الكلام فيكون أخف على اللسان من المخالفة بينهما . وكانت العرب إذا وضعوا لفظا بإزاء لفظ جوابا له وجزاء ذكروه بمثل لفظه ، وإن كان مخالفا له في معناه ، وعلى ذلك جاء القرآن والسنة . وقال الله عز وجل : وجزاء سيئة سيئة مثلها . وقال : فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم والجزاء لا يكون سيئة . والقصاص لا يكون اعتداء ; لأنه حق وجب ، ومثله : ومكروا ومكر الله . و إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا . و إنما نحن مستهزئون الله يستهزئ بهم وليس منه سبحانه مكر ولا هزء ولا كيد . إنما هو جزاء لمكرهم واستهزائهم وجزاء كيدهم ، وكذلك يخادعون الله وهو خادعهم . فيسخرون منهم سخر الله منهم . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله لا يمل حتى تملوا ولا يسأم حتى تسأموا . قيل : حتى بمعنى الواو أي وتملوا . وقيل : المعنى وأنتم تملون . وقيل : المعنى لا يقطع عنكم ثواب أعمالكم حتى تقطعوا العمل . وقال قوم : إن الله تعالى يفعل بهم أفعالا هي في تأمل البشر هزء وخدع ومكر ، حسب ما روي : ( إن النار تجمد كما تجمد الإهالة فيمشون عليها ويظنونها منجاة فتخسف بهم ) . وروى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى : وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا هم منافقو أهل الكتاب ، فذكرهم وذكر استهزاءهم ، وأنهم إذا خلوا إلى شياطينهم يعني رؤساءهم في الكفر - على ما تقدم قالوا : إنا معكم على دينكم إنما نحن مستهزئون بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم . الله يستهزئ بهم في الآخرة ، يفتح لهم باب جهنم من الجنة ، ثم يقال لهم : تعالوا ، فيقبلون يسبحون في النار ، والمؤمنون على الأرائك - وهي السرر - في الحجال ينظرون إليهم ، فإذا انتهوا إلى الباب سد عنهم ، فيضحك المؤمنون منهم ، فذلك قول الله عز وجل : الله يستهزئ بهم أي في [ ص: 202 ] الآخرة ، ويضحك المؤمنون منهم حين غلقت دونهم الأبواب ، فذلك قوله تعالى : فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الأرائك ينظرون إلى أهل النار هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون . وقال قوم : الخداع من الله والاستهزاء هو استدراجهم بدرور النعم الدنيوية عليهم ، فالله سبحانه وتعالى يظهر لهم من الإحسان في الدنيا خلاف ما يغيب عنهم ، ويستر عنهم من عذاب الآخرة ، فيظنون أنه راض عنهم ، وهو تعالى قد حتم عذابهم ، فهذا على تأمل البشر كأنه استهزاء ومكر وخداع ، ودل على هذا التأويل قوله صلى الله عليه وسلم : إذا رأيتم الله عز وجل يعطي العبد ما يحب وهو مقيم على معاصيه فإنما ذلك منه استدراج . ثم نزع بهذه الآية : فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين . وقال بعض العلماء في قوله تعالى : سنستدرجهم من حيث لا يعلمون : كلما أحدثوا ذنبا أحدث لهم نعمة .قوله تعالى : ويمدهم أي يطيل لهم المدة ويمهلهم ويملي لهم ، كما قال : إنما نملي لهم ليزدادوا إثما وأصله الزيادة . قال يونس بن حبيب : يقال مد لهم في الشر ، وأمد في الخير ، قال الله تعالى : وأمددناكم بأموال وبنين . . وقال : وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون . وحكي عن الأخفش : مددت له إذا تركته ، وأمددته إذا أعطيته . وعن الفراء واللحياني : مددت ، فيما كانت زيادته من مثله ، يقال : مد النهر النهر ، وفي التنزيل : والبحر يمده من بعده سبعة أبحر . وأمددت ، فيما كانت زيادته من غيره ، كقولك : أمددت الجيش بمدد ، ومنه : يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة . وأمد الجرح ; لأن المدة من غيره ، أي صارت فيه مدة .قوله تعالى : في طغيانهم : كفرهم وضلالهم . وأصل الطغيان مجاوزة الحد ، ومنه قوله تعالى : إنا لما طغى الماء أي ارتفع وعلا وتجاوز المقدار الذي قدرته الخزان . وقوله في فرعون : إنه طغى أي أسرف في الدعوى حيث قال : أنا ربكم الأعلى .[ ص: 203 ] والمعنى في الآية : يمدهم بطول العمر حتى يزيدوا في الطغيان فيزيدهم في عذابهم .قوله تعالى : يعمهون يعمون . وقال مجاهد : أي يترددون متحيرين في الكفر . وحكى أهل اللغة : عمه الرجل يعمه عموها وعمها فهو عمه وعامه إذا حار ، ويقال رجل عامه وعمه : حائر متردد ، وجمعه عمه . وذهبت إبله العمهى إذا لم يدر أين ذهبت . والعمى في العين ، والعمه في القلب ، وفي التنزيل : فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
لم تعطف هاته الجملة على ما قبلها لأنها جملة مستأنفة استئنافاً بيانياً جواباً لسؤال مقدر ، وذلك أن السامع لحكاية قولهم للمؤمنين { آمنا } [ البقرة : 14 ] وقولهم لشياطينهم { إنا معكم } [ البقرة : 14 ] الخ . يقول لقد راجت حيلتهم على المسلمين الغافلين عن كيدهم وهل يتفطن متفطن في المسلمين لأحوالهم فيجازيهم على استهزائهم ، أو هل يرد لهم ما راموا من المسلمين ، ومَن الذي يتولى مقابلة صنعهم فكان للاستئناف بقوله : { الله يستهزىء بهم } غاية الفخامة والجزالة ، وهو أيضاً واقع موقع الاعتراض والأكثر في الاعتراض ترك العاطف . وذكر { يستهزىءُ } دليل على أن مضمون الجملة مجازاة على استهزائهم . ولأجل اعتبار الاستئناف قُدم اسم الله تعالى على الخبر الفعلي . ولم يقل يستهزىء اللَّهُ بهم لأن مما يجول في خاطر السائل أن يقول مَن الذي يتولى مقابلة سُوء صنيعهم فأُعلم أن الذي يتولى ذلك هو رب العزة تعالى ، وفي ذلك تنويه بشأن المنتصَر لهم وهم المؤمنون كما قال تعالى : { إن الله يدافع عن الذين آمنوا } [ الحج : 38 ] فتقديم المسند إليه على الخبر الفعلي هنا لإفادة تقوى الحكم لا محالة ثم يفيد مع ذلك قصر المسند على المسند إليه فإنه لما كان تقديم المسند إليه على المسند الفعلي في سياق الإيجاب يأتي لتقوي الحكم ويأتي للقصر على رأي الشيخ عبد القاهر وصاحب «الكشاف» كما صَرح به في قوله تعالى : { والله يقدر الليل والنهار } في سورة المزمل ( 20 ) ، كان الجمع بين قصد التقوي وقصد التخصيص جائزاً في مقاصد الكلام البليغ وقد جوزه في الكشاف } عند قوله تعالى : { فلا يخاف بخساً ولا رهقاً } في سورة الجن ( 13 ) ، لأن ما يراعيه البليغ من الخصوصيات لا يترك حملُ الكلام البليغ عليه فكيف بأبلغ كلام ، ولذلك يقال النكتُ لا تتزاحم .كان المنافقون يغرهم ما يرون من صفح النبيء عنهم وإعراض المؤمنين عن التنازل لهم فيحسبون رواج حيلتهم ونفاقهم ولذلك قال عبد الله بن أبيّ : { ليُخرجَن الأعزُّ منها الأَذَلَّ } [ المنافقون : 8 ] فقال الله تعالى : { ولله العزة ولرسوله } [ المنافقون : 8 ] فتقديم اسم الجلالة لمجرد الاهتمام لا لقصد التقوي إذ لا مقتضي له .وفعل : { يستهزىء } المسند إلى الله ليس مستعملاً في حقيقته لأن المراد هنا أنه يفعل بهم في الدنيا ما يُسمى بالاستهزاء بدليل قوله : { ويمدهم في طغيانهم } ولم يقع استهزاء حقيقي في الدنيا فهو إما تمثيل لمعاملة الله إياهم في مقابلة استهزائهم بالمؤمنين ، بما بشبه فعل المستهزىء بهم وذلك بالإملاء لهم حتى يظنوا أنهم سلموا من المؤاخذة على استهزائهم فيظنوا أن الله راضضٍ عنهم أو أن أَصنامهم نفعوهم حتى إذا نزل بهم عذاب الدنيا من القتل والفضح علموا خلافَ ما توهموا فكان ذلك كهيئة الاستهزاء بهم . والمضارع في قوله : { يستهزىء } لزمن الحال .ولا يحمل على اتصاف الله بالاستهزاء حقيقة عند الأشاعرة لأنه لم يقع من الله معنى الاستهزاء في الدنيا ، ويحسن هذا التمثيل ما فيه من المشاكلة . ويجوز أن يكون { يستهزىء بهم } حقيقة يوم القيامة بأن يأمر بالاستهزاء بهم في الموقف وهو نوع من العقاب فيكون المضارع في { يستهزىء } للاستقبال ، وإلى هذا المعنى نَحَا ابن عباس والحسن في نقل ابن عطية ، ويجوز أن يكون مراداً به جزاءُ استهزائهم من العذاب أو نحوه من الإذلال والتحقير والمعنى يذلهم وعبر عنه بالاستهزاء مجازاً ومشاكلة ، أو مراداً به مآلُ الاستهزاء من رجوع الوبال عليهم . وهذا كله وإن جاز فقد عينه هنا جمهور العلماء من المفسرين كما نقل ابن عطية والقرطبي وعينه الفخر الرازي والبيضاوي وعينه المعتزلة أيضاً لأن الاستهزاء لا يليق إسناده إلى الله حقيقة لأنه فعلٌ قبيحٌ ينزه الله تعالى عنه كما في «الكشاف» وهو مبني على المتعارف بين الناس .وجيء في حكاية كلامهم بالمسند الاسمي في قولهم { إنما نحن مستهزئون } [ البقرة : 14 ] لإفادة كلامهم معنى دوام صدور الاستهزاء منهم وثباته بحيث لا يحولون عنه .وجيء في قوله : { الله يستهزىء بهم } بإفادة التجدد من الفعل المضارع أي تجدد إملاء الله لهم زماناً إلى أن يأخذهم العذاب ، ليعلم المسلمون أن ما عليه أهل النفاق من النعمة إنما هو إملاء وإن طال كما قال تعالى : { لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل } [ آل عمران : 196 ] .{ وَيَمُدُّهُمْ فِي طغيانهم يَعْمَهُونَ } .يتعين أنه معطوف على { الله يستهزىء بهم } .و ( يمد ) فعل مشتق من المَدَد وهو الزيادة ، يقال مَدَّه إذا زاده وهو الأصل في الاشتقاق من غير حاجة إلى الهمزة لأنه متعد ، ودليله أنهم ضموا العين في المضارع على قياس المضاعف المتعدي ، وقد يقولون أمده بهمزة التعدية على تقدير جعله ذا مَدد ثم غلب استعمال مَد في الزيادة في ذات المفعول نحو مَدَّ له في عُمره ومَدَّ الأرض أي مططها وأطالها ، وغلب استعمال أمد المهموز في الزيادة للمفعول من أشياء يحتاجها نحو أمده بجيش : { أمدكم بأنعام وبنين } [ الشعراء : 133 ] . وإنما استعمل هذا في موضع الآخر على الأصل فلذلك قيل لا فرق بينهما في الاستعمال وقيل يختص أمد المهموز بالخير نحو : { أتُمِدُّونني بمالَ } [ النمل : 36 ] { أن ما نُمِدُّهم به من مال } [ المؤمنون : 55 ] ، ويختص مَد بغير الخير ونقل ذلك عن أبي علي الفارسي في كتاب «الحجة» ، ونقله ابن عطية عن يونس بن حَبيب ، إلا المعدَّى باللام فإنه خاص بالزيادة في العمر والإمهاللِ فيه عند الزمخشري وغيره خلافاً لبعض اللغويين فاستغنوا بذكر اللام المؤذنة بأن ذلك للنفع وللأجْل ( بسكون الجيم ) عن التفرقة بالهمز رجوعاً للأصل لئلا يجمعوا بين ما يقتضي التعدية وهو الهمزة وبين ما يقتضي القصور وهو لام الجر ، وكل هذا من تأثير الأمثلة على الناظرين وهي طريقة لهم في كثير من الأفعال التي يتفرع معناها الوضعي إلى معان جزئية له أو مقيدة أو مجازية أن يخصوا بعْض لغاته أو بعض أحواله ببعض تلك المعاني جرياً وراء التنصيص في الكلام ودفع اللبس بقدر الإمكان .وهذا من دقائق استعمال اللغة العربية ، فلا يقال إن دعوى اختصاص بعض الاستعمالات ببعض المعاني هي دعوى اشتراك أو دعوى مجاز وكلاهما خلاف الأصل كما أورد عبد الحكيم؛ لأن ذلك التخصيص كما علمت اصطلاح في الاستعمال لا تعدد وضع ولا استعمالٌ في غير المعنى الموضوع له ونظير ذلك قولهم فَرقَ وفَرق ووعَد وأوْعد ونَشَد وأنشد ونَزَّل ( المضاعف ) وأنزل ، وقولهم العِثار مصدر عثر إذ أريد بالفعل الحقيقة ، والعُثور مصدر عثر إذ أريد بالفعل المجاز وهو الاطلاع ، وقد فرقت العرب في مصادر الفعل الواحد وفي جموع الاسم الواحد لاختلاف القيود .وتعدية فعل ( يمد ) إلى ضميرهم الدال على أدب أو ذوق مع أن المد إنما يتعدى إلى الطغيان جاءت على طريقة الإجمال الذي يعقبه التفصيل ليتمكن التفصيل في ذهن السامع مثل طريقة بدل الاشتمال وجعل الزجاج والواحدي أصله ويمد لهم في طغيانهم فحذف لام الجر واتصل الفعل بالمجرور على طريقة نزع الخافض وليس بذلك .والطغيان مصدر بوزن الغفران والشكران ، وهو مبالغة في الطغْي وهو الإفراط في الشر والكِبْر وتعليق فعل { يمدهم } هنا بضمير الذوات تعليق إجمالي يفسره قوله : { في طغيانهم } ويجوز أن يكون على تقدير لام محذوفة أي يمد لهم في طغيانهم أي يمهلهم فيكون نحو بعض ما فسر به قوله : { الله يستهزىء بهم } وهذا قول الزجاج والواحدي وفيه بُعد .والعَمَهُ انطماس البصيرة وتحير الرأي وفعله عَمِهَ فهو عامه وأعمه .وإسناد المد في الطغيان إلى الله تعالى على الوجه الأول في تفسير قوله : { ويمدهم } إسناد خلق وتكوين منوط بأسباب التكوين على سنة الله تعالى في حصول المسببات عند أسبابها . فالنفاق إذا دخل القلوب كان من آثاره أن لا ينقطع عنها ، ولما كان من شأن وصف النفاق أن تنمي عنه الرذائل التي قدمنا بيانها كان تكونها في نفوسهم متولدا من أسباب شتى في طباعهم متسلسلاً من ارتباط المسببات بأسبابها وهي شتى ومتفرعة وذلك بخلق خاص بهم مباشرة ولكن الله حرمهم توفيقه الذي يقلعهم عن تلك الجبلة بمحارية نفوسهم ، فكان حرمانه إياهم التوفيق مقتضياً استمرار طغيانهم وتزايده بالرسوخ فإسناد ازدياده إلى الله لأنه خالق النظم التي هي أسباب ازدياده ، وهذا يعد من الحقيقة العقلية الشائعة وليس من المجاز لعدم ملاحظة خلق الأسباب بحسب ما تعارفه الناس من إسناد ما خفي فاعله إلى الله تعالى لأنه الخالق للأسباب الأصلية والجاعل لنواميسها بكيفية لا يعلم الناس سرها ولا شاهدوا من تسند إليه على الحقيقة غيره وهذا بخلاف نحو بنى الأمير المدينة لا سيما بعد التصريح بالإسناد إليه في الكلام بحيث لم يبق للبناء على عرف الناس مجال وهذا بخلاف نحو : يزيدك وجهه حسناً وسرتني رؤيتك؛ لأن ذلك وإن كان في الواقع من فعل الله تعالى إلا أنه غير ملتفت إليه في العرف فلذلك قال الشيخ عبد القاهر : إنه من المجاز الذي لا حقيقة له .وإنما أضاف الطغيان لضمير المنافقين ولم يقل في الطغيان بتعريف الجنس كما قال في سورة الأعراف : ( 202 ) { وإخوانُهم يُمِدُّونهم في الغيّ } إشارة إلى تفظيع شأن هذا الطغيان وغرابته في بابه وإنهم اختصوا به حتى صار يعرف بإضافته إليهم . والظرف متعلق بيمدهم ويعمهون } جملة حالية .
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
ثم بين - سبحانه - موقفه منهم فقال : ( الله يَسْتَهْزِىءُ ) .حمل بعض العلماء استهزاء الله بهم على الحقيقة وإن لم يكن من أسمائه المستهزئ ، لأن معناه يحتقرهم على وجه شأنه أن يتعجب منه ، وهذا المعنى غير مستحيل على الله ، فيصح إسناده إليه - تعالى - على وجه الحقيقة .ويرى جمهور العلماء أن الاستهزاء لا ينفك عن التلبيس كأن يظهر المستهزئ استحسان الشيء وهو في الواقع غير حسن ، أو يقر المستهزأ به على أمر غير صواب ، وهذا المعنى لا يليق بجلال الله ، فيجب حمل الاستهزاء المسند إليه تعالى على معنى يليق بجلاله ، فيحمل على ما يلزم على الاستهزاء من الانتقام والعقوبة والجزاء المقابل لاستهزائهم ، وسمى ذلك استهزاء على سبيل المشاكلة كما في قوله تعالى :( وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ) وهذا دليل على غيرة الله على عباده المؤمنين ، وانتقامه من كل من يستهزئ بهم أو يؤذيهم .وعبر بالمضارع في قوله ( يَسْتَهْزِىءُ ) للإِيذان بأن احتقاره لهم ، أو مجازاتهم على استهزائهم يتجدد ويقع المرة بعد الأخرى :ثم بين - سبحانه - لونا آخر من ألوان غضبه عليهم فقال : ( وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) .المد : الإمهال والمطاولة والزيادة ، من المد بمعنى الإِمهال ، يقال : مده في غيه - من باب رد - أمهله وطول له ، ويقال : مد الجيش وأمده إذا ألحق به ما يقويه ويكثره ويزيده ، وقيل : أكثر ما يستعمل المد في المكروه ، والإِمداد في المحبوب ، والطغيان : مجاوزة الحد ، ومنه طغا الماء ، أي : ارتفع .ويعمهون : يعمون عن الرشد ، أو يتحيرون ويترددون بين الإِظهار والإِخفاء ، أو بين البقاء على الكفر وتركه إلى الإِيمان . يقال : عمه - كفرح ومنع - عمها ، إذا تردد وتحير ، فهو عمه وعامه ، وهم عمهون وعمه كركع والمعنى : أن الله تعالى يجازي هؤلاء المنافقين على استهزائهم وخداعهم ، ويمكنهم من المعاصي أو يملري لهم ليزدادوا إثماً . حال كونهم يعمون عن الرشد ، فلا يبصرون الحق حقاً ولا الباطل باطلا .
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
{الله يستهزئ بهم}: أي يجازيهم جزاء استهزائهم.سمي الجزاء باسمه لأنه في مقابلته، كما قال الله تعالى: {وجزاء سيئة سيئة مثلها} [40-الشورى].قال ابن عباس: "هو أن يفتح لهم باب من الجنة فإذا انتهوا إليه سد عنهم، وردوا إلى النار".وقيل: هو أن يضرب للمؤمنين نور يمشون به على الصراط فإذا وصل المنافقون إليه حيل بينهم وبين المؤمنين، كما قال الله تعالى: {وحيل بينهم وبين ما يشتهون} [54-سبأ]، قال الله تعالى: {فضرب بينهم بسور له باب..} الآية [13-الحديد].وقال الحسن: "معناه الله يُظْهِر المؤمنين على نفاقهم".{ويمدهم}: يتركهم ويمهلهم.والمد والإمداد واحد، وأصله الزيادة إلا أن المد أكثر ما يأتي في الشر، والإمداد في الخير، قال الله تعالى في المد: {ونمد له من العذاب مداً} [79-مريم]، وقال في الإمداد: {وأمددناكم بأموال وبنين} [6-الإسراء]، {وأمددناهم بفاكهة} [22-الطور].{في طغيانهم}: أي في ضلالتهم. وأصله مجاوزة الحد، ومنه طغى الماء.{يعمهون}: أي يترددون في الضلالة متحيرين.