تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
نساؤكم موضع زرع لكم، تضعون النطفة في أرحامهن، فَيَخْرج منها الأولاد بمشيئة الله، فجامعوهن في محل الجماع فقط، وهو القبل بأي كيفية شئتم، وقَدِّموا لأنفسكم أعمالا صالحة بمراعاة أوامر الله، وخافوا الله، واعلموا أنكم ملاقوه للحساب يوم القيامة. وبشِّر المؤمنين -أيها النبي- بما يفرحهم ويسرُّهم من حسن الجزاء في الآخرة.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
«نساؤكم حرث لكم» أي محل زرعكم الولد «فأتوا حرثكم» أي محله وهو القبل «أنَّى» كيف «شئتم» من قيام وقعود واضطجاع وإقبال وإدبار، نزل ردا لقول اليهود: من أتى امرأته في قبلها أي من جهة دبرها جاء الولد أحول «وقدموا لأنفسكم» العمل الصالح كالتسمية عند الجماع «واتقوا الله» في أمره ونهيه «واعلموا أنكم ملاقوه» بالبعث فيجازيكم بأعمالكم «وبشر المؤمنين» الذين اتقوه بالجنة.
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
قوله تعالى : نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنينفيه ست مسائل :الأولى : قوله تعالى : نساؤكم حرث لكم روى الأئمة واللفظ لمسلم عن جابر بن [ ص: 87 ] عبد الله قال : ( كانت اليهود تقول : إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحول ) ، فنزلت الآية نسائكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم زاد في رواية عن الزهري : إن شاء مجبية وإن شاء غير مجبية غير إن ذلك في صمام واحد . ويروى : في سمام واحد بالسين ، قاله الترمذي . وروى البخاري عن نافع قال : كان ابن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه ، فأخذت عليه يوما ، فقرأ سورة " البقرة " حتى انتهى إلى مكان قال : أتدري فيم أنزلت ؟ قلت : لا ، قال : نزلت في كذا وكذا ، ثم مضى . وعن عبد الصمد قال : حدثني أبي قال حدثني أيوب عن نافع عن ابن عمر : فأتوا حرثكم أنى شئتم قال : يأتيها في . قال الحميدي : يعني الفرج . وروى أبو داود عن ابن عباس قال : ( إن ابن عمر - والله يغفر له - وهم ، إنما كان هذا الحي من الأنصار ، وهم أهل وثن ، مع هذا الحي من يهود ، وهم أهل كتاب : وكانوا يرون لهم فضلا عليهم في العلم ، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم ، وكان من أمر أهل الكتاب ألا يأتوا النساء إلا على حرف ، وذلك أستر ما تكون المرأة ، فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم ، وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحا منكرا ، ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات ، فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار ، فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه ، وقالت : إنما كنا نؤتى على حرف! فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني ، حتى شري أمرهما ؟ فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله عز وجل : فأتوا حرثكم أنى شئتم ، أي مقبلات ومدبرات ومستلقيات ، يعني بذلك موضع الولد . وروى الترمذي عن ابن عباس قال : جاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، هلكت! قال : ( وما أهلكك ؟ ) قال : حولت رحلي الليلة ، قال : فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ، قال : فأوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة قال : هذا حديث حسن صحيح . وروى النسائي عن أبي النضر [ ص: 88 ] أنه قال لنافع مولى ابن عمر : قد أكثر عليك القول . إنك تقول عن ابن عمر : ( أنه أفتى بأن يؤتى النساء في أدبارهن ) . قال نافع : لقد كذبوا علي! ولكن سأخبرك كيف كان الأمر : إن ابن عمر عرض علي المصحف يوما وأنا عنده حتى بلغ : نساؤكم حرث لكم ، قال نافع : هل تدري ما أمر هذه الآية ؟ إنا كنا معشر قريش نجبي النساء ، فلما دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار أردنا منهن ما كنا نريد من نسائنا ، فإذا هن قد كرهن ذلك وأعظمنه ، وكان نساء الأنصار إنما يؤتين على جنوبهن ، فأنزل الله سبحانه : نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم .الثانية : هذه الأحاديث نص في إباحة الحال والهيئات كلها إذا كان الوطء في موضع الحرث ، أي كيف شئتم من خلف ومن قدام وباركة ومستلقية ومضطجعة ، فأما الإتيان في غير المأتى فما كان مباحا ، ولا يباح! وذكر الحرث يدل على أن الإتيان في غير المأتى محرم . و " حرث " تشبيه ؛ لأنهن مزدرع الذرية ، فلفظ " الحرث " يعطي أن الإباحة لم تقع إلا في الفرج خاصة إذ هو المزدرع . وأنشد ثعلب :إنما الأرحام أرضو ن لنا محترثات فعلينا الزرع فيهاوعلى الله النباتففرج المرأة كالأرض ، والنطفة كالبذر ، والولد كالنبات ، فالحرث بمعنى المحترث . ووحد الحرث لأنه مصدر ، كما يقال : رجل صوم ، وقوم صوم .الثالثة : قوله تعالى : أنى شئتم معناه عند الجمهور من الصحابة والتابعين وأئمة الفتوى : من أي وجه شئتم مقبلة ومدبرة ، كما ذكرنا آنفا . و " أنى " تجيء سؤالا وإخبارا عن أمر له جهات ، فهو أعم في اللغة من " كيف " ومن " أين " ومن " متى " ، هذا هو الاستعمال العربي في " أنى " . وقد فسر الناس " أنى " في هذه الآية بهذه الألفاظ . وفسرها سيبويه ب " كيف " ومن " أين " باجتماعهما . وذهبت فرقة ممن فسرها ب " أين " إلى أن الوطء في الدبر مباح ، وممن نسب إليه هذا القول : سعيد بن المسيب ونافع وابن عمر ومحمد بن كعب القرظي وعبد الملك بن الماجشون ، وحكي ذلك عن مالك في كتاب له يسمى " كتاب السر " . وحذاق أصحاب مالك ومشايخهم ينكرون ذلك الكتاب ، ومالك أجل من أن يكون له " كتاب سر " . ووقع هذا القول في العتبية . وذكر ابن العربي أن ابن شعبان أسند جواز هذا القول إلى زمرة كبيرة من الصحابة والتابعين ، وإلى مالك من روايات كثيرة في كتاب " جماع النسوان وأحكام [ ص: 89 ] القرآن " . وقال الكيا الطبري : وروي عن محمد بن كعب القرظي أنه كان لا يرى بذلك بأسا ، ويتأول فيه قول الله عز وجل : أتأتون الذكران من العالمين . وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم . وقال : فتقديره تتركون مثل ذلك من أزواجكم ، ولو لم يبح مثل ذلك من الأزواج لما صح ذلك ، وليس المباح من الموضع الآخر مثلا له ، حتى يقال : تفعلون ذلك وتتركون مثله من المباح . قال الكيا : وهذا فيه نظر ، إذ معناه : وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم مما فيه تسكين شهوتكم ، ولذة الوقاع حاصلة بهما جميعا ، فيجوز التوبيخ على هذا المعنى . وفي قوله تعالى : فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله مع قوله : فأتوا حرثكم ما يدل على أن في المأتى اختصاصا ، وأنه مقصور على موضع الولد .قلت : هذا هو الحق في المسألة . وقد ذكر أبو عمر بن عبد البر أن العلماء لم يختلفوا في الرتقاء التي لا يوصل إلى وطئها أنه عيب ترد به ، إلا شيئا جاء عن عمر بن عبد العزيز من وجه ليس بالقوي أنه لا ترد الرتقاء ولا غيرها ، والفقهاء كلهم على خلاف ذلك ؛ لأن المسيس هو المبتغى بالنكاح ، وفي إجماعهم على هذا دليل على أن الدبر ليس بموضع وطء ، ولو كان موضعا للوطء ما ردت من لا يوصل إلى وطئها في الفرج . وفي إجماعهم أيضا على أن العقيم التي لا تلد لا ترد . والصحيح في هذه المسألة ما بيناه . وما نسب إلى مالك وأصحابه من هذا باطل وهم مبرءون من ذلك ؛ لأن إباحة الإتيان مختصة بموضع الحرث ، لقوله تعالى : فأتوا حرثكم ، ولأن الحكمة في خلق الأزواج بث النسل ، فغير موضع النسل لا يناله ملك النكاح ، وهذا هو الحق . وقد قال أصحاب أبي حنيفة : إنه عندنا ولائط الذكر سواء في الحكم ، ولأن القذر والأذى في موضع النجو أكثر من دم الحيض ، فكان أشنع . وأما صمام البول فغير صمام الرحم . وقال ابن العربي في قبسه : قال لنا الشيخ الإمام فخر الإسلام أبو بكر محمد بن أحمد بن الحسين فقيه الوقت وإمامه : الفرج أشبه شيء بخمسة وثلاثين ، وأخرج يده عاقدا بها . وقال : مسلك البول ما تحت الثلاثين ، ومسلك الذكر والفرج ما اشتملت عليه الخمسة ، وقد حرم الله تعالى الفرج حال الحيض لأجل النجاسة العارضة . فأولى أن يحرم الدبر لأجل النجاسة اللازمة . وقال مالك لابن وهب وعلي بن زياد لما أخبراه أن ناسا بمصر يتحدثون عنه أنه يجيز ذلك ، فنفر من ذلك ، وبادر إلى تكذيب الناقل فقال : كذبوا علي ، كذبوا علي ، كذبوا علي! ثم قال : ألستم قوما عربا ؟ ألم يقل الله تعالى : نساؤكم حرث لكم وهل يكون الحرث إلا في موضع المنبت! وما استدل به المخالف من أن قوله عز وجل : أنى شئتم [ ص: 90 ] شامل للمسالك بحكم عمومها فلا حجة فيها ، إذ هي مخصصة بما ذكرناه ، وبأحاديث صحيحة حسان وشهيرة رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر صحابيا بمتون مختلفة ، كلها متواردة على تحريم إتيان النساء في الأدبار ، ذكرها أحمد بن حنبل في مسنده ، وأبو داود والنسائي والترمذي وغيرهم . وقد جمعها أبو الفرج بن الجوزي بطرقها في جزء سماه " تحريم المحل المكروه " . ولشيخنا أبي العباس أيضا في ذلك جزء سماه ( إظهار إدبار ، من أجاز الوطء في الأدبار ) . قلت : وهذا هو الحق المتبع والصحيح في المسألة ، ولا ينبغي لمؤمن بالله واليوم الآخر أن يعرج في هذه النازلة على زلة عالم بعد أن تصح عنه . وقد حذرنا من زلة العالم . وقد روي عن ابن عمر خلاف هذا ، وتكفير من فعله ، وهذا هو اللائق به رضي الله عنه . وكذلك كذب نافع من أخبر عنه بذلك ، كما ذكر النسائي ، وقد تقدم . وأنكر ذلك مالك واستعظمه ، وكذب من نسب ذلك إليه . وروى الدارمي أبو محمد في مسنده عن سعيد بن يسار أبي الحباب قال : قلت لابن عمر : ما تقول في الجواري حين أحمض بهن ؟ قال : وما التحميض ؟ فذكرت له الدبر ، فقال : هل يفعل ذلك أحد من المسلمين! وأسند عن خزيمة بن ثابت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أيها الناس إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أعجازهن . ومثله عن علي بن طلق . وأسند عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من أتى امرأة في دبرها لم ينظر الله تعالى إليه يوم القيامة وروى أبو داود الطيالسي في مسنده عن قتادة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : تلك اللوطية الصغرى يعني إتيان المرأة في دبرها . وروي عن طاوس أنه قال : كان بدء عمل قوم لوط إتيان النساء في أدبارهن . قال ابن المنذر : وإذا ثبت الشيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغني به عما سواه .الرابعة : قوله تعالى : وقدموا لأنفسكم أي قدموا ما ينفعكم غدا ، فحذف المفعول ، وقد صرح به في قوله تعالى : وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله . فالمعنى قدموا لأنفسكم الطاعة والعمل الصالح . وقيل ابتغاء الولد والنسل ؛ لأن الولد خير [ ص: 91 ] الدنيا والآخرة ، فقد يكون شفيعا وجنة . وقيل : هو التزوج بالعفائف ، ليكون الولد صالحا طاهرا . وقيل : هو تقدم الأفراط ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : من قدم ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث لم تمسه النار إلا تحلة القسم الحديث . وسيأتي في " مريم " إن شاء الله تعالى . وقال ابن عباس وعطاء : أي قدموا ذكر الله عند الجماع ، كما قال عليه السلام : لو أن أحدكم إذا أتى امرأته قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن يقدر بينهما ولد لم يضره شيطان أبدا . أخرجه مسلم .الخامسة : قوله تعالى : واتقوا الله تحذير . واعلموا أنكم ملاقوه خبر يقتضي المبالغة في التحذير ، أي فهو مجازيكم على البر والإثم . وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال : سمعت سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب يقول : إنكم ملاقو الله حفاة عراة مشاة غرلا - ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه . أخرجه مسلم بمعناه .السادسة : قوله تعالى : وبشر المؤمنين تأنيس لفاعل البر ومبتغي سنن الهدى .
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
هذه الجملة تذييل ثان لجملة : { فأتوهن من حيث أمركم الله نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أنى شِئْتُمْ } [ البقرة : 222 ] قصد به الارتفاق بالمخاطبين والتأنس لهم لإشعارهم بأن منعهم من قربان النساء في مدة المحيض منع مؤقت لفائدتهم وأن الله يعلم أن نساءهم محل تعهدهم وملابستهم ليس منعهم منهن في بعض الأحوال بأمر هين عليهم لولا إرادة حفظهم من الأذى ، كقول عمر بن الخطاب لما حمي الحمى «لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليهم من بلادهم شبراً إنها لبلادُهم» وتعتبر جملة { نساؤكم حرث } مقدِّمة لجملة { فأتوا حرثكم أنى شئتم } وفيها معنى التعليل للإذن بإتيانهن أنّى شاءوا ، والعلةُ قد تجعل مقدمة فلو أوثر معنى التعليل لأخرت عن جملة { فأتوا حرثكم أنى شئتم } ولكن أوثر أن تكون مقدمة للتي بعدها لأنه أحكم نسيج نظم ولتتأتى عقبه الفاء الفصيحة .والحرث مصدر حرث الأرض إذا شقها بآلة تشق التراب ليزرع في شقوقه زريعة أو تغرس أشجار . وهو هنا مطلق على معنى اسم المفعول .وإطلاق الحرث على المحروث وأنواعه إطلاق متعدد فيطلق على الأرض المجعولة للزرع أو الغرس كما قال تعالى : { وقالوا هذه أنعام وحرث حجر } [ الأنعام : 138 ] أي أرض زرع محجورة على الناس أن يزرعوها .وقال : { والخيل المسومة والأنعام والحرث } [ آل عمران : 14 ] أي الجنات والحوائط والحقول .وقال : { كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته } [ »ل عمران : 117 ] أي فأهلكت زرعهم .وقال : { فتنادوا مصبحين أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين } [ القلم : 22 ] يعنون به جنتهم أي صارمين عراجين التمر .والحرث في هذه الآية مراد به المحروث بقرينة كونه مفعولاً لفعل { فأتوا حرثكم } وليس المراد به المصدر لأن المقام ينبو عنه ، وتشبيه النساء بالحرث تشبيه لطيف كما شبه النسل بالزرع في قول أبي طالب في خطبته خديجة للنبيء صلى الله عليه وسلم " الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل " .والفاء في { فأتوا حرثكم أنى شئتم } فاء فصيحة لابتناء ما بعدها على تقرر أن النساء حرث لهم ، لا سيما إذا كانوا قد سألوا عن ذلك بلسان المقال أو بلسان الحال .وكلمة ( أنى ) اسم لمكان مبهم تبينه جملة مضاف هو إليها ، وقد كثر استعماله مجازاً في معنى كيف بتشبيه حال الشيء بمكانه ، لأن كيف اسم للحال المبهمة يبينها عاملها نحو { كيف يشاء } [ آل عمران : 6 ] وقال في «لسان العرب» : إن ( أنى ) تكون بمعنى ( متى ) ، وقد أضيف ( أنى ) في هذه الآية إلى جملة ( شئتم ) والمشيئات شتى فتأوله كثير من المفسرين على حمل ( أني ) على المعنى المجازي وفسره بكيف شئتم وهو تأويل الجمهور الذي عضدوه بما رووه في سبب نزول الآية وفيها روايتان .إحداهما عن جابر بن عبد الله والأخرى عن ابن عباس وتأوله الضحاك على معنى متى شئتم وتأوله جمع على معناه الحقيقي من كونه اسم مكان مبهم ، فمنهم من جعلوه ظرفاً لأنه الأصل في أسماء المكان إذا لم يصرح فيها بما يصرف عن معنى الظرفية وفسروه بمعنى في أي مكان من المرأة شئتم وهو المروي في «صحيح البخاري» تفسيراً من ابن عمر ، ومنهم من جعلوه اسم مكان غير ظرف وقدروا أنه مجرور ب ( من ) ففسروه من أي مكان أو جهة شئتم وهو يئول إلى تفسيره بمعنى كيف ، ونسب القرطبي هذين التأويلين إلى سيبويه . فالذي يتبادر من موقع الآية وتساعد عليه معاني ألفاظها أنها تذييل وارد بعد النهي عن قربان النساء في حال الحيض . فتحمل ( أني ) على معنى متى ويكون المعنى فأتوا نساءكم متى شئتم إذا تطهرن فوزانها وزان قوله تعالى : { وإذا حللتم فاصطادوا بعد قوله : { غير محلى الصيد وأنتم حرم } [ المائدة : 2 ] .ولا مناسبة تبعث لصرف الآية عن هذا المعنى إلا أن ما طار بين علماء السلف ومن بعدهم من الخوض في محامل أخرى لهذه الآية ، وما رووه من آثار في أسباب النزول يضطّرنا إلى استفصال البيان في مختلف الأقوال والمحامل مقتنعين بذلك ، لما فيه من إشارة إلى اختلاف الفقهاء في معاني الآية ، وإنها لمسألة جديرة بالاهتمام ، على ثقل في جريانها ، على الألسنة والأقلام .روى البخاري ومسلم في «صحيحهما» عن جابر بن عبد الله : أن اليهود قالوا إذا أتى الرجل امرأته مجبية جاء الولد أحول ، فسأل المسلمون عن ذلك فنزلت { نساؤكم حرث لكم } الآية وأخرج أبو داود عن ابن عباس قال : كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا الحي من اليهود وهم أهل كتاب وكانوا يرون لهم فضلاً عليهم في العلم فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم ، وكان من أمر أهل الكتاب ألا يأتوا النساء إلا على حرف وذلك أستر ما تكون المرأة ، فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك ، وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحاً ( أي يطأونهن وهن مستلقيات عن أقفيتهن ) ومقبلات ومدبرات ومستلقيات ، فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه وقالت : إنما كنا نؤتَى على حرف فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني حتى شَرِي أمرُهما ( أي تفاقم اللجاج ) فبلغ ذلك النبي فأنزل الله : { فأتوا حرثكم أنى شئتم } أي مقبلات كن أو مدبرات أو مستلقيات يعني بذلك في موضع الولد ، وروي مثله عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم في الترمذي ، وما أخرجه الترمذي عن ابن عباس قال : جاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله هلكتُ قال وما أهلكك؟ قال : حوَّلْت رحلي الليلة ( يريد أنه أتى امرأته وهي مستدبرة ) فلم يردَّ عليه رسول الله شيئاً فأوحى الله إلى رسوله هذه الآية : { نساؤكم حرث لكم } الآية .وروى البخاري عن نافع قال : كان ابن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه فأخذت عليه المصحف يوماً فقرأ سورة البقرة حتى انتهى إلى { فأتوا حرثكم أنى شئتم } قال : تدري فيم أنزلت؟ قلت : لا قال : أنزلت في كذا وكذا وفي رواية عن نافع في البخاري «يأتيها في . . . . » ولم يزد وهو يعني في كلتا الروايتين عنه إتيان النساء في أدبارهن كما صرح بذلك في رواية الطبري وإسحاق بن راهويه : أنزلت إتيان النساء في أدبارهن ، وروى الدارقطني في «غرائب مالك» والطبري عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رجلاً أتى امرأته في دبرها فوجد في نفسه من ذلك فأنزل الله { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } وقد روى أن ذلك الرجل هو عبد الله بن عمر ، وعن عطاء بن يسار أن رجلاً أصاب امرأته في دبرها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكر الناس عليه وقالوا : أثفرها فأنزل الله تعالى { نساؤكم حرث لكم } فعلى تأويل هؤلاء يكون قوله تعالى : { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } ، تشبيهاً للمرأة بالحرث أي بأرض الحرث وأطلق { فأتوا حرثكم } على معنى : فاحرثوا في أي مكان شئتم .أقول : قد أجمل كلام الله تعالى هنا ، وأبهم وبين المبهمات بمبهمات من جهة أخرى لاحتمال { أمركم الله } معاني ليس معنى الإيجاب والتشريع منها ، إذ لم يعهد سبق تشريع من الله في هذا كما قدمناه ، ثم أتبع بقوله : { يحب التوابين } [ البقرة : 222 ] فربما أشعر بأن فعلاً في هذا البيان كان يرتكب والله يدعو إلى الانكفاف عنه وأتبع بقوله : { ويحب المتطهرين } فأشعر بأن فعلاً في هذا الشأن قد يلتبس بغيرِ التنزه والله يحب التنزه عنه ، مع احتمال المحبة عنه لمعنى التفضيل والتكرمة مثل { يحبون أن يتطهروا والله يحب المتطهرين } [ التوبة : 108 ] ، واحتمالها لمعنى : ويبغض غير ذلك ، ثم جاء ما هو كالدليل وهو قوله : { نساؤكم حرث لكم } فجعلن حرثاً على احتمال وجوه في الشبه؛ فقد يقال : إنه وكل للمعروف ، وقد يقال : إنه جعل شائعاً في المرأة ، فلذلك نيط الحكم بذات النساء كلها ، ثم قال : { فأتوا حرثكم أنى شئتم } فجاء بأنى المحتملة للكيفيات وللأمكنة وهي أصل في الأمكنة ووردت في الكيفيات ، وقد قيل : إنها ترد للأزمنة فاحتمل كونها أمكنة الوصول من هذا الإتيان ، أو أمكنة الورود إلى مكان آخر مقصود فهي أمكنة ابتداء الإتيان أو أمكنة الاستقرار فأُجمِل في هذا كله إجمال بديع وأثنى ثناء حسن .واختلاف محامل الآية في أنظار المفسرين والفقهاء طوعُ علم المتأمل ، وفيها أقوال كثيرة ومذاهب مختلفة لفقهاء الأمصار في كتب أحكام القرآن وكتب السنة ، وفي دواوين الفقه ، وقد اقتصرنا على الآثار التي تمت إلى الآية بسبب نزول ، وتركنا ما عداه إلى أفهام العقول .{ وَقَدِّمُواْ لاَِنفُسِكُمْ واتقوا الله واعلموا أَنَّكُم ملاقوه وَبَشِّرِ المؤمنين }عطف على جملة { فأتوا حرثكم } أو على جملة { إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين } . عطف الإنشاء على الخبر ، على أن الجملة المعطوف عليها وإن كانت خبراً فالمقصود منها الأمر بالتوبة والتطهر؛ فكرر ذلك اهتماماً بالحرص على الأعمال الصالحة بعد الكلام على اللذائذ العاجلة .وحذف مفعول { وقدموا } اختصاراً لظهوره؛ لأن التقديم هنا إعداد الحسنات فإنها بمنزلة الثَّقَل الذي يقدمه المسافر .وقوله : { لأنفسكم } متعلق ب { قدموا } ، واللام للعلة أي لأجل أنفسكم أي لنفعها ، وقوله : { واتقوا الله } تحريض على امتثال الشرع بتجنب المخالفة ، فيدخل تحته التخلي عن السيئات والتحلي بالواجبات والقربات ، فمضمونها أعم من مضمون جملة { وقدموا لأنفسكم } فلذلك كانت هذه تذييلاً .وقوله : { واعلموا أنكم ملاقوه } يجمع التحذير والترغيب ، أي فلاقوه بما يرضى به عنكم كقوله : { ووجد الله عنده } [ النور : 39 ] وهو عطف على قوله : { واتقوا الله } .والملاقاة : مفاعلة من اللقاء وهو الحضور لدى الغير بقصد أو مصادفة . وأصل مادة لقي تقتضي الوقوع بين شيئين فكانت مفيدة معنى المفاعلة بمجردها ، فلذلك كان لقي ولاقى بمعنى واحد ، وإنما أمرهم الله بعلم أنهم ملاقوه مع أن المسلمين يعلمون ذلك تنزيلاً لعلمهم منزلة العدم في هذا الشأن ، ليزاد من تعليمهم اهتماماً بهذا المعلوم وتنافساً فيه على أننا رأينا أن في افتتاح الجملة بكلمة : { اعلموا } اهتماماً بالخبر واستنصاتاً له وهي نقطة عظيمة سيأتي الكلام عليها عند قوله تعالى : { واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه } في سورة الأنفال ( 24 ) .وقد رتبت الجمل الثلاث الأول على عكس ترتيب حصول مضامينها في الخارج؛ فإن الظاهر أن يكون الإعلام بملاقاة الله هو الحاصل أولاً ثم يعقبه الأمر بالتقوى ثم الأمر بأن يقدموا لأنفسهم ، فخولف الظاهر للمبادرة بالأمر بالاستعداد ليوم الجزاء ، وأعقب بالأمر بالتقوى إشعاراً بأنها هي الاستعداد ثم ذكِّروا بأنهم ملاقو الله فجاء ذلك بمنزلة التعليل .وقوله : وبشر المؤمنين } تعقيب للتحذير بالبشارة ، والمراد : المؤمنون الكاملون وهم الذين يسرون بلقاء الله كما جاء : « من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه » وذِكر هذه البشارة عقب ما تقدم إشارة إلى أن امتثال الأحكام المتقدمة من كمال الإيمان ، وجملة : { وبشر المؤمنين } ، معطوفة على جملة : { واعلموا أنكم ملاقوه } ، على الأظهر من جعل جملة : { نساؤكم حرث لكم } ، استئنافاً غير معمولة لقل هو أذى ، وإذا جعلت جملة { نساؤكم } من معمول القول كانت جملة { قل هو أذى } [ البقرة : 222 ] معطوفة على جملة : { قُلْ هُوَ أَذًى } ؛ إذ لا يصح وقوعها مقولا للقول كما اختاره التفتازاني .
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
ثم قال - تعالى - : ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أنى شِئْتُمْ ) .روى الشيخان عن جابر قال : كانت اليهود تقول : إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها ثم حملت كان ولدها أحول . فأنزل الله - تعالى - قوله : ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ) الآية .والحرث في الأصل : تهيئة الأرض بالحراثة لإِلقايء البذر فيها . وقد تطلق كلمة الحرث على الأرض المزروعة كما في قوله - تعالى - ( أَنِ اغدوا على حَرْثِكُمْ ) أي على حديقتكم لجمع ما فيها من ثمار .وشبهت المرأة بالأرض لأن كليهما يمد الوجود الإِنساني بقائه ، فالزوجة تمده بعناصر تكوينه ، والأرض تمده بأسباب حياته .و ( أنى شِئْتُمْ ) بمعنى كيف شئتم ، أو متى شئتم في غير وقت الحيض .والمعنى : نساؤكم هن مزرع لكم ومنبت للولد ، أعدهن الله لذلك كما أعد الأرض للزراعة والإِنبات ، فأتوهن إذا تطهرن من الحيض في موضع الحرث كيف شئتم مستلقيات على ظهورهن أو غير ذلك ما دمتم تؤدون شهوتكم في صمام واحد وهو الفرج .وفي هذه الجملة الكريمة إشعار بأن المقصد الأول من الزواج إنما هو النسل ، ويشير إلى ذلك قوله ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ) إذ من شأن الحرث الصالح الانتاج وإشعار كذلك بما شرعه الله للزوجين من مؤانسة ومباسطة ويشير إلى ذلك قوله - تعالى - ( فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أنى شِئْتُمْ ) .ويرى صاحب الكشاف ن التشيبه بين ما يلقى في الأرحام من النطفة وبين البذر الذي يلقى في الأرض من حيث إن كلا منهما ينمو في مستودعه ويكون به البقاء والتوالد ، فقد قال - رحمه الله - :( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ) مواضع الحرث لكم . وهذا مجاز شبهن بالمحارث تشبيها لما يلقى في أرحامهن من النطف التي منها النسل بالبذور ، وقوله : ( فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أنى شِئْتُمْ ) تمثيل ، أي فأتوهن كما تأتون أراضيكم التي تحرثونها من أي جهة شئتم ، لا تحظر عليكم جهة دون جهة . والمعنى : جامعوهن من أي شق أردتم بعد أن يكون المأتى واحدا وهو موضع الحرث .ثم قال : وقوله - تعالى - : ( هُوَ أَذًى فاعتزلوا النسآء ) وقوله ( مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ الله ) وقوله ( فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أنى شِئْتُمْ ) من الكنايات اللطيفة والتعريضات الحسنة . وهذه وأشباهها في كلام الله آداب حسنة على المؤمنين أن يتعلموها ويتأدبوا بها ويتكلفوا مثلها في محاروتهم ومكاتبتهم .فإن قلت : ما موقع قوله ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ) مما قبله؟ قلت : موقعه موقع البيان والتوضيح لقوله : ( فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ الله ) يعني أن المأتي الذي أمركم الله به هو مكان الحرث ترجمة له وتفسيرا ، أو إزالة للشبهة ودلالة على أن الغرض الأصيل في الإِتيان هو طلب النسل لا قضاء الشهوة فلا تأتوهن إلا من المأتى الذي يتعلق به هذا الغرض " .ثم ختم الله - تعالى - الآية بقوله : ( وَقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُمْ واتقوا الله واعلموا أَنَّكُمْ مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ المؤمنين ) .أي : عليكم أيها المؤمنون أن تقدموا في حاضركم لمستقبلكم من الأعمال الصالحة ما ينفعكم في دنياكم وآخرتكم ، بأن تختاروا في زواجكم ذات الدين ، وأن تسيروا في حياتكم الزوجية على الطريقة التي رسمها لكم خالقكم وعليكم كذلك أن تتقوه بأن تصونوا أنفسكم عن كل ما نهاكم عنه ، وأن تعلموا علم اليقين أنكم ستلقونه فيحاسبكم على أعمالكم ويجازيكهم عليها بما تستحقون .وقوله : ( وَبَشِّرِ المؤمنين ) بشارة طيبة لمن آمن وعمل صالحا ، وتلقى ما كلفه الله - تعالى - بالطاعة والامتثال .وبذلك نرى أن هاتين الآيتين قد أرشدتا المسلم إلى أفضل الوسائل ، وأقوى الدعائم التي يقوم عليها صرح الحياة الزوجية والسعيدة ، والتي عن طريقها تأتي الذرية الصالحة الرشيدة ، وأن الإِسلام في تعاليمه لا يحاول أن ينكر أو يحطم غرائز الإِنسان وضرورياته ، وإنما الإِسلام يعترف بغرائز الإنسان وضرورياته ثم يعمل على تهذيبها وتقويمها بالطرق التي من شأنه إذا ما اتبعها أن يظفر بالسعادة والطمأنينة في دنياه وأخراه .
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
قوله تعالى : ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرنا عبد الله بن حامد الأصبهاني أخبرنا محمد بن يعقوب أنا ابن المنادي أنا يونس أنا يعقوب القمي عن جعفر بن المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : جاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يا رسول الله هلكت قال وما الذي أهلكك؟ قال : حولت رحلي البارحة فلم يرد عليه شيئا وأوحى الله إليه ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) يقول : أدبر وأقبل واتق الدبر والحيضة .أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أخبرنا أحمد بن الحسين الحيري أنا حاجب بن أحمد الطوسي أنا عبد الرحيم بن منيب أنا ابن عيينة عن ابن المنكدر أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : كانت اليهود تقول في الذي يأتي امرأته من دبرها في قبلها : إن الولد يكون أحول فنزلت ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) .وروى مجاهد عن ابن عباس قال كان من شأن أهل الكتاب أن لا يأتوا النساء إلا على حرف وذلك أستر ما تكون المرأة وكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم وكان هذا الحي من قريش يتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار فذهب يصنع بها ذلك فأنكرت عليه وقالت : إنا كنا نؤتى على حرف فإن شئت فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني حتى سرى أمرهما فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى ( نساؤكم حرث لكم ) الآية يعني موضع الولد ( فأتوا حرثكم أنى شئتم ) مقبلات ومدبرات ومستلقيات وأنى حرف استفهام يكون سؤالا عن الحال والمحل معناه : كيف شئتم وحيث شئتم بعد أن يكون في صمام واحد وقال عكرمة ( أنى شئتم ) إنما هو الفرج ومثله عن الحسن وقيل ( حرث لكم ) أي مزرع لكم ومنبت للولد بمنزلة الأرض التي تزرع وفيه دليل على تحريم الأدبار لأن محل الحرث والزرع هو القبل لا الدبر .وقال سعيد بن المسيب : هذا في العزل يعني إن شئتم فاعزلوا وإن شئتم فلا تعزلوا وسئل ابن عباس عن العزل فقال : حرثك إن شئت فأعطش وإن شئت فارو وروي عنه أنه قال : تستأمر الحرة في العزل ولا تستأمر الجارية وبه قال أحمد وكره جماعة العزل وقالوا : هو الوأد الخفي وروى عن مالك عن نافع قال كنت أمسك على ابن عمر المصحف فقرأ هذه الآية ( نساؤكم حرث لكم ) فقال أتدري فيم نزلت هذه الآية؟ قلت : لا قال : نزلت في رجل أتى امرأته في دبرها ، فشق ذلك عليه فنزلت هذه الآية .ويحكى عن مالك إباحة ذلك وأنكر ذلك أصحابه ، وروي عن عبد الله بن الحسن أنه لقي سالم بن عبد الله فقال له يا أبا عمر ما حديث يحدث نافع عن عبد الله أنه لم يكن يرى بأسا بإتيان النساء في أدبارهن فقال : كذب العبد وأخطأ إنما قال عبد الله : يؤتون في فروجهن من أدبارهن والدليل على تحريم الأدبار ما أخبرنا عبد الوهاب بن محمد بن الخطيب أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أخبرنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أخبرنا الشافعي أنا عمر محمد بن علي بن شافع أخبرني عبد الله بن علي بن السائب عن عمرو بن أحيحة بن الجلاح عن خزيمة بن ثابت أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن فقال النبي صلى الله عليه وسلم : في أي الخرمتين؟ أو في أي الخرزتين؟ أو في أي الخصفتين؟ أمن دبرها في قبلها فنعم أو من دبرها في دبرها فلا فإن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن .أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا عبد الله الحسين بن محمد الحافظ أنا عمر بن أحمد بن القاسم النهاوندي أخبرنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي أنا عبد الله بن أبان أنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن مسلم بن خالد عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ملعون من أتى امرأته في دبرها " .قوله تعالى : ( وقدموا لأنفسكم ) قال عطاء : التسمية عند الجماع قال مجاهد ( وقدموا لأنفسكم ) يعني إذا أتى أهله فليدع .أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن إسماعيل أنا عثمان بن أبي شيبة أنا جرير عن منصور عن سالم عن كريب عن ابن عباس قال قال النبي صلى الله عليه وسلم " لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال : بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ، فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبدا " . وقيل قدموا لأنفسكم يعني طلب الولد .أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي أنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني أخبرنا عبد الله بن عمر الجوهري أنا أحمد بن علي الكشميهني أنا علي بن حجر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة : صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له " وقيل : هو التزوج بالعفاف ليكون الولد صالحا .أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا مسدد أنا يحيى عن عبيد الله حدثني سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك " وقيل معنى الآية تقديم الأفراط .أخبرنا أبو الحسن السرخسي أخبرنا زاهر بن أحمد أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم " وقال الكلبي والسدي : وقدموا لأنفسكم يعني الخير والعمل الصالح بدليل سياق الآية ( واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه ) صائرون إليه فيجزيكم بأعمالكم ( وبشر المؤمنين ) .