تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
فإن طلَّق الرجل زوجته الطلقة الثالثة، فلا تحلُّ له إلا إذا تزوجت رجلا غيره زواجًا صحيحًا وجامعها فيه ويكون الزواج عن رغبة، لا بنية تحليل المرأة لزوجها الأول، فإن طلقها الزوج الآخر أو مات عنها وانقضت عدتها، فلا إثم على المرأة وزوجها الأول أن يتزوجا بعقد جديد، ومهر جديد، إن غلب على ظنهما أن يقيما أحكام الله التي شرعها للزوجين. وتلك أحكام الله المحددة يبينها لقوم يعلمون أحكامه وحدوده؛ لأنهم المنتفعون بها.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
«فإن طلقها» الزوج بعد الثنتين «فلا تحل له من بعد» بعد الطلقة الثالثة «حتى تنكح» تتزوج «زوجا غيره» ويطأها كما في الحديث رواه الشيخان «فإن طلقها» أي الزوج الثاني «فلا جناح عليهما» أي الزوجة والزوج الأول «أن يتراجعا» إلى النكاح بعد انقضاء العدة «إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك» المذكورات «حدود الله يُبَيِّنها لقوم يعلمون» يتدبرون.
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
قوله تعالى : فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون قوله تعالى : فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فيه إحدى عشرة مسألة : الأولى : احتج بعض مشايخ خراسان من الحنفية بهذه الآية على أن المختلعة يلحقها الطلاق ، قالوا : فشرع الله سبحانه صريح الطلاق بعد المفاداة بالطلاق ؛ لأن الفاء حرف تعقيب ، فيبعد أن يرجع إلى قوله : الطلاق مرتان لأن الذي تخلل من الكلام يمنع بناء قوله فإن طلقها على قوله الطلاق مرتان بل الأقرب عوده على ما يليه كما في الاستثناء ولا يعود إلى ما تقدمه إلا بدلالة ، كما أن قوله تعالى : وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ، فصار مقصورا على ما يليه غير عائد على ما تقدمه حتى لا يشترط الدخول في أمهات النساء .وقد اختلف العلماء في الطلاق بعد الخلع في العدة ، فقالت طائفة : إذا خالع الرجل زوجته ثم طلقها وهي في العدة لحقها الطلاق ما دامت في العدة ، كذلك قال سعيد بن المسيب وشريح وطاوس والنخعي والزهري والحكم وحماد والثوري وأصحاب الرأي . وفيه قول ثان وهو ( أن الطلاق لا يلزمها ) ، وهو قول ابن عباس وابن الزبير وعكرمة والحسن وجابر بن زيد والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور ، وهو قول مالك إلا أن مالكا قال : إن افتدت منه على أن يطلقها ثلاثا متتابعا نسقا حين طلقها فذلك ثابت عليه ، وإن كان بين ذلك صمات فما أتبعه بعد الصمات فليس بشيء ، وإنما كان ذلك لأن نسق الكلام بعضه على بعض متصلا يوجب له حكما واحدا ، وكذلك إذا اتصل الاستثناء باليمين بالله أثر وثبت له حكم الاستثناء ، وإذا انفصل عنه لم يكن له تعلق بما تقدم من الكلام .الثانية : المراد بقوله تعالى : فإن طلقها الطلقة الثالثة فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره . وهذا مجمع عليه لا خلاف فيه .واختلفوا فيما يكفي من النكاح ، وما الذي يبيح التحليل ، فقال سعيد بن المسيب ومن وافقه : مجرد العقد كاف . وقال الحسن بن أبي الحسن : لا يكفي مجرد الوطء حتى يكون إنزال . وذهب الجمهور من العلماء والكافة من الفقهاء إلى أن الوطء كاف في ذلك ، وهو التقاء [ ص: 137 ] الختانين الذي يوجب الحد والغسل ، ويفسد الصوم والحج ويحصن الزوجين ويوجب كمال الصداق . قال ابن العربي : ما مرت بي في الفقه مسألة أعسر منها ، وذلك أن من أصول الفقه أن الحكم هل يتعلق بأوائل الأسماء أو بأواخرها ؟ فإن قلنا : إن الحكم يتعلق بأوائل الأسماء لزمنا أن نقول بقول سعيد بن المسيب . وإن قلنا : إن الحكم يتعلق بأواخر الأسماء لزمنا أن نشترط الإنزال مع مغيب الحشفة في الإحلال ؛ لأنه آخر ذوق العسيلة على ما قاله الحسن . قال ابن المنذر : ومعنى ذوق العسيلة هو الوطء ، وعلى هذا جماعة العلماء إلا سعيد بن المسيب قال : أما الناس فيقولون : لا تحل للأول حتى يجامعها الثاني ، وأنا أقول : إذا تزوجها زواجا صحيحا لا يريد بذلك إحلالها فلا بأس أن يتزوجها الأول . وهذا قول لا نعلم أحدا وافقه عليه إلا طائفة من الخوارج ، والسنة مستغنى بها عما سواها .قلت : وقد قال بقول سعيد بن المسيب سعيد بن جبير ، ذكره النحاس في كتاب " معاني القرآن " له . قال : وأهل العلم على أن النكاح هاهنا الجماع ؛ لأنه قال : زوجا غيره فقد تقدمت الزوجية فصار النكاح الجماع ، إلا سعيد بن جبير فإنه قال : النكاح هاهنا التزوج الصحيح إذا لم يرد إحلالها .قلت : وأظنهما لم يبلغهما حديث العسيلة أو لم يصح عندهما فأخذا بظاهر القرآن ، وهو قوله تعالى : حتى تنكح زوجا غيره والله أعلم . روى الأئمة واللفظ للدارقطني عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ويذوق كل واحد منهما عسيلة صاحبه . قال بعض علماء الحنفية : من عقد على مذهب سعيد بن المسيب فللقاضي أن يفسخه ، ولا يعتبر فيه خلافه لأنه خارج عن إجماع العلماء . قال علماؤنا : ويفهم من قوله عليه السلام : حتى يذوق كل واحد منهما عسيلة صاحبه استواؤهما في إدراك لذة الجماع ، وهو حجة لأحد القولين عندنا في أنه لو وطئها نائمة أو مغمى عليها لم تحل لمطلقها ؛ لأنها لم تذق العسيلة إذا لم تدركها .الثالثة : روى النسائي عن عبد الله قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشمة والمستوشمة والواصلة والمستوصلة وآكل الربا وموكله والمحلل والمحلل له . وروى الترمذي [ ص: 138 ] عن عبد الله بن مسعود قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له . وقال : هذا حديث حسن صحيح . وقد روي هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه . والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، منهم عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعبد الله بن عمر وغيرهم ، وهو قول الفقهاء من التابعين ، وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي ومالك وأحمد وإسحاق ، وسمعت الجارود يذكر عن وكيع أنه قال بهذا ، وقال : ينبغي أن يرمى بهذا الباب من قول أصحاب الرأي . وقال سفيان : إذا تزوج الرجل المرأة ليحلها ثم بدا له أن يمسكها فلا تحل له حتى يتزوجها بنكاح جديد .قال أبو عمر بن عبد البر : اختلف العلماء في نكاح المحلل ، فقال مالك ، المحلل لا يقيم على نكاحه حتى يستقبل نكاحا جديدا ، فإن أصابها فلها مهر مثلها ، ولا تحلها إصابته لزوجها الأول ، وسواء علما أو لم يعلما إذا تزوجها ليحلها ، ولا يقر على نكاحه ويفسخ ، وبه قال الثوري والأوزاعي . وفيه قول ثان روي عن الثوري في نكاح الخيار والمحلل أن النكاح جائز والشرط باطل ، وهو قول ابن أبي ليلى في ذلك وفي نكاح المتعة . وروي عن الأوزاعي في نكاح المحلل : بئس ما صنع والنكاح جائز . وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد : النكاح جائز إن دخل بها ، وله أن يمسكها إن شاء . وقال أبو حنيفة مرة هو وأصحابه : لا تحل للأول إن تزوجها ليحلها ، ومرة قالوا : تحل له بهذا النكاح إذا جامعها وطلقها . ولم يختلفوا في أن نكاح هذا الزوج صحيح ، وأن له أن يقيم عليه . وفيه قول ثالث - قال الشافعي : إذا قال أتزوجك لأحلك ثم لا نكاح بيننا بعد - ذلك فهذا ضرب من نكاح المتعة ، وهو فاسد لا يقر عليه ويفسخ ، ولو وطئ على هذا لم يكن تحليلا . فإن تزوجها تزوجا مطلقا لم يشترط ولا اشترط عليه التحليل فللشافعي في ذلك قولان في كتابه القديم : أحدهما مثل قول مالك ، والآخر مثل قول أبي حنيفة . ولم يختلف قوله في كتابه الجديد المصري أن النكاح صحيح إذا لم يشترط ، وهو قول داود .قلت : وحكى الماوردي عن الشافعي أنه إن شرط التحليل قبل العقد صح النكاح وأحلها للأول ، وإن شرطاه في العقد بطل النكاح ولم يحلها للأول ، قال : وهو قول الشافعي . وقال الحسن وإبراهيم : إذا هم أحد الثلاثة بالتحليل فسد النكاح ، وهذا تشديد . وقال سالم [ ص: 139 ] والقاسم : لا بأس أن يتزوجها ليحلها إذا لم يعلم الزوجان وهو مأجور ، وبه قال ربيعة ويحيى بن سعيد ، وقاله داود بن علي إذا لم يظهر ذلك في اشتراطه في حين العقد .الرابعة : مدار جواز نكاح التحليل عند علمائنا على الزوج الناكح ، وسواء شرط ذلك أو نواه ، ومتى كان شيء من ذلك فسد نكاحه ولم يقر عليه ، ولم يحلل وطؤه المرأة لزوجها . وعلم الزوج المطلق وجهله في ذلك سواء . وقد قيل : إنه ينبغي له إذا علم أن الناكح لها لذلك تزوجها أن يتنزه عن مراجعتها ، ولا يحلها عند مالك إلا نكاح رغبة لحاجته إليها ، ولا يقصد به التحليل ، ويكون وطؤه لها وطئا مباحا : لا تكون صائمة ولا محرمة ولا في حيضتها ، ويكون الزوج بالغا مسلما . وقال الشافعي : إذا أصابها بنكاح صحيح وغيب الحشفة في فرجها فقد ذاقا العسيلة ، وسواء في ذلك قوي النكاح وضعيفه ، وسواء أدخله بيده أم بيدها ، وكان من صبي أو مراهق أو مجبوب بقي له ما يغيبه كما يغيب غير الخصي ، وسواء أصابها الزوج محرمة أو صائمة ، وهذا كله - على ما وصف الشافعي - قول أبي حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي والحسن بن صالح ، وقول بعض أصحاب مالك .الخامسة : قال ابن حبيب : وإن تزوجها فإن أعجبته أمسكها ، وإلا كان قد احتسب في تحليلها الأجر لم يجز ، لما خالط نكاحه من نية التحليل ، ولا تحل بذلك للأول .السادسة : وطء السيد لأمته التي قد بت زوجها طلاقها لا يحلها ، إذ ليس بزوج ، روي عن علي بن أبي طالب ، وهو قول عبيدة ومسروق والشعبي وإبراهيم وجابر بن زيد وسليمان بن يسار وحماد بن أبي سليمان وأبي الزناد ، وعليه جماعة فقهاء الأمصار . ويروى عن عثمان وزيد بن ثابت والزبير خلاف ذلك ، وأنه يحلها إذا غشيها سيدها غشيانا لا يريد بذلك مخادعة ولا إحلالا ، وترجع إلى زوجها بخطبة وصداق . والقول الأول أصح ، لقوله تعالى : حتى تنكح زوجا غيره والسيد إنما تسلط بملك اليمين وهذا واضح .السابعة : في موطإ مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار سئلا عن رجل زوج عبدا له جارية له فطلقها العبد البتة ثم وهبها سيدها له هل تحل له بملك اليمين ؟ فقالا : لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره .الثامنة : روي عن مالك أنه سأل ابن شهاب عن رجل كانت تحته أمة مملوكة فاشتراها وقد كان طلقها واحدة ، فقال : تحل له بملك يمينه ما لم يبت طلاقها ، فإن بت طلاقها فلا تحل له بملك يمينه حتى تنكح زوجا غيره . قال أبو عمر : وعلى هذا جماعة العلماء وأئمة الفتوى : مالك والثوري والأوزاعي والشافعي وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق وأبو ثور . وكان ابن عباس [ ص: 140 ] وعطاء وطاوس والحسن يقولون : ( إذا اشتراها الذي بت طلاقها حلت له بملك اليمين ) ، على عموم قوله عز وجل : أو ما ملكت أيمانكم . قال أبو عمر : وهذا خطأ من القول ؛ لأن قوله عز وجل : أو ما ملكت أيمانكم لا يبيح الأمهات ولا الأخوات ، فكذلك سائر المحرمات .التاسعة : إذا طلق المسلم زوجته الذمية ثلاثا فنكحها ذمي ودخل بها ثم طلقها ، فقالت طائفة : الذمي زوج لها ، ولها أن ترجع إلى الأول ، هكذا قال الحسن والزهري وسفيان الثوري والشافعي وأبو عبيد وأصحاب الرأي . قال ابن المنذر : وكذلك نقول ؛ لأن الله تعالى قال : حتى تنكح زوجا غيره والنصراني زوج . وقال مالك وربيعة : لا يحلها .العاشرة : النكاح الفاسد لا يحل المطلقة ثلاثا في قول الجمهور . مالك والثوري . والشافعي والأوزاعي وأصحاب الرأي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد ، كلهم يقولون : لا تحل للزوج الأول إلا بنكاح صحيح ، وكان الحكم يقول : هو زوج . قال ابن المنذر : ليس بزوج ؛ لأن أحكام الأزواج في الظهار والإيلاء واللعان غير ثابتة بينهما . وأجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم أن المرأة إذا قالت للزوج الأول : قد تزوجت ودخل علي زوجي وصدقها أنها تحل للأول . قال الشافعي : والورع ألا يفعل إذا وقع في نفسه أنها كذبته .الحادية عشرة : جاء عن عمر بن الخطاب في هذا الباب تغليظ شديد وهو قوله : ( لا أوتى بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما ) . وقال ابن عمر : التحليل سفاح ، ولا يزالان زانيين ولو أقاما عشرين سنة . قال أبو عمر : لا يحتمل قول عمر إلا التغليظ ؛ لأنه قد صح عنه أنه وضع الحد عن الواطئ فرجا حراما قد جهل تحريمه وعذره بالجهالة ، فالتأويل أولى بذلك ولا خلاف أنه لا رجم عليه .قوله تعالى : فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون فيه أربع مسائل :الأولى : قوله تعالى : فإن طلقها يريد الزوج الثاني . فلا جناح عليهما أي المرأة والزوج الأول ، قاله ابن عباس ، ولا خلاف فيه . قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن الحر إذا طلق زوجته ثلاثا ثم انقضت عدتها ونكحت زوجا آخر ودخل بها ثم فارقها وانقضت عدتها ثم نكحت زوجها الأول أنها تكون عنده على ثلاث تطليقات .واختلفوا في الرجل يطلق امرأته تطليقة أو تطليقتين ثم تتزوج غيره ثم ترجع إلى زوجها [ ص: 141 ] الأول ، فقالت طائفة : تكون على ما بقي من طلاقها ، وكذلك قال الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وأبي بن كعب وعمران بن حصين وأبو هريرة . ويروى ذلك عن زيد بن ثابت ومعاذ بن جبل وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وبه قال عبيدة السلماني وسعيد بن المسيب والحسن البصري ومالك وسفيان الثوري وابن أبي ليلى والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور ومحمد بن الحسن وابن نصر . وفيه قول ثان وهو ( أن النكاح جديد والطلاق جديد ) ، هذا قول ابن عمر وابن عباس ، وبه قال عطاء والنخعي وشريح والنعمان ويعقوب . وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا أبو معاوية ووكيع عن الأعمش عن إبراهيم قال : كان أصحاب عبد الله يقولون : أيهدم الزوج الثلاث ، ولا يهدم الواحدة والاثنتين! قال : وحدثنا حفص عن حجاج عن طلحة عن إبراهيم أن أصحاب عبد الله كانوا يقولون : يهدم الزوج الواحدة والاثنتين كما يهدم الثلاث ، إلا عبيدة فإنه قال : هي على ما بقي من طلاقها ، ذكره أبو عمر . قال ابن المنذر : وبالقول الأول أقول . وفيه قول ثالث وهو : إن كان دخل بها الأخير فطلاق جديد ونكاح جديد ، وإن لم يكن دخل بها فعلى ما بقي ، هذا قول إبراهيم النخعي .الثانية : قوله تعالى : إن ظنا أن يقيما حدود الله شرط . قال طاوس : إن ظنا أن كل واحد منهما يحسن عشرة صاحبه . وقيل : حدود الله فرائضه ، أي إذا علما أنه يكون بينهما الصلاح بالنكاح الثاني ، فمتى علم الزوج أنه يعجز عن نفقة زوجته أو صداقها أو شيء من حقوقها الواجبة عليه فلا يحل له أن يتزوجها حتى يبين لها ، أو يعلم من نفسه القدرة على أداء حقوقها ، وكذلك لو كانت به علة تمنعه من الاستمتاع كان عليه أن يبين ، كيلا يغر المرأة من نفسه . وكذلك لا يجوز أن يغرها بنسب يدعيه ولا مال له ولا صناعة يذكرها وهو كاذب فيها . وكذلك يجب على المرأة إذا علمت من نفسها العجز عن قيامها بحقوق الزوج ، أو كان بها علة تمنع الاستمتاع من جنون أو جذام أو برص أو داء في الفرج لم يجز لها أن تغره ، وعليها أن تبين له ما بها من ذلك ، كما يجب على بائع السلعة أن يبين ما بسلعته من العيوب ، ومتى وجد أحد الزوجين بصاحبه عيبا فله الرد ، فإن كان العيب بالرجل فلها الصداق إن كان دخل بها ، وإن لم يدخل بها فلها نصفه . وإن كان العيب بالمرأة ردها الزوج وأخذ ما كان أعطاها من الصداق ، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة من بني بياضة فوجد بكشحها برصا فردها وقال : دلستم علي .واختلفت الرواية عن مالك في امرأة العنين إذا سلمت نفسها ثم فرق بينهما بالعنة ، فقال [ ص: 142 ] مرة : لها جميع الصداق ، وقال مرة : لها نصف الصداق ، وهذا ينبني على اختلاف قوله : بم تستحق الصداق بالتسليم أو الدخول ؟ قولان .الثالثة : قال ابن خويزمنداد : واختلف أصحابنا هل على الزوجة خدمة أو لا ؟ فقال بعض أصحابنا : ليس على الزوجة خدمة ، وذلك أن العقد يتناول الاستمتاع لا الخدمة ، ألا ترى أنه ليس بعقد إجارة ولا تملك رقبة ، وإنما هو عقد على الاستمتاع ، والمستحق بالعقد هو الاستمتاع دون غيره ، فلا تطالب بأكثر منه ، ألا ترى إلى قوله تعالى : فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا . وقال بعض أصحابنا : عليها خدمة مثلها ، فإن كانت شريفة المحل ليسار أبوة أو ترفه فعليها التدبير للمنزل وأمر الخادم ، وإن كانت متوسطة الحال فعليها أن تفرش الفراش ونحو ذلك ، وإن كانت دون ذلك فعليها أن تقم البيت وتطبخ وتغسل . وإن كانت من نساء الكرد والديلم والجبل في بلدهن كلفت ما يكلفه نساؤهم ، وذلك أن الله تعالى قال : ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف . وقد جرى عرف المسلمين في بلدانهم في قديم الأمر وحديثه بما ذكرنا ، ألا ترى أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يتكلفون الطحين والخبيز والطبخ وفرش الفراش وتقريب الطعام وأشباه ذلك ، ولا نعلم امرأة امتنعت من ذلك ، ولا يسوغ لها الامتناع ، بل كانوا يضربون نساءهم إذا قصرن في ذلك ، ويأخذونهن بالخدمة ، فلولا أنها مستحقة لما طالبوهن ذلك .الرابعة : قوله تعالى : وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون حدود الله : ما منع منه ، والحد مانع من الاجتزاء على الفواحش ، وأحدت المرأة : امتنعت من الزينة ، ورجل محدود : ممنوع من الخير ، والبواب حداد أي مانع . وقد تقدم هذا مستوفى . وإنما قال : لقوم يعلمون لأن الجاهل إذا كثر له أمره ونهيه فإنه لا يحفظه ولا يتعاهده . والعالم يحفظ ويتعاهد ، فلهذا المعنى خاطب العلماء ولم يخاطب الجهال .
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
تفريع مرتب على قوله : { الطلاق مرتان فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ الله } [ البقرة : 229 ] وما بينهما بمنزلة الاعتراض ، على أن تقديمه يكسبه تأثيراً في تفريع هذا على جميع ما تقدم؛ لأنه قد علم من مجموع ذلك أن بعد المرتين تخييراً بني المراجعة وعدمها ، فرتب على تقدير المراجعة المعبر عنها بالإمساك { فإن طلقها } وهو يدل بطريق الاقتضاء على مقدر أي فإن راجعها فطلقها لبيان حكم الطلقة الثالثة . وقد تهيأ السامع لتلقي هذا الحكم من قوله : { الطلاق مرتان } [ البقرة : 229 ] إذ علم أن ذلك بيان لآخر عدد في الرجعي وأن ما بعده بتات ، فذكر قوله : { فإن طلقها } زيادة في البيان ، وتمهيد لقوله : { فلا تحل له من بعد } إلخ فالفاء إما عاطفة لجملة { فإن طلقها } على جملة { فإمساك } [ البقرة : 229 ] باعتبار ما فيها من قوله { فإمساك } ، إن كان المراد من الإمساك المراجعة ومن التسريح عدمها ، أي فإن أمسك المطلق أي راجع ثم طلقها ، فلا تحل له من بعد ، وهذا هو الظاهر ، وإما فصيحة لبيان قوله : { أو تسريح بإحسان } [ البقرة : 229 ] ، إن كان المراد من التسريح إحداث الطلاق ، أي فإن ازداد بعد المراجعة فسرح فلا تحل له من بعد ، وإعادة هذا على هذا الوجه ليرتب عليه تحريم المراجعة إلا بعد زوج ، تصريحاً بما فهم من قوله : { الطلاق مرتان } ويكون التعبير بالطلاق هنا دون التسريح للبيان وللتفنن على الوجهين المتقدمين ، ولا يعوزك توزيعه عليهما ، والضمير المستتر راجع للمطلق المستفاد من قوله : { الطلاق مرتان } والضمير المنصوب راجع للمطلقة المستفادة من الطلاق أيضاً ، كما تقدم في قوله : { إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله } [ البقرة : 229 ] .والآية بيان لنهاية حق المراجعة صراحة ، وهي إما إبطال لما كانوا عليه في الجاهلية وتشريع إسلامي جديد ، وإما نسخ لما تقرر أول الإسلام إذا صح ما رواه أبو داود في «سننه» ، في باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث ، عن ابن عباس «أن الرجل كان إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها وإن طلقها ثلاثاً فنسخ ذلك ونزل { الطلاق مرتان } .ولا يصح بحال عطف قوله : { فإن طلقها } على جملة { ولا يحل لكم أن تأخذوا } [ البقرة : 229 ] ، ولا صدق الضميرين على ما صدقت عليه ضمائر { إلا أن يخافا ألا يقيما } ، و { فلا جناح عليهما } لعدم صحة تعلق حكم قوله تعالى : { فإن طلقها فلا تحل له من بعد } بما تعلق به حكم قوله : { ولا يحل لكم أن تأخذوا } [ البقرة : 229 ] إلخ إذ لا يصح تفريع الطلاق الذي لا تحل بعده المرأة على وقوع الخلع ، إذ ليس ذلك من أحكام الإسلام في قول أحد ، فمن العجيب ما وقع في «شرح الخطابي على سنن أبي داود» : أن ابن عباس احتج لكون الخلع فسخاً بأن الله ذكر الخلع ثم أعقبه بقوله : { فإن طلقها فلا تحل له من بعد } الآية قال :" فلو كان الخلع طلاقاً لكان الطلاق أربعاً " ولا أحسب هذا يصح عن ابن عباس لعدم جريه على معاني الاستعمال العربي .وقوله : { فلا تحل له } أي تحرم عليه وذكر قوله : { من بعد } أي من بعد ثلاث تطليقات تسجيلاً على المطلق ، وإيماء إلى علة التحريم ، وهي تهاون المطلق بشأن امرأته ، واستخفافه بحق المعاشرة ، حتى جعلها لعبة تقلبها عواصف غضبه وحماقته ، فلما ذكر لهم قوله { من بعد } علم المطلقون أنهم لم يكونوا محقين في أحوالهم التي كانوا عليها في الجاهلية .والمراد من قوله : { تنكح زوجاً غيره } أن تعقد على زوج آخر ، لأن لفظ النكاح في كلام العرب لا معنى له إلا العقد بين الزوجين ، ولم أر لهم إطلاقاً آخر فيه لا حقيقة ولا مجازاً ، وأياً ما كان إطلاقه في الكلام فالمراد في هاته الآية العقد بدليل إسناده إلى المرأة ، فإن المعنى الذي ادعى المدعون أنه من معاني النكاح بالاشتراك والمجاز أعني المسيس ، لا يسند في كلام العرب للمرأة أصلاً ، وهذه نكتة غفلوا عنها في المقام .وحكمة هذا التشريع العظيم ردع الأزواج عن الاستخفاف بحقوق أزواجهم ، وجعلهن لُعباً في بيوتهم ، فجعل للزوج الطلقة الأولى هفوة ، والثانية تجربة ، والثالثة فراقاً ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث موسى والخضر : «فكانت الأولى من موسى نسياناً والثانية شرطاً والثالثة عمداً فلذلك قال له الخضر في الثالث { هذا فراق بيني وبينك } [ الكهف : 78 ] .وقد رتب الله على الطلقة الثالثة حكمين وهما سلب الزوج حق الرجعة ، بمجرد الطلاق ، وسلب المرأة حق الرضا بالرجوع إليه إلا بعد زوج ، واشتراط التزوج بزوج ثان بعد ذلك لقصد تحذير الأزواج من المسارعة بالطلقة الثالثة ، إلا بعد التأمل والتريث ، الذي لا يبقى بعده رجاء في حسن المعاشرة ، للعلم بحرمة العود إلا بعد زوج ، فهو عقاب للأزواج المستخفين بحقوق المرأة ، إذا تكرر منهم ذلك ثلاثاً ، بعقوبة ترجع إلى إيلام الوجدان ، لما ارتكز في النفوس من شدة النفرة من اقتران امرأته برجل آخر ، وينشده حال المرأة قول ابن الزَّبير: ... وفي الناس إن رثَّتْ حِبالك وَاصلوفي الأرض عن دار القِلَى متحول ... وفي الطيبي قال الزجاج : «إنما جعل الله ذلك لعلمه بصعوبة تزوج المرأة على الرجل فحرم عليهما التزوج بعد الثلاث لئلا يعجلوا وأن يثبتوا» وقد علم السامعون أن اشتراط نكاح زوج آخر هو تربية للمطلقين ، فلم يخطر ببال أحد إلا أن يكون المراد من النكاح في الآية حقيقته وهي العقد ، إلا أن العقد لما كان وسيلة لما يقصد له في غالب الأحوال من البناء وما بعده ، كان العقد الذي لا يعقبه وطء العاقد لزوجه غير معتد به فيما قصد منه ، ولا يعبأ المطلق الموقع الثلاث بمجرد عقد زوج آخر لم يمس فيه المرأة ، ولذلك لما طلق رفاعة بن سموأل القرظي زوجه تميمة ابنة وهب طلقة صادفت أخرى الثلاث ، وتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزَّبير القرظي ، جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له : «يا رسول الله إن رفاعة طلقني فبت طلاقي ، وإن عبد الرحمن بن الزبير تزوجني وإنما معه مثل هدبة هذا الثوب» وأشارت إلى هدب ثوب لها فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم" أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة " قالت «نعم» قال " لا ، حتى تذوقي عسيلته " الحديث ، فدل سؤالها على أنها تتوقع عدم الاعتداد بنكاح ابن الزبير في تحليل من بتها ، لعدم حصول المقصود من النكاية والتربية بالمطلق ، فاتفق علماء الإسلام على أن النكاح الذي يحل المبتوتة هو دخول الزوج الثاني بالمرأة ومسيسه لها ، ولا أحسب دليلهم في ذلك إلا الرجوع إلى مقصد الشريعة ، الذي علمه سائر من فهم هذا الكلام العربي الفصيح ، فلا حاجة بنا إلى متح دلاء الاستدلال بأن هذا من لفظ النكاح المراد به في خصوص هذه الآية المسيسُ أو هو من حديث رفاعة ، حتى يكون من تقييد الكتاب بخبر الواحد ، أو هو من الزيادة على النص حتى يجىء فيه الخلاف في أنها نسخ أم لا ، وفي أن نسخ الكتاب بخبر الواحد يجوز أم لا ، كل ذلك دخول فيما لا طائل تحت تطويل تقريره بل حسبنا إجماع الصحابة وأهل اللسان على فهم هذا المقصد من لفظ القرآن ، ولم يشذ عن ذلك إلا سعيد بن المسيب فإنه قال : يحل المبتوتة مجرد العقد على زوج ثان ، وهو شذوذ ينافي المقصود؛ إذ أية فائدة تحصل من العقد ، إن هو إلا تعب للعاقدين ، والولي ، والشهود إلا أن يجعل الحكم منوطاً بالعقد ، باعتبار ما يحصل بعده غالباً ، فإذا تخلف ما يحصل بعده اغتفر ، من باب التعليل بالمظنة ، ولم يتابعه عليه أحد معروف ، ونسبه النحاس لسعيد بن جبير ، وأحسب ذلك سهواً منه واشتباهاً ، وقد أمر الله بهذا الحكم ، مرتباً على حصول الطلاق الثالث بعد طلقتين تقدمتاه فوجب امتثاله وعلمت حكمته فلا شك في أن يقتصر به على مورده ، ولا يتعدى حكمه ذلك إلى كل طلاق عبر فيه المطلق بلفظ الثلاث تغليظاً ، أو تأكيداً ، أو كذباً لأن ذلك ليس طلاقاً بعد طلاقين ، ولا تتحقق فيه حكمة التأديب على سوء الصنيع ، وما المتلفظ بالثلاث في طلاقه الأول إلا كغير المتلفظ بها في كون طلقته الأولى ، لا تصير ثانية ، وغاية ما اكتسبه مقاله أنه عد في الحمقى أو الكذابين ، فلا يعاقب على ذلك بالتفريق بينه وبين زوجه ، وعلى هذا الحكم استمر العمل في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ، وصدر من خلافة عمر ، كما ورد في كتب الصحيح : «الموطأ» وما بعده ، عن ابن عباس رضي الله عنه ، وقد ورد في بعض الآثار رواية حديث ابن عمر حين طلق امرأته في الحيض أنه طلقها ثلاثاً في كلمة ، وورد حديث ركانة بن عبد يزيد المطلبي ، أنه طلق امرأته ثلاثاً في كلمة واحدة فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : إنما ملكك الله واحدة فأمره أن يراجعها .ثم إن عمر بن الخطاب في السنة الثالثة من خلافته حدثت حوادث من الطلاق بلفظ الثلاث في كلمة واحدة فقال : أرى الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم .وقد اختلف علماء الإسلام فيما يلزم من تلفظ بطلاق الثلاث في طلقة ليست ثالثة ، فقال الجمهور : يلزمه الثلاث أخذاً بما قضى به عمر بن الخطاب وتأيد قضاؤه بسكوت الصحابة لم يغيروا عليه فهو إجماع سكوتي ، وبناء على تشبيه الطلاق بالنذور والأيمان ، يلزم المكلف فيها ما التزمه ، ولا خلاف في أن عمر بن الخطاب قضى بذلك ولم ينكر عليه أحد ، ولكنه قضى بذلك عن اجتهاد فهو مذهب له ، ومذهب الصحابي لا يقوم حجة على غيره ، وما أيدوه به من سكوت الصحابة لا دليل فيه؛ لأن الإجماع السكوتي ليس بحجة عند النحارير من الأئمة مثل الشافعي والباقلاني والغزالي والإمام الرازي ، وخاصة أنه صدر من عمر بن الخطاب مصدر القضاء والزجر ، فهو قضاء في مجال الاجتهاد لا يجب على أحد تغييره ، ولكن القضاء جزئي لا يلزم اطراد العمل به ، وتصرف الإمام بتحجير المباح لمصلحة مجال للنظر ، فهذا ليس من الإجماع الذي لا تجوز مخالفته .وقال علي بن أبي طالب وابن مسعود وعبد الرحمن ابن عوف والزبير بن العوام ومحمد بن إسحاق وحجاج بن أرطاة وطاووس والظاهرية وجماعة من مالكية الأندلس : منهم محمد بن زنباع ، ومحمد بن بقي بن مخلد ، ومحمد بن عبد السلام الخشني ، فقيه عصره بقرطبة ، وأصبغ بن الحباب من فقهاء قرطبة ، وأحمد بن مغيث الطليطلي الفقيه الجليل ، وقال ابن تيمية من الحنابلة : إن طلاق الثلاث في كلمة واحدة لا يقع إلا طلقة واحدة وهو الأرجح من جهة النظر والأثر .واحتجوا بحجج كثيرة أولاها وأعظمها هذه الآية فإن الله تعالى جعل الطلاق مرتين ثم ثالثة ، ورتب حرمة العود على حصول الثالثة بالفعل لا بالقول ، فإذا قال الرجل لامرأته : هي طالق طلاقاً ولم تكن تلك الطلقة ثالثة بالفعل والتكرر كذب في وصفها بأنها ثلاث ، وإنما هي واحدة أو ثانية فكيف يقدم على تحريم عودها إليه والله تعالى لم يحرم عليه ذلك ، قال ابن عباس : «وهل هو إلا كمن قال : قرأت سورة البقرة ثلاث مرات وقد قرأها واحدة فإن قوله ثلاث مرات يكون كاذباً» .الثانية أن الله تعالى قصد من تعدد الطلاق التوسعة على الناس؛ لأن المعاشر لا يدري تأثير مفارقة عشيره إياه ، فإذا طلق الزوج امرأته يظهر له الندم وعدم الصبر على مفارقتها ، فيختار الرجوع فلو جعل الطلقة الواحدة مانعة بمجرد اللفظ من الرجعة ، تعطل المقصد الشرعي من إثبات حق الرجعة ، قال ابن رشد الحفيد في «البداية» «وكأن الجمهور غلبوا حكم التغليظ في الطلاق سداً للذريعة ولكن تبطل بذلك الرخصة الشرعية والرفق المقصود من قوله تعالى : { لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً } [ الطلاق : 1 ] .الثالثة قال ابن مغيث : إن الله تعالى يقول : { أو تسريح بإحسان } وموقع الثلاث غير محسن ، لأن فيها ترك توسعة الله تعالى ، وقد يخرَّج هذا بقياس على غير مسألة في «المدونة» : من ذلك قول الإنسان : { مالي صدقة في المساكين } قال مالك يجزئه الثلث .الرابعة احتجوا بحديث ابن عباس في «الصحيحين» " كان طلاق الثلاث في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدر من خلافة عمر طلقة واحدة " .وأجاب عنه الجمهور بأن راويه طاووس وقد روى بقية أصحاب ابن عباس عنه أنه قال من طلق امرأته ثلاثاً فقد عصى ربه وبانت منه زوجه ، وهذا يوهن رواية طاووس ، فإن ابن عباس لا يخالف الصحابة إلى رأي نفسه ، حتى قال ابن عبد البر رواية طاووس وهم وغلط ، وعلى فرض صحتها ، فالمراد أن الناس كانوا يوقعون طلقة واحدة بدل إيقاع الناس ثلاث تطليقات وهو معنى قول عمر «إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة» فلو كان ذلك واقعاً في زمن الرسول وأبي بكر لما قال عمر إنهم استعجلوا ولا عابه عليهم ، وهذا جواب ضعيف ، قال أبو الوليد الباجي : الرواية عن طاووس بذلك صحيحة . وأقول : أما مخالفة ابن عباس لما رواه فلا يوهن الرواية كما تقرر في الأصول ، ونحن نأخذ بروايته وليس علينا أن نأخذ برأيه ، وأما ما تأولوه من أن المراد من الحديث أن الناس كانوا يوقعون طلقة واحدة بدل إيقاع الثلاث فهو تأويل غير صحيح ومناف لألفاظ الرواية ولقول عمر «فلو أمضيناه عليهم» فإن كان إمضاؤه عليهم سابقاً من عهد الرسول لم يبق معنى لقوله : «فلو أمضيناه عليهم» وإن لم يكن إمضاؤه سابقاً بل كان غير ماض حصل المقصود من الاستدلال .الخامسة ما رواه الدارقطني أن ركانة بن عبد يزيد المطلبي طلق زوجه ثلاثاً في كلمة واحدة فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : إنما هي واحدة أو إنما تلك واحدة فارتجعها . وأجاب عنه أنصار الجمهور بأنه حديث مضطرب؛ لأنه روي أن ركانة طلق ، وفي رواية أن يزيد بن ركانة طلق وفي رواية طلق زوجه ثلاثاً وزاد في بعض الروايات أنه طلقها ثلاثاً وقال : أردت واحدة فاستحلفه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك .وهو جواب واهٍ لأنه سواء صحت الزيادة أم لم تصح فقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالواحدة فيما فيه لفظ الثلاث ، ولا قائل من الجمهور بالتوهية فالحديث حجة عليهم لا محالة إلا أن روايته ليست في مرتبة معتبرة من الصحة .السادسة ما رواه الدارقطني في حديث تطليق ابن عمر زوجه حين أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر فإنه زاد فيه أنه طلقها ثلاثاً ولا شك أن معناه ثلاثاً في كلمة ، لأنها لو كانت طلقة صادفت آخر الثلاث لما جاز إرجاعها إليه ، ووجه الدليل أنه لما أمره أن يردها فقد عدها عليه واحدة فقط ، وهذا دليل ضعيف جداً لضعف الرواية ولكون مثل هذه الزيادة مما لا يغفل عنها رواة الحديث في كتب الصحيح ك«الموطأ» و«صحيح البخاري» و«مسلم» . والحق أنه لا يقع إلا طلقة واحدة ولا يعتد بقول المطلق ثلاثاً .وذهب مقاتل وداود الظاهري في رواية عنه أن طلاق الثلاث في كلمة واحدة لا يقع طلاقاً بالمرة ، واحتج بأن القرآن ذكر الطلاق المفرَّق ولم يذكر المجموع فلا يلزم لأنه غير مذكور في القرآن . ولو احتج لهما بأنه منهي عنه والمنهي عنه فاسد لكان قريباً ، لولا أن الفساد لا يعتري الفسوخ ، وهذا مذهب شاذ وباطل ، وقد أجمع المسلمون على عدم العمل به ، وكيف لا يقع طلاقاً وفيه لفظ الطلاق .وذهب ابن جبير وعطاء وابن دينار وجابر بن زيد إلى أن طلاق البكر ثلاثاً في كلمة يقع طلقة واحدة ، لأنه قبل البناء بخلاف طلاق بالمبني بها وكأنَّ وجه قولهم فيه : وأن معنى الثلاث فيه كناية عن البينونة والمطلقة قبل البناء تبينها الواحدة .ووصف { زوجاً غيره } تحذير للأزواج من الطلقة الثالثة ، لأنه بذكر المغايرة يتذكر أن زوجته ستصير لغيره كحديث الواعظ الذي اتعظ بقول الشاعر: ... اليومَ عندك دَلُّها وحديثُهاوغداً لغيرك زندها والمعصم ... وأسند الرجعة إلى المتفارقين بصيغة المفاعلة لتوقفها على رضا الزوجة بعد البينونة ثم علق ذلك بقوله : { إن ظنا أن يقيما حدود الله } أي أن يسيرا في المستقبل على حسن المعاشرة وإلا فلا فائدة في إعادة الخصومات .و { حدود الله } هي أحكامه وشرائعه ، شبهت بالحدود لأن المكلف لا يتجاوزها فكأنه يقف عندها . وحقيقة الحدود هي الفواصل بين الأرضين ونحوها وقد تقدم في قوله : { إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله } [ البقرة : 229 ] والإقامة استعارة لحفظ الأحكام تبعاً لاستعارة الحدود إلى الأحكام كقولهم : نَقَض فلان غزله ، وأما قوله : { وتلك حدود الله يبينها } فالبيان صالح لمناسبة المعنى الحقيقي والمجازي؛ لأنّ إقامة الحدّ الفاصل فيه بيان للناظرين .والمراد { بقوم يعلمون } ، الذين يفهمون الأحكام فهماً يهيئهم للعمل بها ، وبإدراك مصالحها ، ولا يتحيلون في فهمها .{ وَتِلْكَ حُدُودُ الله يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }الواو اعتراضية ، والجملة معترضة بين الجملتين المعطوفة إحداهما على الأخرى ، وموقع هذه الجملة كموقع جملة { تلك حدود الله فلا تعتدوها } [ البقرة : 229 ] المتقدمة آنفاً .و { وتلك حدود الله } تقدم الكلام عليها قريباً .وتبيين الحدود ذكرها للناس موضحة مفصلة معللة ، ويتعلق قوله { لقوم يعلمون } بفعل { يبينها } ، ووصف القوم بأنهم يعلمون صريح في التنويه بالذين يدركون ما في أحكام الله من المصالح ، وهو تعريض بالمشركين الذين يعرضون عن اتّباع الإسلام .وإقحام كلمة ( لقوم ) للإِيذان بأن صفة العلم سجيتهم وملكة فيهم ، كما تقدم بيانه عند قوله تعالى : { إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار إلى قوله لأيات لقوم يعقلون } [ البقرة : 164 ] .
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
ثم بين - سبحانه - أحكام الطلاق المكمل للثلاث ، بعد بيانه لأحكام الطلاق الرجعي وأحكام الخلع فقال - تعالى - : ( فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حتى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) .أي : فإن طلق الرجل زوجته طلقة ثالثة بعد الطلقتين اللتين أباح الله له مراجعتها بعد كل منهما في أثناء العدة ، فإنه في هذه الحالة تكون زوجته محرمة عليه ، ولا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره نكاحاً شرعياً صحيحاً ، بأن يدخل بها ، ويباشرها مباشرة شرعية كما يباشر الأزواج زوجاتهم .فالمراد بالنكاح في قوله تعالى : ( حتى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) الزواج بشخص آخر يدخل بها . دخولا صحيحاً . ويويد هذا المعنى ويؤكده ما جاء في الحديث المشهور الذي أخرجه البخاري وغيره عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : " جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن رفاعة طلقني فبت طلاقي . وإني نكحت بعده عبد الرحمن بن الزبير القرظي ، وإن ما معه مثل الهدبة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك " .وواضح من ذوق العسيلة أن يدخل بها ويجامعها ، وعلى هذا انعقد إجماع الفقهاء .ولم يلتفتوا إلى ما نسبه بعضهم إلى سعيد بن المسيب من أنه أجاز للمرأة أن تعود إلى زوجها الأول بعد عقد زواجها على الثاني دون أن يدخل بها . وحملوا هذا المنسوب إلى سعيد بن المسيب على أنه من شواذ الفتيا التي لا وزن لها لمخالفتها لنص حديث صحيح لعله لم يبلغه .ثم قال - تعالى - : ( فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ الله ) أي : فإن طلق الزوج الثاني تلك المرأة التيسبق طلاقها من الزوج الأول ، فلا إثم عليها وعلى زوجها الأول في أن يرجع كل منهما إلى صاحبه بعقد جديد بعد انقضاء العدة ما داما يغلب على ظنهما أنهما سيقيمان حدود الله ، ويؤدي كل واحد منهما ما يجب عليه نحو صاحبه بأمانة وإخلاص .وقوله : ( أَن يَتَرَاجَعَآ ) في موضع جر بإضمار حرف الجر أي في أن يتراجعا وقوله ( أَن يُقِيمَا ) في موضع نصب على أنه سد مسد مفعولي ظن .قال صاحب الكشاف : ولم يقل : إن علما أنهما يقيمان حدود الله لأن اليقين مغيب عنهما لا يعلمه إلا الله . ومن فسر الظن ها هنا بالعلم فقدوهم ولأن الإِتسان لم يعلم ما في الغد وإنما يظن ظناً " .ثم ختم - سبحانه - هذه الآية بقوله : ( وَتِلْكَ حُدُودُ الله يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) .أي : وتلك الأحكام المذكورة عن الطلاق وعن غيره مما كلف الله به عباده بينها ويوضحها بتلك الطرق الحكيمة لقوم يعلمون الحق ، ويعملون بمقتضى علمهم .وبهذا نرى أن الآية الكريمة قد بينت أنه لا يحل للمرأة التي طلقت من زوجها أن تعود إليه بعد الطلقة الثالثة إلا بعد أن تتزوج آخر زواجاً صحيحاً يدلخ بها فيه ويجامعها ثم يطلقها وتنقضي عدتها منه .ومن حكم هذا التشريع الحكيم ردع الأزواج عن الاستخفاف بحقوق زوجاتهم ، وزجرهم عن التساهل في إيقاع الطلاق ، فإن الرجل الشريف الطبع ، العزيز النفس إذا علم أن زوجته لن تحل له بعد الطلقة الثالثة إلا إذا افترشها شخص آخر توقف عن إيقاع الطلاق ، وتباعد عن التسرع والاندفاع وحاول أن يصلح ما بينه وبين أهله بالمعالجة الحكيمة التي تتميز بسعة الصدر وضبط النفس .هذا ، وقد ساق الإِمام ابن كثير سبعة أحاديث في النهي عن نكاح المحلل - وهو أن يعقد رجل على امرأة قد طلقت ثلاثاً من زوجها بقصد إحلالها لهذا الزوج لا بقصد الزواج الدائم ثم يدخل بها دخولا صورياً وليس شرعياً - ومن هذه الأحاديث ما رواه الإِمام أحمد والترمذي والنسائي عن عبد الله بن مسعود قال : " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له ، وآكل الربا وموكله " .وعن عقبة بن عامر قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا أخبركم بالتيس المستعار "؟ قالوا : بلى يا رسول الله . قال : هو المحلل لعن الله المحلل والمحلل له " .وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن نكاح المحلل فقال : " لا ، إلا نكاح رغبة - لا نكاح دلسة أي لا نكاح غش وتدليس - ولا استهزاء بكتاب الله - ثم يذوق عسيلتها . . " .وجاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثاً فتزوجها أخ له من غير مؤامرة منه - أي من غير مشورة ورغبة منه - ليحلها لأخيه فهل تحل للأول؟ فقال : لا إلا نكاح رغبة كنا نعد هذا سفاحاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .ثم قال ابن كثير : والمقصود أن الزوج الثاني يكون راغباً في المرأة قاصداً لدوام عشرتها كما هو المشروع من التزويج . واشترط الإِمام ملاك مع ذلك أن يطأها الثاني وطأ مباحاً فلو وطئها وهي محرمة أو صائمة أو معتكفة أو حائض . . لم تحل للأول بهذا الوطء والمراد بالعسيلة الجامع لما رواه الإمام أحمد والنسائي عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " ألا إن العسيلة الجماع " .وبعد أن بين - سبحانه - في الآية السابقة أن الزوج مخير بين الإِمساك والتسريح في مدة العدة ، عقب ذلك ببيان أن هذا التخيير من حقه حتى آخروقت في العدة ، وذلك لتذكيره بأن الإِمساك أفضل من التسريح ، وأن عليه ألا يلجأ إلى الطلاق إلا إذا سدجت طرق الإِصلاح والمعالجة ، وأنه إذا اختار الطلاق فعليه أن يسلك فيه طريق الحق والعدل لا طريق الباطل والجور .
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
قوله تعالى : ( فإن طلقها ) يعني الطلقة الثالثة ( فلا تحل له من بعد ) أي من بعد الطلقة الثالثة ( حتى تنكح زوجا غيره ) أي : غير المطلق فيجامعها والنكاح يتناول الوطء والعقد جميعا نزلت في تميمة وقيل في عائشة بنت عبد الرحمن بن عتيك القرظي كانت تحت ابن عمها رفاعة بن وهب بن عتيك القرظي فطلقها ثلاثا .أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال أنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي أخبرنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنه سمعها تقول : جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إني كنت عند رفاعة القرظي فطلقني فبت طلاقي وتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير وإنما معه مثل هدبة الثوب فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة " قالت نعم قال : " لا حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته " .وروي أنها لبثت ما شاء الله ثم رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إن زوجي قد مسني فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم كذبت بقولك الأول فلن نصدقك في الآخر . فلبثت حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم فأتت أبا بكر رضي الله عنه فقالت : يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أرجع إلى زوجي الأول فإن زوجي الآخر قد مسني وطلقني فقال لها أبو بكر : قد شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتيته وقال لك ما قال فلا ترجعي إليه فلما قبض أبو بكر رضي الله عنه أتت عمر رضي الله عنه وقالت له مثل ذلك فقال لها عمر رضي الله عنه : لئن رجعت إليه لأرجمنك . قوله تعالى : ( فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا ) يعني فإن طلقها الزوج الثاني بعدما جامعها ( فلا جناح عليهما ) يعني على المرأة وعلى الزوج الأول ( أن يتراجعا ) يعني بنكاح جديد ( إن ظنا ) أي علما وقيل رجوا لأن أحدا لا يعلم ما هو كائن إلا الله عز وجل ( أن يقيما حدود الله ) أي يكون بينهما الصلاح وحسن الصحبة وقال مجاهد : معناه إن علما أن نكاحهما على غير الدلسة وأراد بالدلسة التحليل وهو مذهب سفيان الثوري والأوزاعي ومالك وأحمد وإسحاق قالوا : إذا تزوجت المطلقة ثلاثا زوجا آخر ليحللها للزوج الأول : فإن النكاح فاسد وذهب جماعة إلى أنه إن لم يشرط في النكاح مع الثاني أنه يفارقها فالنكاح صحيح ويحصل به التحليل ولها صداق مثلها غير أنه يكره إذا كان في عزمها ذلك .أخبرنا أبو الفرج المظفر بن إسماعيل التميمي أخبرنا أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي أنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ أنا الحسن بن الفرج أخبرنا عمرو بن خالد الحراني ، عن عبيد الله بن عبد الكريم هو الجزري عن أبي واصل عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه : " لعن المحلل والمحلل له " وقال نافع : أتى رجل ابن عمر فقال له : إن رجلا طلق امرأته ثلاثا فانطلق أخ له من غير مؤامرة فتزوجها ليحلها للأول فقال : لا إلا نكاح رغبة كنا نعد هذا سفاحا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لعن الله المحلل والمحلل له " ( وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون ) يعني يعلمون ما أمرهم الله تعالى به .