تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
من ذا الذي ينفق في سبيل الله إنفاقًا حسنًا احتسابًا للأجر، فيضاعفه له أضعافا كثيرة لا تحصى من الثواب وحسن الجزاء؟ والله يقبض ويبسط، فأنفقوا ولا تبالوا؛ فإنه هو الرزاق، يُضيِّق على مَن يشاء من عباده في الرزق، ويوسعه على آخرين، له الحكمة البالغة في ذلك، وإليه وحده ترجعون بعد الموت، فيجازيكم على أعمالكم.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
«من ذا الذي يقرض الله» بإنفاق ماله في سبيل الله «قرضا حسنا» بأن ينفقه لله عز وجل عن طيب قلب «فيضاعفه» وفي قراءة فيضعفه بالتشديد «له أضعافا كثيرة» من عشر إلى أكثر من سبعمائة كما سيأتي «والله يقبض» يمسك الرزق عمن يشاء ابتلاء «ويبسط» يوسعه لمن يشاء امتحانا «وإليه ترجعون» في الآخرة بالبعث فيجازيكم بأعمالكم.
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
قوله تعالى : من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعونفيه إحدى عشرة مسألة : الأولى : قوله تعالى : من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا لما أمر الله تعالى بالجهاد والقتال على الحق - إذ ليس شيء من الشريعة إلا ويجوز القتال عليه وعنه ، وأعظمها دين الإسلام كما قال مالك - حرض على الإنفاق في ذلك . فدخل في هذا الخبر المقاتل في سبيل الله ، فإنه يقرض به رجاء الثواب كما فعل عثمان رضي الله عنه في جيش العسرة . و " من " رفع بالابتداء ، و " ذا " خبره ، و " الذي " نعت لذا ، وإن شئت بدل . ولما نزلت هذه الآية بادر أبو الدحداح إلى التصدق بماله ابتغاء ثواب ربه . أخبرنا الشيخ الفقيه الإمام المحدث القاضي أبو عامر يحيى بن عامر بن أحمد بن منيع الأشعري نسبا ومذهبا بقرطبة - أعادها الله - في ربيع الآخر عام ثمانية وعشرين وستمائة قراءة مني عليه قال : أخبرنا أبي إجازة قال : قرأت على أبي بكر عبد العزيز بن خلف بن مدين الأزدي عن أبي عبد الله بن سعدون سماعا عليه ، قال : حدثنا أبو الحسن علي بن مهران قال : حدثنا أبو الحسن محمد بن عبد الله بن زكريا بن حيوة النيسابوري سنة ست وستين وثلاثمائة ، قال : أنبأنا عمي أبو زكريا يحيى بن زكريا قال : حدثنا محمد بن معاوية بن صالح قال : حدثنا خلف بن خليفة عن حميد الأعرج عن عبد الله بن الحارث عن عبد الله بن مسعود قال : لما نزلت : من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا قال أبو الدحداح : يا رسول الله أوإن الله تعالى يريد منا القرض ؟ قال : نعم يا أبا الدحداح قال : [ ص: 217 ] أرني يدك ، قال فناوله ، قال : فإني أقرضت الله حائطا فيه ستمائة نخلة . ثم جاء يمشي حتى أتى الحائط وأم الدحداح فيه وعياله ، فناداها : يا أم الدحداح ، قالت : لبيك ، قال : اخرجي ، قد أقرضت ربي عز وجل حائطا فيه ستمائة نخلة . وقال زيد بن أسلم : لما نزل : من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا قال أبو الدحداح : فداك أبي وأمي يا رسول الله إن الله يستقرضنا وهو غني عن القرض ؟ قال : ( نعم يريد أن يدخلكم الجنة به ) . قال : فإني إن أقرضت ربي قرضا يضمن لي به ولصبيتي الدحداحة معي الجنة ؟ قال : ( نعم ) قال : فناولني يدك ، فناوله رسول الله صلى الله عليه وسلم يده : فقال : إن لي حديقتين إحداهما بالسافلة والأخرى بالعالية ، والله لا أملك غيرهما ، قد جعلتهما قرضا لله تعالى . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اجعل إحداهما لله والأخرى دعها معيشة لك ولعيالك ) قال : فأشهدك يا رسول الله أني قد جعلت خيرهما لله تعالى ، وهو حائط فيه ستمائة نخلة . قال : ( إذا يجزيك الله به الجنة ) . فانطلق أبو الدحداح حتى جاء أم الدحداح وهي مع صبيانها في الحديقة تدور تحت النخل فأنشأ يقول :هداك ربي سبل الرشاد إلى سبيل الخير والسداد بيني من الحائط بالودادفقد مضى قرضا إلى التناد أقرضته الله على اعتماديبالطوع لا من ولا ارتداد إلا رجاء الضعف في المعادفارتحلي بالنفس والأولاد والبر لا شك فخير زادقدمه المرء إلى المعادقالت أم الدحداح : ربح بيعك بارك الله لك فيما اشتريت ، ثم أجابته أم الدحداح وأنشأت تقول :بشرك الله بخير وفرح مثلك أدى ما لديه ونصحقد متع الله عيالي ومنح بالعجوة السوداء والزهو البلحوالعبد يسعى وله ما قد كدح طول الليالي وعليه ما اجترحثم أقبلت أم الدحداح على صبيانها تخرج ما في أفواههم وتنفض ما في أكمامهم حتى أفضت إلى الحائط الآخر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : كم من عذق رداح ودار فياح لأبي الدحداح .[ ص: 218 ] الثانية : قال ابن العربي : انقسم الخلق بحكم الخالق وحكمته وقدرته ومشيئته وقضائه وقدره حين سمعوا هذه الآية أقساما ، فتفرقوا فرقا ثلاثة : ( الفرقة الأولى ) الرذلى قالوا : إن رب محمد محتاج فقير إلينا ونحن أغنياء ، فهذه جهالة لا تخفى على ذي لب ، فرد الله عليهم بقوله : لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء . ( الفرقة الثانية ) لما سمعت هذا القول آثرت الشح والبخل وقدمت الرغبة في المال فما أنفقت في سبيل الله ولا فكت أسيرا ولا أعانت أحدا تكاسلا عن الطاعة وركونا إلى هذه الدار . ( الفرقة الثالثة ) لما سمعت بادرت إلى امتثاله وآثر المجيب منهم بسرعة بماله كأبي الدحداح رضي الله عنه وغيره . والله أعلم .الثالثة : ( قرضا ) حسنا القرض : اسم لكل ما يلتمس عليه الجزاء وأقرض فلان فلانا أي أعطاه ما يتجازاه قال الشاعر وهو لبيد :وإذا جوزيت قرضا فاجزه إنما يجزي الفتى ليس الجملوالقرض بالكسر لغة فيه حكاها الكسائي . واستقرضت من فلان أي طلبت منه القرض فأقرضني . واقترضت منه أي أخذت القرض . وقال الزجاج : القرض في اللغة البلاء الحسن والبلاء السيئ ، قال أمية :كل امرئ سوف يجزى قرضه حسنا أو سيئا ومدينا مثل ما داناوقال آخر :تجازى القروض بأمثالها فبالخير خيرا وبالشر شراوقال الكسائي : القرض ما أسلفت من عمل صالح أو سيئ . وأصل الكلمة القطع ، ومنه المقراض . وأقرضته أي قطعت له من مالي قطعة يجازي عليها . وانقرض القوم : انقطع أثرهم وهلكوا . والقرض هاهنا : اسم ، ولولاه لقال هاهنا إقراضا . واستدعاء القرض في هذه الآية إنما هي تأنيس وتقريب للناس بما يفهمونه ، والله هو الغني الحميد لكنه تعالى شبه عطاء المؤمن في الدنيا بما يرجو به ثوابه في الآخرة بالقرض كما شبه إعطاء النفوس والأموال في أخذ الجنة بالبيع والشراء . حسب ما يأتي بيانه في ( براءة ) إن شاء الله تعالى . وقيل المراد بالآية الحث على الصدقة وإنفاق المال على الفقراء والمحتاجين والتوسعة عليهم ، وفي سبيل الله بنصرة [ ص: 219 ] الدين . وكنى الله سبحانه عن الفقير بنفسه العلية المنزهة عن الحاجات ترغيبا في الصدقة ، كما كنى عن المريض والجائع والعطشان بنفسه المقدسة عن النقائص والآلام . ففي صحيح الحديث إخبارا عن الله تعالى : ( يا ابن آدم مرضت فلم تعدني واستطعمتك فلم تطعمني واستسقيتك فلم تسقني ) قال يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين ؟ قال : ( استسقاك عبدي فلان فلم تسقه أما إنك لو سقيته وجدت ذلك عندي ) وكذا فيما قبل ، أخرجه مسلم والبخاري وهذا كله خرج مخرج التشريف لمن كنى عنه ترغيبا لمن خوطب به .الرابعة : يجب على المستقرض رد القرض ؛ لأن الله تعالى بين أن من أنفق في سبيل الله لا يضيع عند الله تعالى بل يرد الثواب قطعا وأبهم الجزاء . وفي الخبر : ( النفقة في سبيل الله تضاعف إلى سبعمائة ضعف وأكثر ) على ما يأتي بيانه في هذه السورة عند قوله تعالى : مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل الآية . وقال هاهنا : فيضاعفه له أضعافا كثيرة وهذا لا نهاية له ولا حد .الخامسة : ثواب القرض عظيم ؛ لأن فيه توسعة على المسلم وتفريجا عنه . خرج ابن ماجه في سننه عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رأيت ليلة أسري بي على باب الجنة مكتوبا الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر فقلت لجبريل : ما بال القرض أفضل من الصدقة قال لأن السائل يسأل وعنده والمستقرض لا يستقرض إلا من حاجة . قال : حدثنا محمد بن خلف العسقلاني حدثنا يعلى حدثنا سليمان بن يسير عن قيس بن رومي قال : كان سليمان بن أذنان يقرض علقمة ألف درهم إلى عطائه ، فلما خرج عطاؤه تقاضاها منه ، واشتد عليه فقضاه ، فكأن علقمة غضب فمكث أشهرا ثم أتاه فقال : أقرضني ألف درهم إلى عطائي ، قال : نعم وكرامة! يا أم عتبة هلمي ، تلك الخريطة المختومة التي عندك ، قال : فجاءت بها ، فقال : أما والله إنها لدراهمك التي قضيتني ما حركت منها درهما واحدا ، قال : فلله أبوك ؟ ما حملك على ما فعلت بي ؟ قال : ما سمعت منك ، قال : ما سمعت مني ؟ قال : [ ص: 220 ] سمعتك تذكر عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما من مسلم يقرض مسلما قرضا مرتين إلا كان كصدقتها مرة قال : كذلك أنبأني ابن مسعود .السادسة : قرض الآدمي للواحد واحد ، أي يرد عليه مثل ما أقرضه . وأجمع أهل العلم على أن استقراض الدنانير والدراهم والحنطة والشعير والتمر والزبيب وكل ما له مثل من سائر الأطعمة جائز . وأجمع المسلمون نقلا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم أن اشتراط الزيادة في السلف ربا ولو كان قبضة من علف - كما قال ابن مسعود - أو حبة واحدة . ويجوز أن يرد أفضل مما يستلف إذا لم يشترط ذلك عليه ؛ لأن ذلك من باب المعروف ، استدلالا بحديث أبي هريرة في البكر : إن خياركم أحسنكم قضاء رواه الأئمة : البخاري ومسلم وغيرهما . فأثنى صلى الله عليه وسلم على من أحسن القضاء ، وأطلق ذلك ولم يقيده بصفة . وكذلك قضى هو صلى الله عليه وسلم في البكر وهو الفتي المختار من الإبل جملا خيارا رباعيا ، والخيار : المختار ، والرباعي هو الذي دخل في السنة الرابعة ؛ لأنه يلقي فيها رباعيته وهي التي تلي الثنايا وهي أربع رباعيات - مخففة الباء - وهذا الحديث دليل على جواز قرض الحيوان ، وهو مذهب الجمهور ، ومنع من ذلك أبو حنيفة وقد تقدم .السابعة : ولا يجوز أن يهدي من استقرض هدية للمقرض ، ولا يحل للمقرض قبولها إلا أن يكون عادتهما ذلك ، بهذا جاءت السنة : خرج ابن ماجه حدثنا هشام بن عمار قال : حدثنا إسماعيل بن عياش حدثنا عتبة بن حميد الضبي عن يحيى بن أبي إسحاق الهنائي قال : سألت أنس بن مالك عن الرجل منا يقرض أخاه المال فيهدي إليه ؟ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أقرض أحدكم أخاه قرضا فأهدى له أو حمله على دابته فلا يقبلها ولا يركبها إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك .الثامنة : القرض يكون من المال - وقد بينا حكمه - ويكون من العرض ، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم كان إذا خرج من بيته قال اللهم إني [ ص: 221 ] قد تصدقت بعرضي على عبادك . وروي عن ابن عمر : أقرض من عرضك ليوم فقرك ، يعني من سبك فلا تأخذ منه حقا ولا تقم عليه حدا حتى تأتي يوم القيامة موفر الأجر . وقال أبو حنيفة : لا يجوز التصدق بالعرض لأنه حق الله تعالى ، وروى عن مالك ابن العربي : وهذا فاسد ، قال عليه السلام في الصحيح : إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام الحديث . وهذا يقتضي أن تكون هذه المحرمات الثلاث تجري مجرى واحدا في كونها باحترامها حقا للآدمي .التاسعة : قوله تعالى ( حسنا ) قال الواقدي : محتسبا طيبة به نفسه . وقال عمرو بن عثمان الصدفي : لا يمن به ولا يؤذي . وقال سهل بن عبد الله : لا يعتقد في قرضه عوضا .العاشرة : قوله تعالى : ( فيضاعفه له ) قرأ عاصم وغيره ( فيضاعفه ) بالألف ونصب الفاء . وقرأ ابن عامر ويعقوب بالتشديد في العين مع سقوط الألف ونصب الفاء . وقرأ ابن كثير وأبو جعفر وشيبة بالتشديد ورفع الفاء . وقرأ الآخرون بالألف ورفع الفاء . فمن رفعه نسقه على قوله : " يقرض " وقيل : على تقدير هو يضاعفه . ومن نصب فجوابا للاستفهام بالفاء . وقيل : بإضمار " أن " والتشديد والتخفيف لغتان . دليل التشديد أضعافا كثيرة لأن التشديد للتكثير . وقال الحسن والسدي : لا نعلم هذا التضعيف إلا لله وحده ، لقوله تعالى : ويؤت من لدنه أجرا عظيما . قال أبو هريرة : هذا في نفقة الجهاد ، وكنا نحسب والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا نفقة الرجل على نفسه ورفقائه وظهره بألفي ألف .الحادية عشرة : قوله تعالى : والله يقبض ويبسط هذا عام في كل شيء فهو القابض الباسط ، وقد أتينا عليهما في ( شرح الأسماء الحسنى في الكتاب الأسنى ) .( وإليه ترجعون ) وعيد ، فيجازي كلا بعمله .
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
اعتراض بين جملة : { ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم } [ البقرة : 243 ] إلى آخرها ، وجملة { ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل } [ البقرة : 246 ] الآية ، قصد به الاستطراد للحث على الإنفاق لوجه الله في طرق البر ، لمناسبة الحث على القتال ، فإن القتال يستدعي إنفاق المقاتل على نفسه في العُدَّة والمَؤُونة مع الحث على إنفاق الواجد فضلاً في سبيل الله بإعطاء العُدَّة لمن لا عُدَّة له ، والإنفاق على المعسرين من الجيش ، وفيها تبيين لمضمون جملة : { واعلموا أن الله سميع عليم } [ البقرة : 244 ] فكانت ذات ثلاثة أغراض .و { القرض } إسلاف المال ونحوه بنية إرجاع مثله ، ويطلق مجازاً على البذل لأجل الجزاء ، فيشمل بهذا المعنى بذل النفس والجسم رجاءَ الثواب ، ففعل ( يقرض ) مستعمل في حقيقته ومجازه .والاستفهام في قوله : { من ذا يقرض الله } مستعمل في التحضيض والتهييج على الاتصاف بالخير كأنَّ المستفهم لا يدري مَن هو أهل هذا الخير والجديرُ به ، قال طرفة: ... إذا القوم قالوا مَن فتى خِلْتُ أننيعُنِيتُ فلَم أَكسَلْ ولم أتَبَلَّدِ ... و ( ذا ) بعد أسماء الاستفهام قد يكون مستعملاً في معناه كما تقول وقد رأيتَ شخصاً لا تعرفه : ( مَن ذا ) فإذا لم يكن في مقام الكلام شيء يصلح لأن يشار إليه بالاستفهام كان استعمال ( ذا ) بعد اسم الاستفهام للإشارة المجازية بأن يَتصوَّر المتكلم في ذهنه شخصاً موهوماً مجهولاً صدر منه فعل فهو يسأل عن تعيينه ، وإنما يكون ذلك للاهتمام بالفعل الواقع وتطلُّب معرفة فاعله ولكون هذا الاستعمال يلازم ذكر فعللٍ بعد اسم الإشارة ، قال النُّحاة كلهم بصريُّهم وكوفيُّهم : بأن ( ذا ) مع الاستفهام تتحوّل إلى اسم موصول مبهم غير معهود ، فعدُّوه اسمَ موصول ، وبوَّب سيبويه في «كتابه» فقال : «باب إجرائهم ذَا وحدَه بمنزلة الذي وليس يكون كالذي إلا مع ( ما ) و ( من ) في الاستفهام فيكون ( ذا ) بمنزلة الذي ويكون ما أي أو من حرفَ الاستفهام وإجراؤهم إياه مع ما أي أو من بمنزلة اسم واحد» ومثَّله بقوله تعالى : { ماذا أنزل ربكم قالوا خيراً } [ النحل : 30 ] وبقية أسماء الإشارة مثل اسم ( ذا ) عند الكوفيين ، وأما البصريون فقصروا هذا الاستعمال على ( ذا ) وليس مرادهم أن ذا مع الاستفهام يصير اسم موصول فإنه يكثر في الكلام أن يقع بعده اسم موصول ، كما في هذه الآية ، ولا معنى لوقوع اسمى موصول صلتهما واحدة ، ولكنهم أرادوا أنه يفيد مُفاد اسم الموصول ، فيكون ما بعده من فِعل أو وصف في معنى صلة الموصول ، وإنما دوَّنوا ذلك لأنهم تناسوا ما في استعمال ذا في الاستفهام من المجاز ، فكان تدوينها قليل الجدوى .والوجه أن ( ذا ) في الاستفهام لا يخرج عن كونه للإشارة وإنما هي إشارة مجازية ، والفعل الذي يجيء بعده يكون في موضع الحال ، فوزان قوله تعالى :{ ماذا أنزل ربكم } [ النحل : 24 ] وزان قول يزيد بن ربيعة بن مفرغ يخاطب بغلته: ... نَجَوْتتِ وهذا تَحْمِلِينَ طَلِيقوالإقراض : فعل القرض . والقرض : السلف ، وهو بذل شيء ليرد مثله أو مساويه ، واستعمل هنا مجازاً في البذل الذي يرجى الجزاء عليه تأكيداً في تحقيق حصول التعويض والجزاء . ووصف القرض بالحسن لأنه لا يرضَى الله به إلاَّ إذا كان مبرَّأً عن شوائب الرياء والأذى ، كما قال النابغة: ... ليست بذات عقاربوقيل : القرض هنا على حقيقته وهو السلف ، ولعله علق باسم الجلالة لأن الذي يُقرض الناس طمعاً في الثواب كأنه أقرض الله تعالى؛ لأن القرض من الإحسان الذي أمر الله به وفي معنى هذا ما جاء في الحديث القدسي " أن الله عز وجل يقول يوم القيامة : يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني قال يا رب وكيف أطعمك وأنت رب العالمين قال أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه " الحديث . وقد رووا أن ثواب الصدقة عشْر أمْثالها وثواب القرض ثمانية عشر من أمثاله .وقرأ الجمهور «فيضاعفُه» بألف بعد الضاد ، وقرأه ابن كثير ، وابن عامر وأبو جعفر ويعقوب بدون ألف بعد الضاد وبتشديد العين . ورُفع «فيضاعفُه» في قراءة الجمهور ، على العطف على { يقرض } ، ليدخل في حيز التحضيض معاقباً للإِقراض في الحصول ، وقرأه ابن عامر وعاصم ويعقوب بنصب الفاء على جواب التحضيض ، والمعنى على كلتا القراءتين واحد .وقوله : { والله يقبض ويبصط } أصل القبض الشد والتماسك ، وأصل البسط : ضد القبض وهو الإطلاق والإرسال ، وقد تفرعت عن هذا المعنى معان : منها القبض بمعنى الأخذ { فَرِهانٌ مقبوضة } [ البقرة : 283 ] وبمعنى الشح { ويقبضون أيديَهم } [ التوبة : 67 ] ومنها البَسط بمعنى البذل { الله يبسط الرزق لمن يشاء } [ الرعد : 26 ] وبمعنى السخاء { بل يداه مبسوطتان } [ المائدة : 64 ] ومن أسمائه تعالى القابض الباسط بمعنى المانع المعطي .وقرأ الجمهور : ( ويبسط ) بالسين ، وقرأه نافع والبزي عن ابن كثير وأبو بكر عن عاصم والكسائي وأبو جعفر وزوج عن يعقوب بالصاد وهو لغة .يحتمل أن المراد هنا : يقبض العطايا والصدقات ويبسط الجزاء والثواب ، ويحتمل أن المراد يقبض نفوساً عن الخير ويبسط نفوساً للخير ، وفيه تعريض بالوعد بالتوسعة على المنفق في سبيل الله ، والتقتير على البخيل . وفي الحديث " اللهم أعط منفقاً خلفا وممسكاً تلفاً " وفي ابن عطية عن الحلواني عن قالون عن نافع «أنه لا يبالي كيف قرأ يبسط وبسطه بالسين أو بالصاد» أي لأنهما لغتان مثل الصراط والسراط ، والأصل هو السين ، ولكنها قلبت صاداً في بصطه ويبصط لوجود الطاء بعدها ، ومخرجها بعيد عن مخرج السين؛ لأن الانتقال من السين إلى الطاء ثقيل بخلاف الصاد .وقوله : { وإليه ترجعون } خبر مستعمل في التنبيه والتذكير بأن ما أعد لهم في الآخرة من الجزاء على الإنفاق في سبيل الله أعظم مما وعدوا به من الخير في الدنيا ، وفيه تعريض بأن الممسك البخيل عن الإنفاق في سبيل الله محروم من خير كثير .روي أنه لما نزلت الآية جاء أبو الدحداح إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال : " أو أنّ الله يريد منا القرض؟ قال : نعم يا أبا الدحداح ، قال : أرني يدك " فناوله يده فقال : " فإني أقرضت الله حائطاً فيه ستمائة نخلة " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كم من عذق رَدَاح ودار فَسَاح في الجنة لأبي الدحداح " .
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
ثم أمر الله - تعالى - عباده بأن ينفقوا أموالهم في الأعمال الصالحة التي من أعظمها الجهاد في سبيله فقال - تعالى - : ( مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً ) .قال القرطبي : " القرض : اسم لكل ما يلتمس عليه الجزاء . وأقرض فلان فلانا أي أعطاه ما يتجازاه . واستقرضت من فلان أي طلبت منه القرض فأقرضني . واقترضت منه أي أخذت القرض . وأصل الكلمة القطع ومنه المقراض . وأقرضته أي قطعت له من مالي قطعة يجازي عليها . . . ثم قال : والتعبير بالقرض في هذه الآية إنما هو تأنيس وتقريب للناس بما يفهمونه ، والله هو الغني الحميد ، لكنه - تعالى - شبه عطاء المؤمن في الدنيا بما يرجو به ثوابه في الآخرة بالقرض كما شبه إعطاء النفوس والأموال في أخذ الجنة بالبيع والشراء . . "والمعنى : من هذا المؤمن القوي الإِيمان الذي يقدم ماله في الجهاد من أجل إعلاء كلمة الله ، وفي غير ذلك من وجوه الخير كمعاونة المحتاجين ، وسد حاجة البائسين ، ومساعدة الأمة الإِسلامية بما يفيدها ويعليى من شأنها ، ( فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً ) أي : فيرد الله - تعالى - إلى هذا الباذل المعطي المقرض بدل ما أعطى وبذل وأقرض أمثالاً كثيرة لا يعلم مقدارها إلا الله أكرم الأكرمين . إذ المضاعفة معناهها إعطاء الشخص أضعاف أي أمثال ما أعطى وبذل .والاستفهام في قوله : ( مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله . . . ) للحض على البذل والعطاء ، وللتهيج على الاتصاف بالصفات الكريمة ، حتى لكأن المستفهم لا يردي من هو الأهل لهذه الصفات ويريد أن يعرف من هو أهل لها .و ( مَّن ) اسم استفهام مبتدأ ، و ( ذَا ) اسم إشارة خبره ، والذي وصلته صفة لاسم الإِشارة أو بدل منه .وقوله : ( قَرْضاً حَسَناً ) حث للناس على إخلاص النية ، وتحرى الحلال فيما ينفقون ، لأن الإِنسان إذا تصدق بمال حرام ، أو قصد بنفقته الرياء أو المباهاة لا يكون عمله متقبلا عند الله ، وإنما يتقبل الله العمل ويضاعفه لمن قصد به وجهه ، وكن المتصدق به مالا حالا خالصا من الشبهات .فالله - تعالى - طيب لا يقبل إلا ما كان طيبا .ثم ختم - سبحانه - الآية بقوله : ( والله يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) .القبض : ضد البسط . يقال : قبضه بيده يقبضه أي تناوله . وقبض عليه بيده أي أمسكه . ويقال لإِمساك اليد عن البذل قبض ومن ذلك قوله - تعالى - : ( وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ) أي يمتنعون عن الإِنفاق .والبسط معنه المد والتوسعة . يقال بسط يده أي : مدها . وبسط المكان القوم . وسعهم .والمعنى : والله - تعالى - بيده الإِعطاء والنمع فهو يسلب تارة ويعطي أخرى ، أو يسلب قوما ويعطي آخرين ، أو يضيق على بعض ويوسع على بعض حسبما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكمة والمصلحة ، وما دام الأمر كذلك فلا تبخلوا بما وسع عليكم كيلا تتبدل أحوالكم من الغنى إلى الفقر ، ومن السعة إلى الضيق . وأنتم جميعا سترجعون إليه وحده ، وسيجازي - سبحانه - الأسخياء بما يستحقون من كريم الثواب والبخلاء بما هم أهله من شديد العقاب .فأنت ترى أن في هذه الآية الكريمة ألوان من الحض على الإِنفاق في وجوه الخير ومن ذلك التعبير بالاستفهام ، لأنه للتنبيه وبعث النفوس إلى التدبر والاستجابة .ومن ذلك - أيضاً - التعبير بقوله : ( مَّن ذَا الذي . . ) فقد جمع هذا التعبير بين اسم الإِشارة والاسم الموصول في الاستفهام ، ولا يستفهم بتلك الطريقة إلا إذا كان المقام ذا شأن وخطر ، وكان المخاطب لعظم قدره من شأنه أن يشار إليه وأن يتحدث عنه ومن ذلك تسميته ما يبذل الباذل قرضا ، ولمن هذا القرض إنه لله الذي بيده خزائن السموات والأرض والذي سيرد للباذل أضعاف ما بذل ، فكأنه - سبحانه - يقول لنا : إن ما تدفعونه لن يضيع عليكم بل هو قرض منكم لي ، وسأرده لكم بأضعاف ما دفعتم وأعطيتم . ومن ذلك إخفاء مرات المضاعفة ووصفها بالكثرة في قوله : ( فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً ) أي لا يعلم مقدارها إلا الله .ومن ذلك التعبير بقوله ( والله يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ ) لأنه ما دام العطاء والمنع من الله فلماذا يبخل البخلاء ويقتر المقترون؟ إن على الغني أن يستشعر نعمة الله عليه وأن يتحدث بها بدون رياء وأن ينفق منها في وجوه الخير حتى يزيده الله من فضله ، وإلا ففي قدرة الله أن يسليها منه ، ويحاسبه على بخله حسابا عسيراً .هذه بعض وجوه المبالغة التي اشتملت عليها الآية لحض الناس على الإِنفاق في الجهاد وفي وجوه الخير ، ولقد استجاب السف الصالح لهذه التوجيهات ، وحكى لنا التاريخ أمثلة كريمة من سخائهم وبذلهم .ومن خير الأمثلة على ذلك ما جاء عن عبد الله بن مسعود قال : " لما نزلت : ( مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً ) " قال أبو الدحداح : يا رسول الله أو إن الله - تعالى - يريد منا القرض؟ " قال نعم يا أبا الدحداح " قال أرني يدك . فناوله النبي صلى الله عليه وسلم يده . فقال أبو الدحداح : فإني أقرضت الله - تعالى - حائطا فيه ستمائة نخلة . ثم جاء يمشي حتى أتى الحائط وأم الدحداح فيه وعياله ، فناداها : يا أم الدحداح ، قالت : لبيك قال : أخرجي قد أقرضت ربي حائطاً فيه ستمائة نخلة " .وفي رواية لزيد بن اسلم " أن أبا الدحداح قال للنبي صلى الله عليه وسلم إن لي حديقتين إحداهما بالسافلة والأخرى بالعالية والله لا أملك غيرهما قد جعلتهما قرضا لله - تعالى - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اجعل إحداهما والأخرى دعها معيشة لك ولعيالك " قال : فأشهدك يا رسول أني قد جعلت خيرهما لله وهو حائط فيه ستمائة نخلة . قال : " إذا يجزيك الله به الجنة ، ثم انطلق أبو الدحداح إلى زوجته وهي مع صبيانها في الحديثة تدور تحت النخل فأخبرها بما فعل . فأقبلت على صبيانها تخرج ما في أفواههم وتنفض ما في أكمامهم حتى أفضت إلى الحائط الآخر " .وبهذا نرى السلف الصالح قد امتثل ما أمره الله به من إنفاق في سبيله ومن جهاد لإِعلاء كلمته فهل آن الأوان للمسلمين أن ينهجوا نهجهم لكي يسعدوا كما سعدوا ، وينالوا أشرف حياة وأعزها؟ اللهم خذ بيدنا إلى ما يرضيك .ثم ساق القرآن قصة من قصص بني إسرائيل مع أنبيائهم ، فيها العظات والعبر ، وملخص هذه القصة : أن قوما من بني إسرائيل كانوا قد انهزموا أمام أعدائهم هزيمة منكرة جعلتهم يولون الأدبار تاركين ديارهم وأبناءهم ، فقالوا لنبي لهم بعد أن ذاوا مرارة الهزيمة : أبعث لنا مالكا يقودنا للقتال في سبيل الله ، ففال لهم نبيهم بعد أن حذرهم من عاقبة الجبن والكذب : اختاره الله قائدا لهم ، ولكن نبيهم ساق لهم من الحجج التي تدل على صلاحية طالوت لهذا المنصب ما أخرس ألسنتهم . . ثم سار طالوت بجنوده لقتال أعدائه ، وفي الطريق قال لمن معه ( إِنَّ الله مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مني إِلاَّ مَنِ اغترف غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ ) ثم بعد هذه المخالفة جبن أكثرهم عن قتال أعدائهم وقالوا ( لاَ طَاقَةَ لَنَا اليوم بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ ) ولكن الفئة القليلة المؤمنة منهم استطاعت أن تنتصر على كل عقبة في طريقها ، وأن تقاتل أعداءها بشجاعة وصبر واعتماد على الله ، فكانت النتيجة أن انتصرت الفئة القليلة المؤمنة بقيادة طالتوت على الفئة الكثيرة الكافرة بقيادة جالوت . هذا تلخيص لتلك القصة العامرة بالعظات ، ولعل من الخير قبل أن نبدأ في تفسير آياتها أن نقرأها بتدبر وتأمل كما صورها القرآن بأسلوبه البليغ المؤثر .قال - تعالى - :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الملإ مِن بني إِسْرَائِيلَ . . . )
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
قوله تعالى : ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ) القرض اسم لكل ما يعطيه الإنسان ليجازى عليه فسمى الله تعالى عمل المؤمنين له على رجاء ما وعدهم من الثواب قرضا لأنهم يعملونه لطلب ثوابه قال الكسائي : القرض ما أسلفت من عمل صالح أو سيئ وأصل القرض في اللغة القطع سمي به القرض لأنه يقطع من ماله شيئا يعطيه ليرجع إليه مثله وقيل في الآية اختصار مجازه : من ذا الذي يقرض عباد الله والمحتاجين من خلقه كقوله تعالى : " إن الذين يؤذون الله ورسوله " ( 57 - الأحزاب ) أي يؤذون عباد الله كما جاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى يقول يوم القيامة : يابن آدم استطعمتك فلم تطعمني قال : يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال : استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي " .قوله تعالى : ( يقرض الله ) أي ينفق في طاعة الله ( قرضا حسنا ) قال الحسين بن علي الواقدي : يعني محتسبا طيبة بها نفسه وقال ابن المبارك : من مال حلال وقيل لا يمن به ولا يؤذي ( فيضاعفه له ) قرأ ابن كثير وأبو جعفر وابن عامر ويعقوب " فيضعفه " وبابه بالتشديد ووافق أبو عمرو في سورة الأحزاب وقرأ الآخرون " فيضاعفه " بالألف مخففا وهما لغتان ودليل التشديد قوله ( أضعافا كثيرة ) لأن التشديد للتكثير وقرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب بنصب الفاء وكذلك في سورة الحديد على جواب الاستفهام وقيل بإضمار أن وقرأ الآخرون برفع الفاء نسقا على قوله : يقرض ( أضعافا كثيرة ) قال السدي هذا التضعيف لا يعلمه إلا الله عز وجل وقيل سبعمائة ضعف ( والله يقبض ويبسط ) قرأ أهل البصرة وحمزة يبسط هاهنا وفي الأعراف بسطة بالسين كنظائرهما وقرأهما الآخرون بالصاد قيل يقبض بإمساك الرزق والنفس والتقتير ويبسط بالتوسيع وقيل يقبض بقبول التوبة والصدقة ويبسط بالخلف والثواب وقيل هو الإحياء والإماتة فمن أماته فقد قبضه ومن مد له في عمره فقد بسط له وقيل هذا في القلوب لما أمرهم الله تعالى بالصدقة أخبر أنهم لا يمكنهم ذلك إلا بتوفيقه قال : يقبض بعض القلوب فلا ينشط بخير ويبسط بعضها فيقدم لنفسه خيرا كما جاء في الحديث " القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها الله كيف يشاء " الحديث .( وإليه ترجعون ) أي إلى الله تعودون فيجزيكم بأعمالكم وقال قتادة : الهاء راجعة إلى التراب كناية عن غير مذكور أي من التراب خلقهم وإليه يعودون .