تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
وقال لهم نبيهم: إن علامة ملكه أن يأتيكم الصندوق الذي فيه التوراة -وكان أعداؤهم قد انتزعوه منهم- فيه طمأنينة من ربكم تثبت قلوب المخلصين، وفيه بقية من بعض أشياء تركها آل موسى وآل هارون، مثل العصا وفُتات الألواح تحمله الملائكة. إن في ذلك لأعظم برهان لكم على اختيار طالوت ملكًا عليكم بأمر الله، إن كنتم مصدقين بالله ورسله.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
«وقال لهم نبيهم» لما طلبوا منه آية على ملكه «إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت» الصندوق كان فيه صور الأنبياء أنزله الله على آدم واستمر إليهم فغلبهم العمالقة عليه وأخذوه وكانوا يستفتحون به على عدوهم ويقدمونه في القتال ويسكنون إليه كما قال تعالى «فيه سكينة» طمأنينة لقلوبكم «من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون» أي تركاه هما، وهي نعلا موسى وعصاه وعمامة هارون وقفيز من المن الذي كان ينزل عليهم ورضاض من الألواح «تحمله الملائكة» حال من فاعل يأتيكم «إن في ذلك لآية لكم» على ملكه «إن كنتم مؤمنين» فحملته الملائكة بين السماء والأرض وهم ينظرون إليه حتى وضعته عند طالوت فأقروا بملكه وتسارعوا إلى الجهاد فاختار من شبابهم سبعين ألفاً.
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
قوله تعالى : وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين قوله تعالى : وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت أي إتيان التابوت ، والتابوت كان من شأنه فيما ذكر أنه أنزله الله على آدم عليه السلام ، فكان عنده إلى أن وصل إلى يعقوب عليه السلام ، فكان في بني إسرائيل يغلبون به من قاتلهم حتى عصوا فغلبوا على التابوت غلبهم عليه العمالقة : جالوت وأصحابه في قول السدي ، وسلبوا التابوت منهم .قلت : وهذا أدل دليل على أن العصيان سبب الخذلان ، وهذا بين . قال النحاس : والآية [ ص: 226 ] في التابوت على ما روي أنه كان يسمع فيه أنين ، فإذا سمعوا ذلك ساروا لحربهم ، وإذا هدأ الأنين لم يسيروا ولم يسر التابوت . وقيل : كانوا يضعونه في مأزق الحرب فلا تزال تغلب حتى عصوا فغلبوا وأخذ منهم التابوت وذل أمرهم ، فلما رأوا آية الاصطلام وذهاب الذكر ، أنف بعضهم وتكلموا في أمرهم حتى اجتمع ملؤهم أن قالوا لنبي الوقت : ابعث لنا ملكا ، فلما قال لهم : ملككم طالوت راجعوه فيه كما أخبر الله عنهم ، فلما قطعهم بالحجة سألوه البينة على ذلك ، في قول الطبري . فلما سألوا نبيهم البينة على ما قال ، دعا ربه فنزل بالقوم الذين أخذوا التابوت داء بسببه ، على خلاف في ذلك . قيل : وضعوه في كنيسة لهم فيها أصنام فكانت الأصنام تصبح منكوسة . وقيل : وضعوه في بيت أصنامهم تحت الصنم الكبير فأصبحوا وهو فوق الصنم ، فأخذوه وشدوه إلى رجليه فأصبحوا وقد قطعت يدا الصنم ورجلاه وألقيت تحت التابوت ، فأخذوه وجعلوه في قرية قوم فأصاب أولئك القوم أوجاع في أعناقهم . وقيل : جعلوه في مخرأة قوم فكانوا يصيبهم الباسور ، فلما عظم بلاؤهم كيفما كان ، قالوا : ما هذا إلا لهذا التابوت فلنرده إلى بني إسرائيل فوضعوه على عجلة بين ثورين وأرسلوهما في الأرض نحو بلاد بني إسرائيل ، وبعث الله ملائكة تسوق البقرتين حتى دخلتا على بني إسرائيل ، وهم في أمر طالوت فأيقنوا بالنصر ، وهذا هو حمل الملائكة للتابوت في هذه الرواية . وروي أن الملائكة جاءت به تحمله وكان يوشع بن نون قد جعله في البرية ، فروي أنهم رأوا التابوت في الهواء حتى نزل بينهم ، قاله الربيع بن خيثم . وقال وهب بن منبه : كان قدر التابوت نحوا من ثلاثة أذرع في ذراعين . الكلبي : وكان من عود شمسار الذي يتخذ منه الأمشاط . وقرأ زيد بن ثابت " التابوه " وهي لغته ، والناس على قراءته بالتاء وقد تقدم . وروي عنه " التيبوت " ذكره النحاس . وقرأ حميد بن قيس " يحمله " بالياء .قوله تعالى : فيه سكينة من ربكم اختلف الناس في السكينة والبقية ، فالسكينة فعيلة مأخوذة من السكون والوقار والطمأنينة . فقوله : " فيه سكينة " أي هو سبب سكون قلوبكم فيما اختلفتم فيه من أمر طالوت ، ونظيره " فأنزل الله سكينته عليه " ؛ أي أنزل عليه ما سكن به قلبه . وقيل : أراد أن التابوت كان سبب سكون قلوبهم ، فأينما كانوا سكنوا إليه ولم يفروا من التابوت إذا كان معهم في الحرب . وقال وهب بن منبه : السكينة روح من الله تتكلم ، [ ص: 227 ] فكانوا إذا اختلفوا في أمر نطقت ببيان ما يريدون ، وإذا صاحت في الحرب كان الظفر لهم . وقال علي بن أبي طالب : هي ريح هفافة لها وجه كوجه الإنسان . وروي عنه أنه قال : هي ريح خجوج لها رأسان . وقال مجاهد : حيوان كالهر له جناحان وذنب ولعينيه شعاع ، فإذا نظر إلى الجيش انهزم . وقال ابن عباس : طست من ذهب من الجنة ، كان يغسل فيه قلوب الأنبياء ، وقاله السدي . وقال ابن عطية : والصحيح أن التابوت كانت فيه أشياء فاضلة من بقايا الأنبياء وآثارهم ، فكانت النفوس تسكن إلى ذلك وتأنس به وتقوى .قلت : وفي صحيح مسلم عن البراء قال : كان رجل يقرأ سورة " الكهف " وعنده فرس مربوط بشطنين فتغشته سحابة فجعلت تدور وتدنو وجعل فرسه ينفر منها ، فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال : تلك السكينة تنزلت للقرآن . وفي حديث أبي سعيد الخدري : أن أسيد بن الحضير بينما هو ليلة يقرأ في مربده . الحديث ، وفيه : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تلك الملائكة كانت تستمع لك ولو قرأت لأصبحت يراها الناس ما تستتر منهم خرجه البخاري ومسلم . فأخبر صلى الله عليه وسلم عن نزول السكينة مرة ، ومرة عن نزول الملائكة ، فدل على أن السكينة كانت في تلك الظلة ، وأنها تنزل أبدا مع الملائكة . وفي هذا حجة لمن قال إن السكينة روح أو شيء له روح لأنه لا يصح استماع القرآن إلا لمن يعقل ، والله أعلم .قوله تعالى : ( وبقية ) اختلف في البقية على أقوال ، فقيل : عصا موسى وعصا هارون ورضاض الألواح ؛ لأنها انكسرت حين ألقاها موسى ، قاله ابن عباس . زاد عكرمة : التوراة . وقال أبو صالح : البقية : عصا موسى وثيابه وثياب هارون ولوحان من التوراة . [ ص: 228 ] وقال عطية بن سعد : وهي عصا موسى وعصا هارون وثيابهما ورضاض الألواح . وقال الثوري : من الناس من يقول : البقية قفيزا من في طست من ذهب وعصا موسى وعمامة هارون ورضاض الألواح . ومنهم من يقول : العصا والنعلان . ومعنى هذا ما روي من أن موسى لما جاء قومه بالألواح فوجدهم قد عبدوا العجل ، ألقى الألواح غضبا فتكسرت ، فنزع منها ما كان صحيحا وأخذ رضاض ما تكسر فجعله في التابوت . وقال الضحاك : البقية : الجهاد وقتال الأعداء . قال ابن عطية : أي الأمر بذلك في التابوت ، إما أنه مكتوب فيه ، وإما أن نفس الإتيان به هو كالأمر بذلك ، وأسند الترك إلى آل موسى وآل هارون من حيث كان الأمر مندرجا من قوم إلى قوم وكلهم آل موسى وآل هارون . وآل الرجل قرابته . وقد تقدم .
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
أراد نبيئهم أن يتحداهم بمعجزة تدل على أن الله تعالى اختار لهم شاوول ملكاً ، فجعل لهم آية تدل على ذلك وهي أن يأتيهم التابوت ، أي تابوت العهد ، بعد أن كان في يد الفلسطينيين كما تقدم ، وهذا إشارة إلى قصة تيسير الله تعالى إرجاع التابوت إلى بني إسرائيل بدون قتال ، وذلك أن الفلسطينيين أرجعوا التابوت إلى بني إسرائيل في قصة ذكرت في سفر صمويل ، حاصلها أن التابوت بقي سبعة أشهر في بلاد فلسطين موضوعاً في بيت صنمهم داجون ورأى الفلسطينيون آيات من سقوط صنمهم على وجهه ، وانكسار يديه ورأسه ، وإصابتهم بالبواسير في أشدود وتخومها ، وسلطت عليهم الجرذان تفسد الزروع ، فلما رأوا ذلك استشاروا الكهنة ، فأشاروا عليهم بإلهام من الله بإرجاعه إلى إسرائيل لأن إله إسرائيل قد غضب لتابوته وأن يرجعوه مصحوباً بهدية : صورة خمس بواسير من ذهب ، وصورة خمس فيران من ذهب ، على عدد مدن الفلسطينيين العظيمة : أشدود ، وغزة ، واشقلون ، وجت ، وعفرون . ويوضع التابوت على عجلة جديدة تجرها بقرتان ومعه صندوق به التماثيل الذهبية ، ويطلقون البقرتين تذهبان بإلهام إلى أرض إسرائيل ، ففعلوا واهتدت البقرتان إلى أن بلغ التابوت والصندوق إلى يد اللاويين في تخم بيت شمس ، هكذا وقع في سفر صمويل غير أن ظاهر سياقه أن رجوع التابوت إليهم كان قبل تمليك شاوول ، وصريح القرآن يخالف ذلك ، ويمكن تأويل كلام السفر بما يوافق هذا بأن تحمل الحوادث على غير ترتيبها في الذكر ، وهو كثير في كتابهم . والذي يظهر لي أن الفلسطينيين لما علموا اتحاد الإسرائيليين تحت ملك علموا أنهم ما أجمعوا أمرهم إلاّ لقصد أخذ الثأر من أعدائهم وتخليص تابوت العهد من أيديهم ، فدبروا أن يظهروا إرجاع التابوت بسبب آيات شاهدوها ، ظناً منهم أن حدة بني إسرائيل تفل إذا أرجع إليهم التابوت بالكيفية المذكورة آنفاً ، ولا يمكن أن يكون هذا الرعب حصل لهم قبل تمليك شاول ، وابتداء ظهور الانتصار به .والتابوت اسم عجمي معرب فوزنه فاعول ، وهذا الوزن قليل في الأسماء العربية ، فيدل على أن ما كان على وزنه إنما هو معرب مثل ناقوس وناموس ، واستظهر الزمخشري أن وزنه فعلول بتحريك العين لقلة الأسماء التي فاؤها ولامها حرفان متحدان : مثل سلس وقلق ، ومن أجل هذا أثبته الجوهري في مادة توب لا في تبت .والتابوت بمعنى الصندوق المستطيل : وهو صندوق أمر موسى عليه السلام بصنعه صنعه بصلئيل الملهم في صناعة الذهب والفضة والنحاس ونجارة الخشب ، فصنعه من خشب السنط وهو شجرة من صنف القرظ وجعل طوله ذراعين ونصفاً وعرضه ذراعاً ونصفاً وارتفاعه ذراعاً ونصفاً ، وغشاه بذهب من داخل ومن خارج ، وصنع له إكليلاً من ذهب ، وسبك له أربع حلق من ذهب على قوائمه الأربع ، وجعل له عصوين من خشب مغشاتين بذهب لتدخل في الحلقات لحمل التابوت ، وجعل غطاءه من ذهب ، وجعل على طريق الغطاء صورة تخيل بها اثنين من الملائكة من ذهب باسطين أجنحتهما فوق الغطاء ، وأمر الله موسى أن يضع في هذا التابوت لوحي الشهادة اللذين أعطاه الله إياهما وهي الألواح التي ذكرها الله في قوله :{ ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح } [ الأعراف : 154 ] .والسكينة فعيلة بمعنى الاطمئنان والهدوء ، وفي حديث السعي إلى الصلاة «عليكم بالسكينة» وذلك أن من بركة التابوت أنه إذا كان بينهم في حرب أو سلم كانت نفوسهم واثقة بحسن المنقلب ، وفيه أيضاً كتب موسى عليه السلام ، وهي مما تسكن لرؤيتها نفوس الأمة وتطمئن لأحكامها ، فالظرفية على الأول مجازية ، وعلى الثاني حقيقية ، وورد في حديث أسيد بن حضير إطلاق السكينة على شيء شبه الغمام ينزل من السماء عند قراءة القرآن ، فلعلها ملائكة يسمون بالسكينة .والبقية في الأصل ما يفضل من شيء بعد انقضاء معظمه ، وقد بينت هنا بأنها مما ترك آل موسى وآل هارون ، وهي بقايا من آثار الألواح ، ومن الثياب التي ألبسها موسى أخاه هارون ، حين جعله الكاهن لبني إسرائيل ، والحافظ لأمور الدين ، وشعائر العبادة قيل : ومن ذلك عصا موسى . ويجوز أن تكون البقية مجازاً عن النفيس من الأشياء؛ لأن الناس إنما يحافظون ، على النفائس فتبقى كما قال النابغة: ... بَقِيَّةٌ قدْر من قُدور تُوُورِثَتْلآل الجُلاح كابرا بعد كابر ... وقد فسر بهذا المعنى قول رويشد الطائي: ... إنْ تُذنبوا ثم تأتيني بقيتكمفما عليَّ بذنب منكمُ فَوْت ... أي تأتيني الجماعة الذين ترجعون إليهم في مهامكم ، وقريب منه إطلاق التليد على القديم من المال الموروث .والمراد من آل موسى وآل هارون أهل بيتهما من أبناء هارون؛ فإنهم عصبة موسى؛ لأن موسى لم يترك أولاداً ، أو ما تركه آلهما هو آثارهما ، فيئول إلى معنى ما ترك موسى وهارون وآلهما ، أو أراد مما ترك موسى وهارون فلفظ آل مقحم كما في قوله { ادخلوا آل فرعون أشد العذاب } [ غافر : 46 ] .وهارون هو أخو موسى عليهما السلام وهو هارون بن عمران من سبط لاوي ولد قبل أن يأمر فرعون بقتل أطفال بني إسرائيل وهو أكبر من موسى ، ولما كلم الله موسى بالرسالة أعلمه بأنه سيشرك معه أخاه هارون فيكون كالوزير له ، وأوحى إلى هارون أيضاً ، وكان موسى هو الرسول الأعظم ، وكان معظم وحي الله إلى هارون على لسان موسى ، وقد جعل الله هارون أول كاهن لبني إسرائيل لما أقام لهم خدمة خيمة العبادة ، وجعل الكهانة في نسله ، فهم يختصون بأحكام لا تشاركهم فيها بقية الأمة ، منها تحريم الخمر على الكاهن ، ومات هارون سنة ثمان أو سبع وخمسين وأربعمائة وألف قبل المسيح ، في جبل هور على تخوم أرض أدوم في مدة التيه في السنة الثالثة من الخروج من مصر .وقوله : { تحمله الملائكة } حال من ( التابوت ) ، والحمل هنا هو الترحيل كما في قوله تعالى : { قلت لا أجد ما أحملكم عليه } [ التوبة : 92 ] لأن الراحلة تحمل راكبها؛ ولذلك تسمى حمولة وفي حديث غزوة خيبر : « وكانت الحمر حمولتهم » وقال النابغة: ... يُخَال به راعي الحَمُولة طَائرافمعنى حمل الملائكة التابوت هو تسييرهم بإذن الله البقرتين السائرتين بالعجلة التي عليها التابوت إلى محلة بني إسرائيل ، من غير أن يسبق لهما إلف بالسير إلى تلك الجهة ، هذا هو الملاقى لما في كتب بني إسرائيل .وقوله : { إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين } الإشارة إلى جميع الحالة أي في رجوع التابوت من يد أعدائكم إليكم ، بدون قتال ، وفيما يشتمل عليه التابوت من آثار موسى عليه السلام ، وفي مجيئه من غير سائق ولا إلف سابق .
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
ثم حكى القرآن أن نبيهم لم يكتف بهذه الدلائل الدالة على صلاحية طالوت للقيادة ، وإنما ساق لهم بعد ذلك من العلامات التي تشهد بحقيته بهذا المنصب ما يثبت قلوبهم ، ويزيل شكهم ويشرح نفوسهم فقال - تعالى - :( وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن . . . )التابوت : " يوزن فعلوت - من التوب وهو الرجوع ، وتاؤه مزيدة لغير التأنيث كجبروت ، والمراد به صندوق التوراة وكانوا إذا حاربوا حملة جماعة منهم ويتقدمون به أمام الجيش فيكون ذلك سبب نصرهم . وكان عهدهم به قد طال فذكرهم بمآثره ترغيباً فيه وحملا على الانقياد لطالوت "والسكينة : من السكون وهو ثبوت الشيء بعد التحرك : أو من السكن - بالتحريك - وهو كل شيء سكنت إليه النفس وهدأت .والمعنى : وقال لهم نبيهم ليقنعهم بأن طالوت جدير بالملك ( إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ ) أي علامة ملكه وأنه من الله - تعالى - ( أَن يَأْتِيَكُمُ التابوت ) أي أن يرد عليكم التابوت الذي سلب منكم ( فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ ) أي في إتيانه سكون لنفوسكم وطمأنينة لها أو مودع فيه ما تسكنون إليه وهو التوراة ( وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ موسى وَآلُ هَارُونَ ) من آثار تعتزون بها ، وترون فيها صلة بين ماضيكم وحاضركم وقوله ( تَحْمِلُهُ الملائكة ) حال من التابوت .قال صاحب الكشاف : قوله : ( وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ موسى وَآلُ هَارُونَ ) هي رضاض الأولواح وعصا موسى وثيابه وشيء من التوراة . وكان رفعه الله - تعالى - بعد موسى - عليه السلام - فنزلت به الملائكة تحمله وهم ينظرون إليه ، فكان ذلك آية لاصطفائه لطالوت . فإن قلت : من هم ( آل موسى وآل هارون ) . قلت : الأنبياء من بني يعقوب بعدهما ، ويجوز أن يراد مما تركه موسى وهارون والآل مقحم لتفخيم شأنهما .وقال ابن كثير : قال ابن عباس : جاءت الملائكة تحمل التابوت بين السماء والأرض حتى وضعته بين يدي طالوت والناس ينظرون .ثم ختم - سبحانه - الآية بقوله : ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ ) أي : إن في ذلك الذي أتاكم به طالوت الآية عظيمة وعلامة ظاهرة لكم تدل على أحقية طالوت بالملك والقيادة إن كنتم مؤمنين بآيات الله وبالحق الذي جاء به أنبياؤه .وبذلك نرى أن القرآن الكريم قد حكى لنا أن هؤلاء القوم من بني إسرائيل قد جاءهم نبيهم بأنصع الحجج ، وأوضح الأدلة ، وأثبت البراهين التي تؤيده فيما يدعوهم إليه .
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت ) وكانت قصة التابوت أن الله تعالى أنزل تابوتا على آدم فيه صورة الأنبياء عليهم السلام وكان من عود الشمشاذ نحوا من ثلاثة أذرع في ذراعين فكان عند آدم إلى أن مات ثم بعد ذلك عند شيث ثم توارثها أولاد آدم إلى أن بلغ إبراهيم ثم كان عند إسماعيل لأنه كان أكبر ولده ثم عند يعقوب ثم كان في بني إسرائيل إلى أن وصل إلى موسى فكان موسى يضع فيه التوراة ومتاعا من متاعه فكان عنده إلى أن مات موسى عليه السلام ثم تداولته أنبياء بني إسرائيل إلى وقت إشمويل وكان فيه ذكر الله تعالى ( فيه سكينة من ربكم ) اختلفوا في السكينة ما هي؟ قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ريح خجوج هفافة لها رأسان ووجه كوجه الإنسان وعن مجاهد : شيء يشبه الهرة له رأس كرأس الهرة وذنب كذنب الهرة وله جناحان ، وقيل له عينان لهما شعاع وجناحان من زمرد وزبرجد فكانوا إذا سمعوا صوته تيقنوا بالنصر وكانوا إذا خرجوا وضعوا التابوت قدامهم فإذا سار ساروا وإذا وقف وقفوا .وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : هي طست من ذهب من الجنة كان يغسل فيه قلوب الأنبياء وعن وهب بن منبه قال : هي روح من الله يتكلم إذا اختلفوا في شيء تخبرهم ببيان ما يريدون ، وقال عطاء بن أبي رباح : هي ما يعرفون من الآيات فيسكنون إليها وقال قتادة والكلبي : السكينة فعيلة من السكون أي طمأنينة من ربكم ففي أي مكان كان التابوت اطمأنوا إليه وسكنوا ( وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون ) يعني موسى وهارون أنفسهما كان فيه لوحان من التوراة ورضاض الألواح التي تكسرت وكان فيه عصا موسى ونعلاه وعمامة هارون وعصاه وقفيز من المن الذي كان ينزل على بني إسرائيل ، فكان التابوت عند بني إسرائيل وكانوا إذا اختلفوا في شيء تكلم وحكم بينهم وإذا حضروا القتال قدموه بين أيديهم فيستفتحون به على عدوهم فلما عصوا وفسدوا سلط الله عليهم العمالقة فغلبوهم على التابوت .وكان السبب في ذلك أنه كان لعيلى العالم الذي ربى إشمويل عليه السلام ابنان شابان وكان عيلى حبرهم وصاحب قربانهم فأحدث ابناه في القربان شيئا لم يكن فيه وذلك أنه كان لعيلى منوط القربان الذي كانوا ينوطونه به كلابين فما أخرجا كان للكاهن الذي ينوطه فجعل ابناه كلاليب وكان النساء يصلين في بيت المقدس فيتشبثان بهن فأوحى الله تعالى إلى إشمويل عليه السلام : انطلق إلى عيلى فقل له منعك حب الولد من أن تزجر ابنيك عن أن يحدثا في قرباني وقدسي وأن يعصياني فلأنزعن الكهانة منك ومن ولدك ولأهلكنك وإياهم فأخبر إشمويل عيلى بذلك ففزع فزعا شديدا فسار إليهم عدو ممن حولهم فأمر ابنيه أن يخرجا بالناس فيقاتلا ذلك العدو فخرجا وأخرجا معهما التابوت فلما تهيئوا للقتال جعل عيلى يتوقع الخبر ماذا صنعوا؟ فجاءه رجل وهو قاعد على كرسيه وأخبره أن الناس قد انهزموا وأن ابنيك قد قتلا قال : فما فعل التابوت؟ قال ذهب به العدو فشهق ووقع على قفاه من كرسيه ومات فمرج أمر بني إسرائيل وتفرقوا إلى أن بعث الله طالوت ملكا فسألوه البينة فقال لهم نبيهم : إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت .وكانت قصة التابوت أن الذين سبوا التابوت أتوا به قرية من قرى فلسطين يقال لها ازدود وجعلوه في بيت صنم لهم ووضعوه تحت الصنم الأعظم فأصبحوا من الغد والصنم تحته فأخذوه ووضعوه فوقه وسمروا قدمي الصنم على التابوت فأصبحوا وقد قطعت يد الصنم ورجلاه وأصبح ملقى تحت التابوت وأصبحت أصنامهم منكسة فأخرجوه من بيت الصنم ووضعوه في ناحية من مدينتهم فأخذ أهل تلك الناحية وجع في أعناقهم حتى هلك أكثرهم فقال بعضهم لبعض : أليس قد علمتم أن إله بني إسرائيل لا يقوم له شيء فأخرجوه إلى قرية كذا فبعث الله على أهل تلك القرية فأرا فكانت الفأرة تبيت مع الرجل فيصبح ميتا قد أكلت ما في جوفه فأخرجوه إلى الصحراء فدفنوه في مخرأة لهم فكان كل من تبرز هناك أخذه الباسور والقولنج فتحيروا فقالت لهم امرأة كانت عندهم من سبي بني إسرائيل من أولاد الأنبياء : لا تزالون ترون ما تكرهون ما دام هذا التابوت فيكم فأخرجوه عنكم فأتوا بعجلة بإشارة تلك المرأة وحملوا عليها التابوت ثم علقوها على ثورين وضربوا جنوبهما فأقبل الثوران يسيران ووكل الله تعالى بهما أربعة من الملائكة يسوقونهما فأقبلا حتى وقفا على أرض بني إسرائيل فكسرا نيريهما وقطعا حبالهما ووضعا التابوت في أرض فيها حصاد بني إسرائيل ورجعا إلى أرضهما فلم يرع بني إسرائيل إلا بالتابوت فكبروا وحمدوا الله فذلك قوله تعالى ( تحمله الملائكة ) أي تسوقه وقال ابن عباس رضي الله عنهما : جاءت الملائكة بالتابوت تحمله بين السماء والأرض وهم ينظرون إليه حتى وضعته عند طالوت وقال الحسن : كان التابوت مع الملائكة في السماء فلما ولي طالوت الملك حملته الملائكة ووضعته بينهم وقال قتادة بل كان التابوت في التيه خلفه موسى عند يوشع بن نون فبقي هناك فحملته الملائكة حتى وضعته في دار طالوت فأقروا بملكه ( إن في ذلك لآية ) لعبرة ( لكم إن كنتم مؤمنين ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : إن التابوت وعصا موسى في بحيرة طبرية وأنهما يخرجان قبل يوم القيامة .