تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
يا من آمنتم بالله وصدَّقتم رسوله وعملتم بهديه أخرجوا الزكاة المفروضة، وتصدَّقوا مما أعطاكم الله قبل مجيء يوم القيامة حين لا بيع فيكون ربح، ولا مال تفتدون به أنفسكم مِن عذاب الله، ولا صداقة صديق تُنقذكم، ولا شافع يملك تخفيف العذاب عنكم. والكافرون هم الظالمون المتجاوزون حدود الله.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
«يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم» زكاته «من قبل أن يأتي يوم لا بيْعٌ» فداء «فيه ولا خُلَّة» صداقة تنفع «ولا شَفَاعَةَ» بغير إذنه وهو يوم القيامة وفي قراءة برفع الثلاثة «والكافرون» بالله أو بما فرض عليهم «هم الظالمون» لوضعهم أمر الله في غير محله.
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمونقال الحسن : هي الزكاة المفروضة . وقال ابن جريج وسعيد بن جبير : هذه الآية تجمع الزكاة المفروضة والتطوع . قال ابن عطية . وهذا صحيح ، ولكن ما تقدم من الآيات في ذكر القتال وأن الله يدفع بالمؤمنين في صدور الكافرين يترجح منه أن هذا الندب إنما هو في سبيل الله ، ويقوي ذلك في آخر الآية قوله : والكافرون هم الظالمون أي فكافحوهم بالقتال بالأنفس وإنفاق الأموال .قلت : وعلى هذا التأويل يكون إنفاق الأموال مرة واجبا ومرة ندبا بحسب تعين الجهاد وعدم تعينه . وأمر تعالى عباده بالإنفاق مما رزقهم الله وأنعم به عليهم وحذرهم من الإمساك إلى أن يجيء يوم لا يمكن فيه بيع ولا شراء ولا استدراك نفقة ، كما قال : فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق . والخلة : خالص المودة ، مأخوذة من تخلل الأسرار بين الصديقين . والخلالة والخلالة والخلالة : الصداقة والمودة ، قال الشاعر : ( هو النابغة الجعدي )وكيف تواصل من أصبحت خلالته كأبي مرحبوأبو مرحب كنية الظل ، ويقال : هو كنية عرقوب الذي قيل فيه : مواعيد عرقوب . والخلة بالضم أيضا : ما خلا من النبت ، يقال : الخلة خبز الإبل والحمض فاكهتها . والخلة بالفتح : الحاجة والفقر . والخلة : ابن مخاض ، عن الأصمعي . يقال : أتاهم بقرص كأنه [ ص: 244 ] فرسن خلة . والأنثى خلة أيضا . ويقال للميت : اللهم أصلح خلته ، أي الثلمة التي ترك . والخلة : الخمرة الحامضة . والخلة ( بالكسر ) : واحدة خلل السيوف ، وهي بطائن كانت تغشى بها أجفان السيوف منقوشة بالذهب وغيره ، وهي أيضا سيور تلبس ظهر سيتي القوس . والخلة أيضا : ما يبقى بين الأسنان . وسيأتي في ( النساء ) اشتقاق الخليل ومعناه . فأخبر الله تعالى ألا خلة في الآخرة ولا شفاعة إلا بإذن الله . وحقيقتها رحمة منه تعالى شرف بها الذي أذن له في أن يشفع . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو " لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة " بالنصب من غير تنوين ، وكذلك في سورة ( إبراهيم ) " لا بيع فيه ولا خلال " وفي الطور " لا لغو فيها ولا تأثيم " وأنشد حسان بن ثابت :ألا طعان ولا فرسان عادية إلا تجشؤكم عند التنانيروألف الاستفهام غير مغيرة عمل " لا " كقولك : ألا رجل عندك ، ويجوز ألا رجل ولا امرأة كما جاز في غير الاستفهام فاعلمه . وقرأ الباقون جميع ذلك بالرفع والتنوين ، كما قال الراعي :وما صرمتك حتى قلت معلنة لا ناقة لي في هذا ولا جملويروى " وما هجرتك " فالفتح على النفي العام المستغرق لجميع الوجوه من ذلك الصنف ، كأنه جواب لمن قال : هل فيه من بيع ؟ فسأل سؤالا عاما فأجيب جوابا عاما بالنفي . و " لا " مع الاسم المنفي بمنزلة اسم واحد في موضع رفع بالابتداء ، والخبر " فيه " . وإن شئت جعلته صفة ليوم ، ومن رفع جعل " لا " بمنزلة ليس . وجعل الجواب غير عام ، وكأنه جواب من قال : هل فيه بيع ؟ بإسقاط من ، فأتى الجواب غير مغير عن رفعه ، والمرفوع مبتدأ أو اسم ليس و " فيه " الخبر . قال مكي : والاختيار الرفع ؛ لأن أكثر القراء عليه ، ويجوز في غير القرآن لا بيع فيه ولا خلة ، وأنشد سيبويه لرجل من مذحج :هذا لعمركم الصغار بعينه لا أم لي إن كان ذاك ولا أبويجوز أن تبني الأول وتنصب الثاني وتنونه فتقول : لا رجل فيه ولا امرأة ، وأنشد سيبويه :لا نسب اليوم ولا خلة اتسع الخرق على الراقع[ ص: 245 ] ف " لا " زائدة في الموضعين ، الأول عطف على الموضع والثاني على اللفظ ووجه خامس أن ترفع الأول وتبني الثاني كقولك : لا رجل فيها ولا امرأة ، قال أمية :فلا لغو ولا تأثيم فيها وما فاهوا به أبدا مقيموهذه الخمسة الأوجه جائزة في قولك : لا حول ولا قوة إلا بالله ، وقد تقدم هذا والحمد لله . ( والكافرون ) ابتداء . ( هم ) ابتداء ثان ، ( الظالمون ) خبر الثاني ، وإن شئت كانت " هم " زائدة للفصل و " الظالمون " خبر " الكافرون " . قال عطاء بن دينار : والحمد لله الذي قال : والكافرون هم الظالمون ولم يقل والظالمون هم الكافرون .
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
موقع هذه الآية مثل موقع { من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسنا } [ البقرة : 245 ] الآية لأنّه لما دعاهم إلى بذل نفوسهم للقتال في سبيل الله فقال : { وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أنّ الله سميع عليم } [ البقرة : 244 ] شفَّعَهُ بالدعوة إلى بذل المال في الجهاد بقوله : { من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة } [ البقرة : 245 ] على طريقة قوله : { وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله } [ الأنفال : 72 ] ، وكانت هذه الآية في قوة التذييل لآية { من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً } لأنّ صيغة هذه الآية أظهر في إرادة عموم الإنفاق المطلوب في الإسلام ، فالمراد بالإنفاق هنا ما هو أعم من الإنفاق في سبيل الله ، ولذلك حذف المفعول والمتعلق لقصد الانتقال إلى الأمر بالصدقات الواجبة وغيرها ، وستجيء آيات في تفصيل ذلك .وقوله : { مما رزقناكم } حث على الإنفاق واستحقاق فيه .وقوله : { من قبل أن يأتي يوم } حث آخر لأنه يذكر بأن هنالك وقتاً تنتهي الأعمال إليه ويتعذّر الاستدراك فيه ، واليوم هو يوم القيامة ، وانتفاء البيع والخلة والشفاعة كناية عن تعذّر التدارك للفائِت ، لأن المرء يحصل ما يعوزه بطرق هي المعاوضة المعبر عنها بالبيع ، والارتفاق من الغير وذلك بسبب الخلة ، أو بسبب توسط الواسطة إلى من ليس بخليل .والخلة بضم الخاء المودة والصحبة ، ويجوز كسر الخاء ولم يقرأ به أحد ، وتطلق الخلة بالضم على الصديق تسمية بالمصدر فيستوي فيه الواحد وغيره والمذكر وغيره قال الحماسي: ... ألاَ أبلِغَا خُلَّتي راشِداوصنوي قديماً إذا ما اتصل ... وقال كعب : أكرِم بها خُلةً ، البيت .فيجوز أن يراد هنا بالخلة المودة ، ونفي المودة في ذلك لِحصول أثرها وهو الدّفع عن الخليل كقوله تعالى : { واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً } [ لقمان : 33 ] ، ويجوز أن يكون نفي الخليل كناية عن نفي لازمه وهو النفع كقوله : { يوم لا ينفع مال ولا بنون } [ الشعراء : 88 ] ، قال كعب بن زهير: ... وقَال كل خليل كنت آمُلُهلا ألهِيَنَّك إني عنك مشغول ... وقرأ الجمهور { لا بيع فيه } وما بعده بالرفع لأنّ المراد بالبيع والخلة والشفاعة الأجناس لا محالة ، إذ هي من أسماء المعاني التي لا آحاد لها في الخارج فهي أسماء أجناس لا نكرات ، ولذلك لا يحتمل نفيها إرادة نفي الواحد حتى يحتاج عند قصد التنصيص على إرادة نفي الجنس إلى بناء الاسم على الفتح ، بخلاف نحو لا رجلَ في الدار ولا إلَه إلا الله ، ولهذا جاءت الرواية في قول إحدى صواحب أم زرع «زوجي كلَيْللِ تِهَامَهْ لا حَرٌّ ولا قُرٌّ ولا مَخَافَةٌ ولا سآمهْ» بالرفع لا غير ، لأنّها أسماء أجناس كما في هذه الآية . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب بالفتح لنفي الجنس نصّاً فالقراءتان متساويتان معنى ، ومن التكلّف هنا قول البيضاوي إنّ وجه قراءة الرفع وقوع النفي في تقدير جواب لسؤال قائل هل بيعٌ فيه أو خلّة أو شفاعة .والشفاعة الوساطة في طلب النافع ، والسعي إلى من يراد استحقاق رضاه على مغضوب منه عليه أو إزالة وحشة أو بغضاء بينهما ، فهي مشتقة من الشفع ضد الوتر ، يقال شفع كمنع إذا صيّر الشيء شفعاً ، وشفع أيضاً كمنع إذا سعى في الإرضاء ونحوه لأنّ المغضوب عليه والمحروم يبعد عن واصله فيصير وتراً فإذا سعى الشفيع بجلب المنفعة والرضا فقد أعادهما شفعاً ، فالشفاعة تقتضي مشفوعاً إليه ومشفوعاً فيه ، وهي في عرفهم لا يتصدّى لها إلاّ من يتحقّق قبول شفاعته ، ويقال شفع فلان عند فلان في فلان فشفَّعهُ فيه أي فقبل شفاعته ، وفي الحديث : «قالوا هذا جدير إن خطب بأن ينكح وإن شفع بأن يشفع» .وبهذا يظهر أنّ الشفاعة تكون في دفع المضرة وتكون في جلب المنفعة قال: ... فذاك فتًى إن تأته في صنيعةإلى ماله لا تأته بشفيع ... ومما جاء في منشور الخليفة القادر بالله للسلطان محمود بن سبكتكين الغزنوي «ولّيناك كورة خراسان ولقبناك يمين الدولة ، بشفاعة أبي حامد الإسفرائيني» ، أي بواسطته ورغبته .فالشفاعة في العرف تقتضي إدلال الشفيع عند المشفوع لديه ، ولهذا نفاها الله تعالى هنا بمعنى نفي استحقاق أحد من المخلوقات أن يكون شفيعاً عند الله بإدلال ، وأثبتها في آيات أخرى كقوله قريباً { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } [ البقرة : 255 ] وقوله : { ولا يشفعون إلاّ لمن ارتضى } [ الأنبياء : 28 ] ، وثبتت للرسول عليه السلام في أحاديث كثيرة وأشير إليها بقوله تعالى : { عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا } [ الإسراء : 79 ] وفسّرت الآية بذلك في الحديث الصحيح ، ولذلك كان من أصول اعتقادنا إثبات الشفاعة للنبيء صلى الله عليه وسلم وأنكرها المعتزلة وهم مخطئون في إنكارها وملبسون في استدلالهم ، والمسألة مبسوطة في كتب الكلام .والشفاعة المنفية هنا مراد بها الشفاعة التي لا يسع المشفوعَ إليه ردّها ، فلا يعارض ما ورد من شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة لأنّ تلك كرامة أكرمه الله تعالى بها وأذن له فيها إذ يقول : «اشفع تشفع» فهي ترجع إلى قوله تعالى : { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } [ البقرة : 255 ] وقوله : { ولا يشفعون إلاّ لمن ارتضى } [ الأنبياء : 28 ] وقوله : { ولا تنفع الشفاعة عنده إلاّ لمن أذن له } [ سبأ : 23 ] .وقوله : { والكافرون هم الظالمون } صيغة قصر نشأت عن قوله : { لا بيع فيه ولا خلّة ولا شفاعة } فدلّت على أن ذلك النفي تعريض وتهديد للمشركين فعقب بزيادة التغليظ عليهم والتنديد بأنّ ذلك التهديد والمهدّد به قد جلبوه لأنفسهم بمكابرتهم فما ظلمهم الله ، وهذا أشدّ وقعاً على المعاقب لأنّ المظلوم يجد لنفسه سلوّاً بأنّه معتدى عليه ، فالقصر قصر قلب ، بتنزيلهم منزلة من يعتقد أنّهم مظلومون .ولك أن تجعلَه قصراً حقيقياً ادّعائياً لأنّ ظلمهم لما كان أشدّ الظلم جعلوا كمن انحصر الظلم فيهم .والمراد بالكافرين ظاهراً المشركون ، وهذا من بدائع بلاغة القرآن ، فإنّ هذه الجملة صالحة أيضاً لتذييل الأمر بالإنفاق في سبيل الله ، لأنّ ذلك الإنفاق لقتال المشركين الذين بدأوا الدين بالمناوأة ، فهم الظالمون لا المؤمنون الذين يقاتلونهم لحماية الدين والذبّ عن حوزته . وذكر الكافرين في مقام التسجيل فيه تنزيه للمؤمنين عن أن يتركوا الإنفاق إذ لا يظنّ بهم ذلك ، فتركه والكفر متلازمان ، فالكافرون يظلمون أنفسهم ، والمؤمنون لا يظلمونها ، وهذا كقوله تعالى : { وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة } [ فصلت : 6 ، 7 ] ، وذلك أنّ القرآن يصوّر المؤمنين في أكمل مراتب الإيمان ويقابل حالهم بحال الكفار تغليظاً وتنزيهاً ، ومن هذه الآية وأمثالها اعتقد بعض فرق الإسلام أنّ المعاصي تبطل الإيمان كما قدّمناه .
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
ثم وجه القرآن نداء إلى المؤمنين أمرهم فيه ببذل أموالهم في سبيل الدفاع عن الحق ، حتى يكونوا أهلا لرضا الله ومثوبته .( ياأيها الذين . . . )الخلة : الصداقة والمودة مأخوذة من تخلل الأسرار بين الصديقين ، وسميت بذلك لأنها تتخلل النفس أي تتوسطها ، أو لشدة الحاجة إليها . ومنه سمي الخليل خليلا لاحتياج الإِنسان إليه .والشفاعة مأخوذة من الشفع بمعنى الضم ، وتطلق على انضمام شخص إلى آخر لنفعه أو نصرته ، وأكثر ما تستعمل في انضمام من هو أعلى حرمة ومرتبة إلى ما هو دونه .والمعنى : عليكم أيها المؤمنون أن تنفقوا في وجوه الخير كإعانة المجاهدين ومساعدة الفقراء والبائسين من أموالكم التي رزقكم الله إياها بفضله وكرمه ، ومن قبل أن يأتي يوم القيامة الذي لا يكون فيه تجارة ولا مبايعة حتى تقدموا عن طريقها ما تفتدون به أنفسكم ، ولا يكون فيه صديق يدفع عنكم ، ولا شفيع يشفع لكم فيحط من سيئاتكم إلا أن يأذن رب العالمين بالشفاعة تفضلا منه وكرماً .فالآية الكريمة تحض المؤمنين على الإِنفاق في سبيل الله ، لأنه هو أهم عناصر القوة في الأمة ، وأفضل وسيلة لإِقامة المجتمع الصالح المتكافل . والمراد بالإِنفاق هنا ما يشمل الفرض والنفل ، والأمر المطلق الطلب ، إلا أن هذا الطلب قد يصل إلى درجة الوجوب إذا نزلت بالأمة شدة لم تكف الزكاة عن دفعها .وقوله : ( مِمَّا رَزَقْنَاكُم ) إشعار بأن هذا المال الذي بين أيدي الأغنياء ما هو إلا رزق رزقهم الله إياه ، ونعمة أنعم بها عليهم ، فمن الواجب عليهم شكرها بألا يبخلوا بجزء منه على الإِنفاق في وجوه الخير ، لأن هذا البخل سيعود عليهم بما يضرهم .وفي قوله : ( مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ ) . . إلخ حث آخر على التعجيل بالإِنفاق ، لأنه تذكير للناس بهذا الوقت الذي تنتهي فيه الأعمال ، ولا يمكن فيه استدراك ما فاتهم ، ولا تعويض ما فقدوه من طاعات . فكأنه - سبحانه - يقول لهم : نجوا أنفسكم بالمسارعة إلى الإنفاق من قبل أن يأتي يوم لا منجاة فيه إلا بالعمل الصالح الذي قدمتموه .و ( من ) في قوله ( مِمَّا رَزَقْنَاكُم ) للتبعيض . وفي قوله ( مِّن قَبْلِ ) لابتداء الغاية : ومفعول أنفقوا محذوف والتقدير أنفقوا شيئاً مما رزقناكم .والشفاعة المنفية هنا هي التي لا يقبلها الله - تعالى - وهي التي لا يأذن بها ، أما شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم فقد أذن الله له بها وقبلها منه ، وقد وردت أحاديث صحيحة بلغت مبلغ التواتر المعنوي في أن النبي صلى الله عليه وسلم ستكون له شفاعة في دفع العذاب عن أقوام من المؤمنين وتخفيفه عن أهل الكبائر من المسلمين ، ومن ذلك ما أخرجه البخاري عن جابر بن عبد الله . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أعطيت خمساً لم يعطهن نبي قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر . وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وأعطيت الشفاعة ، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة " .ثم ختم - سبحانه - الآية بقوله : ( والكافرون هُمُ الظالمون ) أي والكافرون الجاحدون لنعمه هم الظالمون لأنفسهم ، لأنهم حالوا بينها وبين الهداية بإيثارهم العاجلة على الآجلة ، والغي على الرشد ، والشر على الخير ، والبخل على السخاء .أما المؤمنون فليسوا كذلك لأنهم سلكوا الطريق المستقيم ، وبذلوا الكثير من أموالهم في سبيل إعلاء كلمة الله ، وفي إعانة المحتاجين .وبذلك نرى أن الآية الكريمة قد حضت المؤمنين على المسارعة في إنفاق أموالهم في وجوه الخير من قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه ما كان نافعاً في الدنيا من أقوال وأعمال وأنها قد توعدت من يبخل عن الإِنفاق في سبيل الله بسوء العاقبة ، لأنه تشبه بالكافرين في بخلهم وإمساكهم عن بذل أموالهم في وجوه الخير .
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم ) قال السدي : أراد به الزكاة المفروضة وقال غيره : أراد به صدقة التطوع والنفقة في الخير ( من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ) أي لا فداء فيه سماه بيعا لأن الفداء شراء نفسه ( ولا خلة ) لا صداقة ( ولا شفاعة ) إلا بإذن الله قرأ ابن كثير ونافع وأهل البصرة كلها بالنصب وكذلك في سورة إبراهيم ( الآية 31 ) " لا بيع فيه ولا خلال " وفي سورة الطور ( الآية 23 ) " لا لغو فيها ولا تأثيم " وقرأ الآخرون كلها بالرفع والتنوين ( والكافرون هم الظالمون ) لأنهم وضعوا العبادة في غير موضعها .