تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
يا من آمنتم بالله واليوم الآخر لا تُذْهِبُوا ثواب ما تتصدقون به بالمنِّ والأذى، فهذا شبيه بالذي يخرج ماله ليراه الناس، فيُثنوا عليه، وهو لا يؤمن بالله ولا يوقن باليوم الآخر، فمثل ذلك مثل حجر أملس عليه تراب هطل عليه مطر غزير فأزاح عنه التراب، فتركه أملس لا شيء عليه، فكذلك هؤلاء المراؤون تضمحلُّ أعمالهم عند الله، ولا يجدون شيئًا من الثواب على ما أنفقوه. والله لا يوفق الكافرين لإصابة الحق في نفقاتهم وغيرها.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
«يأيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم» أي أجورها «بالمن والأذى» إبطالا «كالذي» أي كإبطال نفقة الذي «ينفق ماله رئاء الناس» مرائيا لهم «ولا يؤمن بالله واليوم الآخر» هو المنافق «فمثله كمثل صفوان» حجر أملس «عليه تراب فأصابه وابل» مطر شديد «فتركه صلدا» صلبا أملس لا شيء عليه «لا يقدرون» استئناف لبيان مثل المنافق المنفق رئاء الناس وجمع الضمير باعتبار معنى الذي «على شيء مما كسبوا» عملوا أي لا يجدون له ثوابا في الآخرة كما لا يوجد على الصفوان شئ من التراب الذي كان عليه لإذهاب المطر له «والله لا يهدى القوم الكافرين».
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
قوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرينفيه ثلاث مسائل :الأولى : قوله تعالى : بالمن والأذى قد تقدم معناه وعبر تعالى عن عدم القبول وحرمان الثواب بالإبطال ، والمراد الصدقة التي يمن بها ويؤذي ، لا غيرها . والعقيدة أن السيئات لا تبطل الحسنات ولا تحبطها ، فالمن والأذى في صدقة لا يبطل صدقة غيرها .قال جمهور العلماء في هذه الآية : إن الصدقة التي يعلم الله من صاحبها أنه يمن أو يؤذي بها فإنها لا تقبل . وقيل : بل قد جعل الله للملك عليها أمارة فهو لا يكتبها ، وهذا حسن . والعرب تقول لما يمن به : يد سوداء . ولما يعطى عن غير مسألة : يد بيضاء . ولما يعطى عن مسألة : يد خضراء . وقال بعض البلغاء : من من بمعروفه سقط شكره ، ومن أعجب بعمله حبط أجره . وقال بعض الشعراء :وصاحب سلفت منه إلي يد أبطأ عليه مكافاتي فعاداني لما تيقن أن الدهر حاربنيأبدى الندامة فيما كان أولانيوقال آخر :أفسدت بالمن ما أسديت من حسن ليس الكريم إذا أسدى بمنانوقال أبو بكر الوراق فأحسن :أحسن من كل حسن في كل وقت وزمنصنيعة مربوبة خالية من المنن[ ص: 284 ] وسمع ابن سيرين رجلا يقول لرجل : فعلت إليك وفعلت فقال له : اسكت فلا خير في المعروف إذا أحصي . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إياكم والامتنان بالمعروف فإنه يبطل الشكر ويمحق الأجر - ثم تلا - لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى .الثانية : قال علماؤنا رحمة الله عليهم : كره مالك لهذه الآية أن يعطي الرجل صدقته الواجبة أقاربه لئلا يعتاض منهم الحمد والثناء ، ويظهر منته عليهم ويكافئوه عليها فلا تخلص لوجه الله تعالى . واستحب أن يعطيها الأجانب ، واستحب أيضا أن يولي غيره تفريقها إذا لم يكن الإمام عدلا ، لئلا تحبط بالمن والأذى والشكر والثناء والمكافأة بالخدمة من المعطى . وهذا بخلاف صدقة التطوع السر ؛ لأن ثوابها إذا حبط سلم من الوعيد وصار في حكم من لم يفعل ، والواجب إذا حبط ثوابه توجه الوعيد عليه لكونه في حكم من لم يفعل .الثالثة : قوله تعالى : كالذي ينفق ماله رئاء الناس الكاف في موضع نصب ، أي إبطال " كالذي " فهي نعت للمصدر المحذوف . ويجوز أن تكون موضع الحال . مثل الله تعالى الذي يمن ويؤذي بصدقته بالذي ينفق ماله رئاء الناس لا لوجه الله تعالى ، وبالكافر الذي ينفق ليقال جواد وليثنى عليه بأنواع الثناء . ثم مثل هذا المنفق أيضا بصفوان عليه تراب فيظنه الظان أرضا منبتة طيبة ، فإذا أصابه وابل من المطر أذهب عنه التراب وبقي صلدا ، فكذلك هذا المرائي . فالمن والأذى والرياء تكشف عن النية في الآخرة فتبطل الصدقة كما يكشف الوابل عن الصفوان ، وهو الحجر الكبير الأملس . وقيل : المراد بالآية إبطال الفضل دون الثواب ، فالقاصد بنفقته الرياء غير مثاب كالكافر ؛ لأنه لم يقصد به وجه الله تعالى فيستحق الثواب . وخالف صاحب المن والأذى القاصد وجه الله المستحق ثوابه - وإن كرر عطاءه - وأبطل فضله . وقد قيل : إنما يبطل من ثواب صدقته من وقت منه وإيذائه ، وما قبل ذلك يكتب له ويضاعف ، فإذا من وآذى انقطع التضعيف ؛ لأن الصدقة تربى لصاحبها حتى تكون أعظم من الجبل ، فإذا خرجت من يد صاحبها خالصة على الوجه المشروع ضوعفت ، فإذا جاء المن بها والأذى وقف بها هناك وانقطع زيادة التضعيف عنها ، والقول الأول أظهر والله أعلم . والصفوان جمع واحده صفوانة ، قاله الأخفش . قال : وقال بعضهم : صفوان واحد ، مثل حجر . وقال الكسائي : صفوان واحد وجمعه صفوان وصفي وصفي ، وأنكره المبرد وقال : إنما صفي جمع صفا كقفا وقفي ، ومن هذا المعنى الصفواء والصفا ، وقد تقدم . وقرأ سعيد بن المسيب والزهري " صفوان " بتحريك الفاء ، وهي لغة . وحكى قطرب ( صفوان ) . قال النحاس : صفوان وصفوان يجوز أن يكون جمعا ويجوز أن يكون واحدا ، إلا أن الأولى به أن يكون واحدا لقوله عز وجل : [ ص: 285 ] عليه تراب فأصابه وابل وإن كان يجوز تذكير الجمع إلا أن الشيء لا يخرج عن بابه إلا بدليل قاطع ، فأما ما حكاه الكسائي في الجمع فليس بصحيح على حقيقة النظر ، ولكن ( صفوان ) جمع صفا ، وصفا بمعنى صفوان ، ونظيره ورل وورلان وأخ وإخوان وكرا وكروان ، كما قال الشاعر :لنا يوم وللكروان يوم تطير البائسات ولا نطيروالضعيف في العربية ( كروان ) جمع ( كروان ) ، وصفي وصفي جمع صفا مثل عصا . والوابل : المطر الشديد . وقد وبلت السماء تبل ، والأرض موبولة . قال الأخفش : ومنه قوله تعالى : أخذناه أخذا وبيلا ؛ أي شديدا . وضرب وبيل ، وعذاب وبيل أي شديد . والصلد : الأملس من الحجارة . قال الكسائي : صلد يصلد صلدا بتحريك اللام فهو صلد بالإسكان ، وهو كل ما لا ينبت شيئا ، ومنه جبين أصلد ، وأنشد الأصمعي لرؤبة :براق أصلاد الجبين الأجلهقال النقاش : الأصلد الأجرد بلغة هذيل .ومعنى لا يقدرون يعني المرائي والكافر والمان على شيء أي على الانتفاع بثواب شيء من إنفاقهم وهو كسبهم عند حاجتهم إليه ، إذا كان لغير الله فعبر عن النفقة بالكسب ؛ لأنهم قصدوا بها الكسب . وقيل : ضرب هذا مثلا للمرائي في إبطال ثوابه ولصاحب المن والأذى في إبطال فضله ، ذكره الماوردي .
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
والإبطال جعل الشيء باطلاً أي زائلاً غير نافع لما أُريدَ منه . فمعنى بطلان العمل عدم ترتّب أثره الشرعي عليه سواء كان العمل واجباً أم كان متطوّعاً به ، فإن كان العمل واجباً فبطلانه عدم إِجزائه بحيث لا تبرأ ذمة المكلّف من تكليفه بذلك العمل وذلك إذا اختلّ ركن أو شرط من العمل . وإن كان العمل متطوّعاً به رجع البطلان إلى عدم الثواب على العمل لمانع شرعي من اعتبار ثوابه وهو المراد هنا جمعاً بين أدلة الشريعة .وقوله : { كالذي ينفق ماله رئاء الناس } الكاف ظرف مستقر هو حال من ضمير تبطلوا ، أي لا تكونوا في إتْبَاع صدقاتكم بالمنّ والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس وهو كافر لا يؤمن بالله واليوم الآخر ، وإنّما يعطي ليراه الناس وذلك عطاء أهل الجاهلية .فالموصول من قوله : { كالذي ينفق ماله } مراد به جنس وليس مراد به جنس وليس مراد به معَيّناً ولا واحداً ، والغرض من هذا التشبيه تفظيع المشبّه به وليس المراد المماثلة في الحكم الشرعي ، جمعاً بين الأدلة الشرعية .والرئاء بهمزتين فِعال مِن رأى ، وهو أن يُكثر من إظهار أعماله الحسنة للناس ، فصيغة الفعال فيه للمبالغة والكثرة ، وأَولى الهمزتين أصلية والأخيرة مبدلة عن الياء بعد الألف الزائدة ، ويقال رياء بياء بعد الراء على إبدال الهمزة ياء بعد الكسرة .والمعنى تشبيه بعض المتصدّقين المسلمين الذين يتصدّقون طلباً للثواب ويعقبون صدقاتهم بالمَنّ والأذى ، بالمنفقين الكافرين الذين ينفقون أموالهم لا يطلبون من إنفاقها إلاّ الرئاء والمدحة إذ هم لا يتطلّبون أجر الآخرة .ووجه الشبه عدم الانتفاع مِمَّا أعطوا بأزيدَ من شفاء ما في صدورهم من حبّ التطاول على الضعفاء وشفاء خُلق الأذى المتطبعين عليه دون نفع في الآخرة .ومُثّل حال الذي ينفق ماله رئاء الناس المشبِه به تمثيلاً يسري إلى الذين يُتبعون صدقاتهم بالمنّ والأذى بقوله : { فمثله كمثل صفوان } إلخ وضمير مثله عائد إلى الذي ينفق ماله رئاء للناس ، لأنّه لما كان تمثيلاً لحال المشبّه به كان لا محالة تمثيلاً لحال المشبّه ، ففي الكلام ثلاثة تشبيهات .مثَّل حال الكافر الذي ينفق ماله رئاء الناس بحال صفوان عليه تراب يغشيه ، يعني يَخاله الناظر تربة كريمة صالحة للبذر ، فتقدير الكلام عليه تراب صالحٌ للزرع فحذفت صفة التراب إيجازاً اعتماداً على أنّ التراب الذي يرقب الناس أن يصيبه الوابل هو التراب الذي يبذرون فيه ، فإذا زرعه الزارع وأصابه وابل وطمع الزارع في زكاء زرعه ، جرفه الماء من وجه الصفوان فلم يترك منه شيئاً وبقي مكانُه صلداً أملس فخاب أمل زارعه .وهذا أحسن وأدّق من أن نجعل المعنى تمثيل إنفاق الكافر بحال تراب على صفوان أصابه وابل فجرفه ، وأنّ وجه الشبه هو سرعة الزوال وعدم القرار كقوله تعالى : { مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدّت به الريح في يوم عاصف } [ إبراهيم : 18 ] فإنّ مورد تلك الآية مقام آخر .ولك أن تجعل كاف التشبيه في قوله تعالى : { كالذي ينفق ماله } صفة لمصدر محذوف دل عليه ما في لفظ صدقاتهم من معنى الإنفاق وحذف مضاف بين الكاف وبين اسم الموصول ، والتقدير إنفاقاً كإنفاق الذي ينفق ماله رئاء الناس .وقد روعي في هذا التمثيل عكس التمثيل لمن ينفق مالَه في سبيل الله بحبّة أغَلَّتْ سبعمائة حَبَّة .فالتشبيه تشبيه مركب معقول بمركب محسوس . ووجه الشبه الأمل في حالة تغر بالنفع ثم لا تلبث ألاّ تأتي لآملها بما أمَّله فخاب أمله . ذلك أنّ المؤمنين لا يخلون من رجاء حصول الثواب لهم من صدقاتهم ، ويكثر أن تعرض الغفلة للمتصدّق فيُتبع صدقته بالمنّ والأذى اندفاعاً مع خواطر خبيثة .وقوله : { لا يقدرون على شيء مما كسبوا } أوقع موقعاً بديعاً من نظم الكلام تنهال به معاننٍ كثيرة فهو بموقعه كان صالحاً لأن يكون حالاً من الذي ينفق ماله رئاء الناس فيكون مندرجاً في الحالة المشبّهة ، وإجراء ضمير كسبوا ضمير جمع لتأويل الذي ينفق بالجماعة ، وصالحاً لأن يكون حالاً من مثل صفوان باعتبار أنّه مثل على نحو ما جوّز في قوله تعالى : { أوكصيب من السماء } [ البقرة : 19 ] إذ تقديره فيه كمثل ذوي صيّب فلذلك جاء ضميره بصيغة الجمع رعياً للمعنى وإن كان لفظ المعاد مفرداً ، وصالحاً لأن يجعل استينافاً بيانياً لأنّ الكلام الذي قبله يثير سؤال سائل عن مغبة أمر المشبّه ، وصالحاً لأن يجعل تذييلاً وفذلكة لضرب المثل فهو عود عن بدء قوله : { لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى } [ البقرة : 264 ] إلى آخر الكلام .وصالحاً لأن يجعل حالاً من صفوان أي لا يقدرون على شيء ممّا كسبوا منه وحذف عائد الصلة لأنّه ضمير مجرور بما جرّ به اسم الموصول . ومعنى { لا يقدرون } لا يستطيعون أن يسترجعوه ولا انتفعوا بثوابه فلم يبق لهم منه شيء .ويجوز أن يكون المعنى لا يحسنون وضع شيء ممّا كسبوا موضعه ، فهم يبذلون ما لهم لغير فائدة تعود عليهم في آجلهم ، بدليل قوله : { الله لا يهدي القوم الكافرين } .والمعنى فتركه صلداً لا يحصدون منه زرعاً كما في قوله : { فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها } [ الكهف : 42 ] .وجملة { والله لا يهدي القوم الكافرين } تذييل والواو اعتراضية وهذا التذييل مسوق لتحذير المؤمنين من تسرّب أحوال الكافرين إلى أعمالهم فإنّ من أحوالهم المنّ على من ينفقون وأذاه .
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
وقوله - تعالى - : ( ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بالمن والأذى ) نداء منه - سبحانه - للمؤمنين يكرر فيه نهيهم عن المن والأذى ، لأنهما يؤديان إلى ذهاب الأجر من الله - تعالى - وإلى عدم الشكر من الناس ولذا جاء في الحديث الشريف : " إياكم والامتنان بالمعروف فإنه يبطل الشكر ويحق الأجر " .والمعنى : يا من آمنتم بالله - تعالى - لا تبطلوا صدقاتكم بأن تحبطوا أجرها ، وتمحقوا ثمارها ، بسبب المن والأذى ، فيكون مثلكم في هذا الإِبطال لصدقاتكم بسبب ما ارتكبتم من آثام ، كمثل المنافق الذي ينفق ماله من أجل أن يرى الناس منه ذلك ولا يبغي به رضاء الله ولا ثواب الآخرة ، لأنه كفر بالله ، وكفر بحساب الآخرة .وفي هذا التشبيه تنفير شديد من المن والأذى لأنه - سبحانه - شبه حال المتصدق المتصف بهما في إبطال علمه بسببها بحال هذا المنافق المرائي الذي لا يؤمن بالله واليوم الآخر .وقوله : ( كالذي ) الكاف في محل نصب على أنها نعت لمصدر محذوف أي : لا تبطلوها إبطالا كابطال الذي ينفق ماله رئاء الناس . . . أو في محل نصب على الحال من فاعل ( تُبْطِلُواْ ) أي لا تبطلوا مشابهين الذي ينفق ماله رئاء الناس .وقوله : ( رِئَآءَ ) منصوب على أنه مفعول لأجله أي : كالذي ينفق ماله من أجل رئاء الناس .وأما المثال الثاني فقال - سبحانه - : ( فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لاَّ يَقْدِرُونَ على شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ ) .( صَفْوَانٍ ) اسم جنس جمعي واحد صفوانه كشجر وشجرة وهو الحجر الكبير الأملس ، مأخوذ من الصفاء وهو خلوص الشء مما يشوبه . يقال : يوم صفوان أي صافي الشمس . وقيل هو مفرد كحجر . و ( الوابل ) المطر الشديد . يقال : وبلت السماء تبل وبلا ووبولا . اشتد مطرها ( الصلد ) هو الشيء الأجرد النقي من التراب الذي كان عليه . ومنه رأس أصلد إذا كان لا ينبت شعراً ، والأصلد الأجرد الذي لا ينبت شيئاً مأخوذ من صلد يصلد صلدا فهو صلد .والمعنى : يأيها المؤمنون لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى فيكون مثلكم كمثل المنافق الذي ينفق ماله من أجل الرياء لا من أجل رضا الله ، وإن مثل هذا المنافق في انكشاف أمره وعدم انتفاعه بما ينفقه رياء وحباً للهور مثل حجر أملس لا ينبت شيئاً ولكن عليه قليل من التراب الموهم للناظر إليه أنه منتج فنزل المطر الشديد فأزال ما عليه من تراب ، فانكشف حقيقته وتبين للناظر إليه أنه حجر أملس صلد لا يصلح لإِنبات أي شيء عليه .فالتشبيه في الجملة الكريمة بين الذي ينفق ماله رياء وبين الحجر الكبير الأملس الذي عليه قد رقيقه من التراب ستر حاله ، ثم ينزل المطر فيزيل التراب وتنكشف حقيقته ويراه الرائي عارياً من أي شيء يستره . وكذلك المنافق المرائي في إنفاقه يتظاهر بمظهر السخاء أمام الناس ثم لا يلبث أن ينكشف أمره لأن ثوب الرياء يشف دائماً عما تحته ، وإن لم يكشفه فإن الله كاشفه .ومن المفسرين من يرى أن التشبيه في الجملة الكريمة بين المنفق الذي يبطل صدقته بالمن والأذى وبين الحجر الأملس ، وأن الضمير في قوله : ( فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ ) يعود إلى هذا المبطل لصدقته بالمن والأذى . فيكون المعنى : لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والّى فيكون مثلكم كمثل الحجر الأملس الذي عليه تراب كان يرجى أن يكون منبتاً للزرع فنزل المطر فأزال التراب فبطل إنتاجه ، فالمن والأذى يبطلان الصدقات ويزيلان أثرها النافع ، كما يزيل المطر التراب الذي يؤمل منه الإِنبات من فوق الحجر الأملس .والذي نراه أن عودة الضمير في قوله : ( فَمَثَلُهُ ) على الذي ينفق ماله رثاء الناس أظهر لأنه أقرب مذكور ، ولأن التشبيه في قوله : ( فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ ) قد جاء بلفظ المفرد وهو المناسب للذي ينفق ماله رئاء الناس لأنه مفرد مثله ، بخلاف قوله : ( لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بالمن والأذى ) فإن الضمير فيه بلفظ الجمع ، فمن الأولى أن يعود الضمير في قوله : ( فَمَثَلُهُ ) إلى المرائي لتوافقهما في الأفراد .ثم قال - تعالى - : ( لاَّ يَقْدِرُونَ على شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ ) أي أن الذين يبطلون صدقاتهم بالمن والأذى ، والذين يتصدقون رياء ومفاخرة لا يقدرون على تحصيل شيء من ثواب ما عملوا لأن ما صاحب أعمالهم من رياء ومن أذى محق بركتها ، وأذهب ثمرتها ، وأزال ثوابها .أو المعنى : أو أولئك المنانين والمرائين ليس عندهم قدرة على شيء من المال الذي أنعم به عليهم ، فعليهم أن يشكروه على هذه النعمة ، وأن ينفقوه بدون من أو أذى أو مراءاة ، حتى يظفروا بحسن المثوبة منه - سبحانه - .ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بقوله : ( والله لاَ يَهْدِي القوم الكافرين ) أي لا يهديهم إلى ما ينفعهم لأنهم آثروا الكفر على الإِيمان .والجملة الكريمة تذييل مقرر لمضمون ما قبله ، وفيها إشارة إلى أن الإِنفاق المصحوب بالمن والأذى والرياء ليس من صفات المؤمنين وإنما هو من صفات الكافرين ، فعلى المؤمنين أن يجتنبوا هذه الصفات التي لا يليق بهم .والذي ينظر في هذه الآيات الكريمة يرى أن الله - تعالى - قد حذر المنفقين من المن والأذى في ثلاث آيات متواليات ، كما حذرهم من الرياء ، وساق أكثر من تشبيه لتقبيح الصدقات التي لا تكون خالصة لوجه الله فلماذا كل هذا التشديد في النهي؟والجواب عن ذلك : أن المن والأذى في الإِنفاق كثيراً ما يحصلان بسبب استعلاء كاذب ، أو رغبة في إذلال المحتاج وإظهاره بمظهر الضعيف : وكلا الأمرين لا يليق بالنفس المؤمنة المخلصة ، ولا يتلاقى مطلقا مع الحكم التي من أجلها شرعت الصدقات بل إنه ليتنافر معها تننافراً تاماً لأن الصدقات شرعها الله لتهذيب النفوس وتطهير القلوب ولتربط بين الأغنياء والفقراء برباط المحبة والمودة والإخاء ، فإذا ما صاحبها المن والأذى أثمرت نقيض ما شرعت له ، لأنها تثير في نفس المعطى بسبب ذلك الكبر والخيلاء وغير ذلك من الصفات الذميمة ، وتثير في نفس الآخذ شعوراً بالحقد والانتقام ممن أعطاه ثم آذاه وبذلك تنقطع الروابط ، ويتمزق المجتمع ، ويتحول المحبة إلى عداوة .ولقد تحدث الإِمام الرازي عن الآثار السيئة للمن والأذى فقال ما ملخصه :وإنما كان المن مذموماً لوجوه :الأول : أن الفقير الآخذ للصدقة منكسر القلب لأجل حاجته إلى صدقة ، فإذا أضاف المعطي إلى ذلك إظهار الإِنعام زاد ذلك في انكسار قلبه فيكون في حكم المضرة بعد المنفعة ، وفي حكم المسيء إليه بعد أن أحسن إليه .والثاني : أن إظهار المن يبعد أهل الحاجة عن الرغبة في صدقته إذا اشتهر من طريق ذلك .الثالث : أن المعطي يجب أن يعتقد أن هذه النعمة من الله - تعالى - عليه - وأن يعتقد أن لله عليه نعما عظيمة حيث وفقه لهذا العمل ومتى كان الأمر كذلك امتنع عن أن يجعل ما ينفقه منه على الغير .الرابع : أن المعطي في الحقيقة هو الله ، ومتى اعتقد العبد ذلك استنار قلبه ، أما إذا اعتقد غير ذلك فإنه يكون في درجة البهائم الذين لا يترقى نظرهم عن المحسوس إلى المعقول ، وعن الآثار إلى المؤثر . . . وأما الأذى فيتناول كل ذلك وغيره مما يسيئ إلى الفقير بأن يقول له : فرج الله عني منك ، وأنت أبدا تأتي بما يؤلم . إلخ .هذا ، وقد ساق الإِمام ابن كثير عدداً من الأحاديث الشريفة التي نهت عن المن والأذى ومن ذلك ما جاء في صحيح مسلم عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم : المنان بما أعطى ، والمسبل إزاره ، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب " وروى النسائي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا يدخل الجنة مدمن خمر ، ولا عاق لوالديه ، ولا منّان " .
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم ) أي أجور صدقاتكم ( بالمن ) على السائل وقال ابن عباس رضي الله عنهما : بالمن على الله تعالى ( والأذى ) لصاحبها ثم ضرب لذلك مثلا فقال ( كالذي ينفق ماله ) أي كإبطال الذي ينفق ماله ( رئاء الناس ) أي مراءاة وسمعة ليروا نفقته ويقولوا إنه كريم سخي ( ولا يؤمن بالله واليوم الآخر ) يريد أن الرياء يبطل الصدقة ولا تكون النفقة مع الرياء من فعل المؤمنين وهذا للمنافقين لأن الكافر معلن بكفره غير مراء ( فمثله ) أي مثل هذا المرائي ( كمثل صفوان ) الحجر الأملس وهو واحد وجمع فمن جعله جمعا فواحده صفوانة ومن جعله واحدا فجمعه صفي ( عليه ) أي على الصفوان ( تراب فأصابه وابل ) المطر الشديد العظيم القطر ( فتركه صلدا ) أي أملس والصلد الحجر الصلب الأملس الذي لا شيء عليه فهذا مثل ضربه الله تعالى لنفقة المنافق والمرائي والمؤمن الذي يمن بصدقته ويؤذي ويري الناس في الظاهر أن لهؤلاء أعمالا كما يرى التراب على هذا الصفوان فإذا كان يوم القيامة بطل كله واضمحل لأنه لم يكن لله عز وجل كما أذهب الوابل ما على الصفوان من التراب فتركه صلدا ( لا يقدرون على شيء مما كسبوا ) أي على ثواب شيء مما كسبوا وعملوا في الدنيا ( والله لا يهدي القوم الكافرين )أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي ، أخبرنا أبو الحسن الطيسفوني ، أخبرنا عبد الله بن عمر الجوهري ، أخبرنا أحمد بن علي الكشميهني ، أخبرنا علي بن حجر ، أخبرنا إسماعيل بن جعفر ، أخبرنا عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب ، عن عاصم بن عمر عن محمود بن لبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر " قالوا : يا رسول الله وما الشرك الأصغر؟ قال " الرياء يقول الله لهم يوم يجازي العباد بأعمالهم : اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء " .أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة أخبرنا أبو طاهر محمد بن أحمد الحارثي أخبرنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الكسائي أخبرنا عبد الله بن محمد بن محمود ، أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، أخبرنا عبد الله بن المبارك عن حيوة بن شريح ، أخبرني الوليد بن أبي الوليد أبو عثمان المدائني أن عقبة بن مسلم حدثه أن شفيا الأصبحي حدثه أنه دخل المدينة فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الناس فقال من هذا؟ قالوا : أبو هريرة ، فدنوت منه حتى قعدت بين يديه وهو يحدث الناس فلما سكت وخلا قلت له : أنشدك الله بحق لما حدثتني حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن الله إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم وكل أمة جاثية فأول من يدعو به رجل جمع القرآن ورجل قتل في سبيل الله ورجل كثير المال فيقول الله للقارئ : ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي؟ فقال : بلى يا رب قال : فماذا عملت فيما علمت؟ قال : كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار فيقول الله له : كذبت وتقول له الملائكة : كذبت ويقول الله تعالى : بل أردت أن يقال فلان قارئ فقد قيل ذلك ويؤتى بصاحب المال فيقول الله له : ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد؟ قال : بلى يا رب قال : فما عملت فيما آتيتك؟ قال : كنت أصل الرحم وأتصدق . فيقول الله له : كذبت وتقول الملائكة كذبت ويقول الله تعالى : بل أردت أن يقال فلان جواد فقد قيل ذلك ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله فيقول له : فبماذا قتلت؟ فيقول : يا رب أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت فيقول الله : كذبت وتقول الملائكة : كذبت ويقول الله تعالى : بل أردت أن يقال فلان جريء فقد قيل ذلك ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتي فقال : يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول خلق تسعر بهم النار يوم القيامة " .