تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
يا من آمنتم بي واتبعتم رسلي أنفقوا من الحلال الطيب الذي كسبتموه ومما أخرجنا لكم من الأرض، ولا تقصدوا الرديء منه لتعطوه الفقراء، ولو أُعطِيتموه لم تأخذوه إلا إذا تغاضيتم عما فيه من رداءة ونقص. فكيف ترضون لله ما لا ترضونه لأنفسكم؟ واعلموا أن الله الذي رزقكم غني عن صدقاتكم، مستحق للثناء، محمود في كل حال.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
«يا أيها الذين آمنوا أنفقوا» أي زكوا «من طيبات» جياد «ما كسبتم» من المال «ومـ» ـن طيبات «ما أخرجنا لكم من الأرض» من الحبوب والثمار «ولا تيمموا» تقصدوا «الخبيث» الرديء «منه» أي من المذكور «تنفقونـ» ـه في الزكاة حال من ضمير تيمموا «ولستم بآخذيه» أي الخبيث لو أعطيتموه في حقوقكم «إلا أن تغمضوا فيه» بالتساهل وغض البصر فكيف تؤدون منه حق الله «واعلموا أن الله غني» عن نفقاتكم «حميد» محمود على كل حال.
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
ياأيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أن الله غني حميد[ ص: 292 ] فيه إحدى عشرة مسألة :الأولى : قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا أنفقوا هذا خطاب لجميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم . واختلف العلماء في المعنى المراد بالإنفاق هنا ، فقال علي بن أبي طالب وعبيدة السلماني وابن سيرين : هي الزكاة المفروضة ، نهى الناس عن إنفاق الرديء فيها بدل الجيد . قال ابن عطية : والظاهر من قول البراء بن عازب والحسن وقتادة أن الآية في التطوع ، ندبوا إلى ألا يتطوعوا إلا بمختار جيد . والآية تعم الوجهين ، لكن صاحب الزكاة تعلق بأنها مأمور بها والأمر على الوجوب ، وبأنه نهى عن الرديء وذلك مخصوص بالفرض ، وأما التطوع فكما للمرء أن يتطوع بالقليل فكذلك له أن يتطوع بنازل في القدر ، ودرهم خير من تمرة . تمسك أصحاب الندب بأن لفظة افعل صالح للندب صلاحيته للفرض ، والرديء منهي عنه في النفل كما هو منهي عنه في الفرض ، والله أحق من اختير له . وروى البراء أن رجلا علق قنو حشف ، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : بئسما علق فنزلت الآية ، خرجه الترمذي وسيأتي بكماله . والأمر على هذا القول على الندب ، ندبوا إلى ألا يتطوعوا إلا بجيد مختار . وجمهور المتأولين قالوا : معنى ( من طيبات ) من جيد ومختار ( ما كسبتم ) . وقال ابن زيد : من حلال " ما كسبتم " .الثانية : الكسب يكون بتعب بدن وهي الإجارة وسيأتي حكمها ، أو مقاولة في تجارة وهو البيع وسيأتي بيانه . والميراث داخل في هذا ؛ لأن غير الوارث قد كسبه . قال سهل بن عبد الله : وسئل ابن المبارك عن الرجل يريد أن يكتسب وينوي باكتسابه أن يصل به الرحم وأن يجاهد ويعمل الخيرات ويدخل في آفات الكسب لهذا الشأن . قال : إن كان معه قوام من العيش بمقدار ما يكف نفسه عن الناس فترك هذا أفضل ؛ لأنه إذا طلب حلالا وأنفق في حلال سئل عنه وعن كسبه وعن إنفاقه ، وترك ذلك زهد فإن الزهد في ترك الحلال .الثالثة : قال ابن خويزمنداد : ولهذه الآية جاز للوالد أن يأكل من كسب ولده ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أولادكم من طيب أكسابكم فكلوا من أموال أولادكم هنيئا .الرابعة : قوله تعالى : ( ومما أخرجنا لكم من الأرض ) يعني النبات والمعادن والركاز ، وهذه أبواب ثلاثة تضمنتها هذه الآية . أما النبات فروى الدارقطني عن عائشة رضي الله عنها [ ص: 293 ] قالت : جرت السنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ليس فيما دون خمسة أوسق زكاة ) . والوسق ستون صاعا ، فذلك ثلاثمائة صاع من الحنطة والشعير والتمر والزبيب . وليس فيما أنبتت الأرض من الخضر زكاة . وقد احتج قوم لأبي حنيفة بقول الله تعالى : ومما أخرجنا لكم من الأرض وإن ذلك عموم في قليل ما تخرجه الأرض وكثيره وفي سائر الأصناف ، ورأوا ظاهر الأمر الوجوب . وسيأتي بيان هذا في ( الأنعام ) مستوفى . وأما المعدن فروى الأئمة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : العجماء جرحها جبار والبئر جبار والمعدن جبار وفي الركاز الخمس . قال علماؤنا : لما قال صلى الله عليه وسلم : ( وفي الركاز الخمس ) دل على أن الحكم في المعادن غير الحكم في الركاز ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قد فصل بين المعادن والركاز بالواو الفاصلة ، ولو كان الحكم فيهما سواء لقال والمعدن جبار وفيه الخمس ، فلما قال ( وفي الركاز الخمس ) علم أن حكم الركاز غير حكم المعدن فيما يؤخذ منه ، والله أعلم .والركاز أصله في اللغة ما ارتكز بالأرض من الذهب والفضة والجواهر ، وهو عند سائر الفقهاء كذلك ؛ لأنهم يقولون في الندرة التي توجد في المعدن مرتكزة بالأرض لا تنال بعمل ولا بسعي ولا نصب ، فيها الخمس ؛ لأنها ركاز . وقد روي عن مالك أن الندرة في المعدن حكمها حكم ما يتكلف فيه العمل مما يستخرج من المعدن في الركاز ، والأول تحصيل مذهبه وعليه فتوى جمهور الفقهاء . وروى عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن جده [ ص: 294 ] عن أبي هريرة قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الركاز قال : الذهب الذي خلق الله في الأرض يوم خلق السماوات والأرض . عبد الله بن سعيد هذا متروك الحديث ، ذكر ذلك ابن أبي حاتم . وقد روي من طريق أخرى عن أبي هريرة ولا يصح ، ذكره الدارقطني . ودفن الجاهلية لأموالهم عند جماعة العلماء ركاز أيضا لا يختلفون فيه إذا كان دفنه قبل الإسلام من الأموال العادية ، وأما ما كان من ضرب الإسلام فحكمه عندهم حكم اللقطة .الخامسة : واختلفوا في حكم الركاز إذا وجد ، فقال مالك : ما وجد من دفن الجاهلية في أرض العرب أو في فيافي الأرض التي ملكها المسلمون بغير حرب فهو لواجده وفيه الخمس ، وأما ما كان في أرض الإسلام فهو كاللقطة . قال : وما وجد من ذلك في أرض العنوة فهو للجماعة الذين افتتحوها دون واجده ، وما وجد من ذلك في أرض الصلح فإنه لأهل تلك البلاد دون الناس ، ولا شيء للواجد فيه إلا أن يكون من أهل الدار فهو له دونهم . وقيل : بل هو لجملة أهل الصلح . قال إسماعيل : وإنما حكم للركاز بحكم الغنيمة لأنه مال كافر وجده مسلم فأنزل منزلة من قاتله وأخذ ماله ، فكان له أربعة أخماسه . وقال ابن القاسم : كان مالك يقول في العروض والجواهر والحديد والرصاص ونحوه يوجد ركازا : إن فيه الخمس ثم رجع فقال : لا أرى فيه شيئا ، ثم آخر ما فارقناه أن قال : فيه الخمس . وهو الصحيح لعموم الحديث وعليه جمهور الفقهاء . وقال أبو حنيفة ومحمد في الركاز يوجد في الدار : إنه لصاحب الدار دون الواجد وفيه الخمس . وخالفه أبو يوسف فقال : إنه للواجد دون صاحب الدار ، وهو قول الثوري : وإن وجد في الفلاة فهو للواجد في قولهم جميعا وفيه الخمس . ولا فرق عندهم بين أرض الصلح وأرض العنوة ، وسواء عندهم أرض العرب وغيرها ، وجائز عندهم لواجده أن يحتبس الخمس لنفسه إذا كان محتاجا وله أن يعطيه للمساكين . ومن أهل المدينة وأصحاب مالك من لا يفرق بين شيء من ذلك وقالوا : سواء وجد الركاز في أرض العنوة أو في أرض الصلح أو أرض العرب أو أرض الحرب إذا لم يكن ملكا لأحد ولم يدعه أحد فهو لواجده وفيه الخمس على عموم ظاهر الحديث ، وهو قول الليث وعبد الله بن نافع والشافعي وأكثر أهل العلم .السادسة : وأما ما يوجد من المعادن ويخرج منها فاختلف فيه ، فقال مالك وأصحابه : لا شيء فيما يخرج من المعادن من ذهب أو فضة حتى يكون عشرين مثقالا ذهبا أو خمس أواق فضة ، فإذا بلغتا هذا المقدار وجبت فيهما الزكاة ، وما زاد فبحساب ذلك ما دام في المعدن نيل ، فإن انقطع ثم جاء بعد ذلك نيل آخر فإنه تبتدأ فيه الزكاة مكانه . والركاز عندهم بمنزلة [ ص: 295 ] الزرع تؤخذ منه الزكاة في حينه ولا ينتظر به حولا . قال سحنون في رجل له معادن : إنه لا يضم ما في واحد منها إلى غيرها ولا يزكي إلا عن مائتي درهم أو عشرين دينارا في كل واحد . وقال محمد بن مسلمة : يضم بعضها إلى بعض ويزكي الجميع كالزرع . وقال أبو حنيفة وأصحابه : المعدن كالركاز ، فما وجد في المعدن من ذهب أو فضة بعد إخراج الخمس اعتبر كل واحد منهما ، فمن حصل بيده ما تجب فيه الزكاة زكاه لتمام الحول إن أتى عليه حول وهو نصاب عنده ، هذا إذا لم يكن عنده ذهب أو فضة وجبت فيه الزكاة . فإن كان عنده من ذلك ما تجب فيه الزكاة ضمه إلى ذلك وزكاه . وكذلك عندهم كل فائدة تضم في الحول إلى النصاب من جنسها وتزكى لحول الأصل ، وهو قول الثوري . وذكر المزني عن الشافعي قال : وأما الذي أنا واقف فيه فما يخرج من المعادن . قال المزني : الأولى به على أصله أن يكون ما يخرج من المعدن فائدة يزكى بحوله بعد إخراجه . وقال الليث بن سعد : ما يخرج من المعادن من الذهب والفضة فهو بمنزلة الفائدة يستأنف به حولا ، وهو قول الشافعي فيما حصله المزني من مذهبه ، وقال به داود وأصحابه إذا حال عليها الحول عند مالك صحيح الملك لقوله صلى الله عليه وسلم : من استفاد مالا فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحول أخرجه الترمذي والدارقطني . واحتجوا أيضا بما رواه عبد الرحمن بن أنعم عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى قوما من المؤلفة قلوبهم ذهيبة في تربتها ، بعثها علي رضي الله عنه من اليمن . قال الشافعي : والمؤلفة قلوبهم حقهم في الزكاة ، فتبين بذلك أن المعادن سنتها سنة الزكاة . وحجة مالك حديث عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث المعادن القبلية وهي من ناحية الفرع ، فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلى اليوم إلا الزكاة . وهذا حديث منقطع الإسناد لا يحتج بمثله أهل الحديث ؛ ولكنه عمل يعمل به عندهم في المدينة . ورواه الدراوردي عن ربيعة عن الحارث بن بلال المزني عن أبيه . ذكره البزار ، ورواه كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أقطع بلال بن الحارث المعادن القبلية جلسيها وغوريها . [ ص: 296 ] وحيث يصلح للزرع من قدس ولم يعطه حق مسلم ، ذكره البزار أيضا ، وكثير مجمع على ضعفه . هذا حكم ما أخرجته الأرض ، وسيأتي في سورة ( النحل ) حكم ما أخرجه البحر إذ هو قسيم الأرض . ويأتي في ( الأنبياء ) معنى قوله عليه السلام : ( العجماء جرحها جبار ) كل في موضعه إن شاء الله تعالى .السابعة : قوله تعالى : ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون تيمموا معناه تقصدوا ، وستأتي الشواهد من أشعار العرب في أن التيمم القصد في " النساء " إن شاء الله تعالى . ودلت الآية على أن المكاسب فيها طيب وخبيث . وروى النسائي عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف في الآية التي قال الله تعالى فيها : ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون قال : هو الجعرور ولون حبيق ، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤخذا في الصدقة . وروى الدارقطني عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه قال : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة فجاء رجل من هذا السحل بكبائس - قال سفيان : يعني الشيص - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من جاء بهذا ) ؟ وكان لا يجيء أحد بشيء إلا نسب إلى الذي جاء به . فنزلت : ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون . قال : ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الجعرور ولون الحبيق أن يؤخذا في الصدقة - قال الزهري : لونين من تمر المدينة - وأخرجه الترمذي من حديث البراء وصححه ، وسيأتي . وحكى الطبري والنحاس أن في قراءة عبد الله " ولا تأمموا " وهما لغتان . وقرأ مسلم بن جندب " ولا تيمموا " بضم التاء وكسر الميم . وقرأ ابن كثير " تيمموا " بتشديد التاء . وفي اللفظة لغات ، منها " أممت الشيء " مخففة الميم الأولى و " أممته " بشدها ، و " يممته وتيممته " . وحكى أبو عمرو أن ابن مسعود قرأ " ولا تؤمموا " بهمزة بعد التاء المضمومة .الثامنة : قوله تعالى : منه تنفقون قال الجرجاني في كتاب " نظم القرآن " : قال فريق من الناس : إن الكلام تم في قوله تعالى ( الخبيث ) ثم ابتدأ خبرا آخر في وصف الخبيث فقال : ( منه تنفقون ) وأنتم لا تأخذونه إلا إذا أغمضتم أي تساهلتم ، كأن هذا المعنى عتاب للناس وتقريع . والضمير في منه عائد على الخبيث وهو الدون والرديء . قال الجرجاني : [ ص: 297 ] وقال فريق آخر : الكلام متصل إلى قوله ( منه ) ، فالضمير في ( منه ) عائد على ( ما كسبتم ) ويجيء ( تنفقون ) كأنه في موضع نصب على الحال ، وهو كقولك : أنا أخرج أجاهد في سبيل الله .التاسعة : قوله تعالى : ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه أي لستم بآخذيه في ديونكم وحقوقكم من الناس إلا أن تتساهلوا في ذلك وتتركوا من حقوقكم ، وتكرهونه ولا ترضونه . أي فلا تفعلوا مع الله ما لا ترضونه لأنفسكم ، قال معناه البراء بن عازب وابن عباس والضحاك . وقال الحسن : معنى الآية : ولستم بآخذيه ولو وجدتموه في السوق يباع إلا أن يهضم لكم من ثمنه . وروي نحوه عن علي رضي الله عنه . قال ابن عطية : وهذان القولان يشبهان كون الآية في الزكاة الواجبة . قال ابن العربي : لو كانت في الفرض لما قال ولستم بآخذيه لأن الرديء والمعيب لا يجوز أخذه في الفرض بحال ، لا مع تقدير الإغماض ولا مع عدمه ، وإنما يؤخذ مع عدم إغماض في النفل . وقال البراء بن عازب أيضا معناه : ولستم بآخذيه لو أهدي لكم إلا أن تغمضوا فيه أي تستحي من المهدي فتقبل منه ما لا حاجة لك به ولا قدر له في نفسه . قال ابن عطية : وهذا يشبه كون الآية في التطوع . وقال ابن زيد : ولستم بآخذي الحرام إلا أن تغمضوا في مكروهه .العاشرة : قوله تعالى : إلا أن تغمضوا كذا قراءة الجمهور ، من أغمض الرجل في أمر كذا إذا تساهل فيه ورضي ببعض حقه وتجاوز ، ومن ذلك قول الطرماح :لم يفتنا بالوتر قوم وللذ ل أناس يرضون بالإغماضوقد يحتمل أن يكون منتزعا إما من تغميض العين ؛ لأن الذي يريد الصبر على مكروه يغمض عينيه - قال :إلى كم وكم أشياء منك تريبني أغمض عنها لست عنها بذي عمىوهذا كالإغضاء عند المكروه . وقد ذكر النقاش هذا المعنى في هذه الآية - وأشار إليه مكي - وإما من قول العرب : أغمض الرجل إذا أتى غامضا من الأمر ، كما تقول : أعمن أي أتى عمان ، وأعرق أي أتى العراق ، وأنجد وأغور أي أتى نجدا والغور الذي هو تهامة ، أي فهو يطلب التأويل على أخذه . وقرأ الزهري بفتح التاء وكسر الميم مخففا ، وعنه أيضا . " تغمضوا " بضم التاء وفتح الغين وكسر الميم وشدها . فالأولى على معنى تهضموا سومها من البائع منكم فيحطكم . والثانية ، وهى قراءة قتادة فيما ذكر النحاس ، أي تأخذوا بنقصان . وقال أبو عمرو الداني : معنى قراءتي الزهري حتى تأخذوا بنقصان . وحكى مكي عن الحسن " إلا أن تغمضوا " [ ص: 298 ] مشددة الميم مفتوحة . وقرأ قتادة أيضا " تغمضوا " بضم التاء وسكون الغين وفتح الميم مخففا . قال أبو عمرو الداني : معناه إلا أن يغمض لكم ، وحكاه النحاس عن قتادة نفسه . وقال ابن جني : معناها توجدوا قد غمضتم في الأمر بتأولكم أو بتساهلكم وجريتم على غير السابق إلى النفوس . وهذا كما تقول : أحمدت الرجل وجدته محمودا ، إلى غير ذلك من الأمثلة . قال ابن عطية : وقراءة الجمهور تخرج على التجاوز وعلى تغميض العين ؛ لأن أغمض بمنزلة غمض . وعلى أنها بمعنى حتى تأتوا غامضا من التأويل والنظر في أخذ ذلك ، إما لكونه حراما على قول ابن زيد ، وإما لكونه مهدى أو مأخوذا في دين على قول غيره . وقال المهدوي : ومن قرأ تغمضوا فالمعنى تغمضون أعين بصائركم عن أخذه . قال الجوهري : وغمضت عن فلان إذا تساهلت عليه في بيع أو شراء وأغمضت ، وقال تعالى : ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه . يقال : أغمض لي فيما بعتني ، كأنك تريد الزيادة منه لرداءته والحط من ثمنه . و ( أن ) في موضع نصب ، والتقدير إلا بأن .الحادية عشرة : قوله تعالى : واعلموا أن الله غني حميد نبه سبحانه وتعالى على صفة الغني ، أي لا حاجة به إلى صدقاتكم ، فمن تقرب وطلب مثوبة فليفعل ذلك بما له قدر وبال ، فإنما يقدم لنفسه . و ( حميد ) معناه محمود في كل حال . وقد أتينا على معاني هذين الاسمين في " الكتاب الأسنى " والحمد لله . قال الزجاج في قوله : واعلموا أن الله غني حميد : أي لم يأمركم أن تصدقوا من عوز ولكنه بلا أخباركم فهو حميد على ذلك على جميع نعمه .
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
إفضاء إلى المقصود وهو الأمرُ بالصدقات بعد أن قُدم بين يديه مواعظ وترغيبٌ وتحذير . وهي طريقة بلاغية في الخطابة والخِطاب . فربما قدموا المطلوب ثم جاؤوا بما يكسبه قبولاً عند السامعين ، وربما قدموا ما يكسب القبولَ قبل المقصود كما هنا . وهذا من ارتكاب خلاف مقتضى الظاهر في ترتيب الجُمل ، ونكتة ذلك أنّه قد شاع بين الناس الترغيب في الصدقة وتكرّر ذلك في نزول القرآن فصار غرضاً دينياً مشهوراً ، وكان الاهتمام بإيضاحه والترغيب في أحواله والتنفير من نقائصه أجدر بالبيان . ونظير هذا قول علي في خطبته التي خطبها حين دخل سُفيان الغَامِدي أحد قواد أهل الشام بلدَ الأنبار وهي من البلاد المطيعة للخليفة علي وقتلوا عاملها حسان بنَ حسان البَكري : «أما بعد فإنّ من تَرك الجهاد رغبةَ عنه ألبسه الله ثوبَ الذل ، وشملُه البلاء ، ودُيِّثَ بالصّغار ، وضرب على قلبه ، وسيم الخَسْفَ ، ومُنِع النِّصْف . ألاَ وإنِّي قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلاً ونهاراً وقلتُ لكم اغزوهم قبل أن يغزوكم ، فوالله ما غُزِي قوم في عُقْر دارهم إلاّ ذلوا ، فتواكلتم . هذا أخو غامد قد وردتْ خيلُه الأنباء» إلخ . وانظر كلمة «الجهاد» في هذه الخطبة فلعل أصلها القِتال كما يدل عليه قوله بعده إلى قتال هؤلاء فحَرفَها قاصِدٌ أو غَافِلٌ ولا إخالها تصدر عن علي رضي الله عنه .والأمر يجوز أن يكون للوجوب فتكون الآية في الأمر بالزكاة ، أو للندب وهي في صدقة التطوّع ، أو هو للقدر المشترك في الطَلب فتشمل الزكاة وصدقة التطوّع ، والأدلة الأخرى تبيّن حكم كل . والقيد بالطَّيِّبَات يناسب تعميم النفقات .والمراد بالطيّبات خيار الأموال ، فيطلق الطيِّب على الأحسن في صنفه . والكَسب ما يناله المرء بسعيه كالتجارة والإجارة والغنيمة والصيد . ويطلق الطيّب على المال المكتسب بوجه حلال لا يخالطه ظلم ولا غشّ ، وهو الطيّب عند الله كقول النبي صلى الله عليه وسلم " من تصدق بصدقة من كسب طيّب ولا يقبل الله إلاّ طيّباً تلقّاها الرحمن بيمينه " الحديث ، وفي الحديث الآخر : " إنّ الله طيّب لا يقبل إلاّ طيّباً " . ولم يذكر الطيّبات مع قوله : { ومما أخرجنا لكم من الأرض } اكتفاء عنه بتقدم ذكره في قسيمه ، ويظهر أنّ ذلك لم يقيّد بالطيّبات لأنّ قوله : { أخرجنا لكم } أشعر بأنّه مما اكتسبه المرء بعمله بالحرث والغرس ونحو ذلك ، لأنّ الأموال الخبيثة تحصل غالباً من ظُلم الناس أو التحيّل عليهم وغشّهم وذلك لا يتأتّى في الثمرات المستخرجة من الأرض غالباً .والمراد بما أخرج من الأرض الزروع والثمار ، فمنه ما يخرج بنفسه ، ومنه ما يعالج بأسبابه كالسقي للشجر والزرع ، ثم يخرجه الله بما أوجد من الأسباب العادية .وبعض المفسرين عد المعادن داخلة في { ما أخرجنا لكم من الأرض } . وتجب على المعدن الزكاة عند مالك إذا بلغ مقدار النّصاب ، وفيه ربع العشر . وهو من الأموال المفروضة وليس بزكاة عند أبي حنيفة ، ولذلك قال فيه الخمس . وبعضهم عدّ الركاز داخلاً فيما أخرج من الأرض ولكنّه يخمس ، والحق في الحكم بالغنيمة عند المالكية . ولعلّ المراد بما كسبتم الأموال المزكّاة من العين والماشية ، وبالمخرج من الأرض الحبوب والثمار المزكّاة .وقوله : { ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون } أصل تيمّموا تتيمموا ، حذفت تاء المضارعة في المضارع وتَيمّم بمعنى قصد وعمد .والخبيث الشديد سُوءاً في صنفه فلذلك يطلق على الحرام وعلى المستقذر قال تعالى : { ويحرم عليهم الخبايث } [ الأعراف : 157 ] وهو الضدّ الأقصى للطيّب فلا يطلق على الرديء إلاّ على وجه المبالغة ، ووقوع لفظه في سياق النهي يفيد عموم ما يصدق عليه اللفظ .وجملة { منه تنفقون } حال ، والجار والمجرور معمولان للحال قدماً عليه للدلالة على الاختصاص ، أي لا تقصدوا الخبيث في حال إلاّ تنفقوا إلاّ منه ، لأنّ محل النهي أن يخرج الرجل صدقته من خصوص رديء ماله . أما إخراجه من الجيدَ ومن الرديء فليس بمنهي لا سيما في الزكاة الواجبة لأنّه يخرج عن كل ما هو عنده من نوعه . وفي حديث «الموطأ» في البيوع " أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أرسل عاملاً على صدقات خيبر فأتاه بتَمْر جَنيب فقال له : أكُلُّ تَمْرِ خيبر هكذا قال : لا ، ولكنّي أبيع الصاعين من الجَمْع بصاع من جنيب . فقال له : بع الجمع بالدّراهم ثم ابتع بالدراهم جنيباً " فدل على أنّ الصدقة تؤخذ من كل نصاب من نوعه ، ولكنّ المنهي عنه أن يخصّ الصدقة بالأصناف الرديئة . وأما في الحيوان فيؤخذ الوسط لتعذّر التنويع غالباً إلاّ إذا أكثر عدده فلا إشكال في تقدير الظرف هنا .وقرأ الجمهور { تَيمّموا } بتاء واحدة خفيفة وصْلاً وابتداء ، أصله تَتيمّموا ، وقرأه البزي عن ابن كثير بتشديد التاء في الوصل على اعتبار الإدغام .وقوله : { ولستم بأخذيه إلا أن تغمضوا فيه } جملة حالية من ضمير تنفقون ويجوز أن يكون الكلام على ظاهره من الإخبار فتكون جملة الحال تعليلاً لنهيهم عن الإنفاق من المال الخبيث شرعاً بقياس الإنفاق منه على اكتسابه قياس مساواة أي كما تكرهون كسبه كذلك ينبغي أن تكرهوا إعطاءه . وكأنّ كراهية كسبه كانت معلومة لديهم متقرّرة في نفوسهم ، ولذلك وقع القياس عليها .ويجوز أن يكون الكلام مستعملاً في النهي عن أخذ المال الخبيث ، فيكون الكلام منصرفاً إلى غرض ثاننٍ وهو النهي عن أخذ المال الخبيث والمعنى لا تأخذوه ، وعلى كلا الوجهين هو مقتضضٍ تحريم أخذ المال المعلومة حِرمته على من هو بيده ولا يُحلّه انتقاله إلى غيره .والإغماض إطباق الجفن ويطلق مجازاً على لازم ذلك ، فيطلق تارة على الهناء والاستراحة لأنّ من لوازم الإغماض راحة النائم قال الأعشى: ... عليككِ مثلُ الذي صَلِّيتتِ فاغْتمضيجَفْناً فإنّ لِجَنْببِ المَرْءِ مُضْطَجَعَا ... أراد فاهنئي . ويطلق تارة على لازمه من عدم الرؤية فيدل على التسامح في الأمر المكروه كقول الطرماح: ... لم يَفُتْنا بِالْوِتْرِ قَوْمٌ وَللضّيْممِ رجالٌ يَرْضَوْن بالإغماض ... فإذا أرادوا المبالغة في التغافل عن المكروه الشديد قالوا أغمض عينه على قذى؛ وذلك لأنّ إغماض الجفن مع وجود القذى في العين . لقصد الراحة من تحرّك القذى ، قال عبد العزيز بن زُرَارة الكَلاَئي: ... وأغْمَضْتُ الجُفُونَ على قَذَاهاولَمْ أسْمَعْ إلى قاللٍ وقِيلِ ... والاستثناء في قوله : { إلا أن تغمضوا فيه } على الوجه الأول من جعل الكلام إخباراً ، هو تقييد للنفي . وأما على الوجه الثاني من جعل النفي بمعنى النهي فهو من تأكيد الشيء بما يُشبه ضدّه أما لا تأخذوه إلاّ إذا تغاضيتم عن النهي وتجاهلتموه .وقوله : { واعلموا أن الله غني حميد } تذييل ، أي غني عن صدقاتكم التي لا تنفع الفقراء ، أو التي فيها استساغة الحرام . حميد ، أي شاكر لمن تصدّق صدقة طيّبة . وافتتحه باعلموا للاهتمام بالخبر كما تقدم عند قوله تعالى : { واتقوا الله واعلوا أنكم ملاقوه } [ البقرة : 223 ] ، أو نُزِّل المخاطبون الذين نُهوا عن الإنفاق من الخبيث منزلة من لا يعلم أن الله غني فأعطوا لوجههِ ما يقبله المحتاج بكل حال ولم يعلموا أنّه يحمد من يعطي لوجهه من طيّب الكسب .والغني الذي لا يحتاج إلى ما تكثر حاجة غالب الناس إليه ، ولِلَّهِ الغنى المطلق فلا يعطى لأجله ولامتثال أمره إلاّ خير ما يعطيه أحد للغَنِي عن المال .والحميد من أمثلة المبالغة ، أي شديد الحَمد؛ لأنه يثني على فاعلي الخيرات . ويجوز أن يكون المراد أنّه محمود ، فيكون حَميد بمعنى مفعول ، أي فتخلَّقُوا بذلك لأنّ صفات الله تعالى كمالات ، فكونوا أغنياء القلوب عن الشحّ محمودين على صدقاتكم ، ولا تعطوا صدقات تؤذن بالشحّ ولا تشكرون عليها .
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
ثم وجه القرآن بعد ذلك نداء إلى المؤمنين أمرهم فيه بأن يتحروا في نفقتهم الحلال الطيب ، بعد أن حضهم على الإِنفاق بسخاء وإخلاص .فقال - تعالى - :( ياأيها الذين آمنوا أَنْفِقُواْ . . . )قال ابن كثير : عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - في قول الله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا أَنْفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ ) . . الآية قال : نزلت في الأنصار كانت الأنصار إذا كانت أيام جذاذ النخل أخرجت من نخيلها البسر فعلقوه على حبل بين الاسطوانتين في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأكل فقراء المهاجرين منه ، فيعمد الرجل منهم إلى الحشف - أي التمر الردئ - فيدخله مع أفناء البسر يظن أن ذلك جائز فأنزل الله فيمن فعل ذلك الآية .والمعنى : يأيها الذين آمنوا اجعلوا نفقتكم التي تنفقونها في سبيل الله من أطيب أموالكم التي اكتسبتموها عن طريق التجارة وغيرها .قال ابن عباس : أمرهم الله - تعالى - بالإِنفاق من أطيب المال وأجوده وأنفسه ، ونهاهم عن التصدق برذالة المال ودنيئة وخبيثه ، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً " قال - تعالى - : ( لَن تَنَالُواْ البر حتى تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ ) وقوله : ( وَمِمَّآ أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأرض ) معطوف على ما قبله أي أنفقوا من طيبات أموالكم التي اكتسبتموها ومن طيبات ما أخرجنا لكم من الأرض من الحبوب والثمار والزروع وغيرها . وترك - سبحانه - ذكر كلمة الطيبات في هذه الجملة لسبق ذكرها في الجملة التي قبلها .فالآية الكريمة تأمر المؤمنين بأن يلتزموا في نفقتهم المال الطيب في كل وجه من وجوهه ، بأن يكون جيداً نفيساً في صنفه ، وحلالا مشروعاً في أصله .وقد أكد الله - تعالى - هذا الأمر بجملتين كريمتين فقال : ( وَلاَ تَيَمَّمُواْ الخبيث مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ ) .قوله - تعالى - : ( وَلاَ تَيَمَّمُواْ ) أي ولا تقصدوا وتتعمدوا . يقال : تيممت الشيء ويممته إذا قصدته . ويقال : يممت جهة كذا إذا قصدته . ومنه الإِمام لأنه المقصود المعتمد وأصل تيمموا فحذفت إحداهما تخفيفا .والخبيث هو الردئ من كل شيء وخبث الفضة والحديد ما نفاه الكير لأنه ينفى الردئ .ويطلق الخبيث على الشيء الحرام والمستقذر .والإِغماض في اللغة - كما يقول الرازي - غض النظر وإطباق جفن على جفن ، وأصله من الغموض وهو الخفاء ، والمراد بالإِغماض ها هنا المساهلة وذلك لأن الإِنسان إذا رأى ما يكره أغمض عنه لئلا يرى ذلك . ثم كثر ذلك حتى جعل كل تجاوز ومساهلة في البيع وغيره إغماضاً .والمعنى : أنفقوا أيها المؤمنون من أطيب أموالكم وأنفسها وأجودها ، ولا تتحروا وتقصدوا أن يكون أنفاقكم من الخبيث الرديء ، والحال أنكم لا تأخذونه إن أعطى لكم هبة أو شراء أو غير ذلك إلا أن تتساهلوا في قبوله ، وتغضوا الطرف عن رداءته ، إذا كان هذا شأنكم في قبول ما هو رديء فكيف تقدمونها لغيركم؟ إن الله - ينهاكم عن ذلك لأن من شأن المؤمن الصادق في إيمانه ألا يفعل لغيره إلا ما يجب أن يفعله لنفسه ، ولا يعطي من شيء إلا ما بجب أن يعطي إليه ، ففي الحديث الشريف :" عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به " .قال الآلوسي : وقوله : ( مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) الضمير المجرور يعود للخبيث ، وهو متعلق يتنفقون ، والتقديم للتخصيص ، والجملة حال مقدرة من فاعل ( تَيَمَّمُواْ ) أي لا تقصدوا الخبيث قاصرين الإنفاق عليه ، أو من الخبيث أي مختصاً به الإِنفاق ، وأيا ما كان لا يرد أنه يقتضي أن يكون النهي عن الخبيث الصرف فقط مع أن المخلوط أيضاً كذلك لأن التخصيص لتوبيخهم بما كانوا يتعاطون من إنفاق الخبيث خاصة .وقوله : ( وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ ) حال في ضمير ( تُنْفِقُونَ ) أي : والحال أنكم لستم بآخذيه في وقت من الأوقات أو بوجه من الوجوه إلا وقت إغماضكم فيه .ثم ختم - سبحانه - الآية بقوله : ( واعلموا أَنَّ الله غَنِيٌّ حَمِيدٌ ) أي واعلموا أن الله - تعالى - غني عن صدقاتكم وإنما أمركم بها لمنفعتكم ، ( حَمِيدٌ ) يجازي المحسن أفضل الجزاء ، وهو - سبحانه - المستحق للحمد الحقيقي دون سواه ، فمن الواجب عليكم أن تبذلوا في سبيله الجيد من أموالكم شكراص له على نعمه حتى يزيدكم من عطائه وآلائه .
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ) خيار قال ابن مسعود رضي الله عنه ومجاهد : من حلالات ( ما كسبتم ) بالتجارة والصناعة وفيه دلالة على إباحة الكسب وأنه ينقسم إلى طيب وخبيث .أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان ، أخبرنا أبو جعفر الرياني ، أخبرنا حميد بن زنجويه ، أخبرنا يعلى بن عبيد ، أخبرنا الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أطيب ما يأكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه " .أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أبو منصور السمعاني ، أخبرنا أبو جعفر الرياني ، أخبرنا حميد بن زنجويه ، أخبرنا عبد الله بن صالح ، أخبرنا أبو معاوية بن صالح عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن المقدام بن معد يكرب أنه حدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده وكان داود لا يأكل إلا من عمل يديه " .أخبرنا أبو القاسم يحيى بن علي بن محمد الكشميهني ، أخبرنا نجاح بن يزيد المحاربي بالكوفة أخبرنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني ، أخبرنا أحمد بن حازم ، أخبرنا يحيى بن عبيد ، أخبرنا أبان بن إسحاق عن الصباح بن محمد بن مرة الهمداني عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يكتسب عبد مالا حراما فيتصدق منه فيقبل الله منه ولا ينفق منه فيبارك له فيه ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار إن الله لا يمحو السيئ بالسيئ ولكن يمحو السيئ بالحسن إن الخبيث لا يمحو الخبيث " .والزكاة واجبة في مال التجارة عند أكثر أهل العلم فبعد الحول يقوم العروض فيخرج من قيمتها ربع العشر إذا كان قيمتها عشرين دينارا أو مائتي درهم قال سمرة بن جندب : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعده للبيع " .وعن أبي عمرو بن حماس أن أباه قال : مررت بعمر بن الخطاب رضي الله عنه وعلى عنقي أدمة أحملها فقال عمر : ألا تؤدي زكاتك يا حماس؟ فقلت : ما لي غير هذا وأهب في القرظ ، فقال ذاك مال فضع فوضعتها فحسبها فأخذ منها الزكاة .قوله تعالى : ( ومما أخرجنا لكم من الأرض ) قيل هذا بإخراج العشور من الثمار والحبوب واتفق أهل العلم على إيجاب العشر في النخيل والكروم وفيما يقتات من الحبوب إن كان مسقيا بماء السماء أو من نهر يجري الماء إليه من غير مؤنة وإن كان مسقيا بساقية أو بنضح ففيه نصف العشر .أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا سعيد بن أبي مريم ، أخبرنا عبد الله بن وهب ، أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم " فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر " .أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، أخبرنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد الله بن نافع عن محمد بن صالح التمار عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن عتاب بن أسيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في زكاة الكرم يخرص كما يخرص النخل ثم تؤدى زكاته زبيبا كما تؤدى زكاة النخل تمرا " .واختلف أهل العلم فيما سوى النخل والكروم وفيما سوى ما يقتات به من الحبوب ، فذهب قوم إلى أنه لا عشر في شيء منها وهو قول ابن أبي ليلى والشافعي رضي الله عنه .وقال الزهري والأوزاعي ومالك رضي الله عنهم : يجب في الزيتون وقال أبو حنيفة رضي الله عنه : يجب العشر في جميع البقول والخضروات كالثمار إلا الحشيش والحطب وكل ثمرة أوجبنا فيها الزكاة فإنما يجب ببدو الصلاح ووقت الإخراج بعد الاجتناء والجفاف وكل حب أوجبنا فيه العشر فوقت وجوبه اشتداد الحب ووقت الإخراج بعد الدياسة والتنقية ولا يجب العشر في شيء منها حتى تبلغ خمسة أوسق عند أكثر أهل العلم وعند أبي حنيفة رحمه الله يجب في كل قليل وكثير منها واحتج من شرط النصاب بما أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أخبرنا زاهر بن أحمد ، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي ، أخبرنا أبو مصعب ، عن مالك عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة المازني عن أبيه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة وليس فيما دون خمسة أواق من الورق صدقة وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة " .وروى يحيى بن عبادة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ليس في حب ولا تمر صدقة حتى تبلغ خمسة أوسق " ، وقال قوم الآية في صدقات التطوع .أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أبو منصور السمعاني أخبرنا أبو جعفر الرياني ، أخبرنا حميد بن زنجويه ، أخبرنا يحيى بن يحيى أخبرنا أبو عوانة عن قتادة ، عن أنس بن مالك رضي الله عنهم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من مؤمن يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه إنسان أو طير أو بهيمة إلا كان له به صدقة " .قوله تعالى : ( ولا تيمموا ) قرأ ابن كثير برواية البزي بتشديد التاء في الوصل فيها وفي أخواتها وهي واحد وثلاثون موضعا في القرآن لأنه في الأصل تاءان أسقطت إحداهما فرد هو الساقطة وأدغم وقرأ الآخرون بالتخفيف ومعناه لا تقصدوا ( الخبيث منه تنفقون )روي عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال : كانت الأنصار تخرج إذا كان جذاذ النخل أقناء من التمر والبسر فيعلقونه على حبل بين الأسطوانتين في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأكل منه فقراء المهاجرين فكان الرجل منهم يعمد فيدخل قنو الحشف وهو يظن أنه جائز عنه في كثرة ما يوضع من الأقناء فنزل فيمن فعل ذلك ( ولا تيمموا الخبيث ) أي الحشف والرديء وقال الحسن ومجاهد والضحاك : كانوا يتصدقون بشرار ثمارهم ورذالة أموالهم ويعزلون الجيد ناحية لأنفسهم فأنزل الله تعالى ( ولا تيمموا الخبيث ) الرديء ( منه تنفقون ولستم بآخذيه ) يعني الخبيث ( إلا أن تغمضوا فيه ) الإغماض غض البصر وأراد هاهنا التجوز والمساهلة معناه لو كان لأحدكم على رجل حق فجاءه بهذا لم يأخذه إلا وهو يرى أنه قد أغمض له عن حقه وتركه . وقال الحسن وقتادة : لو وجدتموه يباع في السوق ما أخذتموه بسعر الجيد .وروي عن البراء قال : لو أهدي ذلك لكم ما أخذتموه إلا على استحياء من صاحبه وغيظ فكيف ترضون ما لا ترضون لأنفسكم؟ هذا إذا كان المال كله جيدا فليس له إعطاء الرديء لأن أهل السهمان شركاؤه فيما عنده فإن كان كل ماله رديئا فلا بأس بإعطاء الرديء ( واعلموا أن الله غني ) عن صدقاتكم ( حميد ) محمود في أفعاله .