تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
وبيانًا لفضل آدم عليه السلام علَّمه الله أسماء الأشياء كلها، ثم عرض مسمياتها على الملائكة قائلا لهم: أخبروني بأسماء هؤلاء الموجودات، إن كنتم صادقين في أنكم أَوْلى بالاستخلاف في الأرض منهم.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
«وعلَّم آدم الأسماء» أي أسماء المسميات «كلها» بأن ألقى في قلبه علمها «ثم عرضهم» أي المسميات وفيه تغليب العقلاء «على الملائكة فقال» لهم تبكيتاً «أنبئوني» أخبروني «بأسماء هؤلاء» المسميات «إن كنتم صادقين» في أني لا أخلق أعلم منكم أو أنكم أحق بالخلافة، وجواب الشرط دل عليه ما قبله.
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
قوله تعالى : وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين[ ص: 265 ] فيه سبع مسائل :الأولى : قوله تعالى : وعلم آدم الأسماء كلها علم عرف . وتعليمه هنا إلهام علمه ضرورة . ويحتمل أن يكون بواسطة ملك وهو جبريل عليه السلام على ما يأتي . وقرئ : " وعلم " غير مسمى الفاعل . والأول أظهر ، على ما يأتي . قال علماء الصوفية : علمها بتعليم الحق إياه وحفظها بحفظه عليه ونسي ما عهد إليه ، لأن وكله فيه إلى نفسه فقال : ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما . وقال ابن عطاء : لو لم يكشف لآدم علم تلك الأسماء لكان أعجز من الملائكة في الإخبار عنها . وهذا واضح .وآدم عليه السلام يكنى أبا البشر . وقيل : أبا محمد ، كني بمحمد خاتم الأنبياء صلوات الله عليهم ، قاله السهيلي . وقيل : كنيته في الجنة أبو محمد ، وفي الأرض أبو البشر . وأصله بهمزتين ; لأنه أفعل إلا أنهم لينوا الثانية ، فإذا احتجت إلى تحريكها جعلتها واوا فقلت : أوادم في الجمع لأنه ليس لها أصل في الياء معروف ، فجعلت الغالب عليها الواو ، عن الأخفش .واختلف في اشتقاقه ، فقيل : هو مشتق من أدمة الأرض وأديمها وهو وجهها ، فسمي بما خلق منه ، قال ابن عباس . وقيل : إنه مشتق من الأدمة وهي السمرة . واختلفوا في الأدمة ، فزعم الضحاك أنها السمرة ، وزعم النضر أنها البياض ، وأن آدم عليه السلام كان أبيض ، مأخوذ من قولهم : ناقة أدماء ، إذا كانت بيضاء . وعلى هذا الاشتقاق جمعه أدم وأوادم ، كحمر وأحامر ، ولا ينصرف بوجه . وعلى أنه مشتق من الأدمة جمعه آدمون ، ويلزم قائلو هذه المقالة صرفه .قلت : الصحيح أنه مشتق من أديم الأرض . قال سعيد بن جبير : إنما سمي آدم لأنه خلق من أديم الأرض ، وإنما سمي إنسانا لأنه نسي ، ذكره ابن سعد في الطبقات . وروى السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود في قصة خلق آدم عليه السلام قال : فبعث الله جبريل عليه السلام إلى الأرض ليأتيه بطين منها ، فقالت الأرض : أعوذ بالله منك أن تنقص مني أو تشينني ، فرجع ولم يأخذ وقال : يا رب إنها عاذت بك فأعذتها . فبعث ميكائيل فعاذت منه فأعاذها ، فرجع فقال كما قال جبريل ، فبعث [ ص: 266 ] ملك الموت فعاذت منه فقال : وأنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره . فأخذ من وجه الأرض وخلط ، ولم يأخذ من مكان واحد ، وأخذ من تربة حمراء وبيضاء وسوداء ، فلذلك خرج بنو آدم مختلفين - ولذلك سمي آدم لأنه أخذ من أديم الأرض - فصعد به ، فقال الله تعالى له : أما رحمت الأرض حين تضرعت إليك فقال : رأيت أمرك أوجب من قولها . فقال : أنت تصلح لقبض أرواح ولده " فبل التراب حتى عاد طينا لازبا ، اللازب : هو الذي يلتصق بعضه ببعض ، ثم ترك حتى أنتن ، فذلك حيث يقول : من حمإ مسنون قال : منتن . ثم قال للملائكة : إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين فخلقه الله بيده لكيلا يتكبر إبليس عنه يقول : أتتكبر عما خلقت بيدي ولم أتكبر أنا عنه فخلقه بشرا فكان جسدا من طين أربعين سنة من مقدار يوم الجمعة ، فمرت به الملائكة ففزعوا منه لما رأوه وكان أشدهم منه فزعا إبليس فكان يمر به فيضربه فيصوت الجسد كما يصوت الفخار تكون له صلصلة ، فذلك حين يقول : من صلصال كالفخار . ويقول لأمر ما خلقت . ودخل من فمه وخرج من دبره ، فقال إبليس للملائكة : لا ترهبوا من هذا فإنه أجوف ولئن سلطت عليه لأهلكنه . ويقال : إنه كان إذا مر عليه مع الملائكة يقول : أرأيتم هذا الذي لم تروا من الخلائق يشبهه إن فضل عليكم وأمرتم بطاعته ما أنتم فاعلون قالوا : نطيع أمر ربنا فأسر إبليس في نفسه لئن فضل علي فلا أطيعه ، ولئن فضلت عليه لأهلكنه ، فلما بلغ الحين الذي أريد أن ينفخ فيه الروح قال للملائكة : إذا نفخت فيه من روحي فاسجدوا له ، فلما نفخ فيه الروح فدخل الروح في رأسه عطس ، فقالت له الملائكة : قل الحمد لله ، فقال : الحمد لله ، فقال الله له : رحمك ربك ، فلما دخل الروح في عينيه نظر إلى ثمار الجنة ، فلما دخل في جوفه اشتهى الطعام فوثب قبل أن يبلغ الروح رجليه عجلان إلى ثمار الجنة ، فذلك حين يقول : خلق الإنسان من عجلفسجد الملائكة كلهم أجمعون ، إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين وذكر القصة . وروى الترمذي عن أبي موسى الأشعري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله عز وجل خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض [ ص: 267 ] فجاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك والسهل والحزن والخبيث والطيب . قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح . أدم : جمع أدم ، قال الشاعر :الناس أخياف وشتى في الشيم وكلهم يجمعهم وجه الأدمفآدم مشتق من الأديم والأدم لا من الأدمة ، والله أعلم . ويحتمل أن يكون منهما جميعا . وسيأتي لهذا الباب مزيد بيان في خلق آدم في " الأنعام " وغيرها إن شاء الله تعالى .و " آدم " لا ينصرف . قال أبو جعفر النحاس : " آدم لا ينصرف في المعرفة بإجماع النحويين ، لأنه على أفعل وهو معرفة ، ولا يمتنع شيء من الصرف عند البصريين إلا لعلتين . فإن نكرته ولم يكن نعتا لم يصرفه الخليل وسيبويه ، وصرفه الأخفش سعيد ; لأنه كان نعتا وهو على وزن الفعل ، فإذا لم يكن نعتا صرفه . قال أبو إسحاق الزجاج : القول قول سيبويه ، ولا يفرق بين النعت وغيره لأنه هو ذاك بعينه " .الثانية : قوله تعالى الأسماء كلها " الأسماء " هنا بمعنى العبارات ، فإن الاسم قد يطلق ويراد به المسمى ، كقولك : زيد قائم ، والأسد شجاع . وقد يراد به التسمية ذاتها ، كقولك : أسد ثلاثة أحرف ، ففي الأول يقال : الاسم هو المسمى بمعنى يراد به المسمى ، وفي الثاني لا يراد المسمى ، وقد يجري اسم في اللغة مجرى ذات العبارة ، وهو الأكثر من استعمالها ، ومنه قوله تعالى : وعلم آدم الأسماء كلها على أشهر التأويلات ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : إن لله تسعة وتسعين اسما . ويجري مجرى الذات ، يقال : ذات ونفس وعين واسم بمعنى ، وعلى هذا حمل أكثر أهل العلم قوله تعالى : سبح اسم ربك الأعلى تبارك اسم ربك إن هي إلا أسماء سميتموها .الثالثة : واختلف أهل التأويل في معنى الأسماء التي علمها لآدم عليه السلام ، فقال ابن عباس وعكرمة وقتادة ومجاهد وابن جبير : علمه أسماء جميع الأشياء كلها جليلها وحقيرها . وروى عاصم بن كليب عن سعد مولى الحسن بن علي قال : كنت جالسا عند ابن عباس فذكروا اسم الآنية واسم السوط ، قال ابن عباس : وعلم آدم الأسماء كلها .قلت : وقد روي هذا المعنى مرفوعا على ما يأتي ، وهو الذي يقتضيه لفظ " كلها " إذ هو اسم موضوع للإحاطة والعموم ، وفي البخاري من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ويجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا فيأتون آدم فيقولون أنت أبو الناس خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء الحديث . قال ابن خويز منداد : في هذه الآية دليل على أن اللغة مأخوذة توقيفا ، وأن الله تعالى علمها آدم عليه السلام جملة وتفصيلا . وكذلك قال ابن عباس : علمه أسماء كل شيء حتى الجفنة والمحلب .وروى شيبان عن قتادة قال : علم آدم من الأسماء أسماء خلقه ما لم يعلم الملائكة ، وسمى كل شيء باسمه وأنحى منفعة كل شيء إلى جنسه . قال النحاس : وهذا أحسن ما روي في هذا . والمعنى : علمه أسماء الأجناس وعرفه منافعها ، هذا كذا ، وهو يصلح لكذا . وقال الطبري : علمه أسماء الملائكة وذريته ، واختار هذا ورجحه بقوله : ثم عرضهم على الملائكةوقال ابن زيد : علمه أسماء ذريته ، كلهم .الربيع بن خثيم : أسماء الملائكة خاصة .القتي : أسماء ما خلق في الأرض . وقيل : أسماء الأجناس والأنواع .قلت : القول الأول أصح ، لما ذكرناه آنفا ولما نبينه إن شاء الله تعالى .الرابعة : واختلف المتأولون أيضا هل عرض على الملائكة أسماء الأشخاص أو الأسماء دون الأشخاص ، فقال ابن مسعود وغيره : عرض الأشخاص لقوله تعالى : عرضهم وقوله : أنبئوني بأسماء هؤلاء . وتقول العرب : عرضت الشيء فأعرض ، أي أظهرته فظهر . ومنه : عرضت الشيء للبيع . وفي الحديث ( إنه عرضهم أمثال الذر ) . وقال ابن عباس وغيره : عرض الأسماء . وفي حرف ابن مسعود : " عرضهن " ، فأعاد على الأسماء دون الأشخاص ; لأن الهاء والنون أخص بالمؤنث . وفي حرف أبي : " عرضها " .مجاهد : أصحاب الأسماء . فمن قال في الأسماء إنها التسميات فاستقام على قراءة أبي : " عرضها " . وتقول في قراءة من قرأ عرضهم : إن لفظ الأسماء يدل على أشخاص ، [ ص: 269 ] فلذلك ساغ أن يقال للأسماء : عرضهم . وقال في هؤلاء : المراد بالإشارة : إلى أشخاص الأسماء ، لكن وإن كانت غائبة فقد حضر ما هو منها بسبب وذلك أسماؤها . قال ابن عطية : والذي يظهر أن الله تعالى علم آدم الأسماء وعرضهن عليه مع تلك الأجناس بأشخاصها ، ثم عرض تلك على الملائكة وسألهم عن تسمياتها التي قد تعلمها ، ثم إن آدم قال لهم : هذا اسمه كذا ، وهذا اسمه كذا . وقال الماوردي : وكان الأصح توجه العرض إلى المسمين . ثم في زمن عرضهم قولان : أحدهما أنه عرضهم بعد أن خلقهم . الثاني - أنه صورهم لقلوب الملائكة ثم عرضهم .الخامسة : واختلف في أول من تكلم باللسان العربي ، فروي عن كعب الأحبار : أن أول من وضع الكتاب العربي والسرياني والكتب كلها بالألسنة كلها آدم عليه السلام . وقاله غير كعب الأحبار .فإن قيل : قد روي عن كعب الأحبار من وجه حسن قال : أول من تكلم بالعربية جبريل عليه السلام وهو الذي ألقاها على لسان نوح عليه السلام وألقاها نوح على لسان ابنه سام ، ورواه ثور بن زيد عن خالد بن معدان عن كعب وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( أول من فتق لسانه بالعربية المبينة إسماعيل وهو ابن عشر سنين ) . وقد روي أيضا : أن أول من تكلم بالعربية يعرب بن قحطان ، وقد روي غير ذلك . قلنا : الصحيح أن أول من تكلم باللغات كلها من البشر آدم عليه السلام ، والقرآن يشهد له قال الله تعالى : وعلم آدم الأسماء كلها واللغات كلها أسماء فهي داخلة تحته وبهذا جاءت السنة ، قال صلى الله عليه وسلم : وعلم آدم الأسماء كلها حتى القصعة والقصيعة وما ذكروه يحتمل أن يكون المراد به أول من تكلم بالعربية من ولد إبراهيم عليه السلام إسماعيل عليه السلام . وكذلك إن صح ما سواه فإنه يكون محمولا على أن المذكور أول من تكلم من قبيلته بالعربية بدليل ما ذكرنا والله أعلم . وكذلك جبريل أول من تكلم بها من الملائكة وألقاها على لسان نوح بعد أن علمها الله آدم أو جبريل ، على ما تقدم ، والله أعلم .قوله تعالى : " هؤلاء " لفظ مبني على الكسر . ولغة تميم وبعض قيس وأسد فيه القصر ، قال الأعشى :هؤلا ثم هؤلا كلا أعطي ت نعالا محذوة بمثالومن العرب من يقول : هولاء ، فيحذف الألف والهمزة .السادسة : قوله تعالى : إن كنتم صادقين شرط ، والجواب محذوف تقديره : إن كنتم [ ص: 270 ] صادقين أن بني آدم يفسدون في الأرض فأنبئوني ، قاله المبرد . ومعنى صادقين عالمين ، ولذلك لم يسغ للملائكة الاجتهاد ، وقالوا : سبحانك حكاه النقاش قال : ولو لم يشترط عليهم إلا الصدق في الإنباء لجاز لهم الاجتهاد كما جاز للذي أماته الله مائة عام حين قال له : كم لبثت ، فلم يشترط عليه الإصابة ، فقال ولم يصب ولم يعنف ، وهذا بين لا خفاء فيه . وحكى الطبري وأبو عبيد : أن بعض المفسرين قال إن معنى إن كنتم : إذ كنتم ، وقالا : هذا خطأ . وأنبئوني معناه أخبروني . والنبأ : الخبر ، ومنه النبيء بالهمز ، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى .السابعة : قال بعض العلماء : يخرج من هذا الأمر بالإنباء تكليف ما لا يطاق لأنه علم أنهم لا يعلمون . وقال المحققون من أهل التأويل : ليس هذا على جهة التكليف ، وإنما هو على جهة التقرير والتوقيف . وسيأتي القول في تكليف ما لا يطاق - هل وقع التكليف به أم لا - في آخر السورة إن شاء الله تعالى .
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
معطوف على قوله : { قال إني أعلم م لا تعلمون } [ البقرة : 30 ] عطف حكاية الدليل التفصيلي على حكاية الاستدلال الإجمالي الذي اقتضاه قوله : { إني أعلم ما لا تعلموت } فإن تعليم آدم الأسماء وإظهار فضيلته بقبوله لهذا التعليم دون الملائكة جعله الله حجة على قوله لهم { إني أعلم ما لا تعلمون أي ما لا تعلمون } من جدارة هذا المخلوق بالخلافة في الأرض ، وعطف ذكر آدم بعد ذكر مقالة الله للملائكة وذكر محاورتهم يدل على أن هذا الخليفة هو آدم وأن آدم اسم لذلك الخليفة وهذا الأسلوب من بديع الإجمالي والتفصيل والإيجاز كما قال النابغة :فقلت لهم لا أعرفن عقائلا ... رعابيب من جنبي أريك وعاقلالأبيات . ثم قال بعدها :وقد خفت حتى ما تزيد مخافتي ... على وعل في ذي المطارة عاقلمخافة عمرو أن تكون جياده ... يقدن إلينا بين حاففٍ وناعلفدل على أن ما ذكره سالفاً من العقائل التي بين أريك وعاقل ومن الأنعام المغتنمة هو ما يتوقع من عزو عمرو بن الحرث الغساني ديار بني عوف من قومه .وآدم اسم الإنسان الأول أبي البشر في لغة العرب وقيل منقول من العبرانية لأن أداماً بالعبرانية بمعنى الأرض وهو قريب لأن التوراة تكلمت على خلق آدم وأطالت في أحواله فلا يبعد أن يكون اسم أبي البشر قد اشتهر عند العرب من اليهود وسماع حكاياتهم ، ويجوز أن يكون هذا الاسم عرف عند العرب والعبرانيين معاً من أصل اللغات السامية فاتفقت عليه فروعها . وقد سمي في سفر التكوين من التوراة بهذا الاسم آدم ووقع في «دائرة المعارف العربية» أن آدم سمى نفسه إيش ( أي ذا مقتني ) وترجمته إنسان أو قرء . قلت ولعله تحريف ( إيث ) كما ستعلمه عند قوله تعالى : { اسكن أنت وزوجك الجنة } [ البقرة : 35 ] .وللإنسان الأول أسماء أُخر في لغات الأمم وقد سماه الفرس القدماء «كيومرتْ» بفتح الكاف في أوله وبتاء مثناة فوقية في آخره ، ويسمى أيضاً «كيامَرِتن» بألف عوق الواو وبكسر الراء وبنون بعد المثناة الفوقية ، قالوا إنه مكث في الجنة ثلاثة آلاف سنة ثم هبط إلى الأرض فعاش في الأرض ثلاثة آلاف سنة أخرى ، واسمه في العبرانية ( آدم ) كما سمي في التوراة وانتقل هذا الاسم إلى اللغات الأفرنجية من كتب الديانة المسيحية فسموه ( آدام ) بإشباع الدال ، فهو اسم على وزن فَاعَل صيغ كذلك اعتباطاً وقد جمع على أوادم بوزن فَواعل كما جمع خَاتَم وهذا الذي يشير إليه صاحب «الكشاف» وجعل محاولة اشتقاقه كمحاولة اشتقاق يعقوب من العقب وإبليس من الإبلاس ونحو ذلك أي هي محاولة ضئيلة وهو الحق .وقال الجوهري أصله أَأْدم بهمزتين على وزن أفْعَل من الأدمة وهي لون السمرة فقلبت ثانية الهمزتين مَدة ويبعده الجمع وإن أمكن تأويله بأن أصله أَأَادم فقلبت الهمزة الثانية في الجمع واواً لأنها ليس لها أصل كما أجاب به الجوهري .ولعل اشتقاق اسم لَون الأدمة من اسم آدم أقرب من العكس .والأسماء جمع اسم وهو في اللغة لفظ يدل على معنى يفهمه ذهن السامع فيختص بالألفاظ سواء كان مدلولها ذاتاً وهو الأصل الأول ، أو صفة أو فعلاً فيما طرأ على البشر الاحتياج إليه في استعانة بعضهم ببعض فحصل من ذلك ألفاظ مفردة أو مركبة وذلك هو معنى الاسم عرفا إذ لم يقع نقل . فما قيل إن الاسم يطلق على ما يدل على الشيء سواء كان لفظه أو صفتَه أو فعلَه توهم في اللغة . ولعلهم تطوحوا به إلى أن اشتقاقه من السمة وهي العلامة ، وذلك على تسليمه لا يقتضي أن يبقى مساوياً لأصل اشتقاقه . وقد قيل هو مشتق من السمو لأنه لما دل على الذات فقد أبرزها . وقيل مشتق من الوَسم لأنه سمة على المدلول . والأظهر أنه مشتق من السُّمُو وأن وزنه سِمْو بكسر السين وسكون الميم لأنهم جمعوه على أسماء ولولا أن أصله سِمْو لما كان وجه لزيادة الهمزة في آخره فإنها مبدلة عن الواو في الطرف إثر ألف زائدة ولكانوا جمعوه على أوْسام .والظاهر أن الأسماء التي عُلمها آدم هي ألفاظ تدل على ذوات الأشياء التي يحتاج نوع الإنسان إلى التعبير عنها لحاجته إلى ندائها ، أو استحضارها ، أو إفادة حصول بعضها مع بعض ، وهي أي الإفادة ما نسميه اليوم بالأخبار أو التوصيف فيظهر أن المراد بالأسماء ابتداءً أسماءُ الذوات من الموجودات مثل الأعلام الشخصية وأسماء الأجناس من الحيوان والنبات والحجر والكواكب مما يقع عليه نظر الإنسان ابتداء مثل اسم جَنة ، وملك ، وآدم ، وحواء ، وإبليس ، وشجرة وثمرة ، ونجد ذلك بحسب اللغة البشرية الأولى ولذلك نرجح أن لا يكون فيما عُلمه آدم ابتداء شيء من أسماء المعاني والأحداث ثم طرأت بعد ذلك فكان إذا أراد أن يخبر عن حصول حدَث أو أمر معنوي لذات ، قَرَن بين اسم الذات واسم الحدث نحو ماءْ بَرْدْ أي ماء بارد ثم طرأ وضع الأفعال والأوصاف بعد ذلك فقال الماءْ باردْ أو بَرَد الماء ، وهذا يرجح أن أصل الاشتقاق هو المصادر لا الأفعال لأن المصادر صنف دقيق من نوع الأسماء وقد دلنا على هذا قوله تعالى : { ثم عرضهم } كما سيأتي .والتعريف في ( الأسماء ) تعريف الجنس أريد منه الاستغراق للدلالة على أنه عَلَّمه جميع أسماء الأشياء المعروفة يومئذٍ في ذلك العالم فهو استغراق عرفي مثل جمَمَع الأمير الصاغَةَ أي صاغة أَرضه ، وهو الظاهر لأنه المقدار الذي تظهر به الفضيلة فما زاد عليه لا يليق تعليمُه بالحكمة وقدرةُ الله صالحة لذلك .وتعريف الأسماء يفيد أن الله علم آدم كل اسم ما هُو مسماه ومدلوله ، والإتيان بالجمع هنا متعين إذ لا يستقيم أن يقول وعلم آدم الاسم ، وما شاع من أن استغراق المفرد أشمل من استغراق الجمع في المعرف باللام كلامٌ غير محرر ، وأصله مأخوذ من كلام السكاكي وسنحققه عند قوله تعالى : { ولكنَّ البر مَن آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتابِ } [ البقرة : 177 ] في هذ السورة .و { كلَّها } تأكيد لمعنى الاستغراق لئِلا يتوهم منه العهد فلم تزد كلمة كل العمومَ شمولاً ولكنها دفعت عنه الاحتمال . ( وكُل ) اسم دال على الشمول والإحاطة فيما أضيف هو إليه وأكثر ما يَجىء مضافاً إلى ضمير ما قبله فيُعرب توكيداً تابعاً لما قبله ويكون أيضاً مسْتقلاً بالإعراب إذا لم يقصد التوكيد بل قُصدت الإحاطة وهو ملازم للإضافة لفظاً أو تقديراً فإذا لم يذكر المضاف إليه عُوض عنه التنوين ولكونه ملازماً للإضافة يعتبر معرفة بالإضافة فلا تدخل عليه لام التعريف .وتعليم الله تعالى آدمَ الأسماء إما بطريقة التلقين بعرض المسمى عليه فإذا أراه لُقن اسمه بصوت مخلوق يسمعه فيعلم أن ذلك اللفظ دال على تلك الذات بعلم ضروري ، أو يكون التعليم بإلقاء علم ضروري في نفس آدم بحيث يخطر في ذهنه اسم شيء عند ما يعرض عليه فيضع له اسماً بأنْ ألهمه وضع الأسماء للأشياء ليمكنه أن يفيدها غيره وذلك بأن خلق قوةَ النطق فيه وجعله قادراً على وضع اللغة كما قال تعالى : { خلق الإنسان علمه البيان } [ الرحمن : 2 ، 3 ] وجميع ذلك تعليم إذ التعليم مصدر علَّمه إذا جعله ذَا علم مثل أدَّبه فلا ينحصر في التلقين وإِنْ تبادَر فيه عرفاً . وأيَّاً ما كانت كيفية التعليم فقد كان سبباً لتفضيل الإنسان على بقية أنواع جنسه بقوة النطق وإحداث الموضوعات اللغوية للتعبير عما في الضمير . وكان ذلك أيضاً سبباً لتفاضل أفراد الإنسان بعضهم على بعض بما ينشأ عن النطق من استفادة المجهول من المعلوم وهو مبدأ العلوم ، فالإنسان لما خُلق ناطقاً معبراً عما في ضميره فقد خُلق مدركاً أي عالماً وقد خلق معلماً ، وهذا أصل نشأة العلوم والقوانين وتفاريعها لأنك إذا نظرت إلى المعارف كلها وجدتها وضع أسماء لمسميات وتعريفَ معاني تلك الأسماء وتحديدها لتسهيل إيصال ما يحصل في الذهن إلى ذهن الغير . وكلا الأمرين قد حُرِمه بقية أنواع الحيوان ، فلذلك لم تتفاضل أفراده إلا تفاضلاً ضعيفاً بحسن الصورة أو قوة المنفعة أو قلة العجمة بلْهَ بقية الأجناس كالنبات والمعدن . وبهذا تعلم أن العبرة في تعليم الله تعالى آدم الأسماء حاصلة سواء كان الذي علَّمه إياه أسماءَ الموجودات يومئذٍ أو أسماء كل ما سيوجد ، وسواء كان ذلك بلغة واحدة هي التي ابتدأَ بها نطق البشر منذ ذلك التعليم أم كان بجميع اللغات التي ستنطق بها ذرياته من الأمم ، وسواء كانت الأسماء أسماء الذوات فقط أو أسماء المعاني والصفات ، وسواء كان المراد من الأسماء الألفاظَ الدالة على المعاني أو كل دال على شيء لفظاً كان أو غيره من خصائص الأشياء وصفاتها وأفعالها كما تقدم إذ محاولة تحقيق ذلك لا طائل تحته في تفسير القرآن .ولعل كثيراً من المفسرين قد هان عندهم أن يكون تفضيل آدم بتعليم الله متعلقاً بمعرفة عدد من الألفاظ الدالة على المعاني الموجودة فراموا تعظيم هذا التعليم بتوسيعه وغفلوا عن موقع العبرة ومِلاككِ الفضيلة وهو إيجاد هاته القوة العظيمة التي كان أولها تعليم تلك الأسماء ، ولذلك كان إظهار عجز الملائكة عن لحاق هذا الشأو بعدم تعليمهم لشيء من الأسماء ، ولو كانت المزية والتفاضل في تعليم آدم جميع ما سيكون من الأسماء في اللغات لكفى في إظهار عجز الملائكة عدم تعليمهم لجمهرة الأسماء وإنما علم آدم أسماء الموجودات يومئذٍ كلها ليكون إنباؤه الملائكة بها أبهر لهم في فضيلته .وليس في هذه الآية دليل على أن اللغات توقيفية أي لَقَّنَها الله تعالى البشر على لسان آدم ولا على عدمه لأن طريقة التعليم في قوله تعالى : { وعلم آدم الأسماء } مجملة محتملة لكيفيات كما قدمناه . والناس متفقون على أن القدرة عليها إلهام من الله وذلك تعليم منه سواء لقن آدم لغة واحدة أو جميع لغات البشر وأسماء كل شيء أو ألهمه ذلك أو خلق له القوة الناطقة ، والمسألة مفروضة في علم الله وفي أصول الفقه وفيها أقوال ولا أثر لهذا الاختلاف لا في الفقه ولا في غيره قال المازري «إلا في جواز قلب اللغة والحق أن قلب الألفاظ الشرعية حرام وغيره جائز» ولقد أصاب المازري وأخطأ كل من رام أن يجعل لهذا الخلاف ثمرة غير ما ذكر ، وفي استقراء ذلك ورده طول ، وأمره لا يخفى عن سالمي العقول .{ ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الملائكة فَقَالَ أَنبِئُونِى بِأَسْمَآءِ هؤلاء إِن كُنتُمْ صادقين } .قيل عطفه بثم لأن بين ابتداء التعليم وبين العرض مهلة وهي مدة تلقين الأسماء لآدم أو مدة إلهامه وضع الأسماء للمسميات . والأظهر أن ( ثم ) هنا للتراخي الرتبي كشأنها في عطفها الجمل لأن رتبة هذا العرض وظهور عدم علم الملائكة وظهور علم آدم وظهور أثر علم الله وحكمته كل ذلك أرفع رتبة في إظهار مزية آدم واستحقاقه الخلافة ، من رتبة مجرد تعلمه الأسماء لو بقي غير متصل به ما حدث من الحادثة كلها . ولما كان مفهوم لفظ ( اسم ) من المفهومات الإضافية التي يتوقف تعقلها على تعقل غيرها إذ الاسم لا يكون إلا لمسمى كان ذكر الأسماء مشعراً لا محالة بالمسميات فجاز للبليغ أن يعتمد على ذلك ويحذف لفظ المسميات إيجازاً .وضمير { عرضهم } للمسميات لأنها التي تعرض بقرينة قوله : { أنيئوني بأسماء هؤلاء } وبقرينة قوله : { وعلم آدم الأسماء كلها } ، فإن الاسم يقتضي مسمى وهذا من إيجاز الحذف وأما الأسماء فلا تعرض لأن العرض إظهار الذات بعد خفائها ومنه عرض الشيء للبيع ويوم العرض والألفاظ لا تظهر فتعين أن المعروض مدلولات الأسماء إما بأن تعرض صور من الذوات فقط ويسأل عن معرفة أسمائها أي معرفة الألفاظ الدالة عليها ، أو عن بيان مواهيها وخصائصها وإما بأن تعرض الذوات والمعاني بخلق أشكال دالة على المعاني كعرض الشجاعة في صورة فعل صاحبها والعلم في صورة إفاضة العالم في درسه أو تحريره كما نرى في الصور المنحوتة أو المدهونة للمعاني المعقولة عند اليونان والرومان والفرس والصور الذهنية عند الإفرنج ، بحيث يجد الملائكة عند مشاهدة تلك الهيئة أن المعروض معنى شجاعة أو معنى علم ويقرب ذلك ما يحصل في المرائي الحلمية .والحاصل أن الحال المذكورة في الآية حالة عالم أوسع من عالم المحسوسات والمادة .وإعادة ضمير المذكر العاقل على المسميات في قوله : { عرضهم } للتغليب لأن أشرف المعروضات ذوات العقلاء وصفاتهم على أن ورود مثله بالألفاظ التي أصلها للعقلاء طريقة عربية نحو قوله تعالى : { إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلاً } [ الإسراء : 36 ] . والداعي إلى هذا أن يعلم ابتداء أن المعروض غير الأسماء حتى لا يضل فهم السامع قبل سماع قرينة { أنبئوني بأسماء هؤلاء } .وقوله تعالى : { فقال أنبئوني } تفريع على العرض وقرن بالفاء لذلك . والأمر في قوله : { أنبئوني } أمر نعجيز بقرينة كون المأمور يعلم أن الآمر عالم بذلك فليس هذا من التكليف بالمحال كما ظنه بعض المفسرين . واستعمال صيغة الأمر في التعجيز مجاز ، ثم إن ذلك المعنى المجازي يستلزم علم الآمر بعجز المأمور وذلك يستلزم علم الآمر بالمأمور به .والإنباء الإخبار بالنبأ وهو الخبر ذو الفائدة العظيمة والأهمية بحيث يحرص السامعون على اكتسابه ، ولذلك تضمن الإنباء معنى الإعلام لأن المخبر به يعد مما يعلم ويعتقد بوجه أخص من اعتقاد مطلق الخبر فهو أخص من الخبر .وقوله : { إن كنتم صادقين } إما أراد به إن كنتم صادقين في أنكم أفضل من هذا المخلوق إن كان قولهم : { ونحن نسبح } الخ تعريضاً بأنهم أحقاء بذلك ، أو أراد إن كنتم صادقين في عدم جدارة آدم بالخلافة كما دل عليه قولهم : { أتجعل فيها من يفسد فيها } [ البقرة : 30 ] كان قولهم : { ونحن نسبح بحمدك } [ البقرة : 30 ] لمجرد التفويض أو الإعلان للسامعين من أهل الملأ الأعلى بالبراءة من شائبة الاعتراض على ما اخترناه .ووجه الملازمة بين الإنباء بالأسماء وبين صدقهم فيما ادعوه التي اقتضاها ربط الجزاء بالشرط أن العلم بالأسماء عبارة عن القوة الناطقة الصالحة لاستفادة المعارف وإفادتها ، أو عبارة عن معرفة حقائق الأشياء وخصائصها ، أو عبارة عن معرفة أسماء الذوات والمعاني ، وكل ذلك يستلزم ثبوت العالمية بالفعل أو بالقوة ، وصاحب هذا الوصف هو الجدير بالاستخلاف في العالم لأن وظيفة هذا الاستخلاف تدبير وإرشاد وهدى ووضع الأشياء مواضعها دون احتياج إلى التوقيف في غالب التصرفات ، وكل ذلك محتاج إلى القوة الناطقة أو فروعها ، والقوى الملكية على شرفها إنما تصلح لأعمال معينة قد سخرت لها لا تعدوها ولا تتصرف فيها بالتحليل والتركيب ، وما يذكر من تنوع تصرفها وصواب أعمالها إنما هو من توجيه الله تعالى إياها وتلقينه المعبر عنه بالتسخير ، وبذلك ظهر وجه ارتباط الأمر بالإنباء بهذا الشرط وقد تحير فيه كثير .وإذا انتفى الإنباء انتفى كونهم صادقين في إنكارهم خلافة آدم ، فإن كان محل الصدق هو دعواهم أنهم أجدر فقد ثبت عدمها ، وإن كان محل التصديق هو دعواهم أن البشر غير صالح للاستخلاف فانتفاء الإنباء لا يدل على انتفاء دعواهم ولكنه تمهيد له لأن بعده إنباء آدم بالأسماء لأن المقام مؤذن بأنهم لما أمروا أمر تعجيز وجعل المأمور به دلالة على الصدق كان وراء ذلك إنباء آخر مترقباً من الذي طعنوا في جدارته ويدل لذلك أيضاً قوله تعالى لهم : { إني أعلم ما لا تعلمون } [ البقرة : 30 ] .
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
ثم أخذ - سبحانه - في بيان جانب من حكمة خلق آدم ، وجعله خليفة في الأرض ، بعد أن أجاب الملائكة على سؤالهم بالجواب المناسب الحكيم ، فقال - تعالى - : ( وَعَلَّمَ ءَادَمَ الأسمآء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الملائكة فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هؤلاء إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) .علم : من التعليم وهو التعريف بالشيء . وآدم : اسم لأبي البشر ، قيل إنه عبراني مشتق من أدمه ، وهي لغة عبرانية معناها التراب ، كما أن " حواء " كلمة عبرانية معناها " حي " وسميت بذلك لأنها تكون أم الأحياء .و ( الأسمآء ) جمع اسم ، والاسم ما يكون علامة على الشيء ، وتأكيد الأسماء بلفظ " كلها " في أنه علمه أسماء كل ما خلق من المحدثات من إنسان وحيوان ودابة ، وطير ، وغير ذلك .ويصح حمل الأسماء على خواص الأشياء ومنافعها ، فإن الخواص والمنافع علامات على ما تتعلق به من الحقائق .وقوله : ( ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الملائكة ) عرض الشيء : إظهاره وإبانته والضمير في ( عَرَضَهُمْ ) يعود على المسميات ، وهي مفهومة من قوله : ( الأسمآء كُلَّهَا ) إذ الأسماء لابد لها من مسميات ، فإذا أجرى حديث عن الأسماء حضر في ذهن السامع ما هو لازم لها ، أعني المسميات .ودل على المسميات بضمير جمع الذكور العقلاء فقال : ( عَرَضَهُمْ ) ولم يقل عرضها ، لأن في جملة هذه المسميات أنواعاً من العقلاء : كالملائكة ، والإِنس ، ومن الأساليب المعروفة بين فصحاء العرب تغليب الكامل على الناقص ، فإذا اشتركا في نحو الجمع أو التثنية أتى بالجمع أو التثنية على ما يطلق حال الكامل منهما .والأمر في قوله : ( أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هؤلاء ) ، ليس من قبيل الأوامر التي يقصد بها التكليف ، أي : طلب الإِِتيان بالمأمور به ، وإنما هو وارد على جهة إفحام المخاطب بالحجة .والمعنى : أن الله - تعالى - ألهم آدم ومعرفة ذوات الأشياء التي خلقها في الجنة ، ومعرفة أسمائها ومنافعها ، ثم عرض هذه المسميات على الملائكة . فقال لهم على سبيل التعجيز : ( أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هؤلاء إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) فيما اختلج في خواطركم من أنى لا أخلق خلقاً إلا وأنتم أعلم منه وأفضل .قال ابن جرير : " وفي هذه الآيات العبرة لمن اعتبر والذكرى لمن ذكر ، والبيان لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، عما أودع الله في هذا القرآن من لطائف الحكم التي تعجز عن أوصافها الألسن ، وذلك أن الله - تعالى - احتج فيها لنبيه صلى الله عليه وسلم على من كان بين ظهرانيه من يهود بني إسرائيل ، بإطلاعه إياه من علوم الغيب التي لم يكن - تعالى - أطلع عليها من خلقه إلا خاصا ، ولم يكن مدركا علمه إلا بالإِنباء والإِخبار ليقرر عندهم صدق نبوته ، ويعلموا أن ما أتاهم به إنما هو من عند الله " .
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
قوله: {وعلم آدم الأسماء كلها} سمي آدم لأنه خلق أديم الأرض، وقيل: لأنه كان آدم اللون وكنيته أبو محمد وأبو البشر فلما خلقه الله تعالى علمه أسماء الأشياء وذلك أن الملائكة قالوا: لما قال الله تعالى: {إني جاعل في الأرض خليفة}: ليخلق ربنا ما شاء فلن يخلق خلقاً أكرم عليه منا وإن كان فنحن أعلم منه لأنا خلقنا قبله ورأينا ما لم يره.فأظهر الله تعالى فضله عليهم بالعلم وفيه دليل على أن الأنبياء أفضل من الملائكة وإن كانوا رسلاً كما ذهب إليه أهل السنة والجماعة.قال ابن عباس ومجاهد وقتادة: "علمه اسم كل شيء حتى القصعة والقصيعة"وقيل: اسم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة.وقال الربيع بن أنس: "أسماء الملائكة".وقيل: أسماء ذريته، وقيل: صنعة كل شيء.قال أهل التأويل: إن الله عز وجل علم آدم جميع اللغات ثم تكلم كل واحد من أولاده بلغة فتفرقوا في البلاد واختص كل فرقة منهم بلغة.{ثم عرضهم على الملائكة} إنما قال عرضهم ولم يقل عرضها لأن المسميات إذا جمعت من يعقل ومالا يعقل يكنى عنها بلفظ من يعقل كما يكنى عن الذكور والإناث بلفظ الذكور.وقال مقاتل: "خلق الله كل شيء الحيوان والجماد ثم عرض تلك الشخوص على الملائكة فالكناية راجعة إلى الشخوص فلذلك قال عرضهم".{فقال أنبئوني} أخبروني{بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين} في أني لا أخلق خلقاً إلا وكنتم أفضل وأعلم منه.فقالت الملائكة إقراراً بالعجز: