تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
وخافوا يوم القيامة، يوم لا يغني أحد عن أحد شيئًا، ولا يقبل الله شفاعة في الكافرين، ولا يقبل منهم فدية، ولو كانت أموال الأرض جميعًا، ولا يملك أحد في هذا اليوم أن يتقدم لنصرتهم وإنقاذهم من العذاب.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
«واتقوا» خافوا «يوما لا تجزي» فيه «نفس عن نفسٍ شيئاً» وهو يوم القيامة «ولا تُقبل» بالتاء والياء «منها شفاعة» أي ليس لها شفاعة فتقبل (فما لنا من شافعين) «ولا يؤخذ منها عدل» فداء «ولا هم ينصرون» يمنعون من عذاب الله.
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
قوله تعالى : واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرونفيه ست مسائل : [ الأولى ] : قوله تعالى : واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا أمر معناه الوعيد وقد مضى الكلام في التقوى . يوما يريد عذابه وهوله وهو يوم القيامة وانتصب على المفعول ب " ( " اتقوا ) ويجوز في غير القرآن يوم لا تجزي على الإضافة وفي الكلام حذف بين النحويين فيه اختلاف قال البصريون التقدير يوما لا تجزي فيه نفس عن نفس شيئا ثم حذف " فيه " كما قال :ويوما شهدناه سليما وعامراأي شهدنا فيه وقال الكسائي : هذا خطأ لا يجوز حذف " فيه " ولكن التقدير واتقوا يوما لا تجزيه نفس ثم حذف الهاء ، وإنما يجوز حذف الهاء ; لأن الظروف عنده لا يجوز حذفها قال : لا يجوز أن تقول هذا رجلا قصدت ، ولا رأيت رجلا أرغب ، وأنت تريد : قصدت إليه [ ص: 355 ] وأرغب فيه قال : ولو جاز ذلك لجاز الذي تكلمت زيد بمعنى تكلمت فيه زيد ، وقال الفراء : يجوز أن تحذف الهاء وفيه . وحكى المهدوي أن الوجهين جائزان عند سيبويه والأخفش والزجاج .[ الثانية ] ومعنى لا تجزي نفس عن نفس شيئا أي لا تؤاخذ نفس بذنب أخرى ولا تدفع عنها شيئا تقول جزى عني هذا الأمر يجزي كما تقول قضى عني واجتزأت بالشيء اجتزاء إذا اكتفيت به قال الشاعر :فإن الغدر في الأقوام عار وإن الحر يجزأ بالكراعأي يكتفي بها وفي حديث عمر إذا أجريت الماء على الماء جزى عنك يريد إذا صببت الماء على البول في الأرض فجرى عليه طهر المكان ، ولا حاجة بك إلى غسل ذلك الموضع وتنشيف الماء بخرقة أو غيرها كما يفعل كثير من الناس وفي صحيح الحديث عن أبي بردة بن نيار في الأضحية : لن تجزي عن أحد بعدك أي لن تغني فمعنى لا تجزي لا تقضي ولا تغني ولا تكفي إن لم يكن عليها شيء فإن كان فإنها تجزي وتقضي وتغني بغير اختيارها من حسناتها ما عليها من الحقوق كما في حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه خرجه البخاري ومثله حديثه الآخر في المفلس وقد ذكرناه في التذكرة خرجه مسلم وقرئ " تجزئ " بضم التاء والهمز ويقال جزى وأجزى بمعنى واحد وقد فرق بينهما قوم فقالوا جزى بمعنى قضى وكافأ وأجزى بمعنى أغنى وكفى أجزأني الشيء يجزئني أي كفاني قال الشاعروأجزأت أمر العالمين ولم يكن ليجزئ إلا كامل وابن كاملالثالثة : قوله تعالى : ولا يقبل منها شفاعة الشفاعة مأخوذة من الشفع وهما الاثنان تقول كان وترا فشفعته شفعا والشفعة منه ؛ لأنك تضم ملك شريكك إلى ملكك والشفيع صاحب الشفعة وصاحب الشفاعة وناقة شافع إذا اجتمع لها حمل وولد يتبعها تقول منه شفعت الناقة شفعا وناقة شفوع ، وهي التي تجمع بين محلبين في حلبة واحدة واستشفعته إلى فلان سألته أن يشفع لي إليه وتشفعت إليه في فلان فشفعني فيه ، فالشفاعة إذا ضم غيرك إلى جاهك ووسيلتك ، فهي على التحقيق إظهار لمنزلة الشفيع عند المشفع وإيصال منفعته للمشفوع .الرابعة : مذهب أهل الحق أن الشفاعة حق ، وأنكرها المعتزلة وخلدوا المؤمنين من المذنبين الذين دخلوا النار في العذاب والأخبار متظاهرة بأن من كان من العصاة المذنبين الموحدين من أمم النبيين هم الذين تنالهم شفاعة الشافعين من الملائكة والنبيين والشهداء والصالحين وقد تمسك القاضي عليهم في الرد بشيئين : أحدهما : الأخبار الكثيرة التي تواترت في المعنى . والثاني : الإجماع من السلف على تلقي هذه الأخبار بالقبول ولم يبد من أحد منهم في عصر من الأعصار نكير ؛ فظهور روايتها وإطباقهم على صحتها وقبولهم لها دليل قاطع على صحة عقيدة أهل الحق وفساد دين المعتزلة .فإن قالوا : قد وردت نصوص من الكتاب بما يوجب رد هذه الأخبار مثل قوله ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع قالوا وأصحاب الكبائر ظالمون وقال من يعمل سوءا يجز به ولا يقبل منها شفاعة قلنا ليست هذه الآيات عامة في كل ظالم والعموم لا صيغة له فلا تعم هذه الآيات كل من يعمل سوءا وكل نفس وإنما المراد بها الكافرون دون المؤمنين بدليل الأخبار الواردة في ذلك وأيضا فإن الله تعالى أثبت شفاعة لأقوام ونفاها عن أقوام فقال في صفة الكافرين فما تنفعهم شفاعة الشافعين وقال ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وقال ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له .فعلمنا بهذه الجملة أن الشفاعة إنما تنفع المؤمنين دون الكافرين ، وقد أجمع المفسرون على أن المراد بقوله تعالى واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة النفس الكافرة لا كل نفس . ونحن وإن قلنا بعموم العذاب لكل ظالم عاص فلا نقول إنهم [ ص: 357 ] مخلدون فيها بدليل الأخبار التي رويناها وبدليل قوله ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وقوله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون .فإن قالوا فقد قال تعالى ولا يشفعون إلا لمن ارتضى والفاسق غير مرتضى قلنا لم يقل لمن لا يرضى ، وإنما قال لمن ارتضى ومن ارتضاه الله للشفاعة هم الموحدون بدليل قوله لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم ما عهد الله مع خلقه ؟ قال ( أن يؤمنوا ولا يشركوا به شيئا ) وقال المفسرون : إلا من قال لا إله إلا الله .فإن قالوا : المرتضى هو التائب الذي اتخذ عند الله عهدا بالإنابة إليه بدليل أن الملائكة استغفروا لهم وقال فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وكذلك شفاعة الأنبياء عليهم السلام إنما هي لأهل التوبة دون أهل الكبائر قلنا : عندكم يجب على الله تعالى قبول التوبة فإذا قبل الله توبة المذنب فلا يحتاج إلى الشفاعة ولا إلى الاستغفار ، وأجمع أهل التفسير على أن المراد بقوله فاغفر للذين تابوا أي من الشرك واتبعوا سبيلك أي سبيل المؤمنين سألوا الله تعالى أن يغفر لهم ما دون الشرك من ذنوبهم كما قال تعالى ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء .فإن قالوا جميع الأمة يرغبون في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم فلو كانت لأهل الكبائر خاصة بطل سؤالهم .قلنا إنما يطلب كل مسلم شفاعة الرسول ويرغب إلى الله في أن تناله لاعتقاده أنه غير سالم من الذنوب ولا قائم لله سبحانه بكل ما افترض عليه بل كل واحد معترف على [ ص: 358 ] نفسه بالنقص فهو لذلك يخاف العقاب ويرجو النجاة ، وقال صلى الله عليه وسلم لا ينجو أحد إلا برحمة الله تعالى فقيل ولا أنت يا رسول الله ؟ فقال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته .الخامسة : قوله تعالى : ولا يقبل قرأ ابن كثير وأبو عمرو " تقبل " بالتاء ؛ لأن الشفاعة مؤنثة وقرأ الباقون بالياء على التذكير ؛ لأنها بمعنى الشفيع وقال الأخفش حسن التذكير ؛ لأنك قد فرقت كما تقدم في قوله فتلقى آدم من ربه كلماتالسادسة : قوله تعالى : ولا يؤخذ منها عدل أي فداء والعدل ( بفتح العين ) الفداء و ( بكسرها ) المثل يقال عدل وعديل للذي يماثلك في الوزن والقدر ، ويقال : عدل الشيء هو الذي يساويه قيمة وقدرا ، وإن لم يكن من جنسه . والعدل ( بالكسر ) هو الذي يساوي الشيء من جنسه وفي جرمه . وحكى الطبري أن من العرب من يكسر العين من معنى الفدية فأما واحد الأعدال فبالكسر لا غيرقوله تعالى : ولا هم ينصرون أي يعانون والنصر العون والأنصار الأعوان ، ومنه قوله من أنصاري إلى الله أي من يضم نصرته إلى نصرتي وانتصر الرجل انتقم والنصر الإتيان يقال نصرت أرض بني فلان أتيتها قال الشاعرإذا دخل الشهر الحرام فودعي بلاد تميم وانصري أرض عامروالنصر المطر يقال نصرت الأرض مطرت والنصر العطاء قالإني وأسطار سطرن سطرا لقائل يا نصر نصرا نصراوكان سبب هذه الآية فيما ذكروا أن بني إسرائيل قالوا : نحن أبناء الله وأحباؤه وأبناء أنبيائه وسيشفع لنا آباؤنا فأعلمهم الله تعالى عن يوم القيامة أنه لا تقبل فيه الشفاعات ولا يؤخذ فيه فدية ، وإنما خص الشفاعة والفدية والنصر بالذكر ؛ لأنها هي المعاني التي اعتادها بنو آدم في الدنيا ، فإن الواقع في الشدة لا يتخلص إلا بأن يشفع له أو ينصر أو يفتدى
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
عَطَفَ التحذير على التذكير ، فإنه لما ذكرهم بالنعمة وخاصة تفضيلهم على العالمين في زمانهم وكان ذلك منشأ غرورهم بأنه تفضيل ذاتي فتوهموا أن التقصير في العمل الصالح لا يضرهم فعقب بالتحذير من ذلك .والمراد بالتقوى هنا معناها المتعارف في اللغة لا المعنى الشرعي . وانتصاب { يوماً } على المفعولية به وليس على الظرفية ولذلك لم يقرأ بغير التنوين .والمراد باتقائه اتقاؤه من حيث ما يحدث فيه من الأهوال والعذاب فهو من إطلاق اسم الزمان على ما يقع فيه كما تقول مكان مخوف .و { تجزي } مضارع جزى بمعنى قضى حقاً عن غيره ، وهو متعد بعن إلى أحد مفعوليه فيكون { شيئاً } مفعوله الأول ، ويجوز أيضاً أن يكون مفعولاً مطلقاً إذا أريد شيئاً من الجزاء ويكون المفعول محذوفاً .وجملة : { لا تجزي نفس } صفة ليوماً وكان حق الجملة إذا كانت خبراً أو صفة أو حالاً أو صلة أن تشتمل على ضمير ما أجريت عليه ، ويكثر حذفه إذا كان منصوباً أو ضميراً مجروراً فيحذف مع جاره ولا سيما إذا كان الجار معلوماً لكون متعلقه الذي في الجملة لا يتعدى إلا بجار معين كما هنا تقديره فيه وإنما جاز حذفه لأن المحذوف فيه متعين من الكلام وقد يحذف لقرينة كما في حذف ضمير الموصول إذا جر بما جر به الموصول . ونظير هذا الحذف قول العريان الجرمي من جرم طيء :فقلت لها لاَ والذي حجَّ حاتم ... أُخونُككِ عهداً إنني غير خوّانتقديره حج حاتم إليه .وتنكير النفس في الموضعين وهو في حيز النفي يفيد عموم النفوس أي لا يغني أحد كائناً من كان فلا تغني عن الكفار آلهتهم ولا صلحاؤهم على اختلاف عقائدهم في غَناء أولئك عنهم ، فالمقصود نفي غنائهم عنهم بأن يحولوا بينهم وبين عقاب الله تعالى ، أي نفي أن يجزوا عنهم جزاء يمنع الله عن نوالهم بسوء رعياً لأوليائهم ، فالمراد هنا الغناء بحرمة الشخص وتوقع غضبه وهو غناء كفء العدو الذي يخافه العدو على ما هو معروف عند الأمم يومئذ من اتقائهم بطش مولى أعدائهم وإحجامهم عما يوجب غضبه تقية من مكره أو ضره أو حرمان نفعه قال السموأل :وما ضرنا أنا قليل وجارنا ... عزيز وجار الأكثرين ذليلوقال العنبري :لو كنتُ من مازن لم تَستبِحْ إبلي ... بنُو الشقيقة من ذُهل بن شيبانوبهذا يتبين أن مفاد قوله : { لا تجزي نفس عن نفس شيئاً } مغاير لمفاد ما ذكر بعده بقوله : { ولا يقبل منها شفاعة } إلخ فقوله : { لا تجزي نفس عن نفس شيئاً } ، هو بمعنى قوله تعالى : { يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذ لله } [ الانفطار : 19 ] .وقوله : { ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل } الضميران عائدان للنفس الثانية المجرورة بعن أي لا يقبل من نفس شفاعة تأتي بها ولا عدل تعتاض به لأن المقصود الأصلي إبطال عقيدة تنصل المجرم من عقاب الله ما لم يشأ الله؛ ليكون الضمير في قوله : { ولا هم ينصرون } راجعاً إلى مرجع الضميرين قبله .وهذا التأييس يستتبع تحقير من توهمهم الكفرة شفعاء وإبطال ما زعموه مغنياً عنهم من غضب الله من قرابين قربوها ومجادلات أعدوها وقالوا : { هؤلاء شفعاؤنا عند الله } [ يونس : 18 ] . { يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها } [ النحل : 111 ] .ومن المفسرين من فسر قوله : { لا تجزي نفس عن نفس شيئاً } بما يعم الإجزاء فجعل ما هو مذكور بعده من عطف الخاص على العام ولذلك قال الشيخ ابن عطية : «حصرت هذه الآية المعاني التي اعتاد بها بنو آدم في الدنيا فإن الواقع في شدة لا يتخلص إلا بأن يُشفع له أو يفتدى أو ينصر» اه وألغى جمعها لحالة أن يتجنب الناس إيقاعه في شدة اتقاء لمواليه ، وما فسرنا به أرشق . وقد جمع كلام شيوخ بني أسد مع أمرىء القيس حين كلموه في دم أبيه حجر فقالوا : فأَحمد الحالات في ذلك أن تعرف الواجب عليك في إحدى خلال ثلاث : أما إن اخترت من بني أسد أشرفها بيتاً فقدناه إليك بنسعه تذهب مع شفرات حسامك بباقي قصرته ، أو فداء بما يروح على بني أسد من نعمها فهي ألوف ، وإما وادعتنا إلى أن تضع الحوامل فتُسْدل الأزر وتُعقد الخمر فوق الرايات» اه .وقرأ الجمهور ( ولا يقبل ) بياء تحتية ياء المضارع المسند إلى مذكر لمناسبة قوله بعده : { ولا يؤخذ منها عدل } ، ويجوز في كل مؤنث اللفظ غير حقيقي التأنيث أن يعامل معاملة المذكر لأن صيغة التذكير هي الأصل في الكلام فلا تحتاج إلى سبب ، وقرأه ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب بمثناة فوقية رعياً لتأنيث لفظ ( شفاعة ) .والشفاعة : السعي والوساطة في حصول نفع أو دفع ضر سواء كانت الوساطة بطلب من المنتفع بها أم كانت بمجرد سعي المتوسط ويقال لطالب الشفاعة مستشفع . وهي مشتقة من الشفع لأن الطالب أو التائب يأتي وحده فإذا لم يجد قبولاً ذهب فأتى بمن يتوسل به فصار ذلك الثاني شافعاً للأول أي مصيّره شفعاً .والعدل بفتح العين العوض والفداء ، سمي بالمصدر لأن الفادي يعدل المفدى بمثله في القيمة أو العين ويسويه به ، يقال عدل كذا بكذا أي سواه به .والنصر هو إعانة الخصم في الحرب وغيره بقوة الناصر وغلبته . وإنما قدم المسند إليه لزيادة التأكيد المفيد أن انتفاء نصرهم محقق زيادة على ما استفيد من نفي الفعل مع إسناده للمجهول كما أشرنا إليه آنفاً .وقد كانت اليهود تتوهم أو تعتقد أن نسبتهم إلى الأنبياء وكرامة أجدادهم عند الله تعالى مما يجعلهم في أمن من عقابه على العصيان والتمرد كما هو شأن الأمم في إبان جهالتها وانحطاطها وقد أشار لذلك قوله تعالى :{ وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم } [ المائدة : 18 ] .وقد تمسك المعتزلة بهذه الآية للاحتجاج لقولهم بنفي الشفاعة في أهل الكبائر يوم القيامة لعموم ( نفس ) في سياق النفي المقتضي أن كل نفس لا يقبل منها شفاعة وهو عموم لم يرد ما يخصصه عندهم . والمسألة فيها خلاف بين المعتزلة وأصحاب الأشعري .واتفق المسلمون على ثبوت الشفاعة يوم القيامة للطائعين والتائبين لرفع الدرجات ، لم يختلف في ذلك الأشاعرة والمعتزلة فهذا اتفاق على تخصيص العموم ابتداء ، والخلاف في الشفاعة لأهل الكبائر فعندنا تقع الشفاعة لهم في حط السيئات وقت الحساب أو بعد دخول جهنم لما اشتهر من الأحاديث الصحيحة في ذلك كقوله صلى الله عليه وسلم « لكل نبيء دعوة مستجابة وقد ادخرت دعوتي شفاعة لأمتي » وغير ذلك . قال القاضي أبو بكر الباقلاني : إن الأحاديث في ذلك بلغت مبلغ التواتر المعنوي كما أشار إليه القرطبي في نقل كلامه .وعند المعتزلة لا شفاعة لأهل الكبائر لوجوه منها الآيات الدالة على عدم نفع الشفاعة كهاته الآية ، وقوله : { فما تنفعهم شفاعة الشافعين } [ المدثر : 48 ] . { من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة } [ البقرة : 254 ] { ما للظامين من حميم ولا شفيع } [ غافر : 18 ] قالوا والمعصية ظلم . ومنها قوله تعالى : { ولا يشفعون إلا لمن ارتضى } [ الأنبياء : 28 ] وصاحب الكبيرة ليس بمرتضى ، ومنها قوله : { فاغفر للذين تابوا } [ غافر : 7 ] .والجواب عن الجميع أن محل ذلك كله في الكافرين جمعاً بين الأدلة وأن قوله : { لمن ارتضى } يدل على أن هنالك إذناً في الشفاعة كما قال : { إلا لمن أذن له } [ سبأ : 23 ] وإلا لكان الإسلام مع ارتكاب بعض المعاصي مساوياً للكفر وهذا لا ترضى به حكمة الله وأما قوله : { فاغفر للذين تابوا } فدعاء لا شفاعة .والظاهر أن الذي دعا المعتزلة إلى إنكار الشفاعة منافاتها لخلود صاحب الكبيرة في العذاب الذي هو مذهب جمهورهم الذين فسروا قول واصل بن عطاء بالمنزلة بين المنزلتين بمعنى إعطاء العاصي حكم المسلم في الدنيا وحكم الكافر في الآخرة ولا شك أن الشفاعة تنافي هذا الأصل ، فما تمسكوا من الآيات إنماهو لقصد التأبيد ومقابلة أدلة أهل السنة أمثالها . ولم نر جوابهم عن حديث الشفاعة ، وأحسب أنهم يجيبون عنه بأن أخبار الآحاد لا تنقض أصول الدين ولذلك احتاج القاضي أبو بكر إلى الاستدلال بالتواتر المعنوي .والحق أن المسألة أعلق بالفروع منها بالأصول لأنها لا تتعلق بذات الله ولا بصفاته ولو جاريناهم في القول بوجوب إثابة المطيع وتعذيب العاصي ، فإن الحكمة تظهر بدون الخلود وبحصول الشفاعة بعد المكث في العذاب ، فلما لم نجد في إثبات الشفاعة ما ينقض أصولهم فنحن نقول لهم : لم يبق إلا أن هذا حكم شرعي في تقدير تعذيب صاحب الكبيرة غير التائب وهو يتلقى من قبل الشارع وعليه فيكون تحديد العذاب بمدة معينة أو إلى حصول عفو الله أو مع الشفاعة ، ولعل الشفاعة تحصل عند إرادة الله تعالى إنهاء مدة التعذيب .وبعد فمن حق الحكمة أن لا يستوي الكافرون والعصاة في مدة العذاب ولا في مقداره ، فهذه قولة ضعيفة من أقوالهم حتى على مراعاة أصولهم ، وقد حكى القاضي أبو بكر الباقلاني إجماع الأمة قبل حدوث البدع على ثبوت الشفاعة في الآخرة ، وهو حق فقد قال سواد بن قارب يخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلمفكُن لي شفيعاً يوم لا ذو شفاعة ... بمغننٍ فتيلاً عن سواد بن قاربوأما الشفاعة الكبرى العامة لجميع أهل موقف الحساب الوارد فيها الحديث الصحيح المشهور فإن أصول المعتزلة لا تأباها .وقوله : { ولا يؤخذ منها عدل } والعدل بفتح العين يطلق على الشيء المساوي شيئاً والمماثل له ولذلك جعل ما يفتدي به عن شيء عدلاً وهو المراد هنا كما في قوله تعالى : { أو عدل ذلك صياماً } [ المائدة : 95 ] فالمعنى : ولا يقبل منها ما تفتدي به عوضاً عن جرمها .والنصر هو إعانة العدو على عدوه ومحاربه إما بالدفاع معه أو الهجوم معه فهو في العرف مراد منه الدفاع بالقوة الذاتية وأما إطلاقه على الدفاع بالحجة نحو { من أنصاري إلى الله } [ آل عمران : 52 ] وعلى التشيع والاتباع نحو { إن تنصروا الله ينصركم } [ محمد : 7 ] فهو استعارة .
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
بعد أن ذكرهم - سبحانه - في الآية السابعة بنعمة عظمى من نعمه حذرهم في هذه الآية الكريمة من التقصير في العمل الصالح ، وذلك لأن وصفهم بالتفضيل على عالمي زمانهم قد يحملهم على الغرور ، ويجعلهم يتوهمون أنهم مغفور لهم لو أذنبوا . فجاءت هذه الآية الكريمة لتقتلع من أذهانهم تلك الأوهام بأحكم عبارة وأجمع بيان .والمراد باتقاء اليوم ، وهو يوم القيامة ، الحذر مما يحدث فيه من أهوال وعذاب ، والحذر منه يكون بالتزام حدود الله - تعالى - وعدم تعديها ، فهو من إطلاق الزمان على ما يقع فيه كما تقول " مكان مخيف " وتنكير النفس في الموضعين وهو في حيز النفي يفيد عموم النفس . أي : لا تقضى فيه نفس كائنة من كانت عن نفس أخرى شيئاً من الحقوق .ووصف اليوم بهذا الوصف ، ولم يقل " يوم القيامة " مثلا ، للإِشعار بأن التصرف في ذلك اليوم لله وحده ، فليس فيه ما اعتاد الناس في هذه الدنيا من دفاع بعضهم عن بعض .والمعنى : احذروا - يا بني إسرائيل - يوماً عظيماً أمامكم ، سيحصل فيه من الحساب والجزاء مالا منجاة من هوله إلا بتقوى الله في جميع الأحوال والإِخلاص له في كل الأعمال ، فهو يوم لا تقضى فيه نفس مهما كان قدرها عظيما عن نفس شيئاً ما ، مهما يكن ذنباً صغيراً .ثم وصف القرآن الكريم ذلك اليوم بوصف آخر يناسب المقام . فقال تعالى : ( وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ ) الضمير في ( منها ) يعود إلى النفس المحاسبة في ذلك اليوم . والشفاعة : من الشفع ضد الوتر ، وهي انضمام الغير إلى الشخص ليدفع عنه ، أي لا يقبل منها أن تأتي يشفيع ليحصل لها نفعاً ، أو يدفع عنها ضرراً .والآية الكريمة قد نفت قبول الشفاعة من أحد نفياً مطلقاً ، ولكن هنالك آيات كريمة تنفى قبول الشفاعة إلا ممن أذن له الرحمن في ذلك ، من هذه الآيات قوله تعالى : ( مَن ذَا الذي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ) وقوله تعالى : ( يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ الشفاعة إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحمن وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً ) وللجمع بين هذه الآيات ، تحمل الآيات التي تنفى الشفاعة نفياً مطلقاً على أنها واردة في شأن النفوس الكافرة ، وتحمل الآيات التي تبيح الشفاعة على أنها واردة في شأن المؤمنين إذا أذن الله فيها للشافعين ، وقد وردت أحاديث صحيحة بلغت مبلغ التواتر المعنوي في أن النبي صلى الله عليه وسلم ستكون له شفاعة في دفع العذاب عن أقوام المؤمنين ، وتخفيفه عن أهل الكبائر من المسلمين ، من ذلك ما أخرجه البخاري عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" أعطيت خمساً لم يعطهن نبي قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً وجعلت أمتي خير الأمم ، وأعطيت الشفاعة ، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة " .قال الإِمام ابن جرير : ( وهذه الآية وإن كان مخرجها عاماً في التلاوة فإن المراد بها خاص في التأويل ، لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . أنه قال : شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ، وأنه قال : ليس من نبي إلا وقد أعطى دعوة ، وإني خبأت دعوتي شفاعة لأمتي ، وهي نائلة إن شاء الله منهم من لا يشرك بالله شيئاً . فقد تبين بذلك أن الله جل ثناؤه قد يصفح لعباده المؤمنين بشفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لهم عن كثير من عقوبة إجرامهم بينه وبينهم ، وأن قوله ( وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ ) إنما هي لمن مات على كفره غير تائب إلى الله - عز وجل - " اه .ثم وصف اليوم بوصف ثالث فقال تعالى : ( وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ ) .العدل : العوض والفداء . سمي بالمصدر لأن الفادي يعدل المفدي بمثله في القيمة أو العين .ويسويه به . يقال : عدل كذا بكذا : أي سواه به .والمعنى : لا يؤخذ منها فداء أو بدل في ذلك اليوم إن هي استطاعت إحضاره على سبيل الفرض والتقدير .ثم وصفه بوصف رابع فقال تعالى : ( وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ ) والنصر هو الإِعانة في الحرب وغيره بقوة الناصر ، وقدم المسند إليه لزيادة التأكيد المفيد أن انتفاء نصرهم محقق . فضلا عما استفيد من نفي العفل وإسناده للمجهول وجاء الضمير في قوله تعالى : ( وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ ) جمعاً مع أنه عائد على النفس وهو قوله تعالى : ( لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ ) ؛ لأن النكرة إذا وقعت في سياق النفي تناولت كل فرد من أفرادها ، وبهذا صارت في معنى الجمع ، وصح أن يعود عليها ضمير الجمع وهو ( هم ) .والمعنى : أنهم لا يجدون من يعينهم ويمنعهم من عذاب الله يوم القيامة .ولما كان اليهود يعتقدون أنهم شعب مميز ، وأن نسبتهم إلى الأنبياء ستجعلهم في مأمن من العقاب رغم عصيانهم وفسوقهم ، وأن آباءهم سيشفعون لهم . . . لما كانوا كذلك جاءت هذه الآية الكريمة لتبطل ما اعتقدوه ، وتقطع ما أمَّلوه ، ولتنقض كل ما يحتمل أن يكون وسيلة للنجاة يوم القيامة سوى الإِيمان والعمل الصالح .فقد نفت الآية الكريمة وجود من ينوب عنهم بقولها ( لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً ) .ونفت انتفاعهم بشفاعة الشافعين يوم الحساب بقولها ( وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ ) .ونفت قبول البدل أو الفداء عما ارتكبوه من خطايا بقولها ( وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ ) .ونفت وجود من ينتصر لهم أو يدافع عنهم بقولها ( وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ ) .وهكذا سدت عليهم الآية الكريمة كل منفذ يتوهمون نجاتهم من عذاب الله بسببه ، ما داموا مصرين على كفرهم وجحودهم .هذا ، وقد اشتملت هاتان الآيتان على أسلوب حكيم في التوجيه ، وطريقة فريدة في الإِرشاد ، جمعت بين الترغيب والترهيب ، فإن الآية الأولى ابتدأت بندائهم باسم أبيهم إسرائيل - عليه السلام - الذي هو أصل عزهم ، ومنشأ تفضيلهم لتحيي الشعور بالكرامة في نفوسهم ، ولتغرس الإِحساس بالشرف في مشاعرهم ، ولتحملهم على الترفع عن الدنايا؛ لأن الذي يشعر أنه من منبت كريم تعاف نفسه الحقد والكذب والصغار ، ثم جاءت الآية الثانية فأرشدتهم إلى أن التقوى هي سبب السلامة والفوز ، وحذرنهم من أهوال يوم القيامة وأفهمتهم بأن انتسابهم إلى أولئك الآباء لن يغني من الله شيئاً يوم الجزاء ، وإنما الذي ينفعهم في ذلك اليوم هو اتباع تعاليم الإِسلام ، التي أتى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي ذلك ما فيه من كبح غرورهم ، وإبطال ظنونهم .ثانياً : نعمة إنجائهم من عدوهم :
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
{واتقوا يوماً} واخشوا عقاب يوم{لا تجزي نفس} لا تقضي نفس.{لعن نفس شيئاً} أي حقاً لزمها.وقيل: لا تغني.وقيل: لا تكفي شيئاً من الشدائد.{ولا يقبل منها شفاعة} قرأ ابن كثير و يعقوب بالتاء لتأنيث الشفاعة، وقرأ الباقون بالياء لأن الشفع والشفاعة بمعنى واحد كالوعظ والموعظة، فالتذكير على المعنى، والتأنيث على اللفظ، كقوله تعالى: {قد جاءتكم موعظة من ربكم} [57-يونس]، وقال في موضع آخر: {فمن جاءه موعظة من ربه} [275-البقرة] أي لا تقبل منها شفاعة إذا كانت كافرة.{ولا يؤخذ منها عدل} أي فداء وسمي به لأنه مثل المفدي. والعدل: المثل.{ولا هم ينصرون} يمنعون من عذاب الله.