تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
وهو سبحانه وحده مالك يوم القيامة، وهو يوم الجزاء على الأعمال. وفي قراءة المسلم لهذه الآية في كل ركعة من صلواته تذكير له باليوم الآخر، وحثٌّ له على الاستعداد بالعمل الصالح، والكف عن المعاصي والسيئات.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
أي الجزاء وهو يوم القيامة، وخص بالذكر لأنه لا ملك ظاهرًا فيه لأحد إلا الله تعالى بدليل «لمن الملك اليوم؟ لله» ومن قرأ مالك فمعناه الأمر كله في يوم القيامة أو هو موصوف بذلك دائمًا «كغافر الذنب» فصح وقوعه صفة لمعرفة.
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
قوله تعالى : مالك يوم الدينقرأ محمد بن السميقع بنصب " مالك " ; وفيه أربع لغات : مالك وملك وملك - مخففة من ملك - ومليك . قال الشاعر :وأيام لنا غر طوال عصينا الملك فيها أن نديناوقال آخر :فاقنع بما قسم المليك فإنما قسم الخلائق بيننا علامهاالخلائق : الطبائع التي جبل الإنسان عليها . وروي عن نافع إشباع الكسرة في " ملك " فيقرأ " ملكي " على لغة من يشبع الحركات ، وهي لغة للعرب ذكرها المهدوي وغيره .الخامسة عشر : اختلف العلماء أيما أبلغ : ملك أو مالك ؟ والقراءتان مرويتان عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر . ذكرهما الترمذي ; فقيل : " ملك " أعم وأبلغ من " مالك " إذ كل ملك مالك ، وليس كل مالك ملكا ; ولأن الملك نافذ على المالك في ملكه ، حتى لا يتصرف إلا عن تدبير الملك ، قال أبو عبيدة والمبرد . وقيل : " مالك " أبلغ ; لأنه يكون مالكا للناس وغيرهم ; فالمالك أبلغ تصرفا وأعظم ; إذ إليه إجراء قوانين الشرع ، ثم عنده زيادة التملك . وقال أبو علي : حكى أبو بكر بن السراج عن بعض من اختار القراءة ب " مالك " أن الله سبحانه قد وصف نفسه بأنه مالك كل شيء بقول : رب العالمين فلا فائدة في قراءة من قرأ " مالك " لأنها تكرار . قال أبو علي : ولا حجة في هذا ; لأن في التنزيل أشياء على هذه الصورة ، تقدم العام ثم ذكر الخاص كقوله : هو الله الخالق البارئ المصور فالخالق يعم . وذكر " المصور " لما فيه من التنبيه على الصنعة ووجود الحكمة ، وكما قال تعالى : وبالآخرة هم يوقنون بعد قوله : الذين يؤمنون بالغيب . والغيب يعم الآخرة وغيرها ; ولكن ذكرها لعظمها ، والتنبيه على وجوب اعتقادها ، والرد على الكفرة الجاحدين [ ص: 138 ] لها ; وكما قال : الرحمن الرحيم فذكر الرحمن الذي هو عام وذكر الرحيم بعده ، لتخصيص المؤمنين به في قوله : وكان بالمؤمنين رحيما . وقال أبو حاتم : إن " مالكا " أبلغ في مدح الخالق من " ملك " ، و " ملك " أبلغ في مدح المخلوقين من مالك ; والفرق بينهما أن المالك من المخلوقين قد يكون غير ملك وإذا كان الله تعالى مالكا كان ملكا ، واختار هذا القول القاضي أبو بكر بن العربي وذكر ثلاثة أوجه ;الأول : أنك تضيفه إلى الخاص والعام ، فتقول : مالك الدار والأرض والثوب ، كما تقول : مالك الملوك .الثاني : أنه يطلق على مالك القليل والكثير ; وإذا تأملت هذين القولين وجدتهما واحدا .والثالث : أنك تقول : مالك الملك ; ولا تقول : ملك الملك .قال ابن الحصار : إنما كان ذلك لأن المراد من " مالك " الدلالة على الملك - بكسر الميم - وهو لا يتضمن " الملك " - بضم الميم - و " ملك " يتضمن الأمرين جميعا فهو أولى بالمبالغة . ويتضمن أيضا الكمال ، ولذلك استحق الملك على من دونه ; ألا ترى إلى قوله تعالى : إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم ولهذا قال عليه السلام : الإمامة في قريش وقريش أفضل قبائل العرب ، والعرب أفضل من العجم وأشرف . ويتضمن الاقتدار والاختيار وذلك أمر ضروري في الملك ، إن لم يكن قادرا مختارا نافذا حكمه وأمره ، قهره عدوه وغلبه غيره وازدرته رعيته ، ويتضمن البطش والأمر والنهي والوعد والوعيد ; ألا ترى إلى قول سليمان عليه السلام : ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين . لأعذبنه عذابا شديدا إلى غير ذلك من الأمور العجيبة والمعاني الشريفة التي لا توجد في المالك .قلت : وقد احتج بعضهم على أن مالكا أبلغ لأن فيه زيادة حرف ; فلقارئه عشر حسنات زيادة عمن قرأ ملك . قلت : هذا نظر إلى الصيغة لا إلى المعنى ، وقد ثبتت القراءة بملك وفيه من المعنى ما ليس في مالك ، على ما بينا والله أعلم .لا يجوز أن يتسمى أحد بهذا الاسم ولا يدعى به إلا الله تعالى ; روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقبض الله الأرض يوم القيامة [ ص: 139 ] ويطوي السماء بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض وعنه أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن أخنع اسم عند الله رجل تسمى ملك الأملاك - زاد مسلم - لا مالك إلا الله عز وجل قال سفيان : مثل : شاهانشاه . وقال أحمد بن حنبل : سألت أبا عمرو الشيباني عن أخنع ; فقال : أوضع . وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أغيظ رجل على الله يوم القيامة وأخبثه رجل [ كان ] يسمى ملك الأملاك لا ملك إلا الله سبحانه . قال ابن الحصار : وكذلك " ملك يوم الدين " و " مالك الملك " لا ينبغي أن يختلف في أن هذا محرم على جميع المخلوقين كتحريم ملك الأملاك سواء ، وأما الوصف بمالك وملك وهي :فيجوز أن يوصف بهما من اتصف بمفهومهما ; قال الله العظيم : إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا . وقال صلى الله عليه وسلم : ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة .إن قال قائل : كيف قال مالك يوم الدين ويوم الدين لم يوجد بعد ، فكيف وصف نفسه بملك ما لم يوجده ؟ قيل له : اعلم أن مالكا اسم فاعل من ملك يملك ، واسم الفاعل في كلام العرب قد يضاف إلى ما بعده وهو بمعنى الفعل المستقبل ويكون ذلك عندهم كلاما سديدا معقولا صحيحا ; كقولك : هذا ضارب زيد غدا ; أي سيضرب زيدا . وكذلك : هذا حاج بيت الله في العام المقبل ، تأويله سيحج في العام المقبل ; أفلا ترى أن الفعل قد ينسب إليه وهو لم يفعله بعد ، وإنما أريد به الاستقبال ; فكذلك قوله عز وجل : مالك يوم الدين على تأويل الاستقبال ، أي سيملك يوم الدين أو في يوم الدين إذا حضر .[ ص: 140 ] ووجه ثان : أن يكون تأويل المالك راجعا إلى القدرة ، أي إنه قادر في يوم الدين ، أو على يوم الدين وإحداثه ; لأن المالك للشيء هو المتصرف في الشيء والقادر عليه ; والله عز وجل مالك الأشياء كلها ومصرفها على إرادته ، لا يمتنع عليه منها شيء .والوجه الأول أمس بالعربية وأنفذ في طريقها ; قاله أبو القاسم الزجاجي .ووجه ثالث : فيقال لم خصص يوم الدين وهو مالك يوم الدين وغيره ؟ قيل له : لأن في الدنيا كانوا منازعين في الملك ، مثل فرعون ونمروذ وغيرهما ، وفي ذلك اليوم لا ينازعه أحد في ملكه ، وكلهم خضعوا له ، كما قال تعالى : لمن الملك اليوم فأجاب جميع الخلق : لله الواحد القهار فلذلك قال : مالك يوم الدين ; أي في ذلك اليوم لا يكون مالك ولا قاض ولا مجاز غيره ; سبحانه لا إله إلا هو .إن وصف الله سبحانه بأنه ملك كان ذلك من صفات ذاته وإن وصف بأنه مالك كان ذلك من صفات فعله .اليوم : عبارة عن وقت طلوع الفجر إلى وقت غروب الشمس ، فاستعير فيما بين مبتدأ القيامة إلى وقت استقرار أهل الدارين فيهما . وقد يطلق اليوم على الساعة منه ; قال الله تعالى : اليوم أكملت لكم دينكم وجمع يوم أيام ; وأصله أيوام فأدغم ; وربما عبروا عن الشدة باليوم ، يقال : يوم أيوم ، كما يقال : ليلة ليلاء . قال الراجز :نعم أخو الهيجاء في اليوم اليميوهو مقلوب منه ، أخر الواو وقدم الميم ثم قلبت الواو ياء حيث صارت طرفا ; كما قالوا : أدل في جمع دلو .الدين : الجزاء على الأعمال والحساب بها ; كذلك قال ابن عباس وابن مسعود وابن جريج وقتادة وغيرهم ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ; ويدل عليه قوله تعالى : يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق أي حسابهم . وقال : اليوم تجزى كل نفس بما كسبت و اليوم تجزون ما كنتم تعملون وقال : أئنا لمدينون أي مجزيون محاسبون . وقال لبيد :حصادك يوما ما زرعت وإنما يدان الفتى يوما كما هو دائنوقال آخر :إذا ما رمونا رميناهم ودناهم مثل ما يقرضوناوقال آخر :واعلم يقينا أن ملكك زائل واعلم بأن كما تدين تدانوحكى أهل اللغة : دنته بفعله دينا ( بفتح الدال ) ودينا ( بكسرها ) جزيته ; ومنه الديان في صفة الرب تعالى أي المجازي ; وفي الحديث : الكيس من دان نفسه أي حاسب . وقيل : القضاء . روي عن ابن عباس أيضا ; ومنه قول طرفة :لعمرك ما كانت حمولة معبد على جدها حربا لدينك من مضرومعاني هذه الثلاثة متقاربة . والدين أيضا : الطاعة ومنه قول عمرو بن كلثوم :وأيام لنا غر طوال عصينا الملك فيها أن ندينافعلى هذا هو لفظ مشترك وهي :قال ثعلب : دان الرجل إذا أطاع ، ودان إذا عصى ، ودان إذا عز ، ودان إذا ذل ، ودان إذا قهر ; فهو من الأضداد . ويطلق الدين على العادة والشأن ، كما قال :كدينك من أم الحويرث قبلهاوقال المثقب [ يذكر ناقته ] :تقول إذا درأت لها وضيني أهذا دينه أبدا وديني[ ص: 142 ] والدين : سيرة الملك . قال زهير :لئن حللت بجو في بني أسد في دين عمرو وحالت بيننا فدكأراد في موضع طاعة عمرو . والدين : الداء ; عن اللحياني . وأنشد :يا دين قلبك من سلمى وقد دينا
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
إتباع الأوصاف الثلاثة المتقدمة بهذا ليس لمجرد سرد صفات من صفاته تعالى ، بل هو مما أثارته الأوصاف المتقدمة ، فإنه لما وصف تعالى بأنه رب العالمين الرحمن الرحيم وكان ذلك مفيداً لما قدمناه من التنبيه على كمال رفقه تعالى بالمربوبين في سائر أكوانهم ، ثم التنبيه بأن تصرفه تعالى في الأكوان والأطوار تصرف رحمة عند المعتبر ، وكان من جملة تلك التصرفات تصرفات الأمر والنهي المعبر عنها بالتشريع الراجع إلى حفظ مصالح الناس عامة وخاصة ، وكان معظم تلك التشريعات مشتملاً على إخراج المكلف عن داعية الهوى الذي يلائمه اتباعه وفي نزعه عنه إرغام له ومشقة ، خيف أن تكون تلك الأوصاف المتقدمة في فاتحة الكتاب مخففاً عن المكلفين عِبءَ العصيان لما أمروا به ومثيراً لأطماعهم في العفو عن استخفافهم بذلك وأن يمتلكهم الطمع فيعتمدوا على ما علموا من الربوبية والرحمة المؤكَّدة فلا يخشوا غائلة الإعراض عن التكاليف ، لذلك كان من مقتضى المقام تعقيبه بذكر أنه صاحب الحُكم في يوم الجزاء : { اليوم تجزى كل نفس بما كسبت } [ غافر : 17 ] لأن الجزاء على الفعل سبب في الامتثال والاجتناب لحفظ مصالح العالم ، وأحيط ذلك بالوعد والوعيد ، وجعل مِصداقُ ذلك الجزاء يوم القيامة ، ولذلك اختير هنا وصف ملك أو مالك مضافاً إلى يوم الدين . فأما ملك فهو مؤذن بإقامة العدل وعدم الهوادة فيه لأن شأن الملك أن يدبر صلاح الرعية ويذب عنهم ، ولذلك أقام الناس الملوك عليهم . ولو قيل رب يوم الدين لكان فيه مطمع للمفسدين يجدون من شأن الرب رحمة وصفحاً ، وأما مالك فمثل تلك في إشعاره بإقامة الجزاء على أوفق كيفياته بالأفعال المجزى عليها .فإن قلت فإذا كان إجراء الأوصاف السابقة مؤذناً بأن جميع تصرفات الله تعالى فينا رحمة فقد كفى ذلك في الحث على الامتثال والانتهاء إذ المرء لا يخالف ما هو رحمة به فلا جرم أن ينساق إلى الشريعة باختياره . قلت المخاطبون مراتب : منهم من لا يهتدي لفهم ذلك إلا بعد تعقيب تلك الأوصاف بهذا الوصف ، ومنهم من يهتدي لفهم ذلك ولكنه يظن أن في فعل الملائم له رحمة به أيضاً فربما آثر الرحمة الملائمة على الرحمة المنافرة وإن كانت مفيدة له ، وربما تأول الرحمة بأنها رحمة للعموم وأنه إنما يناله منها حظ ضعيف فآثر رحمة حظه الخاص به على رحمة حظه التابع للعامة . وربما تأول أن الرحمة في تكاليف الله تعالى أمر أغلبي لا مطرد وأن وصفه تعالى بالرحمن بالنسبة لغير التشريع من تكوين ورزققٍ وإحياءٍ ، وربما ظن أن الرحمة في المآل فآثر عاجل ما يلائمه . وربما علم جميع ما تشتمل عليه التكاليف من المصالح باطراد ولكنه ملكته شهوته وغلبت عليه شقوته .فكل هؤلاء مظنة للإعراض عن التكاليف الشرعية ، ولأمثالهم جاء تعقيب الصفات الماضية بهذه الصفة تذكيراً لهم بما سيحصل من الجزاء يوم الحساب لئلا يفسد المقصود من التشريع حين تتلقفه أفهام كل متأول مضيع . ثم إن في تعقيب قوله : { رب العالمين الرحمن الرحيم } بقوله : { ملك يوم الدين } إشارة إلى أنه ولي التصرف في الدنيا والآخرة فهو إذن تتميم .وقوله ( ملك ) قرأه الجمهور بدون ألف بعد الميم وقرأه عاصم والكسائي ويعقوب وخلف ( مالك ) بالألف فالأول صفة مشبهة صارت اسماً لصاحب المُلك ( بضم الميم ) والثاني اسم فاعل من ملك إذا اتصف بالمِلك ( بكسر الميم ) وكلاهما مشتق من مَلَك ، فأصل مادة ملك في اللغة ترجع تصاريفها إلى معنى الشد والضبط كما قاله ابن عطية ، ثم يتصرف ذلك بالحقيقة والمجاز ، والتحقيق والاعتبار ، وقراءة ( ملك ) بدون ألف تدل على تمثيل الهيئة في نفوس السامعين لأن المَلِك بفتح الميم وكسر اللام هو ذو المُلك بضم الميم والمُلك أخص من المِلك ، إذ المُلك بضم الميم هو التصرف في الموجودات والاستيلاء ويختص بتدبير أمور العقلاء وسياسة جمهورهم وأفرادهم وموَاطنهم فلذالك يقال : مَلِك الناس ولا يقال : مَلك الدواب أو الدراهم ، وأما المِلك بكسر الميم فهو الاختصاص بالأشياء ومنافعها دون غيره .وقرأ الجمهور ( ملك ) بفتح الميم وكسر اللام دون ألف ورويت هذه القراءة عن النبيء صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر في «كتاب الترمذي» . قال ابن عطية : حكى أبو على عن بعض القراء أن أول من قرأ ( مَلِك يوم الدين ) مروان بن الحكم فرده أبو بكر بن السراج بأن الأخبار الواردة تبطل ذلك فلعل قائل ذلك أراد أنه أول من قرأ بها في بلد مخصوص . وأما قراءة ( مالك ) بألف بعد الميم بوزن اسم الفاعل فهي قراءة عاصم والكسائي ويعقوب وخلف ، ورويت عن عثمان وعلي وابن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وطلحة والزبير ، ورواها الترمذي في «كتابه» أنها قرأَ بها النبيء صلى الله عليه وسلم وصاحباه أيضاً . وكلتاهما صحيحة ثابتة كما هو شأن القراءات المتواترة كما تقدم في المقدمة السادسة . وقد تصدى المفسرون والمحتجون للقراءات لبيان ما في كل من قراءة ( ملك ) بدون ألف وقراءة ( مالك ) بالألف من خصوصيات بحسب قَصْر النظر على مفهوم كلمة ملك ومفهوم كلمة ( مالك ) ، وغفلوا عن إضافة الكلمة إلى يوم الدين ، فأما والكلمة مضافة إلى يوم الدين فقد استويا في إفادة أنه المتصرف في شؤون ذلك اليوم دون شبهة مشارك . ولا محيصَ عن اعتبار التوسع في إضافة ( ملك ) أو ( مالك ) إلى ( يوم ) بتأويل شؤون يوم الدين . على أن ( مالك ) لغة في ( ملك ) ففي «القاموس» : «وكأمير وكتف وصاحب ذُو الملك» .ويوم الدين يوم القيامة ، ومبدأ الدار الآخرة ، فالدين فيه بمعنى الجزاء ، قال الفِنْد الزماني :فلما صرَّحَ الشرُّ ... فأَمسى وهْوَ عُريانُولم يَبْقَ سوى العُدوا ... ننِ دِنَّاهم كما دَانُواأي جازيناهم على صنعهم كما صنعوا مشاكلة ، أو كما جازَوْا من قبل إذا كان اعتداؤهم ناشئاً عن ثأر أيضاً ، وهذا هو المعنى المتعين هنا وإن كان للدين إطلاقات كثيرة في كلام العرب .واعلم أن وصفه تعالى بملك يوم الدين تكملة لإجراء مجامع صفات العظمة والكمال على اسمه تعالى ، فإنه بعد أن وُصف بأنه رب العالمين وذلك معْنى الإلهية الحقة إذ يفوق ما كانوا ينعتون به آلهتهم من قولهم إله بني فلان فقد كانت الأُمم تتخذ آلهة خاصة لها كما حكى الله عن بعضهم : { فقالوا هذا إلهكم وإله موسى } [ طه : 88 ] وقال : { قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة } [ الأعراف : 138 ] وكانت لبعض قبائل العرب آلهة خاصة ، فقد عبدت ثقيف اللات قال الشاعر :ووقرت ثقيف إلى لاتها ... وفي حديث عائشة في «الموطأ» : «كان الأنصار قبل أن يسلموا يهلون لمَنَاةَ الطاغية التي كانوا يعبدونها عند المُشَلَّل» الحديث .فوُصِفَ اللَّهُ تعالى بأنه رب العالمين كلهم ، ثم عقب بوَصفي الرحمن الرحيم لإفادة عظم رحمته ، ثم وصف بأنه مَلِك يوم الدين وهو وَصْف بما هو أعظم مما قبله لأنه ينبىء عن عموم التصرف في المخلوقات في يوم الجزاء الذي هو أول أيام الخلود ، فمَلِك ذلك الزمان هو صاحب المُلك الذي لا يشذ شيء عن الدخول تحت مُلكه ، وهو الذي لا ينتهي ملكه ولا ينقضي ، فأين هذا الوصف من أوصاففِ المبالغة التي يفيضها الناس على أعظم الملوك مثل مَلِك الملوك ( شَاهَانْ شَاهْ ) ومَلِك الزمان ومَلِك الدنيَا ( شاهْ جَهان ) وما شابه ذلك . مع ما في تعريف ذلك اليوم بإضافته إلى الدين أي الجزاء من إدماج التنبيه على عدم حكم الله لأن إيثار لفظ الدين ( أي الجزاء ) للإشعار بأنه معاملة العَامل بما يعادِل أَعماله المَجْزِيَّ عليها في الخير والشر ، وذلك العدلُ الخاص قال تعالى : { اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم } [ غافر : 17 ] فلذلك لم يقلْ ملك يوم الحساب فوَصفُه بأنه ملك يَوممِ العدل الصِّرف وصف له بأشرف معنى المُلك فإن الملوك تتخلد محَامدهم بمقدار تفاضلهم في إقامة العدل وقد عرف العرب المِدْحةَ بذلك . قال النابغة يمدح الملك عَمْرو بن الحارث الغساني ملك الشام :وكَم جزَانَا بأَيْدٍ غَيرِ ظالمة ... عُرْفاً بعُرف وإنكاراً بإنكارِوقال الحارث بن حلزة يمدح الملك عَمرو بن هند اللخمي ملك الحِيرة :مَلِك مُقْسِطٌ وأَفْضَلُ مَنْ يَمْ ... شِي ومن دون مَا لَدَيْه القَضَاءوإجراء هذه الأوصاف الجليلة على اسمه تعالى إيماء بأن موصوفها حقيق بالحمد الكامل الذي أعربت عنه جملة { الحمد لله } ، لأن تقييد مُفاد الكلام بأوصاف مُتَعَلَّق ذلك المفاد يُشعر بمناسبة بين تلك الأوصاف وبين مُفاد الكلام مُناسبة تفهم من المقام مثل التعليل في مقام هذه الآية .
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
بعد أن بين - سبحانه - لعباده موجبات حمده، وأنه الجدير وحده بالحمد، لأنه المربى الرحيم، والمنعم الكريم، أتبع ذلك ببيان أنه - سبحانه - { مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ }.والمالك وصف من الملك - بكسر الميم - بمعنى حيازة الشئ مع القدرة على التصرف فيه. واليوم فى العرف: ما يكون من طلوع الشمس إلى غروبها، وليس هذا مراداً هنا، وإنما المراد مطلق الزمن وهو يوم القيامة.والدين: الجزاء والحساب، يقال: دنته بما صنع، أى: جازيته على صنيعه، ومنه قولهم. كما تدين تدان. أى: كما تفعل تجازى، وفى الحديث " الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت " أى: حاسب نفسه: والمعنى: أنه - تعالى - يتصرف فى أمور يوم الدين من حساب وثواب وعقاب، تصرف المالك فيما يملك، كما قال - تعالى -{ يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَٱلأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ }وهناك قراءة أخرى للآية وهى { مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ } من الملك - بضم الميم - وعليها يكون المعنى: أنه - تعالى - هو المدبر لأمور يوم الدين، وأن له على ذلك اليوم هيمنة الملوك وسيطرتهم، فكل شئ فى ذلك اليوم يجرى بأمره، وكل تصرف فيه ينفذ باسمه، كما قال - تعالى -{ لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ }قال الإِمام ابن كثير: " وتخصيص الملك بيوم الدين لا ينفيه عما عداه، لأنه قد تقدم الإِخبار بأنه رب العالمين، وذلك عام فى الدنيا والآخرة. وإنما أضيف إلى يوم الدين، لأنه لا يدعى أحد هنالك شيئاً، ولا يتكلم أحد إلا بإذنه، كما قال - تعالى -{ يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلاَئِكَةُ صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَقَالَ صَوَاباً }والملك فى الحقيقة هو الله، قال - تعالى -{ هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ ٱلسَّلاَمُ }وفى الصحيحين عن أبى هريرة، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " يقبض الله الأرض، ويطوى السماء بيمينه ثم يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض؟ أين الجبارون، أين المتكبرون " ثم قال: وأما تسمية غيره فى الدنيا بملك فعلى سبيل المجاز كما قال - تعالى -{ إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً }وفى هذه الأوصاف التى أجريت على الله تعالى، من كونه ربا للعالمين وملكا للأمر كله يوم الجزاء، بعد الدلالة على اختصاص الحمد به فى قوله: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } فى كل ذلك دليل على أن من كانت هذه صفاته لم يكن أحد أحق منه للحمد والثناء عليه، بل لا يستحق ذلك على الحقيقة سواه، فإن ترتب الحكم على الوصف مشعر بعليته له ".والمتدبر لهذه الآية الكريمة يراها خير وسيلة لتربية الإِنسان وغرس الإِيمان العميق فى قلبه، لأنه إذا آمن بأن هناك يوما يظهر فيه إحسان المحسن وإساءة المسئ، وأن زمام الحكم فى ذلك اليوم لله الواحد القهار، فإنه فى هذه الحالة سيقوى عنده خلق المراقبة لخالقه، ويجتهد فى السير على الطريق المستقيم.
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
قوله: {مالك يوم الدين}قرأ عاصم و الكسائي و يعقوب: "مالك "، وقرأ الآخرون: " ملك "؛ قال قوم: معناهما واحد مثل فرهين وفارهين، وحذرين وحاذرين، ومعناهما: الرب يقال رب الدار ومالكها.وقيل المالك والملك: هو القادر على اختراع الأعيان من العدم إلى الوجود ولا يقدرعليه أحد غير الله.قال أبو عبيدة: "مالك أجمع وأوسع لأنه يقال مالك العبد والطير والدواب ولا يقال ملك هذه الأشياء. لأنه لا يكون مالكاً لشيء إلا وهو يملكه، وقد يكون ملك الشيء ولا يملكه".وقال قوم: ملك أولى لأن كل ملك مالك وليس كل مالك ملكاً ولأنه أوفق لسائر القرآن؛ مثل: قوله تعالى: {فتعالى الله الملك الحق} [114 - طه]، {الملك القدوس} [23 - الحشر]، {ملك الناس}[الناس].قال مجاهد: "الدين: الحساب"، قال الله تعالى: {ذلك الدين القيم} [36 - التوبة] أي الحساب المستقيموقال ابن عباس ومقاتل والسدي: "ملك يوم الدين: قاضي يوم الحساب"وقال قتادة : "الدين: الجزاء".ويقع على الجزاء في الخير والشر جميعاً، يقال: كما تدين تدان.قال محمد بن كعب القرظي: "ملك يوم لا ينفع فيه إلا الدين"وقال يمان بن رباب: "الدين القهر، يقال دنته فدان أي قهرته فذل".وقيل: الدين الطاعة أي يوم الطاعة.وإنما خص يوم الدين بالذكر مع كونه مالكاً للأيام كلها لأن الأملاك يومئذ زائلة فلا ملك ولا أمر إلا له، قال الله تعالى: {الملك يومئذ الحق للرحمن} [26 - الفرقان]، وقال: {لمن الملك اليوم لله الواحد القهار} [16 - غافر]، وقال: {والأمر يومئذ لله} [19 - الانفطار]وقرأ أبو عمرو: (( الرحيم ملك )) بإدغام الميم في الميم وكذلك يدغم كل حرفين من جنس واحد أو مخرج واحد أو قريبي المخرج سواء كان الحرف ساكناً أو متحركاً إلا أن يكون الحرف الأول مشدداً أو مُنَوَّناً أو منقوصاً أو مفتوحاً أو تاء الخطاب قبله ساكن من غير المثلين فإنه لا يدغمهما، وإدغام المتحرك يكون في الإدغام الكبير وافقه حمزة في إدغام المتحرك في قوله: {بَيَّتَ طائفة} [81-النساء]، {والصافات صفا * فالزاجرات زجرا * فالتاليات ذكرا} [1-3: الصافات]، {والذاريات ذرواً} [1- الذاريات] أدغم التاء فيما بعدها من الحروف، وافقه الكسائي وحمزة في إدغام الصغير، وهو إدغام الساكن في المتحرك إلا في الراء عند اللام والدال عند الجيم وكذلك لا يدغم حمزة - وبرواية خلاد وخلف - الدال عند السين والصاد والزاي، ولا إدغام لسائر القراء إلا في أحرف معدودة.