تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
إنا فتحنا لك -أيها الرسول- فتحًا مبينًا، يظهر الله فيه دينك، وينصرك على عدوك، وهو هدنة "الحديبية" التي أمن الناس بسببها بعضهم بعضًا، فاتسعت دائرة الدعوة لدين الله، وتمكن من يريد الوقوف على حقيقة الإسلام مِن معرفته، فدخل الناس تلك المدة في دين الله أفواجًا؛ ولذلك سمَّاه الله فتحًا مبينًا، أي ظاهرًا جليًّا.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
«إنا فتحنا لك» قضينا بفتح مكة وغيرها في المستقبل عَنوة بجهادك «فتحا مبينا» بيِّنا ظاهرا.
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
سورة الفتح .مدنية بإجماع ، وهي تسع وعشرون آية . ونزلت ليلا بين مكة والمدينة في شأن الحديبية . روى محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم ، قالا : نزلت سورة الفتح بين مكة والمدينة في شأن الحديبية من أولها إلى آخرها . وفي الصحيحين عن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسير في بعض أسفاره وعمر بن الخطاب يسير معه ليلا فسأله عمر عن شيء فلم يجبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم سأله فلم يجبه ، ثم سأله فلم يجبه ، فقال عمر بن الخطاب : ثكلت أم عمر ، نزرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات كل ذلك لم يجبك ، فقال عمر : فحركت بعيري ثم تقدمت أمام الناس وخشيت أن ينزل في قرآن ، فما نشبت أن سمعت صارخا يصرخ بي ، فقلت : لقد خشيت أن يكون نزل في قرآن ، فجئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسلمت عليه ، فقال : لقد أنزلت علي الليلة سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس - ثم قرأ - إنا فتحنا لك فتحا مبينا لفظ البخاري . وقال الترمذي : حديث حسن غريب صحيح . وفي صحيح مسلم عن قتادة أن أنس بن مالك حدثهم قال : لما نزلت : إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما - إلى قوله - فوزا عظيما مرجعه من الحديبية وهم يخالطهم الحزن والكآبة ، وقد نحر الهدي بالحديبية ، فقال : لقد أنزلت علي آية هي أحب إلي من الدنيا جميعا . وقال عطاء عن ابن عباس : إن اليهود شتموا النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 238 ] والمسلمين لما نزل قوله تعالى : وما أدري ما يفعل بي ولا بكم قالوا : كيف نتبع رجلا لا يدري ما يفعل به فاشتد ذلك على النبي - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله تعالى : إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ونحوه قال مقاتل بن سليمان : لما نزل قوله تعالى : وما أدري ما يفعل بي ولا بكم فرح المشركون والمنافقون وقالوا : كيف نتبع رجلا لا يدري ما يفعل به ولا بأصحابه ، فنزلت بعدما رجع من الحديبية : إنا فتحنا لك فتحا مبينا أي : قضينا لك قضاء . فنسخت هذه الآية تلك . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : [ لقد أنزلت علي سورة ما يسرني بها حمر النعم ] . وقال المسعودي : بلغني أنه من قرأ سورة الفتح في أول ليلة من رمضان في صلاة التطوع حفظه الله ذلك العام .بسم الله الرحمن الرحيم .قوله تعالى : إنا فتحنا لك فتحا مبينا .اختلف في هذا الفتح ما هو ؟ ففي البخاري حدثني محمد بن بشار قال حدثنا غندر قال حدثنا شعبة قال سمعت قتادة عن أنس إنا فتحنا لك فتحا مبينا قال : الحديبية . وقال جابر : ما كنا نعد فتح مكة إلا يوم الحديبية . وقال الفراء : تعدون أنتم الفتح فتح مكة وقد كان فتح مكة فتحا ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية ، كنا نعد مع النبي - صلى الله عليه وسلم - أربع عشرة مائة ، والحديبية بئر . وقال الضحاك : إنا فتحنا لك فتحا مبينا بغير قتال . وكان الصلح من الفتح . وقال مجاهد : هو منحره بالحديبية وحلقه رأسه . وقال : كان فتح الحديبية آية عظيمة ، نزح ماؤها فمج فيها فدرت بالماء حتى شرب جميع من كان معه . وقال موسى بن عقبة : قال رجل عند منصرفهم من الحديبية : ما هذا بفتح ، لقد صدونا عن البيت . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : [ بل هو أعظم الفتوح قد رضي المشركون أن يدفعوكم عن بلادهم بالراح ويسألوكم القضية ويرغبوا إليكم في الأمان وقد رأوا منكم ما كرهوا ] . وقال الشعبي في قوله تعالى : [ ص: 239 ] إنا فتحنا لك فتحا مبينا قال : هو فتح الحديبية ، لقد أصاب بها ما لم يصب في غزوة ، غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وبويع بيعة الرضوان ، وأطعموا نخل خيبر ، وبلغ الهدي محله ، وظهرت الروم على فارس ، ففرح المؤمنون بظهور أهل الكتاب على المجوس . وقال الزهري : لقد كان الحديبية أعظم الفتوح ، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء إليها في ألف وأربعمائة ، فلما وقع الصلح مشى الناس بعضهم في بعض وعلموا وسمعوا عن الله ، فما أراد أحد الإسلام إلا تمكن منه ، فما مضت تلك السنتان إلا والمسلمون قد جاءوا إلى مكة في عشرة آلاف . وقال مجاهد أيضا والعوفي : هو فتح خيبر . والأول أكثر ، وخيبر إنما كانت وعدا وعدوه ، على ما يأتي بيانه في قوله تعالى : سيقول المخلفون إذا انطلقتم وقوله : وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه . وقال مجمع بن جارية - وكان أحد القراء الذين قرءوا القرآن - : شهدنا الحديبية مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلما انصرفنا عنها إذا الناس يهزون الأباعر ، فقال بعض الناس لبعض : ما بال الناس ؟ قالوا : أوحى الله إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - . قال : فخرجنا نوجف فوجدنا نبي الله - صلى الله عليه وسلم - عند كراع الغميم ، فلما اجتمع الناس قرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - إنا فتحنا لك فتحا مبينا فقال عمر بن الخطاب : أوفتح هو يا رسول الله ؟ قال : [ نعم ، والذي نفسي بيده إنه لفتح ] . فقسمت خيبر على أهل الحديبية ، لم يدخل أحد إلا من شهد الحديبية .وقيل : إن قوله تعالى : فتحا يدل على أن مكة فتحت عنوة ; لأن اسم الفتح لا يقع مطلقا إلا على ما فتح عنوة . هذا هو حقيقة الاسم . وقد يقال : فتح البلد صلحا ، فلا يفهم الصلح إلا بأن يقرن بالفتح ، فصار الفتح في الصلح مجازا . والأخبار دالة على أنها فتحت عنوة ، وقد مضى القول فيها ، ويأتي .
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1(افتتاح الكلام بحرف ( إنّ ( ناشىء على ما أحلّ للمسلمين من الكآبة على أن أجيب المشركون إلى سؤالهم الهدنة كما سيأتي من حديث عمر بن الخطاب وما تقدم من حديث عبد الله بن مغفل فالتأكيد مصروف للسامعين على طريقة التعريض ، وأما النبيء صلى الله عليه وسلم فقد كان واثقاً بذلك ، وسيأتي تبيين هذا التأكيد قريباً .والفتح : إزالة غلق الباببِ أو الخزانة قال تعالى : { لا تُفتَّح لهم أبواب السماء } [ الأعراف : 40 ] ويطلق على النصر وعلى دخول الغازي بلاد عدوّه لأن أرض كل قوم وبلادهم مواقع عنها فاقتحام الغازي إياها بعد الحرب يشبه إزالة الغلق عن البيت أو الخزانة ، ولذلك كثر إطلاق الفتح على النصر المقترن بدخول أرض المغلوب أو بلده ولم يطلق على انتصار كانت نهايته غنيمة وأسر دون اقتحام أرض فيقال : فتح خيبر وفتح مكة ولا يقال : فتح بَدر . وفتح أُحد . فمن أطلق الفتح على مطلق النصر فقد تسامح ، وكيف وقد عطف النصر على الفتح في قوله : { نصر من الله وفتح قريب } في سورة الصف ( 13 ( . ولعلّ الذي حداهم على عدّ النصر من معاني مادة الفتح أن فتح البلاد هو أعظم النصر لأن النصر يتحقق بالغلبة وبالغنيمة فإذا كان مع اقتحام أرض العدّو فذلك نصر عظيم لأنه لا يتم إلا مع انهزام العدّو أشنع هزيمة وعجزه عن الدفاع عن أرضه . وأطلق الفتح على الحكم قال تعالى : { ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين } الآية سورة ألم السجدة ( 28 ( .ولمراعاة هذا المعنى قال جمع من المفسّرين : المراد بالفتح هنا فتح مكة وأن محمله على الوعد بالفتح . والمعنى : سنفتح . وإنما جيء في الإخبار بلفظ الماضي لتحققه وتيقنه ، شُبه الزمن المستقبل بالزمن الماضي فاستعملت له الصيغة الموضوعة للمضي . أو نقول استعمل فتحنا } بمعنى : قدّرنا لك الفتح ، ويكون هذا الاستعمال من مصطلحات القرآن لأنه كلام من له التصرف في الأشياء لا يحجزه عن التصرف فيها مانع . وقد جرى على عادة إخبار الله تعالى لأنه لا خلاف في إخباره ، وذلك أيضاً كناية عن علو شأن المخبر مثل { أتى أمر الله فلا تستعجلوه } [ النحل : 1 ] .وما يندرج في هذا التفسير أن يكون المراد بالفتح صلح الحديبية تشبيهاً له بفتح مكة لأنه توطئة له فعن جابر بن عبد الله : ما كنّا نعدّ فتح مكة إلا يوم الحديبية ، يريد أنهم أيقنوا بوقوع فتح مكة بهذا الوعد ، وعن البراء بن عازب «تعدون أنتم الفتح فتح مكة وقد كان فتح مكة فتحاً ، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية» ، يريد أنكم تحملون الفتح في قوله : { إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً } على فتح مكة ولكنه فتح بيعة الرضوان وإن كان فتح مكة هو الغالب عليه اسم الفتح .ويؤيد هذا المحمل حديث عبد الله بن مغفَّل «قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة سورةَ الفتح» ، وفي رواية «دخل مكة وهو يقرأ سورة الفتح على راحلته» .على أن قرائن كثيرة تُرجح أن يكون المراد بالفتح المذكور في سورة الفتح : أُولاها أنّه جعله مُبيناً .الثّانية : أنه جعل علّته ( النصر العزيز ( الثانية ، ولا يكون الشيء علّة لنفسه .الثالثة : قوله { وأثابهم فتحاً قريباً } [ الفتح : 18 ] .الرّابعة : قوله : { ومغانم كثيرة يأخذونها } [ الفتح : 19 ] .الخامسة : قوله : { فجعل من دون ذلك فتحاً قريباً } [ الفتح : 27 ] .والجمهور على أن المراد في سورة الفتح هو صلح الحديبية ، وجعلوا إطلاق اسم الفتح عليه مجازاً مرسلاً باعتبار أنه آل إلى فتح خيبر وفتِح مكة ، أو كان سبباً فيهما فعن الزهري «لقد كان يوم الحديبية أعظم الفتوح ذلك أن النبيء صلى الله عليه وسلم جاء إليها في ألف وأربعمائة فلما وقع صلح مشي الناس بعضهم في بعض ، أي تفرقوا في البلاد فدخل بعضهم أرض بعض من أجْل الأمن بينهم ، وعلموا وسمِعوا عن الله فما أراد أحد الإسلام إلا تمكن منه ، فما مضت تلك السنتاننِ إلا والمسلمون قد جاؤوا إلى مكّة في عشرة آلاف» اه ، وفي رواية «فلما كانت الهدنة أمن الناس بعضُهم بعضاً فالتقوا وتفاوضوا الحديث والمناظرة فلم يكلَّم أحد يعقل بالإسلام إلا دخل فيه» . وعلى هذا فالمجاز في إطلاق مادة الفتح على سببه ومآله لا في صورة الفعل ، أي التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي لأنه بهذا الاعتبار المجازي قد وقع فيما مضي فيكون اسم الفتح استعمل استعمال المشترك في معنييه ، وصيغةُ الماضي استعملت في معنييها فيظهر وجه الإعجاز في إيثار هذا التركيب . وقيل : هو فتح خيبر الواقع عند الرجوع من الحديبية كما يجىء في قوله : { إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها } [ الفتح : 15 ] .وعلى هذه المحامل فتأكيد الكلام ب ( إن ( لما في حصول ذلك من تردد بعض المسلمين أو تساؤلهم ، فعن عمر أنه لما نزلت { إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً } قال : «أوَ فتح هو يا رسول الله؟ قال : " نعم والذي نفسي بيده إنه لفتح " . وروى البيهقي عن عروة بن الزبير قال : أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية راجعاً فقال رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما هذا بفتح صُددنا عن البيت وصُدّ هدينا . فبلغ ذلك رسول الله فقال : بئس الكلام هذا بل هو أعظم الفتح لقد رضي المشركون أن يدفعوكم بالراح عن بلادهم ويسألوكم القضية ويرغبون إليكم الأمان وقد كرهوا منكم ما كرهوا ولقد أظفركم الله عليهم وردكم سالمين غانمين مأجورين ، فهذا أعظم الفتح أنسيتم يوم أحد إذ تصعدون ولا تلوون على أحد وأنا أدعوكم في أخراكم ، أنسيتم يوم الأحزاب إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنون .فقال المسلمون : صدق الله ورسوله وهو أعظم الفتوح والله يا رسول الله ما فكرنا فيما ذكرت ، ولأنت أعلم بالله وبالأمور منا» .وحذف مفعول { فتحنا } لأن المقصود الإعلام بجنس الفتح لا بالمفتوح الخاص .واللام في قوله : { فتحنا لك } لام العلة ، أي فتحنا لأجلك فتحاً عظيماً مثل التي في قوله تعالى : { ألم نشرح لك صدرك } [ الشرح : 1 ] .وتقديم المجرور قبل المفعول المطلق خلافاً للأصل في ترتيب متعلقات الفعل لقصد الاهتمام والاعتناء بهذه العلة .
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
افتتحت سورة " الفتح " بهذه البشارات السامية ، والمدائح العالية للنبى - صلى الله عليه وسلم - افتتحت بقوله - تعالى - : ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً ) .والفتح فى الأصل : إزالة الأغلاق عن الشئ . . وفتح البلد : المقصود به الظفر به ، ووقوعه تحت سيطرة الفاتح .والذى عليه المحققون من العلماء أن المراد بالفتح هنا : صلح الحديبية وما ترتب عليه من خيرات كثيرة ، ومنافع جمة للمسلمين .ويشهد لذلك أحاديث متعددة منها : ما أخرجه البخارى وأبو داود والنسائى عن ابن مسعود قال : أقبلنا من الحديبية مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكان قد خرج إليها - صلى الله عليه وسلم - يوم الاثنين هلال ذى القعدة ، فأقام بها بضعة عشر يوما ، ثم قفل راجعا إلى المدينة ، فينما نحن نسير إلى المدينة إذ أتاه الوحى - وكان إذا أتاه اشتد عليه - فسرى عنه وبه من السرور ما شاء الله ، فأخبرنا أنه أنزل عليه : ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً ) .وروى الإِمام أحمد وأبو داود عن مجمع بن جارية الأوسى قال : شهدنا الحديبية ، فلما انصرفنا منها وجدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واقفا عند كراع الغميم - موضع بين مكة والمدينة - وقد جمع الناس وقرأ عليهم : ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً ) الآيات .فقال رجل : يا رسول الله ، أو فتح هو؟ فقال - صلى الله عليه وسلم - : أو والذى نفسى بيده إنه لفتح .ويرى بعضهم : أن المراد بالفتح هنا : فتح مكة ، والتعبير عنه بالماضى فى قوله : ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً ) لتحقق الوقوع ، فهو من قبيل قوله - تعالى - : ( أتى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ . . . ) ويبدو لنا أن المراد بالفتح هنا صلح الحديبية لوجود اللآثار الصحيحة التى تشهد لذلك ، ولأن هذا الصلح قد ترتب عليه من المنافع للدعوة الإِسلامية ما يجعله من أعظم الفتوح ، إن لم يكن أعظمها .لقد ترتب عليه أن انتشر الأمان بين المسلمين والمشركين ، فاستطاع المسلمون أن ينشروا دعوة الحق فى مكة وفى غيرها ، كما استطاعوا أن ينتقلوا من مكان إلى آخر للتبشير بدينهم ، فترتب على ذلك أن دخل فى الإِسلام عدد كبير من الناس .قال الزهرى : لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية ، وذلك أن المشركين اختلطوا بالمسلمين ، فسمعوا كلامهم ، وتمكن الإِسلام من قلوبهم ، وأسلم خلق كثير ، وكثر بهم سواد الإِسلام .قال ابن هشام : والدليل على صحة قول الزهرى ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى الحديبية فى الف وأربعمائة من أصحابه ثم خرج إلى مكة فى عام الفتح - بعد ذلك بسنتين - فى عشرة آلاف من أصحابه .وقد أكد - سبحانه - هذا الفتح بثلاثة أنواع من المؤكدات ، وهى " إن " والمصدر " فتحا " والوصف " مبينا " وذلك للمسارعة إلى تبشير المؤمنين بتحقق هذا الفتح ، ولإِدخال السرور على قلوبهم ، بعد تلك الشروط التى اشتمل عليها الصلح ، والتى ظنها بعضهم أن فيها إجحافا بالمسلمين .وأسند - سبحانه - الفعل إلى نون العظمة ( فَتَحْنَا ) لتفخيم شأن المخبر - عز وجل - وعلو شأن المخبَر عنه وهو الفتح .وقدم - سبحانه - الجار والمجرور ( لَكَ ) على المفعول المطلق ( فَتْحاً ) للاهتمام وللإِشعار بأن ذلك الفتح كان من أجله - صلى الله عليه وسلم - وفى ذلك ما فيه من تعظيم أمره - صلى الله عليه وسلم - ومن وجوب طاعته ، والامتثال لأمره .
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
مدنية،خبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي ، أخبرنا أبو علي زاهر بن أحمد السرخسي ، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي ، أخبرنا أبو مصعب ، عن مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان يسير مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره فسأله عمر عن شيء فلم يجبه ، ثم سأله فلم يجبه ، ثم سأله فلم يجبه ، فقال عمر : ثكلتك أمك يا عمر نزرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات ، كل ذلك لا يجيبك ، قال عمر : فحركت بعيري ثم تقدمت أمام الناس ، وخشيت أن ينزل في قرآن ، فما لبثت أن سمعت صارخا يصرخ بي ، فجئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسلمت عليه ، فقال : " لقد أنزلت علي الليلة سورة لهي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ، ثم قرأ : " إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر " .أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أبو عمر بكر بن محمد المزني ، حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله حفيد العباس بن حمزة ، حدثنا الحسين بن الفضل البجلي ، حدثنا عفان ، حدثنا همام ، حدثنا قتادة ، حدثنا أنس قال : نزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إنا فتحنا لك فتحا مبينا " إلى آخر الآية ، مرجعه من الحديبية وأصحابه مخالطهم الحزن والكآبة ، فقال : " نزلت علي آية هي أحب إلي من الدنيا جميعا " ، فلما تلاها نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال رجل من القوم : هنيئا مريئا لك قد بين الله لك ما يفعل بك ، فماذا يفعل بنا ؟ فأنزل الله الآية التي بعدها : " ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار " ، حتى ختم الآية . اختلفوا في هذا الفتح : روي عن أبي جعفر الرازي عن قتادة عن أنس : أنه فتح مكة ، وقال مجاهد : فتح خيبر .والأكثرون على أنه صلح الحديبية .ومعنى الفتح فتح المنغلق ، والصلح مع المشركين بالحديبية كان متعذرا حتى فتحه الله - عز وجل - . ورواه شعبة عن قتادة عن أنس : " إنا فتحنا لك فتحا مبينا " ، قال : الحديبية .أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء قال : تعدون أنتم الفتح فتح مكة ، وقد كان فتح مكة فتحا ، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان ، يوم الحديبية كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - أربع عشرة مائة ، والحديبية بئر ، فنزحناها فلم نترك فيها قطرة ، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتاها فجلس على شفيرها ، ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ ثم تمضمض ودعا ثم صبه فيها فتركناها غير بعيد ، ثم إنها أصدرتنا ما شئنا نحن وركابنا .وقال الشعبي في قوله : " إنا فتحنا لك فتحا مبينا " ، قال : فتح الحديبية ، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وأطعموا نخل خيبر ، وبلغ الهدي محله ، وظهرت الروم على فارس ، ففرح المؤمنون بظهور أهل الكتاب على المجوس .قال الزهري : لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية ، وذلك أن المشركين اختلطوا بالمسلمين فسمعوا كلامهم فتمكن الإسلام في قلوبهم ، أسلم في ثلاث سنين خلق كثير ، وكثر بهم سواد الإسلام .قوله - عز وجل - : " إنا فتحنا لك فتحا مبينا " ، أي قضينا لك قضاء بينا . وقال الضحاك : إنا فتحنا لك فتحا مبينا بغير قتال ، وكان الصلح من الفتح .