تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
إلا من اختلس السمع مِن كلام أهل الملأ الأعلى في بعض الأوقات، فأدركه ولحقه كوكب مضيء يحرقه. وقد يُلْقي الشيطان إلى وليه بعض ما استرقَه قبل أن يحرقه الشهاب.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
«إلا» لكن «من استرق السمع» خطفه «فأتبعه شهاب مبين» كوكب يضيء ويحرقه أو يثقبه أو يخبله.
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
قوله تعالى : إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين أي لكن من استرق السمع ، أي الخطفة اليسيرة ، فهو استثناء منقطع . وقيل ، هو متصل ، أي إلا ممن استرق السماع . أي حفظنا السماء من الشياطين أن تسمع شيئا من الوحي وغيره ; إلا من استرق السمع فإنا لم نحفظها منه أن تسمع الخبر من أخبار السماء سوى [ ص: 11 ] الوحي ، فأما الوحي فلا تسمع منه شيئا ; لقوله : إنهم عن السمع لمعزولون . وإذا استمع الشياطين إلى شيء ليس بوحي فإنهم يقذفونه إلى الكهنة في أسرع من طرفة عين ، ثم تتبعهم الشهب فتقتلهم أو تخبلهم ; ذكره الحسن وابن عباس .قوله - تعالى - : فأتبعه شهاب مبين أتبعه : أدركه ولحقه . شهاب : كوكب مضيء . وكذلك شهاب ثاقب . وقوله : بشهاب قبس بشعلة نار في رأس عود ; قاله ابن عزيز . وقال ذو الرمة :كأنه كوكب في إثر عفرية مسوم في سواد الليل منقضبوسمي الكوكب شهابا لبريقه ، يشبه النار . وقيل : شهاب لشعلة من نار ، قبس لأهل الأرض ، فتحرقهم ولا تعود إذا أحرقت كما إذا أحرقت النار لم تعد ، بخلاف الكوكب فإنه إذا أحرق عاد إلى مكانه . قال ابن عباس : تصعد الشياطين أفواجا تسترق السمع فينفرد المارد منها فيعلو ، فيرمى بالشهاب فيصيب جبهته أو أنفه أو ما شاء الله فيلتهب ، فيأتي أصحابه وهو يلتهب فيقول : إنه كان من الأمر كذا وكذا ، فيذهب أولئك إلى إخوانهم من الكهنة فيزيدون عليها تسعا ، فيحدثون بها أهل الأرض ; الكلمة حق والتسع باطل . فإذا رأوا شيئا مما قالوا قد كان صدقوهم بكل ما جاءوا به من كذبهم . وسيأتي هذا المعنى مرفوعا في سورة " سبأ " إن شاء الله - تعالى - .واختلف في الشهاب هل يقتل أم لا . فقال ابن عباس : الشهاب يجرح ويحرق ويخبل ولا يقتل . وقال الحسن وطائفة : يقتل ; فعلى هذا القول في قتلهم بالشهب قبل إلقاء السمع إلى الجن قولان :أحدهما : أنهم يقتلون قبل إلقائهم ما استرقوه من السمع إلى غيرهم ; فعلى هذا لا تصل أخبار السماء إلى غير الأنبياء ، ولذلك انقطعت الكهانة .والثاني : أنهم يقتلون بعد إلقائهم ما استرقوه من السمع إلى غيرهم من الجن ; ولذلك ما يعودون إلى استراقه ، ولو لم يصل لانقطع الاستراق وانقطع الإحراق ; ذكره الماورديقلت : والقول الأول أصح على ما يأتي بيانه في " الصافات " . واختلف هل كان رمي بالشهب قبل المبعث ; فقال الأكثرون نعم . وقيل لا ، وإنما ذلك بعد المبعث . وسيأتي بيان [ ص: 12 ] هذه المسألة في سورة " الجن " إن شاء الله - تعالى - . وفي " الصافات " أيضا . قال الزجاج : والرمي بالشهب من آيات النبي - صلى الله عليه وسلم - مما حدث بعد مولده ; لأن الشعراء في القديم لم يذكروه في أشعارهم ، ولم يشبهوا الشيء السريع به كما شبهوا بالبرق وبالسيل . ولا يبعد أن يقال : انقضاض الكواكب كان في قديم الزمان ولكنه لم يكن رجوما للشياطين ، ثم صار رجوما حين ولد النبي - صلى الله عليه وسلم - .وقال العلماء : نحن نرى انقضاض الكواكب ، فيجوز أن يكون ذلك كما نرى ثم يصير نارا إذا أدرك الشيطان . ويجوز أن يقال : يرمون بشعلة من نار من الهوى فيخيل إلينا أنه نجم سرى .والشهاب في اللغة النار الساطعة .وذكر أبو داود عن عامر الشعبي قال : لما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - رجمت الشياطين بنجوم لم تكن ترجم بها قبل ، فأتوا عبد ياليل بن عمرو الثقفي فقالوا : إن الناس قد فزعوا وقد أعتقوا رقيقهم وسيبوا أنعامهم لما رأوا في النجوم . فقال لهم - وكان رجلا أعمى - : لا تعجلوا ، وانظروا فإن كانت النجوم التي تعرف فهي عند فناء الناس ، وإن كانت لا تعرف فهي من حدث . فنظروا فإذا هي نجوم لا تعرف ، فقالوا : هذا من حدث . فلم يلبثوا حتى سمعوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - .
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
واستراق السمع : سرقتهُ . صيغ وزن الافتعال للتكلف . ومعنى استراقه الاستماع بخفية من المتحدث كأن المستمع يسرق من المتكلم كلامه الذي يخفيه عنه .و«أتبعه» بمعنى تَبعه . والهمزة زائدة مثل همزة أبان بمعنى بان . وتقدم في قوله تعالى : { فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين } في سورة الأعراف ( 175 ).والمبين : الظاهر البين .وفيه تعليم لهم بأن الشهب التي يشاهدونها متساقطةً في السماء هي رجوم للشياطين المسترِقة طرداً لها عن استراق السمع كاملاً ، فقد عرفوا ذلك من عهد الجاهلية ولم يعرفوا سببه .والمقصود من منع الشياطين من ذلك منعهم الاطلاع على ما أراد الله عدمَ اطلاعهم عليه من أمر التكوين ونحوه مما لو ألقته الشياطين في علم أوليائهم لكان ذلك فساداً في الأرض . وربما استدرج الله الشياطين وأولياءهم فلم يمنع الشياطين من استراق شيء قليل يلقونه إلى الكهان ، فلما أراد الله عصمة الوحي منعهم من ذلك بتاتاً فجعل للشهب قوة خرق التموجات التي تتلقى منها الشياطين المسترقون السمعَ وتمزيققِ تلك التدرجات الموصوفة في الحديث الصحيح .ثم إن ظاهر الآية لا يقتضي أكثر من تحكك مسترق السمع على السماوات لتحصيل انكشافات جبل المسترق على الحرص على تحصيلها . وفي آية الشعراء ما يقتضي أن هذا المسترق يلقي ما تَلقاه من الانكشافات إلى غيره لقوله : { يلقون السمع وأكثرهم كاذبون } [ سورة الشعراء : 223 ].ومقتضى تكوين الشهب للرجم أن هذا الاستراق قد مُنع عن الشياطين .وفي سورة الجن دلالة على أنه منع بعد البعثة ونزول القرآن إحكاماً لحفظ الوحي من أن يلتبس على الناس بالكهانة ، فيكون ما اقتضاه حديث عائشة وأبي هُريرة رضي الله عنهم من استراق الجن السمع وصفاً للكهانة السابقة . ويكون قوله : { ليسوا بشيء } وصفاً لآخر أمرهم .وقد ثبت بالكتاب والسنّة وجود مخلوقات تسمى بالجن وبالشياطين مع قوله : { والشياطين كل بناء وغواص } [ سورة ص : 37 ] الآية . والأكثر أن يخص باسم الجن نوع لا يخالط خواطر البشر ، ويخص باسم الشياطين نوع دأبه الوسوسة في عقول البشر بإلقاء الخواطر الفاسدة .وظواهر الأخبار الصحيحة من الكتاب والسنة تدل على أن هذه المخلوقات أصناف ، وأنها سابحة في الأجواء وفي طبقات مما وراء الهواء وتتصل بالأرض ، وأن منها أصنافاً لها اتصَال بالنفوس البشرية دون الأجسام وهو الوسواس ولا يخلو منه البشر .وبعضُ ظواهر الأخبار من السنة تقتضي أن صنفاً له اتصال بنفوس ذات استعداد خاص لاستفادة معرفة الواقعات قبل وقوعها أو الواقعات التي يبعد في مجاري العادات بلوغ وقوعها ، فتسبق بعضُ النفوس بمعرفتها قبل بلوغها المعتاد .وهذه النفوس هي نفوس الكهان وأهل الشعوذة ، وهذا الصنف من المخلوقات من الجن أوالشياطين هو المسمى بمسترق السمع وهو المستثنى بقوله تعالى : إلا من استرق السمع }. فهذا الصنف إذا اتصل بتلك النفوس المستعدة للاختلاط به حجز بعض قواها العقلية عن بعض فأكسب البعض المحجوز عنه ازدياد تأثير في وظائفه بما يرتد عليه من جرّاء تفرغ القوة الذهنية من الاشتغال بمزاحمه إلى التوجه إليه وحده ، فتكسبه قدرة على تجاوز الحد المعتاد لأمثاله ، فيخترق الحدود المتعارفة لأمثاله اختراقاً ما ، فربما خلصت إليه تموجات هي أوساط بين تموجات كرة الهواء وتموجات الطبقات العليا المجاورة لها ، مما وراء الكرة الهوائية .ولنفرض أن هذه الطبقة هي المسماة بالسماء الدنيا وأن هذه التموجات هي تموجات الأثير فإنها تحفظ الأصوات مثلاً .ثم هذه التموجات التي تخلُص إلى عقول أهل هذه النفوس المستعدة لها تخلص إليها مقطّعة مُجملة فيستعين أصحاب تلك النّفوس على تأليفها وتأويلها بما في طباعهم من ذكاء وزكانة ، ويخبرون بحاصل ما استخلصوه من بين ما تلقفوه وما ألّفوه وما أولوه . وهم في مصادفة بعض الصدق متفاوتون على مقدار تفاوتهم في حدة الذكاء وصفاء الفهم والمقارنة بين الأشياء ، وعلى مقدار دُربتهم ورسوخهم في معالجة مهنتهم وتقادم عهدهم فيها . فهؤلاء هم الكهان ، وكانوا كثيرين بين قبائل العرب . وتختلف سمعتهم بين أقوامهم بمقدار مصادفتهم لما في عقول أقوامهم . ولا شك أن لسذاجة عقول القوم أثراً ما ، وكان أقوامهم يعُدون المعمّرين منهم أقرب إلى الإصابة فيما ينبئون به ، وهم بفرط فطنتهم واستغفالهم البله من مريديهم لا يصدرون إلاّ كلاماً مجملاً موجهاً قابلاً للتأويل بعدة احتمالات ، بحيث لا يؤخذون بالتكذيب الصريح ، فيكلون تأويل كلماتهم إلى ما يحدث للنّاس في مثل الأغراض الصادرة فيها تلك الكلماتُ ، وكلامهم خلو من الإرشاد والحقائق الصالحة .وهم بحيلتهم واطلاعهم على ميادين النفوس ومؤثراتها التزموا أن يصوغوا كلامهم الذي يخبرون به في صيغة خاصة ملتزماً فيها فقرات قصيرة مختتمة بأسجاع ، لأن الناس يحسبون مزاوجة الفقرة لأختها دليلاً على مصادفتها الحق والواقع ، وأنها أمارة صدق . وكانوا في الغالب يلوذون بالعزلة ، ويكثرون النظر في النجوم ليلاً لتتفرغ أذهانهم . فهذا حال الكهان وهو قائم على أسس الدجل والحيلة والشعوذة مع الاستعانة باستعداد خاص في النفس وقوة تخترق الحواجز المألوفة .وهذا يفسره ما في كتاب الأدب من «صحيح البخاري» عن عائشة : أن ناساً سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهان فقال : " ليسوا بشيء ( أي لا وجود لما يزعمونه ). فقيل : يا رسول الله فإنهم يحدثون أحياناً بالشيء يكون حَقاً . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الكلمة من الحق يخطفها الجنيّ فَيقرُّها في أذن وليّه قَرّ الدجاجة فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة " .وما في تفسير سورة الحجر من «صحيح البخاري» من حديث سفيان عن أبي هُريرة قال نبي الله صلى الله عليه وسلم " إذا قضى الله الأمر في السماء ( أي أمر أو أوحى ) وضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله «فإنهم المأمورون كل في وظيفته» كالسلسلة على صَفواننٍ ينفُذُهم ذلك ( أي يحصل العلم لهم . وتقريبها حركات آلة تلقي الرسائل البرقية تلغراف ). . . فيسمعها مسترقو السمع ، ومسترقو السمع هكذا واحد فوق آخر ( أي هي طبقات مفاوتة في العلو ). ووصف سفيان بيده فحرّفها وفَرّج بين أصابع يده اليمنى نَصَبها بعضَها فوق بعض ( فيسمع المسترق الكلمة فيلقيها إلى من تحته ثم يلقيها الآخَر إلى من تحته حتّى يلقيها على لسان الكاهن أو الساحر ) ، فربّما أدرك الشّهاب المستمع قبل أن يلقيها ، وربّما ألقاها قبل أن يدركها فيكذب معها مائة كَذبة . فيقولون : ألم يخبرنا يوم كذا وكذا يكون كذا وكذا فوجدناه حقاً للكلمة التي سُمعت من السماء " . أما أخبار الكهان وقصصهم فأكثرها موضوعات وتكاذيب . وأصحها حديث سواد بن قارب في قصة إسلام عُمر رضي الله عنه من «صحيح البخاري» .وهذه الظواهر كلها لا تقتضي إلا إدراك المسموعات من كلام الملائكة . ولا محالة أنها مقرّبة بالمسموعات ، لأنها دلالة على عزائم النّفوس الملكية وتوجهاتها نحو مسخراتها .وعبر عنه بالسمع لأنه يؤول إلى الخبر ، فالذي يحصل لمسترق السمع شعور ما تتوجه الملائكة لتسخيره ، والذي يحصل للكاهن كذلك . والمآل أن الكاهن يخبر به فيؤول إلى مسموع .
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
وقوله - سبحانه - : ( إِلاَّ مَنِ استرق السمع فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ ) فى محل نصب على الاستثناء واستراق السمع : اختلاسه وسرقته ، والمراد به : الاستماع إلى المتحدث خفية ، حتى لكأن المستمع يسرق من المتكلم كلامه الذى يخفيه عنه ، فالسمع هنا بمعنى المسموع من الكلام .والشهاب : هو الشعلة الساطعة من النار ، المنفصلة من الكواكب التى ترى فى السماء ليلاً ، كأنها كوكب ينقض بأقصى سرعة . وجمعه شهب . . أصله من الشهبة ، وهى بياض مختلط بسواد .و ( مبين ) أى ظاهر واضح للمبصرين .والاستثناء منقطع ، فيكون المعنى : وحفظنا السماء من كل شيطان رجيم لكن من اختلس السمع من الشياطين ، بأن حاول الاقتراب منها ، فإنه يتبعه شهاب واضح للناظرين فيحرقه ، أو يحول بينه وبين استراق السمع .قال القرطبي : قوله - تعالى - : ( إِلاَّ مَنِ استرق السمع فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ ) أى . لكن من استرق السمع ، أى الخطفة اليسيرة ، فهو استثناء منقطع .وقيل : هو متصل ، أى : إلا ممن استرق السمع . أى : حفظنا السماء من الشياطين أن تسمع شيئاً من الوحى وغيره ، إلا من استرق السمع فإنا لم نحفظها منه أن تسمع الخبر من أخبار السماء سوى الوحى ، فأما الوحى فلا تسمع منه شيئاً لقوله - تعالى - ( إِنَّهُمْ عَنِ السمع لَمَعْزُولُونَ ) وإذا استمع الشياطين إلى شئ ليس بوحى ، فإنهم يقذفونه إلى الكهنة فى أسرع من طرفة عين ، ثم تتبعهم الشهب فتقلهم أو تخبلهم . . .وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - ( إِنَّا زَيَّنَّا السمآء الدنيا بِزِينَةٍ الكواكب وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ لاَّ يَسَّمَّعُونَ إلى الملإ الأعلى وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الخطفة فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ ) قال بعض العلماء ما ملخصه : والمقصود منع الشياطين من الاطلاع على ما أراد الله عدم اطلاعهم عليه . . وربما استدرج الله - تعالى - الشياطين وأولياءهم ، فلم يمنع الشياطين من استراق شئ قليل يلقونه إلى الكهان؛ فلما أراد - سبحانه - عصمة الوحى منعهم من ذلك بتاتا . .وفى سورة الجن دلالة على أن المنع الشديد من استراق السمع كان بعد البعثة النبوية ، وبعد نزول القرآن ، إحكاماً لحفظ الوحى من أن يلتبس على الناس بالكهانة ..قال - تعالى - : ( وَأَنَّا لَمَسْنَا السمآء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الآن يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً ) وعلى ذلك يكون ما جاء فى بعض الأحاديث من استراق الجن السمع - وصفا للكهانة السابقة ، ويكون قوله صلى الله عليه وسلم " ليسوا بشئ . . . " وصفا لآخر أمرهم . ." ففى صحيح البخارى عن عائشة : أن ناسا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهانة ، فقال : " ليسوا بشئ " . - أى لا وجود لما يزعمونه - فقيل - يارسول الله ، فإنهم يحدثون أحياناً بالشئ فيكون حقاً . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تلك الكلمة من الحق يخطفها الجنى فَيقرُّها فى أذن وليه قَرَّ الدجاجة - أى فيلقيها بصوت خافت كالدجاجة عندما تخفى صوتها - فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة " " .
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
( إلا من استرق السمع ) لكن من استرق السمع ( فأتبعه شهاب مبين ) والشهاب : الشعلة من النار .وذلك أن الشياطين يركب بعضهم بعضا إلى السماء الدنيا ، ويسترقون السمع من الملائكة ، فيرمون بالكواكب فلا تخطئ أبدا ، فمنهم من تقتله ، ومنهم من تحرق وجهه أو جنبه أو يده أو حيث يشاء الله ، ومنهم من تخبله فيصير غولا يضل الناس في البوادي .أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان ، حدثنا عمرو ، قال : سمعت عكرمة يقول : سمعت أبا هريرة يقول : إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله ، كأنه سلسلة على صفوان ، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا : ماذا قال ربكم ؟ قالوا للذي قال : الحق ، وهو العلي الكبير ، فيسمعها مسترقو السمع ، ومسترقو السمع هكذا بعضهم فوق بعض - ووصف سفيان بكفه فحرفها وبدد بين أصابعه - فيسمع أحدهم الكلمة فيلقيها إلى من تحته ، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته ، حتى يلقيها على لسان الساحر ، أو الكاهن ، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها ، وربما ألقاها قبل أن يدركه ، فيكذب معها مائة كذبة فيقال : أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا يكون كذا وكذا ، فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء " .أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا محمد بن أبي مريم ، حدثنا الليث ، حدثنا ابن جعفر ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الملائكة تنزل في العنان ، وهو السحاب ، فتذكر الأمر الذي قضي في السماء فتسترق الشياطين السمع فتسمعه فتوحيه إلى الكهان ، فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم " .واعلم أن هذا لم يكن ظاهرا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكره شاعر من العرب قبل زمان النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما ظهر في بدء أمره وكان ذلك أساسا لنبوته عليه السلام .وقال يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس بن شريق : إن أول من فزع للرمي بالنجوم هذا الحي من ثقيف وإنهم جاءوا إلى رجل منهم يقال له عمرو بن أمية أحد بني علاج ، وكان أهدى العرب ، فقالوا له : ألم تر ما حدث في السماء من القذف بالنجوم ؟ قال : بلى ، فانظروا فإن كانت معالم النجوم التي يهتدى بها في البر والبحر وتعرف بها الأنواء من الصيف والشتاء لما يصلح الناس من معايشهم هي التي يرمى بها فهي - والله - طي الدنيا وهلاك الخلق الذي فيها ، وإن كانت نجوما غيرها ، وهي والله ثابتة على حالها فهذا الأمر أراده الله تعالى بهذا الخلق .قال معمر قلت للزهري : أكان يرمى بالنجوم في الجاهلية ؟ قال : نعم ، قلت : أفرأيت قوله تعالى : ( وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع ) [ الآية - 6 ] الجن ؟ قال : غلظت وشدد أمرها حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم .وقال ابن قتيبة : إن الرجم كان قبل مبعثه - صلى الله عليه وسلم - ولكن لم يكن [ مثله ] في شدة الحراسة بعد مبعثه .وقيل : إن النجم ينقض فيرمي الشياطين ، ثم يعود إلى مكانه ، والله أعلم .