تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
يا أيها الناس إنَّا خلقناكم من أب واحد هو آدم، وأُم واحدة هي حواء، فلا تفاضل بينكم في النسب، وجعلناكم بالتناسل شعوبًا وقبائل متعددة؛ ليعرف بعضكم بعضًا، إن أكرمكم عند الله أشدكم اتقاءً له. إن الله عليم بالمتقين، خبير بهم.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
«يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى» آدم وحواء «وجعلناكم شعوبا» جمع شعب بفتح الشين هو أعلى طبقات النسب «وقبائل» هي دون الشعوب وبعدها العمائر ثم البطون ثم الأفخاذ ثم الفصائل آخرها، مثاله خزيمة: شعب، كنانة: قبيلة، قريش: عمارة بكسر العين، قُصي: بطن، هاشم: فخذ، العباس: فصيلة «لتعارفوا» حذف منه إحدى التاءين ليعرف بعضكم بعضا لا لتفاخروا بعلو النسب وإنما الفخر بالتقوى «إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم» بكم «خبير» ببواطنكم.
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
قوله تعالى : يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير .فيه سبع مسائل :الأولى : قوله تعالى : يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى يعني آدم وحواء . ونزلت الآية في أبي هند ، ذكره أبو داود في ( المراسيل ) ، حدثنا عمرو بن عثمان وكثير بن عبيد قالا حدثنا بقية بن الوليد قال حدثني الزهري قال : أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بني بياضة أن يزوجوا أبا هند امرأة منهم ، فقالوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : نزوج بناتنا موالينا ؟ فأنزل الله - عز وجل - : إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا الآية . قال الزهري : نزلت في أبي هند خاصة . وقيل : إنها نزلت في ثابت بن قيس بن شماس . وقوله في الرجل الذي لم يتفسح له : ابن فلانة ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( من الذاكر فلانة ) ؟ قال ثابت : أنا يا رسول الله ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( انظر في وجوه القوم ) فنظر ، فقال : ( ما رأيت ) ؟ قال رأيت أبيض وأسود وأحمر ، فقال : ( فإنك لا تفضلهم إلا بالتقوى ) فنزلت في ثابت هذه الآية . ونزلت في الرجل الذي لم يتفسح له : يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس الآية . قال ابن عباس : لما كان يوم فتح مكة أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بلالا حتى علا على ظهر الكعبة فأذن ، فقال عتاب بن أسيد بن أبي [ ص: 309 ] العيص : الحمد لله الذي قبض أبي حتى لا يرى هذا اليوم . قال الحارث بن هشام : ما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذنا . وقال سهيل بن عمرو : إن يرد الله شيئا يغيره . وقال أبو سفيان : إني لا أقول شيئا أخاف أن يخبر به رب السماء ، فأتى جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخبره بما قالوا ، فدعاهم وسألهم عما قالوا فأقروا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية . زجرهم عن التفاخر بالأنساب ، والتكاثر بالأموال ، والازدراء بالفقراء ، فإن المدار على التقوى . أي : الجميع من آدم وحواء ، إنما الفضل بالتقوى . وفي الترمذي عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب بمكة فقال : ( يا أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وتعاظمها بآبائها . فالناس رجلان : رجل بر تقي كريم على الله ، وفاجر شقي هين على الله . والناس بنو آدم وخلق الله آدم من تراب قال الله تعالى : يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ) . خرجه من حديث عبد الله بن جعفر والد علي بن المديني وهو ضعيف ، ضعفه يحيى بن معين وغيره . وقد خرج الطبري في كتاب ( آداب النفوس ) وحدثني يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا إسماعيل قال حدثنا سعيد الجريري عن أبي نضرة قال : حدثني أو حدثنا من شهد خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنى في وسط أيام التشريق وهو على بعير فقال : أيها الناس ألا إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا عجمي على عربي ولا لأسود على أحمر ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى ألا هل بلغت ؟ - قالوا نعم قال - ليبلغ الشاهد الغائب . وفيه عن مالك الأشعري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الله لا ينظر إلى أحسابكم ولا إلى أنسابكم ولا إلى أجسامكم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم فمن كان له قلب صالح تحنن الله عليه وإنما أنتم بنو آدم وأحبكم إليه أتقاكم . ولعلي - رضي الله عنه - في هذا المعنى وهو مشهور من شعره :الناس من جهة التمثيل أكفاء أبوهم آدم والأم حواء نفس كنفس وأرواح مشاكلةوأعظم خلقت فيهم وأعضاء فإن يكن لهم من أصلهم حسبيفاخرون به فالطين والماء ما الفضل إلا لأهل العلم إنهمعلى الهدى لمن استهدى أدلاء [ ص: 310 ] وقدر كل امرئ ما كان يحسنهوللرجال على الأفعال سيماء وضد كل امرئ ما كان يجهلهوالجاهلون لأهل العلم أعداءالثانية : بين الله تعالى في هذه الآية أنه خلق الخلق من الذكر والأنثى ، وكذلك في أول سورة ( النساء ) ولو شاء لخلقه دونهما كخلقه لآدم ، أو دون ذكر كخلقه لعيسى - عليه السلام - ، أو دون أنثى كخلقه حواء من إحدى الجهتين . وهذا الجائز في القدرة لم يرد به الوجود . وقد جاء أن آدم خلق الله منه حواء من ضلع انتزعها من أضلاعه ، فلعله هذا القسم ، قاله ابن العربي .الثالثة : خلق الله الخلق بين الذكر والأنثى أنسابا وأصهارا وقبائل وشعوبا ، وخلق لهم منها التعارف ، وجعل لهم بها التواصل للحكمة التي قدرها وهو أعلم بها ، فصار كل أحد يحوز نسبه ، فإذا نفاه رجل عنه استوجب الحد بقذفه ، مثل أن ينفيه عن رهطه وحسبه ، بقوله للعربي : يا عجمي ، وللعجمي : يا عربي ، ونحو ذلك مما يقع به النفي حقيقة . انتهى .الرابعة : ذهب قوم من الأوائل إلى أن الجنين إنما يكون من ماء الرجل وحده ، ويتربى في رحم الأم ، ويستمد من الدم الذي يكون فيه . واحتجوا بقوله تعالى : ألم نخلقكم من ماء مهين فجعلناه في قرار مكين . وقوله تعالى : ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين . وقوله : ألم يك نطفة من مني يمنى فدل على أن الخلق من ماء واحد . والصحيح أن الخلق إنما يكون من ماء الرجل والمرأة لهذه الآية ، فإنها نص لا يحتمل التأويل . وقوله تعالى : خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب والمراد منه أصلاب الرجال وترائب النساء ، على ما يأتي بيانه . وأما ما احتجوا به فليس فيه أكثر من أن الله تعالى ذكر خلق الإنسان من الماء والسلالة والنطفة ولم يضفها إلى أحد الأبوين دون الآخر . فدل على أن الماء والسلالة لهما والنطفة منهما بدلالة ما ذكرنا . وبأن المرأة تمني كما يمني الرجل ، وعن ذلك يكون الشبه ، حسب ما تقدم بيانه في آخر ( الشورى ) وقد قال في قصة نوح : فالتقى الماء على أمر قد قدر وإنما أراد ماء السماء وماء الأرض ; لأن الالتقاء لا يكون إلا من اثنين ، فلا ينكر أن يكون ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين وقوله تعالى : ألم نخلقكم من ماء مهين ويريد ماءين . والله أعلم .[ ص: 311 ] الخامسة : قوله تعالى : وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا الشعوب : رءوس القبائل ، مثل ربيعة ومضر والأوس والخزرج ، واحدها شعب بفتح الشين ، سموا به لتشعبهم واجتماعهم كشعب أغصان الشجرة . والشعب من الأضداد ، يقال شعبته إذا جمعته ، ومنه المشعب ( بكسر الميم ) وهو الإشفى ; لأنه يجمع به ويشعب . قال :فكاب على حر الجبين ومتق بمدرية كأنه ذلق مشعبوشعبته إذا فرقته ، ومنه سميت المنية شعوبا لأنها مفرقة . فأما الشعب ( بالكسر ) فهو الطريق في الجبل ، والجمع الشعاب . قال الجوهري : الشعب : ما تشعب من قبائل العرب والعجم ، والجمع الشعوب . والشعوبية : فرقة لا تفضل العرب على العجم . وأما الذي في الحديث : أن رجلا من الشعوب أسلم ، فإنه يعني من العجم . والشعب : القبيلة العظيمة ، وهو أبو القبائل الذي ينسبون إليه ، أي : يجمعهم ويضمهم . قال ابن عباس : الشعوب الجمهور ، مثل مضر . والقبائل : الأفخاذ . وقال مجاهد : الشعوب البعيد من النسب ، والقبائل دون ذلك . وعنه أيضا أن الشعوب النسب الأقرب . وقاله قتادة . ذكر الأول عنه المهدوي ، والثاني الماوردي . قال الشاعر [ طرفة بن العبد ] :رأيت سعودا من شعوب كثيرة فلم أر سعدا مثل سعد بن مالكوقال آخر :قبائل من شعوب ليس فيهم كريم قد يعد ولا نجيبوقيل : إن الشعوب عرب اليمن من قحطان ، والقبائل من ربيعة ومضر وسائر عدنان . وقيل : إن الشعوب بطون العجم ، والقبائل بطون العرب . وقال ابن عباس في رواية : إن الشعوب الموالي ، والقبائل العرب . قال القشيري : وعلى هذا فالشعوب من لا يعرف لهم أصل نسب كالهند والجبل والترك ، والقبائل من العرب . الماوردي : ويحتمل أن الشعوب هم المضافون إلى النواحي والشعاب ، والقبائل هم المشتركون في الأنساب . قال الشاعر :[ ص: 312 ]وتفرقوا شعبا فكل جزيرة فيها أمير المؤمنين ومنبروحكى أبو عبيد عن ابن الكلبي عن أبيه : الشعب أكبر من القبيلة ثم الفصيلة ثم العمارة ثم البطن ثم الفخذ . وقيل : الشعب ثم القبيلة ثم العمارة ثم البطن ثم الفخذ ثم الفصيلة ثم العشيرة ، وقد نظمها بعض الأدباء فقال :اقصد الشعب فهو أكثر حي عددا في الحواء ثم القبيلهثم تتلوها العمارة ثم ال بطن والفخذ بعدها والفصيلهثم من بعدها العشيرة لكن هي في جنب ما ذكرناه قليلهوقال آخر :قبيلة قبلها شعب وبعدهما عمارة ثم بطن تلوه فخذوليس يؤوي الفتى إلا فصيلته ولا سداد لسهم ما له قذذالسادسة : قوله تعالى : لتعارفوا إن أكرمكم عند الله وقد تقدم في سورة ( الزخرف ) عند قوله تعالى : وإنه لذكر لك ولقومك . وفي هذه الآية ما يدلك على أن التقوى هي المراعى عند الله تعالى وعند رسوله دون الحسب والنسب . وقرئ ( أن ) بالفتح . كأنه قيل : لم يتفاخر بالأنساب ؟ قيل : لأن أكرمكم عند الله أتقاكم لا أنسبكم . وفي الترمذي عن سمرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( الحسب المال والكرم التقوى ) . قال : هذا حديث حسن غريب صحيح . وذلك يرجع إلى قوله تعالى : إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، وقد جاء منصوصا عنه - عليه السلام - : ( من أحب أن يكون أكرم الناس فليتق الله ) .والتقوى معناه مراعاة حدود الله تعالى أمرا ونهيا ، والاتصاف بما أمرك أن تتصف به ، والتنزه عما نهاك عنه . وقد مضى هذا في غير موضع .وفي الخبر من رواية أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( إن الله تعالى يقول يوم القيامة إني جعلت نسبا وجعلتم نسبا فجعلت أكرمكم أتقاكم وأبيتم إلا أن تقولوا فلان ابن فلان وأنا اليوم أرفع نسبي وأضع أنسابكم ، أين المتقون ؟ أين المتقون ؟ ) . وروى الطبري من حديث أبي هريرة [ ص: 313 ] أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إن أوليائي المتقون يوم القيامة وإن كان نسب أقرب من نسب . يأتي الناس بالأعمال وتأتون بالدنيا تحملونها على رقابكم تقولون يا محمد فأقول هكذا وهكذا ) . وأعرض في كل عطفيه .وفي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جهارا غير سر يقول : ( إن آل أبي ليسوا لي بأولياء إنما وليي الله وصالح المؤمنين ) . وعن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل : من أكرم الناس ؟ فقال : ( يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ) قالوا : ليس عن هذا نسألك ، قال : ( فأكرمهم عند الله أتقاهم ) فقالوا : ليس عن هذا نسألك ، فقال : ( عن معادن العرب ؟ خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا ) وأنشدوا في ذلك :ما يصنع العبد بعز الغنى والعز كل العز للمتقيمن عرف الله فلم تغنه معرفة الله فذاك الشقيالسابعة : ذكر الطبري حدثني عمر بن محمد قال حدثنا عبيد بن إسحاق العطار قال حدثنا مندل بن علي عن ثور بن يزيد عن سالم بن أبي الجعد قال : تزوج رجل من الأنصار امرأة فطعن عليها في حسبها ، فقال الرجل : إني لم أتزوجها لحسبها إنما تزوجتها لدينها وخلقها ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( ما يضرك ألا تكون من آل حاجب بن زرارة ) . ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( إن الله تبارك وتعالى جاء بالإسلام فرفع به الخسيسة وأتم به الناقصة وأذهب به اللوم فلا لوم على مسلم إنما اللوم لوم الجاهلية ) . وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي ولذلك كان أكرم البشر على الله تعالى .قال ابن العربي : وهذا الذي لحظ مالك في الكفاءة في النكاح . روى عبد الله عن مالك : يتزوج المولى العربية ، واحتج بهذه الآية . وقال أبو حنيفة والشافعي : يراعى الحسب والمال . وفي الصحيح عن عائشة أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة - وكان ممن شهد بدرا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - تبنى سالما وأنكحه هندا بنت أخيه الوليد بن عتبة بن ربيعة ، وهو مولى لامرأة من الأنصار . وضباعة بنت الزبير كانت تحت المقداد بن الأسود .قلت : وأخت عبد الرحمن بن عوف كانت تحت بلال . وزينب بنت جحش كانت [ ص: 314 ] تحت زيد بن حارثة . فدل على جواز نكاح الموالي العربية ، وإنما تراعى الكفاءة في الدين . والدليل عليه أيضا ما روى سهل بن سعد في صحيح البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر عليه رجل فقال : ( ما تقولون في هذا ) ؟ فقالوا : حري إن خطب أن ينكح ، وإن شفع أن يشفع وإن قال أن يسمع . قال : ثم سكت ، فمر رجل من فقراء المسلمين فقال : ( ما تقولون في هذا ؟ ) قالوا : حري إن خطب ألا ينكح ، وإن شفع ألا يشفع ، وإن قال ألا يسمع . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( هذا خير من ملء الأرض مثل هذا ) . وقال - صلى الله عليه وسلم - : تنكح المرأة لمالها وجمالها ودينها - وفي رواية - ولحسبها فعليك بذات الدين تربت يداك .وقد خطب سلمان إلى أبي بكر ابنته فأجابه ، وخطب إلى عمر ابنته فالتوى عليه ، ثم سأله أن ينكحها فلم يفعل سلمان . وخطب بلال بنت البكير فأبى إخوتها ، قال بلال : يا رسول الله ، ماذا لقيت من بني البكير ! خطبت إليهم أختهم فمنعوني وآذوني ، فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أجل بلال ، فبلغهم الخبر فأتوا أختهم فقالوا : ماذا لقينا من سببك ؟ فقالت أختهم : أمري بيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فزوجوها . وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في أبي هند حين حجمه : ( أنكحوا أبا هند وأنكحوا إليه ) . وهو مولى بني بياضة .وروى الدارقطني من حديث الزهري عن عروة عن عائشة أن أبا هند مولى بني بياضة كان حجاما فحجم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( من سره أن ينظر إلى من صور الله الإيمان في قلبه فلينظر إلى أبي هند ) . وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أنكحوه وأنكحوا إليه ) . قال القشيري أبو نصر : وقد يعتبر النسب في الكفاءة في النكاح وهو الاتصال بشجرة النبوة أو بالعلماء الذين هم ورثة الأنبياء ، أو بالمرموقين في الزهد والصلاح . والتقي المؤمن أفضل من الفاجر النسيب ، فإن كانا تقيين فحينئذ يقدم النسيب منهما ، كما تقدم الشاب على الشيخ في الصلاة إذا استويا في التقوى .
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13(انتقال من واجبات المعاملات إلى ما يجب أن يراعيه المرء في نفسه ، وأعيد النداء للاهتمام بهذا الغرض ، إذ كان إعجابُ كل قبيلة بفضائلها وتفضيل قومها على غيرهم فاشياً في الجاهلية كما ترى بقيته في شعر الفرزدق وجرير ، وكانوا يحقرون بعض القبائل مثل بَاهلة ، وضُبيعة ، وبني عُكل .سئل أعرابي : أتحب أن تدخل الجنة وأنت باهلي فأطرق حينا ثم قال : على شرط أن لا يعلم أهل الجنة أني باهلى . فكان ذلك يجرّ إلى الإحن والتقاتل وتتفرع عليه السخرية واللمز والنبز والظن والتجسس والاغتياب الواردة فيها الآيات السابقة ، فجاءت هذه الآية لتأديب المؤمنين على اجتناب ما كان في الجاهلية لاقتلاع جذوره الباقية في النفوس بسبب اختلاط طبقات المؤمنين بعد سنة الوفود إذ كثر الداخلون في الإسلام .فعن أبي داود أنه روى في كتابه «المراسيل» عن الزهري قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بني بياضة ( من الأنصار ( أن يزوجوا أبا هند ( مولَى بني بياضة قيل اسمه يَسار ( امرأةً منهم فقالوا : تزوج بناتنا موالينَا ، فأنزل الله تعالى : { إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا } الآية . وروي غير ذلك في سبب نزولها .ونُودوا بعنوان { الناس } دون المؤمنين رعيا للمناسبة بين هذا العنوان وبين ما صُدّر به الغرض من التذكير بأن أصلهم واحد ، أي أنهم في الخلقة سواء ليتوسل بذلك إلى أن التفاضل والتفاخر إنما يكون بالفضائل وإلى أن التفاضل في الإسلام بزيادة التقوى فقيل : { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى } .فمن أقدم على القول بأن هذه الآية نزلت في مكة دون بقية السورة اغترّ بأن غالِب الخطاب ب { يا أيها الناس } إنما كان في المكي .والمراد بالذَكَر والأنثى : آدم وحواء أبَوَا البشر ، بقرينة قوله { وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا } .ويؤيد هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم " أنتم بنو آدم وآدم من تراب " كما سيأتي قريباً . فيكون تنوين ( ذكر وأنثى ( لأنهما وصفان لموصوف فقرر ، أي من أب ذكر ومن أم أنثى .ويجوز أن يراد ب { ذكر وأنثى } صنف الذكر والأنثى ، أي كل واحد مكون من صنف الذكر والأنثى .وحرف ( من ( على كلا الاحتمالين للابتداء .والشعوب : جمع شعب بفتح الشين وهو مجمع القبائل التي ترجع إلى جد واحد من أمة مخصوصة وقد يسمى جذماً ، فالأمة العربية تنقسم إلى شعوب كثيرة فمُضر شعب ، وربيعة شعب ، وأنمار شعب ، وإياد شعب ، وتجمعها الأمة العربية المستعربة ، وهي عدنان من ولد إسماعيل عليه السلام ، وحمير وسبأ ، والأزدُ شعوب من أمة قحطان . وكنانة وقيس وتميم قبائل من شعب مضر . ومَذْحج ، وَكِنْدَة قبيلتان من شَعب سَبأ . والأوسُ والخزرج قبيلتان من شَعب الأزد .وتحت القبيلة العمارة مثل قريش من كِنانة ، وتحت العمارة البطن مثل قصيّ من قريش ، وتحت البطن الفخِذ مثل هاشم وأمية من قَصي ، وتحت الفخذ الفصيلة مثل أبي طالب والعباس وأبي سفيان .واقُتصر على ذكر الشعوب والقبائل لأن ما تحتها داخل بطريق لحن الخطاب .وتجاوز القرآن عن ذكر الأمم جرياً على المتداول في كلام العرب في تقسيم طبقات الأنساب إذ لا يدركون إلا أنسابهم .وجعلت علة جَعْل الله إياه شعوباً وقبائل . وحكمتهُ من هذا الجَعل أن يتعارف الناس ، أي يعرِف بعضهم بعضاً .والتعارف يحصل طبقة بعد طبقة متدرجاً إلى الأعلى ، فالعائلة الواحدة متعارفون ، والعشيرة متعارفون من عائلات إذ لا يخلون عن انتساب ومصاهرة ، وهكذا تتعارف العشائر مع البطون والبطون مع العمائِر ، والعمائِر مع القبائل ، والقبائل مع الشعوب لأن كل درجة تأتلف من مجموع الدرجات التي دونها .فكان هذا التقسيم الذي ألهمهم الله إياه نظاماً محكماً لربط أواصرهم دون مشقة ولا تعذر فإن تسهيل حصول العمل بين عدد واسع الانتشار يكون بتجزئة تحصيله بين العدد القليل ثم ببث عمله بين طوائف من ذلك العدد القليل ثم بينه وبين جماعات أكثر . وهكذا حتى يعم أمة أو يعم الناس كلهم وما انتشرت الحضارات المماثلة بين البشر إلا بهذا الناموس الحكيم .والمقصود : أنكم حرَّفتم الفطرة وقلبتم الوضع فجعلتم اختلاف الشعوب والقبائل بِسبب تناكر وتطاحن وعدوان .ألا ترى إلى قول الفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب :مهلاً بني عمنا مهلاً موالِينا ... لا تَنْبُشوا بيننا ما كان مدفوناًلا تطمَعوا أن تُهِينُونا ونكرمَكُم ... وأن نَكُف الأذى عنكم وتؤذوناوقول العُقيلي وحاربه بنو عمه فقَتل منهم :ونَبكي حين نقتلكم عليكم ... ونَقتلكم كأنَّا لا نباليوقول الشَّمَيْذَرِ الحارثي :وقد ساءنِي ما جرَّت الحربُ بيننا ... بني عَمّنا لو كان أمراً مُدانياوأقوالهم في هذا لا تحصر عدا ما دون ذلك من التفاخر والتطاول والسخرية واللمز والنبز وسوء الظن والغيبة مما سبق ذكره .وقد جبر الله صدع العرب بالإسلام كما قال تعالى : { واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألَّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا } فردهم إلى الفطرة التي فطرهم عليها وكذلك تصاريف الدين الإسلامي ترجع بالناس إلى الفطرة السليمة .ولما أمر الله تعالى المؤمنين بأن يكونوا إخوة وأن يصلحوا بين الطوائف المتقاتلة ونهاهم عما يثلم الأخوة وما يَغِين على نُورها في نفوسهم من السخرية واللمز والتنابز والظن السوء والتَجسِس والغيبة ، ذكَّرهم بأصل الأخوة في الأنساب التي أكدتها أخوة الإسلام ووحدة الاعتقاد ليكون ذلك التذكير عوناً على تبصرهم في حالهم ، ولما كانت السخرية واللمز والتنابز مما يحمل عليه التنافس بين الأفراد والقبائل جمع الله ذلك كله في هذه الموعظة الحكيمة التي تدل على النداء عليهم بأنهم عَمدوا إلى هذا التشعيب الذي وضعتْه الحكمة الإلهية فاستعملوه في فاسد لوازمه وأهملوا صالح ما جعل له بقوله : { لتعارفوا } ثم وأتبعه بقوله : { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } أي فإن تنافستم فتنافسوا في التقوى كما قال تعالى :{ وفي ذلك فليتنافس المتنافسون } [ المطففين : 26 ] .والخبر في قوله : { إنا خلقناكم من ذكر وأنثى } مستعمل كناية عن المساواة في أصل النوع الإنساني ليتوصل من ذلك إلى إرادة اكتساب الفضائل والمزايا التي ترفع بعض الناس على بعض كناية بمرتبتين . والمعنى المقصود من ذلك هو مضمون جملة { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } فتلك الجملة تتنزل من جملة { إنا خلقناكم من ذكر وأنثى } منزلة المقصد من المقدمة والنتيجةِ من القياس ولذلك فصلت لأنها بمنزلة البيان .وأما جملة { وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا } فهي معترضة بين الجملتين الأخريين .والمقصود من اعتراضها : إدماج تأديب آخر من واجب بث التعارف والتواصل بين القبائل والأمم وأن ذلك مراد الله منهم .ومن معنى الآية ما خطب به رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع إذ قال : " يا أيها الناس ألاَ إن ربكم واحد وأن أباكم واحد لا فضل لعَربي على عجمي ولا لِعجمي على عربي ولا لأسودَ على أحمرَ ولا لأحمرَ على أسود إلا بالتقوى "ومن نمط نظم الآية وتبيينها ما رواه الترمذي في تفسير هذه الآية قول النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله أذهب عنكم عبيّة الجاهلية وفخرها لا لآباء الناس مؤمن تقي أو فاجر شقي أنتم بنو آدم وآدم من تراب " وفي رواية «أن ذلك مما خطب به يوم فتح مكة ( عبية بضم العين المهملة وبكسرها وبتشديد الموحدة المكسورة ثم تشديد المثناة التحتية : الكبر والفخر . ووزنهما على لغة ضم الفاء فُعولة وعلى لغة كسر الفاء فعلية ، وهي إما مشتقة من التعبية فتضعيف الباء لمجرد الإلحاق مثل نضّ الثوب بمعنى نضى أو مشتقة من عباب الماء فالتضعيف في الباء أصلي ( .وفي رواية ابن أبي حاتم بسنده إلى ابن عمر «طاف رسول الله يوم فتح مكة ثم خطبهم في بطن المسيل فذكر الحديث وزاد فيه أن الله يقول : { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى } إلى { إن الله عليم خبير } .وجملة { إن أكرمكم عند اللَّه أتقاكم } مستأنفة استئنافاً ابتدائياً وإنما أخّرت في النظم عن جملة إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ، لتكون تلك الجملة السابقة كالتوطئة لهذه وتتنزل منها منزلة المقدمة لأنهم لما تساوَوا في أصل الخلقة من أب واحد وأم واحدة كان الشأن أن لا يفضُل بعضهم بعضاً إلا بالكمال النفساني وهو الكمال الذي يرضاه الله لهم والذي جعل التقوى وسيلته ولذلك ناط التفاضل في الكرم ب { عند الله } إذ لا اعتداد بكرم لا يعبأ الله به .والمراد بالأكرم : الأنْفَس والأشَرف ، كما تقدم بيانه في قوله : { إني ألقي إلى كتاب كريم }في سورة [ النمل : 29 ] .والأتقى : الأفضل في التقوى وهو اسم تفضيل صيغ من اتَّقى على غير قياس .وجملة { إن الله عليم خبير } تعليل لمضمون { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } أي إنما كان أكرمكم أتقاكم لأن الله عليم بالكرامة الحق وأنتم جعلتم المكارم فيما دون ذلك من البطش وإفناء الأموال في غير وجه وغير ذلك الكرامة التي هي التقوى خبير بمقدار حظوظ الناس من التقوى فهي عنده حظوظ الكرامة فلذلك الأكرم هو الأتقى ، وهذا كقوله : { فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى } [ النجم : 32 ] أي هو أعلم بمراتبكم في التقوى ، أي التي هي التزكية الحق . ومن هذا الباب قوله : { الله أعلم حيث يجعل رسالته } [ الأنعام : 124 ] .علم أن قوله : { إن أكرمكم عند الله اتقاكم } لا ينافي أن تكون للناس مكارم أخرى في المرتبة الثانية بعد التقوى مما شأنه أن يكون له أثر تزكية في النفوس مثل حسن التربية ونقاء النسب والعرافة في العلم والحضارة وحسن السمعة في الأمم وفي الفصائل ، وفي العائلات ، وكذلك بحسب ما خلده التاريخ الصادق للأمم والأفراد فما يترك آثاراً لأفرادها وخلالاً في سلائلها قال النبي صلى الله عليه وسلم « الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا »فإن في خلق الأنباء آثاراً من طباع الآباء الأدنَيْن أو الأعَليْن تكون مهيئة نفوسهم للكمال أو ضده وأن للتهذيب والتربية آثاراً جمّة في تكميل النفوس أو تقصيرها وللعوائد والتقاليد آثارها في الرفعة والضعة وكل هذه وسائل لإعداد النفوس إلى الكمال والزكاء الحقيقي الذي تخططه التقوى .وجملة { إن الله عليم خبير } تذييل ، وهو كناية عن الأمر بتزكية نواياهم في معاملاتهم وما يريدون من التقوى بأن الله يعلم ما في نفوسهم ويحاسبهم عليه .
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
وبعد هذه النداءات الخمسة للمؤمنين ، التى اشتملت على الآداب النفسية والاجتماعية . . وجه - سبحانه - نداء إلى الناس جميعا ، ذكرهم فيه بأصلهم وبميزان قبولهم عنده ، فقال - سبحانه - : ( ياأيها الناس . . . ) .وقد ورد فى سبب نزول هذه الآية روايات منها : أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمر بنى بياضة أن يزوجوا امرأة منهم لأبى عند - وكان حجاما للنبى - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : يا رسول الله ، نزوج بناتنا - موالينا - أى : عبيدنا ، فأنزل الله - تعالى - هذه الآية .والمراد بالذكر والأنثى : آدم وحواء . أى : خلقناكم من أب واحد ومن أم واحدة ، فأنتم جميعا تنتسبون إلى اصل واحد ، ويجمعكم وعاء واحد ، وما داما لأمر كذلك فلا وجه للتفاخر بالحساب والأنساب .قال الآلوسى : أى خلقناكم من آدم وحواء ، فالكل سواء فى ذلك ، فلا وجه للتفاخر بالنسب ، كما قال الشاعر :الناس فى عالم التمثيل أكفاء ... أبوهم آدم والأم حواء .وجوز أن يكون المراد هنا : إنا خلقنا كل واحد منكم من أب وأم ، ويبعده عدم ظهور ترتب ذم التفاخر بالنسب عليه ، والكلام مساق له . .وقوله : ( وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لتعارفوا ) بيان لما ترتب على خلقهم على تلك الصورة ، وللحكمة من ذلك .والشعوب : جمع شعب ، وهو العدد الكثير من الناس يجمعهم - فى الغالب أصل واحد .والقبائل : جمع قبيلة وتمثل جزاء من الشعب ، إذ أن الشعب مجموعة من القبائل .قال صاحب الكشاف : والشعب الطبقة من الطبقات الست التى علها العرب .وهى : الشعب ، والقبيلة ، والعمارة ، والبطن ، والفخذ ، والفصيلة . . وسميت الشعوب بذلك ، لأن قبائل تشعبت منها . .والمعنى : خلقناكم - أيها الناس - من ذكر وأنثى ، وجعلناكم شعوبا وقبائل ( لتعارفوا ) أى : ليعرف بعضكم نسب بعض ، فينتسب كل فرد إلى آياته ، ولتتواصلوا فيما بينكم وتتعاونوا على البر والتقوى ، لا ليتفاخر بعضكم على بعض بحسبه أو نسبه أو جاهه .وقوله - سبحانه - ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أَتْقَاكُمْ ) تعليل لما بدل ------------ النهى عن التفاخر بالأنساب .أى : إن أرفعكم منزلة عند الله ، وأعلاكم عنده - سبحانه - درجة . . هو أكثرهم تقوى وخشية منه - تعالى - فإنه أردتم الفخر ففاخروا بالتقوى وبالعمل الصالح .( إِنَّ الله عَلِيمٌ ) بكل أحوالكم ( خَبِيرٌ ) بما ترونه وتعلنونه من أقوال وأفعال .وقد ساق الإِمام ابن كثير - رحمه الله - عند تفسيره لهذه الآية . جملة من الأحاديث التى تنهى عن التفاخر ، وتحض على التقوى ، فقال : فجميع الناس فى الشرف بالنسبة الطينية إلى آدم وحواء سواء ، وإنما يتفاضلون بالأمر الدينية ، وهى طاعة الله ورسوله . .روى البخارى - بسدنه - عن أبى هريرة قال : " سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أى الناس كرم؟ قال : " أكرمهم اتقاهم قالوا : ليس عن هذا نسألك قال : فأكرم الناس يوسف نبى لله ، ابن خليل الله ، قالوا : ليس عن هذا نسألك . قال : فعن معادن العرب تسألونى؟ قالوا : نعم . قال : فخياركم فى الجاهلية خياركم فى الإِسلام إذا فقهوا " " .وروى مسلم عن أبى هريرة قال : " قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن الله لا ينظر إلى صوركم موالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " .وأخرج ابن أبى حاتم عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس يوم فتح مكة قال : " يأيها الناس إن الله قد أذهب عنكم عُبَيَّةَ الجاهلية - أى تكبرها ، وتعظمها بآبائها ، الناس رجلان ، رجل يرتقى كريم على الله ، وفاجر شقى هين على الله . إن الله - تعالى - يقول : ( ياأيها الناس إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأنثى . . ) ثم قال : " أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم " " .
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ) الآية . قال ابن عباس : نزلت في ثابت بن قيس ، وقوله للرجل الذي لم يفسح له : ابن فلانة ، يعيره بأمه ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : من الذاكر فلانة ؟ فقال ثابت : أنا يا رسول الله ، فقال : انظر في وجوه القوم فنظر فقال : ما رأيت يا ثابت ؟ قال : رأيت أبيض وأحمر وأسود ، قال : فإنك لا تفضلهم إلا في الدين والتقوى ، فنزلت في ثابت هذه الآية ، وفي الذي لم يتفسح : " يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا " ( المجادلة - 11 ) .وقال مقاتل : لما كان يوم فتح مكة أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالا حتى علا ظهر الكعبة وأذن ، فقال عتاب بن أسيد بن أبي العيص : الحمد لله الذي قبض أبي حتى لم ير هذا اليوم ، وقال الحارث بن هشام : أما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذنا ، وقال سهيل بن عمرو : إن يرد الله شيئا يغيره . وقال أبو سفيان : إني لا أقول شيئا أخاف أن يخبر به رب السماء ، فأتى جبريل فأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما قالوا ، فدعاهم وسألهم عما قالوا فأقروا فأنزل الله تعالى هذه الآية وزجرهم عن التفاخر بالأنساب والتكاثر بالأموال والإزراء بالفقراء فقال :( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ) يعني آدم وحواء أي إنكم متساوون في النسب . ( وجعلناكم شعوبا ) جمع شعب بفتح الشين ، وهي رءوس القبائل مثل ربيعة ومضر والأوس والخزرج ، سموا شعوبا لتشعبهم واجتماعهم ، كشعب أغصان الشجر ، والشعب من الأضداد يقال : شعب ، أي : جمع ، وشعب أي : فرق . ( وقبائل ) وهي دون الشعوب ، واحدتها قبيلة وهي كبكر من ربيعة وتميم من مضر ، ودون القبائل العمائر ، واحدتها عمارة ، بفتح العين ، وهم كشيبان من بكر ، ودارم من تميم ، ودون العمائر البطون ، واحدتها بطن ، وهم كبني غالب ولؤي من قريش ودون البطون الأفخاذ واحدتها فخذ ، وهم كبني هاشم وأمية من بني لؤي ، ثم الفصائل والعشائر واحدتها فصيلة وعشيرة ، وليس بعد العشيرة حي يوصف به .وقيل : الشعوب من العجم ، والقبائل من العرب ، والأسباط من بني إسرائيل .وقال أبو روق : " الشعوب " الذين لا يعتزون إلى أحد ، بل ينتسبون إلى المدائن والقرى ، " والقبائل " : العرب الذين ينتسبون إلى آبائهم .( لتعارفوا ) ليعرف بعضكم بعضا في قرب النسب وبعده ، لا ليتفاخروا . ثم أخبر أن أرفعهم منزلة عند الله أتقاهم فقال :( إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ) قال قتادة في هذه الآية : إن أكرم الكرم التقوى ، وألأم اللؤم الفجور .أخبرنا أبو بكر بن أبي الهيثم الترابي ، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حمويه ، أخبرنا إبراهيم بن خزيم الشاشي ، حدثنا عبد بن حميد ، حدثنا يونس بن محمد ، حدثنا سلام بن أبي مطيع ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة بن جندب قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الحسب المال ، والكرم التقوى " .وقال ابن عباس : كرم الدنيا الغنى ، وكرم الآخرة التقوى .أخبرنا أبو بكر بن أبي الهيثم ، أنا عبد الله بن أحمد بن حمويه ، أخبرنا إبراهيم بن خزيم ، حدثنا عبد بن حميد ، أخبرنا الضحاك بن مخلد ، عن موسى بن عبيدة ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف يوم الفتح على راحلته يستلم الأركان بمحجنه ، فلما خرج لم يجد مناخا ، فنزل على أيدي الرجال ، ثم قام فخطبهم فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : " الحمد لله الذي أذهب عنكم عبية الجاهلية وتكبرها [ بآبائها ] ، الناس رجلان بر تقي كريم على الله ، وفاجر شقي هين على الله ثم تلا " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى " ، ثم قال : أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم " .أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا محمد هو ابن سلام حدثنا عبدة عن عبيد الله ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي الناس أكرم ؟ قال : أكرمهم عند الله أتقاهم ، قالوا : ليس عن هذا نسألك ، قال : فأكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله . قالوا : ليس عن هذا نسألك ، قال : فعن معادن العرب تسألوني ؟ قالوا : نعم ، قال : " فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا " .أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أخبرنا عبد الغافر بن محمد ، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا عمرو الناقد ، حدثنا كثير بن هشام ، حدثنا جعفر بن برقان ، عن يزيد بن الأصم ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " .