تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
واذكر -أيها الرسول- حين قلنا لك: إن ربك أحاط بالناس علمًا وقدرة. وما جعلنا الرؤيا التي أريناكها عِيانًا ليلة الإسراء والمعراج من عجائب المخلوقات إلا اختبارًا للناس؛ ليتميز كافرهم من مؤمنهم، وما جعلنا شجرة الزقوم الملعونة التي ذكرت في القرآن إلا ابتلاء للناس. ونخوِّف المشركين بأنواع العذاب والآيات، ولا يزيدهم التخويف إلا تماديًا في الكفر والضلال.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
«و» اذكر «إذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس» علما وقدرة فهم في قبضته فبلّغهم ولا تخف أحدا فهو يعصمك منهم «وما جعلنا الرؤيا التي أريناك» عيانا ليلة الإسراء «إلا فتنة للناس» أهل مكة إذ كذبوا بها وارتد بعضهم لما أخبرهم بها «والشجرة الملعونة في القرآن» هي الزقوم التي تنبت في أصل الجحيم جعلناها فتنة لهم إذ قالوا: النار تحرق الشجر فكيف تنبته «ونخوفهم» بها «فما يزيدهم» تخويفنا «إلا طغيانا كبيرا».
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
قوله تعالى : وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيراقوله تعالى : وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس قال ابن عباس : الناس هنا أهل مكة ، وإحاطته بهم إهلاكه إياهم ; أي إن الله سيهلكهم . وذكره بلفظ الماضي لتحقق كونه . وعنى بهذا الإهلاك الموعود ما جرى يوم بدر ويوم الفتح . وقيل : معنى أحاط بالناس أي أحاطت قدرته بهم ، فهم في قبضته لا يقدرون على الخروج من مشيئته ; قاله مجاهد وابن أبي نجيح . وقال الكلبي : المعنى أحاط علمه بالناس . وقيل : المراد عصمته من الناس أن يقتلوه حتى يبلغ رسالة ربه ; أي وما أرسلناك عليهم حفيظا ، بل عليك التبليغ ، فبلغ بجدك فإنا [ ص: 254 ] نعصمك منهم ونحفظك ، فلا تهبهم ، وامض لما آمرك به من تبليغ الرسالة ، فقدرتنا محيطة بالكل ; قال معناه الحسن وعروة وقتادة وغيرهم .قوله تعالى : وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس لما بين أن إنزال آيات القرآن تتضمن التخويف ضم إليه ذكر آية الإسراء ، وهي المذكورة في صدر السورة . وفي البخاري والترمذي عن ابن عباس في قوله - تعالى - : وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس قال : هي رؤيا عين أريها النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة أسري به إلى بيت المقدس . قال : والشجرة الملعونة في القرآن هي شجرة الزقوم . قال أبو عيسى الترمذي : هذا حديث صحيح . وبقول ابن عباس قالت عائشة ومعاوية والحسن ومجاهد وقتادة وسعيد بن جبير والضحاك وابن أبي نجيح وابن زيد . وكانت الفتنة ارتداد قوم كانوا أسلموا حين أخبرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أسري به . وقيل : كانت رؤيا نوم . وهذه الآية تقضي بفساده ، وذلك أن رؤيا المنام لا فتنة فيها ، وما كان أحد لينكرها . وعن ابن عباس قال : الرؤيا التي في هذه الآية هي رؤيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه يدخل مكة في سنة الحديبية ، فرد فافتتن المسلمون لذلك ، فنزلت الآية ، فلما كان العام المقبل دخلها ، وأنزل الله - تعالى - لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق . وفي هذا التأويل ضعف ; لأن السورة مكية وتلك الرؤيا كانت بالمدينة . وقال في رواية ثالثة : إنه - عليه السلام - رأى في المنام بني مروان ينزون على منبره نزو القردة ، فساءه ذلك فقيل : إنما هي الدنيا أعطوها ، فسري عنه ، وما كان له بمكة منبر ولكنه يجوز أن يرى بمكة رؤيا المنبر بالمدينة . وهذا التأويل الثالث قاله أيضا سهل بن سعد - رضي الله عنه - . قال سهل إنما هذه الرؤيا هي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرى بني أمية ينزون على منبره نزو القردة ، فاغتم لذلك ، وما استجمع ضاحكا من يومئذ حتى مات - صلى الله عليه وسلم - . فنزلت الآية مخبرة أن ذلك من تملكهم وصعودهم يجعلها الله فتنة للناس وامتحانا . وقرأ الحسن بن علي في خطبته في شأن بيعته لمعاوية : وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين . قال ابن عطية : وفي هذا التأويل نظر ، ولا يدخل في هذه الرؤيا عثمان ولا عمر بن عبد العزيز ولا معاوية .[ ص: 255 ] قوله تعالى : والشجرة الملعونة في القرآن فيه تقديم وتأخير ; أي ما جعلنا الرؤيا التي أريناك والشجرة الملعونة في القرآن إلا فتنة للناس . وفتنتها أنهم لما خوفوا بها قال أبو جهل استهزاء : هذا محمد يتوعدكم بنار تحرق الحجارة ، ثم يزعم أنها تنبت الشجر والنار تأكل الشجر ، وما نعرف الزقوم إلا التمر والزبد ، ثم أمر أبو جهل جارية فأحضرت تمرا وزبدا وقال لأصحابه : تزقموا . وقد قيل : إن القائل ما نعلم الزقوم إلا التمر والزبد ابن الزبعرى حيث قال : كثر الله من الزقوم في داركم ، فإنه التمر بالزبد بلغة اليمن . وجائز أن يقول كلاهما ذلك . فافتتن أيضا لهذه المقالة بعض الضعفاء ، فأخبر الله - تعالى - نبيه - عليه السلام - أنه إنما جعل الإسراء وذكر شجرة الزقوم فتنة واختبارا ليكفر من سبق عليه الكفر ويصدق من سبق له الإيمان . كما روي أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - قيل له صبيحة الإسراء : إن صاحبك يزعم أنه جاء البارحة من بيت المقدس فقال : إن كان قال ذلك فلقد صدق . فقيل له : أتصدقه قبل أن تسمع منه ؟ فقال : أين عقولكم ؟ أنا أصدقه بخبر السماء ، فكيف لا أصدقه بخبر بيت المقدس ، والسماء أبعد منها بكثير .قلت : ذكر هذا الخبر ابن إسحاق ، ونصه : قال كان من الحديث فيما بلغني عن مسراه - صلى الله عليه وسلم - عن عبد الله بن مسعود وأبي سعيد الخدري وعائشة ومعاوية بن أبي سفيان والحسن بن أبي الحسن وابن شهاب الزهري وقتادة وغيرهم من أهل العلم وأم هانئ بنت أبي طالب ، ما اجتمع في هذا الحديث ، كل يحدث عنه بعض ما ذكره من أمره حين أسري به صلى الله عليه وسلم ، وكان في مسراه وما ذكر عنه بلاء وتمحيص وأمر من أمر الله - عز وجل - في قدرته وسلطانه فيه عبرة لأولي الألباب ، وهدى ورحمة وثبات لمن آمن وصدق وكان من أمر الله - تعالى - على يقين ; فأسرى به - صلى الله عليه وسلم - كيف شاء وكما شاء ليريه من آياته ما أراد ، حتى عاين ما عاين من أمره وسلطانه العظيم ، وقدرته التي يصنع بها ما يريد . وكان عبد الله بن مسعود فيما بلغني عنه يقول : أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالبراق - وهي الدابة التي كانت تحمل عليها الأنبياء قبله تضع حافرها في منتهى طرفها - فحمل عليها ، ثم خرج به صاحبه يرى الآيات فيما بين السماء والأرض ، حتى انتهى إلى بيت المقدس ، فوجد فيه إبراهيم وموسى وعيسى في نفر من الأنبياء قد جمعوا له فصلى بهم ثم أتي بثلاثة آنية : إناء فيه لبن وإناء فيه خمر ; وإناء فيه ماء . قال : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : [ ص: 256 ] فسمعت قائلا يقول حين عرضت علي إن أخذ الماء فغرق وغرقت أمته وإن أخذ الخمر فغوي وغوت أمته وإن أخذ اللبن فهدي وهديت أمته قال فأخذت إناء اللبن فشربت فقال له جبريل هديت وهديت أمتك يا محمد . قال ابن إسحاق : وحدثت عن الحسن أنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : بينما أنا نائم في الحجر جاءني جبريل - عليه السلام - فهمزني بقدمه فجلست فلم أر شيئا ثم عدت لمضجعي فجاءني الثانية فهمزني بقدمه فجلست فلم أر شيئا فعدت لمضجعي فجاءني الثالثة فهمزني بقدمه فجلست فأخذ بعضدي فقمت معه فخرج إلى باب المسجد فإذا دابة أبيض بين البغل والحمار في فخذيه جناحان يحفز بهما رجليه يضع حافره في منتهى طرفه فحملني عليه ثم خرج معي لا يفوتني ولا أفوته . قال ابن إسحاق : وحدثت عن قتادة أنه قال : حدثت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لما دنوت منه لأركبه شمس فوضع جبريل يده على معرفته ثم قال ألا تستحي يا براق مما تصنع فوالله ما ركبك عبد لله قبل محمد أكرم عليه منه قال فاستحيا حتى ارفض عرقا ثم قر حتى ركبته . قال الحسن في حديثه : فمضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومضى معه جبريل حتى انتهى إلى بيت المقدس ، فوجد فيه إبراهيم وموسى وعيسى في نفر من الأنبياء ، فأمهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى بهم ثم أتي بإناءين : في أحدهما خمر وفي الآخر لبن ، قال : فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إناء اللبن فشرب منه وترك إناء الخمر . قال : فقال له جبريل : هديت الفطرة وهديت أمتك وحرمت عليكم الخمر . ثم انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة ، فلما أصبح غدا على قريش فأخبرهم الخبر ; فقال أكثر الناس : هذا والله الأمر البين والله إن العير لتطرد شهرا من مكة إلى الشام ، مدبرة شهرا ومقبلة شهرا ، فيذهب ذلك محمد في ليلة واحدة ويرجع إلى مكة قال : فارتد كثير ممن كان أسلم ، وذهب الناس إلى أبي بكر فقالوا : هل لك يا أبا بكر في صاحبك يزعم أنه قد جاء هذه الليلة بيت المقدس ، وصلى فيه ورجع إلى مكة . قال فقال أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - : إنكم تكذبون عليه . فقالوا : بلى ، ها هو ذا في المسجد يحدث به الناس . فقال أبو بكر : والله لئن كان قاله لقد صدق فما يعجبكم من ذلك فوالله إنه ليخبرني أن الخبر ليأتيه من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه ، فهذا أبعد مما تعجبون منه . ثم أقبل حتى انتهى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا نبي الله ، أحدثت هؤلاء أنك جئت بيت المقدس هذه الليلة ؟ [ ص: 257 ] قال ( نعم ) قال : يا نبي الله ، فصفه لي فإني قد جئته ؟ فقال الحسن : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : رفع لي حتى نظرت إليه فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصفه لأبي بكر ويقول أبو بكر - رضي الله عنه - : صدقت ، أشهد إنك رسول الله . كلما وصف له منه شيئا قال : صدقت ، أشهد إنك رسول الله . قال : حتى إذا انتهى قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر - رضي الله عنه - : وأنت يا أبا بكر الصديق فيومئذ سماه الصديق . قال الحسن : وأنزل الله - تعالى - فيمن ارتد عن الإسلام لذلك : وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا . فهذا حديث الحسن عن مسرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما دخل فيه من حديث قتادة . وذكر باقي الإسراء عمن تقدم في السيرة . وقال ابن عباس : هذه الشجرة بنو أمية ، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نفى الحكم . وهذا قول ضعيف محدث والسورة مكية ، فيبعد هذا التأويل ; إلا أن تكون هذه الآية مدنية ، ولم يثبت ذلك . وقد قالت عائشة لمروان : لعن الله أباك وأنت في صلبه فأنت بعض من لعنة الله . ثم قال : والشجرة الملعونة في القرآن ولم يجر في القرآن لعن هذه الشجرة ، ولكن الله لعن الكفار وهم آكلوها . والمعنى : والشجرة الملعونة في القرآن آكلوها . ويمكن أن يكون هذا على قول العرب لكل طعام مكروه ضار : ملعون . وقال ابن عباس : الشجرة الملعونة هي هذه الشجرة التي تلتوي على الشجر فتقتله ، يعني الكشوث .ونخوفهم أي بالزقوم .فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا فما يزيدهم التخويف إلا الكفر .
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
{ وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بالناس }هذه تسلية للنبيء صلى الله عليه وسلم على حزنه من تكذيب قومه إياه ، ومن إمهال عتاة أعداء الدين الذين فتنوا المؤمنين ، فذكره الله بوعده نصرَه .وقد أومأ جَعْلُ المسند إليه لفظ الرب مضافاً إلى ضمير الرسول أن هذا القول مسوق مساق التكرمة للنبيء وتصبيره ، وأنه بمحل عناية الله به إذ هو ربه وهو ناصره؛ قال تعالى : { واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا } [ الطور : 48 ].فجملة { وإذ قلنا لك } الخ يجوز أن تكون معطوفة على جملة { وما منعنا أن نرسل بالآيات } [ الإسراء : 59 ] ويجوز أن تكون معترضة .و ( إذ ) متعلقة بفعل محذوف ، أي اذكُرْ إذ قلنا لك كلاماً هو وعد بالصبر ، أي اذكر لهم ذلك وأعدهُ على أسماعهم ، أو هو فعل { اذكر } على أنه مشتق من الذُّكر بضم الذال وهو إعادة الخبر إلى القوة العقلية الذاكرة .والإحاطة لما عدي فعلها هنا إلى ذاتتِ الناس لا إلى حال من أحوالهم تعين أنها مستعملة في معنى الغلبة ، كما في قوله تعالى : { وظنوا أنهم أحيط بهم } في سورة [ يونس : 22 ]. وعُبِّرَ بصيغة المضي للتنبيه على تحقيق وقوع إحاطة الله بالناس في المستقبل القريب . ولعل هذا إشارة إلى قوله تعالى : { أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها } [ الرعد : 41 ].والمعنى : فلا تحزن لافترائهم وتطاولهم فسننتقم منهم .عطف على جملة { وما منعنا أن نرسل بالآيات } [ الإسراء : 59 ] وما بينهما معترضات .والرؤيا أشهر استعمالها في رؤيا النوم ، وتستعمل في رؤية العين كما نقل عن ابن عباس في هذه الآية ، قال : هي رؤيا عَيْن أريها النبي ليلة أسري به إلى بيت المقدس ، رواه الترمذي وقال : إنه قول عائشة ومعاوية وسبعة من التابعين ، سماهم الترمذي . وتأولها جماعة أنها ما رآه ليلة أسري به إذ رأى بيت المقدس وجعل يصفه للمشركين ، ورأى عِيرَهم واردة في مكان معين من الطريق ووصف لهم حال رجال فيها فكان كما وصف . ويؤيد هذا الوجه قوله : { التي أريناك } فإنه وصف للرؤيا ليُعلم أنها رؤية عين . وقيل : رأى أنه يدخل مكة في سنة الحديبية فرده المشركون فلم يدخلها فافتتن بعض من أسلموا فلما كان العام المقبل دخلها .وقيل : هي رؤيا مصارع صناديد قريش في بَدر أريها النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك أي بمكة . وعى هذين القولين فهي رؤيا نوم ورؤيا الأنبياء وحي .والفتنة : اضطراب الرأي واختلال نظام العيش ، وتطلق على العذاب المكرر الذي لا يطاق ، قال تعالى : { إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات } [ البروج : 10 ] ، وقال : { يوم هم على النار يفتنون } [ الذاريات : 13 ]. فيكون المعنى على أول القولين في الرؤيا أنها سبب فتنة المشركين بازدياد بعدهم عن الإيمان ، ويكون على القول الثاني أن المرئي وهو عذابهم بالسيف فتنة لهم .{ والشجرة } عطف على الرؤيا ، أي ما جعلنا ذكر الشجرة الملعونة في القرآن إلا فتنة للناس . وهذا إشارة إلى قوله تعالى : { إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون } في سورة [ الصافات : 64 ، 66 ] ، وقوله : { إن شجرة الزقوم طعام الأثيم الآية } في سورة [ الدخان : 43 ، 44 ) ، وقوله : { إنكم أيها الضالون المكذبون لآكلون من شجر من زقوم } في سورة [ الواقعة : 51 ، 52 ].روي أن أبا جهل قال : زعم صاحبكم أن نار جهنم تحرق الحجر؛ ثم يقول بأن في النار شجرة لا تحرقها النار . وجهلوا أن الله يخلق في النار شجرة لا تأكلها النار . وهذا مروي عن ابن عباس وأصحابه في { أسباب النزول } للواحدي و «تفسير الطبري» . وروي أن ابن الزبعرى قال : الزقوم التمر بالزبد بلغة اليمن ، وأن أبا جهل أمر جارية فأحضرت تمراً وزبداً وقال لأصحابه : تمزقوا . فعلى هذا التأويل فالمعنى : أن شجرة الزقوم سبب فتنة مكفرهم وانصرافهم عن الإيمان . ويتعين أن يكون معنى جعل شجرة الزّقوم فتنة على هذا الوجه أن ذكرها كان سببَ فتنة بحذف مضاف وهو ذكر بقرينة قوله : { الملعونة في القرآن } لأن ما وصفت به في آيات القرآن لعْن لها .ويجوز أن يكون المعنى : أن إيجادها فتنة . أي عذاب مكرر ، كما قال : { إنا جعلناها فتنة للظالمين } [ الصافّات : 63 ].والملعونة : أي المذمومة في القرآن في قوله : طعام الأثيم [ الدخان : 44 ] وقوله : { طلعها كأنه رؤوس الشياطين } [ الصافات : 65 ] وقوله : { كالمهل تغلي في البطون كغلي الحميم } [ الدخان : 45 46 ]. وقيل معنى الملعونة : أنها موضوعة في مكان اللعنة وهي الإبعاد من الرحمة ، لأنها مخلوقة في موضع العذاب . وفي { الكشاف } : قيل تقول العرب لكل طعام ضار : ملعون .عطف على جملة { وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون } [ الإسراء : 59 ] الدال على أنهم متصلبون في كفرهم مكابرون معاندون . وهذه زيادة في تسلية النبي حتى لا يأسف من أن الله لم يرهم آيات ، لأن النبي حريص على إيمانهم ، كما قال موسى عليه السلام { فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم } [ يونس : 88 ].ويوجد في بعض التفاسير أن ابن عباس قال : في الشجرة الملعونة بنو أمية . وهذا من الأخبار المختلقة عن ابن عباس ، ولا إخالها إلا مما وضعه الوضاعون في زمن الدعوة العباسية لإكثار المنفرات من بني أمية ، وأن وصف الشجرة بأنها الملعونة في القرآن صريح في وجود آيات في القرآن ذكرت فيها شجرة ملعونة وهي شجرة الزقوم كما علمت . ومثل هذا الاختلاق خروج عن وصايا القرآن في قوله : { ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان } [ الحجرات : 11 ].وجيء بصيغة المضارع في نُخوِّفهم } للإشارة إلى تخويف حاضر ، فإن الله خوفهم بالقحط والجوع حتى رأوا الدخان بين السماء والأرض وسألوا الله كشفه فقال تعالى : { إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون } [ الدخان : 15 ] فذلك وغيره من التخويف الذي سبق فلم يزدهم إلا طغياناً . فالظاهر أن هذه الآية نزلت في مدة حصول بعض المخوفات .وقد اختير الفعل المضارع في نخوفهم } و { يزيدهم } لاقتضائه تكرر التخويف وتجدده ، وأنه كلما تجدد التخويف تجدد طغيانهم وعظم .والكبير : مستعار لِمعنى الشديد القوى في نوع الطغيان . وقد تقدم عند قوله تعالى : { قل قتال فيه كبير } في سورة [ البقرة : 217 ].
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
وقوله - سبحانه - : ( وَإِذْ قُلْنَا للملائكة اسجدوا لأَدَمََ . . . ) تذكير لبنى آدم بما جرى بين أبيهم وبين إبليس ، ليعتبروا ويتعظوا ، ويستمروا على عداوتهم لإِبليس وجنده .أى : واذكروا - يا بنى آدم - وقت أن قلنا للملائكة ( اسجدوا لآدم ) سجود تحية وتكريم ، فسجدوا امتثالاً لأمر الله - تعالى - ، بدون تردد أو تلعثم ، ( إلا إبليس ) فإنه أبى السجود لآدم - عليه السلام - ( وقال ) بتكبر وعصيان لأمر ربه - عز وجل - : ( أأسجد ) وأنا المخلوق من نار ( لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً ) أى : أأسجد لمن خلقته من طين ، مع أننى أفضل منه .والتعبير بقوله ( فسجدوا ) بفاء التعقيب ، يفيد أن سجودهم - عليهم السلام - كان فى أعقاب أمر الله - تعالى - لهم مباشرة ، بدون تأخير أو تسويف .وقوله - تعالى - : ( قال أأسجد . . . ) استئناف بيانى ، فكأنه قيل : فماذا كان موقف إبليس من هذا الأمر؟ فكان الجواب أن إبليس فسق عن أمر ربه وقال ما قال .والاستفهام فى ( أأسجد ) للإِنكار والتعجب ، لأن يرى - لعنه الله - أنه أفضل من آدم .وقوله : ( طينا ) منصوب بنزع الخافض أى : من طين .وقد جاء التصريح بإباء إبليس عن السجود لآدم ، بأساليب متنوعة ، وفى آيات متعددة ، منها قوله - تعالى - : ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسجدوا لأَدَمََ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أبى واستكبر وَكَانَ مِنَ الكافرين ) وقوله - تعالى - : ( فَسَجَدَ الملائكة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاَّ إِبْلِيسَ أبى أَن يَكُونَ مَعَ الساجدين ).
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
قوله عز وجل : ( وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس ( أي : هم في قبضته لا يقدرون على الخروج عن مشيئته فهو حافظك ومانعك منهم فلا تهبهم وامض إلى ما أمرك به من تبليغ الرسالة كما قال : " والله يعصمك من الناس " ( المائدة - 67 )( وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس ( فالأكثرون على أن المراد منه ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم [ ليلة المعراج من العجائب والآيات .قال ابن عباس : هي رؤيا عين أريها النبي صلى الله عليه وسلم ] وهو قول سعيد بن جبير والحسن ومسروق وقتادة ومجاهد وعكرمة وابن جريج والأكثرين والعرب تقول : رأيت بعيني رؤية ورؤيا فلما ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس أنكر بعضهم ذلك وكذبوا فكان فتنة للناس .وقال قوم : [ أسري بروحه دون بدنه .وقال بعضهم : كان له معراجان : معراج رؤية بالعين ومعراج رؤيا بالقلب .وقال قوم ] . أراد بهذه الرؤيا ما رأى صلى الله عليه وسلم عام الحديبية أنه دخل مكة هو وأصحابه فعجل السير إلى مكة قبل الأجل فصده المشركون فرجع إلى المدينة وكان رجوعه في ذلك العام بعدما أخبر أنه يدخلها فتنة لبعضهم حتى دخلها في العام المقبل فأنزل الله تعالى : " لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق " ( الفتح - 27 ) .( والشجرة الملعونة في القرآن ( يعني شجرة الزقوم ، مجازه : والشجرة الملعونة المذكورة في القرآن والعرب تقول لكل طعام كريه : طعام ملعون . وقيل : [ معناه الملعون ] آكلها ونصب الشجرة عطفا على الرؤيا أي : وما جعلنا الرؤيا التي أريناك والشجرة الملعونة إلا فتنة للناس فكانت الفتنة في الرؤيا ما ذكرنا .والفتنة في الشجرة الملعونة من وجهين ، أحدهما : أن أبا جهل قال : إن ابن أبي كبشة يوعدكم بنار تحرق الحجارة ثم يزعم أنه ينبت فيها شجرة وتعلمون أن النار تحرق الشجرة .والثاني أن عبد الله بن الزبعرى قال : إن محمدا يخوفنا بالزقوم ولا نعرف الزقوم إلا الزبد والتمر وقال أبو جهل : يا جارية تعالي فزقمينا فأتت بالتمر والزبد فقال : يا قوم [ تزقموا ] فإن هذا ما يخوفكم به محمد فوصفها الله تعالى في الصافات .وقيل : الشجرة الملعونة هي : التي تلتوي على الشجر فتجففه يعني الكشوث .( ونخوفهم فما يزيدهم ( التخويف ( إلا طغيانا كبيرا ( أي : تمردا وعتوا عظيما .