تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
أفرأيت -أيها الرسول- من اتخذ هواه إلهًا له، فلا يهوى شيئًا إلا فَعَله، وأضلَّه الله بعد بلوغ العلم إليه وقيام الحجة عليه، فلا يسمع مواعظ الله، ولا يعتبر بها، وطبع على قلبه، فلا يعقل به شيئًا، وجعل على بصره غطاء، فلا يبصر به حجج الله؟ فمن يوفقه لإصابة الحق والرشد بعد إضلال الله إياه؟ أفلا تذكرون -أيها الناس- فتعلموا أنَّ مَن فَعَل الله به ذلك فلن يهتدي أبدًا، ولن يجد لنفسه وليًا مرشدًا؟ والآية أصل في التحذير من أن يكون الهوى هو الباعث للمؤمنين على أعمالهم.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
«أفرأيت» أخبرني «من اتخذ إلهه هواه» ما يهواه من حجر بعد حجر يراه أحسن «وأضله الله على علم» منه تعالى: أي عالما بأنه من أهل الضلاله قبل خلق «وختم على سمعه وقلبه» فلم يسمع الهدى ولم يعقله «وجعل على بصره غشاوة» ظلمة فلم يبصر الهدى، ويقدر هنا المفعول الثاني لرأيت أيهتدي «فمن يهديه من بعد الله» أي بعد إضلاله إياه، أي لا يهتدي «أفلا تذكرون» تتعظون، فيه إدغام إحدى التاءين في الذال.
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
قوله تعالى : أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون .قال ابن عباس والحسن وقتادة : ذلك الكافر اتخذ دينه ما يهواه ، فلا يهوى شيئا إلا [ ص: 156 ] ركبه . وقال عكرمة : أفرأيت من جعل إلهه الذي يعبده ما يهواه أو يستحسنه ، فإذا استحسن شيئا وهويه اتخذه إلها . قال سعيد بن جبير : كان أحدهم يعبد الحجر ، فإذا رأى ما هو أحسن منه رمى به وعبد الآخر . وقال مقاتل : نزلت في الحارث بن قيس السهمي أحد المستهزئين ، لأنه كان يعبد ما تهواه نفسه . وقال سفيان بن عيينة : إنما عبدوا الحجارة لأن البيت حجارة . وقيل : المعنى أفرأيت من ينقاد لهواه ومعبوده تعجيبا لذوي العقول من هذا الجهل . وقال الحسن بن الفضل : في هذه الآية تقديم وتأخير ، مجازه : أفرأيت من اتخذ هواه إلهه . وقال الشعبي : إنما سمي الهوى هوى لأنه يهوي بصاحبه في النار . وقال ابن عباس : ما ذكر الله هوى في القرآن إلا ذمه ، قال الله تعالى : واتبع هواه فمثله كمثل الكلب . وقال تعالى : واتبع هواه وكان أمره فرطا . وقال تعالى : بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدي من أضل الله . وقال تعالى : ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله . وقال تعالى : ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله وقال عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به وقال أبو أمامة : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : ما عبد تحت السماء إله أبغض إلى الله من الهوى وقال شداد بن أوس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت . والفاجر من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله وقال - عليه السلام - : إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك ودع عنك أمر العامة وقال - صلى الله عليه وسلم - : ثلاث مهلكات وثلاث منجيات ؛ فالمهلكات : شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه . [ ص: 157 ] والمنجيات : خشية الله في السر والعلانية ، والقصد في الغنى والفقر والعدل في الرضا والغضب وقال أبو الدرداء - رضي الله عنه - : إذا أصبح الرجل اجتمع هواه وعمله وعلمه ، فإن كان عمله تبعا لهواه فيومه يوم سوء ، وإن كان عمله تبعا لعلمه فيومه يوم صالح . وقال الأصمعي سمعت رجلا يقول :إن الهوان هو الهوى قلب اسمه فإذا هويت فقد لقيت هواناوسئل ابن المقفع عن الهوى فقال : هوان سرقت نونه ، فأخذه شاعر فنظمه وقال :نون الهوان من الهوى مسروقة فإذا هويت فقد لقيت هواناوقال آخر :إن الهوى لهو الهوان بعينه فإذا هويت فقد كسبت هواناوإذا هويت فقد تعبدك الهوى فاخضع لحبك كائنا من كاناولعبد الله بن المبارك :ومن البلايا للبلاء علامة ألا يرى لك عن هواك نزوعالعبد عبد النفس في شهواتها والحر يشبع تارة ويجوعولابن دريد :إذا طالبتك النفس يوما بشهوة وكان إليها للخلاف طريقفدعها وخالف ما هويت فإنما هواك عدو والخلاف صديقولأبي عبيد الطوسي :والنفس إن أعطيتها مناها فاغرة نحو هواها فاهاوقال أحمد بن أبي الحواري : مررت براهب فوجدته نحيفا فقلت له : أنت عليل . قال نعم . قلت مذ كم ؟ قال : مذ عرفت نفسي! قلت فتداوي ؟ قال : قد أعياني الدواء وقد عزمت على الكي . قلت وما الكي ؟ قال : مخالفة الهوى . وقال سهل بن عبد الله التستري : هواك داؤك . فإن خالفته فدواؤك . وقال وهب : إذا شككت في أمرين ولم تدر خيرهما فانظر أبعدهما من هواك فأته . [ ص: 158 ] وللعلماء في هذا الباب في ذم الهوى ومخالفته كتب وأبواب أشرنا إلى ما فيه كفاية منه ، وحسبك بقوله تعالى : وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى . فإن الجنة هي المأوى .قوله تعالى : وأضله الله على علم أي على علم قد علمه منه . وقيل : أضله عن الثواب على علم منه بأنه لا يستحقه . وقال ابن عباس : أي : على علم قد سبق عنده أنه سيضل . مقاتل : على علم منه أنه ضال ، والمعنى متقارب . وقيل : على علم من عابد الصنم أنه لا ينفع ولا يضر . ثم قيل : على علم يجوز أن يكون حالا من الفاعل ، المعنى : أضله على علم منه به ، أي : أضله عالما بأنه من أهل الضلال في سابق علمه . ويجوز أن يكون حالا من المفعول ، فيكون المعنى : أضله في حال علم الكافر بأنه ضال . وختم على سمعه وقلبه أي طبع على سمعه حتى لا يسمع الوعظ ، وطبع على قلبه حتى لا يفقه الهدى . وجعل على بصره غشاوة أي غطاء حتى لا يبصر الرشد . وقرأ حمزة والكسائي ( غشوة ) بفتح الغين من غير ألف وقد مضى في البقرة وقال الشاعر :أما والذي أنا عبد له يمينا وما لك أبدي اليمينالئن كنت ألبستني غشوة لقد كنت أصفيتك الود حينافمن يهديه من بعد الله أي من بعد أن أضله . أفلا تذكرون تتعظون وتعرفون أنه قادر على ما يشاء .وهذه الآية ترد على القدرية والإمامية ومن سلك سبيلهم في الاعتقاد ، إذ هي مصرحة بمنعهم من الهداية . ثم قيل : وختم على سمعه وقلبه إنه خارج مخرج الخبر عن أحوالهم . وقيل : إنه خارج مخرج الدعاء بذلك عليهم ، كما تقدم في أول ( البقرة ) وحكى ابن جريج أنها نزلت في الحارث بن قيس من الغياطلة . وحكى النقاش أنها نزلت في الحارث بن نوفل بن عبد مناف . وقال مقاتل : نزلت في أبي جهل ، وذلك أنه طاف بالبيت ذات ليلة ومعه الوليد بن المغيرة ، فتحدثا في شأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال أبو جهل : والله إني لأعلم إنه لصادق! فقال له مه! وما دلك على ذلك ؟ ! قال : يا أبا عبد شمس ، كنا نسميه في صباه الصادق الأمين ، فلما تم عقله وكمل رشده ، نسميه الكذاب الخائن!! والله إني لأعلم إنه لصادق! قال : فما [ ص: 159 ] يمنعك أن تصدقه وتؤمن به ؟ قال : تتحدث عني بنات قريش أني قد اتبعت يتيم أبي طالب من أجل كسرة ، واللات والعزى إن اتبعته أبدا . فنزلت : وختم على سمعه وقلبه
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
.أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23)لما كان الذين حسبوا أن يكونوا في الآخرة في نعمة وعزة كما كانوا في الدنيا قالوا ذلك عَنْ غير دليل ولا نظر ولكن عن اتباع ما يشتهون لأنفسهم من دوام الحال الحسن تفرع على حسبانهم التعجيب من حالهم ، فعطف بالفاء الاستفهامُ المستعملُ في التعجيب ، وجعل استفهاماً عن رؤية حالهم ، للإشارة إلى بلوغ حالهم من الظهور إلى حد أن تكون مرئية .وأصل التركيب : { أفرأيت من اتخذ إلهه هواه } الخ ، فقدمت همزة الاستفهام ، والخطاب للنبيء صلى الله عليه وسلم والمقصود من معه من المسلمين ، أو الخطاب لغير معيّن ، أي تناهت حالهم في الظهور فلا يختص بها مخاطب .و { مَنْ } الموصولة صادقة على فريق المستهزئينَ الذين حسبوا أن يكون مَحْياهم ومماتهم سواء بقرينة ضمير الجمع في الجملة المعطوفة بقوله : { وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا } [ الجاثية : 24 ] الخ .والمعنى : أن حجاجهم المسلمين مركَّز على اتباع الهوى والمغالطةِ ، فلا نهوض لحجتهم لا في نفس الأمر ولا فيما أرادوه ، على فرض وقوع البعث من أن يكونوا آمنين من أهوال البعث ، وأنهم لا يرجى لهم اهتداء لأن الله خلقهم غير قابلين للهدَى فلا يستطيع غيره هداهم .و { إلهه } يجوز أن يكون أطلق على ما يلازم طاعته حتى كأنه معبود فيكون هذا الإطلاق بطريقة التشبيه البليغ ، أي اتخذ هواه كإله له لا يخالف له أمراً . ويجوز أن يبقى { إلهه } على الحقيقة ويكون { هواه } بمعنى مَهْوِيَّهُ ، أي عبد إلها لأنه يحب أن يعبده ، يعني الذين اتخذوا الأصنام آلهة لا يقلعون عن عبادتها لأنهم أحبوها ، أي ألِفوها وتعلقت قلوبهم بعبادتها ، كقوله تعالى : { وأُشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم } [ البقرة : 93 ] .ومعنى { أضلّه الله } أنه حفّهم بأسباب الضلالة من عقول مكابرة ونفوس ضعيفة ، اعتادت اتباع ما تشتهيه لا تستطيع حَمل المصابرة والرضى بما فيه كراهية لها . فصارت أسماعهم كالمختوم عليها في عدم الانتفاع بالمواعظ والبراهين ، وقلوبُهم كالمختوم عليها في عدم نفوذ النصائح ودلائل الأدلة إليها ، وأبصارُهم كالمغطاة بغشاوات فلا تنتفع بمشاهدة المصنوعات الإلهية الدالة على انفراد الله بالإلهية وعلى أنَّ بعد هذا العالم بعثاً وجزاء .ومعنى { على علم } أنهم أحاطت بهم أسباب الضلالة مع أنهم أهل علم ، أي عقول سليمةٍ أوْ مع أنهم بلغهم العِلم بما يهديهم وذلك بالقرآن ودعوة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام .فحرف { على } هنا معناه المصاحبة بمعنى ( مع ) وأصل هذا المعنى استعارة معنى الاستعلاء للاستعلاء المجازي وهو التمكن بين الوصف والموصوف . وشاع ذلك حتى صار معنى من معاني ( على ) كما في قول الحارث بن حلزة :فيَقيناً على الشَّنَاءة تَنْمينا ... حُصون وعِزّة قعساءوالمعنى : أنه ضال مع مَا له من صفة العلم ، فالعلم هنا من وصف من اتخذ إلهه هواه وهو متمكن من العلم لو خلع عن نفسه المكابرة والميل إلى الهوى .وقرأ الجمهور { غشاوة } بكسر الغين وفتح الشين بعدها ألف . وقرأه حمزة والكسائي وخلف { غَشْوةٌ } بفتح الغين وسكون الشين وهو من التسمية بالمصدر وهي لغة . وتقدم معنى الختم والغشاوة في أول سورة البقرة .وفرع على هذه الصلة استفهام إنكاري أن يكون غيرُ الله يستطيع أن يهديهم ، والمراد به تسلية النبي صلى الله عليه وسلم لشدة أسفه لإعراضهم وبقائهم في الضلالة .و { من بعد الله } بمعنى : دون الله ، وتقدم عند قوله تعالى : { فبأيّ حديثثٍ بعده يؤمنون } آخر سورة الأعراف ( 185 ) .وفرع على ذلك استفهام عن عدم تذكر المخاطبين لهذه الحقيقة ، أي كيف نَسُوها حتى ألحُّوا في الطمع بهداية أولئك الضالّين وأسفوا لعدم جدوى الحجة لديهم وهو استفهام إنكاري .ومن المفسرين من حمل مَن } الموصولة في قوله { أفرأيت من اتخذ إلهه هواه } على معيَّن فقال مقاتل : هو أبو جهل بسبب حديث جرى بينَه وبين الوليد بن المغيرة كانا يطوفان ليلة فتحدثا في شأن النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو جهل : والله إني لأعْلَم إنه لصادق فقال له المغيرة : مَهْ ، وما دَلَّكَ على ذلك ، قال : كنّا نسميه في صباه الصادق الأمين فلما تمّ عقله وكمل رشده نسميه الكذاب الخائن قال : فما يمنعك أن تؤمن به قال : تتحدث عني بنات قريش أني قد اتبعت يتيم أبي طالب من أجل كِسرَة ، واللاتتِ والعُزّى إنْ اتبعتُه أبداً فنزلت هذه الآية . وإذا صح هذا فإن مطابقة القصة لقوله تعالى : { وأضله الله على علم } ظاهرة . وعن مقاتل أيضاً : أنها نزلت في الحارث بن قيس السهمي أحد المستهزئين كان يَعْبُد من الأصنام ما تهواه نفسه .وهذه الآية أصل في التحذير من أن يكون الهوى الباعث للمؤمنين على أعمالهم ويتركوا اتباع أدلة الحق ، فإذا كان الحق محبوباً لأحد فذلك من التخلق بمحبة الحق تبعاً للدليل مثل ما يهوى المؤمن الصلاة والجماعة وقيامَ رمضان وتلاوة القرآن وفي الحديث « أرِحْنا بها يا بلال » يعني الإقامة للصلاة . وعن عبد الله بن عمْرو بن العاصي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئتُ به » وعن أبي الدرداء « إذا أصبح الرجل اجتمع هَواه وعَمله وعلمه فإن كان عمَلُه تبعاً لهواه فيومه يوم سوء وإن كان عمله تبعاً لِعلمه فيومه يوم صالح » . وأما اتباع الأمر المحبوب لإرضاء النفس دون نظر في صلاحه أو فساده فذلك سبب الضلال وسوء السيرة .قال عمرو بن العاصي :إذا المرء لم يترك طعاماً يحبه ... ولم ينْه قلباً غاوياً حيثُ يَمَّمَافيوشك أن تَلقَى له الدهرَ سبَّة ... إذا ذُكرت أمثالها تَمْلأ الفماومن الكلمات المأثورة « ثلاث من المهلكات : شُحّ مطاع ، وهوًى متبع ، وإعجاب المرأ بنفسه » ويروى حديثاً ضعيف السند .وقدم السمع على القلب هنا بخلاف آية سُورة البقرة { ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة } [ البقرة : 7 ] لأن المخبَر عنهم هنا لما أخبر عنهم بأنهم اتخذوا إلههم هواهم ، فقد تقرر أنهم عقدوا قلوبهم على الهوى فكان ذلك العَقد صَارفاً السمع عن تلقي الآيات فَقُدِّمَ لإفَادةِ أنهم كالمختوم على سمعهم ، ثم عطف عليه { وقلبِه } تكميلاً وتذكيراً بذلك العقد الصارف للسمع ثم ذكر ما { على بصره } من شبهِ الغشاوة لأن ما عقد عليه قلبه بصره عن النظر في أدلة الكائنات .وأما آية سورة البقرة فإن المتحدث عنهم هم هؤلاء أنفسهم ولكن الحديث عنهم ابتدىء بتساوي الإنذار وعدمه في جانبهم بقوله : { سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون } [ البقرة : 6 ] فلما أريد تفصيله قدم الختم على قلوبهم لأنه الأصل كما كان اتخاذ الهوى كالإله أصلاً في وصف حالهم في آية سورة الجاثية . فحالة القلوب هي الأصل في الانصراف عن التلقي والنظر في الآيتين ولكن نظم هذه الآية كان على حسب ما يقتضيه الذكر من الترتيب ونظم آية البقرة كان على حسب ما يقتضيه الطبْع . وقرأ الجمهور { أفلا تذكرون } بتشديد الذال . وقرأه عاصم بتخفيف الذال وأصله عند الجميع { تتذكرون } . فأما الجمهور فقراءتهم بقلب التاء الثانية ذالاً لتقارب مخرجيهما قصداً للتخفيف ، وأما عاصم فقراءته على حذف إحدى التاءين .
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
والاستفهام فى قوله - سبحانه - : ( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتخذ إلهه هَوَاهُ ) للتعجب من حال هؤلاء المشركين ، ولتسلية النبى - صلى الله عليه وسلم - عما أصابه منهم من أذى .والمراد بهواه : ما يستحسنه من تصرفات ، حتى ولو كانت تلك التصرفات فى نهاية القبح والشناعة والجهالة .والمعنى : انظر وتأمل - أيها الرسول الكريم - فى أحوال هؤلاء الكافرين فإنك لن ترى جهالة كجهالاتهم ، لأنهم إذا حسن لهم هواهم شيئا اتخذوه إلها لهم ، مهما كان قبح تصرفهم ، وانحطاط تفكيرهم ، وخضعوا له كما يخضع العابد لمعبوده .قال ابن عباس : كان الرجل فى الجاهلية يعبد الحجر الأبيض زمانا . فإذا رأى غيره أحسن منه عبد الثانى وترك الأول .وقوله : ( وَأَضَلَّهُ الله على عِلْمٍ ) أى : وأضل الله - تعالى - هذا الشقى ، بأن خلق فيه الضلالة ، على علم منه - سبحانه - بأن هذا الشقى أهل لذلك لاستحبابه العمى على الهدى .فيكون قوله ( على عِلْمٍ ) حال من الفاعل ، أى أضله - سبحانه - حالة كونه عالما بأنه من أهل الضلال .ويصح أن يكون حالا من المفعول ، أى : وأضل الله - تعالى - هذا الشقى ، والحال أن هذا الشقى عالم بطريق الإِيمان ، ولكنه استحب الغى على الرشد .وقوله ( وَخَتَمَ على سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ ) والختم : الوسم بطابع ونحوه ، مأخوذ من وضع الخاتم على الشئ ، وطبعه فيه للاستيثاق ، لكى لا يخرج منهما بداخله ولا يدخله ما هو خارج عنه .أى : وطبع على سمعه وقلبه ، فجعله لا يسمع سماع تدبر وانتفاع ، ولا يفقه ما فيه هدايته ورشده .( وَجَعَلَ على بَصَرِهِ غِشَاوَةً ) أى : وجعل على بصره غطاء ، يجب عنه الرؤية السليمة للأشياء وأصل الغشاوة ما يغطى به الشئ ، من غشاه إذا غطاه .والاستفهام فى قوله - تعالى - : ( فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ الله ) للإِنكار والنفى .أى : لا أحد يستطيع أن يهدى هذا الإِنسان الذى اتخذ إلهه هواه من بعد أن أضله الله - عز وجل - .( أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ ) أى : أفلا تتفكرون وتتأملون فيما سقت لكم من مواعظ وعبر ، تفكرا يهيدكم إلى الرشد ، ويبعثكم على الإِيمان .فأنت ترى أن هذه الآية الكريمة ، تسلية للرسول - صلى الله عليه وسلم - عما أصابه من المشركين ، وتعجيب من أحوالهم التى بلغت الغاية فى الجهالة والضلالة . ودعوة لهم إلى التذكير والاعتبار ، لأن ذلك ينقلهم من الكفر إلى الإِيمان .
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ) قال ابن عباس والحسن وقتادة : ذلك الكافر اتخذ دينه ما يهواه ، فلا يهوى شيئا إلا ركبه لأنه لا يؤمن بالله ولا يخافه ، ولا يحرم ما حرم الله . وقال آخرون : معناه اتخذ معبوده هواه فيعبد ما تهواه نفسه .قال سعيد بن جبير : كانت العرب يعبدون الحجارة والذهب والفضة ، فإذا وجدوا شيئا أحسن من الأول رموه أو كسروه ، وعبدوا الآخر .قال الشعبي : إنما سمي الهوى لأنه يهوي بصاحبه في النار .( وأضله الله على علم ) منه بعاقبة أمره ، وقيل على ما سبق في علمه أنه ضال قبل أن يخلقه ( وختم ) طبع ( على سمعه ) فلم يسمع الهدى ( وقلبه ) فلم يعقل الهدى ( وجعل على بصره غشاوة ) قرأ حمزة والكسائي " غشوة " بفتح الغين وسكون الشين ، والباقون " غشاوة " ظلمة فهو لا يبصر الهدى ( فمن يهديه من بعد الله ) [ أي فمن يهديه ] بعد أن أضله الله ( أفلا تذكرون ) .