تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
إن الذين آمنوا (وهم المسلمون) واليهود، والصابئين (وهم قوم باقون على فطرتهم، ولا دين مقرر لهم يتبعونه) والنصارى (وهم أتباع المسيح) من آمن منهم بالله الإيمان الكامل، وهو توحيد الله والتصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به، وآمن باليوم الآخر، وعمل العمل الصالح، فلا خوف عليهم من أهوال يوم القيامة، ولا هم يحزنون على ما تركوه وراءهم في الدنيا.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
«إن الذين آمنوا والذين هادوا» هم اليهود مبتدأ «والصابئون» فرقة منهم «والنصارى» ويبدل من المبتدأ «من آمن» منهم «بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون» في الآخرة خبر المبتدأ ودال على خبر إن.
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
قوله تعالى : إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنونتقدم الكلام في هذا كله فلا معنى لإعادته . والذين هادوا معطوف ، وكذا والصابئون معطوف على المضمر في هادوا في قول الكسائي والأخفش . قال النحاس : سمعت الزجاج يقول : وقد ذكر له قول الأخفش والكسائي : هذا خطأ من جهتين ; إحداهما أن المضمر المرفوع يقبح العطف عليه حتى يؤكد . والجهة الأخرى أن المعطوف [ ص: 182 ] شريك المعطوف عليه فيصير المعنى أن الصابئين قد دخلوا في اليهودية وهذا محال ، وقال الفراء : إنما جاز الرفع في والصابئون لأن إن ضعيفة فلا تؤثر إلا في الاسم دون الخبر ; والذين هنا لا يتبين فيه الإعراب فجرى على جهة واحدة الأمران ، فجاز رفع الصابئين رجوعا إلى أصل الكلام . قال الزجاج : وسبيل ما يتبين فيه الإعراب وما لا يتبين فيه الإعراب واحد ، وقال الخليل وسيبويه : الرفع محمول على التقديم والتأخير ; والتقدير : إن الذين آمنوا والذين هادوا من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والصابئون والنصارى كذلك ، وأنشد سيبويه وهو نظيره :وإلا فاعلموا أنا وأنتم بغاة ما بقينا في شقاقوقال ضابئ البرجمي :فمن يك أمسى بالمدينة رحله فإني وقيار بها لغريبوقيل : إن بمعنى " نعم " فالصابئون مرتفع بالابتداء ، وحذف الخبر لدلالة الثاني عليه ، فالعطف يكون على هذا التقدير بعد تمام الكلام وانقضاء الاسم والخبر ، وقال قيس الرقيات :بكر العواذل في الصبا ح يلمنني وألومهنهويقلن شيب قد علا ك وقد كبرت فقلت إنهقال الأخفش : ( إنه ) بمعنى ( نعم ) ، وهذه ( الهاء ) أدخلت للسكت .
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
موقع هذه الآية دقيق ، ومعناها أدقّ ، وإعرابها تابع لدقّة الأمرين . فموقعها أدقّ من موقع نظيرتها المتقدّمة في سورة البقرة ( 62 ) ، فلم يكن ما تقدّم من البيان في نظيرتها بمغن عن بيان ما يختصّ بموقع هذه . ومعناها يزيد دقّة على معنى نظيرتها تبعاً لدقّة موقع هذه . وإعرابها يتعقّد إشكاله بوقوع قوله : { والصابون } بحالة رفع بالواو في حين أنّه معطوف على اسم { إنّ } في ظاهر الكلام .فحقّ علينا أن نخصّها من البيان بما لم يسبق لنا مثله في نظيرتها ولنبدأ بموقعها فإنّه مَعْقَد معناها :فاعلم أنّ هذه الجملة يجوز أن تكون استئنافاً بيانياً ناشئاً على تقدير سؤال يخطر في نفس السامع لِقوله : { قل يأهل الكتاب لستم على شيء حتّى تقيموا التّوراة والإنجيل } [ المائدة : 68 ] فيسأل سائل عن حال من انقرضوا من أهل الكتاب قبل مجيء الإسلام : هل هم على شيء أو ليسوا على شيء ، وهل نفعهم اتّباع دينهم أيّامئذٍ؛ فوقع قوله : { إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا } الآية جواباً لهذا السؤال المقدّر . والمراد بالّذين آمنوا المؤمنون بالله وبمحمّد صلى الله عليه وسلم أي المسلمون . وإنّما المقصود من الإخبار الّذين هَادوا والصابون والنّصارى ، وأمّا التعرّض لذكر الّذين آمنوا فلاهْتماممٍ بهم سنبيّنه قريباً .ويجوز أن تكون هذه الجملة مؤكِّدة لجملة { ولو أنّ أهل الكتاب آمنوا واتّقوا } [ المائدة : 65 ] الخ ، فبعد أن أُتبعت تلك الجملة بما أُتبعت به من الجُمل عاد الكلام بما يفيد معنى تلك الجملة تأكيداً للوعد ، ووصلاً لربط الكلام ، وليُلحق بأهل الكتاب الصابئون ، وليظهر الاهتمام بذكر حال المسلمين في جنّات النّعيم .فالتّصدير بذكر الّذين آمنوا في طالعة المعدودين إدماج للتنويه بالمسلمين في هذه المناسبة ، لأنّ المسلمين هم المثال الصّالح في كمال الإيمان والتحرّز عن الغرور وعن تسرّب مسارب الشرك إلى عقائدهم ( كما بشّر بذلك النّبيء صلى الله عليه وسلم في خطبة حجّة الوداع بقوله : « إنّ الشيطان قد يَئس أن يُعبد من دون الله في أرضكم هذه » ) فكان المسلمون ، لأنّهم الأوحدون في الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصّالح ، أوّلين في هذا الفضل .وأمّا معنى الآية فافتتاحها بحرف { إنّ } هنا للاهتمام بالخبر لعروّ المقام عن إرادة ردّ إنكار أو تردّد في الحكم أو تنزيل غير المتردّد منزلة المتردّد .وقد تحيّر النّاظرون في الإخبار عن جميع المذكورين بقوله : { من آمن بالله واليوم الآخر } ، إذ من جملة المذكورين المؤمنون ، وهل الإيمان إلاّ بالله واليوم الآخر؟ وذهب النّاظرون في تأويله مذاهب : فقيل : أريد بالّذين آمنوا من آمنوا بألسنتهم دون قلوبهم ، وهم المنافقون ، وقيل : أريد بمن آمن من دام على إيمانه ولم يرتد . وقيل : غير ذلك .والوجه عندي أنّ المراد بالَّذين آمنوا أصحاب الوصف المعروف بالإيمان واشتهر به المسلمون ، ولا يكون إلاّ بالقلب واللّسان لأنّ هذا الكلام وعد بجزاء الله تعالى ، فهو راجع إلى علم الله ، والله يعلم المؤمن الحقّ والمتظاهر بالإيمان نِفاقاً .فالّذي أراه أن يجعل خبر ( إنّ ) محذوفاً . وحذفُ خبر ( إنّ ) وارد في الكلام الفصيح غير قليل ، كما ذكر سيبويه في «كتابه» . وقد دلّ على الخبر ما ذكر بعده من قوله : { فلا خوف عليهم } إلخ . ويكون قوله : { والّذين هادوا } عطفَ جملة على جملة ، فيجعل { الّذين هادوا } مبتدأ ، ولذلك حقّ رفع ما عُطف عليه ، وهو { والصابُون } . وهذا أولى من جعل { والصابون } مَبْدأ الجملة وتقدير خبر له ، أي والصابون كذلك ، كما ذهب إليه الأكثرون لأنّ ذلك يفضي إلى اختلاف المتعاطفات في الحكم وتشتيتها مع إمكان التفصّي عن ذلك ، ويكون قوله : { من آمن بالله } مبتدأ ثانياً ، وتكون ( من ) موصولة ، والرّابط للجملة بالّتي قبلها محذوفاً ، أي من آمن منهم ، وجملة { فلا خوف عليهم ( 1 ) } خبراً عن ( مَن ) الموصولة ، واقترانها بالفاء لأنّ الموصول شبيه بالشرط . وذلك كثير في الكلام ، كقوله تعالى : { إنّ الّذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثمّ لم يتوبوا فلهم عذاب جهنّم } [ البروج : 10 ] الآية ، ووجود الفاء فيه يعيّن كونه خبراً عن ( مَن ) الموصولة وليس خبر إنّ على عكس قول ضابي بن الحارث :ومن يَك أمسى بالمدينة رحلُه ... فإنّي وقبّار بها لغريبفإنّ وجود لام الابتداء في قوله : «لغريب» عيَّن أنّه خبر ( إنّ ) وتقديرَ خبر عن قبّار ، فلا ينظّر به قوله تعالى : { والصابون } .ومعنى { من آمن بالله واليوم الآخر } من آمن ودَام ، وهم الّذين لم يغيّروا أديانهم بالإشراك وإنكارِ البعث؛ فإنّ كثيراً من اليهود خلطوا أمور الشرك بأديانهم وعبدوا الآلهة كما تقول التّوراة . ومنهم من جعل عُزيراً ابناً لله ، وإنّ النّصارى ألَّهوا عيسى وعبدوه ، والصابئة عبدوا الكواكب بعد أن كانوا على دين له كتاب . وقد مضى بيان دينهم في تفسير نظير هذه الآية من سورة البقرة ( 62 ) .ثمّ إنّ اليهود والنّصارى قد أحْدثوا في عقيدتهم من الغرور في نجاتهم من عذاب الآخرة بقولهم : { نحن أبناء الله وأحِبَّاؤه } [ المائدة : 18 ] وقولِهم { لن تمسّنا النّار إلاّ أيَّاماً معدودة } [ البقرة : 80 ] ، وقول النّصارى : إنّ عيسى قد كفَّر خطايا البشر بما تحمّله من عذاب الطّعن والإهانة والصّلب والقتل ، فصاروا بمنزلة من لا يؤمن باليوم الآخر ، لأنّهم عطّلوا الجزاء وهو الحكمة الّتي قُدّر البعث لتحقيقها .وجمهور المفسّرين جعلوا قوله { والصابون } مبتدأ وجعلوه مقدّماً من وتأخير وقدّروا له خبراً محذوفاً لدلالة خبر ( إنّ ) عليه ، وأنّ أصل النظم : أنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والنّصارى لهم أجْرهم إلخ ، والصابون كذلك ، جعلوه كقول ضابي بن الحارث :فإنّي وقبّار بها لغريب ... وبعض المفسّرين قدّروا تقادير أخرى أنهاها الألوسي إلى خمسة . والّذي سلكناه أوضح وأجرى على أسلوب النّظم وأليق بمعنى هذه الآية .وبعدُ فممّا يجب أن يُوقن به أنّ هذا اللّفظ كذلك نزل ، وكذلك نطق به النّبيء صلى الله عليه وسلم وكذلك تلقّاه المسلمون منه وقرؤوه ، وكُتب في المصاحف ، وهم عَرب خلّص ، فكان لنا أصلاً نتعرّف منه أسلوباً من أساليب استعمال العرب في العطف وإن كان استعمالاً غير شائع لكنّه من الفصاحة والإيجاز بمكان ، وذلك أنّ من الشائع في الكلام أنّه إذا أتي بكلام موكّد بحرف ( إنّ ) وأتي باسم إنّ وخبرها وأريد أن يعطفوا على اسمها معطوفاً هو غريب عن ذلك الحكم جيء بالمعطوف الغريب مرفوعاً ليدلّوا بذلك على أنّهم أرادوا عطف الجمل لا عطف المفردات ، فيقدّرَ السامع خبراً يقدّره بحسب سياق الكلام .ومن ذلك قوله تعالى : { أنّ الله بريء من المشركين ورسولُه } [ التوبة : 3 ] ، أي ورسوله كذلك ، فإنّ براءته منهم في حال كونه من ذي نسبهم وصهرهم أمر كالغريب ليظهر منه أنّ آصرة الدّين أعظم من جميع تلك الأواصر ، وكذلك هذا المعطوف هنا لمّا كان الصابون أبعد عن الهدى من اليهود والنّصارى في حال الجاهلية قبل مجيء الإسلام ، لأنّهم التزموا عبادة الكواكب ، وكانوا مع ذلك تحقّ لهم النّجاة إن آمنوا بالله واليوم الآخر وعملوا صالحاً ، كان الإتيان بلفظهم مرفوعاً تنبيهاً على ذلك . لكن كان الجري على الغالب يقتضي أن لا يؤتى بهذا المعطوف مرفوعاً إلاّ بعد أن تستوفي ( إنّ ) خبرها ، إنَّما كان الغالب في كلام العرب أن يؤتى بالاسم المقصود به هذا الحكم مؤخّراً ، فأمّا تقديمه كما في هذه الآية فقد يتراءى للنّاصر أنّه ينافي المقصد الّذي لأجله خولف حكم إعرابه ، ولكن هذا أيضاً استعمال عزيز ، وهو أن يجمع بين مقتضيي حالين ، وهما للدّلالة على غرابة المُخبر عنه في هذا الحكم . والتّنبيه على تعجيل الإعلام بهذا الخبر فإنّ الصابئين يكادون ييأسون من هذا الحكم أو ييأس منهم من يسمع الحكم على المسلمين واليهود . فنبّه الكلّ على أنّ عفو الله عظيم لا يضيق عن شمولهم ، فهذا موجب التّقديم مع الرّفع ، ولو لم يقدّم ما حصل ذلك الاعتبار ، كما أنّه لو لم يرفع لصار معطوفاً على اسم ( إنّ ) فلم يكن عطفه عطف جملة . وقد جاء ذكر الصابين في سورة الحجّ مقدّماً على النّصارى ومنصوباً ، فحصل هناك مقتضى حال واحدة وهو المبادرة بتعجيل الإعلام بشمول فصل القضاء بينهم وأنّهم أمام عدل الله يساوون غيرهم . ثمّ عقّب ذلك كلّه بقوله : { وعمل صالحاً } ، وهو المقصود بالذّات من ربط السلامة من الخوف والحزن ، به ، فهو قيد في المذكورين كلّهم من المسلمين وغيرهم ، وأوّل الأعمال الصّالحة تصديق الرّسول والإيمان بالقرآن ، ثم يأتي امتثال الأوامر واجتناب المنهيات كما قال تعالى : { وما أدراك ما العقبة إلى قوله ثم كان من الّذين آمنوا } [ البلد : 12 17 ] .
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
ثم بين - سبحانه - بعد ذلك أن الناس أمامه سواء وأنه لا تفاضل بينهم إلا بالإِيمان والعمل الصالح ، وأن الإِيمان الحق يقطع ما قبله من عقائد زائفة . وأفعال سيئة فقال - تعالى - :( إِنَّ الذين آمَنُواْ والذين . . . )الآية الكريمة تبين أن أساس النجاة يوم القيامة هو الإِيمان بالله واليوم الآخر ، وما يستتبع ذلك من أفعال طيبة وأعمال صالحة .وقد ذكر - سبحانه - في هذه الآية أربع فوق من الناس :أما الفرقة الأولى : فهي فرقة المؤمنين ، وهم الذين عبر عنهم - سبحانه - بقوله : ( إِنَّ الذين آمَنُواْ ) أي : آمنوا إيمانا صادقاً ، بأن أذعنوا للحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وابتعوه في كل ما جاء به .وقد ابتدأ القرآن بهم لشرفهم وعلو منزلتهم وللإِشعار بأن دين الإِسلام دين قائم على أساس أن الفوز برضا الله لا ينال إلا بالإِيمان الصادق والعمل الصالح ، ولا فضل لأمة على أمة إلا بذلك .والفرقة الثانية : فرقة الذين هادوا . أي اليهود . يقال : هاد وتهود إذا دخل في اليهودية . وسموا يهودا نسبة إلى يهوذا أكبر أولاد يعقوب - عليه السلام - وقد قلبت الذل في كلمة يهوذا دالا في التعريب . أو سموا حين تابوا من عبادة العجل من هاد يهود هودا بمعنى تاب ومنه قوله - تعالى - ( إِنَّا هُدْنَآ إِلَيْكَ ) أي : تبنا ورجعنا إليك .والفرقة الثالثة : فرقة الصائبين جمع صابئ وهو الخارج من دين إلى دين . يقال صبا الظلف والناب والنجم - منع وكرم- إذا طلع .والمراد بهم قوم يعبدون الملائكة ، أو الكواكب ويزعمون أنهم على دين صابئ بن شيث بن آدم ، ولا تزال بقية منهم تعيش في تخوم العراق ، ومن العسير الجزم بحقيقة معتقدهم ، لأنهم أكتم الناس لعقائدهم .وأما الفرقة الرابعة : فهي فرقة النصارى جمع نصران بمعنى نصراني قيل سموا بذلك لأنهم ادعوا أنهم أنصار عيسى - عليه السلام - وقيل مسوا بذلك نسبة إلى قرية الناصرة التي ظهر بها عيسى - عليه السلام - واتبعه بعض أهلها .والإِيمان المشار إليه في قوله : ( مَنْ آمَنَ بالله واليوم الآخر ) يفسره بعض العلماء بالنسبة لليهود والنصارى والصابئين بمعنى صدور الإِيمان منهم على النحو الذي قرره الإِسلام . فمن لم تبلغه منهم دعوة الإِسلام ، وكان ينتمي إلى دين صحيح في أصله بحيث يؤمن بالله واليوم الآخر ويقوم بالعمل الصالح على الوجه الذي يرشده إليه دينه ، فله أجره على ذلك عند ربه .أما الذين بلغتهم دعوة الإِسلام من تلك الفرق ولكنهم لم يقبلوها؛ فإنهم لا يكونون ناجين من عذاب الله مهما ادعوا أنهم يؤمنون بغيرها؛ لأن شريعة الإِسلام قد نسخت ما قبلها ، والرسول صلى الله عليه وسلم قال : " لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي " .ويفسرونه - أي الإِيمان المشار إليه سابقا - بالنسبة للمؤمنين الذين عبر الله عنهم بقوله : ( إِنَّ الذين آمَنُواْ ) على أنه بمعنى الثبات والدوام والإِذعان ، وبذلك ينتظم عطف قوله - تعالى - ( وعَمِلَ صَالِحاً ) على قوله ( آمَنَ ) مع مشاركته هؤلاء المؤمنين لتلك الفرق إيمانا بالنبي صلى الله عليه وسلم وبما جاء به من عند ربه .قالوا : لأن مقتضى المقام هو الترغيب في دين الإِسلام ، وأما بيان من ماضى على دين آخر قبل نسخه فلا ملابسة له بالمقام ، فضلا عن أن الصابئين ليس لهم دين تجوز رعايته في وقت من الأوقات .وقوله : ( فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون ) بيان الحسن عاقبتهم ، وجزيل ثوابهم .أي : فلا خوف عليهم من أهوال يوم القيامة بل هم في مأمن منها ، ولا هم يحزنون على ما مضى من أعمارهم لأنهم أنفقوها في العمل الصالح .هذا وقد قرأ جمهور القراء ( والصابئون ) بالرفع . وقرأ ابن كثير بالنصب .وقد ذكر النحويون وجوها من الإِعراب لتخريج قراءة الرفع التي قرأها الرفع التي قرأها الأكثرون ، ولعل خير هذه الوجوه ما ذكره الشيخ الجمل في قوله : وقوله : ( إِنَّ الذين آمَنُواْ ) أي : إيمانا حقا لا نفاقا . وخبر إن محذوف تقديره : فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون . دل عليه المذكور ، وقوله : ( والذين هَادُواْ ) مبتدأ . فالواو لعطف الجمل أو للاستئناف وقوله ( والصابئون والنصارى ) عطف على هذا المبتدأ . وقوله ( فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ) . خبر عن هذه المبتدآت الثلاثة . وقوله : ( مَنْ آمَنَ بالله واليوم الآخر ) بدل من كل منها بدل بعض من كل فهو مخصص . فكأنه قال : الذين آمنوا من اليهود والنصارى ومن الصابئين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون . فالأخبار عن اليهود ومن بعدهم بما ذكر مشروط بالإِيمان لا مطلقا .وقد ذكر صاحب الكشاف وجها آخر فقال : قوله : ( والصابئون ) رفع على الابتداء وخبره محذوف . والنية به التأخير عما في حيز ( إن ) من اسمها وخبرها . كأنه قيل : إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى حكمهم كذا . والصابئون كذلك .ثم قال : فإن قلت ما التأخير والتقديم إلا لفائدة فما فائدة هذا التقديم؟قلت : فائدته التنبيه على أن الصابئين يتاب عليهم إن صح منهم الإِيمان والعمل الصالح فما الظن بغيرهم؟ وذلك لأن الصابئين أبين هؤلاء المعدودين ضلالا وأشدهم غيا ، وما سموا صابئين إلا لأنهم صبأوا عن الأديان كلها أي : خرجوا .والخلاصة ، أن الآية الكريمة مسوقة للترغيب في الإِيمان والعمل الصالح ببيان أن كل من آمن بالله واليوم الآخر ، واتبع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم واستمر على هذا الإِيمان وهذا الاتباع إلى أن فارق هذه الحياة ، فإن الله - تعالى - يرضى عنه ويثيبه ثوابا حسنا ، وبتجاوز عما فرط منه من ذنوب ، لأن الإِيمان الصادق يجب ما قبله ، من عقائد زائفة ، وأعمال باطلة وأقوال فاسدة .وبعد أن فتح - سبحانه - باب الإِيمان أمام أهل الكتاب وغيرهم لكي يدخلوه فينالوا رضاه ومثوبته . عقب ذلك باستئناف الحديث من أنواع أخرى من الرذائل التي عرفت عن بني إسرائيل فقال - تعالى - :( لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بني إِسْرَائِيلَ . . . )
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
( إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى ) وكان حقه : ) ( والصابئين ) وقد ذكرنا في سورة البقرة وجه ارتفاعه . وقال سيبويه : فيه تقديم وتأخير تقديره : إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى من آمن بالله إلى آخر الآية ، والصابئون كذلك ، وقوله : ( إن الذين آمنوا ) أي : باللسان ، وقوله : ( من آمن بالله ) أي : بالقلب ، وقيل : الذين آمنوا على حقيقة الإيمان ( من آمن بالله ) أي : ثبت على الإيمان ، ( واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون )