تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
إن قارون كان من قوم موسى -عليه الصلاة والسلام- فتجاوز حدَّه في الكِبْر والتجبر عليهم، وآتينا قارون من كنوز الأموال شيئًا عظيمًا، حتى إنَّ مفاتحه لَيثقل حملها على العدد الكثير من الأقوياء، إذ قال له قومه: لا تبطر فرحًا بما أنت فيه من المال، إن الله لا يحب مِن خلقه البَطِرين الذين لا يشكرون لله تعالى ما أعطاهم.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
«إن قارون كان من قوم موسى» ابن عمه وابن خالته وآمن به «فبغى عليهم» بالكبر والعلو وكثرة المال «وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء» تثقل «بالعصبة» الجماعة «أولي» أصحاب «القوة» أي تثقلهم فالباء للتعدية وعدتهم قيل سبعون وقيل أربعون وقيل عشرة وقيل غير ذلك، اذكر «إذ قال له قومه» المؤمنون من بني إسرائيل «لا تفرح» بكثرة المال فرح بطر «إن الله لا يحب الفرحين» بذلك.
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
قوله تعالى : إن قارون كان من قوم موسى لما قال تعالى : وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها بين أن قارون أوتيها واغتر بها ولم تعصمه من عذاب الله كما لم تعصم فرعون ، ولستم أيها المشركون بأكثر عددا ومالا من قارون وفرعون ، فلم ينفع فرعون جنوده وأمواله ولم ينفع قارون قرابته من موسى ولا كنوزه . قال النخعي وقتادة وغيرهما : كان ابن عم موسى لحا ; وهو قارون بن يصهر بن قاهث بن لاوى بن يعقوب ; وموسى بن عمران بن قاهث وقال ابن إسحاق : كان عم موسى لأب وأم . وقيل : كان ابن خالته . ولم ينصرف للعجمة والتعريف وما كان على وزن ( فاعول ) أعجميا لا يحسن فيه الألف واللام ، لم ينصرف في المعرفة وانصرف في النكرة ، فإن حسنت فيه الألف واللام انصرف إن كان اسما لمذكر نحو طاوس وراقود قال الزجاج : ولو كان قارون من قرنت الشيء لانصرف . ( فبغى عليهم ) بغيه أنه زاد في طول ثوبه شبرا ; قاله شهر بن حوشب وفي الحديث لا ينظر الله إلى من جر إزاره بطرا وقيل : بغيه كفره بالله عز وجل ; قاله الضحاك وقيل : بغيه استخفافه بهم بكثرة ماله وولده ; قاله قتادة وقيل : بغيه نسبته ما آتاه الله من الكنوز إلى نفسه بعلمه وحيلته ; قاله ابن بحر وقيل : بغيه قوله إذا كانت النبوة لموسى والمذبح والقربان في هارون فما لي ! فروي أنه لما جاوز بهم موسى البحر وصارت الرسالة لموسى والحبورة لهارون ; يقرب القربان [ ص: 285 ] ويكون رأسا فيهم ، وكان القربان لموسى فجعله موسى إلى أخيه ، وجد قارون في نفسه وحسدهما فقال لموسى : الأمر لكما وليس لي شيء إلى متى أصبر ؟ قال موسى ; هذا صنع الله . قال : والله لا أصدقنك حتى تأتي بآية ; فأمر رؤساء بني إسرائيل أن يجيء كل واحد منهم بعصاه ، فحزمها وألقاها في القبة التي كان الوحي ينزل عليه فيها ، وكانوا يحرسون عصيهم بالليل فأصبحوا وإذا بعصا هارون تهتز ولها ورق أخضر - وكانت من شجر اللوز - فقال قارون : ما هو بأعجب مما تصنع من السحر فبغى عليهم من البغي وهو الظلم وقال يحيى بن سلام وابن المسيب : كان قارون غنيا عاملا لفرعون على بني إسرائيل فتعدى عليهم وظلمهم وكان منهم . وقول سابع : روي عن ابن عباس قال : لما أمر الله تعالى برجم الزاني عمد قارون إلى امرأة بغي وأعطاها مالا ، وحملها على أن ادعت على موسى أنه زنى بها وأنه أحبلها ; فعظم على موسى ذلك وأحلفها بالله الذي فلق البحر لبني إسرائيل ، وأنزل التوراة على موسى إلا صدقت فتداركها الله . فقالت : أشهد أنك بريء ، وأن قارون أعطاني مالا ، وحملني على أن قلت ما قلت ، وأنت الصادق وقارون الكاذب ، فجعل الله أمر قارون إلى موسى وأمر الأرض أن تطيعه ، فجاءه وهو يقول للأرض : يا أرض خذيه ; يا أرض خذيه ، وهي تأخذه شيئا فشيئا وهو يستغيث : يا موسى ! إلى أن ساخ في الأرض هو وداره وجلساؤه الذين كانوا على مذهبه .وروي أن الله تعالى أوحى إلى موسى : استغاث بك عبادي فلم ترحمهم ، أما إنهم لو دعوني لوجدوني قريبا مجيبا . ابن جريج : بلغنا أنه يخسف بهم كل يوم قامة ، فلا يبلغون إلى أسفل الأرض إلى يوم القيامة ، وذكر ابن أبي الدنيا في كتاب الفرج : حدثني إبراهيم بن راشد قال : حدثني داود بن مهران عن الوليد بن مسلم عن مروان بن جناح عن يونس بن ميسرة بن حلبس ، قال : لقي قارون يونس في ظلمات البحر ، فنادى قارون يونس ، فقال : يا يونس تب إلى الله فإنك تجده عند أول قدم ترجع بها إليه ، فقال يونس : ما منعك من التوبة ، فقال : إن توبتي جعلت إلى ابن عمي فأبى أن يقبل مني . وفي الخبر : إذا وصل قارون إلى قرار الأرض السابعة نفخ إسرافيل في الصور والله أعلم . قال السدي : وكان اسم البغي [ ص: 286 ] سبرتا ، وبذل لها قارون ألفي درهم . قتادة : وكان قطع البحر مع موسى وكان يسمى المنور من حسن صورته في التوراة ، ولكن عدو الله نافق كما نافق السامري .قوله تعالى : وآتيناه من الكنوز قال عطاء : أصاب كثيرا من كنوز يوسف عليه السلام . وقال الوليد بن مروان : إنه كان يعمل الكيمياء ( ما إن مفاتحه ) إن واسمها وخبرها في صلة ( ما ) . و ( ما ) مفعولة ( آتينا ) . قال النحاس : وسمعت علي بن سليمان يقول ما أقبح ما يقول الكوفيون في الصلات ; إنه لا يجوز أن تكون صلة ( الذي ) وأخواته ( إن ) وما عملت فيه ، وفي القرآن ( ما إن مفاتحه ) . وهو جمع مفتح بالكسر وهو ما يفتح به ومن قال : ( مفتاح ) قال : ( مفاتيح ) ومن قال : هي الخزائن ، فواحدها مفتح بالفتح . ( لتنوء بالعصبة ) أحسن ما قيل فيه أن المعنى لتنيء العصبة أي تميلهم بثقلها ، فلما انفتحت التاء دخلت الباء كما قالوا هو يذهب بالبؤس ومذهب البؤس . فصار ( لتنوء بالعصبة ) فجعل العصبة تنوء أي تنهض متثاقلة ; كقولك قم بنا ، أي اجعلنا نقوم . يقال : ناء ينوء نوءا : إذا نهض بثقل . قال الشاعر [ ذو الرمة ] :تنوء بأخراها فلأيا قيامها وتمشي الهوينا عن قريب فتبهروقال آخر :أخذت فلم أملك ونؤت فلم أقم كأني من طول الزمان مقيدوأناءني : إذا أثقلني ; عن أبي زيد وقال أبو عبيدة : قوله : ( لتنوء بالعصبة ) مقلوب ، والمعنى لتنوء بها العصبة أي تنهض بها أبو زيد : نؤت بالحمل : إذا نهضت . قال الشاعر :إنا وجدنا خلفا بئس الخلف عبدا إذا ما ناء بالحمل وقفوالأول معنى قول ابن عباس وأبي صالح والسدي . وهو قول الفراء واختاره النحاس كما يقال : ذهبت به وأذهبته وجئت به وأجأته ونؤت به وأنأته ; فأما قولهم : له عندي ما ساءه وناءه فهو إتباع كان يجب أن يقال : وأناءه . ومثله : هنأني الطعام ومرأني ، وأخذه ما قدم وما حدث . وقيل : هو مأخوذ من النأي وهو البعد ، ومنه قول الشاعر :ينأون عنا وما تنأى مودتهم والقلب فيهم رهين حيثما كانواوقرأ بديل بن ميسرة : ( لينوء ) بالياء ; أي لينوء الواحد منها أو المذكور فحمل على المعنى وقال أبو عبيدة : قلت لرؤبة بن العجاج في قوله :[ ص: 287 ]فيها خطوط من سواد وبلق كأنه في الجلد توليع البهقإن كنت أردت الخطوط فقل : ( كأنها ) وإن كنت أردت السواد والبلق فقل : ( كأنهما ) فقال : أردت كل ذلك . واختلف في العصبة وهي الجماعة التي يتعصب بعضهم لبعض على أحد عشر قولا : الأول : ثلاثة رجال ; قاله ابن عباس ، وعنه أيضا من الثلاثة إلى العشرة ، وقال مجاهد : العصبة هنا ما بين العشرين إلى خمسة عشر ، وعنه أيضا : ما بين العشرة إلى الخمسة عشر ، وعنه أيضا : من عشرة إلى خمسة . ذكر الأول الثعلبي ، والثاني القشيري والماوردي ، والثالث المهدوي . وقال أبو صالح والحكم بن عتيبة وقتادة والضحاك : أربعون رجلا . السدي ما بين العشرة إلى الأربعين وقاله قتادة أيضا وقال عكرمة : منهم من يقول أربعون ، ومنهم من يقول سبعون . وهو قول أبي صالح إن العصبة سبعون رجلا ; ذكره الماوردي . والأول ذكره عنه الثعلبي وقيل : ستون رجلا ، وقال سعيد بن جبير : ست أو سبع . وقال عبد الرحمن بن زيد : ما بين الثلاثة والتسعة وهو النفر . وقال الكلبي : عشرة لقول إخوة يوسف ونحن عصبة وقاله مقاتل . وقال خيثمة : وجدت في الإنجيل أن مفاتيح خزائن قارون وقر ستين بغلا غراء محجلة ، وأنها لتنوء بها ثقلها ، وما يزيد مفتح منها على إصبع ، لكل مفتح منها كنز مال ، لو قسم ذلك الكنز على أهل البصرة لكفاهم .قال مجاهد : كانت المفاتيح من جلود الإبل . وقيل : من جلود البقر لتخف عليه ، وكانت تحمل معه إذا ركب على سبعين بغلا فيما ذكره القشيري وقيل : على أربعين بغلا وهو قول الضحاك وعنه أيضا : إن مفاتحه أوعيته ، وكذا قال أبو صالح : إن المراد بالمفاتح الخزائن ; فالله أعلم . إذ قال له قومه أي المؤمنون من بني إسرائيل ، قاله السدي وقال يحيى بن سلام : القوم هنا موسى وقال الفراء وهو جمع أريد به واحد كقوله : الذين قال لهم الناس وإنما هو نعيم بن مسعود على ما تقدم لا تفرح أي لا تأشر ولا تبطر . قال الشاعر :ولست بمفراح إذا الدهر سرني ولا ضارع في صرفه المتقلبوقال الزجاج : المعنى لا تفرح بالمال فإن الفرح بالمال لا يؤدي حقه وقال مبشر بن عبد الله : لا تفرح لا تفسد قال الشاعر [ أبو عبيد النحوي ] :[ ص: 288 ]إذا أنت لم تبرح تؤدي أمانة وتحمل أخرى أفرحتك الودائعأي أفسدتك .وقال أبو عمرو : أفرحه الدين : أثقله ، وأنشده : إذا أنت . . . . . البيت . وأفرحه : سره ، فهو مشترك . قال الزجاج : والفرحين والفارحين سواء . وفرق بينهما الفراء فقال : معنى الفرحين الذين هم في حال فرح ، والفارحين الذين يفرحون في المستقبل وزعم أن مثله طمع وطامع وميت ومائت . ويدل على خلاف ما قال قول الله عز وجل : إنك ميت وإنهم ميتون ولم يقل ( مائت ) . وقال مجاهد أيضا : معنى لا تفرح : لا تبغ إن الله لا يحب الفرحين أي الباغين وقال ابن بحر : لا تبخل إن الله لا يحب الباخلين .
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) { إِنَّ قارون كَانَ مِن قَوْمِ موسى فبغى عَلَيْهِمْ وَءَاتَيْنَاهُ مِنَ الكنوز مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوأُ بالعصبة أُوْلِى القُوَّةِ }كان من صنوف أذى أيمة الكفر النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين ، ومن دواعي تصلبهم في إعراضهم عن دعوته اعتزازهم بأموالهم وقالوا { لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } [ الزخرف : 31 ] أي على رجل من أهل الثروة فهي عندهم سبب العظمة ونبزهم المسلمين بأنهم ضعفاء القوم ، وقد تكرر في القرآن توبيخهم على ذلك كقوله { وقالوا نحن أكثر أموالاً وأولاداً } [ سبأ : 35 ] وقوله { وذرني والمكذبين أولي النعمة } [ المزمل : 11 ] الآية . روى الواحدي عن ابن مسعود وغيره بأسانيد : إن الملأ من قريش وسادتهم منهم عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والمطعم بن عدي والحارث بن نوفل . قالوا : «أيريد محمد أن نكون تبعاً لهؤلاء ( يعنون خباباً ، وبلالاً ، وعماراً ، وصهيباً ) فلو طرد محمد عنه موالينا وعبيدنا كان أعظم له في صدورنا وأطمع له عندنا وأرجى لاتباعنا إياه وتصديقنا له فأنزل الله تعالى { ولا تطرد الذين يدعون ربهم } إلى قوله { بالشاكرين } [ الأنعام : 52 - 53 ] . وكان فيما تقدم من الآيات قريباً قوله تعالى { وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها } إلى قوله { من المحضرين } [ القصص : 60 - 61 ] كما تقدم .وقد ضرب الله الأمثال للمشركين في جميع أحوالهم بأمثال نظرائهم من الأمم السالفة فضرب في هذه السورة لحال تعاظمهم بأموالهم مثلاً بحال قارون مع موسى وأن مثل قارون صالح لأن يكون مثلاً لأبي لهب ولأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قبل إسلامه في قرابتهما من النبي صلى الله عليه وسلم وأذاهما إياه ، وللعاصي بن وائل السهمي في أذاه لخباب بن الأرتّ وغيره ، وللوليد بن المغيرة من التعاظم بماله وذويه . قال تعالى { ذرني ومن خلقت وحيداً وجعلت له مالا ممدوداً } [ المدثر : 11 - 12 ] فإن المراد به الوليد بن المغيرة .فقوله { إن قارون كان من قوم موسى } اسئناف ابتدائي لذكر قصة ضربت مثلاً لحال بعض كفار مكة وهم سادتهم مثل الوليد بن المغيرة وأبي جهل بن هشام ولها مزيد تعلق بجملة { وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها } إلى قوله { ثم هو يوم القيامة من المحضرين } [ القصص : 60 ، 61 ] .ولهذه القصة اتصال بانتهاء قصة جند فرعون المنتهية عند قوله تعالى { وما كنت بجانب الطور إذ نادينا } [ القصص : 46 ] الآية .و { قارون } اسم معرب أصله في العبرانية ( قورح ) بضم القاف مشبعة وفتح الراء ، وقع في تعريبه تغيير بعض حروفه للتخفيف ، وأجري وزنه على متعارف الأوزان العربية مثل طالوت ، وجالوت ، فليست حروفه حروف اشتقاق من مادة قرن .و ( قورح هذا ابن عم موسى عليه السلام دنيا ) ، فهو قورح بن يصهار بن قهات بن لاوى بن يعقوب .وموسى هو ابن عمرم المسمى عمران في العربية ابن قاهت فيكون يصاهر أخا عمرم ، وورد في الإصحاح السادس عشر من سفر العدد أن ( قُورَح ) هذا تألب مع بعض زعماء بني إسرائيل مائتين وخمسين رجلاً منهم على موسى وهارون عليهما السلام حين جعل الله الكهانة في بني هارون من سبط ( لاوى ) فحسدهم قورح إذ كان ابن عمهم وقال لموسى وهارون : ما بالكما ترتفعان على جماعة الرب إن الجماعة مقدسة والرب معها فغضب الله على قورح وأتباعه وخسف بهم الأرض وذهبت أموال ( قورح ) كلها ، وكان ذلك حين كان بنو إسرائيل على أبواب ( أريحا ) قبل فتحها . وذكر المفسرون أن فرعون كان جعل ( قورح ) رئيساً على بني إسرائيل في مصر وأنه جمع ثروة عظيمة .وما حكاه القرآن يبين سبب نُشُوء الحسد في نفسه لموسى لأن موسى لما جاء بالرسالة وخرج ببني إسرائيل زال تأمّر { قارون } على قومه فحقد على موسى . وقد أكثر القصاص من وصف بذخة قارون وعظمته ما ليس في القرآن . وما لهم به من برهان . وتلقفه المفسرون حاشا ابن عطية .وافتتاح الجملة بحرف التوكيد يجوز أن يكون لإفادة تأكيد خبر { إن } وما عطف عليه وتعلق به مما اشتملت عليه القصة وهو سوء عاقبة الذين تغرهم أموالهم وتزدهيهم فلا يكترثون بشكر النعمة ويستخفون بالدين ، ويكفرون بشرائع الله لظهور أن الإخبار عن قارون بأنه من قوم موسى ليس من شأنه أن يتردد فيه السامع حتى يؤكد له ، فمصب التأكيد هو ما بعد قوله { إذ قال له قومه لا تفرح } إلى آخر القصة المنتهية بالخسف .ويجوز أن تكون { إن } لمجرد الاهتمام بالخبر ومناط الاهتمام هو مجموع ما تضمنته القصة من العبر التي منها أنه من قوم موسى فصار عدواً له ولأتباعه ، فأمره أغرب من أمر فرعون .وعدل عن أن يقال : كان من بني إسرائيل ، لما في إضافة { قوم } إلى { موسى } من الإيماء إلى أن لقارون اتصالاً خاصاً بموسى فهو اتصال القرابة . وجملة { فبغى عليهم } معترضة بين جملة { إن قارون كان من قوم موسى } وجملة { وءاتيناه من الكنوز } ، والفاء فيها للترتيب والتعقيب ، أي لم يلبث أن بطر النعمة واجترأ على ذوي قرابته ، للتعجيب من بغي أحد على قومه كما قالطرفة : ... وظلم ذوي القربى أشد مضاضةعلى المرء من وقع الحسام المهنّد ... والبغي : الاعتداء ، والاعتداء على الأمة الاستخفاف بحقوقها ، وأول ذلك خرق شريعتها . وفي الإخبار عنه بأنه { من قوم موسى } تمهيد للكناية بهذا الخبر عن إرادة التنظير بما عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم من بغي بعض قرابته من المشركين عليه .وفي قوله { إن قارون كان من قوم موسى } محسّن بديعي وهو ما يسمى النثر المتزن ، أي النثر الذي يجيء بميزان بعض بحور الشعر ، فإن هذه الجملة جاءت على ميزان مصراع من بحر الخفيف ، ووجه وقوع ذلك في القرآن أن الحال البلاغي يقتضي التعبير بألفاظ وتركيب يكون مجموعه في ميزان مصراع من أحد بحور الشعر .وجملة { إن مفاتحه لتنوء بالعصبة } صلة { ما } الموصولة عند نحاة البصرة الذين لا يمنعون أن تقع { إن } في افتتاح صلة الموصول . ومنع الكوفيون من ذلك واعتُذر عنهم بأن ذلك غير مسموع في كلام العرب ولذلك تأولوا { ما } هنا بأنها نكرة موصوفة وأن الجملة بعدها في محل الصفة .والمفاتح : جمع مفتح بكسر الميم وفتح المثناة الفوقيية وهو آلة الفتح ، ويسمى المفتاح أيضاً . وجمعه مفاتيح وقد تقدم عند قوله تعالى { وعنده مفاتح الغيب } في سورة [ الأنعام : 59 ] .و { الكنوز } : جمع كنز وهو مختزن المال من صندوق أو خزانة ، وتقدم في قوله تعالى { لولا أنزل عليه كنز } في سورة [ هود : 12 ] ، وأنه كان يقدر بمقدار من المال مثل ما يقولون : بدرة مال ، وأنه كان يجعل لذلك المقدار خزانة أو صندوق يسعه ولكل صندوق أو خزانة مفتاحه . وعن أبي رزين لقيط بن عامر العُقيلي أحد الصحابة أنه قال «يكفي الكوفة مفتاح» أي مفتاح واحد ، أي كنز واحد من المال له مفتاح ، فتكون كثرة المفاتيح كناية عن كثرة الخزائن وتلك كناية عن وفرة المال فهو كناية بمرتبتين مثل: ... جبان الكلب مهزول الفصيل{ وتنوء ) : تثقل . ويظهر أن الباء في قوله { بالعصبة } باء الملابسة أن تثقل مع العصبة الذين يحملونها فهي لشدة ثقلها تثقل مع أن حملتها عصبة أولو قوة وليست هذه الباء باء السببية كالتي في قول امرىء القيس: ... وأردف إعجازاً وناء بكلكلولا كمثال صاحب «الكشاف» : ناء به الحمل ، إذا أثقله الحمل حتى أماله .وأما قول أبي عبيدة بأن تركيب الآية فيه قلب ، فلا يقبله من كان له قلب .والعُصبة : الجماعة ، وتقدم في سورة يوسف . وأقرب الأقوال في مقدارها قول مجاهد أنه من عشرة إلى خمسة عشر . وكان اكتسب الأموال في مصر وخرج بها .{ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ الله لاَ } { يُحِبُّ الفرحين * وابتغ فِيمَآ ءَاتَاكَ الله الدار الاخرة وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدنيا وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الفساد فِى الارض إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ المفسدين } { إذ } ظرف منصوب بفعل ( بغى عليهم ) والمقصود من هذا الظرف القصة وليس القصد به توقيت البغي ولذلك قدره بعض المفسرين متعلقاً ب ( أذكر ) محذوفاً وهو المعني في نظائره من القصص .والمراد بالقوم بعضهم إما جماعة منهم وهم أهل الموعظة وإما موسى عليه السلام أطلق عليه اسم القوم لأن أقواله قدوة للقوم فكأنهم قالوا قوله .والفرح يطلق على السرور كما في قوله تعالى { وفرحوا بها } في [ يونس : 22 ] . ويطلق على البطر والازدهاء ، وهو الفرح المفرط المذموم ، وتقدم في قوله تعالى{ وفرحوا بالحياة الدنيا } في سورة [ الرعد : 26 ] وهو التمحض للفرح . والفرح المنهيّ عنه هو المفرط منه ، أي الذي تمحض للتعلق بمتاع الدنيا ولذات النفس به لأن الانكباب على ذلك يميت من النفس الاهتمام بالأعمال الصالحة والمنافسة لاكتسابها فينحدر به التوغل في الإقبال على اللذات إلى حضيض الإعراض عن الكمال النفساني والاهتمام بالآداب الدينية ، فحذف المتعلق بالفعل لدلالة المقام على أن المعنى لا تفرح بلذات الدنيا معرضاً عن الدين والعمل للآخرة كما أفصح عنه قوله { وابتغ فيما ءاتاك الله الدار الآخرة } . وأحسب أن الفرح إذا لم يعلق به شيء دل على أنه صار سجية الموصوف فصار مراداً به العجب والبطر . وقد أشير إلى بيان المقصود تعضيداً لدلالة المقام بقوله { إن الله لا يحب الفرحين } ، أي المفرطين في الفرح فإن صيغة ( فعل ) صيغة مبالغة مع الإشارة إلى تعليل النهي ، فالجملة علة للتي قبلها ، والمبالغة في الفرح تقتضي شدة الإقبال على ما يفرح به وهي تستلزم الإعراض عن غيره فصار النهي عن شدة الفرح رمزاً إلى الإعراض عن الجد والواجب في ذلك .وابتغاء الدار الآخرة طلبها ، أي طلب نعيمها وثوابها . وعلق بفعل الابتغاء قوله { فيما ءاتاك الله } بحرف الظرفية ، أي اطلب بمعظمه وأكثره . والظرفية مجازية للدلالة على تغلغل ابتغاء الدار الآخرة في ما آتاه الله وما آتاه هو كنوز المال ، فالظرفية هنا كالتي في قوله تعالى { وارزقوهم فيها واكسوهم } [ النساء : 5 ] أي منها ومعظمها ، وقول سبرة بن عمرو الفقعسي: ... نحابي بها أكفاءنا ونهينهاونشرب في أثمانها ونقامر ... أي اطلب بكنوزك أسباب حصول الثواب بالإنفاق منها في سبيل الله وما أوجبه ورغب فيه من القربان ووجوه البر .-- { الدار الاخرة وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ } .جملة معترضة بين الجملتين الحافتين بها ، والواو اعتراضية .والنهي في { ولا تنس نصيبك } مستعمل في الإباحة . والنسيان كناية عن الترك كقوله في حديث الخيل « ولم ينس حق الله في رقابها » ، أي لا نلومك على أن تأخذ نصيبك من الدنيا أي الذي لا يأتي على نصيب الآخرة . وهذا احتراس في الموعظة خشية نفور الموعوظ من موعظة الواعظ لأنهم لما قالوا لقارون { وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة } أوهموا أن يترك حظوظ الدنيا فلا يستعمل ماله إلا في القربات ، فأفيد أن له استعمال بعضه في ما هو متمحض لنعيم الدنيا إذا آتى حق الله في أمواله . فقيل : أرادوا أن لك أن تأخذ ما أحلّ الله لك .والنصيب : الحظ والقسط ، وهو فعيل من النصب لأن ما يعطى لأحد ينصب له ويميز ، وإضافة النصيب إلى ضميره دالة على أنه حقه وأن للمرء الانتفاع بماله في ما يلائمه في الدنيا خاصة مما ليس من القربات ولم يكن حراماً . قال مالك : في رأيي معنى { ولا تنس نصيبك من الدنيا } تعيش وتأكل وتشرب غير مضيق عليك .
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
بعد كل ذلك ، ختم - سبحانه - قصة موسى - عليه السلام - التى جاء الحديث عنها فى كثير من آيات هذه السورة - ختمها بقصة قارون الذى كان من قوم موسى - عليه السلام - فقال - تعالى - : ( إِنَّ قَارُونَ . . . ) .قال القرطبى : قوله - تعالى - ( إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ موسى ) لما قال - تعالى - : ( وَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الحياة الدنيا وَزِينَتُهَا ) بين أن قارون أوتيها واغتر بها . ولم تعصمه من عذاب الله ، كما لم تعصم فرعون ولستم - أيها المشركون - بأكثر عددا ومالا من قارون وفرعون ، فلم ينفع فرعون جنوده وأمواله ، ولم ينفع قارون قرابته من موسى ولا كنوزه .قال النخعى وقتادة وغيرهما : كان قارون ابن عم موسى . . . وقيل كان ابن خالته . .وقوله ( فبغى عَلَيْهِمْ ) من البغى وهو مجاوزة الحد فى كل شىء . يقال : بغى فلان على غيره بغيا ، إذا ظلمه واعتدى عليه . وأصله من بغى الجرح ، إذا ترامى إليه الفساد .والمعنى : إن قارون كان من قوم موسى ، أى : من بنى إسرائيل الذين أرسل إليهم موسى كما أرسل إلى فرعون وقومه .( فبغى عَلَيْهِمْ ) أى : فتطاول عليهم ، وتجاوز الحدود فى ظلمهم وفى الاعتداء عليهم .ولم يحدد القرآن كيفية بغيه أو الأشياء التى بغى عليهم فيها ، للإشارة إلى أن بغيه قد شمل كل ما من شأنه أن يسمى بغيا من أقوال أو أفعال .وقوله - تعالى - : ( وَآتَيْنَاهُ مِنَ الكنوز مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بالعصبة أُوْلِي القوة ) بيان لما أعطى الله - تعالى - لقارون من نعم .والكنوز : جمع كنزل وهو المال الكثير المدخر ، و ( مَآ ) موصولة . وهى المفعول الثانى لآتينا .وصلتها ( إِنَّ ) وما فى حيزها . وقوله : ( مَفَاتِحَهُ ) جمع مفتح - بكسر الميم وفتح التاء - وهو الآلة التى يفتح بها - أو جمع مفتح - بفتح الميم والتاء - بمعنى الخزائن التى تجمع فيها الأموال .وهو - أى لفظ مفاتحه - اسم إن ، والخبر : ( لَتَنُوءُ بالعصبة أُوْلِي القوة ) .وقوله ( لَتَنُوءُ ) . أى لتعجز أو لتثقل . يقال : ناء فلان بحمل هذا الشىء ، إذا أثقله حمله وأتعبه : والباء فى قوله ( بالعصبة ) للتعدية والعصبة : الجماعة من الناس من غير تعيين بعدد معين ، سموا بذلك لأنهم يتعصب بعضهم لبعض ومنهم من خصها فى العرف ، بالعشرة إلى الأربعين .والمعنى : وآتينا قارون - بقدرتنا وفضلنا - من الأموال الكثيرة ، ما يثقل حمل مفاتح خزائنها ، العصبة من الرجال الأقوياء ، بحيث تجعلهم شبه عاجزين عن حملها .قال صاحب الكشاف : وقد بولغ فى ذكر ذلك - أى فى كثرة أمواله - بلفظ الكنوز ، والمفاتح ، والنوء ، والعصبة ، وأولى القوة .والمراد بالفرح فى قوله - سبحانه - : ( إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ ) : البطر والأشر والتفاخر على الناس ، والاستخفاف بهم واستعمال نعم الله - تعالى - فى السيئات والمعاصى .وجملة : ( إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الفرحين ) تعليل للنهى عن الفرح المذموم .أى : لقد أعطى الله - تعالى - قارون نعما عظيمة ، فلم يشكر الله عليها ، بل طغى وبغى ، فقال له العقلاء من قومه : لا تفرح بهذا المال الذى بين يديك فرح البطر الفخور ، المستعمل لنعم الله فى الفسوق والمعاصى ، فإن الله - تعالى - لا يحب من كان كذلك .
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
قوله - عز وجل - : ( إن قارون كان من قوم موسى ) كان ابن عمه; لأنه قارون بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب عليه السلام وموسى بن عمران بن قاهث ، وقال ابن إسحاق : كان قارون عم موسى ، كان أخا عمران ، وهما ابنا يصهر ، ولم يكن في بني إسرائيل أقرأ للتوراة من قارون ، ولكنه نافق كما نافق السامري ، ( فبغى عليهم ) قيل : كان عاملا لفرعون على بني إسرائيل ، فكان يبغي عليهم ويظلمهم ، وقال قتادة : بغى عليهم بكثرة المال . وقال الضحاك : بغى عليهم بالشرك . وقال شهر بن حوشب : زاد في طول ثيابه شبرا ، وروينا عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر ثوبه خيلاء " وقيل : بغى عليهم بالكبر والعلو . ( وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه ) هي جمع مفتح وهو الذي يفتح به الباب ، هذا قول قتادة ومجاهد وجماعة ، وقيل : مفاتحه : خزائنه ، كما قال : " وعنده مفاتح الغيب " ( الأنعام - 59 ) ، أي : خزائنه ( لتنوء بالعصبة أولي القوة ) أي : لتثقلهم ، وتميل بهم إذا حملوها لثقلها ، قال أبو عبيدة : هذا من المقلوب ، تقديره : ما إن العصبة لتنوء بها ، يقال : ناء فلان بكذا إذا نهض به مثقلا .واختلفوا في عدد العصبة ، قال مجاهد : ما بين العشرة إلى خمسة عشر ، وقال الضحاك عن ابن عباس - رضي الله عنهما - : ما بين الثلاثة إلى العشرة . وقال قتادة : ما بين العشرة إلى الأربعين . وقيل : أربعون رجلا . وقيل : سبعون . وروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : كان يحمل مفاتحه أربعون رجلا أقوى ما يكون من الرجال . وقال جرير عن منصور عن خيثمة ، قال : وجدت في الإنجيل أن مفاتيح خزائن قارون وقر ستين بغلا ما يزيد منها مفتاح على أصبع لكل مفتاح كنز .ويقال : كان قارون أينما ذهب يحمل معه مفاتيح كنوزه ، وكانت من حديد ، فلما ثقلت عليه جعلها من خشب ، فثقلت فجعلها من جلود البقر على طول الأصابع ، وكانت تحمل معه إذا ركب على أربعين بغلا . ( إذ قال له قومه ) قال لقارون قومه من بني إسرائيل : ) ( لا تفرح ) لا تبطر ولا تأشر ولا تمرح ( إن الله لا يحب الفرحين ) الأشرين البطرين الذين لا يشكرون الله على ما أعطاهم .