تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
ولكل واحد منكم جعلنا ورثة يرثون مما ترك الوالدان والأقربون، والذين تحالفتم معهم بالأيمان المؤكدة على النصرة وإعطائهم شيئًا من الميراث فأعطوهم ما قُدِّر لهم. والميراث بالتحالف كان في أول الإسلام، ثم رُفع حكمه بنزول آيات المواريث. إن الله كان مُطَّلِعًا على كل شيء من أعمالكم، وسيجازيكم على ذلك.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
«ولكلٌ» عن الرجال والنساء «جعلنا موالي» عصبة يعطون «مما ترك الوالدان والأقربون» لهم من المال «والذين عاقدت» بألف ودونها «أيمانكم» جمع يمين بمعنى القسم أو اليد أي الخلفاء الذين عاهدتموهم في الجاهلية على النصرة والإرث «فآتوهم» الآن «نصيبهم» حظوظهم من الميراث وهو السدس «إن الله على كل شيء شهيدا» مطلعا ومنه حالكم وهذا منسوخ بقوله (وأولوا الأرحام بعضهم أول ببعض).
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
قوله تعالى : ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إن الله كان على كل شيء شهيدافيه خمس مسائل :الأولى : بين تعالى أن لكل إنسان ورثة وموالي ؛ فلينتفع كل واحد بما قسم الله له من الميراث ، ولا يتمن مال غيره . وروى البخاري في كتاب الفرائض من رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس : " ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عاقدت أيمانكم " قال : كان المهاجرون حين قدموا المدينة يرث الأنصاري المهاجري دون ذوي رحمه ؛ للأخوة التي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم ، فلما نزلت ولكل جعلنا موالي قال : نسختها " والذين عاقدت أيمانكم " . قال أبو الحسن بن بطال : وقع في جميع النسخ ولكل جعلنا موالي قال : نسختها " والذين عاقدت أيمانكم " . والصواب أن الآية الناسخة ولكل جعلنا موالي والمنسوخة " والذين عاقدت أيمانكم " ، وكذا رواه الطبري في روايته . وروي عن جمهور السلف أن الآية الناسخة لقوله : " والذين عاقدت أيمانكم " قوله تعالى في " الأنفال " : وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض . روي هذا عن ابن عباس وقتادة والحسن البصري ؛ وهو الذي أثبته أبو عبيد في كتاب " الناسخ والمنسوخ " له . وفيها قول آخر رواه الزهري عن سعيد بن المسيب قال : أمر الله عز وجل الذين تبنوا غير أبنائهم في الجاهلية وورثوا في الإسلام أن يجعلوا لهم نصيبا في الوصية ورد الميراث إلى ذوي الرحم والعصبة . وقالت طائفة : قوله تعالى : " والذين عاقدت أيمانكم " محكم وليس بمنسوخ ؛ وإنما أمر الله المؤمنين أن يعطوا الحلفاء أنصباءهم من النصرة والنصيحة وما أشبه ذلك ؛ ذكره الطبري عن ابن عباس . " والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم " من النصرة والنصيحة والرفادة ويوصي لهم وقد ذهب الميراث ؛ وهو قول مجاهد والسدي .[ ص: 146 ] قلت : واختاره النحاس ؛ ورواه عن سعيد بن جبير ، ولا يصح النسخ ؛ فإن الجمع ممكن كما بينه ابن عباس فيما ذكره الطبري ، ورواه البخاري عنه في كتاب التفسير . وسيأتي ميراث " ذوي الأرحام " في " الأنفال " إن شاء الله تعالى .الثانية : " كل " في كلام العرب معناها الإحاطة والعموم . فإذا جاءت مفردة فلا بد أن يكون في الكلام حذف عند جميع النحويين ؛ حتى إن بعضهم أجاز مررت بكل ، مثل قبل وبعد . وتقدير الحذف : ولكل أحد جعلنا موالي ، يعني ورثة . " والذين عاقدت أيمانكم " يعني بالحلف ؛ عن قتادة . وذلك أن الرجل كان يعاقد الرجل فيقول : دمي دمك ، وهدمي هدمك ، وثأري ثأرك ، وحربي حربك ، وسلمي سلمك ، وترثني وأرثك ، وتطلب بي وأطلب بك ، وتعقل عني وأعقل عنك ؛ فيكون للحليف السدس من ميراث الحليف ثم نسخ .الثالثة : قوله تعالى : " موالي " اعلم أن المولى لفظ مشترك يطلق على وجوه ؛ فيسمى المعتق مولى والمعتق مولى . ويقال : المولى الأسفل والأعلى أيضا . ويسمى الناصر المولى ؛ ومنه قوله تعالى : وأن الكافرين لا مولى لهم . ويسمى ابن العم مولى والجار مولى . فأما قوله تعالى : ولكل جعلنا موالي يريد عصبة ؛ لقوله عليه السلام : ما أبقت السهام فلأولى عصبة ذكر . ومن العصبات المولى الأعلى لا الأسفل ، على قول أكثر العلماء ؛ لأن المفهوم في حق المعتق أنه المنعم على المعتق ، كالموجد له ؛ فاستحق ميراثه لهذا المعنى . وحكى الطحاوي عن الحسن بن زياد أن المولى الأسفل يرث من الأعلى ؛ واحتج فيه بما روي أن رجلا أعتق عبدا له فمات المعتق ولم يترك إلا المعتق فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ميراثه للغلام المعتق . قال الطحاوي : ولا معارض لهذا الحديث ، فوجب القول به ؛ ولأنه إذا أمكن إثبات الميراث للمعتق على تقدير أنه كان كالموجد له ، فهو شبيه بالأب ؛ والمولى الأسفل شبيه بالابن ؛ وذلك يقتضي التسوية بينهما في الميراث ، والأصل أن الاتصال يعم . وفي الخبر ( مولى القوم منهم ) . والذين خالفوا هذا وهم الجمهور قالوا : الميراث . يستدعي القرابة ولا قرابة ، غير أنا أثبتنا للمعتق الميراث بحكم الإنعام على المعتق ؛ فيقتضي مقابلة الإنعام بالمجازاة ، وذلك لا ينعكس في المولى الأسفل . وأما الابن فهو أولى الناس بأن يكون خليفة أبيه وقائما مقامه ، وليس المعتق صالحا لأن يقوم مقام معتقه ، وإنما المعتق قد أنعم عليه فقابله [ ص: 147 ] الشرع بأن جعله أحق بمولاه المعتق ، ولا يوجد هذا في المولى الأسفل ؛ فظهر الفرق بينهما والله أعلم .الرابعة : قوله تعالى : " والذين عاقدت أيمانكم " روى علي بن كبشة عن حمزة " عقدت " بتشديد القاف على التكثير . والمشهور عن حمزة " عقدت أيمانكم " مخففة القاف ، وهي قراءة عاصم والكسائي ، وهي قراءة بعيدة ؛ لأن المعاقدة لا تكون إلا من اثنين فصاعدا ، فبابها فاعل . قال أبو جعفر النحاس : وقراءة حمزة تجوز على غموض في العربية ، يكون التقدير فيها والذين عقدتهم أيمانكم الحلف ، وتعدى إلى مفعولين ؛ وتقديره : عقدت لهم أيمانكم الحلف ، ثم حذفت اللام مثل قوله تعالى : وإذا كالوهم أي كالوا لهم . وحذف المفعول الثاني ، كما يقال : كلتك أي كلت لك برا . وحذف المفعول الأول لأنه متصل في الصلة .الخامسة : قوله تعالى : إن الله كان على كل شيء شهيدا أي قد شهد معاقدتكم إياهم ، وهو عز وجل يحب الوفاء .
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
الجملة معطوفة على جملة { ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض } [ النساء : 32 ] باعتبار كونه جامعاً لمعنى النهي عن الطمع في مال صاحب المال ، قُصد منها استكمال تبيين من لهم حقّ في المال .وشأنُ ( كُلّ ) إذا حذف ما تضاف إليه أن يعوّض التنوين عن المحذوف ، فإن جرى في الكلام ما يدلّ على المضاف إليه المحذوف قُدّر المحذوف من لفظه أو معناه ، كما تقدم في قوله تعالى : { ولكل وجهة } في سورة البقرة ( 148 ) ، وكذلك هنا فيجوز أن يكون المحذوف ممّا دلّ عليه قوله - قبله - { للرجال نصيب وللنساء نصيب } [ النساء : 7 ] فيقدّر : ولكلّ الرجال والنساء جعلنا موالَي ، أو لكلّ تارككٍ جعلنا موالي .ويجوز أن يقدّر : ولكلّ أحد أو شيء جعلنا موالي .والجعل من قوله : { جعلنا } هو الجعل التشريعي أي شَرعْنا لكلّ موالي لهم حقّ في ماله كما في قوله تعالى : { فقد جعلنا لوليه سلطانا } [ الإسراء : 33 ] .والموالي جمعُ مَولى وهو محلّ الوَلْيِ ، أي القرب ، وهو مَحلّ مجازي وقرب مجازي . والولاء اسم المصدر للوَلْي المجازي .وفي نظم الآية تقادير جديرة بالاعتبار ، وجامعة لمعان من التشريع :الأوّل : ولِكلّ تارككٍ ، أي تارك مالا جعلنا موالي ، أي أهل ولاء له ، أي قرب ، أي ورثة . ويتعلّق { مما ترك } بما في موالي من معنى يَلُونه ، أي يرثونه ، ومِن للتبعيض ، أي يرثون ممّا ترك . وما صدق ( ما ) الموصولة هو المال ، والصلة قرينة على كون المراد بالموالي الميراث ، وكون المضاف إليه ( كلّ ) هو الهالك أو التارك . { ولكل } متعلّق ب ( جعلنا ) ، قدّم على متعلّقه للاهتمام .وقوله : { الوالدان } استئناف بياني بيّن به المراد في ( موالي ) ، ويصلح أن يبيّن به كلّ المقدّر له مضاف . تقديره : لكلّ تارك . وتبيين كلا اللفظين سواءٌ في المعنى ، لأنّ التارك : والد أو قريب ، والموالي : والدون أو قرابة . وفي ذِكر { الوالدان } غنية عن ذكر الأبناء لتلازمهما ، فإن كان الوالدان من الورثة فالهالك ولد وإلاّ فالهالك والد . والتعريف في { الوالدان والأقربون } عوض عن مضاف إليه أي : والداهِم وأقربوهم ، والمضاف إليه المحذوفُ يدلّ عليه الموالي ، وهذا التقدير يناسب أن يكون ناشئاً عن قوله : { للرجال نصيب مما اكتسبوا } [ النساء : 32 ] ، أي ولكلّ من الصنفين جعلنا موالي يرثونه ، وهو الجَعل الذي في آيات المواريث .والتقدير الثاني : ولكلّ شيء ممّا تركه الوالدان والأقربون جعلنا موالي ، أي قوماً يلونه بالإرث ، أي يرثونه ، أي يكون تراثاً لهم ، فيكون المضاف إليه المحذوف اسماً نكرة عامّا يبيّن نوعه المقام ، ويكون { مما ترك } بيانا لما في تنوين ( كلّ ) من الإبهام ، ويكون { والأقربون } فاعلا ( لتَرَك ) .وهذا التقدير يناسب أن يكون ناشئاً عن قوله : { ما فضل الله به بعضكم على بعض } [ النساء : 32 ] أي في الأموال ، أي ولكلّ من الذين فضّلنا بعضهم على بعض جعلنا موالي يؤول إليهم المال ، فلا تتمنّوا ما ليس لكم فيه حقّ في حياة أصحابه ، ولا ما جعلناه للموالي بعد موت أصحابه .التقدير الثالث : ولكلّ منكم جعلنا موالي ، أي عاصبين من الذين تركهم الوالدان ، مثل الأعمام والأجداد والأخواللِ ، فإنّهم قرباء الأبوين ، وممّا تركهم الأقربون مثل أبناء الأعمام وأبنائهم وإن تعدّدوا ، وأبناء الأخوات كذلك ، فإنّهم قرباء الأقربين ، فتكون الآية مشيرة إلى إرجاع الأموال إلى العصبة عند الجمهور ، وإلى ذوي الأرحام عند بعض الفقهاء ، وذلك إذا انعدم الورثة الذين في آية المواريث السابقة ، وهو حكم مجمل بيّنه قول النبي صلى الله عليه وسلم « ألْحِقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأوْلى رجللٍ ذكر » وقوله : « ابن أخت القوم منهم أو من أنفسهم » رواه أبو داود والنسائي ، وقوله : « الخال وارثُ من لا وارث له » أخرجه أبو داود والترمذي ، وقوله تعالى : { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } [ الأنفال : 75 ] ، وبذلك أخذ أبو حنيفة ، وأحمد ، وعليه ف ( ما ) الموصولة في قوله : { مما ترك } بمعنى ( من ) الموصولة ، ولا بدع في ذلك . وهذا التقدير يناسب أن يكون ناشئاً عن قوله تعالى بعد آية المواريث { تلك حدود الله } [ البقرة : 187 ] فتكون تكملة لآية المواريث .التقدير الرابع : ولكلّ منكم أيّها المخاطبون بقولنا : { ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض } [ النساء : 32 ] جعلنا موالي ، أي شَرَعْنا أحكام الولاء لمن هم موال لكم ، فحكم الولاء الذي تركه لكم أهاليكم : الوالدان والأقربون ، أي أهل الولاء القديم في القبيلة المنجرّ من حلف قديم ، أو بحكم الولاء الذي عاقدتْه الأيمان ، أي الأحلاف بينكم وبينهم أيّها المخاطبون ، وهو الولاء الجديد الشامل للتبنّي المحدث ، وللحلف المحدث ، مثل المؤاخاة التي فرضها النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار . فإنّ الولاء منه ولاء قديم في القبائل ، ومنه ما يتعاقد عليه الحاضرون ، كما اشار إليه أبو تمّام .أعطيت لي دية القتيل وليس لي ... عقل ولا حلف هناك قَدِيمُوعلى هذا التقدير يكون { والذين عاقدت أيمانكم } معطوفة على { الوالدان والأقربون } وهذا التقدير يناسب أن يكون ناشئاً عن قوله تعالى : { تلك حدود الله } [ البقرة : 187 ] فتكون هذه الآية تكملة لآيات المواريث .وللمفسّرين تقادير أخرى لا تلائم بعض أجزاء النظم إلا بتعسّف فلا ينبغي التعريج عليها .وقوله : { والذين عاقدت أيمانكم } قيل معطوف على قوله : { الوالدان والأقربون } ، وقيل هو جملة مستأنفة استئنافاً بيانياً ، كأنّه قيل : من هم الموالي؟ فقيل : { الوالدان والأقربون } الخ ، على أنّ قوله : { فأتاهم نصيبهم } خبر عن قوله : { والذين عاقدت } . وأدخلت الفاء في الخبر لتضمّن الموصول معنى الشرط ، ورجّح هذا بأنّ المشهور أنّ الوقت على قوله : { والأقربون } وليس على قوله : { أيمانكم } . والمعاقدة : حصول العقد من الجانبين ، أي الذين تعاقدتم معهم على أن يكونوا بمنزلة الأبناء أو بمنزلة الإخْوَة أو بمنزلة أبناء العمّ .والأيمان جمع يَمين : إمّا بمعنى اليد ، أسند العقد إلى الأيدي مجازاً لأنّها تقارن المتعاقديِن لأنّهم يضعون أيدي بعضهم في أيدي الآخرين ، علامة على انبرام العقد ، ومن أجل ذلك سمّي العقد صَفقة أيضاً؛ لأنّه يصفّق فيه اليَدُ على اليد ، فيكون من باب { أو ما ملكت أيمانكم } [ النساء : 3 ] ؛ وإمَّا بمعنى القَسَم لأنّ ذلك كان يَصحبه قَسَم ، ومن أجل ذلك سمّي حِلْفا ، وصاحبه حَليفاً . وإسناد العقد إلى الأيمان بهذا المعنى مجاز أيضاً؛ لأنّ القسم هو سبب انعقاد الحلف .والمراد ب { الذين عاقَدَتْ أيمانكم } : قيل موالي الحلف الذي كان العرب يفعلونه في الجاهلية ، وهو أن يَحالف الرجل الآخر فيقول له «دمي دَمُك وهَدْمي هَدْمُك أي إسقاط أحدهما للدم الذي يستحقّه يمضي على الآخر وثَأرِي ثَأرُكَ وحَرْبي حَرْبُك وسلْمي سلْمُك وترثني وأرثك وتطلب بي وأطلب بك وتعقل عنّي وأعقل عنك» . وقد جمع هذين الصنفين من الموالي الحُصَين بن الحُمَاممِ من شعراء الحماسة في قوله :مواليكمُ مولَى الوِلاَدَةِ منكمُ ... ومولَى اليمين حَابِس قد تُقِسِّمَاقيل : كانوا جعلوا للمولى السدس في تركة الميت ، فأقرّته هذه الآية ، ثم نسختها آية الأنفال : { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } [ الأنفال : 75 ] قاله ابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، وابن جبير ، ولعلّ مرادهم أنّ المسلمين جعلوا للمولَى السدس وصية لأنّ أهل الجاهلية لم تكن عندهم مواريث معيّنة . وقيل : نزلت هذه الآية في ميراث الإخوة الذين آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم من المهاجرين والأنصار في أول الهجرة ، فكانوا يتوارثون بذلك دون ذوي الأرحام ، ثم نسخ الله ذلك بآية الأنفال ، فتكون هذه الآية منسوخة . وفي أسباب النزول للواحدي ، عن سعيد بن المسيّب ، أنّها نزلت في التبنّي الذي كان في الجاهلية ، فكان المتبنَّي يرث المتبنِّي ( بالكسر ) مثل تبنّي النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة الكلبي ، وتبنّي الأسود بن عبد يغوث المقداد الكَندي ، المشهور بالمقداد بن الأسود ، وتبنّي الخطاب بن نُفَيل عامراً بنَ ربيعة ، وتبنّي أبي حُذيفة بن عتبة بن ربيعة سالماً بن معقل الأصطخري ، المشهور بسالممٍ مولى أبي حذيفة ، ثم نسخ بالمواريث . وعلى القول بأنّ { والذين عاقدت أيمانكم } جملة مستأنفة فالآية غير منسوخة؛ فقال ابن عباس في رواية ابن جبير عنه في «البخاري» هي ناسخة لتوريث المتآخِين من المهاجرين والأنصار ، لأنّ قوله : { مما ترك الوالدان والأقربون } حَصَر الميراث في القرابة ، فتعيّن على هذا أنّ قوله : { فأتوهم نصيبهم } أي نصيب الذين عاقدت أيمانُكم من النصر والمعونة ، أو فآتوهم نصيبهم بالوصية ، وقد ذهب الميراث . وقال سعيد بن المسيّب : نزلت في التبنّي أمراً بالوصية للمتبنَّى . وعن الحسن أنّها في شأن الموصَى له إذا مات قبل موت المُوصي أن تجعل الوصية لأقاربه لزوماً .وقرأ الجمهور : { عاقدت } بألف بعد العين . وقرأه حمزة ، وعاصم ، والكسائي ، وخلف : { عَقَدَتْ بدون ألف ومع تخفيف القاف .والفاءُ في قوله : فأتوهم نصيبهم } فاءُ الفصيحةِ على جعل قوله : { والذين عاقدت أيمانكم } معطوفاً على { الوالدان والأقربون } ، أو هي زائدة في الخبر إن جعل { والذين عقدت } مبتدأً على تضمين الموصول معنى الشرطية . والأمر في الضمير المجرور على الوجهين ظاهر .
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
ثم قال - تعالى ( وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الوالدان والأقربون ) .والمضاف إلى كل هنا محذوف عوض عنه التنوين . والتقدير ولكل إنسان أو لكل قوم أو لكل من مات ، أو لكل من الرجال والنساء .والموالى : جمع مولى . لفظ مشترك بين معان ، فيقال للسيد المعتق لعبده مولى ، لأنه ولى نعمته فى عتقه له . ويقال للعبد العتيق مولى لاتصال ولاية مولاه فى إنعامه عليه كما يقال لكل من الحليف والنصير والقريب مولى . ويقال لعصبة الشخص موالى .قال الفخر الرازى : والمراد بالموالى هنا العصبة . ويؤكد ذلك ما رواه أبو صالح عن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنا أولى بالمؤمنين . من مات وترك مالا فماله للموالى العصبة . ومن ترك كلا فأنا وليه " وقال - عليه الصلاة والسلام - " اقسموا هذا المال فما أبقت السهام فلأولى عصبة ذكر " .هذا ، وللمفسرين فى تأويل هذه الآية الكريمة أقوال متعددة منها أن المعنى :1- ولكل واحد من الرجال والنساء جعلنا ورثة عصبة ، يرثون مما تركه الوالدان والأقربون من المال .2- أو المعنى : ولكل من مات من الرجال والنساء جعلنا مالى أى ورثة يقتسمون تركته عن طريق الإِرث ، ولا حق للحليف فيها لأنه ليس من عصبة هذا الميت .3- أو المعنى : ولكل مال مما تركه الوالدان والأقربون جعلنا موالى أى ورثة يلونه ويجوزونه بعد أن يأخذ أصحاب الفروض نصيبهم .وعلى هذه الوجوه يكون الوالدان والأقربون هم الذين يرثهم غيرهم من مواليهم أى عصبتهم .4- قال الفخر الرازى : ويمكن أن تفسر الآية بحيث يكون الوالدان والأقربون هم الورثة ، فيكون المعنى :ولكل واحد جعلنا ورثة فى تركته . ثم كأنه قيل : ومن هؤلاء الورثة؟ فقيل . هم الوالدان والأقربون . وعلى هذا الوجه لا بد من الوقف عند قوله ( مِمَّا تَرَكَ ) :هذا وتفسير الآية الكريمة بحيث يكون الوالدان والأقربون هم الذين يرثهم غيرهم من عصبتهم هو الأولى ، لأنه هو الظاهر فى معنى الآية ، وعليه سار جمهور المفسرين ، فقد قال ابن جرير : " فالموالى ها هنا : الورثة . ويعنى بقوله ( مِمَّا تَرَكَ الوالدان والأقربون ) مما تركه والداه وأقرباؤه من الميراث . فتأويل الكلام ، ولكل منكم أيها الناس جعلنا عصبة يرثون مما ترك والداه وأقرباؤه من ميراثهم .وقال صاحب الكشاف : قوله ( مِمَّا تَرَكَ ) تبين لكل . أى : ولكل شئ مما ترك الوالدان والأقربون من المال جعلنا موالى أى ورثة يلونه ويحرزونه ، أو ولكل قوم جعلناهم موالى نصيب مما ترك الوالدان والأقربون . على أن ( جَعَلْنَا مَوَالِيَ ) صفة لكل ، والضمير الراجع إلى كل محذوف ، والكلام مبتدأ أو خبر . كما تقول : لكل من خلقه الله إنسانا من رزق الله . أى حظ من رزق الله .وقال القرطبى : بين الله - تعالى - أن لكل إنسان ورثة وموالى ، فلينتفع كل واحد بما قسم الله له من الميراث ولا يتمن مال غيره .وقوله ( والذين عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ) جملة من مبتدأ وخبر . وجئ بالفاء فى الخبر وهو قوله ( فَآتُوهُمْ ) لتضمن المبتدأ معنى الشرط .وقوله ( عَقَدَتْ ) من العقد وهو الشد والربط والتوكيد والتغليظ ، ومنه قولهم : عقد العهد يعقده ، أى : شدة وأكده .والأيمان : جمع يمين والمراد به هنا أيديهم اليمنى ، وإسناد العقد إليها على سبيل المجاز ، لأنهم كانوا عندما يؤثقون عقدا يضع كل واحد منهم يده فى يد الآخر ، ليكون ذلك علامة على انبرام العقد وتأكيده . ومن هنا قيل للعقود الصفقات لأن كل عاقد يصفق بيمنه على يميمن الآخر .ويصح أن يكون المراد بالأيمان هنا الأقسام التى كانوا يقسمونها ويحلفونها عند التعاقد على شئ يهمهم أمره .وقد قرأ عصام وحمزة والكسائى ( عقدت أيمانكم ) وقرأ الياقون ( عاقدت أيمانكم ) وعلى كلتا القراءتين فالمفعول محذوف أى والذين عقدت حلفهم أيمانكم أو عاقدتهم أيمانكم .وللعلماه فى المرد بقوله ( والذين عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ ) أقوال منها :1- أن المراد بهم الحلفاء وهم موالى الموالاة وكان لهم نصيب من الميراث ثم نسخ ، وقد ورد فى ذلك آثار منها ما أخرجه ابن جرير وغيره من قتادة قال : قوله تعالى - : ( والذين عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ) كان الرجل يعاقد الرجل فى الجاهلية فيقول : دمى دمك ، وهدمى هدمك . . أى مهدومى مهدومك وترثنى وأرثك ، وتلطب بى وأطلب بك ، فجعل له السدس من جميع المال في الإِسلام ، ثم يقسم أهل الميراث ميراثهم .فنسخ ذلك بعد فى سورة الأنفال فقال الله - تعالى - ( وَأْوْلُواْ الأرحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ الله ) 2- ويرى بعضهم أن المراد بهم الأدعياء وهم الأبناء بالتبنى ، وكانوا يتوارثون بسبب ذلك ، ثم نسخه بآية سورة الأنفال السابقة .3- ويرى فريق ثالث أن المراد بهم إخوان المؤاخاة ، فقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يؤاخى بين الرجلين من أصحابه وكانت تلك المؤاخاة سببا فى التوارث ثم نسخ ذلك بآية الآنفال السابقة .4- وقال أبو مسلم الأصفهانى : المراد بهم الأزواج ، إذ النكاح يسمى عقدا .والذى نراه أولى هو القول الأول لكثرة الآثار التى تؤيده ، ولأنه هو الذى رجحه جمهور المفسرين ، وعليه يكون المعنى : والذين عقدت حلفهم أيمانكم وهو الذين تحالفتم معهم على التناصير وغيره ( فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ) أى فأعطوهم نصيبهم من الميراث وفاء بالعقود والعهود .قال ابن جرير عند تفسيره لهذه الآية الكريمة . وأولى الأقوال بالصواب فى تأويل قوله - تعالى - ( والذين عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ) قول من قال : والذين عقدت أيمانكم على المحالفة ، وهم الحلفاء ، وذلك أنه معلوم عند جميع أهل العلم بأيام العرب وأخبارها : أن عقد الحلف بينها كان يكون بالأيمان والعهود والمواثيق على نحو ما قد ذكرنا من الروايات فى ذلك .وقال ابن كثير : وقوله ( والذين عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ) أى والذين تحالفتم بالأيمان المؤكدة أنتم وهم فآتوهم نصيبهم من الميراث كما وعدتموهم فى الأيمان المغلظة ، إن الله شاهد بينكم فى تلك العقود والمعاهدات . وقد كان هذا فى ابتداء الإِسلام ثم نسخ بعد ذلك ، وأمروا أن يوفوا من عاقدوا ولا ينشئوا بعد نزول هذه الآية معاقدة .ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بقوله ( إِنَّ الله كَانَ على كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً ) أى إن الله - تعالى - كان وما زال عالما بجميع الأشياء ، ومطلعا على جبلها وخفيها ، وسيجازى الذين يتمسكون بشريعته بما يستحقون من ثواب . وسيجازى الذين يتمسكون بشريعته بما يستحقون من ثواب . وسيجازى الذين ينحرفون عنها بما يستحقون من عقاب .فالجملة الكريمة تذييل قصد به الوعد لمن أطاع الله والوعيد لمن عصاه .
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
قوله تعالى : ( ولكل جعلنا موالي ) أي : ولكل واحد من الرجال والنساء جعلنا موالي ، أي : عصبة يعطون ( مما ترك الوالدان والأقربون ) والوالدان والأقربون هم المورثون ، [ وقيل : معناه ولكل جعلنا موالي أي : ورثة ، مما ترك أي : من الذين تركهم ويكون " ما " بمعنى ( من ) ، ثم فسر ( الموالي ) فقال : " الوالدان والأقربون " ، هم الوارثون ] .( والذين عقدت أيمانكم ) قرأ أهل الكوفة ( عقدت ) بلا ألف ، أي : عقدت لهم أيمانكم ، وقرأ الآخرون : " عاقدت أيمانكم " والمعاقدة : المحالفة والمعاهدة ، والأيمان جمع يمين ، من اليد والقسم ، وذلك أنهم كانوا عند المحالفة يأخذ بعضهم بيد بعض على الوفاء والتمسك بالعهد . ومحالفتهم أن الرجل كان في الجاهلية يعاقد الرجل فيقول : دمي دمك وهدمي هدمك وثأري ثأرك وحربي حربك وسلمي سلمك وترثني وأرثك وتطلب بي وأطلب بك وتعقل عني وأعقل عنك ، فيكون للحليف السدس من مال الحليف ، وكان ذلك ثابتا في ابتداء الإسلام فذلك قوله تعالى : ( فآتوهم نصيبهم ) أي : أعطوهم حظهم من الميراث ، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى " وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله " ( الأحزاب 6 ) .وقال إبراهيم ومجاهد : أراد فآتوهم نصيبهم من النصر والرفد ولا ميراث ، وعلى هذا تكون هذه الآية غير منسوخة لقوله تعالى : " أوفوا بالعقود " ( المائدة - 1 ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة يوم فتح مكة : " لا تحدثوا حلفا في الإسلام ، وما كان من حلف في الجاهلية فتمسكوا فيه فإنه لم يزده الإسلام إلا شدة " .وقال ابن عباس رضي الله عنهما : أنزلت هذه الآية في الذين آخى بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار حين قدموا المدينة وكانوا يتوارثون بتلك المؤاخاة دون الرحم ، فلما نزلت ( ولكل جعلنا موالي ) نسخت ، ثم قال : ( والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم ) النصر والرفادة والنصيحة ، وقد ذهب الميراث فيوصي له . وقال سعيد بن المسيب : كانوا يتوارثون بالتبني وهذه الآية فيه ثم نسخ . ( إن الله كان على كل شيء شهيدا ) .