تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
وما الذي يمنعكم -أيها المؤمنون- عن الجهاد في سبيل نصرة دين الله، ونصرة عباده المستضعفين من الرجال والنساء والصغار الذين اعتُدي عليهم، ولا حيلة لهم ولا وسيلة لديهم إلا الاستغاثة بربهم، يدعونه قائلين: ربنا أخرجنا من هذه القرية -يعني "مكة "- التي ظَلَم أهلها أنفسهم بالكفر والمؤمنين بالأذى، واجعل لنا من عندك وليّاً يتولى أمورنا، ونصيرًا ينصرنا على الظالمين؟
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
«وما لكم لا تقاتلون» إستفهام توبيخ، أي لا مانع لكم من القتال «في سبيل الله و» في تخليص «المستضعفين من الرجال والنساء والولدان» الذين حبسهم الكفار عن الهجرة وآذوهم، قال ابن عباس رضي الله عنهما: كنت أنا وأمي منهم «الذين يقولون» داعين يا «ربنا أخرجنا من هذه القرية» مكة «الظالم أهلُها» بالكفر «واجعل لنا من لدنك» من عندك «وليّاً» يتولى أمورنا «واجعل لنا من لدنك نصيرا» يمنعنا منهم وقد استجاب الله دعاءهم فيَسَّر لبعضهم الخروج وبقي بعضهم إلى أن فتحت مكة ووَلَّى صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد فأنصف مظلومهم من ظالمهم.
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
قوله تعالى : وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرافيه ثلاث مسائل :الأولى : قوله تعالى : وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله حض على الجهاد ، وهو يتضمن تخليص المستضعفين من أيدي الكفرة المشركين الذين يسومونهم سوء العذاب ، [ ص: 241 ] ويفتنونهم عن الدين ؛ فأوجب تعالى الجهاد لإعلاء كلمته وإظهار دينه واستنقاذ المؤمنين الضعفاء من عباده ، وإن كان في ذلك تلف النفوس . وتخليص الأسارى واجب على جماعة المسلمين إما بالقتال وإما بالأموال ؛ وذلك أوجب لكونها دون النفوس إذ هي أهون منها . قال مالك : واجب على الناس أن يفدوا الأسارى بجميع أموالهم . وهذا لا خلاف فيه ؛ لقوله عليه السلام ( فكوا العاني ) وقد مضى في " البقرة " . وكذلك قالوا : عليهم أن يواسوهم فإن المواساة دون المفاداة . فإن كان الأسير غنيا فهل يرجع عليه الفادي أم لا ؛ قولان للعلماء ، أصحهما الرجوع .الثانية : قوله تعالى : والمستضعفين عطف على اسم الله عز وجل ، أي وفي سبيل المستضعفين ، فإن خلاص المستضعفين من سبيل الله . وهذا اختيار الزجاج وقاله الزهري . وقال محمد بن يزيد : أختار أن يكون المعنى وفي المستضعفين فيكون عطفا على السبيل ؛ أي وفي المستضعفين لاستنقاذهم ؛ فالسبيلان مختلفان . ويعني بالمستضعفين من كان بمكة من المؤمنين تحت إذلال كفرة قريش وأذاهم وهم المعنيون بقوله عليه السلام : اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين . وقال ابن عباس : كنت أنا وأمي من المستضعفين . في البخاري عنه إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان فقال : كنت أنا وأمي ممن عذر الله ، أنا من الولدان وأمي من النساء .الثالثة : قوله تعالى : من هذه القرية الظالم أهلها القرية هنا مكة بإجماع من المتأولين . ووصفها بالظلم وإن كان الفعل للأهل لعلقة الضمير . وهذا كما تقول : مررت بالرجل الواسعة داره ، والكريم أبوه ، والحسنة جاريته . وإنما وصف الرجل بها للعلقة اللفظية بينهما وهو الضمير ، فلو قلت : مررت بالرجل الكريم عمرو لم تجز المسألة ؛ لأن الكرم لعمرو فلا يجوز أن يجعل صفة لرجل إلا بعلقة وهي الهاء . ولا تثنى هذه الصفة ولا تجمع ، لأنها تقوم مقام الفعل ، فالمعنى أي التي ظلم أهلها ولهذا لم يقل الظالمين . وتقول : مررت برجلين كريم أبواهما حسنة جاريتاهما ، وبرجال كريم آباؤهم حسنة جواريهم . واجعل لنا من لدنك أي من عندك . وليا أي من يستنقذنا واجعل لنا من لدنك نصيرا أي ينصرنا عليهم .
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
والخطاب في قوله : { ومالكم لا تقاتلون } التفات من طريق الغيبة ، وهو طريق الموصول في قوله : { الذين يَشرون الحياة الدنيا بالآخرة } إلى طريق المخاطبة .ومعنى { ما لكم لا تقاتلون } ما يمنعكم من القتال ، وأصل التركيب : أي شيء حقّ لكم في حال كونكم لا تقاتلون ، فجملة { لا تقاتلون } حال من الضمير المجرور للدلالة على ما منه الاستفهام .والاستفهام إنكاري ، أي لا شيء لكم في حال لا تقاتلون ، والمراد أنّ الذي هو لكم هو أن تقاتلوا ، فهو بمنزلة أمرٍ ، أي قاتلوا في سبيل الله لا يصدّكم شيء عن القتال ، وقد تقدّم قريب منه عند قوله تعالى : { قالوا وما لنا أن لا نقاتل في سبيل الله } في سورة [ البقرة : 246 ] .ومعنى { في سبيل الله } لْاجل دينه ولمرضاته ، فحرف ( في ) للتعليل ، ولأجل المستضعفين ، أي لنفعهم ودفع المشركين عنهم .و ( المستضعفون ) الذين يعدّهم الناس ضعفاء ، و ( فالسين والتاء للحسبان ، وأراد بهم من بقي من المؤمنين بمكة من الرجال الذين منعهم المشركون من الهجرة بمقتضى الصلح الذي انعقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين سفير قريش سهيل بن عمرو؛ إذّ كان من الشروط التي انعقد عليها الصلح : أنّ من جاء إلى مكة من المسلمين مرتداً عن الإسلام لا يردّ إلى المسلمين ، ومن جاء إلى المدينة فارّاً من مكة مؤمناً يردّ إلى مكة . ومن المستضعفين الوليد بن الوليد . وسلمة بن هشام . وعيّاش بن أبي ربيعة . وأمّا النساء فهنّ ذوات الأزواج أو ولايى الأولياء المشركين اللائي يمنعهنّ أزواجهنّ وأولياؤهنّ من الهجرة : مثل أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي مُعَيط ، وأمّ الفضل لبابَة بنت الحارث زوج العباس ، فقد كنّ يؤذَيْن ويحقَّرْن . وأمّا الوِلدَانُ فهم الصغار من أولاد المؤمنين والمؤمنات ، فإنّهم كانوا يألَمون من مشاهدة تعذيب آبائهم وذويهم وإيذاء أمّهاتهم وحاضناتهم ، وعن ابن عباس أنّه قال : كنتُ أنا وأميّ من المستضعفين .والقتال في سبيل هؤلاء ظاهر ، لإنقاذهم من فتنة المشركين ، وإنقاذ الولدان من أن يشبّوا على أحوال الكفر أو جهل الإيمان .والقرية هي مكّة . وسألوا الخروج منها لِما كدّر قدسها من ظلم أهلها ، أي ظلم الشرك وظلم المؤمنين ، فكراهية المقام بها من جهة أنّها صارت يومئذٍ دار شرك ومناواة لدين الإسلام وأهلِه ، ومن أجل ذلك أحلّها الله لرسوله أن يقاتل أهلها ، وقد قال عباس بن مرداس يفتخر باقتحام خيل قومه في زمرة المسلمين يوم فتح مكة : «شَهِدْنَ مع النبي مُسَوّمَاتٍحُنَيْناً وهي دَامية الحَواميوَوقْعَةَ خَالدٍ شَهِدَتْ وحَكَّتْسَنَابِكَها على البَلَدِ الحرام »وقد سألوا من الله وليّاً ونصيراً ، إذْ لم يكن لهم يومئذٍ وليّ ولا نصير فنصرهم الله بنبيئه والمؤمنين يوم الفتح .
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
ثم حرض - سبحانه - المؤمنين على القتال بأبلغ أسلوب فقال : ( وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله والمستضعفين مِنَ الرجال والنسآء والولدان ) .فالخطاب للمؤمنين المأمورين بالقتال على طريقة الالتفات ، مبالغة فى التحريض عليه ، وتأكيدا لوجوبه . و ( مَا ) اسم استفهام مبتدأ ، والجار والمجرور وهو ( لَكُمْ ) خبره .وجملة ( لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله ) فى محل نصب على الحال ، والعامل فى هذه الحال الاستقرار المقدر أو الظرف لضمنه معنى الفعل .والمراد بالاستفهام تحريضهم على الجهاد ، والإِنكار عليهم فى تركه مع توفر دواعيه ، والمعنى : أى شئ جعلكم غير مقاتلين؟ إن عدم قتالكم لأعدائكم يتنافى مع إيمانكم ، أما الذى يتناسب مع إيمانكم وطاعتكم لله فهو أن تقاتلوا من أجل إعلاء كلمة الله ، ومن أجل المستضعفين من الرجال والنساء والوالدان .فالآية الكريمة تحريض على الجهاد بأبلغ وجه ، ونفى للاعتذار عنه .والمراد بالمستضعفين : الضعفاء من الناس وهم المسلمون الذين بقوا فى مكة بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، لعدم قدرتهم على الهجرة أو لمنع المشركين إياهم من الخروج .وقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يدعو لهم فيقول : " اللهم أنج الوليد بن الوليد ، وسلمة بن هشام وعياش بن أبى ربيعة والمستضعفين من المؤمنين " .وقوله ( والمستضعفين ) معطوف على قوله ( فِي سَبِيلِ الله ) أى : قاتلوا فى سبيل الله وفى سبيل المستضعفين حتى تخلصوهم من ظلم المشركين لهم .وخصصهم بالذكر مع أن القتال فى سبيل الله يشملهم ، لمزيد العناية بشأنهم ، وللتحريض على القتال بحكم الشرف والمروءة بعد التحريض عليه بحكم الدين والتقرب إلى الله - تعالى - ، لأن مروءة الإِنسان الكريم تحمله على نصرة الضعيف ، ومنع الاعتداء عليه .وقوله ( مِنَ الرجال والنسآء والولدان ) ، بيان لهؤلاء المستضعفين .أى : قاتلوا - أيها المؤمنين - من أجل إعلاء كلمة الله ونشره دينه ، ومن أجل نصرة المستضعفين من الرجال الذين صدهم المشركون عن الهجرة ، ومن النساء اللائى لا يملكن حولا ولا قوة . ومن الولدان الصغار الذين لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم .وفى النص على هؤلاء المستضعفين وخصوصا النساء والولدان ، أقوى تحريض على الجهاد ، وأعظم وسيلة لإِثارة الحماس والنخوة من أجل القتال ، لأنهم إذا تركوا هؤلاء المستضعفين أذلاء فى أيدى المشركين ، فانهم سيعيرون بهم ، وهذا ما يأباه كل شريف كريم .ثم حكى - سبحانه - ما كان يقوله المستضعفين من الرجال والنساء والوالدان الذين يضرعون إلى الله قائلين : يا ربنا اخرجنا من هذه القرية التى ظلمنا أهلها بسبب شركهم وكفرهم ( واجعل لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً ) .أى وسخر لنا من عندك حافظا يحفظ علينا ديننا ( واجعل لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً ) . أى : وسخر لنا من عندك كذلك ناصرا يدفع أذى أعدائنا ، فأنت الذى لا يذل من استجار به ، ولا يضعف من كنت نصيره ووليه .والمراد بالقرية الظالم أهلها : مكة . وقد وصف أهلها بأنهم ظالمون ، ولم توصف هى بأنها ظالمة كما وصف غيرها من القرى كما فى قوله - تعالى - ( وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا ) وذلك من باب التكريم لمكة ، إذ هى حرم الله الآمن؛ ولا يوصف حرم الله الأمن بالظلم ولو على سبيل المجاز .وقوله ( الظالم أَهْلُهَا ) صفة للقرية ، وأهلها مرفوع به على الفاعلية ، وأل فى الظالم موصولة بمعنى التى أى التى ظلم أهلها . فقوله ( الظالم ) جار على القرية لفظا ، وهو لما بعدها معنى نحو : مررت برجل حسن غلامه .وفى هذا النداء الذى تضرع به أولئك المستضعفون إلى خالقهم أسمى ألوان الأدب والإِخلاص فهم يلتمسون منه - سبحانه - أن يخرجهم من بطش الظالمين وحكمهم ، وأن يجلعهم تابعين للقوم الذين يحبهم ، وهم المؤمنون ، وأن يهئ لهم النصر على أعدائهم وأعدائه .ولقد استجاب الله - تعالى - لهم دعاءهم ، حيث يسر لبعضهم الخروج إلى المدينة ، ورزق المؤمنين فتحا قريبا ، وإلى ذلك أشار صاحب الكشاف بقوله : " والمستضعفون هم الذين أسلموا بمكة وصدهم المشركون عن الهجرة فبقوا بين أظهرهم مستذلين . . . . وكانوا يعدون الله بالخلاص ويستنصرونه ، فيسر الله لبعضهم الخروج إلى المدينة ، وبقى بعضهم إلى الفتح حتى جعل الله لهم من لدنه خير ولى وناصر وهو محمد صلى الله عليه وسلم فتولاهم أحسن التولى ، ونصرهم أقوى النصر .فإن قلت : لم يذكر الولدان : قلت : تسجيلا بإفراط ظلمهم ، حيث بلغ أذاهم الوالدان غير الكلفين ، إرغاما لآبائهم وأمهاتهم ، ومبغضة لهم ، ولأن المستضعفين كانوا يشركون صبيانهم فى دعائهم استزالا لرحمة الله بدعاء صغارهم الذين لم يذنبوا ، كما وردت السنة بإخراجهم فى الاستسقاء .
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
قوله تعالى : ( وما لكم لا تقاتلون ) لا تجاهدون ( في سبيل الله ) في طاعة الله ، يعاتبهم على ترك الجهاد ، ( والمستضعفين ) أي : عن المستضعفين ، وقال ابن شهاب : في سبيل المستضعفين لتخليصهم ، وقيل : في تخليص المستضعفين من أيدي المشركين ، وكان بمكة جماعة ، ( من الرجال والنساء والولدان ) يلقون من المشركين أذى كثيرا ، ( الذين ) يدعون و ( يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها ) يعني : مكة ، الظالم أي : المشرك ، أهلها يعني القرية التي من صفتها أن أهلها مشركون ، وإنما خفض ( الظالم ) لأنه نعت للأهل ، فلما عاد الأهل إلى القرية صار كأن الفعل لها ، كما يقال مررت برجل حسنه عينه ، ( واجعل لنا من لدنك وليا ) أي : من يلي أمرنا ، ( واجعل لنا من لدنك نصيرا ) أي : من يمنع العدو عنا ، فاستجاب الله دعوتهم ، فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ولى عليهم عتاب بن أسيد وجعله الله لهم نصيرا ينصف المظلومين من الظالمين .