تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، لا تدخلوا بيوتًا غير بيوتكم حتى تستأذنوا أهلها في الدخول وتسلموا عليهم وصيغة ذلك من السنة: السلام عليكم أأدخل؟ ذلكم الاستئذان خير لكم؛ لعلكم تتذكرون- بفعلكم له- أوامر الله، فتطيعوه.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
«يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنوا» أي تستأذنوا «وتسلموا على أهلها» فيقول الواحد السلام عليكم أأدخل؟ كما ورد في حديث «ذلكم خير لكم» من الدخول بغير استئذان «لعلكم تذكرون» بإدغام التاء الثانية في الذال خيريته فتعملون به.
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
قوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرونفيه سبع عشرة مسألة :الأولى : قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا لما خصص الله سبحانه ابن آدم الذي كرمه وفضله بالمنازل وسترهم فيها عن الأبصار ، وملكهم الاستمتاع بها على الانفراد ، وحجر على الخلق أن يطلعوا على ما فيها من خارج أو يلجوها من غير إذن أربابها ، أدبهم بما يرجع إلى الستر عليهم لئلا يطلع أحد منهم على عورة . وفي صحيح مسلم ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من اطلع في بيت قوم من غير إذنهم حل لهم أن يفقئوا عينه . وقد اختلف في تأويله ، فقال بعض العلماء : ليس هذا على ظاهره ، فإن فقأ فعليه الضمان ، والخبر منسوخ ، وكان قبل نزول قوله تعالى : وإن عاقبتم فعاقبوا ويحتمل أن يكون خرج على وجه الوعيد لا على وجه الحتم ، والخبر إذا كان مخالفا لكتاب الله تعالى لا يجوز العمل به . وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتكلم بالكلام في الظاهر وهو يريد شيئا آخر ؛ كما جاء في الخبر أن عباس بن مرداس لما مدحه قال لبلال : قم فاقطع لسانه وإنما أراد بذلك أن يدفع إليه شيئا ، ولم يرد به القطع في الحقيقة . وكذلك هذا يحتمل أن يكون ذكر فقء العين والمراد أن يعمل به عمل حتى لا ينظر بعد ذلك في بيت غيره . وقال بعضهم : لا ضمان عليه ولا قصاص ؛ وهو الصحيح إن شاء الله تعالى ، لحديث أنس ، على ما يأتي .الثانية : سبب نزول هذه الآية ما رواه الطبري ، وغيره ، عن عدي بن ثابت أن امرأة من الأنصار قالت : يا رسول الله ، إني أكون في بيتي على حال لا أحب أن يراني عليها أحد ، لا والد ولا ولد فيأتي الأب فيدخل علي وإنه لا يزال يدخل علي رجل من أهلي وأنا على تلك الحال ، فكيف أصنع ؟ فنزلت الآية . فقال أبو بكر - رضي الله عنه - : يا رسول الله ، أفرأيت الخانات ، والمساكن في طرق الشام ليس فيها ساكن ؛ فأنزل الله تعالى : ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة .[ ص: 197 ] الثالثة : مد الله سبحانه وتعالى التحريم في دخول بيت ليس هو بيتك إلى غاية هي الاستئناس ، وهو الاستئذان . قال ابن وهب قال مالك : الاستئناس - فيما نرى والله أعلم - الاستئذان ؛ وكذا في قراءة أبي ، وابن عباس ، وسعيد بن جبير حتى تستأذنوا وتسلموا على أهلها . وقيل : إن معنى تستأنسوا تستعلموا ؛ أي تستعلموا من في البيت . قال مجاهد : بالتنحنح ، أو بأي وجه أمكن ، ويتأنى قدر ما يعلم أنه قد شعر به ، ويدخل إثر ذلك . وقال معناه الطبري ؛ ومنه قوله تعالى : فإن آنستم منهم رشدا أي علمتم . وقال الشاعر :آنست نبأة وأفزعها القنا ص عصرا وقد دنا الإمساءقلت : وفي سنن ابن ماجه : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا عبد الرحيم بن سليمان ، عن واصل بن السائب ، عن أبي سورة ، عن أبي أيوب الأنصاري قال قلنا : يا رسول الله ، هذا السلام ، فما الاستئذان ؟ قال : يتكلم الرجل بتسبيحة ، وتكبيرة ، وتحميدة ، ويتنحنح ، ويؤذن أهل البيت .قلت : وهذا نص في أن الاستئناس غير الاستئذان ؛ كما قال مجاهد ومن وافقه .الرابعة : وروي عن ابن عباس ، وبعض الناس يقول عن سعيد بن جبير حتى تستأنسوا خطأ أو وهم من الكاتب ، إنما هو : حتى تستأذنوا . وهذا غير صحيح عن ابن عباس وغيره ؛ فإن مصاحف الإسلام كلها قد ثبت فيها حتى تستأنسوا ، وصح الإجماع فيها من لدن مدة عثمان ، فهي التي لا يجوز خلافها . وإطلاق الخطأ والوهم على الكاتب في لفظ أجمع الصحابة عليه قول لا يصح عن ابن عباس ؛ وقد قال : عز وجل - : لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، وقال تعالى : إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون . وقد روي عن ابن عباس أن في الكلام تقديما وتأخيرا ؛ والمعنى : حتى تسلموا على أهلها وتستأنسوا حكاه أبو حاتم . قال ابن عطية . ومما ينفي هذا القول عن ابن عباس ، وغيره أن تستأنسوا متمكنة في المعنى ، بينة الوجه في كلام العرب . وقد قال عمر [ ص: 198 ] للنبي - صلى الله عليه وسلم - : أستأنس يا رسول الله ؛ وعمر واقف على باب الغرفة ، الحديث المشهور . وذلك يقتضي أنه طلب الأنس به - صلى الله عليه وسلم - فكيف يخطئ ابن عباس أصحاب الرسول في مثل هذا ؟ ! قلت : قد ذكرنا من حديث أبي أيوب أن الاستئناس إنما يكون قبل السلام ، وتكون الآية على بابها لا تقديم فيها ولا تأخير ، وأنه إذا دخل سلم . والله أعلم .الخامسة : السنة في الاستئذان ثلاث مرات لا يزاد عليها . قال ابن وهب قال مالك : الاستئذان ثلاث ، لا أحب أن يزيد أحد عليها ، إلا من علم أنه لم يسمع ، فلا أرى بأسا أن يزيد إذا استيقن أنه لم يسمع . وصورة الاستئذان أن يقول الرجل : السلام عليكم أأدخل ؛ فإن أذن له دخل ، وإن أمر بالرجوع انصرف ، وإن سكت عنه استأذن ثلاثا ؛ ثم ينصرف من بعد الثلاث . وإنما قلنا : إن السنة الاستئذان ثلاث مرات لا يزاد عليها لحديث أبي موسى الأشعري ، الذي استعمله مع عمر بن الخطاب ، وشهد به لأبي موسى أبو سعيد الخدري ، ثم أبي بن كعب . وهو حديث مشهور أخرجه الصحيح ، وهو نص صريح ؛ فإن فيه : فقال : يعني عمر - ما منعك أن تأتينا ؟ فقلت : أتيت فسلمت على بابك ثلاث مرات فلم ترد علي فرجعت ، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع . وأما ما ذكرناه من صورة الاستئذان فما رواه أبو داود ، عن ربعي قال : حدثنا رجل من بني عامر استأذن على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في بيت ، فقال : ألج ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لخادمه : اخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان - فقال له - قل السلام عليكم أأدخل ؟ فسمعه الرجل ، فقال : السلام عليكم ، أأدخل ؟ فأذن له النبي - صلى الله عليه وسلم - فدخل . وذكره الطبري وقال : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأمة له يقال لها روضة : قولي لهذا يقول السلام عليكم أدخل ؟ . . . الحديث . وروي أن ابن عمر آذته الرمضاء يوما فأتى فسطاطا لامرأة من قريش فقال : السلام عليكم أأدخل ؟ فقالت المرأة : ادخل بسلام ؛ فأعاد فأعادت ، فقال لها : قولي ادخل . فقالت ذلك فدخل ؛ فتوقف لما قالت : بسلام ؛ لاحتمال اللفظ أن تريد بسلامك لا بشخصك .السادسة : قال علماؤنا رحمة الله عليهم : إنما خص الاستئذان بثلاث لأن الغالب من الكلام إذا كرر ثلاثا سمع وفهم ؛ ولذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا حتى يفهم [ ص: 199 ] عنه ، وإذا سلم على قوم سلم عليهم ثلاثا . وإذا كان الغالب هذا ؛ فإذا لم يؤذن له بعد ثلاث ظهر أن رب المنزل لا يريد الإذن ، أو لعله يمنعه من الجواب عنه عذر لا يمكنه قطعه ؛ فينبغي للمستأذن أن ينصرف ؛ لأن الزيادة على ذلك قد تقلق رب المنزل ، وربما يضره الإلحاح حتى ينقطع عما كان مشغولا به ؛ كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي أيوب حين استأذن عليه فخرج مستعجلا فقال : لعلنا أعجلناك . . . الحديث . وروى عقيل ، عن ابن شهاب قال : أما سنة التسليمات الثلاث فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى سعد بن عبادة فقال : السلام عليكم فلم يردوا ، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : السلام عليكم فلم يردوا ، فانصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ فلما فقد سعد تسليمه عرف أنه قد انصرف ؛ فخرج سعد في أثره حتى أدركه ، فقال : وعليك السلام يا رسول الله ، إنما أردنا أن نستكثر من تسليمك ، وقد والله سمعنا ؛ فانصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع سعد حتى دخل بيته . قال ابن شهاب : فإنما أخذ التسليم ثلاثا من قبل ذلك ؛ رواه الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي قال : سمعت يحيى بن أبي كثير يقول : حدثني محمد بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة ، عن قيس بن سعد ، قال : زارنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في منزلنا فقال : السلام عليكم ورحمة الله قال فرد سعد ردا خفيا ، قال قيس : فقلت ألا تأذن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال : ذره يكثر علينا من السلام . . . الحديث ، أخرجه أبو داود وليس فيه قال ابن شهاب فإنما أخذ التسليم ثلاثا من قبل ذلك . قال أبو داود : ورواه عمر بن عبد الواحد ، وابن سماعة ، عن الأوزاعي مرسلا لم يذكرا قيس بن سعد .السابعة : روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن الاستئذان ترك العمل به الناس . قال علماؤنا رحمة الله عليهم : وذلك لاتخاذ الناس الأبواب وقرعها ؛ والله أعلم . روى أبو داود ، عن عبد الله بن بسر قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر فيقول : السلام عليكم السلام عليكم ، وذلك أن الدور لم يكن عليها يومئذ ستور .الثامنة : فإن كان الباب مردودا فله أن يقف حيث شاء منه ويستأذن ، وإن شاء دق الباب ؛ [ ص: 200 ] لما رواه أبو موسى الأشعري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان في حائط بالمدينة على قف البئر فمد رجليه في البئر فدق الباب أبو بكر فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إيذن له وبشره بالجنة . هكذا رواه عبد الرحمن بن أبي الزناد ، وتابعه صالح بن كيسان ، ويونس بن يزيد ؛ فرووه جميعا عن أبي الزناد ، عن أبي سلمة ، عن عبد الرحمن بن نافع ، عن أبي موسى . وخالفهم محمد بن عمرو الليثي ، فرواه عن أبي الزناد ، عن أبي سلمة ، عن نافع بن عبد الحارث ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كذلك ؛ وإسناده الأول أصح ، والله أعلم .التاسعة : وصفة الدق أن يكون خفيفا بحيث يسمع ، ولا يعنف في ذلك ؛ فقد روى أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : كانت أبواب النبي - صلى الله عليه وسلم - تقرع بالأظافير ؛ ذكره أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب في جامعه .العاشرة : روى الصحيحان وغيرهما ، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال : استأذنت على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : من هذا ؟ فقلت : أنا ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : أنا أنا ! كأنه كره ذلك . قال علماؤنا : إنما كره النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك لأن قوله أنا لا يحصل بها تعريف ، وإنما الحكم في ذلك أن يذكر اسمه كما فعل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وأبو موسى ؛ لأن في ذكر الاسم إسقاط كلفة السؤال والجواب . ثبت عن عمر بن الخطاب أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في مشربة له فقال : السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليكم أيدخل عمر ؟ وفي صحيح مسلم أن أبا موسى جاء إلى عمر بن الخطاب فقال : السلام عليكم ، هذا أبو موسى ، السلام عليكم ، هذا الأشعري . . . الحديث .الحادية عشرة : ذكر الخطيب في جامعه عن علي بن عاصم الواسطي قال : قدمت البصرة فأتيت منزل شعبة فدققت عليه الباب فقال : من هذا ؟ قلت : أنا ؛ فقال : يا هذا ! ما لي صديق يقال له أنا ، ثم خرج إلي فقال : حدثني محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله قال : [ ص: 201 ] أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في حاجة لي فطرقت عليه الباب فقال : من هذا ؟ فقلت : أنا ؛ فقال : أنا أناكأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كره قولي هذا ، أو قوله هذا . وذكر عن عمر بن شبة ، حدثنا محمد بن سلام ، عن أبيه ، قال : دققت على عمرو بن عبيد الباب فقال لي : من هذا ؟ فقلت أنا ؛ فقال : لا يعلم الغيب إلا الله . قال الخطيب : سمعت علي بن المحسن القاضي يحكي عن بعض الشيوخ أنه كان إذا دق بابه فقال من ذا ؟ فقال الذي على الباب : أنا ، يقول الشيخ : أنا هم دق .الثانية عشرة : ثم لكل قوم في الاستئذان عرفهم في العبارة ؛ كما رواه أبو بكر الخطيب مسندا عن أبي عبد الملك مولى أم مسكين بنت عاصم بن عمر بن الخطاب قال : أرسلتني مولاتي إلى أبي هريرة فجاء معي ، فلما قام بالباب قال : أندر ؟ قالت : أندرون . وترجم عليه ( باب الاستئذان بالفارسية ) . وذكر عن أحمد بن صالح قال : كان الدراوردي من أهل أصبهان نزل المدينة ، فكان يقول للرجل إذا أراد أن يدخل : أندرون ، فلقبه أهل المدينة الدراوردي .الثالثة عشرة : روى أبو داود ، عن كلدة بن حنبل ، أن صفوان بن أمية بعثه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلبن ، وجداية ، وضغابيس ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - بأعلى مكة ، فدخلت ولم أسلم ، فقال : ارجع ، فقل السلام عليكم ، وذلك بعدما أسلم صفوان بن أمية . وروى أبو الزبير ، عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من لم يبدأ بالسلام فلا تأذنوا له . وذكر ابن جريج ، أخبرني عطاء ، قال : سمعت أبا هريرة يقول : إذا قال الرجل أدخل ؟ ولم يسلم فقل : لا ، حتى تأتي بالمفتاح ؛ فقلت السلام عليكم ؟ قال : نعم . وروي أن حذيفة جاءه رجل فنظر إلى ما في البيت فقال : السلام عليكم أأدخل ؟ فقال حذيفة : أما بعينك فقد دخلت ! وأما بإستك فلم تدخل .[ ص: 202 ] الرابعة عشرة : ومما يدخل في هذا الباب ما رواه أبو داود ، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : رسول الرجل إلى الرجل إذنه ؛ أي إذا أرسل إليه فقد أذن له في الدخول ، يبينه قوله - عليه السلام - : إذا دعي أحدكم إلى طعام فجاء مع الرسول فإن ذلك له إذن . أخرجه أبو داود أيضا ، عن أبي هريرة .الخامسة عشرة : فإن وقعت العين على العين فالسلام قد تعين ، ولا تعد رؤيته إذنا لك في دخولك عليه ، فإذا قضيت حق السلام لأنك الوارد عليه تقول : أدخل ؟ فإن أذن لك وإلا رجعت .السادسة عشرة : هذه الأحكام كلها إنما هي في بيت ليس لك ، فأما بيتك الذي تسكنه فإن كان فيه أهلك فلا إذن عليها ، إلا أنك تسلم إذا دخلت . قال قتادة : إذا دخلت بيتك فسلم على أهلك ، فهم أحق من سلمت عليهم . فإن كان فيه معك أمك ، أو أختك فقالوا : تنحنح ، واضرب برجلك حتى ينتبها لدخولك ؛ لأن الأهل لا حشمة بينك وبينها . وأما الأم والأخت فقد يكونا على حالة لا تحب أن تراهما فيها . قال ابن القاسم قال مالك : ويستأذن الرجل على أمه وأخته إذا أراد أن يدخل عليهما . وقد روى عطاء بن يسار أن رجلا قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : أستأذن على أمي ؟ قال : نعم ، قال : إني أخدمها ؟ قال : استأذن عليها فعاوده ثلاثا ؛ قال : أتحب أن تراها عريانة ؟ قال : لا ؛ قال : فاستأذن عليها ذكره الطبري .السابعة عشرة : فإن دخل بيت نفسه وليس فيه أحد ؛ فقال علماؤنا : يقول السلام علينا ، من ربنا التحيات الطيبات المباركات ، لله السلام . رواه ابن وهب ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وسنده ضعيف . وقال قتادة : إذا دخلت بيتا ليس فيه أحد فقل السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ؛ فإنه يؤمر بذلك . قال : وذكر لنا أن الملائكة ترد عليهم . قال ابن العربي : والصحيح ترك السلام والاستئذان ، والله أعلم .قلت : قول قتادة حسن .
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) ذكرنا أن من أكبر الأغراض في هذه السورة تشريع نظام المعاشرة والمخالطة العائلية في التجاور . فهذه الآيات استئناف لبيان أحكام التزاور وتعليم آداب الاستئذان ، وتحديد ما يحصل المقصود منه كيلا يكون الناس مختلفين في كيفيته على تفاوت اختلاف مداركهم في المقصود منه والمفيد .وقد كان الاستئذان معروفاً في الجاهلية وصدر الإسلام ، وكان يختلف شكله باختلاف حال المستأذن عليه من ملوك وسوقة فكان غير متماثل . وقد يتركه أو يقصر فيه من لا يهمه إلا قضاء وطره وتعجيل حاجته ، ولا يبعد بأن يكون ولوجه محرجاً للمزور أو مثقلاً عليه فجاءت هذه الآيات لتحديد كيفيته وإدخاله في آداب الدين حتى لا يفرط الناس فيه أو في بعضه باختلاف مراتبهم في الاحتشام والأنفة واختلاف أوهامهم في عدم المؤاخذة أو في شدتها .وشرع الاستئذان لمن يزور أحداً في بيته لأن الناس اتخذوا البيوت للاستتار مما يؤذي الأبدان من حرّ وقرّ ومطر وقتام ، ومما يؤذي العرض والنفس من انكشاف ما لا يحب الساكن اطلاع الناس عليه ، فإذا كان في بيته وجاءه أحد فهو لا يدخله حتى يصلح ما في بيته وليستر ما يحب أن يستره ثم يأذن له أو يخرج له فيكلمه من خارج الباب .ومعنى { تستأنسوا } تطلبوا الأنس بكم ، أي تطلبوا أن يأنس بكم صاحب البيت ، وأنسه به بانتفاء الوحشة والكراهية . وهذا كناية لطيفة عن الاستئذان ، أي أن يستأذن الداخل ، أي يطلب إذناً من شأنه أن لا يكون معه استيحاش رب المنزل بالداخل . قال ابن وهب قال مالك : الاستئناس فيما نرى والله أعلم الاستئذان . يريد أنه المراد كناية أو مرادفة فهو من الأنس ، وهذا الذي قاله مالك هو القول الفصل . ووقع لابن القاسم في «جامع العتيبة» أن الاستئناس التسليم . قال ابن العربي : وهو بعيد . وقلت : أراد ابن القاسم السلام بقصد الاستئذان فيكون عطف { وتسلموا } عطف تفسير . وليس المراد بالاستئناس أنه مشتق من آنس بمعنى علم لأن ذلك إطلاق آخر لا يستقيم هنا فلا فائدة في ذكره وذلك بحسب الظاهر فإنه إذا أذن له دل إذنه على أنه لا يكره دخوله وإذا كره دخوله لا يأذن له والله متولي علم ما في قلبه فلذلك عُبر عن الاستئذان بالاستئناس مع ما في ذلك من الإيماء إلى علة مشروعية الاستئذان .وفي ذلك من الآداب أن المرء لا ينبغي أن يكون كلاًّ على غيره ، ولا ينبغي له أن يعرض نفسه إلى الكراهية والاستثقال ، وأنه ينبغي أن يكون الزائر والمزور متوافقين متآنسين وذلك عون على توفر الأخوة الإسلامية .وعطف الأمر بالسلام على الاستئناس وجعل كلاهما غاية للنهي عن دخول البيوت تنبيهاً على وجوب الإتيان بهما لأن النهي لا يرتفع إلا عند حصولهما .وعن ابن سيرين : " أن رجلاً استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أأدخل؟ فأمر النبي رجلاً عنده أو أَمَةً اسمها روضة فقال : إنه لا يحسن أن يستأذن فليقُل : السلام عليكم أأدخل . فسمعه الرجل فقال : السلام عليكم أأدخل . فقال : ادْخلْ " ، وروى مطرف عن مالك عن زيد بن أسلم : «أنه استأذن على عبد الله بن عمر فقال : أألج . فأذن له ابن عمر ، فلما دخل قال له ابن عمر : ما لك واستئذان العرب؟ ( يريد أهل الجاهلية) إذا استأذنت فقل : السلام عليكم . فإذا رد عليك السلام فقل : أأدخل ، فإن أذن لك فادخل» .وظاهر الآية أن الاستئذان واجب وأن السلام واجب غير أن سياق الآية لتشريع الاستئذان . وأما السلام فتقررت مشروعيته من قبل في أول الإسلام ولم يكن خاصاً بحالة دخول البيوت فلم يكن للسلام اختصاص هنا وإنما ذكر مع الاستئذان للمحافظة عليه مع الاستئذان لئلا يلهي الاستئذان الطارقَ فينسى السلام أو يحسب الاستئذان كافياً عن السلام . قال المازري في كتاب «المعلم على صحيح مسلم» : الاستئذان مشروع . وقال ابن العربي في «أحكام القرآن» قال جماعة : الاستئذان فرض والسلام مستحب . وروي عن عطاء : الاستئذان واجب على كل محتلم . ولم يفصح عن حكم الاستئذان سوى فقهاء المالكية . قال الشيخ أبو محمد في «الرسالة» : الاستئذان واجب فلا تدخُلْ بيتاً فيه أحد حتى تستأذن ثلاثاً فإن أذن لك وإلا رجعت . وقال ابن رشد في «المقدمات» : الاستئذان واجب . وحكى أبو الحسن المالكي في «شرح الرسالة» الإجماع على وجوب الاستئذان . وقال النووي في «شرح صحيح مسلم» : الاستئذان مشروع . وهي كلمة المازري في «شرح مسلم» .وأقول : ليس قرن الاستئذان بالسلام في الآية بمقتض مساواتَهما في الحكم إذا كانت هنالك أدلة أخرى تفرق بين حكميهما وتلك أدلة من السنة ، ومن المعنى فإن فائدة الاستئذان دفع ما يكره عن المطروق المزور وقطع أسباب الإنكار أو الشتم أو الإغلاظ في القول مع سد ذرائع الريب وكلها أو مجموعها يقتضي وجوب الاستئذان .وأما فائدة السلام مع الاستئذان فهي تقوية الألفة المتقررة فلا تقتضي أكثر من تأكد الاستحباب . فالقرآن أمر بالحالة الكاملة وأحال تفصيل أجزائها على تبيين السنة كما قال تعالى : { لتبين للناس ما نزل إليهم } [ النحل : 44 ] .وقد أجملت حكمة الاستئذان في قوله تعالى : { ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون } أي ذلكم الاستئذان خير لكم ، أي فيه خير لكم ونفع فإذا تدبرتم علمتم ما فيه من خير لكم كما هو المرجو منكم .وقد جمعت الآية الاستئذان والسلام بواو العطف المفيد التشريك فقط فدلت على أنه إن قدم الاستئذان على السلام أو قدم السلام على الاستئذان فقد جاء بالمطلوب منه ، وورد في أحاديث كثيرة الأمر بتقديم السلام على الاستئذان فيكون ذلك أولى ولا يعارض الآية .وليس للاستئذان صيغة معينة . وما ورد في بعض الآثار فإنما محمله على أنه المتعارف بينهم أو على أنه كلام أجمع من غيره في المراد . وقد بينت السنة أن المستأذن إن لم يؤذن له بالدخول يكرره ثلاث مرات فإذا لم يؤذن له انصرف .وورد في هذا حديث أبي موسى الأشعري مع عمر بن الخطاب في «صحيح البخاري» وهو ما روي : «عن أبي سعيد الخدري قال : كنت في مجلس من مجالس الأنصار إذ جاء أبو موسى الأشعري كأنه مذعور قال : استأذنت على عمر ثلاثاً فلم يأذن لي فرجعت ( وفسره في رواية أخرى بأن عمر كان مشتغلاً ببعض أمره ثم تذكر فقال : ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس؟ قالوا : استأذن ثلاثاً ثم رجع) فأرسل وراءه فجاء أبو موسى فقال عمر : ما منعك؟ قال قلت : استأذنت ثلاثاً فلم يؤذن لي فرجعت . " وقال رسول الله : إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع " فقال عمر : والله لتقيمن عليه بينة . قال أبو موسى : أمنكم أحد سمعه من النبي؟ فقال أبيّ بن كعب : والله لا يقوم معك إلا أصغرنا فكنت أصغرهم فقمت معه فأخبرت عمر أن النبي قال ذلك . فقال عمر : خفِي عليّ هذا من أمر رسول الله ألهاني الصفق بالأسواق .وقد علم أن الاستئذان يقتضي إذناً ومنعاً وسكوتاً فإن أذن له فذاك وإن منع بصريح القول فذلك قوله تعالى : { وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم } . والضمير عائد إلى الرجوع المفهوم من { ارجعوا } كقوله : { اعدلوا هو أقرب للتقوى } [ المائدة : 8 ] .ومعنى { ازكى لكم } أنه أفضل وخير لكم من أن يأذنوا على كراهية . وفي هذا أدب عظيم وهو تعليم الصراحة بالحق دون المواربة ما لم يكن فيه أذى . وتعليم قبول الحق لأنه أطمن لنفس قابله من تلقي ما لا يدري أهو حق أم مواربة ، ولو اعتاد الناس التصارح بالحق بينهم لزالت عنهم ظنون السوء بأنفسهم .وأما السكوت فهو ما بيّن حكمه حديث أبي موسى . وفعل { تسلموا } معناه تقولوا : السلام عليكم ، فهو من الأفعال المشتقة من حكاية الأقوال الواقعة في الجمل مثل : رحّب وأهّل ، إذا قال : مرحباً وأهلاً ، وحيّا ، إذا قال : حيَّاك الله ، وجزّأ إذ قال له : جزاك الله خيراً . وسهَّل ، إذا قال : سهلاً ، أي حللت سهلاً . قال البعيث بن حريث :فقلت لها أهلاً وسهلاً ومرحباً ... فردت بتأهيل وسهل ومرحبِوفي الحديث : " تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين " . وهي قريبة من النحت مثل : بسمل ، إذا قال : باسم الله ، وحسبل ، إذا قال : حسبنا الله .و { على أهلها } يتعلق ب { تسلموا } لأنه أصله من بقية الجملة التي صيغ منها الفعل التي أصلها : السلام عليكم ، كما يعدى رحَّب به ، إذا قال : مرحباً بك ، وكذلك أهّل به وسهّل به .ومنه قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلموا تسليماً } [ الأحزاب : 56 ] .وصيغة التسليم هي : السلام عليكم . وقد علمها النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ، ونهى أبا جُزَي الهجيمي عن أن يقول : عليك السلام . وقال له : إن عليك السلام تحية الميت ثلاثاً ، أي الابتداء بذلك . وأما الرد فيقول : وعليك السلام بواو العطف وبذلك فارقت تحية الميت ورحمة الله . أخرج ذلك الترمذي في كتاب الاستئذان . وتقدم السلام في قوله تعالى : { وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم } في سورة [ الأنعام : 54 ] .
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
وبعد أن بين - سبحانه - قبح جريمة الزنا . وشناعة جريمة القذف ، وعقوبة كل من يقع فى هاتين الجريمتين ، أتبع ذلك ببيان الآداب التى تحمل المتمسك بها على التحلى بالفضيلة والنقاء والطهر . . . وبدأ - سبحانه - بآداب الاستئذان فقال - تعالى - : ( ياأيها الذين . . . . ) .ذكر المفسرون فى سبب نزول هذه الآيات ، أن امرأة من الأنصار جاءت إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إنى أكون فى بيتى على حال لا أحب أن يرانى عليها أحد ، لا والد ولا ولد ، فيأتى الأب فيدخل على وإنه لا يزال يدخل على رجل من أهلى وأنا على تلك الحال ، فكيف أصنع؟ فنزل قوله - تعالى - : ( ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حتى تَسْتَأْنِسُواْ ) .فقال أبو بكر - رضى الله عنه - يا رسول الله ، أفرأيت الخانات والمساكن فى طرق الشام ، ليس فيها ساكن ، فأنزل الله - تعالى - : ( لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ ) .والمراد بالبيوت فى قوله - تعالى - : ( لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً . . . ) البيوت المسكونة من أصحابها ، بدليل قوله - سبحانه - بعد ذلك ، ( لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ ) .وقوله - تعالى - : ( تَسْتَأْنِسُواْ ) ، من الاستئناس بمعنى الاستعلام والاستكشاف ، فهو من آنس الشىء إذا أبصره ظاهرا مكشوفا ، ومنه قوله - تعالى - ( فَلَمَّا قضى مُوسَى الأجل وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطور نَاراً قَالَ لأَهْلِهِ امكثوا إني آنَسْتُ نَاراً . . ) أى : قال لأهله إنى رأيت ناراً .ويصح أن يكون من الاستئناس الذى هو ضد الاستيحاش ، لأن الذى يقرع الباب غيره لا يدرى أيؤذن له أم لا ، فهو كالمستوحش من خفاء الحال عليه ، فإذا أذن له أهل البيت فى الدخول ، زالت وحشته ، ودخل وهو مرتاح النفس .وعلى هذا المعنى يكون الكلام من باب المجاز ، حيث أطلق اللازم وهو الاستئناس ، وأريد الملزوم وهو الإذن فى الدخول .والمعنى : يامن آمنتم بالله - تعالى - حق الإيمان ، لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم التى تسكنونها ، والتى هى مسكونة لسواكم " حتى تستأنسوا " ، أى : حتى تعلموا أن صاحب البيت قد أذن لكم ، ورضيت نفسه بدخولكم " وتسلموا على أهلها " أى : وتسلموا السلام الشرعى على أهل هذه البيوت الساكنين فيها .وعبر - سبحانه - عن الاستئذان فى الدخول بالاستئناس ، لأنه يوحى بأن القادم قد استأنس بمن يريد الدخول عليهم وهم قد أنسوا به ، واستعدوا لاستقباله ، فهو يدخل عليهم بعد ذلك وهم متهيئون لحسن لقائه . فإذا ما صاحب كل ذلك التسليم عليهم . كان حسن اللقاء أتم وأكمل .وعبر - سبحانه - عن الاستئذان فى الدخول بالاستئناس ، لأنه يوحى بأن القادم قد استأنس بمن يريد الدخول عليهم وهم قد أنسوا به ، واستعدوا لاستقباله ، فهو يدخل عليهم بعد ذلك وهم متهيئون لحسن لقائه . فإذا ما صاحب كل ذلك التسليم عليهم . كان حسن اللقاء أتم وأكمل .وقوله ( ذلكم ) : أى الاستئناس والتسليم قبل الدخول ( خَيْرٌ لَّكُمْ ) من الدخول بدون استئناس أو استئذان أو تسليم .وقوله : ( لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) متعلق بمحذوف ، ولعل هنا للتعليل ، أى : أرشدناكم إلى هذا الأدب السامى ، وبيناه لكم ، كى تعملوا به ، وتكونوا دائما متذكرين له ، وتتركوا اقتحام بيوت غيركم بدون استئذان منهم .
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
قوله : ( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون ) قيل : معنى قوله : ( حتى تستأنسوا ) أي : حتى تستأذنوا [ وكان ابن عباس يقرأ حتى تستأذنوا ] ويقول : تستأنسوا خطأ من الكاتب . وكذلك كان يقرأ أبي ابن كعب ، والقراءة المعروفة تستأنسوا وهو بمعنى الاستئذان . وقيل : الاستئناس طلب الأنس ، وهو أن ينظر هل في البيت إنسان فيؤذنهم إني داخل . وقال الخليل : الاستئناس الاستبصار من قوله : آنست نارا ، أي : أبصرت . وقيل : هو أن يتكلم بتسبيحة أو تكبيرة أو يتنحنح ، يؤذن أهل البيت .وجملة حكم الآية : أنه لا يدخل بيت الغير إلا بعد السلام والاستئذان . واختلفوا في أنه يقدم الاستئذان أم السلام ؟ فقال قوم : يقدم الاستئذان فيقول : أأدخل سلام عليكم ، لقوله تعالى : ( حتى تستأنسوا ) أي : تستأذنوا ، ( وتسلموا على أهلها ) والأكثرون على أنه يقدم السلام فيقول : سلام عليكم أأدخل . وفي الآية تقديم وتأخير تقديرها : حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا . وكذلك هو في مصحف عبد الله بن مسعود . وروي عن كلدة بن حنبل قال : دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم أسلم ولم أستأذن ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ارجع فقل : السلام عليكم أأدخل .وروي عن ابن عمر أن رجلا استأذن عليه فقال : أأدخل ؟ فقال ابن عمر : لا فأمر بعضهم الرجل أن يسلم فسلم فأذن له .وقال بعضهم : إن وقع بصره على إنسان قدم السلام ، وإلا قدم الاستئذان ، ثم سلم ، وقال أبو موسى الأشعري وحذيفة : يستأذن على ذوات المحارم ، ومثله عن الحسن ، وإن كانوا في دار واحدة يتنحنح ويتحرك أدنى حركة .أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد عبد الله بن بشران ، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار ، أخبرنا أحمد بن منصور الرمادي ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر عن سعيد الجريري ، عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال : سلم عبد الله بن قيس على عمر بن الخطاب ثلاث مرات فلم يأذن له فرجع فأرسل عمر في أثره فقال : لم رجعت ؟ قال : إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إذا سلم أحدكم ثلاثا فلم يجب فليرجع " . قال عمر : لتأتين على ما تقول ببينة وإلا لأفعلن بك كذا وكذا غير أنه قد أوعده ، قال : فجاء أبو موسى الأشعري ممتقعا لونه وأنا في حلقة جالس ، فقلنا : ما شأنك ؟ فقال : سلمت على عمر ، فأخبرنا خبره ، فهل سمع أحد منكم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قالوا : نعم كلنا قد سمعه ، قال فأرسلوا معه رجلا منهم حتى أتى عمر فأخبره بذلك .ورواه بسر بن سعيد عن أبي سعيد الخدري ، وفيه : قال أبو موسى الأشعري : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع " . قال الحسن : الأول إعلام والثاني مؤامرة ، والثالث استئذان بالرجوع .