تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
ألم تشاهد أن الله سبحانه وتعالى يسوق السحاب إلى حيث يشاء، ثم يجمعه بعد تفرقه، ثم يجعله متراكمًا، فينزل مِن بينه المطر؟ وينزل من السحاب الذي يشبه الجبال في عظمته بَرَدًا، فيصيب به مَن يشاء من عباده ويصرفه عمَّن يشاء منهم بحسب حكمته وتقديره، يكاد ضوء ذلك البرق في السحاب مِن شدته يذهب بأبصار الناظرين إليه.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
«ألم تر أن الله يزجي سحابا» يسوقه برفق «ثم يؤلف بينه» يضم بعضه إلى بعض فيجعل القطع المتفرقة قطعة واحدة «ثم يجعله ركاما» بعضه فوق بعض «فترى الوَدْق» المطر «يخرج من خلاله» مخارجه «وينزل من السماء من» زائدة «جبال فيها» في السماء بدل بإعادة الجار «من بَرَدِ» أي بعضه «فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد» يقرب «سنا برقه» لمعانه «يذهب بالأبصار» الناظرة له: أي يخطفها.
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
قوله تعالى : ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصارقوله تعالى : ألم تر أن الله يزجي سحابا ذكر من حججه شيئا آخر ؛ أي ألم تر بعيني قلبك . يزجي سحابا أي يسوق إلى حيث يشاء . والريح تزجي السحاب ، والبقرة تزجي ولدها أي تسوقه . ومنه زجا الخراج يزجو زجاء ( ممدودا ) إذا تيسرت جبايته . وقال النابغة :إني أتيتك من أهلي ومن وطني أزجي حشاشة نفس ما بها رمقوقال أيضا :أسرت عليه من الجوزاء سارية تزجي الشمال عليه جامد البردثم يؤلف بينه أي يجمعه عند انتشائه ؛ ليقوى ويتصل ويكثف . والأصل في التأليف الهمز ، تقول : تألف . وقرئ ( يولف ) بالواو تخفيفا . والسحاب واحد في اللفظ ، ولكن معناه جمع ؛ ولهذا قال : وينشئ السحاب . و ( بين ) لا يقع إلا لاثنين فصاعدا ، فكيف جاز بينه ؟ فالجواب أن ( بينه ) هنا لجماعة السحاب ؛ كما تقول : الشجر قد جلست بينه لأنه جمع ، وذكر الكناية على اللفظ ؛ قال معناه الفراء . وجواب آخر : وهو أن يكون السحاب واحدا فجاز أن يقال ( بينه ) لأنه مشتمل على قطع كثيرة ، كما قال :. . . بين الدخول فحوملفأوقع ( بين ) على الدخول ، وهو واحد لاشتماله على مواضع . وكما تقول : ما زلت أدور بين الكوفة لأن الكوفة أماكن كثيرة ؛ قاله الزجاج وغيره . وزعم الأصمعي أن هذا لا يجوز ، وكان يروى :. . . بين الدخول وحوملثم يجعله ركاما أي مجتمعا ، يركب بعضه بعضا ؛ كقوله تعالى : وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم [ ص: 268 ] . والركم جمع الشيء ؛ يقال منه : ركم الشيء يركمه ركما إذا جمعه وألقى بعضه على بعض . وارتكم الشيء وتراكم إذا اجتمع . والركمة الطين المجموع . والركام : الرمل المتراكم . وكذلك السحاب وما أشبهه . ومرتكم الطريق - ( بفتح الكاف ) - جادته . فترى الودق يخرج من خلاله في الودق قولان : أحدهما : أنه البرق ؛ قاله أبو الأشهب العقيلي . ومنه قول الشاعر :أثرنا عجاجة وخرجن منها خروج الودق من خلل السحابالثاني : أنه المطر ؛ قاله الجمهور . ومنه قول الشاعر :فلا مزنة ودقت ودقها ولا أرض أبقل إبقالهاوقال امرؤ القيس :فدمعهما ودق وسح وديمة وسكب وتوكاف وتنهملانيقال : ودقت السحابة فهي وادقة . وودق المطر يدق ودقا ؛ أي قطر . وودقت إليه دنوت منه . وفي المثل : ودق العير إلى الماء ؛ أي دنا منه . يضرب لمن خضع للشيء لحرصه عليه . والموضع مودق . وودقت ودقا استأنست به . ويقال لذات الحافر إذا أرادت الفحل : ودقت تدق ودقا ، وأودقت واستودقت . وأتان ودوق وفرس ودوق ، ووديق أيضا ، وبها وداق . والوديقة : شدة الحر . وخلال جمع خلل ؛ مثل الجبل والجبال ، وهي فرجه ومخارج القطر منه . وقد تقدم في ( البقرة ) أن كعبا قال : إن السحاب غربال المطر ؛ لولا السحاب حين ينزل الماء من السماء لأفسد ما يقع عليه من الأرض . وقرأ ابن عباس ، والضحاك ، وأبو العالية ( من خلله ) على التوحيد . وتقول : كنت في خلال القوم ؛ أي وسطهم . وينزل من السماء من جبال فيها من برد قيل : خلق الله في السماء جبالا من برد ، فهو ينزل منها بردا ؛ وفيه إضمار ، أي ينزل من جبال البرد بردا ، فالمفعول محذوف . ونحو هذا قول الفراء ؛ لأن التقدير عنده : من جبال برد ؛ فالجبال عنده هي البرد . و ( برد ) في موضع خفض ؛ ويجب أن يكون على قوله المعنى : من جبال برد فيها ، بتنوين جبال . وقيل : إن الله تعالى خلق في السماء جبالا فيها برد ؛ فيكون التقدير : وينزل من السماء من جبال فيها برد . و ( من ) صلة . وقيل : المعنى [ ص: 269 ] وينزل من السماء قدر جبال ، أو مثل جبال من برد إلى الأرض ؛ ف ( من ) الأولى للغاية لأن ابتداء الإنزال من السماء ، والثانية للتبعيض لأن البرد بعض الجبال ، والثالثة لتبيين الجنس لأن جنس تلك الجبال من البرد . وقال الأخفش : إن ( من ) في الجبال و ( برد ) زائدة في الموضعين ، والجبال والبرد في موضع نصب ؛ أي ينزل من السماء بردا يكون كالجبال . والله أعلم . فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء فيكون إصابته نقمة وصرفه نعمة . وقد مضى في ( البقرة ) . و ( الرعد ) أن من قال حين يسمع الرعد : ( سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ثلاثا عوفي مما يكون في ذلك الرعد ) . يكاد سنا برقه أي ضوء ذلك البرق الذي في السحاب يذهب بالأبصار من شدة بريقه وضوئه . قال الشماخ :وما كادت إذا رفعت سناها ليبصر ضوءها إلا البصيروقال امرؤ القيس :يضيء سناه أو مصابيح راهب أهان السليط في الذبال المفتلفالسنا ( مقصور ) ضوء البرق . والسنا أيضا نبت يتداوى به . والسناء من الرفعة ممدود . وكذلك قرأ طلحة بن مصرف ( سناء ) بالمد على المبالغة من شدة الضوء والصفاء ؛ فأطلق عليه اسم الشرف . قال المبرد : السنا ( مقصور ) وهو اللمع ؛ فإذا كان من الشرف والحسب فهو ممدود وأصلهما واحد وهو الالتماع . وقرأ طلحة بن مصرف ( سناء برقه ) قال أحمد بن يحيى : وهو جمع برقة . قال النحاس : البرقة المقدار من البرق ، والبرقة المرة الواحدة . وقرأ الجحدري ، وابن القعقاع ( يذهب بالأبصار ) بضم الياء وكسر الهاء ؛ من الإذهاب ، وتكون الباء في بالأبصار صلة زائدة . الباقون يذهب بالأبصار بفتح الياء والهاء ، والباء للإلصاق . والبرق دليل على تكاثف السحاب ، وبشير بقوة المطر ، ومحذر من نزول الصواعق .
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43)أعقب الدلالة على إعطاء الهدى في قوانين الإلهام في العجماوات بالدلالة على خلق الخصائص في الجماد بحيث تسير على السير الذي قدره الله لها سيراً لا يتغير ، فهي بذلك أهدى من فريق الكافرين الذين لهم عقول وحواس لا يهتدون بها إلى معرفة الله تعالى والنظر في أدلتها ، وفي ذلك دلالة على عظم القدرة وسعة العلم ووحدانية التصرف . وهذا استدلال بنظام بعض حوادث الجو حتى آل إلى قوله { فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء } .وقد حصل من هذا حسن التخلص للانتقال إلى الاستدلال على عظم القدرة وسمو الحكمة وسعة العلم الإلهي .و { يزجي } : يسوق . يقال : أزجى الإبل إزجاء .وأطلق الإزجاء على دنو بعض السحاب من بعض بتقدير الله تعالى الشبيهِ بالسوْق حتى يصير سحاباً كثيفاً ، فانضمام بعض السحاب إلى بعض عبر عنه بالتأليف بين أجزائه بقوله تعالى : { ثم يؤلف بينه } الخ .وتقدم الكلام على السحاب في سورة البقرة ( 164) في قوله : { والسحاب المسخر } وفي أول سورة الرعد ( 12) .ودخلت ( بين) على ضمير السحاب لأن السحاب ذو أجزاء كقول امرىء القيس: ... بَيْن الدخول فحَوْمَلأي يؤلف بين السحابات منه .والركام : مشتق من الركم . والركم : الجمع والضم . ووزن فُعال وفُعالة يدل على معنى المفعول . فالركام بمعنى المركوم كما جاء في قوله تعالى : { وإن يَروا كسفاً من السماء ساقطاً يقولوا سحاب مركوم } في سورة الطور ( 44) .فإذا تراكم السحاب بعضه على بعض حدث فيه ما يسمى في علم حوادث الجو بالسيال الكهربائي وهو البرق . فقال بعض المفسرين : هو الودق . وأكثر المفسرين على أن الودق هو المطر ، وهو الذي اقتصرت عليه دواوين اللغة ، والمطر يخرج من خلال السحاب .والخلال : الفتوق ، جمع خَلَل كجبل وجبال . وتقدم { خلال الديار } في سورة الإسراء ( 5) .ومعنى { ينزل من السماء } يُسقط من علو إلى سفل ، أي يُنزل من جو السماء إلى الأرض . والسماء : الجو الذي فوق جهة من الأرض .وقوله : { من جبال } بدل من { السماء } بإعادة حرف الجر العامل في المبدل منه وهو بدل بعض لأن المراد بالجبال سحاب أمثال الجبال .وإطلاق الجبال في تشبيه الكثرة معروف . يقال : فلان جبل علم ، وطود علم . وفي حديث البخاري من طريق أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لو كان لي مثل أحُد ذهباً لسَرّني أن لا تمر علي ثلاث ليال وعندي منه شيء إلا شيئاً أرصده لدين » أي ما كان يسرني ، فالكلام بمعنى النفي ، أي لمَا سرني . أو لما كان سرني الخ .وحرف { من } الأول للابتداء و { من } الثاني كذلك و { من } في قوله { من برد } مزيدة في الإثبات على رأي الذين جوزوا زيادة { من } في الإثبات .أو تكون { من } اسماً بمعنى بعض .ومفعول { ينزل } محذوف يدل عليه قوله : { فيها من برد } والتقدير : يُنزل بَرداً .ووقوع { من } زائدة لقصد مشاكلة قوله : { من جبال } .وقوله : { فيصيب به من يشاء } جعل نزول البرد إصابة لأن الإصابة إذا أطلقت في كلامهم دلت على أنها حلول مكروه . ومن ذلك سميت المصيبةَ الحادثةُ المكروهة . وأما قوله تعالى : { إن تصبك حسنة تسؤهم } [ التوبة : 50 ] فلأن قوله : { حسنة } قرينة على إطلاق الإصابة على مطلق الحدوث إما مجازاً مرسلاً وإما مشتركاً لفظياً أو مشتركاً معنوياً فإن ( أصاب) مشتق من الصوب وهو النزول ومنه صوب المطر ، فجعل نزول البرَد إصابة لأنه يفسد الزرع والثمرة ، فضمير { به } للبرَد .وجملة : { يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار } وصف ل { سحاباً } . وضمير { برقه } عائد إلى { سحاباً } . وفائدة هذه الصفة تنبيه العقول إلى التدبر في هذه التغيرات إذ كان شعور الناس بحدوث البرق أوضح وأكثر من شعورهم بتكوّن السحاب وتراكمه ونزول المطر والبرَد ، إذ قد يغفل الناس عن ذلك لكثرة حدوثه وتعودهم به بخلاف اشتداد البرْق فإنه لا يخلو أحد من أن يكون قد عرض له مرات ، فإن أصحاب الأبصار التي حركها خفق البرق يتذكرون تلك الحالة العجيبة الدالة على القدرة . ولهذه النكتة خصصت هذه الحالة من أحوال البرق بالذكر .والسنا مقصوراً : ضوء البرق وضوء النار . وأما السناء الممدود فهو الرفعة . قال ابن دريد في أبيات له في متشابه المقصور والممدود: ... زال السنا عن ناظريه وزال عن شرف السناء ... ولام التعريف في { بالأبصار } لام الحقيقة . وقوله : { يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار } هو كقوله في سورة البقرة ( 20) { يكاد البرق يخطف أبصارهم } سوى أن هذه الآية زيد فيها لفط { سنا } لأن هذه الآية واردة في مقام الاعتبار بتكوين السحاب وإنزال الغيث فكان المقام مقتضياً للتنويه بهذا البرق وشدة ضيائه حتى يكون الاعتبار بأمرين : بتكوين البرق في السحاب . وبقوة ضيائه حتى يكاد يذهب بالأبصار . وآية البقرة واردة في مقام التهديد والتشويه لحالهم حين كانوا مظهرين الإسلام ومنطوين على الكفر والجحود فكانت حالهم كحالة الغيث المشتمل على صواعق ورعد وبرق فظاهره منفعة وفي باطنه قوارع ومصائب .ومن أجل اختلاف المقامين وضع التعبير هنا ب { يذهب بالأبصار } وهنالك بقوله : { يخطف أبصارهم } لأن في الخطف من معنى النكاية بهم والتسلط عليهم ما ليس في { يذهب } إذ هو مجرد الاستلاب .وأما التعبير هنا ب { الأبصار } معرفاً باللام فلأن المقصود أن البرق مقارب أن يزيل طائفة من جنس الأبصار إذ اللام هنا لام الحقيقة كما في قوله : { أن يأكله الذئب } [ يوسف : 13 ] وقولهم : ادخل السوق ، لأن الحكم على حالة البرق الشديد من حيث هي . بخلاف آية البقرة فإنها في مقام التوبيخ لهم بأن ما شأنه أن ينتفع الناس به قد أشرف على الضر بهم فلذلك ذكر لفظ أبصار مضافاً إلى ضميرهم مع ما في هذا التخالف من تفنين الكلام الواحد على أفانين مختلفة حتى لا يكون الكلام معاداً وإن كان المعنى متحداً ولا تجد حق الإيجاز فائتاً فإن هذين الكلامين في حد التساوي في الحروف والنطق . وهكذا نرى بلاغة القرآن وإعجازه وحلاوة نظمه .وقرأ الجمهور { يذهب } بفتح التحتية وفتح الهاء ، فالباء للتعدية ، أي يُذهب الأبصار . وقرأه أبو جعفر وحده بضم التحتية وكسر الهاء فتكون الباء مزيدة لتأكيد اللصوق مثل { وامسحوا برؤوسكم } [ المائدة : 6 ] .
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
ثم لفت - سبحانه - بعد ذلك أنظار عباده إلى مظاهر قدرته فى هذا الكون ، حيث يزجى السحاب ، ثم يؤلف بينه ، ثم يجعله ركاما . . . وحيث نوع مخلوقاته مع أنها جميعا من أصل واحد فقال - تعالى - : ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ . . . . ) .قوله - تعالى - ( يُزْجِي ) من الإزجاء بمعنى الدفع بأناة ورفق . يقال : زجى الراعى إبله تزجية ، إذا ساقها برفق . وأزجت الريح السحاب ، أى : دفعته .والمعنى : لقد علمت - أيها العاقل - ورأيت بعينيك ، أن الله - تعالى - يسوق بقدرته السحاب الذى فى الجو ، سوقا رفيقا إلى حيث يريد .( ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ) أى : يسوق - سبحانه - السحاب سوقا هادئا سهلا . ثم بعد ذلك يصل بعضه ببعض ، ويجمع بعضه مع بعض ، ثم بعد ذلك ( يَجْعَلُهُ رُكَاماً ) أى : متراكما بعضه فوق بعض . يقال ركم فلان الشىء يركمه ركما ، إذا جمعه ، وألقى بعضه على بعض ، ومنه : الرمل المتراكم ، أى : المجتمع .وهذا الذى حكاه القرآن من سوق الله - تعالى - للسحب ثم تجميعها ، ثم تحويلها إلى قطع ضخمة متراكمة متكاثفة كقطع الجبال ، يراه الراكب للطائرات بوضوح وتسليم بقدرة الله - تعالى - ، الذى أحسن كل شىء خلقه .وقوله - سبحانه - : ( فَتَرَى الودق يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ ) بيان لما يترتب على هذا السوق الرفيق ، والتجمع الدقيق من آثار .والودق : المطر . وهو فى الأصل مصدر ودَق السحاب يدِق وَدْقاً ، إذا نزل منه المطر . والخلال : جمع خلل - كجبال وجبل - والمارد بها التفوق والشقوق .قال القرطبى : فى " الودق " قولان : أحدهما : أنه البرق . . . والثانى : أنه المطر . وهو قول الجمهور يقال : ودقت السحابة فهى وادقة . وودق المطر يدق ودقا . أى : قطر .أى : يسوق الله - تعالى - السحاب إلى حيث يشاء بقدرته ، ثم يؤلف بينه ، ثم يجعله متراكما بعضه فوق بعض ، فترى - أيها العاقل - المطر يخرج من فتوق هذا السحاب المتراكم ومن فروجه ، تارة بشدة وعنف ، وتارة بهدوء ورفق .وقوله - تعالى - : ( وَيُنَزِّلُ مِنَ السمآء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَآءُ . . . ) بيان لمظهر آخر من مظاهر قدرته - سبحانه - .أى : وينزل - سبحانه - من جهة السماء قطعا من السحاب الكثير من البرد ، وهو شىء ينزل من السحاب يشبه الحصى ، ويسمى حب الغمام : وحب المزنقال صاحب الكشاف : فإن قلت : ما الفرق بين " من " الأولى ، والثانية ، والثالثة فى قوله ( وَيُنَزِّلُ مِنَ السمآء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ ) ؟قلت الأولى لابتداء الغاية ، والثانية للتبعيض ، والثالثة للبيان ، أو الأوليان للابتداء ، والآخرة للتبعيض .فإن قلت : ما معنى " من جبال فيها من برد "؟ قلت : فيه معنيان : أحدهما : أن يخلق الله فى السماء جبال برد . كما فى الأرض جبال حجر ، والثانى : أن يريد الكثرة بذكر الجبال ، كما يقال : فلان يملك جبالا من ذهب .وقوله - تعالى - : ( فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَآءُ ) أى : فيصيب بالذى ينزله من هذا البرد من يشاء إصابته من عباده ، ويصرفه عمن يشاء صرفه عنهم ، إذ الإصابة والصرف بمقتضى حكمته وإرادته .ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بقوله : ( يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بالأبصار ) . والسنا : شدة الضوء . يقال : سنا الشىء يسنو سنا ، إذا أضاء .أى : يكاد ضوء برق السحاب الموصوف بما مر من الإزجاء والتأليف والتراكم . . . يخطف الأبصار من شدة إضاءته ، وزيادة لمعانه وسرعة توهجه .
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
( ألم تر أن الله يزجي ) يعني : يسوق بأمره ، ( سحابا ) إلى حيث يريد ، ( ثم يؤلف بينه ) أي : يجمع بين قطع السحاب المتفرقة بعضها إلى بعض ، ( ثم يجعله ركاما ) متراكما بعضه فوق بعض ، ( فترى الودق ) يعني المطر ، ( يخرج من خلاله ) وسطه وهو جمع الخلل ، كالجبال جمع الجبل . ( وينزل من السماء من جبال فيها من برد ) يعني : ينزل البرد ، و " من " صلة ، وقيل : معناه وينزل من السماء من جبال ، أي : مقدار جبال في الكثرة من البرد ، و " من " في قوله " من جبال " صلة ، أي : وينزل من السماء جبالا من برد . وقيل : معناه وينزل من جبال في السماء تلك الجبال من برد . وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : أخبر الله - عز وجل - أن في السماء جبالا من برد ، ومفعول الإنزال محذوف تقديره : وينزل من السماء من جبال فيها برد ، فاستغنى عن ذكر المفعول للدلالة عليه . قال أهل النحو ذكر الله تعالى " من " ثلاث مرات في هذه الآية فقوله " من السماء " لابتداء الغاية ، لأن ابتداء الإنزال من السماء ، وقوله تعالى " من جبال " للتبعيض لأن ما ينزله الله تعالى بعض تلك الجبال التي في السماء ، وقوله تعالى : " من برد " للتجنيس لأن تلك الجبال من جنس البرد . ( فيصيب به ) يعني بالبرد ( من يشاء ) فيهلك زروعه وأمواله ، ( ويصرفه عن من يشاء ) فلا يضره ، ( يكاد سنا برقه ) يعني ضوء برق السحاب ، ( يذهب بالأبصار ) شدة ضوئه وبريقه ، وقرأ أبو جعفر : " يذهب " بضم الياء وكسر الهاء .