تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
أفمن هو قائم على كل نفس يُحصي عليها ما تعمل، أحق أن يعبد، أم هذه المخلوقات العاجزة؟ وهم -من جهلهم- جعلوا لله شركاء مِن خَلْقه يعبدونهم، قل لهم -أيها الرسول-: اذكروا أسماءهم وصفاتهم، ولن يجدوا من صفاتهم ما يجعلهم أهلا للعبادة، أم تخبرون الله بشركاء في أرضه لا يعلمهم، أم تسمونهم شركاء بظاهر من اللفظ من غير أن يكون لهم حقيقة. بل حسَّن الشيطان للكفار قولهم الباطل وصدَّهم عن سبيل الله. ومَن لم يوفِّقه الله لهدايته فليس له أحد يهديه، ويوفقه إلى الحق والرشاد.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
«أفمن هو قائم» رقيب «على كل نفس بما كسبت» عملت من خير وشر وهو الله كمن ليس كذلك من الأصنام لا، دل على هذا «وجعلوا الله شركاء قل سمّوهم» له من هم؟ «أم» بل أ «تنبئونه» تخبرون الله «بما» أي بشريك «لا يعلمـ» ـه «في الأرض» استفهام إنكار أي لا شريك له إذ لو كان لعلمه تعالى عن ذلك «أم» بل تسمونهم شركاء «بظاهر من القول» بظن باطل لا حقيقة له في الباطن «بل زُيّن للذين كفروا مكرهم» كفرهم «وصدوا عن السبيل» طريق الهدى «ومن يضلل الله فما له من هاد».
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
قوله تعالى : أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت ليس هذا القيام القيام الذي هو ضد القعود ، بل هو بمعنى التولي لأمور الخلق ; كما يقال : قام فلان بشغل كذا ; فإنه قائم على كل نفس بما كسبت أي يقدرها على الكسب ، ويخلقها ويرزقها ويحفظها ويجازيها على عملها ; فالمعنى : أنه حافظ لا يغفل ، والجواب محذوف ; والمعنى : أفمن هو حافظ لا يغفل كمن يغفل . وقيل : أفمن هو قائم أي عالم ; قاله الأعمش . قال الشاعر :فلولا رجال من قريش أعزة سرقتم ثياب البيت والله قائمأي عالم ; فالله عالم بكسب كل نفس . وقيل : المراد بذلك الملائكة الموكلون ببني آدم ، عن الضحاك .وجعلوا حال ; أي أوقد جعلوا ، أو عطف على استهزئ أي استهزءوا وجعلوا ; أي سموا لله شركاء يعني أصناما جعلوها آلهة . قل سموهم أي قل لهم يا محمد : سموهم أي بينوا أسماءهم ، على جهة التهديد ; أي إنما يسمون : اللات والعزى ومناة وهبل .أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض " أم " استفهام توبيخ ، أي أتنبئونه ; وهو على التحقيق عطف على استفهام متقدم في المعنى ; لأن قوله : سموهم معناه : ألهم أسماء الخالقين . أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض ؟ . وقيل : المعنى قل لهم أتنبئون الله بباطن لا يعلمه .أم بظاهر من القول يعلمه ؟ فإن قالوا : بباطن لا يعلمه أحالوا ، وإن قالوا : بظاهر يعلمه فقل لهم : سموهم ; فإذا سموهم اللات والعزى فقل لهم : إن الله لا يعلم لنفسه شريكا . وقيل : أم تنبئونه عطف على قوله : أفمن هو قائم أي أفمن هو قائم ، أم تنبئون الله بما لا يعلم ; أي أنتم تدعون لله شريكا ، والله لا يعلم لنفسه شريكا ; أفتنبئونه بشريك له في [ ص: 282 ] الأرض وهو لا يعلمه ! وإنما خص الأرض بنفي الشريك عنها وإن لم يكن له شريك في غير الأرض لأنهم ادعوا له شركاء في الأرض . ومعنى أم بظاهر من القول : الذي أنزل الله على أنبيائه . وقال قتادة : معناه بباطل من القول ; ومنه قول الشاعر :أعيرتنا ألبانها ولحومها وذلك عار يا ابن ريطة ظاهرأي باطل . وقال الضحاك : بكذب من القول . ويحتمل خامسا - أن يكون الظاهر من القول حجة يظهرونها بقولهم ; ويكون معنى الكلام : أتخبرونه بذلك مشاهدين ، أم تقولون محتجين .بل زين للذين كفروا مكرهم أي دع هذا ! بل زين للذين كفروا مكرهم قيل : استدراك . على هذا الوجه ، أي ليس لله شريك ، لكن زين للذين كفروا مكرهم . وقرأ ابن عباس ومجاهد " بل زين للذين كفروا مكرهم " مسمى الفاعل ، وعلى قراءة الجماعة فالذي زين للكافرين مكرهم الله تعالى ، وقيل : الشيطان . ويجوز أن يسمى الكفر مكرا ; لأن مكرهم بالرسول كان كفرا .وصدوا عن السبيل أي صدهم الله ; وهي قراءة حمزة والكسائي . الباقون بالفتح ; أي صدوا غيرهم ; واختاره أبو حاتم ، اعتبارا بقوله : ويصدون عن سبيل الله وقوله : هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام . وقراءة الضم أيضا حسنة في " زين " و " صدوا " لأنه معلوم أن الله فاعل ، ذلك في مذهب أهل السنة ; ففيه إثبات القدر ، وهو اختيار أبي عبيد . وقرأ يحيى بن وثاب وعلقمة - " وصدوا " بكسر الصاد ; وكذلك . " هذه بضاعتنا ردت إلينا " بكسر الراء أيضا على ما لم يسم فاعله ; وأصلها صددوا ورددت ، فلما أدغمت الدال الأولى في الثانية نقلت حركتها على ما قبلها فانكسر ." ومن يضلل الله " بخذلانه .فما له من هاد أي موفق ; وفي هذا إثبات قراءة الكوفيين ومن تابعهم ; لقوله : ، ومن يضلل الله فكذلك قوله : " وصدوا " . ومعظم القراء يقفون على الدال من غير الياء ; وكذلك " وال " و " واق " ; لأنك تقول في الرجل : هذا قاض ووال وهاد ، فتحذف الياء لسكونها والتقائها مع التنوين . وقرئ " فما له من هادي " و " والي " و " واقي " بالياء ; وهو على لغة من يقول : هذا داعي وواقي بالياء ; لأن حذف الياء في حالة الوصل لالتقائها مع التنوين ، وقد أمنا هذا في الوقف ; فردت الياء فصار هادي ووالي وواقي . وقال الخليل في نداء قاض : يا قاضي بإثبات الياء ; إذ لا تنوين مع النداء ، كما لا تنوين في نحو الداعي والمتعالي .
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
الفاء الواقعة بعد همزة الاستفهام مؤخرة من تقديم لأن همزة الاستفهام لها الصدارة . فتقدير أصل النظم : فأمن هو قائم . فالفاء لتفريع الاستفهام وليس الاستفهام استفهاماً على التفريع ، وذلك هو الوجه في وقوع حروف العطف الثلاثة الواو والفاء وثم بعد الاستفهام وهو رأي المحقيقين ، خلافاً لمن يجعلون الاستفهام وارداً على حرف العطف وما عَطفه .فالفاء تفريع على جملة { قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت } [ الرعد : 30 ] المجاببِ به حكاية كفرهم المضمن في جملة { وهم يكفرون بالرحمن } [ الرعد : 30 ] ، فالتفريع في المعنى على مجموع الأمرين : كفرهم بالله ، وإيمان النبي بالله .ويجوز أن تكون تفريعاً على جملة { ولو أن قرآناً سيرت به الجبال } [ الرعد : 31 ] ، فيكون ترقياً في إنكار سؤالهم إتيان معجزة غير القرآن ، أي إن تعجب من إنكارهم آيات القرآن فإن أعجب منه جعلهم القائم على كل نفس بما كسبت مماثلاً لمن جعلوهم لله شركاء .واعتُرض أثرَ ذلك بردّ سُؤالهم أن تُسيّر الجبال أو تُقَطّع الأرض أو تُكلّم الموتى ، وتذكيرهم بما حل بالمكذبين من قبلهم مع إدماج تسلية الرسول عليه الصلاة والسلام ، ثم فرع على ذلك الاستفهام الإنكاري .وللمفسرين في تصوير نظم الآية محامل مختلفة وكثير منها متقاربة ، ومرجع المتجه منها إلى أن في النظم حذفاً يدل عليه ما هو مذكور فيه ، أو يدل عليه السياق . والوجه في بيان النظم أن التفريع على مجموع قوله : وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو } أي أن كفرهم بالرحمان وإيمانك بأنه ربّك المقصورة عليه الربوبية يُتفرع على مجموع ذلك استفهامُهم استفهامَ إنكار عليهم تسويتهم من هو قائم على كلّ نفس بمن ليس مثله من جعلوهم له شركاء ، أي كيف يشركونهم وهم ليسوا سواء مع الله .وما صدق { من هو قائم على كلّ نفس } هو الله الإله الحق الخالق المدبّر .وخبر { من هو قائم } محذوف دلت عليه جملة { وجعلوا لله شركاء }. والتقدير : أمن هو قائم على كل نفس ومن جعلوهم به شركاء سواء في استحقاق العبادة . دل على تقديره ما تقتضيه الشركة في العبادة من التسوية في الإلهية واستحقاق العبادة . والاستفهام إنكار لتلك التسوية المفاد من لفظ { شركاء }. وبهذا المحذوف استغني عن تقدير معادل للهمزة كما نبّه عليه صاحب «مغني اللّبيب» ، لأن هذا المقدّر المدلول عليه بدليل خاص أقوى فائدة من تقدير المعادل الّذي حاصله أن يقدر : أم من ليس كذلك . وسيأتي قريباً بيان موقع { وجعلوا لله شركاء }.والعدول عن اسم الجلالة إلى الموصول في قوله : { أفمن هو قائم } لأن في الصلة دليلاً على انتفاء المساواة ، وتخطئة لأهل الشرك في تشريك آلهتهم لله تعالى في الإلهية ، ونداء على غباوتهم إذ هم معترفون بأن الله هو الخالق .والمقدر باعتقادهم ذلك هو أصل إقامة الدليل عليهم بإقرارهم ولما في هذه الصلة من التعريض لما سيأتي قريباً .والقائم على الشيء : الرقيب ، فيشمل الحفظ والإبقاء والإمداد ، ولتضمنه معنى الرقيب عدي بحرف { على } المفيد للاستعلاء المجازي . وأصله من القيام وهو الملازمة كقوله : { إلا ما دمت عليه قائماً } [ سورة آل عمران : 75 ]. ويجيء من معنى القائم أنه العليم بحال كل شيء لأن تمام القيومية يتوقف على إحاطة العلم .فمعنى قائم على كل نفس } مُتولّيها ومدبّرها في جميع شؤونها في الخلق والأجل والرزق ، والعالم بأحوالها وأعمالها ، فكان إطلاق وصف { قائم } هنا من إطلاق المشترك على معنييه . والمشكرون لا ينازعون في انفراد الله بهذا القيام ولكنهم لا يراعون ذلك في عبادتهم غيره ، فمن أجل ذلك لزمتهم الحجة ولمراعاة هذا المعنى تعلق قائم بقوله : { على كل نفس } ليعم القيام سائر شؤونها .والباء في قوله : { بما كسبت } للملابسة . وهي في موقع الحال من { نفس } أو من { قائم } باعتبار ما يقتضيه القيام من العلم ، أي قياماً ملابساً لما عملته كل نفس ، أي قياماً وفاقاً لأعمالها من عمل خير يقتضي القيامَ عليها باللطف والرضى فتظهر آثار ذلك في الدنيا والآخرة لقوله : { من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيّبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون } [ سورة النحل : 97 ] ، وقال : { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا } [ سورة النور : 55 ] ؛ أو من عَمَل شر يقتضي قيامَه على النفس بالغضب والبلايا . ففي هذه الصلة بعمومها تبشير وتهديد لمن تأمل من الفريقين . فهذا تعريض بالأمرين للفريقين أفادته صلة الموصول .وجملة وجعلوا لله شركاء } في موضع الحال ، والواو للحال ، أي والحال جعلوا له شركاء .وإظهار اسم الجلالة إظهار في مقام الإتيان بضمير { من هو قائم }. وفائدة هذا الإظهار التعبير عن المسمى باسمه العَلَم الذي هو الأصل إذ كان قد وقع الإيفاء بحق العدول عنه إلى الموصول في الجملة السابقة فتهيأ المقام للاسم العَلَم ، وليكون تصريحاً بأنه المراد من الموصول السابق زيادة في التصريح بالحجة .وجملة { قل سموهم } استئناف أعيد معها الأمر بالقول لاسترعاء الأفهام لوَعي ما سيذكر . وهذه كلمة جامعة ، أعني جملة { سموهم } ، وقد تضمنت رداً عليهم . فالمعنى : سموهم شركاء فليس لهم حظ إلا التسمية ، أي دون مسمى الشريك ، فالأمر مستعمل في معنى الإباحة كناية عن قلة المبالاة بادعائهم أنهم شركاء مثل { قل كونوا حجارة } [ سورة الإسراء : 50 ] ، وكما تقول للذي يخطىء في كلامه : قُل ما شئتَ . والمعنى : إن هي إلا أسماء سميتموها لا مسمياتتٍ لها بوصف الإلهيّة لأنها حجارة لا صفات لها من صفات التصرف . وهذا كقوله تعالى :{ ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان } [ سورة يوسف : 40 ] وقوله : { إن هي إلا أسماء سميتموها } [ سورة النجم : 23 ]. وهذا إفحام لهم وتسفيه لأحلامهم بأنهم ألّهوا ما لا حقائق لها فلا شبهة لهم في ذلك ، كقوله تعالى : { أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم } [ سورة الرعد : 16 ]. وقد تمحل المفسرون في تأويل قل سموهم } بما لا مُحَصّل له من المعنى .ثم أضرب عن ذلك بجملة { أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض } وهي { أم } المنقطعة . ودَلت { أم } على أن ما بعدها في معنى الاستفهام ، وهو إنكاري توبيخي ، أي ما كان لكم أن تفتروا على الله فتضعوا له شركاء لم ينبئكم لوجودهم ، فقوله : { بما لا يعلم في الأرض } كناية عن غير الموجود لأن ما لا يعلمه الله لا وجود له إذ لو كان موجوداً لم يَخْفَ على علم العلام بكل شيء . وتقييد ذلك ب { الأرض } لزيادة تجهيلهم لأنه لو كان يخفى عن علمه شيء لخفي عنه ما لا يرى ولما خفيت عنه موجودات عظيمة بزعمكم .وفي سورة يونس ( 18 ) { قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض } زيادة في التعميم .وأم } الثانية متصلة هي معادلة همزة الاستفهام المقدرة في { أم تنبئونه }. وإعادة الباء للتأكيد بعد { أم } العاطفة . والتقدير : بل أتنبئونه بما لا يعلم في الأرض بل أتنبئونه بظاهر من القول .وليس الظاهر هنا مشتقاً من الظهور بمعنى الوضوح بل هو مشتق من الظُور بمعنى الزوال كناية عن البطلان ، أي بمجرد قبول لا ثبات له وليس بحق ، كقول أبي ذؤيب: ... وتلككِ شكاة ظاهر عنككِ عارُهاوقول سبرة بن عمرو الفقعسي: ... أعيّرْتَنا ألبانها ولحومهاوذلك عارياً يا ابنَ رَيْطة ظاهر ... وقوله : { بل زين للذين كفروا مكرهم } إضراب عن الاحتجاج عليهم بإبطال إلهية أصنامهم إلى كشف السبب ، وهو أن أيمة المشركين زيّنوا للذين كفروا مكرهم بهم إذ وضعوا لهم عبادتَها .والمكر : إخفاء وسائل الضر . وتقدم عند قوله تعالى : { ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين } في أوائل سورة آل عمران ( 54 ) ، وعند قوله : { أفأمنوا مكر الله } في سورة الأعراف ( 99 ) ، وعند قوله : { وإذ يمكر بك الذين كفروا } في سورة الأنفال ( 30 ). والمراد هنا أن أيمة الكفر مثل عَمْرو بن لُحَيّ وضعوا للعرب عبادة الأصنام وحسّنوها إليهم مظهرين لهم أنها حق ونفع وما أرادوا بذلك إلا أن يكونوا قادة لهم ليسودُوهم ويُعبّدوهم .فلما كان الفعل المبني للمجهول يقتضي فاعلاً منويّاً كان قوله : زين للذين كفروا } في قوة قولك : زيّن لهم مزين . والشيء المزيّن ( بالفتح ) هو الذي الكلام فيه وهو عبادة الأصنام فهي المفعول في المعنى لفعل التزيين المبني للمجهول ، فتعين أن المرفوع بعد ذلك الفعل هو المفعول في المعنى ، فلا جرم أن مكرهم هو المفعول في المعنى ، فتعيّن أن المكر مراد به عبادة الأصنام .وبهذا يتجه أن يكون إضافة ( مكر ) إلى ضمير الكفار من إضافة المصدر إلى ما هو في قوة المفعول وهو المجرور بباء التعدية ، أي المكر بهم ممن زينوا لهم .وقد تضمن هذا الاحتجاح أساليب وخصوصيات :أحدها : توبيخهم على قياسهم أصنامهم على الله في إثبات الإلهية لها قياساً فاسداً لانتفاء الجهة الجامعة فكيف يسوي من هو قائم على كل نفس بمن ليسوا في شيء من ذلك .ثانيها : تبهيلهم في جعلهم أسماءَ لا مسمياتتٍ لها آلهةً .ثالثها : إبطال كون أصنامهم آلهة بأن الله لا يعلمها آلهة ، وهو كناية عن انتفاء إلهيتها .رابعها : أن ادعاءهم آلِهة مجرد كلام لا انطباق له مع الواقع ، وهو قوله : { أم بظاهر من القول }.خامسها : أن ذلك تمويه باطل روجه فيهم دعاة الكفر ، وهو معنى تسميته مكراً في قوله : { بل زين للذين كفروا مكرهم }.سادسها : أنهم يصدون الناس عن سبيل الهدى .وعُطف { وصدوا عن السبيل } على جملة { زين للذين كفروا مكرهم }. وقرأه الجمهور بفتح الصاد فهو باعتبار كون مضمون كلتا الجملتين من أحوال المشركين : فالأولى باعتبار كونهم مفعولين ، والثانية باعتبار كونهم فاعلين للصدّ بعد أن انفعلوا بالكفر . وقرأه عاصم ، وحمزة ، والكسائيّ ، وخلف { وصدوا } بضم الصاد فهو كجملة { زين للذين كفروا } في كون مضمون كلتيهما جعْل الذين كفروا مفعولاً للتزيين والصدّ .وجملة { ومن يضلل الله فما له من هاد } تذييل لما فيه من العموم .وتقدم الخلاف بين الجمهور وابن كثير في إثبات ياء { هاد } في حالة الوصل عند قوله تعالى : { ولكل قوم هاد } في هذه السورة ( 7 ).
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
ثم أقام - سبحانه - الأدلة الساطعة على وحدانيته وعلى وجوب إخلاص العبادة له - تعالى - فقال : ( أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ على كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ . . . ) .والمراد بالقيام هنا : الحفظ والهيمنة على جميع شئون الخلق والاستفهام للإِنكار ، والخبر محذوف والتقدير : ( أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ ) أى : رقيب ومهيمن ( على كُلِّ نَفْسٍ ) كائنة ما كانت ، عالم بما تعمله من خير أو شر فمجازيها به كن ليس كذلك؟وحذف الخبر هنا وهو قولنا - كمن ليس كذلك - لدلالة السياق عليه ، كما فى قوله - تعالى - : ( أَفَمَن شَرَحَ الله صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ ) أى : كمن قسا قلبه .وحسن حذف الخبر هنا لأنه مقابل للمبتدأ هو ( من ) ولأن قوله - تعالى - : ( وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ ) حالية ، والتقدير :أفمن هذه صفاته ، وهو الله - تعالى - كمن ليس كذلك ، والحال أن هؤلاء الأغبياء قد جعلوا له شركاء فى العبادة وغيرها .فالمقصود من هذه الجملة الكريمة ، زيادة توبيخهم ، وتسفيه أفكارهم وعقولهم .وقوله - سبحانه - ( قُلْ سَمُّوهُمْ ) تبكيت لهم إثر تبكيت .أى : قل لهم - أيها الرسول الكريم - سموهم شركاء إن شئتم ، فإن هذه التسمية لا وجود لها فى الحقيقة والواقع ، ولا تخرجهم عن كونهم لا يملكون لأنفسهم - فضلا عن غيرهم - نفعا ولا ضرا ، لأن الله - تعالى - واحد لا شريك له .وهذه التسمية إنما هى من عند أنفسكم ما أنزل الله بها من سلطن ، كما قال تعالى : ( إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ الله بِهَا مِن سُلْطَانٍ ) فالأمر فى قوله ( سموهم ) مستعمل فى الإِباحة المصحوبة بالتهديد ، للإِشارة إلى عدم الاكتراث بهم وبآلهتهم التى سموها شركاء وسموهم بهذا الاسم : قل لهم على سبيل الإِنكار والتوبيخ : أتخبرون الله بشركاء لا وجود لهم فى الأرض ، لأنهم لو كان لهم وجود لعلمهم ، لأنه - سبحانه - لا يخفى عليه شئ فى الأرض ولا فى السماء .أم أنكم سميتموهم شركاء بظاهر من القول أى : بظن من القول لا حقيقة له فى الواقع ونفس الأمر .قال الآلوسى ما ملخصه : وقوله ( أَمْ تُنَبِّئُونَهُ ) أى : بل أتخبرون الله - تعالى - ( بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي الأرض ) أى بشركاء مستحقين للعبادة لا يعلمهم - سبحانه - والمراد : نفيها بنفى لازمها على طريق الكناية ، لأنه - سبحانه - إذا كان لا يعلمها - وهو الذى لا يعرزب عن علمه شئ - فهى لا حقيقة لها أصلا .وتخصيص الأرض بالذكر ، لأن المشركين زعموا أنه - سبحانه - له شركاء فيها .وقوله ( أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ القول ) أى : بل أتسمونهم شركاء بظاهر من القول من غير معنى متحقق فى نفس الأمر ، كتسمية الزنجى كافوراً .وروى عن الضحاك وقتادة ، أن الظاهر من القول : الباطل منه ، كما فى قول القائل :أعيرتنا ألبانها ولحومها ... وذلك عار يابن ربطة ظاهرأى : باطل زائد . . . .وقوله - سبحانه - : ( بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ وَصُدُّواْ عَنِ السبيل وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) إضراب عن حجاجهم ، وإهمال لشأنهم و " زين " من التزيين وهو تصيير الشئ زينا أى : حسنا .والمكر : صرف الغير عما يريده بحيلة ، والمراد به هنا : كفرهم ومسالكهم الخبيثة ضد الإِسلام والمسلمين .والمعنى : دع عنك أيها الرسول الكريم - مجادلتهم ، لأنه لا فائدة من ورائها ، فإن هؤلاء الكافرين قد زين لهم الشيطان ورؤساؤهم فى الفكر مكرهم وكيدهم للإِسلام وأتباعه ، وصدوهم عن السبيل الحق ، وعن الصراط المستقيم ، ومن يضلله الله - تعالى - بأن يخلق فيه الضلال لسوء استعداده ، فما له من هاد يهديه ويرشده إلى ما فيه نجاته .هذا ، وقد اشتملت هذه الآية على ألوان من الحجج الساطعة التى تثبت وجوب إخلاص العبادة لله ، وتبطل الشركة والشركاء أشار إليها بعض المفسرين فقال :قال الطيبى : فى هذه الآية الكريمة احتجاج بليغ مبنى على فنون من علم البيان :أولها : ( أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ على كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ) كمن ليس كذلك ، احتجاج عليهم وتوبيخ لهم على القياس الفاسد لفقد الجهة الجامعة لهما .ثانيها : ( وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ ) من وضع المظهر موضع المضمر ، للتنبيه على أنهم جعلوا شركاء لمن هو فرد واحد لا يشاركه أحد فى أسمائه .ثالثها : ( قُلْ سَمُّوهُمْ ) أى عينوا أسماءهم فقولوا فلان وفلان ، فهو إنكار لوجودها على وجه برهانى . .رابعها : ( أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ ) احتجاج من باب نفى الشئ أعنى العلم بنفى لازمه وهو المعلوم وهو كناية .خامسها : ( أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ القول ) احتجاج من باب الاستدراج لبعثهم على الفكر .أى : أتقولون بأفواهكم من غير روية ، وأنتم ألباء ، فتفكروا فيه لتقفوا على بطلانه .سادسها : التدرج فى كل من الإضرابات على ألطف وجه ، وحيث كانت الآية مشتملة على هذه الأساليب البديعة مع اختصارها ، كان الاحتجاج المذكور مناديا على نفسه بالإِعجاز وأنه ليس كلام البشر " .
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
( أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت ) أي : حافظها ، ورازقها ، وعالم بها ، ومجازيها بما عملت . وجوابه محذوف ، تقديره : كمن ليس بقائم بل عاجز عن نفسه .( وجعلوا لله شركاء قل سموهم ) بينوا أسماءهم .وقيل : صفوهم ثم انظروا : هل هي أهل لأن تعبد ؟( أم تنبئونه ) أي : تخبرون الله تعالى : ( بما لا يعلم في الأرض ) فإنه لا يعلم لنفسه شريكا ولا في الأرض إلها غيره ( أم بظاهر ) يعني : أم تتعلقون بظاهر ( من القول ) مسموع ، وهو في الحقيقة باطل لا أصل له .وقيل : بباطل من القول : قال الشاعر :وعيرني الواشون أني أحبها وتلك شكاة ظاهر عنك عارهاأي : زائل .( بل زين للذين كفروا مكرهم ) كيدهم . وقال مجاهد : شركهم وكذبهم على الله .( وصدوا عن السبيل ) أي : صرفوا عن الدين .قرأ أهل الكوفة ، ويعقوب ( وصدوا ) وفي حم المؤمن ( وصد ) بضم الصاد فيهما ، وقرأ الآخرون بالفتح لقوله تعالى : ( إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله ) ( الحج - 25 ) ، وقوله ( الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ) ( النحل - 88 وغيرها ) .( ومن يضلل الله ) بخذلانه إياه ( فما له من هاد ) .