تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
فإذا انقضت الأشهر الأربعة التي أمَّنتم فيها المشركين، فأعلنوا الحرب على أعداء الله حيث كانوا، واقصدوهم بالحصار في معاقلهم، وترصدوا لهم في طرقهم، فإن رجعوا عن كفرهم ودخلوا الإسلام والتزموا شرائعه من إقام الصلاة وإخراج الزكاة، فاتركوهم، فقد أصبحوا إخوانكم في الإسلام، إن الله غفور لمن تاب وأناب، رحيم بهم.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
«فإذا انسلخ» خرج «الأشهر الحرم» وهي آخر مدة التأجيل «فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم» في حل أو حرم «وخذوهم» بالأسر «واحصروهم» في القلاع والحصون حتى يضطروا إلى القتل أو الإسلام «واقعدوا لهم كلَّ مرصد» طريق يسلكونه ونصب كل على نزع الخافض «فإن تابوا» من الكفر «وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلُّوا سبيلهم» ولا تتعرضوا لهم «إن الله غفور رحيم» لمن تاب.
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
قوله تعالى فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيمفيه ست مسائل :الأولى : قوله تعالى فإذا انسلخ الأشهر الحرم أي خرج ، وسلخت الشهر إذا صرت في أواخر أيامه ، تسلخه سلخا وسلوخا بمعنى خرجت منه . وقال الشاعر :إذا ما سلخت الشهر أهللت قبله كفى قاتلا سلخي الشهور وإهلاليوانسلخ الشهر وانسلخ النهار من الليل المقبل . وسلخت المرأة درعها نزعته وفي التنزيل : وآية لهم الليل نسلخ منه النهار . ونخلة مسلاخ ، وهي التي ينتثر بسرها أخضر .والأشهر الحرم فيها للعلماء قولان : قيل هي الأشهر المعروفة ، ثلاثة سرد وواحد فرد . قال الأصم : أريد به من لا عقد له من المشركين ، فأوجب أن يمسك عن قتالهم حتى ينسلخ الحرم ، وهو مدة خمسين يوما على ما ذكره ابن عباس ؛ لأن النداء كان بذلك يوم النحر . وقد تقدم هذا . وقيل : شهور العهد أربعة ، قاله مجاهد وابن إسحاق وابن زيد وعمرو بن شعيب . وقيل لها حرم لأن الله حرم على المؤمنين فيها دماء المشركين والتعرض لهم إلا على سبيل الخير .الثانية : قوله تعالى فاقتلوا المشركين عام في كل مشرك ، لكن السنة خصت منه ما تقدم بيانه في سورة ( البقرة ) من امرأة وراهب وصبي وغيرهم . وقال الله تعالى في أهل الكتاب : حتى يعطوا الجزية . إلا أنه يجوز أن يكون لفظ المشركين لا يتناول أهل الكتاب ، ويقتضي ذلك منع أخذ الجزية من عبدة الأوثان وغيرهم ، على ما يأتي بيانه . واعلم أن مطلق قوله : اقتلوا المشركين يقتضي جواز قتلهم بأي وجه كان ، إلا أن الأخبار وردت بالنهي عن المثلة . ومع هذا فيجوز أن يكون الصديق رضي الله عنه حين قتل أهل الردة بالإحراق بالنار ، وبالحجارة وبالرمي من رءوس الجبال ، والتنكيس في الآبار ، تعلق بعموم الآية . [ ص: 13 ] وكذلك إحراق علي رضي الله عنه قوما من أهل الردة يجوز أن يكون ميلا إلى هذا المذهب ، واعتمادا على عموم اللفظ . والله أعلم .الثالثة : قوله تعالى حيث وجدتموهم عام في كل موضع . وخص أبو حنيفة رضي الله عنه المسجد الحرام ، كما سبق في سورة " البقرة " ثم اختلفوا ، فقال الحسين بن الفضل : نسخت هذه كل آية في القرآن فيها ذكر الإعراض والصبر على أذى الأعداء . وقال الضحاك والسدي وعطاء : هي منسوخة بقوله : فإما منا بعد وإما فداء . وأنه لا يقتل أسير صبرا ، إما أن يمن عليه وإما أن يفادى . وقال مجاهد وقتادة : بل هي ناسخة لقوله تعالى : فإما منا بعد وإما فداء وأنه لا يجوز في الأسارى من المشركين إلا القتل . وقال ابن زيد : الآيتان محكمتان . وهو الصحيح ؛ لأن المن والقتل والفداء لم يزل من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم من أول حرب حاربهم ، وهو يوم بدر كما سبق .وقوله وخذوهم والأخذ هو الأسر . والأسر إنما يكون للقتل أو الفداء أو المن على ما يراه الإمام .ومعنى واحصروهم يريد عن التصرف إلى بلادكم والدخول إليكم ، إلا أن تأذنوا لهم فيدخلوا إليكم بأمان .الرابعة : قوله تعالى واقعدوا لهم كل مرصد المرصد : الموضع الذي يرقب فيه العدو ، يقال : رصدت فلانا أرصده ، أي رقبته . أي اقعدوا لهم في مواضع الغرة حيث يرصدون . قال عامر بن الطفيل :ولقد علمت وما إخالك ناسيا أن المنية للفتى بالمرصدوقال عدي :أعاذل إن الجهل من لذة الفتى وإن المنايا للنفوس بمرصدوفي هذا دليل على جواز اغتيالهم قبل الدعوة . ونصب ( كل ) على الظرف ، وهو اختيار الزجاج ، ويقال : ذهبت طريقا وذهبت كل طريق . أو بإسقاط الخافض ، التقدير : في كل مرصد وعلى كل مرصد ، فيجعل المرصد اسما للطريق . وخطأ أبو علي الزجاج في جعله الطريق ظرفا وقال : الطريق مكان مخصوص كالبيت والمسجد ، فلا يجوز حذف حرف الجر منه إلا فيما ورد فيه الحذف سماعا ، كما حكى سيبويه : دخلت الشام ودخلت البيت ، وكما قيل :كما عسل الطريق الثعلب[ ص: 14 ] الخامسة : قوله تعالى فإن تابوا أي من الشرك .وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم هذه الآية فيها تأمل ، وذلك أن الله تعالى علق القتل على الشرك ، ثم قال : فإن تابوا . والأصل أن القتل متى كان للشرك يزول بزواله ، وذلك يقتضي زوال القتل بمجرد التوبة ، من غير اعتبار إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، ولذلك سقط القتل بمجرد التوبة قبل وقت الصلاة والزكاة . وهذا بين في هذا المعنى ، غير أن الله تعالى ذكر التوبة وذكر معها شرطين آخرين ، فلا سبيل إلى إلغائهما . نظيره قوله صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله . وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال وقال ابن عباس : رحم الله أبا بكر ما كان أفقهه . وقال ابن العربي : فانتظم القرآن والسنة واطردا . ولا خلاف بين المسلمين أن من ترك الصلاة وسائر الفرائض مستحلا كفر ، ومن ترك السنن متهاونا فسق ، ومن ترك النوافل لم يحرج ، إلا أن يجحد فضلها ؛ فيكفر ؛ لأنه يصير رادا على الرسول عليه السلام ما جاء به وأخبر عنه . واختلفوا فيمن ترك الصلاة من غير جحد لها ولا استحلال ، فروى يونس بن عبد الأعلى قال : سمعت ابن وهب يقول قال مالك : من آمن بالله وصدق المرسلين وأبى أن يصلي قتل ، وبه قال أبو ثور وجميع أصحاب الشافعي . وهو قول حماد بن زيد ومكحول ووكيع . وقال أبو حنيفة : يسجن ويضرب ولا يقتل ، وهو قول ابن شهاب وبه يقول داود بن علي . ومن حجتهم قوله صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها . وقالوا : حقها الثلاث التي قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث كفر بعد إيمان ، أو زنى بعد إحصان ، أو قتل نفس بغير نفس . وذهبت جماعة من الصحابة والتابعين إلى أن من ترك صلاة واحدة متعمدا حتى يخرج وقتها لغير عذر ، وأبى من أدائها وقضائها وقال لا أصلي فإنه كافر ، ودمه وماله حلالان ، ولا يرثه ورثته من المسلمين ، [ ص: 15 ] ويستتاب ، فإن تاب وإلا قتل ، وحكم ماله كحكم مال المرتد ، وهو قول إسحاق . قال إسحاق : وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى زماننا هذا .وقال ابن خويزمنداد : واختلف أصحابنا متى يقتل تارك الصلاة ، فقال بعضهم في آخر الوقت المختار ، وقال بعضهم : آخر وقت الضرورة ، وهو الصحيح من ذلك . وذلك أن يبقى من وقت العصر أربع ركعات إلى مغيب الشمس ، ومن الليل أربع ركعات لوقت العشاء ، ومن الصبح ركعتان قبل طلوع الشمس . وقال إسحاق : وذهاب الوقت أن يؤخر الظهر إلى غروب الشمس والمغرب إلى طلوع الفجر .السادسة : هذه الآية دالة على أن من قال : قد تبت أنه لا يجتزأ بقوله حتى ينضاف إلى ذلك أفعاله المحققة للتوبة ؛ لأن الله عز وجل شرط هنا مع التوبة إقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ؛ ليحقق بهما التوبة . وقال في آية الربا وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم . وقال : إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا وقد تقدم معنى هذا في سورة البقرة .
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
تفريع على قوله : { فسيحوا في الأرض أربعة أشهر } [ التوبة : 2 ] فإن كان المراد في الآية المعطوففِ عليها بالأربعة الأشهر أربعةً تبتدىء من وقت نزول براءة كان قوله : { فإذا انسلخ الأشهر الحرم } تفريعاً مراداً منه زيادة قيد على قيد الظرف من قول : { أربعة أشهر } [ التوبة : 2 ] أي : فإذا انتهى أجل الأربعة الأشهر وانسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين إلخ لانتهاء الإذن الذي في قوله : { فسيحوا في الأرض أربعة أشهر } [ التوبة : 2 ] ، وإن كانت الأربعة الأشهر مراداً بها الأشهر الحرم كان قوله : { فإذا انسلخ الأشهر الحرم } تصريحاً بمفهوم الإذن بالأمن أربعةَ أشهر ، المقتضي أنّه لا أمْن بعد انقضاء الأربعة الأشهر ، فهو على حدّ قوله تعالى : { وإذا حللتم فاصطادوا } [ المائدة : 2 ] ، بعد قوله { غير محلي الصيد وأنتم حرم } [ المائدة : 1 ] فيكون تأجيلاً لهم إلى انقضاء شهر المحرم من سنة عشر ، ثم تحذيراً من خرق حرمة شهر رجب ، وكذلك يستمرّ الحال في كلّ عام إلى نسخ تأمين الأشهر الحرم كما سيأتي عند قوله تعالى : { منها أربعة حرم . . . فلا تظلموا فيهن أنفسكم } [ التوبة : 36 ].وانسلاخ الأشهر انقضاؤها وتمامها وهو مطاوع سلخ . وهو في الأصل استعارة من سلخ جلد الحيوان ، أي إزالته . ثم شاع هذا الإطلاق حتى صار حقيقة .والحرم جمع حرام وهو سماعي لأنّ فُعُلا بضم الفاء والعيْن إنما ينقاس في الاسم الرباعي ذي مد زائد . وحرام صفة . وقال الرضي في باب الجمع من «شرح الشافية» إن جموع التكسير أكثرها محتاج إلى السماع ، وقد تقدّم عند قوله تعالى : { الشهر الحرام بالشهر الحرام } في سورة البقرة ( 194 ). وهي ذو القعدة وذو الحجّة ومحرّم ورجب .وانسلاخها انقضاء المدّة المتتابعة منها ، وقد بَقيت حرمتها ما بَقي من المشركين قبيلة ، لمصلحة الفريقين ، فلما آمن جميع العرب بَطل حكم حُرمة الأشهر الحرم ، لأنّ حُرمةَ المحارم الإسلامية أغنت عنها .والأمر في فاقتلوا المشركين } للإذن والإباحة باعتبار كلّ واحد من المأمورات على حدة ، أي فقد أُذن لكل في قتلهم ، وفي أخذهم ، وفي حصارهم ، وفي منعهم من المرور بالأرض التي تحت حكم الإسلام ، وقد يعرض الوجوب إذا ظهرت مصلحة عظيمة ، ومن صور الوجوب ما يأتي في قوله : { وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر } [ التوبة : 12 ] والمقصود هنا : أن حرمة العهد قد زالت .وفي هذه الآية شرع الجهاد والإذن فيه والإشارة إلى أنّهم لا يقبل منهم غير الإسلام . وهذه الآية نسخت آيات الموادعة والمعاهدة . وقد عمّت الآية جميع المشركين وعمّت البقاع إلا ما خصصته الأدلّة من الكتاب والسنة .والأخذ : الأسر .والحصر : المنع من دخول أرض الإسلام إلا بإذن من المسلمين .والقعود مجاز في الثبات في المكان ، والملازمةِ له ، لأن القعود ثبوت شديد وطويل .فمعنى القعود في الآية المرابطة في مظانّ تطرقّ العدوّ المشركين إلى بلاد الإسلام ، وفي مظان وجود جيش العدوّ وعُدته .والمرصد مكان الرَصْد . والرصْد : المراقبة وتتبع النظر .و { كلّ } مستعملة في تعميم المراصد المظنون مرورهم بها ، تحذيراً للمسلمين من إضاعتهم الحراسة في المراصد فيأتيهم العدوّ منها ، أو من التفريط في بعض ممارّ العدوّ فينطلق الأعداء آمنين فيستخفّوا بالمسلمين ويتسامع جماعات المشركين أنّ المسلمين ليسوا بذوي بأس ولا يقظة ، فيؤول معنى { كل } هنا إلى معنى الكثرة للتنبيه على الاجتهاد في استقصاء المراصد كقول النابغة :بها كُل ذيَّال وخنساءَ ترعوي ... إلى كلّ رجّاف من الرمل فاردوانتصب { كل مرصد } إمَّا على المفعول به بتضمين { اقعدوا } معنى ( الزموا ) كقوله تعالى : { لأقعدن لهم صراطك المستقيم } [ الأعراف : 16 ] ، وإمّا على التشبيه بالظرف لأنّه من حقّ فعل القعود أن يَتعدّى إليه ب ( في ) الظرفية فشبّه بالظرف وحذفت ( في ) للتّوسّع .وتقدم ذكر ( كلّ ) عند قوله تعالى : { وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها } في سورة الأنعام ( 25 ).تفريع على الأفعال المتقدمة في قوله : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم }.والتوبة عن الشرك هي الإيمان ، أي فإن آمنوا إيماناً صادقاً ، بأن أقاموا الصلاة الدالّةَ إقامتُها على أنّ صاحبها لم يكن كاذباً في إيمانه ، وبأن آتوا الزكاة الدالَّ إيتاؤُها على أنّهم مؤمنون حقّاً ، لأنّ بذل المال للمسلمين أمارة صدق النية فيما بُذل فيه فإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة شرط في كفّ القتال عنهم إذا آمنوا ، وليس في هذا دلالة على أنّ الصلاة والزكاة جزء من الإيمان .وحقيقة { خلوا سبيلهم } اتركوا طريقهم الذي يمرّون به ، أي اتركوا لهم كلّ طريق أمرتم برصدهم فيه أي اتركوهم يسيرون مجتازين أو قَادمين عليكم ، إذ لا بأس عليكم منهم في الحالتين ، فإنّهم صاروا إخوانكم ، كما قال في الآية الآتية { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين } [ التوبة : 11 ].وهذا المركب مستعمل هنا تمثيلاً في عدم الإضرار بهم ومتاركتهم ، يقال : خَلّ سبيلي ، أي دعني وشأني ، كما قال جرير :خَلّ السبيلَ لمن يبنِي المنارَ به ... وأبرز ببَرْزَةَ حيث اضطرّك القدَروهو مقابل للتمثيل الذي في قوله : { واقعدوا لهم كل مرصد }.وجملة : { إن الله غفور رحيم } تذييل أريد به حثّ المسلمين على عدم التعرّض بالسوء للذين يسلمون من المشركين ، وعدممِ مؤاخذتهم لما فرط منهم ، فالمعنى اغفروا لهم ، لأنّ الله غفر لهم وهو غفور رحيم ، أو اقتدوا بفعل الله إذ غفر لهم ما فَرَطَ منهم كما تعلمون فكونوا أنتم بتلك المثابة في الإغضاء عمّا مضى .
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
وبعد أن قررت السورة الكريمة براءة الله ورسوله من عهود المشركين الخائنين ، وأمرت بالوفاء بمن وفى بعهده منهم . . بعد كل ذلك أخذت فى بيان كيفية معاملة المشركين بعد انتهاء المهلة الممنوحة هلم فقال - تعالى - : ( فَإِذَا انسلخ الأشهر . . . . ) .وقوله : ( انسلخ ) من السلخ بمعنى الكشط ، يقال : سلخ الإِهاب عن الشاة يسلخه ويسلخه سلخا إذا كشطه ونزعه عنها . أو بمعنى الإِخراج من قولهم : سلخت الشاة عن الإِهاب إذا أخرجتها منه ، ثم استعير للانقضاء والانتهاء فانسلاخ الأشهر إستعارة لانقضائها والخروج منها .قال الآلوسى : والانسلاخ فيما نحن فيه استعارة حسنة ، وذلك أن الزمان محيط بما فيه من الزمانيات مشتمل عليه اشتمل الجلد على الحيوان ، وكذا كل جزء من أجزاءه الممتدة كالأيام والشهور والسنين ، فإذا مضى فكأنه انسلخ عما فيه ، وفى ذلك ميزد لطف لما فيه من التلويح بأن تلك الأشهر كانت حرزاً لأولئك المعاهدين عن غوائل أيدى المسلمين فنيط قتالهم بزوالها .والمراد بالأشهر الحرم : أشهر الأمان الأربعة التى سبق ذكرها فى قوله ، تعالى ، ( فَسِيحُواْ فِي الأرض أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ) وعليه فتكون أى فى قوله ( الأشهر الحرم ) للعهد الذكرى .وسميت حرما لأنه . سبحانه . جعلها فترة أمان للمشركين ، ونهى المؤمنين عن التعرض لهم فيها .ووضع - سبحانه - المظهر موضع المضمر حيث لم يقل فإذا انسلخت ، ليكون ذريعة إلى وصفها بالحرمة ، تأكيداً لما ينبئ عنه إباحة السياة من حرمة التعرض لهم ، مع ما فيه من ميزيد الاعتناء بشأنها .وقيل المراد بالأشهر الحرم هنا : الأشهر المعروفة وهى رجب ، وذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، روى ذلك عن ابن عباس والضحاك والباقر واختاره ابن جرير .قال ابن كثير : وفيه نظر ، والذى يظهر من حيث السياق ما ذهب إليه ابن عباس فى رواية العوفى عنه وبه قال مجاهد ، وعمرو بن شعيب ، وابن إسحاق ، وقتادة والسدى وعبد الرحمن ابن زيد بن أسلم أن المراد بها أشهر التيسير الأربعة المنصوص عليها بقوله : ( فَسِيحُواْ فِي الأرض أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ) ثم قال ( فَإِذَا انسلخ الأشهر الحرم ) أى : إذا انقضت الأشهر الأربعة التى حرنما عليكم فيها قتالهم ، وأجلناهم فيها حيثما وجدتموهم فاقتلوهم ، لأن عود العهد على مذكور أولى من مقدر ، ثم إن الأشهر الأربعة المحرمة سيأتى بيان حكمها فى آية أخرى وهى قوله - تعالى - ( إِنَّ عِدَّةَ الشهور عِندَ الله اثنا عَشَرَ شَهْراً . . . ) والمراد بالمشركين فى قوله : ( فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ ) أولئك الخائنون الذين انتهت مدة الأمان لهم ، أما الذين لم يخونوا ولهم عهود مؤقتة بمدة معينة فلا يحل للمسلمين قتالهم ، إلا بعد انتهاء هذه المدة ، كما سبق أن بينا قبل قليل تفسير قوله - تعالى - : ( إِلاَّ الذين عَاهَدتُّم مِّنَ المشركين ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً فأتموا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلى مُدَّتِهِمْ ) والمعنى : فإذا انتهت هذه الأشهر الأربعة التى جعلها مهلة للخائنين ، فاقتلوا - أيها المؤمنون - أعداءكم المشركين ( حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ ) أى : فى أى مكان تجدونهم فيه ( وَخُذُوهُمْ ) وهو كناية عن السر ، وكانت العرب تعبر عن الأسير بالأخيذ ، ( واحصروهم ) أى : وامنعوهم من الخروج إذا كانت مصحلتكم فى ذلك ( واقعدوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ) والمرصد الموضع الذى يقعد فيه للعدو لمراقبته ، يقال : رصدت الشئ أرصده رصدا ورصَدا إذا ترقبته .والمعنى : واقعدوا لهم فى كل موضع يجتازون منه فى أسفارهم ، حتى تسد السبل فى وجوههم ، وتضعف شوكتهم ، وتذهب ريحهم ، فيستسلموا لكم .والمتدبر لهذه الآية الكريمة يرى أن هذه الوسائل الأربع - القتل والأسر والمحاصرة والمراقبة - هى الوسائل الكفيلة بالقضاء على الأعداء ، ولا يخلو عصر من العصور من استعمال بعضها أو كلها عند المهاجمة .هكذا نرى تعاليم الإِسلام تحض المسلمين على استعمال كل الوسائل المشروعة لكيد أعدائهم ، والعمل على هزيمتهم . . ما دام هؤلاء الأعداء مستمرين فى ضغانيهم وعدوانهم وانتهاكهم لحدود الله - تعالى - .أما إذا فتحوا قلوبهم للحق واستجابوا له ، فإن الآية الكريمة ترفع عنهم السيف ، وتأمر المؤمنين بإخلاء سبيلهم .استمع إلى بقيتها حيث تقول : ( فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصلاة وَآتَوُاْ الزكاة فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) .أى : عليكم - أيها المؤمنون - إذا ما انتهت أشهر الأمان الأربعة أن تقتلوا المشركين الناكثين لعهودهم أينما وجدتموهم وأن تأسروهم وتبسوهم وتراقبوهم على كل طريق حتى تضعف شوكتهم فيناقدوا لكم . . ( فَإِن تَابُواْ ) عن الشرك بأن دخلوا فى الإِسلام فاتركوا التعرض لهم ، وكفوا عن قتالهم ، وافتحوا المسالك والطرق فى وجوههم .واكتفى - سبحانه - بذكر الصلاة والزكاة عن ذكر بقية العبادات ، لكونهما الأساسين للعبادات البدنية والمالية .وقوله : ( إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) تذييل قصد به التعليل لوجوب إخلاء سبيلهم أى ، إن فعلوا ذلك فخلوا سبيلهم ، ولا تعاملوهم بما كان منهم من شرك ، فإن الإِسلام يجُب ما قبله ، وإن الله قد غفر لهم ما سلف من الكفر والغدر بفضله ورحمته .قال الإِمام ابن كثير : وقد اعتمد الصديق - رضى الله عنه - فى قتال ما نعى الزكاة على هذه الآية وأمثالها ، حيث حرمت قتالهم بشرط هذه الأفعال وهى الدخول فى الإِسلام والقيام بأداء واجباته ، ونبه بأعلاها على ادناها فإن أشرف أركان الإِسلام بعد الشهادتين الصلاة التى هى حق الله - تعالى - وبعدها الزكاة هى نفع متعد إلى الفقراء ، وهى أشرف الأفعال المتعلقة بالخلوقين ، ولهذا كثيرا ما يقرن الله الصلاة والزكاة .وقد جاء فى الصحيحين عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة " .وروى الإِمام أحمد عن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " أمرت أن أقتال الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، فإذا شهدوا واستقبلوا قبلتنا وأكلوا ذبيحتنا ، وصلوا صلاتنا فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها ، لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم "ورواه البخارى وغيره .وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : أبى الله أن يقبل الصلاة إلا بالزكاة ثم قال : يرحم الله أبا بكر ما كان أفقهه .وبذلك ترى هذه الآية قد جمعت فى إرشادها بين الترغيب والترهيب؛ فقد أمرت المؤمنين بأن يستعملوا مع أعدائهم كل الوسائل المشروعة لإِرهابهم ثم أمرتهم فى الوقت نفسه بإخلاء سبيلهم متى تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة . .
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
قوله تعالى ( فإذا انسلخ ) انقضى ومضى ( الأشهر الحرم ) قيل : هي الأشهر الأربعة : رجب ، وذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم .وقال مجاهد وابن إسحاق : هي شهور العهد ، فمن كان له عهد فعهده أربعة أشهر ، ومن لا عهد له : فأجله إلى انقضاء المحرم خمسون يوما ، وقيل لها " حرم " لأن الله تعالى حرم فيها على المؤمنين دماء المشركين والتعرض لهم .فإن قيل : هذا القدر بعض الأشهر الحرم والله تعالى يقول : " فإذا انسلخ الأشهر الحرم " ؟قيل : لما كان هذا القدر متصلا بما مضى أطلق عليه اسم الجمع ، ومعناه : مضت المدة المضروبة التي يكون معها انسلاخ الأشهر الحرم .قوله تعالى : ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) في الحل والحرم ، ( وخذوهم ) وأسروهم ، ( واحصروهم ) أي : احبسوهم .قال ابن عباس رضي الله عنه : يريد إن تحصنوا فاحصروهم ، أي : امنعوهم من الخروج .وقيل : امنعوهم من دخول مكة والتصرف في بلاد الإسلام .( واقعدوا لهم كل مرصد ) أي : على كل طريق ، والمرصد : الموضع الذي يرقب فيه العدو ، من رصدت الشيء أرصده : إذا ترقبته ، يريد : كونوا لهم رصدا لتأخذوهم من أي وجه توجهوا .وقيل : اقعدوا لهم بطريق مكة ، حتى لا يدخلوها . ( فإن تابوا ) من الشرك ، ( وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ) يقول : دعوهم فليتصرفوا في أمصارهم ويدخلوا مكة ، ( إن الله غفور ) لمن تاب ، ( رحيم ) به .وقال الحسين بن الفضل : هذه الآية نسخت كل آية في القرآن فيها ذكر الإعراض والصبر على أذى الأعداء .