تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
اخرجوا -أيها المؤمنون- للجهاد في سبيل الله شبابًا وشيوخًا في العسر واليسر، على أي حال كنتم، وأنفقوا أموالكم في سبيل الله، وقاتلوا بأيديكم لإعلاء كلمة الله، ذلك الخروج والبذل خير لكم في حالكم ومآلكم فافعلوا ذلك وانفروا واستجيبوا لله ورسوله.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
«انفِروا خفافا وثقالا» نشاطا وغير نشاط، وقيل أقوياء وضعفاء، أو أغنياء وفقراء، وهي منسوخة بآية (ليس على الضعفاء) «وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون» أنه خير لكم فلا تثاقلوا.
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
قوله تعالى انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمونفيه سبع مسائل :الأولى : روى سفيان عن حصين بن عبد الرحمن عن أبي مالك الغفاري قال : أول ما نزل من سورة ( براءة ) انفروا خفافا وثقالا . وقال أبو الضحاك كذلك أيضا . قال : ثم نزل أولها وآخرها .الثانية : قوله تعالى انفروا خفافا وثقالا نصب على الحال ، وفيه عشرة أقوال الأول : يذكر عن ابن عباس " فانفروا ثبات " : سرايا متفرقين . الثاني : روي عن ابن عباس أيضا وقتادة : نشاطا وغير نشاط . الثالث : الخفيف : الغني ، والثقيل : الفقير ، قاله مجاهد . الرابع : الخفيف : الشاب ، والثقيل : الشيخ ، قاله الحسن . الخامس : مشاغيل وغير مشاغيل ، قاله زيد بن علي والحكم بن عتيبة . السادس : الثقيل : الذي له عيال ، والخفيف : الذي لا عيال له ، قاله زيد بن أسلم . السابع : الثقيل : الذي له ضيعة يكره أن يدعها ، والخفيف : الذي لا ضيعة له ، قاله ابن زيد . الثامن : الخفاف : الرجال ، والثقال : الفرسان ، قاله الأوزاعي . التاسع : الخفاف : الذين يسبقون إلى الحرب كالطليعة وهو مقدم الجيش والثقال : الجيش بأثره العاشر : الخفيف : الشجاع ، والثقيل : الجبان ، حكاه النقاش . والصحيح في معنى الآية أن الناس أمروا جملة أي انفروا خفت عليكم الحركة أو ثقلت . وروي أن ابن أم مكتوم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له : أعلي أن أنفر ؟ فقال : نعم حتى أنزل الله تعالى ليس على الأعمى حرج . وهذه الأقوال إنما هي على معنى المثال في الثقل والخفة .الثالثة : واختلف في هذه الآية ، فقيل إنها منسوخة بقوله تعالى : ليس على الضعفاء ولا على المرضى . وقيل : الناسخ لها قوله : فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة . والصحيح أنها ليست بمنسوخة . روى ابن عباس عن أبي طلحة في قوله تعالى : انفروا خفافا وثقالا قال : شبانا وكهولا ، ما سمع الله عذر أحد . فخرج إلى الشام فجاهد حتى مات رضي الله عنه . وروى حماد عن ثابت وعلي بن زيد عن أنس أن أبا طلحة قرأ سورة ( براءة ) فأتى على هذه الآية انفروا خفافا وثقالا فقال : أي بني جهزوني جهزوني فقال بنوه : [ ص: 81 ] يرحمك الله لقد غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات ومع أبي بكر حتى مات ومع عمر حتى مات فنحن نغزو عنك . قال : لا ، جهزوني . فغزا في البحر فمات في البحر ، فلم يجدوا له جزيرة يدفنونه فيها إلا بعد سبعة أيام فدفنوه فيها ، ولم يتغير رضي الله عنه . وأسند الطبري عمن رأى المقداد بن الأسود بحمص على تابوت صراف ، وقد فضل على التابوت من سمنه وهو يتجهز للغزو . فقيل له : لقد عذرك الله . فقال : أتت علينا سورة البعوث انفروا خفافا وثقالا . وقال الزهري : خرج سعيد بن المسيب إلى الغزو وقد ذهبت إحدى عينيه . فقيل له : إنك عليل . فقال : استنفر الله الخفيف والثقيل ، فإن لم يمكني الحرب كثرت السواد وحفظت المتاع . وروي أن بعض الناس رأى في غزوات الشام رجلا قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر ، فقال له : يا عم إن الله قد عذرك فقال : يا ابن أخي ، قد أمرنا بالنفر خفافا وثقالا . ولقد قال ابن أم مكتوم رضي الله عنه - واسمه عمرو - يوم أحد : أنا رجل أعمى ، فسلموا لي اللواء ، فإنه إذا انهزم حامل اللواء انهزم الجيش ، وأنا ما أدري من يقصدني بسيفه فما أبرح فأخذ اللواء يومئذ مصعب بن عمير على ما تقدم في ( آل عمران ) بيانه . فلهذا وما كان مثله مما روي عن الصحابة والتابعين ،قلنا : إن النسخ لا يصح . وقد تكون حالة يجب فيها نفير الكل ، وهي :الرابعة : وذلك إذا تعين الجهاد بغلبة العدو على قطر من الأقطار ، أو بحلوله بالعقر ، فإذا كان ذلك وجب على جميع أهل تلك الدار أن ينفروا ويخرجوا إليه خفافا وثقالا ، شبابا وشيوخا ، كل على قدر طاقته ، من كان له أب بغير إذنه ومن لا أب له ، ولا يتخلف أحد يقدر على الخروج ، من مقاتل أو مكثر . فإن عجز أهل تلك البلدة عن القيام بعدوهم كان على من قاربهم وجاورهم أن يخرجوا على حسب ما لزم أهل تلك البلدة ، حتى يعلموا أن فيهم طاقة على القيام بهم ومدافعتهم . وكذلك كل من علم بضعفهم عن عدوهم وعلم أنه يدركهم ويمكنه غياثهم لزمه أيضا الخروج إليهم ، فالمسلمون كلهم يد على من سواهم ، حتى إذا قام بدفع العدو أهل الناحية التي نزل العدو عليها واحتل بها سقط الفرض عن الآخرين . ولو قارب العدو دار الإسلام ولم يدخلوها لزمهم أيضا الخروج إليه ، حتى يظهر دين الله وتحمى البيضة وتحفظ الحوزة ويخزى العدو ، ولا خلاف في هذا .وقسم ثان من واجب الجهاد - فرض أيضا على الإمام إغزاء طائفة إلى العدو كل سنة مرة يخرج معهم بنفسه أو يخرج من يثق به ليدعوهم إلى الإسلام ويرغبهم ، ويكف أذاهم ويظهر دين الله عليهم حتى يدخلوا في الإسلام أو يعطوا الجزية عن يد .ومن الجهاد أيضا ما هو نافلة وهو إخراج الإمام طائفة بعد طائفة وبعث السرايا في [ ص: 82 ] أوقات الغرة وعند إمكان الفرصة والإرصاد لهم بالرباط في موضع الخوف وإظهار القوة .فإن قيل : كيف يصنع الواحد إذا قصر الجميع ، وهيالخامسة : قيل له : يعمد إلى أسير واحد فيفديه ، فإنه إذا فدى الواحد فقد أدى في الواحد أكثر مما كان يلزمه في الجماعة ، فإن الأغنياء لو اقتسموا فداء الأسارى ما أدى كل واحد منهم إلا أقل من درهم . ويغزو بنفسه إن قدر وإلا جهز غازيا . قال صلى الله عليه وسلم : من جهز غازيا فقد غزا ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا أخرجه الصحيح . وذلك لأن مكانه لا يغني وماله لا يكفي .السادسة : روي أن بعض الملوك عاهد كفارا على ألا يحبسوا أسيرا ، فدخل رجل من المسلمين جهة بلادهم فمر على بيت مغلق ، فنادته امرأة إني أسيرة فأبلغ صاحبك خبري فلما اجتمع به واستطعمه عنده وتجاذبا ذيل الحديث انتهى الخبر إلى هذه المعذبة فما أكمل حديثه حتى قام الأمير على قدميه وخرج غازيا من فوره ومشى إلى الثغر حتى أخرج الأسيرة واستولى على الموضع رضي الله عنه . ذكره ابن العربي وقال : ولقد نزل بنا العدو - قصمه الله - سنة سبع وعشرين وخمسمائة فجاس ديارنا وأسر خيرتنا وتوسط بلادنا في عدد هال الناس عدده وكان كثيرا وإن لم يبلغ ما حددوه . فقلت للوالي والمولى عليه : هذا عدو الله قد حصل في الشرك والشبكة فلتكن عندكم بركة ، ولتظهر منكم إلى نصرة الدين المتعينة عليكم حركة فليخرج إليه جميع الناس حتى لا يبقى منهم أحد في جميع الأقطار فيحاط به ؛ فإنه هالك لا محالة إن يسركم الله له فغلبت الذنوب ورجفت القلوب بالمعاصي وصار كل أحد من الناس ثعلبا يأوي إلى وجاره وإن رأى المكيدة بجاره . فإنا لله وإنا إليه راجعون . وحسبنا الله ونعم الوكيل .السابعة : قوله تعالى وجاهدوا أمر بالجهاد ، وهو مشتق من الجهد بأموالكم وأنفسكم روى أبو داود عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم . وهذا وصف لأكمل ما يكون من الجهاد وأنفعه عند الله تعالى . فحض على كمال الأوصاف ، وقدم الأموال في الذكر إذ هي أول مصرف وقت التجهيز . فرتب الأمر كما هو في نفسه .
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
الخطاب للمؤمنين الذين سبق لومهم بقوله : { يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذ قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض } [ التوبة : 38 ] ، فالنفير المأمور به ما يستقبل من الجهاد . وقد قدّمنا أنّ الاستنفار إلى غزوة تبوك كان عامَّاً لكلّ قادر على الغزو : لأنّها كانت في زمن مشقّة ، وكان المغزُوُّ عدوّاً عظيماً ، فالضمير في { انفروا } عام للذين استُنفروا فتثاقلوا ، وإنّما استُنفِر القادرون ، وكان الاستنفار على قدر حاجة الغزو ، فلا يقتضي هذا الأمر توجّه وجوب النفير على كلّ مسلم في كلّ غزوة ، ولا على المسلم العاجز لعمىً أو زَمانة أو مرض ، وإنّما يجري العمل في كلّ غزوة على حسب ما يقتضيه حالها وما يصدر إليهم من نفير . وفي الحديث : " وإذا استنفرتم فانْفِروا "و { خفافا } جمع خفيف وهو صفة مشبّهة من الخفّة ، وهي حالة للجسم تقتضي قلّة كمية أجزائه بالنسبة إلى أجسام أخرى متعارفة ، فيكون سهْلَ التنقّل سهل الحمل . والثقال ضدّ ذلك . وتقدّم الثقل آنفاً عند قوله : { اثاقلتم إلى الأرض } [ التوبة : 38 ].والخفاف والثقال هنا مستعاران لما يشابههما من أحوال الجيش وعلائقهم ، فالخفّة تستعار للإسراع إلى الحرب ، وكانوا يتمادحون بذلك لدلالتها على الشجاعة والنجدةِ ، قال قُريط بن أنيف العنبري :قومٌ إذا الشرُّ أبدَى ناجِذَيْه لهم ... طَاروا إليه زَرَافَات ووُحدانافالثقل الذي يناسب هذا هو الثبات في القتال كما في قول أبي الطيب :ثِقال إذا لاقَوْا خِفاف إذا دُعوا ... وتستعار الخفّة لقلّة العدد ، والثقلُ لكثرة عدد الجيش كما في قول قُريط : «زَرافات ووُحدانا» .وتستعار الخفّة لتكرير الهجوم على الأعداء ، والثقل للتثبّت في الهجوم . وتستعار الخفّة لقلّة الأزوَاد أو قلّة السلاح ، والثقل لضدّ ذلك . وتستعار الخفّة لقلّة العيال ، والثقل لضدّ ذلك وتستعار الخفّة للركوب لأنّ الراكب أخفّ سيراً ، والثقل للمشي على الأرجل وذلك في وقت القتال . قال النابغة :على عارفاتتٍ للطِّعان عوابِسٍ ... بهِنَّ كلوم بين داممٍ وجالبإذ استُنزلوا عنهنّ للضَّرب ارقلوا ... إلى الموت ارْقالَ الجمال المصَاعبوكلّ هذه المعاني صالحة للإرادة من الآية ولمّا وقع { خفافاً وثقالاً } حالاً من فاعل { انفروا } ، كان محمل بعض معانيهما على أن تكون الحال مقدّرة والواو العاطفة لإحدى الصفتين على الأخرى للتقسيم ، فهي بمعنى ( أو ) ، والمقصود الأمر بالنفير في جميع الأحوال .والمجاهدة : المغالبة للعدوّ ، وهي مشتقّة من الجُهد بضمّ الجيم أي بذل الاستطاعة في المغالبة ، وهو حقيقة في المدافعة بالسلاح ، فإطلاقه على بذل المال في الغزو من إنفاققٍ على الجيش واشتراءِ الكراع والسلاح ، مجاز بعلاقة السببية .وقد أمر الله بكلا الأمرين فمن استطاعهما معاً وجبا عليه ، ومن لم يستطع إلاّ واحداً منهما وجب عليه الذي استطاعه منهما .وتقديم الأموال على الأنفس هنا : لأنّ الجهاد بالأموال أقلّ حُضوراً بالذهن عند سماع الأمر بالجهاد ، فكان ذكره أهمّ بعد ذكر الجهاد مجملاً .والإشارة ب { ذلكم } إلى الجهاد المستفاد من { وجاهدوا }.وإبهام { خير } لقصد توقّع خير الدنيا والآخرة من شعب كثيرة أهمها الاطمئنان من أن يغزوهم الروم ولذلك عُقب بقوله : { إن كنتم تعلمون } أي إن كنتم تعلمون ذلك الخير وشعبه . وفي اختيار فعل العلم دون الإيمان مثلاً للإشارة إلى أنّ من هذا الخير ما يخفى فيحتاج متطلّب تعيين شعبه إلى اعمال النظر والعلم .
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
وبعد هذا التذكير للمؤمنين بما كان منه - سبحانه - من تأييد لرسوله عند هجرته ، أمرهم - جل شأنه - بالنفير فى كل حال فقال : ( انفروا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ الله ذلكم خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) .قال الفخر الرازى ما ملخصه : اعلم أنه - تعالى - لما توعد من لا ينفر مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وضرب له من الأمثال ما وصفنا ، ابتعه بهذا الأمر الجازم فقال : ( انفروا خِفَافاً وَثِقَالاً ) .والمراد : انفروا سواء أكنتم على الصفة التى يخف عليكم الجهاد فيها ، أو على الصفة التى يثقل . وهذا الوصف يدخل تحته أقسام كثيرة .منها : ( خِفَافاً ) فى النفور لنشاطكم له ، و ( وَثِقَالاً ) عنه لمشقته عليكم .ومنها : ( خِفَافاً ) لقلة عيالكم ، و ( وَثِقَالاً ) لكثرتها .ومنها : ( خِفَافاً ) من السلاح ، و ( وَثِقَالاً ) منه .والصحيح ما ذكرنا ، إذ الكل داخل فيه ، لأن الوصف المذكور وصف كلى يدخل فيه كل هذه الجزئيات .والمعنى : ( انفروا ) - أيها المؤمنون - ( خِفَافاً وَثِقَالاً ) أى : فى حال سهولة النفر عليكم ، وفى حال صعوبته ومشقته .( وَجَاهِدُواْ ) أعداءكم ببذل أموالكم . وببذل أنفسكم ( فِي سَبِيلِ الله ) أى : فى سبيل إعلاء كلمة الله ونصرة دينه ورسوله - صلى الله عليه وسلم - .فمن استطاع منكم الجهاد بالمال والنفس وجب عليه الجهاد بها . ومن قدر على أحدهما دون الآخر ، وجب عليه ما كان فى قدرته منهما .قال القرطبى روى أبو داود عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم " .وهذا وصف لأكمل ما يكون الجهاد وأنفعه عند الله - تعالى - فقد حض - سبحانه - على كمال الأوصاف .وقدم الأموال فى الذكر ، إذ هى أول مصرف وقت التجهيز ، فرتب الأمر كما هو فى نفسه .واسم الإِشارة فى قوله : ( ذلكم خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) يعود إلى المذكور من الأمرين السابقين وهما : النفور والجهاد .أى : ذلكم الذى أمرتم به من النفور والجهاد فى سبيل الله ، خير لكم فى دنياكم وفى آخرتكم من التثاقل عنهما ، إن كنتم من أهلا لعلم بحقيقة ما بين لكم خالقكم ومربيكم على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - .ولقد أدرك المؤمنون الصادقون هذا الخير فامتثلوا أمر ربهم ، ونفروا للجهاد فى سبيله خفاقاً وثقالاً ، بدون تباطؤ أو تقاعس .وقد ساق المفسرون عند تفسيرهم لهذه الآية كثيراً من الأمثة التى تدل على محبة السلف الصالح للجهاد فى سبيل الله ، ومن ذلك .ما جاء عن أنس أن أبا طلحة قرأ سورة براءة ، فأتى على هذه الآية : ( انفروا خِفَافاً وَثِقَالاً ) فقال : أى بنى ، جهزونى جهزونى . فقال بنوه . يرحمك الله!! لقد غزوت مع النبى - صلى الله عليه وسلم - تحتى مات ، ومع أبى بكر حتى مات . ومع عمر حتى مات . فنحن نغزو عنك . فقال : لا ، جهزونى . فغزا فى البحر فمات فى البحر ، فلما يجدوا له جزيرة يدفنونه فيها إلا بعد سبعة أيام فدفنوه فيها ، ولم يتغير - رضى الله عنه .وقال الزهرى : خرج سعيد بن المسيب إلى الغزو وقد ذهبت إحدى عينيه فقيل له : إنك عليل : فقال : استنفر الله الخفيف والثقيل ، فإن لتم يمكنى الحرب كثرت السواد وحفظت المتاع .وأخرج ابن جرير عن حيان بن زيد الشرعبى قال : نفرنا مع صفوان بن عمرو : وكان والياً على حمص ، فلقيت شيخاً كبيراً هرما ، لى راحلته فيمن نفر ، فأقبلت عليه فقلت : يا عماه لقد أعذر الله إليك .قال : فرفع حاجبيه فقال . يا ابن أخى ، استنفرنا الله خفافا وثقالا ، من يحبه الله يتليه ، ثم يعيده فيبقيه ، وإنما يبتلى الله من عباده من شكر وصبر وذكر ، لوم يعبد إلا الله .وعن أبى راشد الحبرانى قال . وافيت المقداد بن الأسود ، فارس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالساً على تابوت من توابيت الصيارفة بحمص ، وهو يريد الغزو - وقد تقدمت به السن - فقلت : له لقد أعذر الله إليك .فقال : أبت علينا سورة البعوث ذلك . يعنى هذه الآية : ( انفروا خِفَافاً وَثِقَالاً ) .هذا ، ومن العلماء من يرى أن هذه الآية تجعل الجهاد على الجميع حتى المريض والزمن والفقير . . وليس الأمر كذلك ، فما معنى هذا الأمر؟قلت . من العلماء من حمله على الوجوب ثم إنه نسخ بقوله - تعالى - ( لَّيْسَ عَلَى الضعفآء وَلاَ على المرضى ) ومنهم من حمل هذا الأمر الندب .والصحيح أنها منسوخة ، لأن الجهاد من فروض الكفاية ، ويدل عليه أن هذه الآيات نزلت فى غزوة تبوك ، وأن النبى - صلى الله عليه وسلم - خلف فى المدينة فى تلك الغزوة النساء وبعض الرجال ، فدل ذلك على أن الجهد من فروض الكفايات ، وأنه ليس على الأعيان .ويرى بعض العلماء أن الاية ليست منسوخة ، فقد قال الإِمام القرطبى - ما ملخصه - واختلف فى هذه الآية ، فقيل إنها منسوخة بقوله - تعالى - ( لَّيْسَ عَلَى الضعفآء وَلاَ على المرضى )والصحيح أنها ليست بمنسوخة .روى ابن عباس عن أبى طلحة فى قوله - تعالى - ( انفروا خِفَافاً وَثِقَالاً ) قال : شباناً وكهولا . ما سمع الله عذر أحد . فخرج إلى الشام فجاهد حتى مات .ثم قال - بعد أن ساق نماذج متعددة لمن خرجوا للجهاد خفافاً وثقالا - فلهذا وما كان مثله مما روى عن الصحابة والتابعين قلنا . إن النسخ لا يصح .فقد تكون هناك حالة يجب فيها نفير الكل ، وذلك إذا تعين الجهاد لغلبة العدو على قطر من الأقطار الإِسلامية ، أو بحلوله فى العقر . ففى هذه الحالة يجب على جميع أهل الدار أن ينفروا ويخرجوا إليه خفافاً وثقالاً؛ شباباً وشيوخاً ، كل على قدر طافته . ولا يتخلف أنحد يقدر على الخروج .فإن عجز أهل تلك البلدة عن صد عدوهم؛ كان على من قاربهم أن يخرجوا معهم لصد العدو ، وكذلك الشأن بالنسبة لكل من علم بضعفهم عن عدوهم فالمسلمون كلهم يد على من سواهم .حتى إذا قام بدفع العدو أهل الناحية التى نزل العدو عليها ، سقط الفرض على الآخرين .ثم قال - رحمه الله - ومن الجهاد أيضاً ما هو نافلة ، وهو إخراج الإِمام طائفة . . لإِظهار القوة ، وإعزاز دين الله .ثم قال : وقال ابن العربى ، ولقد نزل بنا العدو - قصمه الله . سنة سبع وعشرين وخمسمائة : فجاس ديارنا ، وأسر خيرتنا ، وتوسط بلادنا . . فقلت للوالى والمولى عليه : عدو الله قد حصل فى الشرك والشبكة ، فلتكن عندكم بركة ، ولتظهر منكم إلى نصرة الدين المعينة عليكم حركة ، فليخرج إليه جميع الناس . . فيحاط به فيهلك .فغلبت الذنوب ، ورجفت القلوب بالمعاصى ، وصار كل أحد من الناس ثعلباً يأوى إلى وجاره ، وإن رأى المكيدة بجاره .فإنا لله وإنا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .والذى نراه . أن ما ذهب إليه الإِمام القرطبى ، من أن الآية الكريمة ليست منسوخة ، أولى بالاتباع .لأن الجهاد قد يكون فرض كفاية فى بعض الحالات ، وقد يكون فرض عين فى حالات أخرى والآية الكريمة التى معنا تدعو المؤمنين إلى النفي العام فى تلك الحالات الأخرى التى يكون الجهد فيها فرض عين وبذلك يمكن الجمع بين الآيات التى تدعو إلى النفير العام . والآيات التى تعفى بعض الن عاسن مشاقه ومتاعبه .ومن كل ما تقدم يتبين لنا أن هذه الآيات الأربع قد عاتبت المؤمنين الذين تخلفوا عن الجهاد فى غزوة تبوك عتاباً شديداً؛ وأنذرتهم بالعذاب الأليم إن لم ينفروا . . وذكرتهم بما كان من نصر الله لنبيه حين أخرجه الذين كفروا ثانى اثنين . . وأمرتهم بالنفور إلى الجهاد خفافاً وثقالا .وبمجاهدة المشركين بأموالهم وأنفهسم ، فذلك هو الخير لهم فى عاجلتهم وآجلتهم .
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
قوله تعالى : ( انفروا خفافا وثقالا ) قال الحسن والضحاك ومجاهد وقتادة وعكرمة : شبانا وشيوخا . وعن ابن عباس : نشاطا وغير نشاط . وقال عطية العوفي : ركبانا ومشاة . وقال أبو صالح : خفافا من المال ، أي فقراء ، وثقالا أي : أغنياء . وقال ابن زيد : الثقيل الذي له الضيعة ، فهو ثقيل يكره أن يدع ضيعته ، والخفيف الذي لا ضيعة له . ويروى عن ابن عباس قال : خفافا أهل الميسرة من المال ، وثقالا أهل العسرة . وقيل : خفافا من السلاح ، أي : مقلين منه ، وثقالا أي : مستكثرين منه . وقال الحكم بن عتيبة : مشاغيل وغير مشاغيل . وقال مرة الهمذاني : أصحاء ومرضى . وقال يمان بن رباب : عزابا ومتأهلين . وقيل : خفافا من حاشيتكم وأتباعكم ، وثقالا مستكثرين بهم . وقيل : خفافا مسرعين خارجين ساعة سماع النفير ، وثقالا بعد التروي فيه والاستعداد له .( وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ) قال الزهري : خرج سعيد بن المسيب إلى الغزو وقد ذهبت إحدى عينيه ، فقيل له : إنك عليل صاحب ضر ، فقال : استنفر الله الخفيف والثقيل ، فإن لم يمكني الحرب كثرت السواد وحفظت المتاع .وقال عطاء الخراساني عن ابن عباس : نسخت هذه الآية بقوله : ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة ) .وقال السدي : لما نزلت هذه الآية اشتد شأنها على الناس فنسخها الله تعالى وأنزل : ( ليس على الضعفاء ولا على المرضى ) الآية .ثم نزل في المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك :