تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
والذين سبقوا الناس أولا إلى الإيمان بالله ورسوله من المهاجرين الذين هجروا قومهم وعشيرتهم وانتقلوا إلى دار الإسلام، والأنصار الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعدائه الكفار، والذين اتبعوهم بإحسان في الاعتقاد والأقوال والأعمال طلبًا لمرضاة الله سبحانه وتعالى، أولئك الذين رضي الله عنهم لطاعتهم الله ورسوله، ورضوا عنه لما أجزل لهم من الثواب على طاعتهم وإيمانهم، وأعدَّ لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا، ذلك هو الفلاح العظيم. وفي هذه الآية تزكية للصحابة -رضي الله عنهم- وتعديل لهم، وثناء عليهم؛ ولهذا فإن توقيرهم من أصول الإيمان.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
«والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار» وهم من شهد بدرا أو جميع الصحابة «والذين اتبعوهم» إلى يوم القيامة «بإحسان» في العمل «رضي الله عنهم» بطاعته «ورضوا عنه» بثوابه «وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار» وفي قراءة بزيادة من «خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم».
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
قوله تعالى : والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيمفيه سبع مسائل :الأولى : لما ذكر جل وعز أصناف الأعراب ذكر المهاجرين والأنصار ، وبين أن منهم السابقين إلى الهجرة وأن منهم التابعين ، وأثنى عليهم . وقد اختلف في عدد طبقاتهم وأصنافهم . ونحن نذكر من ذلك طرفا نبين الغرض فيه إن شاء الله تعالى . وروى عمر بن الخطاب أنه قرأ والأنصار رفعا عطفا على السابقين . قال الأخفش : الخفض في الأنصار الوجه ; لأن السابقين منهما . والأنصار اسم إسلامي . قيل لأنس بن مالك : أرأيت قول الناس لكم : الأنصار ، اسم سماكم الله به أم كنتم تدعون به في الجاهلية ؟ قال : بل اسم سمانا الله به في القرآن ; ذكره أبو عمر في الاستذكار .الثانية : نص القرآن على تفضيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وهم الذين صلوا إلى القبلتين ; في قول سعيد بن المسيب وطائفة . وفي قول أصحاب الشافعي هم الذين شهدوا بيعة الرضوان ، وهي بيعة الحديبية ، وقاله الشعبي . وعن محمد بن كعب وعطاء بن يسار : هم أهل بدر . واتفقوا على أن من هاجر قبل تحويل القبلة فهو من المهاجرين الأولين من غير خلاف بينهم . أما أفضلهم ، وهي :الثالثة : فقال أبو منصور البغدادي التميمي : أصحابنا مجمعون على أن أفضلهم الخلفاء الأربعة ، ثم الستة الباقون إلى تمام العشرة ، ثم البدريون ثم أصحاب أحد ثم أهل بيعة الرضوان بالحديبية .[ ص: 159 ] الرابعة : وأما أولهم إسلاما فروى مجالد عن الشعبي قال : سألت ابن عباس من أول الناس إسلاما ؟ قال أبو بكر ، أوما سمعت قول حسان :إذا تذكرت شجوا من أخي ثقة فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا خير البرية أتقاها وأعدلهابعد النبي وأوفاها بما حملا الثاني التالي المحمود مشهدهوأول الناس منهم صدق الرسلاوذكر أبو الفرج الجوزي عن يوسف بن يعقوب بن الماجشون أنه قال : أدركت أبي وشيخنا محمد بن المنكدر وربيعة بن أبي عبد الرحمن وصالح بن كيسان وسعد بن إبراهيم وعثمان بن محمد الأخنسي وهم لا يشكون أن أول القوم إسلاما أبو بكر ; وهو قول ابن عباس وحسان وأسماء بنت أبي بكر ، وبه قال إبراهيم النخعي . وقيل : أول من أسلم علي ; روي ذلك عن زيد بن أرقم وأبي ذر والمقداد وغيرهم . قال الحاكم أبو عبد الله : لا أعلم خلافا بين أصحاب التواريخ أن عليا أولهم إسلاما . وقيل : أول من أسلم زيد بن حارثة . وذكر معمر نحو ذلك عن الزهري . وهو قول سليمان بن يسار وعروة بن الزبير وعمران بن أبي أنس . وقيل : أول من أسلم خديجة أم المؤمنين ; روي ذلك من وجوه عن الزهري ، وهو قول قتادة ومحمد بن إسحاق بن يسار وجماعة ، وروي أيضا عن ابن عباس . وادعى الثعلبي المفسر اتفاق العلماء على أن أول من أسلم خديجة ، وأن اختلافهم إنما هو فيمن أسلم بعدها . وكان إسحاق بن إبراهيم بن راهويه الحنظلي يجمع بين هذه الأخبار ، فكان يقول : أول من أسلم من الرجال أبو بكر ، ومن النساء خديجة ، ومن الصبيان علي ، ومن الموالي زيد بن حارثة ، ومن العبيد بلال . والله أعلم . وذكر محمد بن سعد قال : أخبرني مصعب بن ثابت قال حدثني أبو الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل قال : كان إسلام الزبير بعد أبي بكر وكان رابعا أو خامسا . قال الليث بن سعد وحدثني أبو الأسود قال : أسلم الزبير وهو ابن ثمان سنين . وروي أن عليا أسلم ابن سبع سنين . وقيل : ابن عشر .الخامسة : والمعروف عن طريقة أهل الحديث أن كل مسلم رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو من أصحابه . قال البخاري في صحيحه : من صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه . وروي عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يعد الصحابي إلا من أقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة أو سنتين ، وغزا معه غزوة أو غزوتين . وهذا القول إن صح عن سعيد بن المسيب يوجب ألا يعد من الصحابة جرير بن عبد الله البجلي أو من شاركه في فقد ظاهر ما اشترطه فيهم ممن لا نعرف خلافا في عده من الصحابة .[ ص: 160 ] السادسة : لا خلاف أن أول السابقين من المهاجرين أبو بكر الصديق . وقال ابن العربي : السبق يكون بثلاثة أشياء : الصفة وهو الإيمان ، والزمان ، والمكان . وأفضل هذه الوجوه سبق الصفات ; والدليل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح : نحن الآخرون الأولون بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله له فاليهود غدا والنصارى بعد غد . فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من سبقنا من الأمم بالزمان سبقناهم بالإيمان والامتثال لأمر الله تعالى والانقياد إليه ، والاستسلام لأمره والرضا بتكليفه والاحتمال لوظائفه ، لا نعترض عليه ولا نختار معه ، ولا نبدل بالرأي شريعته كما فعل أهل الكتاب ; وذلك بتوفيق الله لما قضاه ، وبتيسيره لما يرضاه ; وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله .السابعة : قال ابن خويزمنداد : تضمنت هذه الآية تفضيل السابقين إلى كل منقبة من مناقب الشريعة ، في علم أو دين أو شجاعة أو غير ذلك ، من العطاء في المال والرتبة في الإكرام . وفي هذه المسألة خلاف بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما . واختلف العلماء في تفضيل السابقين بالعطاء على غيرهم ; فروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه كان لا يفضل بين الناس في العطاء بعضهم على بعض بحسب السابقة . وكان عمر يقول له : أتجعل ذا السابقة كمن لا سابقة له ؟ فقال أبو بكر : إنما عملوا لله وأجرهم عليه . وكان عمر يفضل في خلافته ; ثم قال عند وفاته : لئن عشت إلى غد لألحقن أسفل الناس بأعلاهم ; فمات من ليلته . والخلافة إلى يومنا هذا على هذا الخلاف .قوله تعالى والذين اتبعوهم بإحسان فيه مسألتان : الأولى : قرأ عمر " والأنصار " رفعا . ( الذين ) بإسقاط الواو نعتا للأنصار ; فراجعه زيد بن ثابت ، فسأل عمر أبي بن كعب فصدق زيدا ; فرجع إليه عمر وقال : ما كنا نرى إلا أنا رفعنا رفعة لا ينالها معنا أحد . فقال أبي : إني أجد مصداق ذلك في كتاب الله في أول سورة الجمعة : وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وفي سورة الحشر : والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان . وفي سورة الأنفال بقوله : والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم . فثبتت القراءة بالواو . وبين تعالى [ ص: 161 ] بقوله : ( بإحسان ) ما يتبعون فيه من أفعالهم وأقوالهم ، لا فيما صدر عنهم من الهفوات والزلات ; إذ لم يكونوا معصومين رضي الله عنهم .الثانية : واختلف العلماء في التابعين ومراتبهم ; فقال الخطيب الحافظ : التابعي من صحب الصحابي ; ويقال للواحد منهم : تابع وتابعي . وكلام الحاكم أبي عبد الله وغيره مشعر بأنه يكفي فيه أن يسمع من الصحابي أو يلقاه وإن لم توجد الصحبة العرفية . وقد قيل : إن اسم التابعين ينطلق على من أسلم بعد الحديبية ; كخالد بن الوليد وعمرو بن العاص ومن داناهم من مسلمة الفتح ; لما ثبت أن عبد الرحمن بن عوف شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد ; فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخالد : دعوا لي أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم كل يوم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه . ومن العجب عد الحاكم أبو عبد الله النعمان وسويدا ابني مقرن المزني في التابعين عندما ذكر الإخوة من التابعين ، وهما صحابيان معروفان مذكوران في الصحابة ، وقد شهدا الخندق كما تقدم . والله أعلم . وأكبر التابعين الفقهاء السبعة من أهل المدينة ، وهم سعيد بن المسيب ، والقاسم بن محمد ; وعروة بن الزبير ، وخارجة بن زيد ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وعبد الله بن عتبة بن مسعود ، وسليمان بن يسار . وقد نظمهم بعض الأجلة في بيت واحد فقال :فخذهم عبيد الله عروة قاسم سعيد أبو بكر سليمان خارجهوقال أحمد بن حنبل : أفضل التابعين سعيد بن المسيب ; فقيل له : فعلقمة والأسود . فقال : سعيد بن المسيب وعلقمة والأسود . وعنه أيضا أنه قال : أفضل التابعين قيس وأبو عثمان وعلقمة ومسروق ; هؤلاء كانوا فاضلين ومن علية التابعين . وقال أيضا : كان عطاء مفتي مكة والحسن مفتي البصرة فهذان أثر الناس عنهم ; وأبهم . وروي عن أبي بكر بن أبي داود قال : سيدتا التابعين من النساء حفصة بنت سيرين وعمرة بنت عبد الرحمن ، وثالثتهما - وليست كهما - أم الدرداء . وروي عن الحاكم أبي عبد الله قال : طبقة تعد في التابعين ولم يصح سماع أحد منهم من الصحابة ; منهم إبراهيم بن سويد النخعي وليس بإبراهيم بن يزيد النخعي الفقيه . وبكير بن أبي السميط ، وبكير بن عبد الله الأشج . وذكر غيرهم قال : وطبقة عدادهم [ ص: 162 ] عند الناس في أتباع التابعين . وقد لقوا الصحابة منهم أبو الزناد عبد الله بن ذكوان ، لقي عبد الله بن عمر وأنسا . وهشام بن عروة ، وقد أدخل على عبد الله بن عمر ، وجابر بن عبد الله وموسى بن عقبة ، وقد أدرك أنس بن مالك . وأم خالد بنت خالد بن سعيد . وفي التابعين طبقة تسمى بالمخضرمين ، وهم الذين أدركوا الجاهلية وحياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلموا ولا صحبة لهم . واحدهم مخضرم بفتح الراء كأنه خضرم ، أي قطع عن نظرائه الذين أدركوا الصحبة وغيرها . وذكرهم مسلم فبلغ بهم عشرين نفسا ، منهم أبو عمرو الشيباني ، وسويد بن غفلة الكندي ، وعمرو بن ميمون الأودي وأبو عثمان النهدي وعبد خير بن يزيد الخيراني بفتح الخاء ، بطن من همدان ، وعبد الرحمن بن مل . وأبو الحلال العتكي ربيعة بن زرارة . وممن لم يذكره مسلم منهم أبو مسلم الخولاني عبد الله بن ثوب ، والأحنف بن قيس . فهذه نبذة من معرفة الصحابة والتابعين الذين نطق بفضلهم القرآن الكريم ، رضوان الله عليهم أجمعين . وكفانا نحن قوله جل وعز : كنتم خير أمة أخرجت للناس على ما تقدم ، وقوله عز وجل : وكذلك جعلناكم أمة وسطا الآية . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وددت أنا لو رأينا إخواننا . . . . الحديث . فجعلنا إخوانه ; إن اتقينا الله واقتفينا آثاره ، حشرنا الله في زمرته ولا حاد بنا عن طريقته وملته بحق محمد وآله .
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
عُقِّب ذكر الفرق المتلبسة بالنقائص على تفاوت بينها في ذلك بذكر القدوة الصالحة والمثل الكامل في الإيمان والفضائل والنصرة في سبيل الله ليحتذِي مُتطلب الصلاح حذوَهم ، ولئلا يخلوَ تقسيم القبائل الساكنة بالمدينة وحَواليها وبَواديها ، عن ذكر أفضل الأقسام تنويهاً به . وبهذا تم استقراء الفرق وأحوالها .فالجملة عطف على جملة : { ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرماً } [ التوبة : 98 ].والمقصود بالسبق السبق في الإيمان ، لأن سياق الآيات قبلها في تمييز أحوال المؤمنين الخالصين ، والكفار الصرحاء ، والكفار المنافقين؛ فتعين أن يراد الذين سبقوا غيرهم من صنفهم ، فالسابقون من المهاجرين هم الذين سبقوا بالإيمان قبل أن يهاجِر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، والسابقون من الأنصار هم الذين سبقوا قومهم بالإيمان ، وهم أهل العقبتين الأولى والثانية .وقد اختلف المفسرون في تحديد المدة التي عندها ينتهي وصف السابقين من المهاجرين والأنصار معاً ، فقال أبو موسى وابن المسيب وابن سيرين وقتادة : من صلى القبلتين . وقال عطاء : من شهد بدراً . وقال الشعبي : من أدركوا بيعة الرضوان . وهذه الأقوال الثلاثة تعتبر الواو في قوله : { والأنصار } للجمع في وصف السبق لأنه متحد بالنسبة إلى الفريقين ، وهذا يخص المهاجرين . وفي «أحكام ابن العربي» ما يشبه أنَّ رأيه أن السابقين أصحاب العقبتين ، وذلك يخص الأنصار . وعن الجبائي : أن السابقين مَن أسلموا قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة . ولعله اختيار منه إذ لم يسنده إلى قائل .واختار ابن عطية أن السابقين هم من هاجر قبل أن تنقطع الهجرة ، أي بفتح مكة ، وهذا يَقصر وصفَ السبق على المهاجرين . ولا يلاقي قراءة الجمهور بخفض { الأنصار }. و { من } للتبعيض لا للبيان .والأنصار : جمع نصير ، وهو الناصر . والأنصار بهذا الجمع اسم غلب على الأوْس والخزرج الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته أو بعد وفاته وعلى أبنائهم إلى آخر الزمان . دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الوصف ، فيطلق على أولاد المنافقين منهم الذين نشأوا في الإسلام كولد ابن صياد .وقرأ الجمهور { والأنصار } بالخفض عطفاً على المهاجرين ، فيكون وصف السابقين صفة للمهاجرين والأنصار . وقرأ يعقوب { والأنصارُ } بالرفع ، فيكون عطفاً على وصف { السابقون } ويكون المقسَّم إلى سابقين وغيرهم خصوص المهاجرين .والمراد بالذين اتبعوهم بقية المهاجرين وبقية الأنصار اتبعوهم في الإيمان ، أي آمنوا بعد السابقين : ممن آمنوا بعد فتح مكة ومن آمنوا من المنافقين بعد مدة .والإحسان : هو العمل الصالح . والباء للملابسة . وإنما قيد هذا الفريق خاصة لأن السابقين الأولين ما بعثهم على الإيمان إلا الإخلاص ، فهم محسنون ، وأما الذين اتبعوهم فمن بينهم من آمن اعتزازاً بالمسلمين حين صاروا أكثر أهل المدينة ، فمنهم من آمن وفي إيمانه ضعف وتردد ، مثل المؤلفة قلوبهم ، فربما نزل بهم إلى النفاق وربما ارتقى بهم إلى الإيمان الكامل ، وهم المذكورون مع المنافقين في قوله تعالى :{ لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض } [ الأحزاب : 60 ] فإذا بلغوا رتبة الإحسان دخلوا في وعد الرضى من الله وإعداد الجنات .وجملة : { رضي الله عنهم } خبر عن { السابقون }. وتقديم المسند إليه على خبره الفعلي لقصد التقوي والتأكيد . ورضَى الله عنهم عنايته بهم وإكرامه إياهم ودفاعه أعداءَهم ، وأما رضاهم عنه فهو كناية عن كثرة إحسانه إليهم حتى رضيت نفوسهم لما أعطاهم ربهم .والإعداد : التهيئة . وفيه إشعار بالعناية والكرامة . وتقدم القول في معنى جري الأنهار .وقد خالفت هذه الآية عند معظم القراء أخواتها فلم تذكر فيها ( مِنْ ) مع ( تَحتِها ) في غالب المصاحف وفي رواية جمهور القراء ، فتكون خالية من التأكيد إذ ليس لحرف ( من ) معنى مع أسماء الظروف إلا التأكيد ، ويكون خلو الجملة من التأكيد لحصول ما يغني عنه من إفادة التقوي بتقديم المسند إليه على الخبر الفعلي ، ومن فعل ( أعد ) المؤذن بكمال العناية فلا يكون المعد إلا أكمل نوعه .وثبتت ( مِن ) في مصحف مَكة ، وهي قراءة ابن كثير المكي ، فتكون مشتملة على زيادة مؤكدين .
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد ذمت من يستحق الذم من الأعراب ومدحت من يستحق المدح منهم ، وبينت مصير كل فريق ليكون عبرة للمعتبرين وذكرى للمتذكرين وبعد هذا التقسيم للأعراب ، انتقلت السورة للحديث عن المؤمنين الصادقين الذين وقفوا إلى جانب الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وأطاعوه فى السر والعلن ، فقال تعالى : ( والسابقون الأولون . . . ) .فهذه الآية الكريمة قد مدحت ثلاث طوائف من المسلمين المعاصرين للعهد النبوى .الطائفة الأولى ( والسابقون الأولون مِنَ المهاجرين ) وهم الذين تركوا ديارهم وأموالهم بمكة ، وهاجروا إلى الحبشة ، ثم الى المدينة من أجل إعلاء كلمة الله واستمروا فى المدينة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أن تم الفتح ودخل الناس فى دين الله أفواجا .وقيل المراد بهم : الذين صلوا إلى القبلتين ، وقيل : الذين شهدوا غزوة بدر .والطائفة الثانية : السابقون الأولون من الأنصار ، وهم الذين بايعوا النبى - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يهاجر اليهم إلى المدينة بيعة العقبة الأولى والثانية .وكانت بيعة العقبة الأولى فى السنة الحادية عشرة من البعثة ، وكان عدد المشتركين فيها سبعة أفراد .أما بيعة العقبة الثانية فكانت فى السنة الثانية عشرة من البعثة ، وكان عدد المشتركين فيها سبعين رجلا وامرأتين .ثم يلى هؤلاء أولئك المؤمنون من أهل المدينة الذين دخلوا فى الإِسلام على يد مصعب بن عمير ، قبل وصول الرسول - صلى الله عليه وسلم - اليها .ثم يلى هؤلاء جميعا أولئك الذين آمنوا بالنبى - صلى الله عليه وسلم - بعد مقدمه إلى المدينة .والطائفة الثالثة : ( والذين اتبعوهم بِإِحْسَانٍ ) أى : الذين اتبعوا السابقين فى الإسلام من المهاجرين والأنصار ، اتباعا حسنا فى أقوالهم وأعمالهم وجهادهم ونصرتهم لدعوة الحق .قال الآلوسى ما ملخصه : وكثير من الناس ذهب إلى أن المراد بالسابقين الأولين : جميع المهاجرين والأنصار . ومعنى كونهم سابقين : أنهم أولون بالنسبة إلى سائر المسلمين .روى عن حميد بن زياد قال : قلت يوما لمحمد بن كعب القرظى ، ألا تخبرنى عن الصحابة فيما كان بينهم من الفتن؟ فقال لى : إن الله - تعالى - قد غفر لجميعهم ، وأوجب لهم الجنة فى كتابه ، محسنهم ومسيئهم ، فقلت له : وفى أى موضع أوجب لهم الجنة ، فقال : سبحانه!! ألم تقرأ قوله . تعالى - : ( والسابقون الأولون . . . ) الآية فقد أوجب . سبحانه لجميع الصحابة الجنة وشرط على تبايعهم أن يقتدروا بهم فى أعمالهم الحسنة وألا يقولوا فيهم إلا حسنا لا سوءاً .وقوله : ( رَّضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ) بيان لسمو منزلتهم ، وارتفاع مكانتهم .أى : رضى الله عنهم فى إيمانهم وإخلاصهم ، فتقبل أعمالهم ، ورفع درجاتهم وتجاوز عن زلاتهم ، ورضوا عنه ، بما أسبغه عليهم من نعم جليلة ، وبما ناله منه . سبحانه . من هداية وثواب .ثم ختم سبحانه الآية الكريمة ببيان ما هيأه لهم فى الآخرة من إكرام فقال : ( وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذلك الفوز العظيم ) .أى : أنه - سبحانه - بجانب رضاه عنهم ورضاهم عنه فى الدنيا ، قد أعد لهم - سبحانه - فى الآخرة جنات تجرى من تحت أشجارها الأنهار خالدين فيها خلودا أبديا وذلك الرضا والخلود فى الجنات من الفوز العظيم الذى لا يقاربه فوز ، ولا تدانيه سعادة .قال الإِمام ابن كثير : أخبر الله - تعالى - فى هذه الآية " أنه قد رضى عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان . فياويل من أبغضهم ، أو سبهم ، أو أبغض أو سب بعضهم ، ولا سيما سيد الصحابة بعد الرسول ، وخيرهم وأفضلهم أعنى الصديق الأكبر والخليفة الأعظم أبا بكر بن أبى قحافة ، فإن الطائفة المخذولة من الرافضة يعادون أفضل الصحابة ، ويبغضونهم ويسبونهم ، عياذا بالله من ذلك ، وهذا يدل على أن عقولهم معكوسة وقلوبهم منكوسة ، فأين هؤلاء من الايمان بالقرآن إذ يسبون من رضى الله عنهم؟وأما أهل السنة فإنهم يترضون عمن رضى الله عنه ، ويسبون من سبه الله ورسوله ، ويوالون من يوالى الله ، ويعادون من يعادى الله ، وهم متبعون لا مبتدعون ، وهؤلاء هم حزب الله المفلحون ، وعباده المؤمنون .وبهذا نرى أن هذه الآية الكريمة قد مدحت السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بإحسان ، وذلك لقوة إيمانهم ، وصفاء نفوسهم وإيثارهم ما عند الله على هذه الدنيا وما فيها . .ثم تحدثت السورة بعد ذلك عن أصناف أخرى من الناس ، منهم قوم . أجادوا النفاق ، ومرنوا عليه ، ولجوا فيه . ومنهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ، ومنهم قوم موقوف أمرهم إلى أن يظهر الله حكمه فيهم فقال تعالى : ( وَآخَرُونَ اعترفوا بِذُنُوبِهِمْ . . . عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) .قال القرطبى : ومعنى ( مَرَدُواْ عَلَى النفاق ) أقاموا عليه ولم يتوبوا منه ، أو لجوا فيه وأبوا غيره وأصل الكلمة من اللين والملاسة والتجرد ، فكأنهم تجردوا للنفاق ، ومنه رملة مرداء أى لانبت فيها ، وغصن أمرد . أى : لا ورق له . . ويقال : مرد يمرد مروداً ومرادة .والمعنى : اذكروا أيها المؤمنون أن يسكن من حلو مدينتكم قوم من الأعراب منافقون ، فاحترسوا منهم ، واحترسوا - أيضا - من قوم آخرين يسكنون معكم داخل المدينة ، مردوا على النفاق ، أى : مرنوا عليه ، وأجادوا فنونه ، حتى بلغوا فيه الغاية .
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ) الآية . قرأ يعقوب بالرفع عطفا على قوله : " والسابقون " .واختلفوا في السابقين الأولين ، قال سعيد بن المسيب ، وقتادة ، وابن سيرين وجماعة : هم الذين صلوا إلى القبلتين .وقال عطاء بن أبي رباح : هم أهل بدر .وقال الشعبي : هم الذين شهدوا بيعة الرضوان ، وكانت بيعة الرضوان بالحديبية .واختلفوا في أول من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد امرأته خديجة ، مع اتفاقهم على أنها أول من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال بعضهم : أول من آمن وصلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وهو قول جابر ، وبه قال مجاهد وابن إسحاق ، أسلم وهو ابن عشر سنين .وقال بعضهم : أول من آمن بعد خديجة أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، وهو قول ابن عباس وإبراهيم النخعي والشعبي .وقال بعضهم : أول من أسلم زيد بن حارثة ، وهو قول الزهري وعروة بن الزبير .وكان إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يجمع بين هذه الأقوال فيقول : أول من أسلم من الرجال أبو بكر رضي الله عنه ، ومن النساء خديجة ، ومن الصبيان علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ومن العبيد زيد بن حارثة .قال ابن إسحاق : فلما أسلم أبو بكر رضي الله عنه أظهر إسلامه ودعا إلى الله وإلى رسوله ، وكان رجلا محببا سهلا وكان أنسب قريش وأعلمها بما كان فيها ، وكان تاجرا ذا خلق ومعروف ، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر ؛ لعلمه وحسن مجالسته ، فجعل يدعو إلى الإسلام من وثق به من قومه ، فأسلم على يديه - فيما بلغني - : عثمان بن عفان ، والزبير بن العوام ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وطلحة بن عبيد الله ، فجاء بهم إلى رسول صلى الله عليه وسلم حين استجابوا له فأسلموا وصلوا ، فكان هؤلاء الثمانية النفر الذين سبقوا إلى الإسلام . ثم تتابع الناس في الدخول في الإسلام ، أما السابقون من الأنصار : فهم الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة ، وكانوا ستة في العقبة الأولى ، وسبعين في الثانية ، والذين آمنوا حين قدم عليهم مصعب بن عمير يعلمهم القرآن ، فأسلم معه خلق كثير وجماعة من النساء والصبيان .قوله عز وجل : ( والسابقون الأولون من المهاجرين ) الذين هاجروا قومهم وعشيرتهم وفارقوا أوطانهم . ( والأنصار ) أي : ومن الأنصار ، وهم الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعدائه من أهل المدينة وآووا أصحابه ، ( والذين اتبعوهم بإحسان ) قيل : هم بقية المهاجرين والأنصار سوى السابقين الأولين .وقيل : هم الذين سلكوا سبيلهم في الإيمان والهجرة أو النصرة إلى يوم القيامة .وقال عطاء : هم الذين يذكرون المهاجرين والأنصار بالترحم والدعاء .وقال أبو صخر حميد بن زياد : أتيت محمد بن كعب القرظي فقلت له : ما قولك في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال : جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة محسنهم ومسيئهم ، فقلت من أين تقول هذا؟ فقال : يا هذا اقرأ قول الله تعالى : ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ) إلى أن قال : ( رضي الله عنهم ورضوا عنه ) وقال : ( والذين اتبعوهم بإحسان ) شرط في التابعين شريطة وهي أن يتبعوهم في أفعالهم الحسنة دون السيئة .قال أبو صخر : فكأني لم أقرأ هذه الآية قط .روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه " .ثم جمعهم الله عز وجل في الثواب فقال : ( رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار ) قرأ ابن كثير : ( من تحتها الأنهار ) ، وكذلك هو في مصاحف أهل مكة ، ( خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم ) .