تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
الثناء على الله بصفاته التي كلُّها أوصاف كمال، وبنعمه الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية، خالق السماوات والأرض ومبدعهما، جاعل الملائكة رسلا إلى مَن يشاء من عباده، وفيما شاء من أمره ونهيه، ومِن عظيم قدرة الله أن جعل الملائكة أصحاب أجنحة مثنى وثلاث ورباع تطير بها؛ لتبليغ ما أمر الله به، يزيد الله في خلقه ما يشاء. إن الله على كل شيء قدير، لا يستعصي عليه شيء.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
«الحمد لله» حمد تعالى نفسه بذلك كما بُيّن في أول سورة سبأ «فاطر السماوات والأرض» خالقهما على غير مثال سبق «جاعل الملائكة رسلا» إلى الأنبياء «أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق» في الملائكة وغيرها «ما يشاء إن الله على كل شيء قدير».
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
سورة فاطرمكية في جميع الأقوال ، وهي خمس وأربعون آيةبسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير .قوله تعالى : الحمد لله فاطر السماوات والأرض يجوز في " فاطر " ثلاثة أوجه : الخفض على النعت ، والرفع على إضمار مبتدأ ، والنصب على المدح . وحكى سيبويه : الحمد لله أهل الحمد مثله وكذا " جاعل الملائكة " . والفاطر : الخالق . وقد مضى في ( يوسف ) وغيرها . والفطر الشق عن الشيء ; يقال : فطرته فانفطر . ومنه : فطر ناب البعير طلع ، فهو بعير فاطر . وتفطر الشيء تشقق . وسيف فطار ، أي فيه تشقق . قال عنترة :وسيفي كالعقيقة فهو كمعي سلاحي لا أفل ولا فطاراوالفطر : الابتداء والاختراع . قال ابن عباس : كنت لا أدري ما فاطر السماوات والأرض حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر ، فقال أحدهما : أنا فطرتها ، أي أنا ابتدأتها . والفطر حلب الناقة بالسبابة والإبهام . والمراد بذكر السماوات والأرض العالم كله ، ونبه بهذا على أن من قدر على الابتداء قادر على الإعادة . ( جاعل الملائكة ) لا يجوز فيه التنوين ، لأنه لما مضى . ( رسلا ) مفعول ثان ، ويقال على إضمار فعل ; لأن ( فاعلا ) إذا كان لما مضى لم يعمل فيه شيئا ، وإعماله على أنه مستقبل حذف التنوين منه تخفيفا . وقرأ الضحاك ( الحمد لله فطر السماوات والأرض ) على الفعل الماضي . جاعل الملائكة رسلا الرسل منهم [ ص: 287 ] جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت ، صلى الله عليهم أجمعين . وقرأ الحسن : ( جاعل الملائكة ) بالرفع . وقرأ خليد بن نشيط ( جعل الملائكة ) وكله ظاهر . أولي أجنحة نعت ، أي أصحاب أجنحة . مثنى وثلاث ورباع أي اثنين اثنين ، وثلاثة ثلاثة ، وأربعة أربعة . قال قتادة : بعضهم له جناحان ، وبعضهم ثلاثة ، وبعضهم أربعة ; ينزلون بهما من السماء إلى الأرض ، ويعرجون من الأرض إلى السماء ، وهي مسيرة كذا في وقت واحد ، أي جعلهم رسلا . قال يحيى بن سلام : إلى الأنبياء . وقال السدي : إلى العباد برحمة أو نقمة . وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل عليه السلام له ستمائة جناح . وعن الزهري أن جبريل عليه السلام قال له : ( يا محمد ، لو رأيت إسرافيل إن له لاثني عشر ألف جناح منها جناح بالمشرق وجناح بالمغرب وإن العرش لعلى كاهله وإنه في الأحايين ليتضاءل لعظمة الله حتى يعود مثل الوصع - والوصع عصفور صغير - حتى ما يحمل عرش ربك إلا عظمته ) . و ( أولو ) اسم جمع لذو ، كما أن هؤلاء اسم جمع لذا ، ونظيرهما في المتمكنة : المخاض والخلفة . وقد مضى الكلام في مثنى وثلاث ورباع في ( النساء ) وأنه غير منصرف .يزيد في الخلق ما يشاء أي في خلق الملائكة ، في قول أكثر المفسرين ; ذكره المهدوي . وقال الحسن : ( يزيد في الخلق ) أي في أجنحة الملائكة ( ما يشاء ) . وقال الزهري وابن جريج : يعني حسن الصوت . وقد مضى القول فيه في مقدمة الكتاب . وقال الهيثم الفارسي : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في منامي ، فقال : ( أنت الهيثم الذي تزين القرآن بصوتك جزاك الله خيرا ) . وقال قتادة : ( يزيد في الخلق ما يشاء ) الملاحة في العينين والحسن في الأنف والحلاوة في الفم . وقيل : الخط الحسن . وقال مهاجر الكلاعي قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الخط الحسن يزيد الكلام وضوحا ) . وقيل : الوجه الحسن . وقيل في الخبر في هذه الآية : هو الوجه الحسن والصوت الحسن والشعر الحسن ; ذكره القشيري . النقاش هو الشعر الجعد . وقيل : العقل والتمييز . وقيل : العلوم والصنائع . ( إن الله على كل شيء قدير ) من النقصان والزيادة . الزمخشري : والآية مطلقة تتناول كل زيادة في الخلق ; من طول قامة ، واعتدال صورة ، وتمام في الأعضاء ، وقوة في البطش ، وحصافة في العقل ، وجزالة في الرأي ، [ ص: 288 ] وجرأة في القلب ، وسماحة في النفس ، وذلاقة في اللسان ، ولباقة في التكلم ، وحسن تأت في مزاولة الأمور ; وما أشبه ذلك مما لا يحيط به وصف .
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)افتتاحها ب { الحمد لله } مؤذن بأن صفات من عظمة الله ستذكر فيها ، وإجراء صفات الأفعال على اسم الجلالة مِن خلقِهِ السماوات والأرض وأفضللِ ما فيها من الملائكة والمرسلين مؤذن بأن السورة جاءت لإِثبات التوحيد وتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم وإيذان { الحمد لله } باستحقاق الله إياه دون غيره تقدم في أول سورة الفاتحة .والفاطر : فاعل الفَطْر ، وهو الخلق ، وفيه معنى التكون سريعاً لأنه مشتق من الفطر وهو الشق ، ومنه { تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن } [ الشورى : 5 ] { إذا السماء انفطرت } [ الانفطار : 1 ] . وعن ابن عباس «كنت لا أدري ما فاطر السماوات والأرض ( أي لعدم جريان هذا اللفظ بينهم في زمانه ) حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر ، فقال أحدهما : أنا فطرتها ، أي أنا ابتدأتُها . وأحسب أن وصف الله ب { فاطر السماوات والأرض } مما سبق به القرآن ، وقد تقدم عند قوله تعالى { فاطر السماوات والأرض } في سورة الأنعام ( 14 ) ، وقوله : { وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض } في آخر سورة يوسف ( 101 ) فضُمَّه إلى ما هنا .وأما جاعل } فيطلق بمعنى مكوِّن ، وبمعنى مُصَيِّر ، وعلى الاعتبارين يختلف موقع قوله : { رسلاً } بين أن يكون مفعولاً ثانياً ل { جاعل } أي جعل الله من الملائكة ، أي ليكونوا رسلاً منه تعالى لما يريد أن يفعلوه بقوتهم الذاتية ، وبين أن يكون حالاً من { الملائكة } ، أي يجعل من أحوالهم أن يُرسَلوا . ولصلاحية المعنيين أُوثرت مادة الجعل دون أن يعطف على معمول { فاطر } .وتخصيص ذكر الملائكة من بين مخلوقات السماوات والأرض لشرفهم بأنهم سكان السماوات وعظيم خلقهم .وأجري عليهم صفة أنهم رُسل لمناسبة المقصود من إثبات الرسالة ، أي جاعلهم رسلاً منه إلى المرسلين من البشر للوحي بما يراد تبليغهم إياه للناس .وقوله { أولي أجنحة } يجوز أن يكون حالاً من { الملائكة } ، فتكون الأجنحة ذاتيةً لهم من مقومات خلقتهم ، ويجوز أن يكون حالاً من الضمير في { رسلاً } فيكون خاصة بحالة مَرسوليتهم .و { أجنحة } جمع جَناح بفتح الجيم وهو ما يكون للطائر في موضع اليد للإِنسان فيحتمل أن إثبات الأجنحة للملائكة في هذه الآية وفي بعض الأحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة ، ويحتمل أنه استعارة للقوة التي يخترقون بها الآفاق السماوية صعوداً ونزولاً لا يعلم كنهها إلا الله تعالى .و { مثنى } وأخواتُه كلمات دالّة على معنى التكرير لاسم العدد التي تشتق منه ابتداء من الاثنين بصيغة مَثنى ثم الثلاثة والأربعة بصيغة ثُلاث ورُباع . والأكثر أنهم لا يتجاوزون بهذه الصيغة مادة الأربعة ، وقيل : يجوز إلى العشرة . والمعنى : اثنين اثنين الخ . وتقدم قوله : { أن تقوموا لله مثنى وفرادى } في سورة سبأ ( 46 ) .والكلام على أولي } تقدم .والمعنى : أنهم ذوو أجنحة بعضها مصففة جناحين جناحين في الصف ، وبعضها ثلاثةً ثلاثة ، وبعضها أربعةً أربعةً ، وذلك قد تتعدد صفوفه فتبلغ أعداداً كثيرة فلا ينافي هذا ما ورد في الحديث عن عبد الله بن مسعود : «أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل له ستمائة جناح» .ويجوز أن تكون أعداد الأجنحة متغيرة لكل ملك في أوقات متغيرة على حسب المسافات التي يؤمرون باختراقها من السماوات والأرضين . والأظهر أن الأجنحة للملائكة من أحوال التشكل الذي يتشكلون به . وفي رواية الزهري أن جبريل قال للنبيء صلى الله عليه وسلم «لو رأيت إسرافيل إنّ له لاَثنَيْ عشرَ ألفَ جناح وإن العرش لعلى كاهله» .واعلم أن ماهية الملائكة تتحصل فيما ذكره سعد الدين في كتاب «المقاصد» «إنهم أجسام لطيفة نورانية قادرة على التشكلات بأشكال مختلفة ، شأنهم الخير والطاعة ، والعلم ، والقدرة على الأعمال الشاقة ، ومسكنُهم السماوات ، وقال : هذا ظاهر الكتاب والسنة وهو قول أكثر الأمة» . ا ه . ومعنى الأجسام اللطيفة أنها من قبيل الجوهر لا العرض وأنها جواهر مما يسمى عند الحكماء بالمجردات .وعندي : أن تعريف صاحب «المقاصد» لحقيقة الملائكة لا يخلو عن تخليطٍ في ترتيب التعريف لأنه خلط في التعريف بين الذاتيات والعرضيات .والوجه عندي في ترتيب التعريف أن يقال : أجسام لطيفة نورانية أخيار ذوو قوة عظيمة ، ومن خصائصهم القدرة على التشكل بأشكال مختلفة ، والعلم بما تتوقف عليه أعمالهم ، ومقرهم السماوات ما لم يرسلوا إلى جهة من الأرض .وهذا التشكل انكماش وتقبض في ذرات نورانيتهم وإعطاء صورة من صور الجسمانيات الكثيفة لذواتهم . دل على تشكلهم قوله تعالى لهم يوم بدر { فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان } [ الأنفال : 12 ] ، وثبت تشكل جبريل عليه السلام للنبيء صلى الله عليه وسلم في صورة دِحْية الكلبي ، وتشكله له ولعمر بن الخطاب في حديث السؤال عن الإِيمان والإِسلام والإِحسان والساعة في صورة «رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر ، لا يُرى عليه أثر السفَر ، ولا يَعرفه منا أحد ( أي من أهل المدينة ) حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه» الحديث ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن فارقهم الرجل " هل تدرون من السائل؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم " كما في «الصحيحين» عن عمر بن الخطاب .وثبت حلول جبريل في غار حراء في بدء الوحي ، وظهورهُ للنبيء صلى الله عليه وسلم على كرسي بين السماء والأرض بصورته التي رآه فيها في غار حراء كما ذلك في حديث نزول سورة المدثر ، ورأى كثير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومَ بدر ناساً لا يعرفونهم على خيل يقاتلون معهم .وجملة { يزيد في الخلق ما يشاء } مستأنفة استئنافاً بيانياً لأن ما ذكر من صفات الملائكة يثير تعجب السامع أن يتساءل عن هذه الصفة العجيبة ، فأجيب بهذا الاستئناف بأن مشيئة الله تعالى لا تنحصر ولا تُوقَّت .ولكل جنس من أجناس المخلوقات مقوماته وخواصه . فالمراد بالخلق : المخلوقات كُلّها ، أي يزيد الله في بعضها ما ليس في خَلققٍ آخر . فيشمل زيادة قوة بعض الملائكة على بعض ، وكل زيادة في شيء بين المخلوقات من المحاسن والفضائل من حصافة عقل وجمال صورة وشجاعة وذلقة لسان ولياقة كلام . ويجوز أن تكون جملة { يزيد في الخلق ما يشاء } صفة ثانية للملائكة ، أي أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في خلقهم ما يشاء كأنه قيل : مثنى وثلاث ورباع وأكثر ، فما في بعض الأحاديث من كثرة أجنحة جبريل يبين معنى { يزيد في الخلق ما يشاء } . وعليه فالمراد بالخلق ما خُلق عليه الملائكة من أن لبعضهم أجنحة زائدة على من لبعض آخر .وجملة { إن الله على كل شيء قدير } تعليل لجملة { يزيد في الخلق ما يشاء } ، وفي هذا تعريض بتسفيه عقول الذين أنكروا الرسالة وقالوا : { إن أنتم إلا بشر مثلنا } [ إبراهيم : 10 ] ، فأجيبوا بقول الرسل { إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على ما يشاء من عباده } [ إبراهيم : 11 ] .
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
افتتحت سورة " فاطر " كما سبق أن ذركنا عند تفسيرنا لسورة " سبأ " بتقرير الحقيقة الأولى فى كل دين ، وهى أن المستحق للحمد المطلق ، والثناء الكامل ، هو الله رب العالمين .و " أل " فى الحمد للاستغراق . بمعنى أن المستحق لجميع المحامد ، ولكافة ألوان الثناء هو الله - تعالى - .وقوله : ( فَاطِرِ السماوات والأرض ) أى خالقهما وموجدهما على غير مثال يحتذى ، إذ لامراد بالفطر هنا : والاختراع للشئ الذى لم يوجد ما يشبهه من قبل .قال القرطبى : والفاطر : الخالق ، والفَطْر - بفتح الفاء - : الشق عن الشئ . يقال فطرته فانفطر . ومنه : فطر ناب البعير ، أى : وتفطر الشئ ، أى : تشقق . .والفطر : الابتداء والاختراع . قال ابن عباس : كنت لا أدرى ما ( فَاطِرِ السماوات والأرض ) حتى أتى أعرابيان يختصمان فى بئر ، فقال أحدهما : أنا فطرتهما ، أى : أنا ابتدأتها . .والمراد بذكر السماوات والأرض : العالم كله . ونبه بهذا على أن من قدر على الابتداء ، قادر على الإِعادة .والمعنى : الحمد المطلق والثناء التام الكامل لله - تعالى - وحده ، فهو - سبحانه الخالق للسموات والأرض ، ولهذا الكون بأسره ، دون أن يسبقه إلى ذلك سابق ، أو يشاركه فيما خلق وأوجد مشارك .وقوله - تعالى - : ( جَاعِلِ الملائكة رُسُلاً أولي أَجْنِحَةٍ مثنى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ ) بيان لمظهر آخر من مظاهر قدرته - تعالى - التى لا يعجزها شئ .والملائكة : جمع ملك . والتاء لتأنيث الجمع ، وأصله ملاك . وهم جند من خلق الله - تعالى - وقد وصفهم - سبحانه - بصفات متعددة ، منها : أنهم ( يُسَبِّحُونَ الليل والنهار لاَ يَفْتُرُونَ ) وأنهم ( عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ ) ( لاَّ يَعْصُونَ الله مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) قال الجمل : وقوله : جاعل الملائكة ، أى : بعضهم . إذ ليس كلهم رسلا كما هو معلوم . وقوله : ( أولي أَجْنِحَةٍ ) نعت لقوله ( رُسُلاً ) ، وهو جيد لفظا لتوافقهما تنكيرا . أو هو نعت للملائكة ، وهو جيد معنى إذ كل الملائكة لها أجنحة ، فهى صفة كاشفة . .وقوله : ( مثنى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ ) أسماء معدول بها عن اثنين اثنين ، وثلاثة ثلاثة ، وأربعة أربعة ، وهى ممنوعة من الصرف ، للوصفية والعدل عن المكرر وهى صفة لأجنحة .أى : الحمد لله الذى خلق السماوات والأرض بقدرته ، والذى جعل الملائكة رسلا إلى أنبيائه . وإلى من يشاء من عباده ، ليبلغوهم ما يأمرهم - سبحانه - بتبليغه إليهم . .وهؤلاء الملائكة المكرمون ، ذوو أجنحة عديدة ، ذوو أجنحة عديدة . منهم من له جناحان ومنهم من له ثلاثة ، ومنهم من له أربعة ، ومنهم من له أكثر من ذلك ، لأن المراد بهذا الوصف ، بيان كثرة الأجنحة لا حصرها .قال الآلوسى ما ملخصه قوله : ( جَاعِلِ الملائكة رُسُلاً . . . ) معناه : جاعل الملائكة وسائط بينه وبين أنبيائه والصالحين من عباده ، يبلغون إليهم رسالته بالوحى والإِلهام والرؤيا الصادقة ، أو جاعلهم وسائط بينه وبين خلقه يوصلون إليهم آثار قدرته وصنعه ، كالأمطار والرياح وغيرهما .وقوله : ( مثنى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ ) معناه : أن من الملائكة من له جناحان ومنهم من له ثلاثة ، ومنهم من له أربعة ، ولا دلالة فى الآية على نفى الزائد ، وما ذكر من عد للدلالة على التكثير والتفاوت ، لا للتعيين ولا لنفى النصان عن اثنين . .فقد أخرج الشيخان عن ابن مسعود فى قوله - تعالى - ( لَقَدْ رأى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكبرى ) أن الرسول صلى الله عليه سولم رأى جبريل وله ستمائة جناح . .وقوله - تعالى - : ( يَزِيدُ فِي الخلق مَا يَشَآءُ ) استئناف مقرر لمضمون ما قبله ، من كمال قدرته ، ونفاذ إرادته .أى يزيد - سبحانه - فى خلق كل ما يزيد خلقه ما يشاء أن يزيده من الأمور التى لا يحيط بها الوصف ، ومن ذلك أجنحة الملائكة فيزيد فيها ما يشاء ، وكذلك ينقص فى الخلق ما يشاء ، والكل جاء على مقتضى الحكمة والتدبير .قال صاحب الكشاف : قوله ( يَزِيدُ فِي الخلق مَا يَشَآءُ ) أى : يزيد فى خلق الأجنحة ، وفى غيره ما تقتضيه مشيئته وحكمته .والآية مطلقة تتناول كل زيادة فى الخلق : من طول قامة ، واعتدال صورة ، وتمام الأعضاء ، وقوة فى البطش ، وحصافة فى العقل ، وجزالة فى الرأى ، وجرأة فى القلب ، وسماحة فى النفس ، وذلاقة فى اللسان ، ولباقة فى التكلم ، وحسن تأن فى مزاولة الأمور ، وما أشبه ذلك مما لا يحيط به الوصف . .ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بقولهك ( إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) أى : إن الله - تعالى - لا يعجزه شيئ يريده ، لأنه قدير على فعل كل شئ ، فالجملة الكريمة تعليل لما قبلها من كونه - سبحانه - يزيد فى الخلق ما يشاء ، وينقص منه ما يشاء .
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
مكية( الحمد لله فاطر السماوات والأرض ) خالقها ومبدعها على غير مثال سبق ( جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة ) ذوي أجنحة ( مثنى وثلاث ورباع ) قال قتادة ومقاتل : بعضهم له جناحان ، وبعضهم له ثلاثة أجنحة ، وبعضهم له أربعة أجنحة ، ويزيد فيها ما يشاء وهو قوله ( يزيد في الخلق ما يشاء )وقال ابن مسعود في قوله - عز وجل - : " لقد رأى من آيات ربه الكبرى " ( النجم - 18 ) ، قال رأى جبريل في صورته له ستمائة جناح .وقال ابن شهاب في قوله : " يزيد في الخلق ما يشاء " قال : حسن الصوت .وعن قتادة قال : هو الملاحة في العينين . وقيل : هو العقل والتمييز .( إن الله على كل شيء قدير )