تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
ولا تستوي حسنة الذين آمنوا بالله، واستقاموا على شرعه، وأحسنوا إلى خلقه، وسيئة الذين كفروا به وخالفوا أمره، وأساؤوا إلى خلقه. ادفع بعفوك وحلمك وإحسانك مَن أساء إليك، وقابل إساءته لك بالإحسان إليه، فبذلك يصير المسيء إليك الذي بينك وبينه عداوة كأنه قريب لك شفيق عليك. وما يُوفَّق لهذه الخصلة الحميدة إلا الذين صبروا أنفسهم على ما تكره، وأجبروها على ما يحبه الله، وما يُوفَّق لها إلا ذو نصيب وافر من السعادة في الدنيا والآخرة.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
«ولا تستوي الحسنة ولا السيئة» في جزئياتهما بعضهما فوق بعض «ادفع» السيئة «بالتي» أي بالخصلة التي «هي أحسن» كالغضب بالصبر والجهل بالحلم والإساءة بالعفو «فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم» أي فيصير عدوك كالصديق القريب في محبته إذا فعلت ذلك فالذي مبتدأ وكأنه الخبر وإذا ظرف لمعنى التشبيه.
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
قوله تعالى : ولا تستوي الحسنة ولا السيئة قال الفراء : " لا " صلة أي : ولا تستوي الحسنة والسيئة ، وأنشد :ما كان يرضى رسول الله فعلهم والطيبان أبو بكر ولا عمرأراد أبو بكر وعمر ، أي : لا يستوي ما أنت عليه من التوحيد ، وما المشركون عليه من الشرك . قال ابن عباس : الحسنة لا إله إلا الله ، والسيئة الشرك . وقيل : الحسنة الطاعة ، والسيئة الشرك . وهو الأول بعينه . وقيل : الحسنة المداراة ، والسيئة الغلظة . وقيل : الحسنة العفو ، والسيئة الانتصار . وقال الضحاك : الحسنة العلم ، والسيئة الفحش . وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - : الحسنة حب آل الرسول ، والسيئة بغضهم .قوله تعالى : ادفع بالتي هي أحسن نسخت بآية السيف ، وبقي المستحب من ذلك : حسن العشرة والاحتمال والإغضاء . قال ابن عباس : أي : ادفع بحلمك جهل من يجهل عليك . وعنه أيضا : هو الرجل يسب الرجل فيقول الآخر : إن كنت صادقا فغفر الله لي ، وإن كنت كاذبا فغفر الله لك . وكذلك يروى في الأثر : أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - قال ذلك لرجل نال منه . وقال مجاهد : بالتي هي أحسن يعني السلام إذا لقي من يعاديه ، وقاله عطاء . وقول ثالث ذكره القاضي أبو بكر بن العربي في الأحكام وهو المصافحة . وفي الأثر : ( تصافحوا يذهب الغل ) . ولم ير مالك المصافحة ، وقد اجتمع مع سفيان فتكلما فيها فقال سفيان : قد صافح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعفرا حين قدم من أرض الحبشة ، فقال له مالك : ذلك خاص . فقال له سفيان : ما خص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخصنا ، وما عمه يعمنا ، والمصافحة ثابتة فلا وجه لإنكارها . وقد روى قتادة قال قلت لأنس : هل كانت المصافحة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم . [ ص: 323 ] وهو حديث صحيح . وفي الأثر : من تمام المحبة الأخذ باليد . ومن حديث محمد بن إسحاق وهو إمام مقدم ، عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت : قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتي ، فقرع الباب فقام إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عريانا يجر ثوبه - والله ما رأيته عريانا قبله ولا بعده - فاعتنقه وقبله .قلت : قد روي عن مالك جواز المصافحة وعليها جماعة من العلماء . وقد مضى ذلك في " يوسف " وذكرنا هناك حديث البراء بن عازب قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما من مسلمين يلتقيان فيأخذ أحدهما بيد صاحبه مودة بينهما ونصيحة إلا ألقيت ذنوبهما بينهما .قوله تعالى : فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم أي قريب صديق . قال مقاتل : نزلت في أبي سفيان بن حرب ، كان مؤذيا للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، فصار له وليا بعد أن كان عدوا بالمصاهرة التي وقعت بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ثم أسلم فصار وليا في الإسلام حميما بالقرابة . وقيل : هذه الآية نزلت في أبي جهل بن هشام ، كان يؤذي النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأمره الله تعالى بالصبر عليه والصفح عنه ، ذكره الماوردي . والأول ذكره الثعلبي والقشيري وهو أظهر ، لقوله تعالى : فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم . وقيل : كان هذا قبل الأمر بالقتال . قال ابن عباس : أمره الله تعالى في هذه الآية بالصبر عند الغضب ، والحلم عند الجهل ، والعفو عند الإساءة ، فإذا فعل الناس ذلك عصمهم الله من الشيطان ، وخضع لهم عدوهم . وروي أن رجلا شتم قنبرا مولى علي بن أبي طالب فناداه علي : يا قنبر ! دع شاتمك ، واله عنه ترضي الرحمن وتسخط الشيطان ، وتعاقب شاتمك ، فما عوقب الأحمق بمثل السكوت عنه . وأنشدوا :وللكف عن شتم اللئيم تكرما أضر له من شتمه حين يشتم[ ص: 324 ] وقال آخر :وما شيء أحب إلى سفيه إذا سب الكريم من الجوابمتاركة السفيه بلا جواب أشد على السفيه من السبابوقال محمود الوراق :سألزم نفسي الصفح عن كل مذنب وإن كثرت منه لدي الجرائمفما الناس إلا واحد من ثلاثة شريف ومشروف ومثل مقاومفأما الذي فوقي فأعرف قدره وأتبع فيه الحق والحق لازموأما الذي دوني فإن قال صنت عن إجابته عرضي وإن لام لائموأما الذي مثلي فإن زل أو هفا تفضلت إن الفضل بالحلم حاكم
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)عَطْفُ هذه الجملة له موقع عجيب ، فإنه يجوز أن يكون عطفاً على جملة { وَمَن أحْسَنُ قَوْلاً مِمَّن دَعَا إلى الله } [ فصلت : 33 ] الخ تكملة لها فإن المعطوف عليها تضمنت الثناء على المؤمنين إثر وعيد المشركين وذمِّهم ، وهذه الجملة فيها بيان التفاوت بين مرتبة المؤمنين وحال المشركين ، فإن الحسنة اسم منقول من الصفة فتلمُّحُ الصفة مقارن له ، فالحسنة حالة المؤمنين والسيئة حالة المشركين ، فيكون المعنى كمعنى آيات كثيرة من هذا القبيل مثل قوله تعالى : { وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء } [ غافر : 58 ] ، فعطف هذه الجملة على التي قبلها على هذا الاعتبار يكون من عطف الجمل التي يجمعها غرض واحد وليس من عطف غرض على غرض . ويجوز أن تكون عطفاً على جملة { وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرءان والغوا فيه لعلكم تَغلبون } [ فصلت : 26 ] الواقعة بعد جملة { وقالوا قلوبنا في أكِنَّة مِمَّا تدعُونَا إليه } [ فصلت : 5 ] إلى قوله : { فاعمل إننا عاملون } [ فصلت : 5 ] فإن ذلك مثير في نفس النبي صلى الله عليه وسلم الضجر من إصرار الكافرين على كفرهم وعدم التأثر بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحق فهو بحال من تضيق طاقة صبره على سفاهة أولئك الكافرين ، فأردف الله ما تقدم بما يدفع هذا الضيق عن نفسه بقوله : { ولا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ ولا السيئة } الآية .فالحسنة تعم جميع أفراد جنسها وأُولاها تبادراً إلى الأذهان حسنةُ الدعوة إلى الإسلام لما فيها من جمّ المنافع في الآخرة والدنيا ، وتشمل صفة الصفح عن الجفاء الذي يلقَى به المشركون دعوةَ الإسلام لأن الصفح من الإحسان ، وفيه ترك ما يثير حميتهم لدينهم ويقرب لين نفوس ذوي النفوس اللينة . فالعطف على هذا من عطف غرض على غرض ، وهو الذي يعبر عنه بعطف القصة على القصة ، وهي تمهيد وتوطئة لقوله عقبها { ادْفَع بالتي هِيَ أحْسَنُ } الآية .وقد علمتَ غير مرة أن نفي الاستواء ونحوه بين شيئين يراد به غالباً تفضيل أحدهما على مُقابله بحسب دلالة السياق كقوله تعالى : { أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون } [ السجدة : 18 ] . وقوللِ الأعشى :ما يُجْعَلُ الجُدُّ الضَّنُونُ الذي ... جُنِّبَ صَوْبَ اللَّجِببِ الماطرمِثلَ الفُراتيِّ إذَا مَا طَمَا ... يَقْذِفُ بالبُوصِيِّ والماهرِفكان مقتضى الظاهر أن يقال : ولا تستوي الحسنة والسيئة ، دون إعادة { لا } النافية بعد الواو الثانية كما قال تعالى : { وما يستوي الأعمى والبصير } [ غافر : 58 ] ، فإعادة { لا } النافية تأكيد لأختها السابقة . وأحسن من اعتبار التأكيد أن يكون في الكلام إيجاز حذف مؤذن باحتباك في الكلام ، تقديره : وما تسْتوي الحسنة والسيئةُ ولا السيئة والحسنة . فالمراد بالأول نفي أن تلتحق فضائل الحسنة مساوىء السيئة ، والمراد بالثاني نفي أن تلتحق السيئة بشرف الحسنة . وذلك هو الاستواء في الخصائص ، وفي ذلك تأكيد وتقوية لنفي المساواة ليدل على أنه نفي تام بين الجنسين : جنسسِ الحسنة وجنس السيئة لا مبالغة فيه ولا مجازَ ، وقد تقدم الكلام على نظيره في سورة فاطر .وفي التعبير بالحسنة والسيئة دون المُحسن والمسيء إشارة إلى أن كل فريق من هذين قد بلغ الغاية في جنس وصفه من إحسان وإساءة على طريقة الوصف بالمصدر ، وليتأتى الانتقال إلى موعظة تهذيب الأخلاق في قوله : { ادْفَع بالتي هي أحسن } ، فيشبه أن يكون إيثارُ نفي المساواة بين الحسنة والسيئة توطئةً للانتقال إلى قوله : { ادْفَعَ بالتي هي أحسن } .وقوله : { ادْفَعَ بالتي هي أحسن } يجري موقعُه على الوجهين المتقدمين في عطف جملة { ولا تستوي الحسنة ولا السيئة } .فالجملة على الوجه الأول من وجهي موقع جملة { ولاَ تَسْتَوي الحسنة ولا السيئة } تخلص من غرض تفضيل الحسنة على السيئة إلى الأمر بخُلق الدفع بالتي هي أحسن لمناسبةِ أَن ذلك الدفع من آثار تفضيل الحسنة على السيئة إرشاداً من الله لرسوله وأمته بالتخلق بخلق الدفع بالحسنى . وهي على الوجه الثاني من وجهيْ موقع جملة { ولاَ تَسْتَوي الحسنة ولا السيئة } واقعة موقع النتيجة من الدليل والمقصدِ من المقدمة ، فمضمونها ناشىء عن مضمون التي قبلها .وكلا الاعتبارين في الجملة الأولى مقتض أن تكون جملة { ادفَع بالتي هي أحْسَن } مفصولة غير معطوفة .وإنما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك لأن منتهى الكمال البشري خُلُقُه كما قال : " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " . وقالت عائشة لما سئلت عن خلُقه ( كان خلقه القرآن ) لأنه أفضل الحكماء .والإحسان كمال ذاتي ولكنه قد يكون تركه محموداً في الحدود ونحوها فذلك معنىً خاص . والكمال مطلوب لذاته فلا يعدل عنه ما استطاع ما لم يخش فوات كمال أعظم ، ولذلك قالت عائشة : «ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه قط إلاّ أن تُنتهك حرمات الله فيغضب لله» . وتخلُّقُ الأمة بهذا الخلق مرغوب فيه قال تعالى : { وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على اللَّه } [ الشورى : 40 ] .وروى عياض في «الشفاء» وهو مما رواه ابن مردويه عن جابر بن عبد الله وابنُ جرير في «تفسيره» لما نزل قوله تعالى : { خذ العفو } [ الأعراف : 199 ] سألَ النبيءُ صلى الله عليه وسلم جبريلَ عن تأويلها فقال له : حتى أسأل العالِم ، فأتاه فقال : « يا محمد إن الله يأمرك أن تَصِل من قطعك وتُعطيَ من حَرمَك وتعفوَ عمن ظلمك» .ومفعول { ادْفَع } محذوف دل عليه انحصار المعنى بين السيئة والحسنة ، فلما أمر بأن تكون الحسنة مدفوعاً بها تعيّن أن المدفوع هو السيئة ، فالتقدير : ادفع السيئة بالتي هي أحسن كقوله تعالى : { ويدرءون بالحسنة السيئة } في سورة الرعد ( 22 ) وقوله : { ادفع بالتي هي أحسن السيئة } في سورة المؤمنين ( 96 ) .و { التي هي أحسن } هي الحسنة ، وإنما صيغت بصيغة التفضيل ترغيباً في دفع السيئة بها لأن ذلك يشق على النفس فإن الغضب من سوء المعاملة من طباع النفس وهو يبعث على حب الانتقام من المسيء فلما أُمر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يجازي السيئة بالحسنة أشير إلى فضل ذلك .وقد ورد في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم « ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح » . وقد قيل : إن ذلك وصفه في التوراة . وفرع على هذا الأمر قوله : { فَإِذَا الذي بَيْنَك وبينه عداوة كأنَّه وليٌّ حَمِيمٌ } لبيان ما في ذلك الأمر من الصلاح ترويضاً على التخلق بذلك الخُلق الكريم ، وهو أن تكون النفس مصدراً للإحسان . ولما كانت الآثار الصالحة تدل على صلاح مَثَارِها . وأَمَرَ الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالدفع بالتي هي أحسن أردفه بذكر بعض محاسنه وهو أن يصير العدو كالصديق ، وحُسن ذلك ظاهر مقبول فلا جرم أن يدل حُسنه على حسن سببه .ولذكر المُثُل والنتائج عقب الإرشاد شأن ظاهر في تقرير الحقائق وخاصة التي قد لا تقبلها النفوس لأنها شاقة عليها ، والعداوة مكروهة والصداقة والولاية مرغوبة ، فلما كان الإحسان لمن أساء يدنيه من الصداقة أو يُكسبه إياها كان ذلك من شواهد مصلحة الأمر بالدفع بالتي هي أحسن .و ( إذا ) للمفاجأة ، وهي كناية عن سرعة ظهور أثر الدفع بالتي هي أحسن في انقلاب العدوّ صديقاً . وعدل عن ذكر العَدوّ معرفاً بلام الجنس إلى ذكره باسم الموصول ليتأتى تنكير عداوة للنوعية وهو أصل التنكير فيصدق بالعداوة القوية ودونِها ، كما أن ظرف { بَيْنَك وبَيْنَه } يصدق بالبين القريب والبين البعيد ، أعني ملازمة العداوة أو طُرُوَّها .وهذا تركيب من أعلى طَرَف البلاغة لأنه يجمع أحوال العداوات فيعلم أن الإِحسان ناجع في اقتلاع عداوة المحسَن إليه للمحِسِن على تفاوت مراتب العداوة قوة وضعفاً ، وتمكناً وبعداً ، ويعلم أنه ينبغي أن يكون الإحسان للعدوّ قوياً بقدر تمكن عداوته ليكون أنجع في اقتلاعها . ومن الأقوال المشهورة : النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها .والتشبيه في قوله : { كأنَّه وليُّ حَميمٌ } ، تشبيه في زوال العداوة ومخالطة شوائب المحبة ، فوجه الشبه هو المصافاة والمقاربة وهو معنى متفاوتُ الأحوال ، أي مقول على جنسه بالتشكيك على اختلاف تأثر النفس بالإِحسان وتفاوت قوة العداوة قبلَ الإحسان ، ولا يبلغ مبلغ المشبَّه به إذ من النادر أن يصير العدوّ وليّاً حميماً ، فإنْ صاره فهو لعوارض غير داخلة تحت معنى الإِسراع الذي آذنتْ به ( إذا ) الفجائية . والعداوةُ التي بين المشركين وبين النبي صلى الله عليه وسلم عداوة في الدين ، فالمعنى : فإذا الذي بينك وبينه عداوة لكفره ، فلذلك لا تشمل الآية من آمنوا بعدَ الكفر فزالت عداوتهم للنبيء صلى الله عليه وسلم لأجل إيمانهم كما زالت عداوة عمر رضي الله عنه بعد إسلامه حتى قال يوماً للنبيء صلى الله عليه وسلم لأنتَ أحب إليّ من نفسي التي بين جنَبيَّ ، وكما زالت عداوة هند بنت عتبة زوج أبي سفيان إذ قالت للنبيء صلى الله عليه وسلم ما كان أهل خِباءٍ أحبُّ إليّ من أن يذلُّوا مِن أهل خبائك واليومَ ما أهلُ خِباء أحبُّ إليَّ من أن يعِزُّوا من أهل خبائك فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم وأيضاً ، أي وستزيدِين حباً .وعن مقاتل : أنه قال : هذه الآية نزلت في أبي سفيان كان عدواً للنبيء صلى الله عليه وسلم في الجاهلية فصار بعد إسلامه ولياً مصافياً . وهو وإن كان كما قالوا فلا أحسب أن الآية نزلت في ذلك لأنها نزلت في اكتساب المودة بالإِحسان .والولي : اسم مشتق من الوَلاية بفتح الواو ، والولاء ، وهو : الحليف والناصر ، وهو ضد العدو ، وتقدم في غير آية من القرآن .والحميم : القريب والصديق . ووجه الجمع بين { وَلِيٌّ حَمِيمٌ } أنه جمَع خصلتين كلتاهما لا تجتمع مع العداوة وهما خصلتا الولاية والقرابة .
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
ثم أرشد - سبحانه - إلى ما ينمى روح المحبة والمودة . . بين الداعى والمدعوين بصفة خاصة ، وبين المسلم وغيره بصفة عامة ، فقال : ( وَلاَ تَسْتَوِي الحسنة وَلاَ السيئة ) .أى : ولا تستوى الخصلة الحسنة ولا الخصلة السيئة ، لا فى ذواتهما ولا فى الآثار التى تترتب عليهما ، إذا الخصلة الحسنة جميلة فى ذاتها ، وعظيمة فى الآثار الطيبة التى تنتج عنها ، أما الخصلة السيئة فهى قبيحة فى ذاتها وفى نتائجها .وقوله - تعالى - : ( ادفع بالتي هِيَ أَحْسَنُ ) إرشاد منه - تعالى - إلى ما يجب أن يتحلى به عباده المؤمنون .أى : ما دامت الخصلة الحسنة لا تتساوى مع الخصلة السيئة ، فعليك - أيها المسلم - أن تدفع السيئة إذا جاءتك من المسئ ، بأحسن ما يمكن دفعها به من الحسنات ، بأن تقابل ذنبه بالعفو ، وغضبه بالصبر ، وقطعه بالصلة وفظاظته بالسماحة .وقوله - سبحانه - : ( فَإِذَا الذي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) بيان للآثار الجميلة التى تترتب على دفع السيئة بالحسنة .والولى : هو الصديق المحب الشفيق عليك ، من الولى بمعنى القرب .والحميم : يطلق فى الأصل على الماء الحار . . والمراد به هنا : الصديق الصدوق معك .أى : أنت إذا دفعت السيئة بالحسنة ، صار عدوك الذى أساء إليك ، كأنه قريب منك ، لأن من شأن النفوس الكريمة أنها تحب من أحسن إليها ، ومن عفا عنها ، ومن قابل شرها بالخير ، ومنعها بالعطاء .
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
قوله عز وجل : ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ) قال الفراء : " لا " هاهنا صلة ، معناه : ولا تستوي الحسنة والسيئة - يعني - : الصبر والغضب ، والحلم والجهل ، والعفو والإساءة . ( ادفع بالتي هي أحسن ) قال ابن عباس : أمر بالصبر عند الغضب ، وبالحلم عند الجهل ، وبالعفو عند الإساءة . ( فإذا الذي بينك وبينه عداوة ) يعني : إذا فعلت ذلك خضع لك عدوك ، وصار الذي بينك وبينه عداوة ، ( كأنه ولي حميم ) كالصديق والقريب . قال مقاتل بن حيان : نزلت في أبي سفيان بن حرب ، وذلك أنه لان للمسلمين بعد شدة عداوته بالمصاهرة التي حصلت بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم أسلم فصار وليا بالإسلام حميما بالقرابة .