تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
وقلنا له: خذ بيدك حُزمة شماريخ، فاضرب بها زوجك إبرارًا بيمينك، فلا تحنث؛ إذ أقسم ليضربنَّها مائة جلدة إذا شفاه الله، لـمَّا غضب عليها من أمر يسير أثناء مرضه، وكانت امرأة صالحة، فرحمها الله ورحمه بهذه الفتوى. إنا وجدنا أيوب صابرًا على البلاء، نِعم العبد هو، إنه رجَّاع إلى طاعة الله.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
«وخذ بيدك ضغثا» هو حزمة من حشيش أو قضبان «فاضرب به» زوجتك وكان قد حلف ليضربها مائة ضربة لإبطائها عليه يوما «ولا تحنث» بترك ضربها فأخذ مائة عود من الإذخر أو غيره فضربها به ضربة واحدة «إنا وجدناه صابرا نعم العبد» أيوب «إنه أوَّاب» رجّاع إلى الله تعالى.
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
قوله تعالى : وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب.فيه سبع مسائل : الأولى : كان أيوب حلف في مرضه أن يضرب امرأته مائة جلدة ، وفي سبب ذلك أربعة أقوال : [ أحدها ] ما حكاه ابن عباس أن إبليس لقيها في صورة طبيب فدعته لمداواة أيوب ، فقال : أداويه على أنه إذا برئ قال : أنت شفيتني ، لا أريد جزاء سواه . قالت : نعم ، فأشارت على أيوب بذلك فحلف ليضربنها . وقال : ويحك ذلك الشيطان . [ الثاني ] ما حكاه سعيد بن المسيب ، أنها جاءته بزيادة على ما كانت تأتيه من الخبز ، فخاف خيانتها فحلف ليضربنها . [ الثالث ] ما حكاه يحيى بن سلام وغيره : أن الشيطان أغواها أن تحمل أيوب على أن يذبح سخلة تقربا إليه وأنه يبرأ ، فذكرت ذلك له فحلف ليضربنها إن عوفي مائة . [ الرابع ] قيل : باعت ذوائبها برغيفين إذ لم تجد شيئا تحمله إلى أيوب ، وكان أيوب يتعلق بها إذا أراد القيام ، فلهذا حلف ليضربنها ، فلما شفاه الله أمره أن يأخذ ضغثا فيضرب به ، فأخذ شماريخ قدر مائة فضربها ضربة واحدة . وقيل : الضغث قبضة حشيش مختلطة الرطب باليابس . وقال ابن عباس : إنه إثكال النخل الجامع بشماريخه .الثانية : تضمنت هذه الآية جواز ضرب الرجل امرأته تأديبا . وذلك أن امرأة أيوب أخطأت فحلف ليضربنها مائة ، فأمره الله تعالى أن يضربها بعثكول من عثاكيل النخل ، وهذا لا يجوز في الحدود . إنما أمره الله بذلك لئلا يضرب امرأته فوق حد الأدب . وذلك أنه ليس [ ص: 191 ] للزوج أن يضرب امرأته فوق حد الأدب ، ولهذا قال - عليه السلام - : واضربوهن ضربا غير مبرح على ما تقدم في [ النساء ] بيانه .الثالثة : واختلف العلماء في هذا الحكم هل هو عام أوخاص بأيوب وحده ، فروي عن مجاهد أنه عام للناس . ذكره ابن العربي . وحكي عن القشيري أن ذلك خاص بأيوب . وحكى المهدوي عن عطاء بن أبي رباح أنه ذهب إلى أن ذلك حكم باق ، وأنه إذا ضرب بمائة قضيب ونحوه ضربة واحدة بر . وروى نحوه الشافعي . وروى نحوه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في المقعد الذي حملت منه الوليدة ، وأمر أن يضرب بعثكول فيه مائة شمراخ ضربة واحدة . وقال القشيري : وقيل لعطاء هل يعمل بهذا اليوم ؟ فقال : ما أنزل القرآن إلا ليعمل به ويتبع . ابن العربي : وروي عن عطاء أنها لأيوب خاصة . وكذلك روى أبو زيد عن ابن القاسم عن مالك : من حلف ليضربن عبده مائة فجمعها فضربه بها ضربة واحدة لم يبر . قال بعض علمائنا : يريد مالك قوله تعالى : لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا أي : إن ذلك منسوخ بشريعتنا . قال ابن المنذر : وقد روينا عن علي أنه جلد الوليد بن عقبة بسوط له طرفان أربعين جلدة . وأنكر مالك هذا وتلا قول الله - عز وجل - : فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة وهذا مذهب أصحاب الرأي . وقد احتج الشافعي لقوله بحديث ، وقد تكلم في إسناده ، والله أعلم .قلت : الحديث الذي احتج به الشافعي خرجه أبو داود في سننه قال : حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني ، قال حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس عن ابن شهاب ، قال : أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف أنه أخبره بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأنصار ، أنه اشتكى رجل منهم حتى أضنى ، فعاد جلدة على عظم ، فدخلت عليه جارية لبعضهم فهش لها فوقع عليها ، فلما دخل عليه رجال قومه يعودونه أخبرهم بذلك وقال : استفتوا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإني قد وقعت على جارية دخلت علي . فذكروا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقالوا : ما رأينا بأحد من الناس من الضر مثل الذي هو به ، لو حملناه إليك لتفسخت عظامه ، ما هو إلا جلد على عظم ، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأخذوا له مائة شمراخ فيضربوه بها ضربة واحدة . قال الشافعي : إذا حلف [ ص: 192 ] ليضربن فلانا مائة جلدة ، أو ضربا ولم يقل ضربا شديدا ولم ينو ذلك بقلبه يكفيه مثل هذا الضرب المذكور في الآية ولا يحنث . قال ابن المنذر : وإذا حلف الرجل ليضربن عبده مائة فضربه ضربا خفيفا فهو بار عند الشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي . وقال مالك : ليس الضرب إلا الضرب الذي يؤلم .الرابعة : قوله تعالى : ولا تحنث دليل على أن الاستثناء في اليمين لا يرفع حكما إذا كان متراخيا . وقد مضى القول فيه في [ المائدة ] يقال : حنث في يمينه يحنث إذا لم يبر بها . وعند الكوفيين الواو مقحمة ، أي : فاضرب لا تحنث .الخامسة : قال ابن العربي : قوله تعالى : فاضرب به ولا تحنث يدل على أحد وجهين : إما أن يكون أنه لم يكن في شرعهم كفارة ، وإنما كان البر والحنث . والثاني : أن يكون صدر منه نذر لا يمين ، وإذا كان النذر معينا فلا كفارة فيه عند مالك وأبي حنيفة . وقال الشافعي : في كل نذر كفارة .قلت : قوله : إنه لم يكن في شرعهم كفارة ليس بصحيح ، فإن أيوب - عليه السلام - لما بقي في البلاء ثمان عشرة سنة ، كما في حديث ابن شهاب ، قال له صاحباه : لقد أذنبت ذنبا ما أظن أحدا بلغه . فقال أيوب - صلى الله عليه وسلم - : ما أدري ما تقولان ، غير أن ربي - عز وجل - يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتزاعمان فكل يحلف بالله ، أو على النفر يتزاعمون فأنقلب إلى أهلي ، فأكفر عن أيمانهم إرادة ألا يأثم أحد يذكره ولا يذكره إلا بحق . فنادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين . وذكر الحديث . فقد أفادك هذا الحديث أن الكفارة كانت من شرع أيوب ، وأن من كفر عن غيره بغير إذنه فقد قام بالواجب عنه وسقطت عنه الكفارة .السادسة : استدل بعض جهال المتزهدة ، وطغام المتصوفة بقوله تعالى لأيوب : اركض برجلك على جواز الرقص قال أبو الفرج ابن الجوزي : وهذا احتجاج بارد ; لأنه لو كان أمر بضرب الرجل فرحا كان لهم فيه شبهة ، وإنما أمر بضرب الرجل لينبع الماء . قال ابن عقيل : أين الدلالة في مبتلى أمر عند كشف البلاء بأن يضرب برجله الأرض لينبع الماء إعجازا من الرقص ؟ ولئن جاز قوله سبحانه لموسى : اضرب بعصاك الحجر دلالة على ضرب المحاد بالقضبان ، نعوذ بالله من التلاعب بالشرع . وقد احتج بعض قاصريهم بأن [ ص: 193 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي : أنت مني وأنا منك ، فحجل . وقال لجعفر : أشبهت خلقي وخلقي ، فحجل . وقال لزيد : أنت أخونا ومولانا ، فحجل . ومنهم من احتج بأن الحبشة زفنت والنبي - صلى الله عليه وسلم - ينظر إليهم . والجواب : أما الحجل فهو نوع من المشي يفعل عند الفرح ، فأين هو والرقص ؟ وكذلك زفن الحبشة نوع من المشي يفعل عند اللقاء للحرب .السابعة : قوله تعالى : إنا وجدناه صابرا أي على البلاء . نعم العبد إنه أواب أي تواب رجاع مطيع . وسئل سفيان عن عبدين ابتلي أحدهما فصبر ، وأنعم على الآخر فشكر ، فقال : كلاهما سواء ; لأن الله تعالى أثنى على عبدين ، أحدهما صابر والآخر شاكر ثناء واحدا ، فقال في وصف أيوب : نعم العبد إنه أواب وقال في وصف سليمان : نعم العبد إنه أواب .قلت : وقد رد هذا الكلام صاحب القوت ، واستدل بقصة أيوب في تفضيل الفقير على الغني وذكر كلاما كثيرا شيد به كلامه ، وقد ذكرناه في غير هذا الموضع من كتاب [ منهج العباد ومحجة السالكين والزهاد ] . وخفي عليه أن أيوب - عليه السلام - كان أحد الأغنياء من الأنبياء قبل البلاء وبعده ، وإنما ابتلي بذهاب ماله وولده وعظيم الداء في جسده . وكذلك الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه صبروا على ما به امتحنوا وفتنوا . فأيوب - عليه السلام - دخل في البلاء على صفة ، فخرج منه كما دخل فيه ، وما تغير منه حال ولا مقال ، فقد اجتمع مع أيوب في المعنى المقصود ، وهو عدم التغير الذي يفضل فيه بعض الناس بعضا . وبهذا الاعتبار يكون الغني الشاكر والفقير الصابر سواء . وهو كما قال سفيان . والله أعلم . وفي حديث ابن شهاب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : إن أيوب خرج لما كان يخرج إليه من حاجته فأوحى الله إليه : اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب . فاغتسل فأعاد الله لحمه وشعره وبشره على أحسن ما كان ، ثم شرب فأذهب الله كل ما كان في جوفه من ألم أو ضعف ، وأنزل الله عليه ثوبين من السماء أبيضين فائتزر بأحدهما وارتدى بالآخر ، ثم أقبل يمشي إلى منزله وراث على امرأته ، فأقبلت حتى لقيته وهي لا تعرفه ، فسلمت عليه وقالت : أي يرحمك الله ، هل رأيت هذا الرجل المبتلى ؟ قال : من هو ؟ قالت : نبي الله أيوب ، أما والله ما رأيت أحدا قط أشبه به منك إذ كان صحيحا . قال : فإني أيوب . وأخذ ضغثا فضربها به فزعم ابن شهاب أن ذلك الضغث كان ثماما . ورد الله إليه أهله ومثلهم [ ص: 194 ] معهم ، فأقبلت سحابة حتى سجلت في أندر قمحه ذهبا حتى امتلأ ، وأقبلت سحابة أخرى إلى أندر شعيره وقطانيه فسجلت فيه ورقا حتى امتلأ .
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44){ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فاضرب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ } مقول لقول محذوف دلّت عليه صيغة الكلام ، والتقدير : وقلنا خذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث ، وهو قول غيرُ القول المحذوف في قوله : { اركض برجلك } [ ص : 42 ] لأن ذلك استجابة دعوة وهذا إفتاء برخصة ، وذلك له قصته ، وهذا له قصة أخرى أشارت إليها الآية إجمالاً ولم يرد في تعيينها أثر صحيح ومجملها أن زوج أيوب حاولت عملاً ففسد عليه صبره من استعانة ببعض الناس على مواساته فلما علم بذلك غضب وأقسم ليضربنّها عدداً من الضرب ثم ندم وكان محبّاً لها ، وكانت لائذة به في مدة مرضه فلما سُرِّي عنه أشفق على امرأته من ذلك ولم يكن في دينهم كفارة اليمين فأوحى الله إليه أن يضربها بحُزمة فيها عددٌ من الأعواد بعدد الضربات التي أقسم عليها رفقاً بزوجه لأجله وحفظاً ليمينه من حنثه إذ لا يليق الحنث بمقام النبوءة . وليست هذه القضية ذات أثر في الغرض الذي سيقت لأجله قصة أيوب من الأسوة وإنما ذكرت هنا تكملة لمظهر لطف الله بأيوب جزاء على صبره .ومعاني الآية ظاهرة في أن هذا الترخيص رفق بأيوب ، وأنه لم يكن مثله معلوماً في الدّين الذي يدين به أيوبُ إبقاء على تقواه ، وإكراماً له لحبه زوجه ، ورفقاً بزوجه لبرّها به ، فهو رخصة لا محالة في حكم الحنث في اليمين .فجاء علماؤنا ونظروا في الأصل المقرر في المسألة المفروضة في أصول الفقه وهي : أن شرع من قبلنا هل هو شرع لنا إذا حكاه القرآن أو السنة الصحيحة ، ولم يكن في شرعنا ما ينسخه من نص أو أصل من أصول الشريعة الإسلامية . فأما الذين لم يروا أن شرع من قبلنا شرع لنا وهم أبو بكر الباقلاني من المالكية وجهورُ الشافعية وجميعُ الظاهرية فشأنهم في هذا ظاهر ، وأما الذين أثبتوا أصل الاقتداء بشرع مَن قبلنا بقيوده المذكورة وهم مالك وأبو حنيفة والشافعي فتخطَّوا للبحث في أن هذا الحكم الذي في هذه الآية هل يقرر مثلُه في فقه الإِسلام في الإِفتاء في الأيمان وهل يتعدى به إلى جعله أصلاً للقياس في كل ضَرب يتعين في الشرع له عدد إذا قام في المضروب عذر يقتضي الترخيص بعد البناء على إثبات القياس على الرخص ، وهل يتعدّى به إلى جعله أصلاً للقياس أيضاً لإِثبات أصل مماثل وهو التحيّل بوجه شرعي للتخلص من واجب تكليففٍ شرعي ، واقتحموا ذلك على ما في حكاية قصة أيوب من إجمال لا يتبصر به الناظر في صفة يمينه ولا لفظه ولا نيته إذ ليس من مقصد القصة .فأما في الأيمان فقد كفانا الله التكلّف بأن شرع لنا كفارات الأيمان .وقال النبي صلى الله عليه وسلم " إني والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا كفرت عن يميني فعلت الذي هو خير " ، فصار ما في شرعنا ناسخاً لما شرع لأيوب فلا حاجة إلى الخوض فيها ، ومذهب الحنفية العمل بذلك استناداً لكونه شرعاً لمن قبلنا وهو قول الشافعي .وقال مالك : هذه خاصة بأيوب أفتى الله بها نبيئاً . وحكى القرطبي عن الشافعي أنه خصه بما إذا حلف ولم تكن له نية كأنه أخرجه مُخرج أقل ما يصدق عليه لفظ الضرب والعدد . وأما القياس على فتوى أيوب في كلّ ضرب معيّن بعدد في غير اليمين ، أي في باب الحدود والتعزيرات فهو تطوح في القياس لاختلاف الجنس بين الأصل والفرع ، ولاختلاف مقصد الشريعة من الكفارات ومقصدها من الحدود والتعزيرات ، ولترتب المفسدة على إهمال الحدود والتعزيرات دون الكفارات . ولا شك أن مثل هذا التسامح في الحدود يفضي إلى إهمالها ومصيرها عبثاً . وما وقع في «سنن أبي داود» من حديث أبي أمامة عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار «أنّ رجلاً منهم كان مريضاً مضنى فدخلت عليه جارية فهشّ لها فوقع عليها فاستفتوا له رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : لو حملناه إليك لتفسخت عظامه ما هو إلا جلد على عظْم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذوا له مائة شمراخ فيضربوه بها ضربةً واحدة . ورواه غير أبي داود بأسانيد مختلفة وعبارات مختلفة . وما هي إلا قصة واحدة فلا حجة فيه لأنه تطرقته احتمالات .أولها : أن ذلك الرجل كان مريضاً مضنى ولا يُقام الحد على مثله .الثاني : لعلّ المرض قد أخل بعقله إخلالاً أقدمه على الزنا فكان المرض شبهة تدْرأ الحدَّ عنه .الثالث : أنه خبر آحاد لا ينقض به التواتر المعنوي الثابتُ في إقامة الحدود .الرابع : حمله على الخصوصية . ومذهب الشافعي أنه يعمل بذلك في الحد للضرورة كالمرض وهو غريب لأن أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وأقوال السلف متضَافرة على أن المريض والحامل يُنتظران في إقامة الحد عليهما حتى يبرآ ، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن تضرب الحامل بشماريخ ، فماذا يفيد هذا الضرب الذي لا يزجر مُجرماً ، ولا يدفع مأثماً ، وفي «أحكام الجصّاص» عن أبي حنيفة مثل ما للشافعي . وحكى الخطابي أن أبا حنيفة ومالكاً اتفقا على أنه لا حدّ إلا الحد المعروف . فقد اختلف النقل عن أبي حنيفة .{ تَحْنَثْ إِنَّا وجدناه صَابِراً نِّعْمَ العبد إِنَّهُ } .علة لجملة { اركض برجلِكَ } [ ص : 42 ] وجملة { ووهبنا له أهلهُ } [ ص : 43 ] ، أي أنعمنا عليه بجبر حاله ، لأنا وجدناه صابراً على ما أصابه فهو قدوة للمأمور بقوله : { اصبر على ما يقولون } [ المزمل : 10 ] صلى الله عليه وسلم فكانت ( إِنَّ ) مغنية عن فاء التفريع .ومعنى { وجدناهُ } أنه ظهر في صبره ما كان في علم الله منه .وقوله : { نِعم العبد إنَّهُ أوَّابٌ } مثل قوله في سليمان { نِعم العبد إنَّه أوَّابٌ } [ ص : 30 ] ، فكان سليمان أوَّاباً لله من فتنة الغنى والنعيم ، وأيوب أوَّاباً لله من فتنة الضرّ والاحتياج ، وكان الثناء عليهما متماثلاً لاستوائهما في الأوبة وإن اختلفت الدواعي . قال سفيان : أثنى الله على عبدين ابتليا : أحدهما صابر ، والآخر شاكر ، ثناءً واحداً . فقال لأَيوب ولسليمان { نِعْمَ العبد إنَّه أوَّابٌ } .
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
ثم بين - سبحانه - منة أخرى من المنن التى من بها على عبده أيوب فقال : ( وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فاضرب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِّعْمَ العبد إِنَّهُ أَوَّابٌ ) .والجملة الكريمة معطوف على قوله قبل ذلك : ( اركض ) أو على ( وهبنا ) بتقدير : وقلنا له .والضغث فى اللغة : القبضة من الحشيش اختلط فيها الرطب باليابس . وقيل : هى قبضة من عيدان مختلفة يجمعها أصل واحد .والحنث : يطلق على الإِثم وعلى الخُلْفِ فى اليمين .والآية الكريمة تفيد أن أيوب - عليه السلام - قد حلف أن يضرب شيئا وأن عدم الضرب يؤدى إلى حنثه فى يمينه ، أى : إلى عدم وفائه فيما حلف عليه ، فنهاه الله - تعالى - عن الحنث فى يمينه ، وأوجد له المخرج الذى يترتب عليه البر فى يمينه دون أن يتأذى المضروب بأى أذى يؤلمه .وقد ذكروا فيمن وقع عليه الضرب وسبب هذا الضرب ، روايات لعل أقربها إلى الصواب ، أن أيوب أرسل امرأته فى حاجة له فأبطأت عليه ، فأقسم أنه إذا برئ من مرضه ليضربنها مائة ضربه ، وبعد شفائه رخص له ربه أن يأخذ حزمة صغيرة - وهى المعبر عنها بالضغث - وبها مائة عود ، ثم يضرب بها مرة واحدة ، وبذلك يكون قد جمع بين الوفاء بيمينه ، وبين الرحمة بزوجته التى كانت تحسن خدمته خلال مرضه ، وتقوم بواجبها نحوه خير قيام .والمعنى : وهبنا له بفضلنا ورحمتنا أهله ومثلهم معهم ، وقلنا له بعد شفائه خذ بيدك حزمة صغيرة من الحشيش فيها مائة عود ، فاضرب بها من حلفت أن تضربه مائة ضربة ، وبذلك تكون غير حانث فى يمينك .هذا وقد تكلم العلماء عن هذه الرخصة . أهى خاصة بأيوب ، أم هى عامة للناس؟ .فقال بعضهم : إذا حلف الشخص أن يضرب فلانا مائة جلدة ، أو أن يضربه ضربا غير شديد ، فيكفيه مثل هذا الضرب المكذور الذى جاء فى الآية؛ لأن شرع من قبلنا شرع لنا .وقال آخرون : هذه الرخصة خاصة بأيوب - عليه السلام - ولا تنسحب إلى غيره ، لأن الخطاب إليه وحده . ولأن الله - تعالى - لم يبين لنا فى الآية كيفية اليمين ، ولا من يقع عليه الضرب .ثم بين - سبحانه - أنه جعل لعبده أيوب هذا المخرج لصبره وكثرة رجوعه إلى ما يرضيه - تعالى - فقال : ( إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِّعْمَ العبد إِنَّهُ أَوَّابٌ ) .أى : إنا وجدنا عبدنا أيوب صابرا على ما أصبناه به من بلاء ، ونعم العبد هو . إنه كثير الرجوع إلينا فى كل أحواله .وبذلك نرى الآيات الكريمة قد ساقت لنا جانبا من فضائل أيوب - عليه السلام - ومن النعم التى أنعم الله - تعالى - بها عليه جزاء صبره وطاعته لربه .
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
( وخذ بيدك ضغثا ) وهو ملء الكف من الشجر أو الحشيش ، ( فاضرب به ولا تحنث ) في يمينك ، وكان قد حلف أن يضرب امرأته مائة سوط ، فأمره الله أن يأخذ ضغثا يشتمل على مائة عود صغار ، ويضربها به ضربة واحدة ، ( إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب ) .