تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
يعمل الجن لسليمان ما يشاء من مساجد للعبادة، وصور من نحاس وزجاج، وقِصَاع كبيرة كالأحواض التي يجتمع فيها الماء، وقدور ثابتات لا تتحرك من أماكنها لعظمهن، وقلنا يا آل داود: اعملوا شكرًا لله على ما أعطاكم، وذلك بطاعته وامتثال أمره، وقليل من عبادي من يشكر الله كثيرًا، وكان داود وآله من القليل.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
«يعملون له ما يشاء من محاريب» أبنية مرتفعة يصعد اليها بدرج «وتماثيل» جمع تمثال وهو كل شيء مثلته بشيء، أي صور من نحاس وزجاج ورخام، ولم يكن اتخاذ الصور حراما في شريعته «وجفان» جمع جفنه «كالجوابـ» ـي جمع جابية وهو حوض كبير، يجتمع على الجفنة ألف رجل يأكلون منها «وقدور راسيات» ثابتات لها قوائم لا تتحرك عن أماكنها تتخذ من الجبال باليمن يصعد إليها بالسلالم وقلنا «اعملوا» يا «آل داود» بطاعة الله «شكرا» له على ما أتاكم «وقليل من عبادي الشكور» العامل بطاعتي شكرا لنعمتي.
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
قوله تعالى : يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور .فيه ثماني مسائل :الأولى : قوله تعالى : من محاريب المحراب في اللغة : كل موضع مرتفع . وقيل للذي يصلى فيه : محراب ; لأنه يجب أن يرفع ويعظم . وقال الضحاك : من محاريب أي من مساجد . وكذا قال قتادة . وقال مجاهد : المحاريب دون القصور . وقال أبو عبيدة : المحراب أشرف بيوت الدار . قال [ امرؤ القيس ] :وماذا عليه أن ذكرت أوانسا كغزلان رمل في محاريب أقيالوقال عدي بن زيد :كدمى العاج في المحاريب أو كال بيض في الروض زهره مستنيروقيل : هو ما يرقى إليه بالدرج كالغرفة الحسنة ; كما قال : إذ تسوروا المحراب وقوله : فخرج على قومه من المحراب أي أشرف عليهم . وفي الخبر ( أنه أمر أن يعمل حول كرسيه ألف محراب فيها ألف رجل عليهم المسوح يصرخون إلى الله دائبا ، وهو على الكرسي في موكبه والمحاريب حوله ، ويقول لجنوده إذا ركب : سبحوا الله إلى ذلك العلم ، فإذا بلغوه قال : هللوه إلى ذلك العلم فإذا بلغوه قال : كبروه إلى ذلك العلم الآخر ، فتلج الجنود بالتسبيح والتهليل لجة واحدة ) .الثانية : قوله تعالى : وتماثيل جمع تمثال . وهو كل ما صور على مثل صورة من حيوان أو غير حيوان . وقيل : كانت من زجاج ونحاس ورخام تماثيل أشياء ليست بحيوان . وذكر [ ص: 246 ] أنها صور الأنبياء والعلماء ، وكانت تصور في المساجد ليراها الناس فيزدادوا عبادة واجتهادا ، قال صلى الله عليه وسلم : إن أولئك كان إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور . أي ليتذكروا عبادتهم فيجتهدوا في العبادة . وهذا يدل على أن التصوير كان مباحا في ذلك الزمان ، ونسخ ذلك بشرع محمد صلى الله عليه وسلم . وسيأتي لهذا مزيد بيان في سورة ( نوح ) عليه السلام . وقيل : التماثيل طلسمات كان يعملها ، ويحرم على كل مصور أن يتجاوزها فلا يتجاوزها ، فيعمل تمثالا للذباب أو للبعوض أو للتماسيح في مكان ، ويأمرهم ألا يتجاوزوه فلا يتجاوزه واحد أبدا ما دام ذلك التمثال قائما . وواحد التماثيل تمثال بكسر التاء . قال [ امرؤ القيس ] :ويا رب يوم قد لهوت وليلة بآنسة كأنها خط تمثالوقيل : إن هذه التماثيل رجال اتخذهم من نحاس وسأل ربه أن ينفخ فيها الروح ليقاتلوا في سبيل الله ولا يحيك فيهم السلاح . ويقال : إن إسفنديار كان منهم ; والله أعلم . وروي أنهم عملوا له أسدين في أسفل كرسيه ونسرين فوقه ، فإذا أراد أن يصعد بسط الأسدان له ذراعيهما ، وإذا قعد أطلق النسران أجنحتهما .الثالثة : حكى مكي في الهداية له : أن فرقة تجوز التصوير ، وتحتج بهذه الآية . قال ابن عطية : وذلك خطأ ، وما أحفظ عن أحد من أئمة العلم من يجوزه .قلت : ما حكاه مكي ذكره النحاس قبله ، قال النحاس : قال قوم عمل الصور جائز لهذه الآية ، ولما أخبر الله عز وجل عن المسيح . وقال قوم : قد صح النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم عنها والتوعد لمن عملها أو اتخذها ، فنسخ الله عز وجل بهذا ما كان مباحا قبله ، وكانت الحكمة في ذلك لأنه بعث عليه السلام والصور تعبد ، فكان الأصلح إزالتها .الرابعة : التمثال على قسمين : حيوان وموات . والموات على قسمين : جماد ونام ; وقد كانت الجن تصنع لسليمان جميعه ; لعموم قوله : ( وتماثيل ) . وفي الإسرائيليات : أن التماثيل من الطير كانت على كرسي سليمان . فإن قيل : لا عموم لقوله : ( وتماثيل ) فإنه إثبات في نكرة ، والإثبات في النكرة لا عموم له ، إنما العموم في النفي في النكرة . قلنا : كذلك هو ، بيد أنه قد اقترن بهذا الإثبات في النكرة ما يقتضي حمله على العموم ، وهو قوله : ( ما يشاء ) فاقتران المشيئة به يقتضي العموم له . فإن قيل : كيف استجاز الصور المنهي عنها ؟ قلنا : كان [ ص: 247 ] ذلك جائزا في شرعه ونسخ ذلك بشرعنا كما بينا ، والله أعلم . وعن أبي العالية : لم يكن اتخاذ الصور إذ ذاك محرما .الخامسة : مقتضى الأحاديث يدل أن الصور ممنوعة ، ثم جاء ( إلا ما كان رقما في ثوب ) فخص من جملة الصور ، ثم ثبتت الكراهية فيه بقوله عليه السلام لعائشة في الثوب : أخريه عني فإني كلما رأيته ذكرت الدنيا . ثم بهتكه الثوب المصور على عائشة منع منه ، ثم بقطعها له وسادتين تغيرت الصورة وخرجت عن هيئتها ، فإن جواز ذلك إذا لم تكن الصورة فيه متصلة الهيئة ، ولو كانت متصلة الهيئة لم يجز ، لقولها في النمرقة المصورة : اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها ، فمنع منه وتوعد عليه . وتبين بحديث الصلاة إلى الصور أن ذلك جائز في الرقم في الثوب ثم نسخه المنع منه . فهكذا استقر الأمر فيه والله أعلم ; قاله ابن العربي .السادسة : روى مسلم عن عائشة قالت : كان لنا ستر فيه تمثال طائر وكان الداخل إذا دخل استقبله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حولي هذا فإني كلما دخلت فرأيته ذكرت الدنيا . قالت : وكانت لنا قطيفة كنا نقول علمها حرير ، فكنا نلبسها . وعنها قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مستترة بقرام فيه صورة ، فتلون وجهه ، ثم تناول الستر فهتكه ، ثم قال : إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله عز وجل . وعنها : أنه كان لها ثوب فيه تصاوير ممدود إلى سهوة ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إليه فقال : أخريه عني قالت : فأخرته فجعلته وسادتين . قال بعض العلماء : ويمكن أن يكون تهتيكه عليه السلام الثوب وأمره بتأخيره ورعا ; لأن محل النبوة والرسالة الكمال . فتأمله .[ ص: 248 ] السابعة قال المزني عن الشافعي : إن دعي رجل إلى عرس فرأى صورة ذات روح أو صورا ذات أرواح ، لم يدخل إن كانت منصوبة . وإن كانت توطأ فلا بأس ، وإن كانت صور الشجر . ولم يختلفوا أن التصاوير في الستور المعلقة مكروهة غير محرمة . وكذلك عندهم ما كان خرطا أو نقشا في البناء . واستثنى بعضهم ما كان رقما في ثوب ، لحديث سهل بن حنيف .قلت : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المصورين ولم يستثن . وقوله : إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم أحيوا ما خلقتم ولم يستثن . وفي الترمذي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يخرج عنق من النار يوم القيامة له عينان تبصران وأذنان تسمعان ولسان ينطق يقول : إني وكلت بثلاث : بكل جبار عنيد ، وبكل من دعا مع الله إلها آخر وبالمصورين قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب صحيح . وفي البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود . قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون . يدل على المنع من تصوير شيء ، أي شيء كان . وقد قال جل وعز : ما كان لكم أن تنبتوا شجرها على ما تقدم بيانه فاعلمه .الثامنة : وقد استثني من هذا الباب لعب البنات ، لما ثبت ، عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت سبع سنين ، وزفت إليه وهي بنت تسع ولعبها معها ، ومات عنها وهي بنت ثماني عشرة سنة . وعنها أيضا قالت : كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم وكان لي صواحب يلعبن معي ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل ينقمعن منه فيسربهن إلي فيلعبن معي خرجهما مسلم . قال العلماء : وذلك للضرورة إلى ذلك وحاجة البنات حتى يتدربن على تربية أولادهن . ثم إنه لا بقاء لذلك ، وكذلك ما يصنع من الحلاوة أو من العجين لا بقاء له ، فرخص في ذلك ، والله أعلم .[ ص: 249 ] قوله تعالى : وجفان كالجواب قال ابن عرفة : الجوابي جمع الجابية ، وهي حفيرة كالحوض . وقال : كحياض الإبل . وقال ابن القاسم عن مالك : كالجوبة من الأرض ، والمعنى متقارب . وكان يقعد على الجفنة الواحدة ألف رجل . النحاس : وجفان كالجواب الأولى أن تكون بالياء ، ومن حذف الياء قال سبيل الألف واللام أن تدخل على النكرة فلا يغيرها عن حالها ، فلما كان يقال ( جواب ) ودخلت الألف واللام أقر على حاله فحذف الياء . وواحد الجوابي جابية ، وهي القدر العظيمة ، والحوض العظيم الكبير الذي يجبى فيه الشيء أي يجمع ; ومنه جبيت الخراج ، وجبيت الجراد ; أي جعلت الكساء فجمعته فيه . إلا أن ليثا روى عن مجاهد قال : الجوابي جمع جوبة ، والجوبة الحفرة الكبيرة تكون في الجبل فيها ماء المطر . وقال الكسائي : جبوت الماء في الحوض وجبيته أي جمعته ، والجابية : الحوض الذي يجبى فيه الماء للإبل ، قال :تروح على آل المحلق جفنة كجابية الشيخ العراقي تفهقويروى أيضا :نفى الذم عن آل المحلق جفنة كجابية السيح . .ذكره النحاس .قوله تعالى : وقدور راسيات قال سعيد بن جبير : هي قدور النحاس تكون بفارس . وقال الضحاك : هي قدور تعمل من الجبال . غيره : قد نحتت من الجبال الصم مما عملت له الشياطين ، أثافيها منها منحوتة هكذا من الجبال . ومعنى ( راسيات ) ثوابت ، لا تحمل ولا تحرك لعظمها . قال ابن العربي : وكذلك كانت قدور عبد الله بن جدعان ، يصعد إليها في الجاهلية بسلم . وعنها عبر طرفة بن العبد بقوله :كالجوابي لا تني مترعة لقرى الأضياف أو للمحتضرقال ابن العربي : ورأيت برباط أبي سعيد قدور الصوفية على نحو ذلك ، فإنهم يطبخون جميعا ويأكلون جميعا من غير استئثار واحد منهم على أحد .قوله تعالى : اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور قد مضى معنى الشكر في ( البقرة ) وغيرها . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر فتلا هذه الآية ثم قال : ( ثلاث من أوتيهن [ ص: 250 ] فقد أوتي مثل ما أوتي آل داود ) قال فقلنا : ما هن ؟ . فقال : العدل في الرضا والغضب . والقصد في الفقر والغنى . وخشية الله في السر والعلانية . خرجه الترمذي الحكيم أبو عبد الله عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة . وروي أن داود عليه السلام قال : ( يا رب كيف أطيق شكرك على نعمك . وإلهامي وقدرتي على شكرك نعمة لك ) فقال : ( يا داود الآن عرفتني ) . وقد مضى هذا المعنى في سورة ( إبراهيم ) . وأن الشكر حقيقته الاعتراف بالنعمة للمنعم واستعمالها في طاعته ، والكفران استعمالها في المعصية . وقليل من يفعل ذلك ; لأن الخير أقل من الشر ، والطاعة أقل من المعصية ، بحسب سابق التقدير . وقال مجاهد : لما قال الله تعالى اعملوا آل داود شكرا قال داود لسليمان : إن الله عز وجل قد ذكر الشكر فاكفني صلاة النهار أكفك صلاة الليل ، قال : لا أقدر ، قال : فاكفني - قال الفاريابي ، أراه قال إلى صلاة الظهر - قال نعم ، فكفاه . وقال الزهري : اعملوا آل داود شكرا أي قولوا الحمد لله . و ( شكرا ) نصب على جهة المفعول ; أي اعملوا عملا هو الشكر . وكأن الصلاة والصيام والعبادات كلها هي في نفسها الشكر إذ سدت مسده ، ويبين هذا قوله تعالى : إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وهو المراد بقوله وقليل من عبادي الشكور . وقد قال سفيان بن عيينة في تأويل قوله تعالى أن اشكر لي أن المراد بالشكر الصلوات الخمس . وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تفطر قدماه ; فقالت له عائشة رضي الله عنها : أتصنع هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال : أفلا أكون عبدا شكورا . انفرد بإخراجه مسلم . فظاهر القرآن والسنة أن الشكر بعمل الأبدان دون الاقتصار على عمل اللسان ; فالشكر بالأفعال عمل الأركان ، والشكر بالأقوال عمل اللسان . والله أعلم .قوله تعالى : وقليل من عبادي الشكور يحتمل أن يكون مخاطبة لآل داود ، ويحتمل أن يكون مخاطبة لمحمد صلى الله عليه وسلم . قال ابن عطية : وعلى كل وجه ففيه تنبيه وتحريض . وسمع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه رجلا يقول : اللهم اجعلني من القليل ; فقال عمر : ما هذا الدعاء ؟ فقال الرجل : أردت قوله تعالى وقليل من عبادي الشكور . فقال عمر رضي الله عنه : كل الناس أعلم منك يا عمر ! وروي أن سليمان عليه السلام كان يأكل الشعير ويطعم [ ص: 251 ] أهله الخشكار ويطعم المساكين الدرمك . وقد قيل : إنه كان يأكل الرماد ويتوسده ، والأول أصح ، إذ الرماد ليس بقوت . وروي أنه ما شبع قط ، فقيل له في ذلك فقال : أخاف إن شبعت أن أنسى الجياع . وهذا من الشكر ومن القليل ، فتأمله ، والله أعلم .
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13)و { يعملون له ما يشاء } جملة مبينة لجملة { يعمل بين يديه } [ سبأ : 12 ] .و { من محاريب } بيان ل { ما يشاء } .والمحاريب : جمع محراب ، وهو الحصن الذي يحارب منه العدوُّ والمهاجِم للمدينة ، أو لأنه يرمى من شرفاته بالحِراب ، ثم أطلق على القصر الحصين . وقد سمَّوْا قصور غُمدان في اليمن محاريبَ غُمدانَ . وهذا المعنى هو المراد في هذه الآية . ثم أطلق المحراب على الذي يُخْتَلَى فيه للعبادة فهو بمنزلة المسجد الخاص ، قال تعالى : { فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب } وتقدم في سورة آل عمران ( 39 ) . وكان لداود محراب يجلس فيه للعبادة قال تعالى : { وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب } في سورة ص ( 21 ) .وأما إطلاق المحراب على الموضع من المسجد الذي يقف فيه الإِمامُ الذي يؤمّ الناس ، يُجعل مثل كوة غير نافذة واصلة إلى أرض المسجد في حائط القبلة يقف الإِمام تحته ، فتسمية ذلك محراباً تسمية حديثة ولم أقف على تعيين الزمن الذي ابتدىء فيه إطلاق اسم المحراب على هذا الموقف . واتخاذ المحاريب في المساجد حدث في المائة الثانية ، والمظنون أنه حدث في أولها في حياة أنس بن مالك لأنه روي عنه أنه تنزه عن الجلوس في المحاريب وكانوا يسمونه الطاقَ أو الطاقَة ، وربما سموه المذبح ، ولم أر أنهم سموه أيامئذ محراباً ، وإنما كانوا يسمون بالمحراب موضع ذبح القربان في الكنيسة ، قال عُمر بن أبي ربيعة :دُمية عند راهب قسيس ... صوَروها في مذابح المحرابوالمذبح والمحراب مقتبسة من اليهود لما لا يخفى من تفرع النصرانية عن دين اليهودية .وما حكي عن أنس بن مالك إن صحّ فإنما يُعنى به بيت للصلاة خاص . ورأيت إطلاق المحراب على الطاقة التي في المسجد في كلام الفَراء ، أي في منتصف القرن الثاني ، نقل الجوهري عنه أنه قال : المحاريب صدور المجالس ومنه سمي محرابُ المسجد ، لأن المحراب لم يبق حينئذٍ مطلقاً على مكان العبادة .ومن الغلط أن جعلوا في المسجد النبوي في الموضع الذي يقرَّب أن يكون النبي يصلي فيه صورَة محراب منفصل يسمونه محراب النبي وإنما هو علامة على تحري موقفه .والذي يظهر أن المسلمين ابتدأوا فجعلوا طاقات صغيرة علامة على القبلة لئلا يضل الداخل إلى المسجد يريد الصلاة فإن ذلك يقع كثيراً ، ثم وسعوها شيئاً فشيئاً حتى صيروها في صورة نصف دهليز صغير في جدار القبلة يسع موقف الإِمام ، وأحسب أن أول وضعه كان عند بناء المسجد الأموي في دمشق ، ثم إن الخليفة الوليد بن عبد الملك أمر بجعله في المسجد النبوي حين وسّعه وأعاد بناءه ، وذلك في مدة إمارة عمر بن عبد العزيز على المدينة حسبما ذكر السمهودي في كتاب خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى } .والتماثيل : جمع تِمثال بكسر التاء ، ووزنه تِفعال لأن التاء مزيدة وهو أحد أسماء معدودة جاءت على وزن تِفعال بكسر التاء ، وأما قياس هذا الباب وأكثرُه فهو بفتح التاء . والأسماء التي جاءت على هذا الوزن منها مصادر ومنها أسماء ، فأما المصادر فأكثرها بفتح التاء إلا مصدرين : تبيان ، وتلقاء بمعنى اللقاء . وأما الأسماء فورد منها على الكسر نحو من أربعة عشر اسماً منها : تِمثال ، أحصاها ابن دريد ، وزاد ابن العربي في «أحكام القرآن» عن شيخه الخطيب التبريزي تسعة فصارت خمسة وعشرين . والتمثال هو الصورة الممثلة ، أي المجسمة مثل شيء من الأجسام فكان النحاتون يعملون لسليمان صوراً مختلفة كصور موهومة للملائكة وللحيوان مثل الأسود ، فقد كان كرسي سليمان محفوفاً بتماثيل أُسود أربعة عشر كما وصف في الإِصحاح العاشر من سفر الملوك الأول . وكان قد جَعل في الهيكل جابية عظيمة من نحاس مصقول مرفوعة على اثنتي عشرة صورة ثور من نحاس .ولم تكن التماثيل المجسمة محرَّمَة الاستعمال في الشرائع السابقة ، وقد حرمها الإِسلام لأن الإِسلام أمعن في قطع دَابر الإِشراك لشدة تمكن الإِشراك من نفوس العرب وغيرهم . وكان معظم الأصنام تماثيل فحرّم الإِسلام اتخاذها لذلك ، ولم يكن تحريمها لأجل اشتمالها على مفسدة في ذاتها ولكن لكونها كانت ذريعة للإِشراك . واتفق الفقهاء على تحريم اتخاذ ما له ظلّ من تماثيل ذوات الروح إذا كانت مستكملة الأعضاء التي لا يعيش ذو الروح بدونها وعلى كراهة ما عدا ذلك مثل التماثيل المنصفة ومثل الصور التي على الجدران وعلى الأوراق والرقم في الثوب ولا ما يجلس عليه ويداس . وحكم صنعها يتبع اتخاذها . ووقعت الرخصة في اتخاذ صور تلعب بها البنات لفائدة اعتيادهن العمل بأمور البيت .والجفان : جمع جفنة ، وهي القصعة العظيمة التي يجفن فيها الماء . وقدرت الجفنة في التوراة بأنها تسع أربعين بَثَّا ( بالمثلثة ) ولم نعرف مقدار البث عندهم ولا شك أنه مكيال . وشبهت الجفان في عظمتها وسعتها بالجوابي . وهي جمع : جابية وهي الحوض العظيم الواسع العميق الذي يجمع فيه الماء لسقي الأشجار والزروع ، قال الأعشى :نفي الذم عن رهط المحلَّق جفنة ... كجابية الشيخ العراقي تَفْهَقأي الجفنة في سعتها كجابية الرجل العراقي ، وأهل العراق أهل كروم وغروس فكانوا يجمعون الماء للسقي .وكانت الجفان المذكورة في الهيكل المعروف عندنا بيت المقدس لأجل وضع الماء ليغلسوا فيها ما يقربونه من المحرَقات كما في الإِصحاح الرابع من سفر الأيام الثاني .وكتب في المصحف { كالجواب } بدون ياء بعد الموحدة . وقرأه الجمهور بدون ياء في حالي الوصل والوقف . وقرأه ابن كثير بإثبات الياء في الحالين . وقرأ ورش عن نافع وأبو عمرو بإثبات الياء في حال الوصل وبحذفها في حال الوقف .والقدور : جمع قِدر وهي إناء يوضع فيه الطعام ليطبخ من لحم وزيت وأدهان وتوابل .قال النابغة في النعمان بن الحارث الجُلاحي :له بِفناء البيت سوداء فخمة ... تلقَّم أوصال الجَزور العُراعربقية قِدر من قُدور تُورثت ... لآل الجلاح كابراً بعد كابرأي تَسَع قوائم البعير إذا وضعت فيه لتطبخ مَرقاً ونحوه .وهذه القدور هي التي يطبخ فيها لجند سليمان ولسدنة الهيكل ولخدمه وأتباعه وقد ورد ذكر القدور إجمالاً في الفقرة السادسة عشرة من الإصحاح الرابع من سفر الأيام الثاني .والراسيات : الثابتات في الأرض التي لا تُنزل من فوق أثافيها لتداول الطبخ فيها صباحَ مساءَ .وجملة { اعملوا آل داود شكراً } مقول قول محذوف ، أي قلنا : اعملوا يا آل داود ، ومفعول { اعملوا } محذوف دل عليه قوله : { شكراً } . وتقديره : اعملوا صالحاً ، كما تقدم آنفاً ، عملاً لشكر الله تعالى ، فانتصب { شكراً } على المفعول لأجله . والخطاب لسليمان وآله .وذُيل بقوله : { وقليل من عبادي الشكور } فهو من تمام المقول ، وفيه حثّ على الاهتمام بالعمل الصالح . ويجوز أن يكون هذا التذييل كلاماً جديداً جاء في القرآن ، أي قلنا ذلك لآل داود فعَمل منهم قليل ولم يعمل كثير وكان سليمان من أول الفئة القليلة .و { الشكور } : الكثيرُ الشكر . وإذْ كان العمل شكراً أفاد أن العاملين قليل .
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
ثم بين - سبحانه - بعض الأشياء التى كان الجن يعملونها لسليمان - عليه السلام - فقال : ( يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كالجواب وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ) .المحاريب : جمع محراب . وهو كل مكان مرتفع ، ويطلق على المكان الذى يقف فيه الإِمام فى المسجد ، كما يطلق على الغرفة التى يصعد إليها ، وعلى أشرف أماكن البيوت .قالوا والمراد بها : اماكن العبادة ، والقصور المرتفعة .والتماثيل : جمع تمثال وقد يكون من حجر أو خشب أو نحاس أو غير ذلك .قال القرطبى ما ملخصه : والتماثيل جمع تمثال . وهو كل ما صور على مثل صورة حيوان أو غير حيوان . وقيل : كانت من زجاج ونحاس ورخام ، تماثيل أشياء ليست بحيوان .وذكر أنها صورة الأنبياء والعلماء ، وكانت تصور فى المساجد ليراها الناس . فيزدادوا عبادة واجتهادا .وهذا يدل على أن ذلك كان مباحا فى زمانهم ، ونسخ ذلك بشرع محمد صلى الله عليه وسلم .والجِفان : جمع جَفْنَة . وهى الآنية الكبيرة . والجَوَاب : جمع جابية ، وهى لاحوض الكبير الذى يحبى فيه الماء ويجمع لتشرب منه الدواب .والقدور : جمع قدر . وهو الآنية التى يطبخ فيها الطعام من نحاس أو فخار أو غيرهما .وراسيات : جمع راسية بمعنى ثابتة لاتتحرك .أى : أن الجن يعملون لسليمان - عليه السلام - ما يشاء من مساجد وقصور ، ومن صور متنوعة ، ومن قصاع كبار تشبه الأحواض الضخمة ، ومن قدور ثابتات على قواعدها ، بحيث لا تحرك لضخامتها وعظمها .وقوله - سبحانه - : ( اعملوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشكور ) مقول لقول محذوف .أى : أعطينا سليمان كل هذه النعم ، وقلنا له ولأهله : اعملوا يا آل دواد عملا صالحا ، شكرا لله - تعالى - على فضله وعطائه ، وقليل من عبادى هو الذى يشكرنى شكراخ الصا على نعمى وفضلى وإحسانى .وقوله ( شُكْراً ) يجوز أن يكون مفعولا لأجله . أى : اعملوا من أجل الشكر ، أو مصدرا واقعا موقع الحال . أى : اعملوا شاكرين .و ( قَلِيلٌ ) خبر مقدم .و ( مِّنْ عِبَادِيَ ) صفة له . و ( الشكور ) مبتدأ مؤخر . وهكذا يختم القرآن هذه النعم بهذا التغيب الذى يكشف عن طبيعة الناس فى كل زمان ومكان ، حتى يحملهم على أن يخالفوا أهواءهم ونفوسهم ، ويكثروا من ذلك الله - تعالى - وشكره .وحقيقة الشكر : الاعتراف بالنعمة للمنعم ، والثناء عليه لإِنعامه ، واستعمال نعمه - سبحانه - فيما خلقت له .والانسان الشكور : هو المتوفر على أداء الشكر ، الباذل قصارى جهده فى ذلك ، عن طريق قلبه ولسانه وجوارحه .
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
( يعملون له ما يشاء من محاريب ) أي : مساجد ، والأبنية المرتفعة ، وكان مما عملوا له بيت المقدس ابتدأه داود ورفعه قدر قامة رجل ، فأوحى الله إليه إني لم أقض ذلك على يدك ولكن ابن لك أملكه بعدك اسمه سليمان أقضي تمامه على يده ، فلما توفاه الله استخلف سليمان فأحب إتمام بناء بيت المقدس ، فجمع الجن والشياطين وقسم عليهم الأعمال فخص كل طائفة منهم بعمل يستخلصها له ، فأرسل الجن والشياطين في تحصيل الرخام والمها الأبيض من معادنه ، وأمر ببناء المدينة بالرخام والصفاح ، وجعلها اثني عشر ربضا ، وأنزل كل ربض منها سبطا من الأسباط ، وكانوا اثني عشر سبطا ، فلما فرغ من بناء المدينة ابتدأ في بناء المسجد فوجه الشياطين فرقا فرقا يستخرجون الذهب والفضة والياقوت من معادنها والدر الصافي من البحر ، وفرقا يقلعون الجواهر والحجارة من أماكنها ، وفرقا يأتونه بالمسك والعنبر وسائر الطيب من أماكنها ، فأتى من ذلك بشيء لا يحصيه إلا الله - عز وجل - ، ثم أحضر الصناعين وأمرهم بنحت تلك الحجارة المرتفعة وتصييرها ألواحا وإصلاح تلك الجواهر وثقب اليواقيت واللآلىء ، فبنى المسجد بالرخام الأبيض والأصفر والأخضر وعمده بأساطين المها الصافي وسقفه بألواح الجواهر الثمينة وفصص سقوفه وحيطانه باللآلىء واليواقيت وسائر الجواهر ، وبسط أرضه بألواح الفيروز فلم يكن يومئذ في الأرض بيت أبهى ولا أنور من ذلك المسجد ، وكان يضيء في الظلمة كالقمر ليلة البدر ، فلما فرغ منه جمع إليه أحبار بني إسرائيل فأعلمهم أنه بناه لله - عز وجل - ، وأن كل شيء فيه خالص لله ، واتخذ ذلك اليوم الذي فرغ منه عيدا .وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لما فرغ سليمان من بناء بيت المقدس سأل ربه ثلاثا فأعطاه اثنين ، وأنا أرجو أن يكون أعطاه الثالثة ، سأل حكما يصادف حكمه ، فأعطاه إياه وسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده ، فأعطاه إياه ، وسأله أن لا يأتي هذا البيت أحد يصلي فيه ركعتين إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، وأنا أرجو أن يكون . قد أعطاه ذلك " . .قالوا : فلم يزل بيت المقدس على ما بناه سليمان حتى غزاه بختنصر فخرب المدينة وهدمها ونقض المسجد ، وأخذ ما كان في سقوفه وحيطانه من الذهب والفضة والدر والياقوت وسائر الجواهر ، فحمله إلى دار مملكته من أرض العراق ، وبنى الشياطين لسليمان باليمن حصونا كثيرة [ عجيبة ] من الصخر .قوله - عز وجل - : ) ( وتماثيل ) أي : كانوا يعملون له تماثيل ، أي : صورا من نحاس وصفر وشبة وزجاج ورخام . وقيل : كانوا يصورون السباع والطيور . وقيل : كانوا يتخذون صور الملائكة والأنبياء والصالحين في المساجد ليراها الناس فيزدادوا عبادة ، ولعلها كانت مباحة في شريعتهم ، كما أن عيسى كان يتخذ صورا من الطين فينفخ فيها فتكون طيرا [ بإذن الله .) ( وجفان ) أي : قصاع واحدتها جفنة ) ( كالجواب ) كالحياض التي يجبى فيها الماء ، أي : يجمع ، واحدتها جابية ، يقال : كان يقعد على الجفنة الواحدة ألف رجل يأكلون منها ( وقدور راسيات ) ثابتات لها قوائم لا يحركن عن أماكنها لعظمهن ، ولا ينزلن ولا يعطلن ، وكان يصعد عليها بالسلالم ، وكانت باليمن .( اعملوا آل داود شكرا ) أي : وقلنا اعملوا آل داود شكرا ، مجازه : اعملوا يا آل داود بطاعة الله شكرا له على نعمه .( وقليل من عبادي الشكور ) أي : العامل بطاعتي شكرا لنعمتي .قيل : المراد من " آل داود " هو داود نفسه . وقيل : داود وسليمان وأهل بيته .وقال جعفر بن سليمان : سمعت ثابتا يقول : كان داود نبي الله عليه السلام قد جزأ ساعات الليل والنهار على أهله فلم تكن تأتي ساعة من ساعات الليل والنهار إلا وإنسان من آل داود قائم يصلي .