تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
هو الذي يسيِّركم -أيها الناس- في البر على الدواب وغيرها، وفي البحر في السُّفُن، حتى إذا كنتم فيها وجرت بريح طيبة، وفرح ركاب السفن بالريح الطيبة، جاءت هذه السفنَ ريحٌ شديدة، وجاء الركابَ الموجُ (وهو ما ارتفع من الماء) من كل مكان، وأيقنوا أن الهلاك قد أحاط بهم، أخلصوا الدعاء لله وحده، وتركوا ما كانوا يعبدون، وقالوا: لئن أنجيتنا من هذه الشدة التي نحن فيها لنكونن من الشاكرين لك على نِعَمك.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
«هو الذي يسيركم» وفي قراءة ينشركم «في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك» السفن «وجرين بهم بريح» وجرين فيه التفات عن الخطاب بريح طيبة» لينة «وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف» شديد الهبوب تكسر كل شيء «وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم» أي أهلكوا «دعوا الله مخلصين له الدين» الدعاء «لئن» لام قسم «أنجيتنا من هذه» الأهوال «لنكونن من الشاكرين» الموحدين.
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
قوله تعالى هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرينقوله تعالى هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم أي يحملكم في البر على الدواب وفي البحر على الفلك . وقال الكلبي : يحفظكم في السير . [ ص: 238 ] والآية تتضمن تعديد النعم فيما هي الحال بسبيله من ركوب الناس الدواب والبحر . وقد مضى الكلام في ركوب البحر في " البقرة " . يسيركم قراءة العامة . ابن عامر " ينشركم " بالنون والشين ، أي يبثكم ويفرقكم . والفلك يقع على الواحد والجمع ، ويذكر ويؤنث ، وقد تقدم القول فيه . وقوله : ( وجرين بهم ) خروج من الخطاب إلى الغيبة ، وهو في القرآن وأشعار العرب كثير ; قال النابغة :يا دار مية بالعلياء فالسند أقوت وطال عليها سالف الأمدقال ابن الأنباري : وجائز في اللغة أن يرجع من خطاب الغيبة إلى لفظ المواجهة بالخطاب ; قال الله تعالى : وسقاهم ربهم شرابا طهورا إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا فأبدل الكاف من الهاء .قوله تعالى بريح طيبة وفرحوا بها تقدم الكلام فيها في " البقرة "جاءتها ريح عاصف الضمير في جاءتها للسفينة . وقيل للريح الطيبة . والعاصف الشديدة ; يقال : عصفت الريح وأعصفت ، فهي عاصف ومعصف ومعصفة أي شديدة ، قال الشاعر :حتى إذا أعصفت ريح مزعزعة فيها قطار ورعد صوته زجلوقال عاصف بالتذكير لأن لفظ الريح مذكر ، وهي القاصف أيضا . والطيبة غير عاصف ولا بطيئة .وجاءهم الموج من كل مكان والموج ما ارتفع من الماء ، وظنوا : أي أيقنواأنهم أحيط بهم أي أحاط بهم البلاء ; يقال لمن وقع في بلية : قد أحيط به ، كأن البلاء قد أحاط به ; وأصل هذا أن العدو إذا أحاط بموضع فقد هلك أهله .دعوا الله مخلصين له الدين أي دعوه وحده وتركوا ما كانوا يعبدون . وفي هذا دليل على أن الخلق جبلوا على الرجوع إلى الله في الشدائد ، وأن المضطر يجاب دعاؤه ، وإن كان كافرا ; لانقطاع الأسباب ورجوعه إلى الواحد رب الأرباب ; على ما يأتي بيانه في " النمل " إن شاء الله تعالى . وقال بعض المفسرين : إنهم قالوا في دعائهم أهيا شراهيا ; أي : يا حي يا قيوم . وهي لغة العجم .مسألة : هذه الآية تدل على ركوب البحر مطلقا ، ومن السنة حديث أبي هريرة وفيه : إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء . . . الحديث . وحديث أنس في قصة أم حرام يدل على جواز ركوبه في الغزو ، وقد مضى هذا المعنى في " البقرة " مستوفى والحمد لله . وقد [ ص: 239 ] تقدم في آخر " الأعراف " حكم راكب البحر في حال ارتجاجه وغليانه ، هل حكمه حكم الصحيح أو المريض المحجور عليه ; فتأمله هناك .قوله تعالى لئن أنجيتنا من هذه أي هذه الشدائد والأهوال . وقال الكلبي : من هذه الريح .لنكونن من الشاكرين أي من العاملين بطاعتك على نعمة الخلاص .
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
هذه الجملة بدل اشمال من جملة { وإذا أذقنا الناس رحمة } [ يونس : 21 ] إلى آخرها لأن البغي في الأرض اشتمل عليه المكر في آيات الله . والمقصود من هذه الجملة هو قوله : { فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض } وما سواه تمهيد وإدماج للامتنان . أعقب التهديد على كفران النعمة بذكر بعض نعم الله عليهم ثم ضَراء تعقب النعمة للابتلاء والتذكير بخالقهم ، ثم كيف تُفرج عنهم رحمةً بهم فيكفر فريق منهم كلتا النعمتين ولا يتذكر ، فكان المقصود أنَّ في ذلك أعظم الآيات على الوحدانية فكيف يقولون : { لولا أنزل عليه آية من ربه } [ يونس : 20 ] وفي كل شيء له آية ، وفي كل ذلك امتنان عليهم بالنعمة وتسجيل لكفرانها ولتوارد الآيات عليهم ولكيلا يغتروا بالإمهال فيحسبوه رضى بكفرهم أو عجزاً عن أخذهم ، وهذا موقع رشيق جد الرشاقة لهذه الآية القرآنية .وإسناد التسْيير إلى الله تعالى باعتبار أنه سببه لأنه خالق إلهام التفكير وقوى الحركة العقلية والجسدية ، فالإسناد مجاز عقلي ، فالقصر المفاد من جملة : { هو الذي يسيركم } قصر ادعائي . والكلام مستعمل في الامتنان والتعريض بإخلالهم بواجب الشكر .و { حتى } ابتدائية ، وهي غاية للتسيير في البحار خاصة . وإنما كانت غاية باعتبار ما عطف على مدخولها من قوله : { دَعَوا الله } إلى قوله { بغير الحق } ، والمغيَّا هو ما في قوله { يسيركم } من المنة المؤذنة بأنه تسيير رفق ملائم للناس ، فكان ما بعد ( حتى ) ومعطوفاتها نهايةَ ذلك الرفق ، لأن تلك الحالة التي بعد ( حتى ) ينتهي عندها السير المنعَم به ويدخلون في حالة البأساء والضراء ، وهذا النظم نسج بديع في أفانين الكلام .ومن بديع الأسلوب في الآية أنها لما كانت بصدد ذكر النعمة جاءت بضمائر الخطاب الصالحة لجميع السامعين ، فلما تهيأت للانتقال إلى ذكر الضراء وقع الانتقال من ضمائر الخطاب إلى ضمير الغيبة لتلوين الأسلوب بما يخلصه إلى الإفضاء إلى ما يخص المشركين فقال : { وجَرين بهم } على طريقة الالتفات ، أي وجرين بكم . وهكذا أجريت الضمائر جامعة للفريقين إلى أن قال : { فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق } فإن هذا ليس من شيم المؤمنين فتمحض ضمير الغيبة هذا للمشركين ، فقد أخرج من الخبر مَن عدا الذين يبغون في الأرض بغير الحق تعويلاً على القرينة لأن الذين يبغون في الأرض بغير الحق لا يشمل المسلمين .وهذا ضرب من الالتفات لم ينبه عليه أهل المعاني وهو كالتخصيص بطريق الرمز .وقد عدت هذه الآية من أمثلة الالتفات من الخطاب إلى الغيبة في ضمائر الغيبة كلها تبعاً «للكشاف» بناء على جعل ضمائر الخطاب للمشركين وجعل ضمائر الغيبة لهم أيضاً ، وما نحوتُه أنا أليق .وابتدىء الإتيان بضمير الغيبة من آخر ذكر النعمة عند قوله : { وجرين بهم بريح طيبة } للتصريح بأن النعمة شملتهم ، وللإشارة إلى أن مجيء العاصفة فجأة في حال الفرح مراد منه ابتلاؤهم وتخويفهم . فهو تمهيد لقوله : { وجاءهم الموج من كل مكان }.والسير في البر معروف للعرب . وكذلك السير في البحر . كانوا يركبون البحر إلى اليمن وإلى بلاد الحبشة . وكانت لقريش رحلة الشتاء إلى اليمن وقد يركبون البحر لذلك . وقد وصف طرفة بن العبد السفن وسيرها ، وذكرها عمرو بن كلثوم في معلقته ، والنابغة في داليته .وقرأ الجمهور { يُسيّركم } بتحتية في أوله مضمومة فسين مهملة بعدها تحتية بعدها راء من السير ، أي يجعلكم تسيرون . وقرأه ابن عامر وأبو جعفر { ينشركم } بتحتية مفتوحة في أوله بعدها نون ثم شين معجمة ثم راء من النّشر ، وهو التفريق على نحو قوله تعالى : { إذا أنتم بشر تنتشرون } [ الروم : 20 ] وقوله : { فانتشروا في الأرض } [ الجمعة : 10 ]. قال ابن عطية عن عوف بن أبي جميلة وأبي الزغل : كانوا ( أي أهل الكوفة ) يقرأون { ينشركم } فنظروا في مصحف عثمان بن عفان فوجدوها { يسيركم } ( أي بتحتية فسين مهملة فتحتية ) فأوَّل من كتبها كذلك الحجاج بن يوسف ، أي أمر بكتبها في مصاحب أهل الكوفة .و { حتى } غاية للتسيير . وهي هنا ابتدائية أعقبت بحرف المفاجأة وجوابِه ، والجملة والغايةُ هي مفاد جواب { إذا } وهو قوله : { جاءتها ريح عاصف } ، فمجيء الريح العاصف هو غاية التسيير الهنيء المنعم به ، إذ حينئذٍ ينقلب التسيير كارثة ومصيبة .والفلك : اسم لمَركَب البحر ، واسم جمع له بصيغة واحدة . وقد تقدم عند قوله تعالى : { والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس } في سورة [ البقرة : 164 ]. وهو هنا مراد به الجمع .والجري : السير السريع في الأرض أو في البحر ، قال تعالى : { باسم الله مجراها } [ هود : 41 ] والظاهر أنه حقيقة فيهما .والريح مؤنثة في كلام العرب . وتقدم في قوله : { وهو الذي يرسل الرياح نشراً بين يَدي رحمته } في سورة [ الأعراف : 57 ]. والطيبة : الملائمة الرفيقة بالراكبين .والطيب : الموصوف بالطِيب الشديد . وأصل معنى الطيب الملاءمة فيما يراد من الشيء ، كقوله تعالى : { فلنحيينه حياةً طيبة } [ النحل : 97 ] ، ويقال : طاب له المقام في مكان كذا . ومنه سمي الشيء الذي له ريح وعرف طِيباً .وجملة : { جاءتها ريح عاصف } جواب { إذَا }. وفي ذكر جَريهن بريح طيبة وفرحهم بها إيماء إلى أن مجيء العاصفة حدث فجأة دون توقع من دلالة علامات النوتية كما هو الغالب . وفيه إيماء إلى أن ذلك بتقديرٍ مرادٍ لله تعالى ليخوفهم ويذكرهم بوحدانيته .وضمير { جاءتها } عائد إلى { الفُلك } لأن جمع غير العاقل يعامل معاملة المفرد المؤنث .والعاصف : وصف خاص بالريح ، أي شديدة السرعة . وإنما لم تلحقه علامة التأنيث لأنه مختص بوصف الريح فاستغنى عن التأنيث ، مثل : نافس وحائض ومرضع ، فشاع استعماله كذلك ، وذكر وصفاً للريح فبقي لا تلحقه التاء . وقالوا : إنما لم تلحقه التاء لأنه في معنى النسب ، مثل : لابن ، وتامر . وفيه نظر .ومعنى { من كل مكان } من كل جهة من جهات الفُلك ، فالابتداء الذي تفيده ( من ) ابتداء الأمكنة المتجهة إلى الفلك .ومعنى { أحيط بهم } أخذوا وأهلكوا ، فالعرب يقولون : أحاط العَدو بالقبيلة إذا تمكن منها وغلبها ، لأن الإحاطة بها تدل على الإحداق بها وتطويقها . ولما كان ذلك هزيمة وامتلاكاً لها صار ترتيب { أحيط بهم } استعارة تمثيلية للهلاك كما تقدم في قوله تعالى : { والله محيط بالكافرين } [ البقرة : 19 ] وقوله تعالى : { لتأتنني به إلا أن يُحاط بكم } [ يوسف : 66 ] وقوله : { وأحيط بثمره } [ الكهف : 42 ] أي هلكت . فمعنى { وظنوا أنهم أحيط بهم } ظنوا الهلاك .وجملة : { دعَوا الله مخلصين } جواب { إذا }. ومعنى مخلصين له الدين ممحضين له العبادة في دعائهم ، أي دعوه ولم يدعوا معه أصنامهم . وليس المراد أنهم أقلعوا عن الإشراك في جميع أحوالهم بل تلك حالتهم في الدعاء عند الشدائد . وهذا إقامة حجة عليهم ببعض أحوالهم ، مثل قوله تعالى : { أغير الله تدعون إن كنتم صادقين بل إياه تدعون } [ الأنعام : 40 ، 41 ].وجملة : { لئن أنجيتنا } بيان لجملة { دَعوا } لأن مضمونها هو الدعاء .والإشارة ب { هذه } إلى حالة حاضرة لهم ، وهي حالة إشرافهم على الغرق ، فالمشار إليه هو الحالة المشاهدة لهم .وقد أكد وعدهم بالشكر بثلاث مؤكدات : لاممِ توطئة القسم ، ونوننِ التوكيد ، والتعبير بصيغة { من الشاكرين } دون لنكونن شاكرين ، لما يفيده من كونهم من هذه الزمرة التي ديدنها الشكر ، كما تقدم بيان خصوصية مثل هذا التركيب عند قوله تعالى : { قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين } في سورة [ الأنعام : 56 ].
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
ثم ساق - سبحانه - مشهدا حياً . تراه العيون ، وتهتز له القلوب ، ويجعل المشاعر تتجه إلى الله وحده بالدعاء فقال - تعالى - ( هُوَ الذي يُسَيِّرُكُمْ وفى البر والبحر . . . ) .والسير معناه : الانتقال من مكان إلى آخر . والتسيير معناه : جعل الإِنسان أو الحيوان أو غيرهما يسير بذاته ، أو بواسطة دابة أو سفينة أو غيرهما ، مما سخره الله - تعالى - له بقدرته ورحمته .أى : هو - سبحانه - الذي يسيركم بقدرته ورحمته وفى البر والبحر ، بواسطة ما وهبكم من قدرة على السير ، أو ما سخر لكم من دواب وسفن وغيرهما مما تستعملونه وفى سفركم ، وكل ذلك من أجل مصلحتكم ومنفعتكم .ثم قال - تعالى - ( حتى إِذَا كُنتُمْ وفى الفلك وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا . . . ) .والفل : ما عظم من السفن . ويستعمل هذا اللفظ عند كثير من العلماء للواحد والجمع . والظاهر أن المراد به هنا الجمع ، بدليل قوله ( وَجَرَيْنَ ) أى : السفن .والمراد بالريح الطيبة : الريح المناسبة لسير السفن ، والموافقة لا تجاهها .أى : هو - سبحانه - وحدا الذي ينقلكم من مكان إلى آخر وفى البر والبحر ، حتى إذا كنتم فى إحدى مرات تسييركم راكبين فى السفن التي سخرها لكم ، وجرت هذه السفن بمن فيها بسبب الريح الطيبة إلى المكان الذى تقصدونه ، وأنتم وفى حالة فرح غامر ، وسرور شامل . . ( جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَآءَهُمُ الموج مِن كُلِّ مَكَانٍ وظنوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِم . . . ) .والريح العاصف : هى الريح الشديدة القوية . يقال : عصفت الريح واعصفت فهي عاصف إذا اشتدت وفى سرعتها وهيجانها .والموج : ما ارتفع من مياه البحار ، والظن هنا بمعنى اليقين أو الاعتقاد الراجح ، وقوله : ( أُحِيطَ بِهِمْ ) أى : أحاط بهم البلاء من كل ناحية . يقال لمن وقع فى بلية : قد أحيط به وأصل هذا أن العدو إذا أحاط بعدوه جعله على حافة الهلاك .أي بعد أن جرت السفن بهلاء القوم وفى البحر وهم وفى فرح وحبور ، جاءت إليهم ريح عاصفة شديدة السرعة والتقلب ، وارتفع إليها الموج من كل مكان ، واعتقد ركابها - الذين كانوا منذ قليل فرحين مبتهجين - أنهم قد أحاط بهم الهلاك كما يحيط العدو بعدوه .وقوله : ( بهم ) فيه التفات من الخطاب إلى الغيبة ، لأنه كان الظاهر أن يقال : حتى إذا كنتم وفى الفلك وجرين بكم لكن جاء الكلام على أسلوب الالتفات للمبالغة فى تقبيح أحوالهم ، وسوء صنيعهم .قال صاحب الكشاف " فإن قلت : ما فائدة صرف الكلام من الخطاب إلى الغيبة؟ قلت : المبالغة ، كأنه لغيرهم حالهم ليعجبهم منها ، ويستدعي منهم الإِنكار والتقبيح " .وقوله : ( دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هذه لَنَكُونَنَّ مِنَ الشاكرين ) بيان لما قالوه بعد أن داهمتهم الرياح العاصفة ، والأمواج العالية وبعد أن أيقنوا أنهم على حافة الموت .أي وفى تلك الساعات العصبية ، واللحظات الحرجة ، توجهوا إلى الله وحده قائلين : نقسم لك يا ربنا ، ويا من لا يعجزك شيء ، لئن أنجينا من تلك الأهوال التي نحن فيها ، لنكونن من الشاكرين لك ، المطيعين لأمرك ، المتبعين لشرعك .وهنا ، وبعد الدعاء العريض ، هدأت العاصفة ، وانخفضت الأمواج ، وسكنت النفوس بعض السكون ، ووصلت السفن إلى شاطئ الأمان فماذا كانت النتيجة؟كانت النتيجة كما صورها القرآن الكريم : ( فَلَمَّآ أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ وفى الأرض بِغَيْرِ الحق . . )
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
قوله تعالى : ( هو الذي يسيركم ) يجريكم ويحملكم ، وقرأ أبو جعفر وابن عامر : " ينشركم " بالنون والشين من النشر وهو البسط والبث ، " في البر " ، على ظهور الدواب ، وفي ( البحر ) على الفلك ، ( حتى إذا كنتم في الفلك ) أي : في السفن ، تكون واحدا وجمعا ( وجرين بهم ) يعني : جرت السفن بالناس ، رجع من الخطاب إلى الخبر ، ( بريح طيبة ) لينة ، ( وفرحوا بها ) أي : بالريح ، ( جاءتها ريح ) أي : جاءت الفلك ريح ، ( عاصف ) شديدة الهبوب ، ولم يقل ريح عاصفة ، لاختصاص الريح بالعصوف . وقيل : الريح تذكر وتؤنث . ( وجاءهم ) يعني : ركبان السفينة ، ( الموج ) وهو حركة الماء واختلاطه ، ( من كل مكان وظنوا ) أيقنوا ( أنهم أحيط بهم ) دنوا من الهلكة ، أي : أحاط بهم الهلاك ، ( دعوا الله مخلصين له الدين ) أي : أخلصوا في الدعاء لله ولم يدعوا أحدا سوى الله . وقالوا ( لئن أنجيتنا ) يا ربنا ، ( من هذه ) الريح العاصف ، ( لنكونن من الشاكرين ) لك بالإيمان والطاعة .