تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
فأرْسَلَهُ معهم. فلما ذهبوا به وأجمعوا على إلقائه في جوف البئر، وأوحينا إلى يوسف لتخبرنَّ إخوتك مستقبلا بفعلهم هذا الذي فعلوه بك، وهم لا يُحِسُّون بذلك الأمر ولا يشعرون به.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
«فلما ذهبوا به وأجمعوا» عزموا «أن يجعلوه في غيابت الجب» وجواب لما محذوف أي فعلوا ذلك بأن نزعوا قميصه بعد ضربه وإهانته وإرادة قتله وأدلوه فلما وصل إلى نصف البئر ألقوه ليموت فسقط في الماء ثم أوى إلى صخرة فنادوه فأجابهم يظن رحمتهم فأرادوا رضخه بصخرة فمنعهم يهوذا «وأوحينا إليه» في الجب وحي حقيقة وله سبع عشرة سنة أو دونها تطمينا لقلبه «لتنبئنهم» بعد اليوم «بأمرهم» بصنيعهم «هذا وهم لا يشعرون» بك حال الإنباء.
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
قوله تعالى : فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرونقوله تعالى : فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب " أن " في موضع نصب ; أي على أن يجعلوه في غيابة الجب .قيل في القصة : إن يعقوب - عليه السلام - لما أرسله معهم أخذ عليهم ميثاقا غليظا ليحفظنه ، وسلمه إلى روبيل وقال : يا روبيل إنه صغير ، وتعلم يا بني شفقتي عليه ; فإن جاع فأطعمه ، وإن عطش فاسقه ، وإن أعيا فاحمله ثم عجل برده إلي . قال : فأخذوا يحملونه على أكتافهم ، لا يضعه واحد إلا رفعه آخر ، ويعقوب يشيعهم ميلا ثم رجع ; فلما انقطع بصر أبيهم عنهم رماه الذي كان يحمله إلى الأرض حتى كاد ينكسر ، فالتجأ إلى آخر فوجد عند كل واحد منهم أشد مما عند الآخر من الغيظ والعسف ; فاستغاث بروبيل وقال : ( أنت أكبر إخوتي ، والخليفة من بعد والدي علي ، وأقرب الإخوة إلي ، فارحمني وارحم ضعفي ) فلطمه لطمة شديدة وقال : لا قرابة بيني وبينك ، فادع الأحد عشر كوكبا فلتنجك منا ; فعلم أن حقدهم من أجل رؤياه ، فتعلق بأخيه يهوذا وقال : يا أخي ارحم ضعفي وعجزي وحداثة سني ، وارحم قلب أبيك يعقوب ; فما أسرع ما تناسيتم وصيته ونقضتم عهده ; فرق قلب يهوذا فقال : والله لا يصلون إليك أبدا ما دمت حيا ، ثم قال : يا إخوتاه إن قتل النفس التي حرم الله من أعظم الخطايا ، فردوا هذا الصبي إلى أبيه ، ونعاهده ألا يحدث والده بشيء مما جرى أبدا ; فقال له إخوته : والله ما تريد إلا أن تكون لك المكانة عند يعقوب ، والله لئن لم تدعه لنقتلنك معه ، قال : فإن أبيتم إلا ذلك فهاهنا هذا الجب الموحش القفر ، الذي هو مأوى الحيات والهوام فألقوه فيه ، فإن أصيب بشيء من ذلك فهو المراد ، وقد استرحتم من دمه ، وإن انفلت على أيدي سيارة يذهبون به إلى أرض فهو المراد ; فأجمع رأيهم على ذلك ; فهو قول الله تعالى : فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب وجواب لما محذوف ; أي فلما ذهبوا به وأجمعوا على طرحه في الجب عظمت فتنتهم . وقيل : جواب لما قولهم : قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق . وقيل : التقدير فلما ذهبوا به من عند أبيهم وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب جعلوه فيها ، هذا على مذهب البصريين ; وأما على قول الكوفيين فالجواب : أوحينا والواو مقحمة ، والواو عندهم تزاد مع لما وحتى ; قال الله تعالى : حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها [ ص: 126 ] أي فتحت وقوله : حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور أي فار . قال امرؤ القيس :فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى[ بها بطن خبث ذي حقاف عنقنق ]أي انتحى ; ومنه قوله تعالى : فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أي ناديناه .وأوحينا إليه دليل على نبوته في ذلك الوقت . قال الحسن ومجاهد والضحاك وقتادة : أعطاه الله النبوة وهو في الجب على حجر مرتفع عن الماء . وقال الكلبي : ألقي في الجب ، وهو ابن ثماني عشرة سنة ، فما كان صغيرا ; ومن قال كان صغيرا فلا يبعد في العقل أن يتنبأ الصغير ويوحى إليه . وقيل : كان وحي إلهام كقوله : وأوحى ربك إلى النحل . وقيل : كان مناما ، والأول أظهر - والله أعلم - وأن جبريل جاءه بالوحي .قوله تعالى : لتنبئنهم بأمرهم هذا فيه وجهان : أحدهما : أنه أوحى إليه أنه سيلقاهم ويوبخهم على ما صنعوا ; فعلى هذا يكون الوحي بعد إلقائه في الجب تقوية لقلبه ، وتبشيرا له بالسلامة . الثاني : أنه أوحى إليه بالذي يصنعون به ; فعلى هذا يكون الوحي قبل إلقائه في الجب إنذارا لهوهم لا يشعرون أنك يوسف ; وذلك أن الله تعالى أمره لما أفضى إليه الأمر بمصر ألا يخبر أباه وإخوته بمكانه . وقيل : بوحي الله تعالى بالنبوة ; قاله ابن عباس ومجاهد . وقيل : " الهاء " ليعقوب ; أوحى الله تعالى إليه ما فعلوه بيوسف ، وأنه سيعرفهم بأمره ، وهم لا يشعرون بما أوحى الله إليه ، والله أعلم .ومما ذكر من قصته إذ ألقي في الجب ما ذكره السدي وغيره أن إخوته لما جعلوا يدلونه في البئر ، تعلق بشفير البئر ، فربطوا يديه ونزعوا قميصه ; فقال : يا إخوتاه ردوا علي قميصي أتوارى به في هذا الجب ، فإن مت كان كفني ، وإن عشت أواري به عورتي ; فقالوا : ادع الشمس والقمر والأحد عشر كوكبا فلتؤنسك وتكسك ; فقال : إني لم أر شيئا ، فدلوه في البئر حتى إذا بلغ نصفها ألقوه إرادة أن يسقط فيموت ; فكان في البئر ماء فسقط فيه ، ثم آوى إلى صخرة فقام عليها . وقيل : إن شمعون هو الذي قطع الحبل إرادة أن يتفتت على الصخرة ، وكان جبريل تحت ساق العرش ، فأوحى الله إليه أن أدرك عبدي ; قال جبريل : فأسرعت وهبطت حتى عارضته بين الرمي والوقوع فأقعدته على الصخرة سالما . وكان ذلك الجب مأوى الهوام ; فقام على الصخرة وجعل يبكي ، فنادوه ، فظن أنها رحمة عليه أدركتهم ، فأجابهم ; فأرادوا أن يرضخوه بالصخرة فمنعهم يهوذا ، وكان [ ص: 127 ] يهوذا يأتيه بالطعام ; فلما وقع عريانا نزل جبريل إليه ; وكان إبراهيم حين ألقي في النار عريانا أتاه جبريل بقميص من حرير الجنة فألبسه إياه ، فكان ذلك عند إبراهيم ، ثم ورثه إسحاق ، ثم ورثه يعقوب ، فلما شب يوسف جعل يعقوب ذلك القميص في تعويذة وجعله في عنقه ، فكان لا يفارقه ; فلما ألقي في الجب عريانا أخرج جبريل ذلك القميص فألبسه إياه . قال وهب : فلما قام على الصخرة قال : يا إخوتاه إن لكل ميت وصية ، فاسمعوا وصيتي ، قالوا : وما هي ؟ قال : إذا اجتمعتم كلكم فأنس بعضكم بعضا فاذكروا وحشتي ، وإذا أكلتم فاذكروا جوعي ، وإذا شربتم فاذكروا عطشي ، وإذا رأيتم غريبا فاذكروا غربتي ، وإذا رأيتم شابا فاذكروا شبابي ; فقال له جبريل : يا يوسف كف عن هذا واشتغل بالدعاء ، فإن الدعاء عند الله بمكان ; ثم علمه فقال : قل اللهم يا مؤنس كل غريب ، ويا صاحب كل وحيد ، ويا ملجأ كل خائف ، ويا كاشف كل كربة ، ويا عالم كل نجوى ، ويا منتهى كل شكوى ، ويا حاضر كل ملأ ، يا حي يا قيوم أسألك أن تقذف رجاءك في قلبي ، حتى لا يكون لي هم ولا شغل غيرك ، وأن تجعل لي من أمري فرجا ومخرجا ، إنك على كل شيء قدير ; فقالت الملائكة : إلهنا نسمع صوتا ودعاء ، الصوت صوت صبي ، والدعاء دعاء نبي . وقال الضحاك : نزل جبريل - عليه السلام - على يوسف وهو في الجب فقال له : ألا أعلمك كلمات إذا أنت قلتهن عجل الله لك خروجك من هذا الجب ؟ فقال : نعم ، فقال له : قل يا صانع كل مصنوع ، ويا جابر كل كسير ، ويا شاهد كل نجوى ، ويا حاضر كل ملأ ، ويا مفرج كل كربة ، ويا صاحب كل غريب ، ويا مؤنس كل وحيد ، ايتني بالفرج والرجاء ، واقذف رجاءك في قلبي حتى لا أرجو أحدا سواك ; فرددها يوسف في ليلته مرارا ; فأخرجه الله في صبيحة يومه ذلك من الجب .
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
تفريع حكاية الذّهاب به والعزم على إلقائه في الجبّ على حكاية المحاورة بين يعقوب عليه السّلام وبنيه في محاولة الخروج بيوسف عليه السّلام إلى البادية يؤذن بجمل محذوفة فيها ذكر أنهم ألحوا على يعقوب عليه السّلام حتّى أقنعوه فأذن ليوسف عليه السّلام بالخروج معهم ، وهو إيجاز .والمعنى : فلمّا أجابهم يعقوب عليه السّلام إلى ما طلبوا ذهبوا به وبلغوا المكان الذي فيه الجب .وفعل ( أجمع ) يتعدّى إلى المفعول بنفسه . ومعناه : صمّم على الفعل ، فقوله : { أن يجعلوه } هو مفعول { وأجمعوا }.وجواب ( لمّا ) محذوف دلّ عليه { أن يجعلوه في غيابت الجب } ، والتقدير : جعلوه في الجب . ومثله كثير في القرآن . وهو من الإيجاز الخاص بالقرآن فهو تقليل في اللّفظ لظهور المعنى .وجملة { وأوحينا إليه } معطوفة على جملة { وأجمعوا أن يجعلوه في غيابت الجب } ، لأنّ هذا الموحى من مهمّ عبر القصة .وقيل : الواو مزيدة وجملة { أوحينا } هو جواب ( لمّا ) ، وقد قيل بمثل ذلك في قوله امرىء القيس :فلمّا أجزنا ساحة الحي وانتحى. . . البيت .وقيل به في قوله تعالى : { فلمّا أسلما وتلّه للجبين وناديناه أنْ يا إبراهيم } [ سورة الصافات : 103 ، 104 ] الآية وفي جميع ذلك نظر .والضمير في قوله : إليه } عائد إلى يوسف عليه السّلام في قول أكثر المفسّرين مقتصرين عليه . وذكر ابن عطية أنّه قيل الضمير عائد إلى يعقوب عليه السّلام .وجملة { لتنبئنهم بأمرهم هذا } بيان لِجلمة { أوحينا }. وأكّدت باللاّم ونون التوكيد لتحقيق مضمونها سواء كان المراد منها الإخبار عن المستقبل أو الأمر في الحال . فعلى الأوّل فهذا الوحي يحتمل أن يكون إلهاماً ألقاه الله في نفس يوسف عليه السّلام حين كيدهم له ، ويحتمل أنّه وحي بواسطة المَلك فيكون إرهاصاً ليوسف عليه السّلام قبل النّبوءة رحمة من الله ليزيل عنه كربه ، فأعلمه بما يدل على أن الله سيخلصه من هذه المصيبة وتكون له العاقبة على الذين كادوا له ، وإيذان بأنّه سيؤانسه في وحشة الجب بالوحي والبشارة ، وبأنه سينبىء في المستقبل إخوته بما فعلوه معه كما تؤذن به نون التوكيد إذا اقترنت بالجملة الخبرية ، وذلك يستلزم نجاته وتمكّنه من إخوته لأن الإنباء بذلك لا يكون إلا في حال تمكّن منهم وأمن من شرهم .ومعنى { بأمرهم } : بفعلهم العظيم في الإساءة .وجملة { وهم لا يشعرون } في موضع الحال ، أي لتخبرنهم بما فعلوا بك وهم لا يشعرون أنك أخوهم بل في حالة يحسبونه مطلعاً على المغيبات متكهناً بها ، وذلك إخبار بما وقع بعد سنين مما حكي في هذه السورة بقوله تعالى : { قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه }[ سورة يوسف : 89 ] الآيتين .وعلى احتمال عود ضمير إليه } على يعقوب عليه السّلام فالوحي هو إلقاء الله إليه ذلك بواسطة المَلَك ، والواو أظهر في العطف حينئذٍ فهو معطوف على جملة { فلما ذهبوا به } إلى آخرها { وأوحينا إليه } قبل ذلك . و { لتنبئنهم } أمر ، أي أوحينا إليه نَبّئْهم بأمرهم هذا ، أي أشعرهم بما كادوا ليوسف عليه السّلام ، إشعاراً بالتعريض ، وذلك في قوله : { وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون } [ سورة يوسف : 13 ].وجملة وهم لا يشعرون } على هذا التقدير حال من ضمير جمع الغائبين ، أي وهم لا يشعرون أننا أوحينا إليه بذلك .وهذا الجب الذي ألقي فيه يوسف عليه السّلام وقع في التوراة أنه في أرض ( دوثان ) ، ودوثان كانت مدينة حصينة وصارت خرابا . والمراد : أنه كانت حوله صحراء هي مرعى ومربع . ووصف الجب يقتضي أنه على طريق القوافل . واتّفق واصفو الجب على أنه بين ( بانياس ) و ( طبرية ). وأنه على اثني عشر ميلاً من طبرية ممّا يلي دمشق ، وأنه قرب قرية يقال لها ( سنجل أو سنجيل ). قال قدامة : هي طريق البريد بين بعلبك وطبرية .ووصفها المتأخرون بالضبط المأخوذ من الأوصاف التاريخية القديمة أنه الطريق الكبرى بين الشام ومصر . وكانت تجتاز الأردن تحت بحيرة طبرية وتمر على ( دوثان ) وكانت تسلكها قوافل العرب التي تحمل الأطياب إلى المشرق ، وفي هذه الطريق جباب كثيرة في ( دوثان ). وجب يوسف معروف بين طبرية وصفد ، بنيت عليه قبة في زمن الدولة الأيوبية بحسب التوسّم وهي قائمة إلى الآن .
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
وقد حكى القرآن ذلك بأسلوبه البليغ فقال : ( فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وأجمعوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غيابت الجب وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ) .أى : فلما أقنعوا أباهم بإرسال يوسف معهم ، وذهبوا به فى الغد إلى حيث يريدون ، وأجمعوا أمرهم على أن يلقوا به فى قعر الجب ، فعلوا به ما فعلوا من الأذى ، ونفذوا ما يريدون تنفيذه بدون رحمة أو شفقة .فالفاء فى قوله فلما : للتفريع على كلام مقدر ، وجواب " لما " محذوف ، دل عليه السياق . وفعل " أجمع " يتعدى إلى المفعول بنفسه ، ومعناه العزم والتصميم على الشئ ، تقول : أجمعت المسير أى : عزمت عزما قويا عليه .وقوله " أن يجعلوه " مفعول أجمعوا .قال الآلوسى : " والروايات فى كيفية إلقائه فى الجب ، وما قاله لإِخوته عند إلقائه وما قالوه له كثيرة ، وقد تضمنت ما يلين له الصخر ، لكن ليس فها ماله سند يعول عليه " .والضمير فى قوله ، وأوحينا إليه يعود على يوسف - عليه السلام - .أى : وأوحينا إليه عند إلقائه فى الجب عن طريق الإِلهام القلبى ، أو عن طريق جبريل - عليه السلام - أو عن طريق الرؤيا الصالحة . ( لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا ) أى : لتخبرنهم فى الوقت الذى يشاؤه الله - تعالى - فى مستقبل الأيام ، بما فعلوه معك فى صغرك من إلقائك فى الجب ، ومن إنجاء الله - لك ، فالمراد بأمرهم هذا : إيذاؤهم له وإلقاؤهم إياه فى قعر الجب ، ولم يصرح - سبحانه - به ، لشدة شناعته .وجملة ( وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ) حالية ، أى : والحال أنهم لا يحسون ولا يشعرون فى ذلك الوقت الذى تخبرهم فيه بأمرهم هذا ، بأنك أنت يوسف . لاعتقادهم أنك قد هلكت ولطول المدة التى حصل فيها الفراق بينك وبينهم ، ولتباين حالك وحالهم فى ذلك الوقت ، فأنت ستكون الأمين على خزائن الأرض ، وهم سيقدمون عليك فقراء يطلبون عونك ورفدك .وقد تحقق كل ذلك - كما سيأتى - عند تفسير قوله تعالى - : ( فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ ياأيها العزيز مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضر . . . ) وكان هذ الإِيحاء - على الراجح - قبل أن يبلغ سن الحلم ، وقبل أن يكون نبيا .وكان المقصود منه ، إدخال الطمأنينة على قلبه ، وتبشيره بما سيصير إليه أمره من عز وغنى وسلطان .قالوا : وكان هذا الجب الذى ألقى فيه يوسف على بعد ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب - عليه السلام - بفلسطين .
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
( فلما ذهبوا به وأجمعوا ) أي : عزموا ( أن يجعلوه ) يلقوه ( في غيابة الجب وأوحينا إليه ) هذه الواو زائدة ، تقديره : أوحينا إليه ، كقوله تعالى : ( فلما أسلما وتله للجبين وناديناه ) ( الصافات - 103 ) أي : ناديناه ( لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون ) يعني : أوحينا إلى يوسف عليه السلام لتصدقن رؤياك ولتخبرن إخوتك بصنيعهم هذا وهم لا يشعرون بوحي الله وإعلامه إياه ذلك ، قاله مجاهد .وقيل : معناه : وهم لا يشعرون يوم تخبرهم أنك يوسف وذلك حين دخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون .وذكر وهب وغيره : أنهم أخذوا يوسف عليه السلام بغاية الإكرام وجعلوا يحملونه ، فلما برزوا إلى البرية ألقوه وجعلوا يضربونه فإذا ضربه واحد منهم استغاث بالآخر فضربه الآخر ، فجعل لا يرى منهم رحيما ، فضربوه حتى كادوا يقتلونه وهو يصيح : يا أبتاه لو تعلم ما يصنع بابنك بنو الإماء ، فلما كادوا أن يقتلوه قال لهم يهوذا : أليس قد أعطيتموني موثقا أن لا تقتلوه ، فانطلقوا به إلى الجب ليطرحوه فيه ، وكان ابن اثنتي عشرة سنة - وقيل : ثماني عشرة سنة - فجاءوا به إلى بئر على غير الطريق واسعة الأسفل ضيقة الرأس . قال مقاتل : على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب عليه السلام . وقال كعب : بين مدين ومصر . وقال وهب : بأرض الأردن . وقال قتادة : هي بئر بيت المقدس فجعلوا يدلونه في البئر فيتعلق بشفير البئر فربطوا يديه ونزعوا قميصه فقال : يا إخوتاه ، ردوا علي القميص أتوارى به في الجب ، فقالوا : ادع الشمس والقمر والكواكب تواريك ، قال : إني لم أر شيئا ، فألقوه فيها .وقيل : جعلوه في دلو وأرسلوه فيها حتى إذا بلغ نصفها ألقوه إرادة أن يموت فكان في البئر ماء فسقط فيه ، ثم أوى إلى صخرة فيها فقام عليها .إنهم لما ألقوه فيها جعل يبكي فنادوه فظن أن رحمة أدركتهم فأجابهم فأرادوا أن يرضخوه بصخرة فيقتلوه ، فمنعهم يهوذا وكان يهوذا يأتيه بالطعام ، وبقي فيها ثلاث ليال .( وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا ) الأكثرون على أن الله تعالى أوحى إليه بهذا وبعث إليه جبريل عليه السلام يؤنسه ويبشره بالخروج ، ويخبره أنه ينبئهم بما فعلوه ويجازيهم عليه وهم لا يشعرون .قال ابن عباس رضي الله عنهما : ثم إنهم ذبحوا سخلة وجعلوا دمها على قميص يوسف عليه السلام .