تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
وجاؤوا بقميصه ملطخًا بدم غير دم يوسف؛ ليشهد على صدقهم، فكان دليلا على كذبهم؛ لأن القميص لم يُمَزَّقْ. فقال لهم أبوهم يعقوب عليه السلام: ما الأمر كما تقولون، بل زيَّنت لكم أنفسكم الأمَّارة بالسوء أمرًا قبيحًا في يوسف، فرأيتموه حسنًا وفعلتموه، فصبري صبر جميل لا شكوى معه لأحد من الخلق، وأستعين بالله على احتمال ما تصفون من الكذب، لا على حولي وقوتي.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
«وجاءُوا على قميصه» محله نصب على الظرفية أي فوقه «بدم كذب» أي ذي كذب بأن ذبحوا سخلة ولطخوه بدمها وذهلوا عن شقه وقالوا إنه دمه «قال» يعقوب لما رآه صحيحا وعلم كذبهم «بل سوَّلت» زينت «لكم أنفسكم أمرا» ففعلتموه به «فصبر جميل» لا جزع فيه، وهو خبر مبتدأ محذوف أي أمري «والله المستعان» المطلوب منه العون «على ما تصفون» تذكرون من أمر يوسف.
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
قوله تعالى : وجاءوا على قميصه بدم كذب [ ص: 132 ] فيه ثلاث مسائل :الأولى : قوله تعالى بدم كذب قال مجاهد : كان دم سخلة أو جدي ذبحوه . وقال قتادة : كان دم ظبية ; أي جاءوا على قميصه بدم مكذوب فيه ، فوصف الدم بالمصدر ، فصار تقديره : بدم ذي كذب ; مثل : واسأل القرية والفاعل والمفعول قد يسميان بالمصدر ; يقال : هذا ضرب الأمير ، أي مضروبه وماء سكب أي مسكوب ، وماء غور أي غائر ، ورجل عدل أي عادل . وقرأ الحسن وعائشة : " بدم كدب " بالدال غير المعجمة ، أي بدم طري ; يقال للدم الطري الكدب . وحكي أنه المتغير ; قاله الشعبي . والكدب أيضا البياض الذي يخرج في أظفار الأحداث ; فيجوز أن يكون شبه الدم في القميص بالبياض الذي يخرج في الظفر من جهة اختلاف اللونين .الثانية : قال علماؤنا رحمة الله عليهم : لما أرادوا أن يجعلوا الدم علامة على صدقهم قرن الله بهذه العلامة علامة تعارضها ، وهي سلامة القميص من التنييب ; إذ لا يمكن افتراس الذئب ليوسف وهو لابس القميص ويسلم القميص من التخريق ; ولما تأمل يعقوب - عليه السلام - القميص فلم يجد فيه خرقا ولا أثرا استدل بذلك على كذبهم ، وقال لهم : متى كان هذا الذئب حكيما يأكل يوسف ولا يخرق القميص ! قاله ابن عباس وغيره ; روى إسرائيل عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال : كان الدم دم سخلة . وروى سفيان عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال : لما نظر إليه قال كذبتم ; لو كان الذئب أكله لخرق القميص . وحكى الماوردي أن في القميص ثلاث آيات : حين جاءوا عليه بدم كذب ، وحين قد قميصه من دبر ، وحين ألقي على وجه أبيه فارتد بصيرا .قلت : وهذا مردود ; فإن القميص الذي جاءوا عليه بالدم غير القميص الذي قد ، وغير القميص الذي أتاه البشير به . وقد قيل : إن القميص الذي قد هو الذي أتي به فارتد بصيرا ، على ما يأتي بيانه آخر السورة إن شاء الله تعالى . وروي أنهم قالوا له : بل اللصوص قتلوه ; فاختلف قولهم فاتهمهم ، فقال لهم يعقوب : تزعمون أن الذئب أكله ، ولو أكله لشق قميصه قبل أن يفضي إلى جلده ، وما أرى بالقميص من شق ; وتزعمون أن اللصوص قتلوه ، ولو قتلوه [ ص: 133 ] لأخذوا قميصه ; هل يريدون إلا ثيابه ؟ ! فقالوا عند ذلك : وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين عن الحسن وغيره ; أي لو كنا موصوفين بالصدق لاتهمتنا .الثالثة : استدل الفقهاء بهذه الآية في إعمال الأمارات في مسائل من الفقه كالقسامة وغيرها ، وأجمعوا على أن يعقوب - عليه السلام - استدل على كذبهم بصحة القميص ; وهكذا يجب على الناظر أن يلحظ الأمارات والعلامات إذا تعارضت ، فما ترجح منها قضى بجانب الترجيح ، وهي قوة التهمة ; ولا خلاف بالحكم بها ، قاله ابن العربي .قوله تعالى : قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميلفيه ثلاث مسائل :الأولى : روي أن يعقوب لما قالوا له : فأكله الذئب قال لهم : ألم يترك الذئب له عضوا فتأتوني به أستأنس به ؟ ! ألم يترك لي ثوبا أشم فيه رائحته ؟ قالوا : بلى ! هذا قميصه ملطوخ بدمه ; فذلك قوله تعالى : وجاءوا على قميصه بدم كذب فبكى يعقوب عند ذلك وقال ، لبنيه : أروني قميصه ، فأروه فشمه وقبله ، ثم جعل يقلبه فلا يرى فيه شقا ولا تمزيقا ، فقال : والله الذي لا إله إلا هو ما رأيت كاليوم ذئبا أحكم منه ; أكل ابني واختلسه من قميصه ولم يمزقه عليه ; وعلم أن الأمر ليس كما قالوا ، وأن الذئب لم يأكله ، فأعرض عنهم كالمغضب باكيا حزينا وقال : يا معشر ولدي ! دلوني على ولدي ; فإن كان حيا رددته إلي ، وإن كان ميتا كفنته ودفنته ، فقيل قالوا حينئذ : ألم تروا إلى أبينا كيف يكذبنا في مقالتنا ! تعالوا نخرجه من الجب ونقطعه عضوا عضوا ، ونأت أبانا بأحد أعضائه فيصدقنا في مقالتنا ويقطع يأسه ; فقال يهوذا : والله لئن فعلتم لأكونن لكم عدوا ما بقيت ، ولأخبرن أباكم بسوء صنيعكم ; قالوا : فإذا منعتنا من هذا فتعالوا نصطد له ذئبا ، قال : فاصطادوا ذئبا ولطخوه بالدم ، وأوثقوه بالحبال ، ثم جاءوا به يعقوب وقالوا : يا أبانا ! إن هذا الذئب الذي يحل بأغنامنا ويفترسها ، ولعله الذي أفجعنا بأخينا لا نشك فيه ، وهذا دمه عليه ، فقال يعقوب : أطلقوه ; فأطلقوه ، وتبصبص له الذئب ; فأقبل يدنو منه ويعقوب يقول له : ادن ادن ; حتى ألصق خده بخده فقال له يعقوب : أيها الذئب ! لم فجعتني بولدي وأورثتني حزنا طويلا ؟ ! ثم قال اللهم أنطقه ، فأنطقه الله تعالى فقال : والذي اصطفاك نبيا ما أكلت لحمه ، ولا مزقت جلده ، ولا نتفت شعرة من شعراته ، ووالله ! ما لي بولدك عهد ، وإنما أنا ذئب غريب أقبلت من نواحي مصر في طلب أخ لي فقد ، فلا أدري أحي هو أم ميت ، فاصطادني أولادك وأوثقوني ، وإن لحوم الأنبياء حرمت علينا وعلى جميع الوحوش ، وتالله لا أقمت في بلاد يكذب فيها أولاد الأنبياء على الوحوش ; فأطلقه [ ص: 134 ] يعقوب وقال : والله لقد أتيتم بالحجة على أنفسكم ; هذا ذئب بهيم خرج يتبع ذمام أخيه ، وأنتم ضيعتم أخاكم ، وقد علمت أن الذئب بريء مما جئتم به .بل سولت أي زينت لكم . لكم أنفسكم أمرا غير ما تصفون وتذكرون .ثم قال توطئة لنفسه : فصبر جميل وهي :الثانية : قال الزجاج : أي فشأني والذي اعتقده صبر جميل . وقال قطرب : أي فصبري صبر جميل . وقيل : أي فصبر جميل أولى بي ; فهو مبتدأ وخبره محذوف . ويروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الصبر الجميل فقال : هو الذي لا شكوى معه . وسيأتي له مزيد بيان آخر السورة إن شاء الله . قال أبو حاتم : قرأ عيسى بن عمر فيما زعم سهل بن يوسف " فصبرا جميلا " قال : وكذا قرأ الأشهب العقيلي ; قال وكذا . في مصحف أنس وأبي صالح . قال المبرد : فصبر جميل بالرفع أولى من النصب ; لأن المعنى : قال رب عندي صبر جميل ; قال : وإنما النصب على المصدر ، أي فلأصبرن صبرا جميلا ; قال :شكا إلي جملي طول السرى صبرا جميلا فكلانا مبتلىوالصبر الجميل هو الذي لا جزع فيه ولا شكوى . وقيل : المعنى لا أعاشركم على كآبة الوجه وعبوس الجبين ، بل أعاشركم على ما كنت عليه معكم ; وفي هذا ما يدل على أنه عفا عن مؤاخذتهم . وعن حبيب بن أبي ثابت أن يعقوب كان قد سقط حاجباه على عينيه ; فكان يرفعهما بخرقة ; فقيل له : ما هذا ؟ قال : طول الزمان وكثرة الأحزان ; فأوحى الله إليه أتشكوني يا يعقوب ؟ ! قال : يا رب ! خطيئة أخطأتها فاغفر لي .والله المستعان ابتداء وخبر . على ما تصفون أي على احتمال ما تصفون من الكذب .الثالثة : قال ابن أبي رفاعة : ينبغي لأهل الرأي أن يتهموا رأيهم عند ظن يعقوب - صلى الله عليه وسلم - وهو نبي ; حين قال له بنوه : إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب قال : بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل فأصاب هنا ، ثم قالوا له : إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين قال : بل سولت لكم أنفسكم أمرا فلم يصب .
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
وجملة { وجاءوا على قميصه } في موضع الحال . ولما كان الدم ملطخاً به القميص وكانوا قد جاءوا مصاحبين للقميص فقد جاءوا بالدم على القميص .ووصف الدم بالكذب وصف بالمصدر ، والمصدر هنا بمعنى المفعول كالخَلْق بمعنى المخلوق ، أي مكذوب كونه دم يوسف عليه السّلام إذ هو دم جدي ، فهو دم حقاً لكنه ليس الدم المزعوم . ولا شك في أنهم لم يتركوا كيفية من كيفيات تمويه الدم وحالة القميص بحال قميص من يأكله الذئب من آثار تخريق وتمزيق مما لا تخلو عنه حالة افتراس الذئب ، وأنهم أفطن من أن يفوتهم ذلك وهم عصبة لا يعْزُب عن مجموعهم مثل ذلك . فما قاله بعض أصحاب التفسير من أن يعقوب عليه السّلام قال لأبنائه : ما رأيت كاليوم ذئباً أحلَم من هذا ، أكل ابني ولم يمزق قميصه ، فذلك من تظرفات القصص .وقوله : { على قميصه } حال من ( دم ) فقدم على صاحب الحال .حرف الإضراب إبطال لدعواهم أن الذئب أكله فقد صرح لهم بكذبهم .والتسويل : التسهيل وتزيين النفس ما تحرص على حصوله .والإبهام الذي في كلمة { أمراً } يحتمل عدة أشياء مما يمكن أن يؤذوا به يوسف عليه السّلام : من قتل ، أو بيع ، أو تغريب ، لأنه لم يعلم تعيين ما فعلوه . وتنكير { أمراً } للتهويل .وفرّع على ذلك إنشاءُ التصبر { فصبرٌ جميل } نائب مناب اصبر صبراً جميلاً . عدل به عن النصب إلى الرفع للدلالة على الثبات والدوام ، كما تقدم عند قوله تعالى :{ قالوا سلاماً قال سلامٌ } في سورة هود ( 69 ). ويكون ذلك اعتراضاً في أثناء خطاب أبنائه ، أو يكون تقدير : اصبر صبراً جميلاً ، على أنه خطاب لنفسه . ويجوز أن يكون فصبر جميل } خبر مبتدأ محذوف دلّ عليه السياق ، أي فأمْري صبرٌ . أو مبتدأ خبره محذوف كذلك . والمعنى على الإنشاء أوقع ، وتقدم الصبر عند قوله تعالى : { واستعينوا بالصبر والصلاة } في سورة البقرة ( 45 ).ووصف { جميل } يحتمل أن يكون وصفاً كاشفاً إذ الصبر كله حسن دون الجزع . كما قال إبراهيم بن كنيف النبهانيتصبّر فإنّ الصبر بالحرّ أجمل: ...وليس على ريب الزمان معوّل ... أي أجمل من الجزع .ويحتمل أن يكون وصفاً مخصصاً . وقد فسّر الصبر الجميل بالذي لا يخالطه جزع .والجمال : حسن الشيء في صفات محاسن صنفه ، فجمال الصبر أحسن أحواله ، وهو أن لا يقارنه شيء يقلل خصائص ماهيته .وفي الحديث الصحيح أن النبي عليه السّلام مر بامرأة تبكي عند قبر فقال لها : « اتقي الله واصبري » فقالت : إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي ولم تعرفه فلما انصرف مرّ بها رجل ، فقال لها : إنه النبيءُ صلى الله عليه وسلم فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : لم أعرفك يا رسول الله ، فقال : « إنما الصبر عند الصدمة الأولى » أي الصبر الكامل .وقوله : { والله المستعان على ما تصفون } عطف على جملة { فصبر جميل } فتكون محتملة للمعنيين المذكورين من إنشاء الاستعانة أو الإخبار بحصول استعانته بالله على تحمل الصبر على ذلك ، أو أراد الاستعانة بالله ليوسف عليه السّلام على الخلاص مما أحاط به .والتعبير عما أصاب يوسف عليه السّلام ب { ما تصفون } في غاية البلاغة لأنه كان واثقاً بأنهم كاذبون في الصفة وواثقاً بأنهم ألحقوا بيوسف عليه السّلام ضراً فلما لم يتعيّن عنده المصاب أجمل التعبير عنه إجمالاً موجهاً لأنهم يحسبون أن ما يصفونه هو موته بأكل الذئب إياه ويعقوب عليه السّلام يريد أن ما يصفونه هو المصاب الواقع الذي وصفوه وصفاً كاذباً . فهو قريب من قوله تعالى : { سبحان ربك رب العزة عما يصفون } [ سورة الصافات : 180 ].وإنما فوض يعقوب عليه السّلام الأمر إلى الله ولم يسْعَ للكشف عن مصير يوسف عليه السّلام لأنه علم تعذر ذلك عليه لكبر سنه ، ولأنه لا عضد له يستعين به على أبنائه أولئك . وقد صاروا هم الساعين في البعد بيْنه وبين يوسف عليه السّلام ، فأيس من استطاعة الكشف عن يوسف عليه السّلام بدونهم ، ألا ترى أنه لما وجد منهم فرصة قال لهم : { اذهبوا فتحسّسوا من يوسف وأخيه } [ سورة يوسف : 87 ].
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
ولكنهم لم يكتفوا بهذا التباكى وبهذا القول ، بل أضافوا إلى ذلك تمويها آخر حكاه القرآن فى قوله : ( وَجَآءُوا على قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ . . . ) أى : بدم ذى كذب ، فهو مصدر بتقدير مضافه ، أو وصف الدم بالمصدر مبالغة ، حتى لكأنه الكذب بعينه ، والمصدر هنا بمعنى المفعول ، كالخلق بمعنى المخلوق ، أى : بدم مكذوب .والمعنى : وبعد أن ألفوا بيوسف فى الجب ، واحتفظوا بقميصه معهم ، ووضعوا على هذا القميص دما مصطنعا ليس من جسم يوسف ، وإنما من جمس شئ آخر قد يكون ظبيا وقد يكون خلافه .وقال - سبحانه - ( على قَمِيصِهِ ) للإِشعار بأنه دم موضوع على ظاهر القميص وضعا متكلفا مصطنعا ، ولو كان من أثر افتراس الذئب لصاحبه ، لظهر التمزق والتخريق فى القميص ، ولتغلغل الدم فى قطعة منه .ولقد أدرك يعقوب - عليه السلام - من قسمات وجوههم ، ومن دلائل حالهم ، ومن نداء قلبه المفجوع أن يوسف لم يأكله الذئب ، وأن هؤلاء المتباكين هم الذين دبروا له مكيدة ما ، وأنهم قد اصطنعوا هذه الحيلة المكشوفة مخادعة له ، ولذا جابههم بقوله : ( قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً . . . ) .والتسويل : التسهيل والتزيين . يقال : سولت لفلان نفسه هذا الفعل أى زينته وحسنته له ، وصورته له فى صورة الشئ الحسن مع أنه قبيح .أى : قال يعقوب لأبنائه بأسى ولوعة بعد أن فعلوا ما عفلوا وقالوا ما قالوا : قال لهم ليس الأمر كما زعمتم من أن يوسف قد أكله الذئب ، وإنما الحق أن نفوسكم الحاقدة عليه هى التى زينت لكم أن تفعلوا معه فعلا سيئا قبيحا ، ستكشف الأيام عنه بإذن ربى ومشيئته .ونكر الأمر فى قوله : ( بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً ) لاحتماله عدة أشياء مما يمكن أن يؤذوا به يوسف ، كالقتل ، أو التغريب ، أو البيع فى الأسواق لأنه لم يكن يعلم على سبيل اليقين ما فعلوه به .وفى هذا التنكير والإِبهام - أيضا - ما فيه من تهويل والتشنيع لما اقترفوه فى حق أخيهم .وقوله ( فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ) أى : فصبرى صبر جميل ، وهو الذى لا شكوى فيه لأحد سوى الله - تعالى - ولا رجاء معه إلا منه - سبحانه - .ثم أضاف إلى ذلك وقوله : ( والله المستعان على مَا تَصِفُونَ ) أى : والله - تعالى - هو الذى أستعين به على احتمال ما تصفون من أن ابنىيوسف قد أكله الذئب .أو المعنى : والله - تعالى - وحده هو المطلوب عونه على إظهار حقيقة ما تصفون ، وإثبات كونه كذبا ، وأن يوسف مازال حيا ، وأنه - سبحانه - سيجمعنى به فى الوقت الذى يشاؤه .قال الآلوسى : " أخرج ابن أبى حاتم وأبو الشيخ عن قتادة : أن إخوة يوسف - بعد أن ألقوا به فى الجب - أخذوا ظبيا فذبحوه ، ولطخوا بدمه قميصه ، ولما جاءوا به إلى أبيهم جعل يقلبه ويقول : تا الله ما رأيت كاليوم ئبا أحلم من هذا الذئب!! أكل ابنى ولم يمزق عليه قميصه . . " .وقال القرطبى : " استدل الفقهاء بهذه الآية فى إعمال الأمارات فى مسائل الفقه كالقسامة وغيرها ، وأجمعوا على أن يعقوب - عليه السلام - قد استدل على كذب أبنائه بصحة القميص ، وهكذا يجب على الحاكم أن يلحظ الأمارات والعلامات . . . " .وقال الشيخ القاسمى ما ملخصه : " وفى الآية من الفوائد : أن الحسد يدعو إلى المكر بالمحسود وبمن يراعيه . . . وأن الحاسد إذا ادعى النصح والحفظ والمحبة ، لم يصدق ، وأن من طلب مراده بمعصية الله - تعالى - فصحه الله - عز وجل - ، وأن القدر كائن ، وأن الحذر لا ينجى منه . . . " .وإلى هنا نجد الآيات الكريمة قد حكت لنا بأسلوبها البليغ ، وتصويرها المؤثر ، ما تآمر به إخوة يوسف عليه ، وما اقترحوه لتنفيذ مكرهم ، وما قاله لهم أوسطهم عقلا ورأيا ، وما تحايلوا به على أبيهم لكى يصلوا إلى مآربهم ، وما رد به عليهم أبوهم ، وما قالوه له بعد أن نفذوا جريمتهم فى أخيهم . بأن ألقوا به فى الجب . .
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
( وجاءوا على قميصه بدم كذب ) أي : بدم هو كذب ، لأنه لم يكن دم يوسف . وقيل : بدم مكذوب فيه ، فوضع المصدر موضع الاسم .وفي القصة : أنهم لطخوا القميص بالدم ولم يشقوه ، فقال يعقوب عليه السلام : كيف أكله الذئب ولم يشق قميصه ؟ فاتهمهم .( قال بل سولت ) زينت ( لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل ) معناه : فأمري صبر جميل أو فعلي صبر جميل .وقيل : فصبر جميل أختاره .والصبر الجميل الذي لا شكوى فيه ولا جزع .( والله المستعان على ما تصفون ) أي : أستعين بالله على الصبر ، على ما تكذبون .وفي القصة : أنهم جاءوا بذئب ، وقالوا : هذا الذي أكله فقال له يعقوب : يا ذئب ، أنت أكلت ولدي وثمرة فؤادي ؟ فأنطقه الله عز وجل ، فقال : تالله ما رأيت وجه ابنك قط .قال : كيف وقعت بأرض كنعان ؟ .قال : جئت لصلة قرابة [ فصادني هؤلاء ] فمكث يوسف في البئر ثلاثة أيام .