تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
وأجْلَسَ أباه وأمه على سرير ملكه بجانبه؛ إكرامًا لهما، وحيَّاه أبواه وإخوته الأحد عشر بالسجود له تحية وتكريمًا، لا عبادة وخضوعًا، وكان ذلك جائزًا في شريعتهم، وقد حَرُم في شريعتنا؛ سدًا لذريعة الشرك بالله. وقال يوسف لأبيه: هذا السجود هو تفسير رؤياي التي قصصتها عليك من قبل في صغري، قد جعلها ربي صدقًا، وقد تفضَّل عليَّ حين أخرجني من السجن، وجاء بكم إليَّ من البادية، من بعد أن أفسد الشيطان رابطة الأخوة بيني وبين إخوتي. إن ربي لطيف التدبير لما يشاء، إنه هو العليم بمصالح عباده، الحكيم في أقواله وأفعاله.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
«ورفع أبويه» أحلهما معه «على العرش» السرير «وخروا» أي أبواه وإخوته «له سجدا» سجود انحناء لا وضع جبهة وكان تحيتهم في ذلك الزمان «وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي» إليَّ «إذ أخرجني من السجن» لم يقل من الحب تكرما لئلا تخجل إخوته «وجاء بكم من البدو» البادية «من بعد أن نزغ» أفسد «الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم» بخلقه «الحكيم» في صنعه وأقام عنده أبوه أربعا وعشرين سنة أو سبع عشرة سنة وكانت مدة فراقه ثماني عشرة أو أربعين أو ثمانين سنة وحضره الموت فوصى يوسف أن يحمله ويدفنه عند أبيه فمضى بنفسه ودفنه ثمة، ثم عاد إلى مصر وأقام بعده ثلاثا وعشرين سنة ولما تم أمره وعلم أنه لا يدوم تاقت نفسه إلى الملك الدائم فقال.
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
قوله تعالى : ورفع أبويه على العرش قال قتادة : يريد السرير ، وقد تقدمت محامله ; وقد يعبر بالعرش عن الملك والملك نفسه ; ومنه قول النابغة الذبياني :عروش تفانوا بعد عز وأمنةوقد تقدم .قوله تعالى : وخروا له سجدا فيه ثلاث مسائل :الأولى : قوله تعالى : وخروا له سجدا الهاء في " خروا له " قيل : إنها تعود على الله تعالى ; المعنى : وخروا شكرا لله سجدا ; ويوسف كالقبلة لتحقيق رؤياه ، وروي عن الحسن ; قال النقاش : وهذا خطأ ; والهاء راجعة إلى يوسف لقوله تعالى في أول السورة : رأيتهم لي ساجدين . وكان تحيتهم أن يسجد الوضيع للشريف ، والصغير للكبير ; سجد يعقوب وخالته وإخوته ليوسف - عليه السلام - فاقشعر جلده وقال : هذا تأويل رؤياي من قبل وكان بين رؤيا يوسف وبين تأويلها اثنتان وعشرون سنة . وقال سلمان الفارسي وعبد الله بن شداد : أربعون سنة ; قال عبد الله بن شداد : وذلك آخر ما تبطئ الرؤيا . وقال قتادة : خمس وثلاثون سنة . وقال السدي وسعيد بن جبير وعكرمة : ست وثلاثون سنة . وقال الحسن وجسر بن فرقد [ ص: 231 ] وفضيل بن عياض : ثمانون سنة . وقال وهب بن منبه : ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة ، وغاب عن أبيه ثمانين سنة ، وعاش بعد أن التقى بأبيه ثلاثا وعشرين سنة ، ومات وهو ابن مائة وعشرين سنة . وفي التوراة مائة وست وعشرون سنة . وولد ليوسف من امرأة العزيز إفراثيم ومنشا ورحمة امرأة أيوب . وبين يوسف وموسى أربعمائة سنة . وقيل : إن يعقوب بقي عند يوسف عشرين سنة ، ثم توفي - صلى الله عليه وسلم - . وقيل : أقام عنده ثماني عشرة سنة . وقال بعض المحدثين : بضعا وأربعين سنة ; وكان بين يعقوب ويوسف ثلاث وثلاثون سنة حتى جمعهم الله . وقال ابن إسحاق : ثماني عشرة سنة ، والله أعلم .الثانية : قال سعيد بن جبير عن قتادة عن الحسن : في قوله : وخروا له سجدا - قال : لم يكن سجودا ، لكنه سنة كانت فيهم ، يومئون برءوسهم إيماء ، كذلك كانت تحيتهم . وقال الثوري والضحاك وغيرهما : كان سجودا كالسجود المعهود عندنا ، وهو كان تحيتهم . وقيل : كان انحناء كالركوع ، ولم يكن خرورا على الأرض ، وهكذا كان سلامهم بالتكفي والانحناء ، وقد نسخ الله ذلك كله في شرعنا ، وجعل الكلام بدلا عن الانحناء . وأجمع المفسرون أن ذلك السجود على أي وجه كان فإنما كان تحية لا عبادة ; قال قتادة : هذه كانت تحية الملوك عندهم ; وأعطى الله هذه الأمة السلام تحية أهل الجنة .قلت : هذا الانحناء والتكفي الذي نسخ عنا قد صار عادة بالديار المصرية ، وعند العجم ، وكذلك قيام بعضهم إلى بعض ; حتى إن أحدهم إذا لم يقم له وجد في نفسه كأنه لا يؤبه به ، وأنه لا قدر له ; وكذلك إذا التقوا انحنى بعضهم لبعض ، عادة مستمرة ، ووراثة مستقرة لا سيما عند التقاء الأمراء والرؤساء نكبوا عن السنن ، وأعرضوا عن السنن . وروى أنس بن مالك قال : قلنا يا رسول الله أينحني بعضنا إلى بعض إذا التقينا ؟ قال : لا ; قلنا : أفيعتنق بعضنا بعضا ؟ قال لا . قلنا : أفيصافح بعضنا بعضا ؟ قال نعم . خرجه أبو عمر في " التمهيد " فإن قيل : فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قوموا إلى سيدكم وخيركم - يعني سعد بن معاذ - قلنا : ذلك مخصوص بسعد لما تقتضيه الحال المعينة ; وقد قيل : إنما كان قيامهم لينزلوه عن الحمار ; وأيضا فإنه يجوز للرجل الكبير إذا لم يؤثر ذلك في نفسه ، فإن أثر فيه وأعجب به ورأى لنفسه حظا لم يجز عونه على ذلك ; لقوله - صلى الله عليه وسلم - : من سره أن يتمثل له الناس قياما فليتبوأ مقعده [ ص: 232 ] من النار . وجاء عن الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - أنه لم يكن وجه أكرم عليهم من وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما كانوا يقومون له إذا رأوه ، لما يعرفون من كراهته لذلك .الثالثة : فإن قيل : فما تقول في الإشارة بالإصبع ؟ قيل له : ذلك جائز إذا بعد عنك ، لتعين له به وقت السلام ، فإن كان دانيا فلا ; وقد قيل بالمنع في القرب والبعد ; لما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : من تشبه بغيرنا فليس منا . وقال : لا تسلموا تسليم اليهود والنصارى فإن تسليم اليهود بالأكف والنصارى بالإشارة . وإذا سلم فإنه لا ينحني ، ولا أن يقبل مع السلام يده ، ولأن الانحناء على معنى التواضع لا ينبغي إلا لله . وأما تقبيل اليد فإنه من فعل الأعاجم ، ولا يتبعون على أفعالهم التي أحدثوها تعظيما منهم لكبرائهم ; قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا تقوموا عند رأسي كما تقوم الأعاجم عند رءوس أكاسرتها فهذا مثله . ولا بأس بالمصافحة ; فقد صافح النبي - صلى الله عليه وسلم - جعفر بن أبي طالب حين قدم من الحبشة ، وأمر بها ، وندب إليها ، وقال : تصافحوا يذهب الغل وروى غالب التمار عن الشعبي أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا إذا التقوا تصافحوا ، وإذا قدموا من سفر تعانقوا ; فإن قيل : فقد كره مالك المصافحة ؟ قلنا : روى ابن وهب عن مالك أنه كره المصافحة والمعانقة ، وذهب إلى هذا سحنون وغيره من أصحابنا ; وقد روي عن مالك خلاف ذلك من جواز المصافحة ، وهو الذي يدل عليه معنى ما في الموطأ ; وعلى جواز المصافحة جماعة العلماء من السلف والخلف . قال ابن العربي : إنما كره مالك المصافحة لأنه لم يرها أمرا عاما في الدين ، ولا منقولا نقل السلام ; ولو كانت منه لاستوى معه[ ص: 233 ] قلت : قد جاء في المصافحة حديث يدل على الترغيب فيها ، والدأب عليها والمحافظة ; وهو ما رواه البراء بن عازب قال : لقيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذ بيدي فقلت : يا رسول الله ! إن كنت لأحسب أن المصافحة للأعاجم ؟ فقال : نحن أحق بالمصافحة منهم ما من مسلمين يلتقيان فيأخذ أحدهما بيد صاحبه مودة بينهما ونصيحة إلا ألقيت ذنوبهما بينهما .قوله تعالى : وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن ولم يقل من الجب استعمالا للكرم ; لئلا يذكر إخوته صنيعهم بعد عفوه عنهم بقوله : لا تثريب عليكم .قلت : وهذا هو الأصل عند مشايخ الصوفية : ذكر الجفا في وقت الصفا جفا ، وهو قول صحيح دل عليه الكتاب . وقيل : لأن في دخوله السجن كان باختياره بقوله : رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وكان في الجب بإرادة الله تعالى له . وقيل : لأنه كان في السجن مع اللصوص والعصاة ، وفي الجب مع الله تعالى ; وأيضا فإن المنة في النجاة من السجن كانت أكبر ، لأنه دخله بسبب أمر هم به ; وأيضا دخله باختياره إذ قال : رب السجن أحب إلي فكان الكرب فيه أكثر ; وقال فيه أيضا : اذكرني عند ربك فعوقب فيه .وجاء بكم من البدو يروى أن مسكن يعقوب كان بأرض كنعان ، وكانوا أهل مواش وبرية ; وقيل : كان يعقوب تحول إلى بادية وسكنها ، وأن الله لم يبعث نبيا من أهل البادية . وقيل : إنه كان خرج إلى بدا ، وهو موضع ; وإياه عنى جميل بقوله :وأنت التي حببت شغبا إلى بدا إلي وأوطاني بلاد سواهماوليعقوب بهذا الموضع مسجد تحت جبل . يقال : بدا القوم بدوا إذا أتوا بدا ، كما يقال : غاروا غورا أي أتوا الغور ; والمعنى : وجاء بكم من مكان بدا ; ذكره القشيري ، وحكاه الماوردي عن الضحاك عن ابن عباس .من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي بإيقاع الحسد ; قاله ابن عباس . وقيل : أفسد ما بيني وبين إخوتي ; أحال ذنبهم على الشيطان تكرما منه .إن ربي لطيف لما يشاء أي رفيق بعباده . وقال الخطابي : اللطيف هو البر بعباده الذي [ ص: 234 ] يلطف بهم من حيث لا يعلمون ، ويسبب لهم مصالحهم من حيث لا يحتسبون ; كقوله : الله لطيف بعباده يرزق من يشاء . وقيل : اللطيف العالم بدقائق الأمور ; والمراد هنا الإكرام والرفق . قال قتادة ، لطف بيوسف بإخراجه من السجن ، وجاءه بأهله من البدو ، ونزع عن قلبه نزغ الشيطان . ويروى أن يعقوب لما قدم بأهله وولده وشارف أرض مصر وبلغ ذلك يوسف استأذن فرعون - واسمه الريان - أن يأذن له في تلقي أبيه يعقوب ; وأخبره بقدومه فأذن له ، وأمر الملأ من أصحابه بالركوب معه ; فخرج يوسف والملك معه في أربعة آلاف من الأمراء مع كل أمير خلق الله أعلم بهم ; وركب أهل مصر معهم يتلقون يعقوب ، فكان يعقوب يمشي متكئا على يد يهوذا ; فنظر يعقوب إلى الخيل والناس والعساكر فقال : يا يهوذا ! هذا فرعون مصر ؟ قال : لا ، بل هذا ابنك يوسف ; فلما دنا كل واحد منهما من صاحبه ذهب يوسف ليبدأه بالسلام فمنع من ذلك ، وكان يعقوب أحق بذلك منه وأفضل ; فابتدأ يعقوب بالسلام فقال : السلام عليك يا مذهب الأحزان ، وبكى وبكى معه يوسف ; فبكى يعقوب فرحا ، وبكى يوسف لما رأى بأبيه من الحزن ; قال ابن عباس : فالبكاء أربعة ، بكاء من الخوف ، وبكاء من الجزع ، وبكاء من الفرح ، وبكاء رياء . ثم قال يعقوب : الحمد لله الذي أقر عيني بعد الهموم والأحزان ، ودخل ، مصر في اثنين وثمانين من أهل بيته ; فلم يخرجوا من مصر حتى بلغوا ستمائة ألف ونيف ألف ; وقطعوا البحر مع موسى - عليه السلام - ; رواه عكرمة عن ابن عباس . وحكى ابن مسعود أنهم دخلوا مصر وهم ثلاثة وتسعون إنسانا ما بين رجل وامرأة ، وخرجوا مع موسى وهم ستمائة ألف وسبعون ألفا . وقال الربيع بن خيثم : دخلوها وهم اثنان وسبعون ألفا ، وخرجوا مع موسى وهم ستمائة ألف . وقال وهب بن منبه : دخل يعقوب وولده مصر وهم تسعون إنسانا ما بين رجل وامرأة وصغير ، وخرجوا منها مع موسى فرارا من فرعون ، وهم ستمائة ألف وخمسمائة وبضع وسبعون رجلا مقاتلين ، سوى الذرية . والهرمى والزمنى ; وكانت الذرية ألف ألف ومائتي ألف سوى المقاتلة ، وقال أهل التواريخ : أقام يعقوب بمصر أربعا وعشرين سنة في أغبط حال ونعمة ، ومات بمصر ، وأوصى إلى ابنه يوسف أن يحمل جسده حتى يدفنه عند أبيه إسحاق بالشام ففعل ، ثم انصرف إلى مصر . قال سعيد بن جبير : نقل يعقوب - صلى الله عليه وسلم - في تابوت من ساج إلى بيت المقدس ، ووافق ذلك يوم مات عيصو ، فدفنا في قبر واحد ; فمن ثم تنقل اليهود موتاهم إلى بيت المقدس ، من فعل ذلك منهم ; وولد يعقوب وعيصو في بطن واحد ، ودفنا في قبر واحد وكان عمرهما جميعا مائة وسبعا وأربعين سنة .
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
والعرش : سرير للقعود فيكون مرتفعاً على سوق ، وفيه سعة تمكن الجالس من الاتّكاء . والسجود : وضع الجبهة على الأرض تعظيماً للذات أو لصورتها أو لذِكرها ، قال الأعشى:فلما أتانا بُعيد الكَرى ...سَجدنا له ورفَعْنا العَمَار ... وفعله قاصر فيعدى إلى مفعوله باللام كما في الآية .والخرور : الهوي والسقوط من علو إلى الأرض .والذين خروا سُجداً هم أبواه وإخوته كما يدل له قوله : { هذا تأويل رؤياي } وهم أحد عشر وهم : رأوبين ، وشمعون ، ولاوي ، ويهوذا ، ويساكر ، وربولون ، وجاد ، وأشير ، ودان ، ونفتالي ، وبنيامين . و { الشمس } ، و { القمر } ، تعبيرهما أبواه يعقوب عليه السلام وراحيل .وكان السجود تحية الملوك وأضرابهم ، ولم يكن يومئذٍ ممنوعاً في الشرائع وإنما منعه الإسلام لغير الله تحقيقاً لمعنى مساواة الناس في العبودية والمخلوقية . ولذلك فلا يعدّ قبوله السجودَ من أبيه عقوقاً لأنه لا غضاضة عليهما منه إذ هو عادتهم .والأحسن أن تكون جملة { وخروا } حالية لأن التحية كانت قبل أن يرفع أبويه على العرش ، على أن الواو لا تفيد ترتيباً .و { سجدا } حال مبيّنة لأن الخرور يقع بكيفيات كثيرة .والإشارة في قوله : { هذا تأويل رؤياي } إشارة إلى سجود أبويه وإخوته له هو مصداق رؤياه الشمس والقمر وأحد عشر كوكباً سُجداً له .وتأويل الرؤيا تقدم عند قوله : { نبئنا بتأويله } [ سورة يوسف : 36 ].ومعنى قد جعلها ربي حقا } أنها كانت من الأخبار الرمزية التي يكاشِف بها العقل الحوادث المغيبة عن الحس ، أي ولم يجعلها باطلاً من أضعاث الأحلام الناشئة عن غلبة الأخلاط الغذائية أو الانحرافات الدماغية .ومعنى { أحسن بي } أحسن إليّ . يقال : أحسن به وأحسن إليه ، من غير تضمين معنى فعل آخر . وقيل : هو بتضمين أحسن معنى لطف . وباء { بي } للملابسة أي جعل إحسانه ملابساً لي ، وخصّ من إحسان الله إليه دون مطلق الحضور للامتيار أو الزيادة إحسانين هما يوم أخرجه من السجن ومجيء عشيرته من البادية .فإن { إذْ } ظرف زمان لفعل { أحسن } فهي بإضافتها إلى ذلك الفعل اقتضت وقوع إحسان غير معدود ، فإن ذلك الوقت كان زمنَ ثبوت براءته من الإثم الذي رمته به امرأة العزيز وتلك منة ، وزمنَ خلاصه من السجن فإن السجن عذاب النفس بالانفصال عن الأصدقاء والأحبّة ، وبخلطة من لا يشاكلونه ، وبشْغله عن خلوة نفسه بتلقي الآداب الإلهية ، وكان أيضاً زمن إقبال الملك عليه . وأما مجيء أهله فزوال ألم نفساني بوحشته في الانفراد عن قرابته وشوقه إلى لقائهم ، فأفصح بذكر خروجه من السجن ، ومجيء أهله من البدوِ إلى حيث هو مكين قويّ .وأشار إلى مصائبه السابقة من الإبقاء في الجبّ ، ومشاهدة مكر إخوته به بقوله : { من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي } ، فكلمة { بعد } اقتضت أن ذلك شيء انقضى أثره . وقد ألم به إجمالاً اقتصاراً على شكر النعمة وإعراضاً عن التذكير بتلك الحوادث المكدرة للصلة بينه وبين إخوته فمرّ بها مرّ الكرام وباعدها عنهم بقدر الإمكان إذ ناطها بنزغ الشيطان .والمجيء في قوله : { وجاء بكم من البدو } نعمة ، فأسنده إلى الله تعالى وهو مجيئهم بقصد الاستيطان حيث هو .والبَدْو : ضد الحضر ، سمي بَدواً لأن سكانه بادُون ، أي ظَاهرون لكل واردٍ ، إذ لا تحجبهم جدران ولا تغلق عليهم أبواب . وذكر { من البدو } إظهار لتمام النعمة ، لأن انتقال أهل البادية إلى المدينة ارتقاء في الحضارة .والنزغ : مجاز في إدخال الفساد في النفس . شُبه بنزغ الراكب الدابّة وهو نخسها . وتقدم عند قوله تعالى : { وإما ينزغنّك من الشيطان نزغ } في سورة الأعراف ( 200 ).وجملة إن ربي لطيف لما يشاء } مستأنفة استئنافاً ابتدائياً لقصد الاهتمام بها وتعليم مضمونها .واللطف : تدبير الملائم . وهو يتعدّى باللام على تقدير لطيف لأجل ما يشاء اللطف به ، ويتعدى بالباء قال تعالى : { الله لطيف بعباده } [ الشورى : 19 ]. وقد تقدم تحقيق معنى اللطف عند قوله تعالى : { وهو اللطيف الخبير } في سورة الأنعام ( 103 ).وجملة إنه هو العليم الحكيم } مستأنفة أيضاً أو تعليل لجملة { إن ربي لطيف لما يشاء }. وحرف التوكيد للاهتمام ، وتوسيط ضمير الفصل للتقوية .وتفسير { العليم } تقدم عند قوله تعالى : { إنك أنت العليم الحكيم } في سورة البقرة ( 32 ). والحكيم } تقدم عند قوله : { فاعلموا أن الله عزيز حكيم } أواسط سورة البقرة ( 209 ).
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
والمراد بالعرش فى قوله ( وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى العرش ) السرير الذى يجلس عليه .أى : وأجلس يوسف أبويه معه على السرير الذى يجلس عليه ، تكريماً لهما ، وإعلاء من شأنهما .( وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً ) أى : وخر يعقوب وأسرته ساجدين من أجل يوسف ، وكان ذلك جائزا فى شريعتهم على أنه لون من التحية ، وليس المقصود به السجود الشرعى لأنه لا يكون إلا الله - تعالى - .( وَقَالَ ) يوسف متحدثاً بنعمة الله ( ياأبت هذا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً . . . )أى : وقال يوسف لأبيه : هذا السجود الذى سجدتموه لى الآن ، هو تفسير رؤياى التى رأيتها فى صغرى ، فقد جعل ربى هذه الرؤيا حقاً ، وأرانى تأويلها وتفسيرها بعد أن مضى عليها الزمن الطويل .قالوا : وكان بين الرؤيا وبين ظهور تأويلها أربعون سنة .والمراد بهذه الرؤيا ما أشار إليه القرآن فى مطلع هذه السورة فى قوله ( ياأبت إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً والشمس والقمر رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ) ثم قال يوسف لأبيه أيضاً : ( وَقَدْ أَحْسَنَ بي ) ربى - عز وجل - ( إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السجن ) بعد أن مكثت بين جدرانه بضع سنين .وعدى فعل الإِحسان بالباء مع أن الأصل فيه أن يتعدى بإلى ، لتضمنه معنى اللطف ولم يذكر نعمة إخراجه من الجب ، حتى لا يجرح شعور إخوته الذين سبق أن قال لهم : ( لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ اليوم يَغْفِرُ الله لَكُمْ ) وقوله ( وَجَآءَ بِكُمْ مِّنَ البدو ) معطوف على ما قبله تعدادا لنعم الله - تعالى - .أى : وقد أحسن بى ربى حيث أخرجنى من السجن ، وأحسن بى أيضاً حيث يسر لكم أموركم ، وجمعنى بكم فى مصر ، بعد أن كنتم مقيمين فى البادية فى أرض كنعان بفلسطين .وقوله ( مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشيطان بَيْنِي وَبَيْنَ إخوتي ) أى جمعنى بكم من بعد أن أفسد الشيطان بينى وبين إخوتى ، حيث حملهم على أن يلقوا بى فى الجب .وأصل ( نَّزغَ ) من النزغ بمعنى النخس والدفع . يقال : نزغ الراكب دابته إذا نخسها ودفعها لتسرع فى سيرها .وأسند النزغ إلى الشيطان ، لأنه هو الموسوس به ، والدافع إليه ، ولأن فى ذلك ستراً على إخوته وتأدباً معهم .وقوله ( إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَآءُ إِنَّهُ هُوَ العليم الحكيم ) تذييل قصد به الثناء على الله - تعالى - بما هو أهله .أى : إن ربى وخالقى ، لطيف التدبير لما يشاء تدبيره من أمور عباده ، رفيق بهم فى جميع شئونهم من حيث لا يعلمون .إنه - سبحانه - هو العليم بأحوال خلقه علماً تاماً ، الحكيم في جميع أقواله وأفعاله .
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
( ورفع أبويه على العرش ) أي : على السرير : أجلسهما . والرفع : هو النقل إلى العلو . ( وخروا له سجدا ) يعني : يعقوب وخالته وإخوته .وكانت تحية الناس يومئذ السجود ، ولم يرد بالسجود وضع الجباه على الأرض ، وإنما هو الانحناء والتواضع .وقيل : وضعوا الجباه على الأرض وكان ذلك على طريق التحية والتعظيم ، لا على طريق العبادة . وكان ذلك جائزا في الأمم السالفة فنسخ في هذه الشريعة .وروي عن ابن عباس أنه قال : معناه : خروا لله عز وجل سجدا بين يدي يوسف . والأول أصح .( وقال ) يوسف عند ذلك : ( يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا ) وهو قوله : " إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين " .( وقد أحسن بي ) [ ربي ، أي ] : أنعم علي ( إذ أخرجني من السجن ) ولم يقل من الجب مع كونه أشد بلاء من السجن ، استعمالا للكرم ، لكيلا يخجل إخوته بعدما قال لهم : " لا تثريب عليكم اليوم " ، ولأن نعمة الله عليه في إخراجه من السجن أعظم ، لأنه بعد الخروج من الجب صار إلى العبودية والرق ، وبعد الخروج من السجن صار إلى الملك ، ولأن وقوعه في البئر كان لحسد إخوته ، وفي السجن مكافأة من الله تعالى لزلة كانت منه .( وجاء بكم من البدو ) والبدو بسيط من الأرض يسكنه أهل المواشي بماشيتهم ، وكانوا أهل بادية ومواش ، يقال : بدا يبدو إذا صار إلى البادية . ( من بعد أن نزغ ) أفسد ( الشيطان بيني وبين إخوتي ) بالحسد .( إن ربي لطيف ) أي : ذو لطف ( لما يشاء ) وقيل : معناه بمن يشاء .وحقيقة اللطيف : الذي يوصل الإحسان إلى غيره بالرفق ( إنه هو العليم الحكيم ) . قال أهل التاريخ : أقام يعقوب بمصر عند يوسف أربعا وعشرين سنة في أغبط حال وأهنإ عيش ، ثم مات بمصر فلما حضرته الوفاة أوصى إلى ابنه يوسف أن يحمل جسده حتى يدفنه عند أبيه إسحاق ، ففعل يوسف ذلك ، ومضى به حتى دفنه بالشام ، ثم انصرف إلى مصر .قال سعيد بن جبير : نقل يعقوب عليه السلام في تابوت من ساج إلى بيت المقدس فوافق ذلك اليوم الذي مات فيه العيص فدفنا في قبر واحد ، وكانا ولدا في بطن واحد ، وكان عمرهما مائة وسبعا وأربعين سنة .فلما جمع الله تعالى ليوسف شمله على أن نعيم الدنيا لا يدوم سأل الله تعالى حسن العاقبة ، فقال :