تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
يا أيها النبي إنَّا أبَحْنا لك أزواجك اللاتي أعطيتهن مهورهن، وأبَحْنا لك ما مَلَكَتْ يمينك من الإماء، مما أنعم الله به عليك، وأبحنا لك الزواج من بنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك، وأبحنا لك امرأة مؤمنة مَنَحَتْ نفسها لك من غير مهر، إن كنت تريد الزواج منها خالصة لك، وليس لغيرك أن يتزوج امرأة بالهِبَة. قد علمنا ما أوجبنا على المؤمنين في أزواجهم وإمائهم بألا يتزوجوا إلا أربع نسوة، وما شاؤوا من الإماء، واشتراط الوليِّ والمهر والشهود عليهم، ولكنا رخصنا لك في ذلك، ووسَّعْنا عليك ما لم يُوسَّع على غيرك؛ لئلا يضيق صدرك في نكاح مَن نكحت مِن هؤلاء الأصناف. وكان الله غفورًا لذنوب عباده المؤمنين، رحيمًا بالتوسعة عليهم.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن» مهورهن «وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك» من الكفار بالسبي كصفية وجويرية «وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك» بخلاف من لم يهاجرن «وامرأةً مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها» يطلب نكاحها بغير صداق «خالصة لك من دون المؤمنين» النكاح بلفظ الهبة من غير صداق «قد علمنا ما فرضنا عليهم» أي المؤمنين «في أزواجهم» من الأحكام بأن لا يزيدوا على أربع نسوة ولا يتزوجوا إلا بوليٍّ وشهود ومهر «و» في «ما ملكت أيمانهم» من الإماء بشراء وغيره بأن تكون الأمة ممن تحل لمالكها كالكتابية بخلاف المجوسية والوثنية وأن تستبرأ قبل الوطء «لكيلا» متعلق بما قبل ذلك «يكون عليك حرج» ضيق في النكاح «وكان الله غفورا» فيما يَعسر التحرز عنه «رحيما» بالتوسعة في ذلك.
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
قوله تعالى : يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج وكان الله غفورا رحيما .فيه تسع عشرة مسألة :الأولى : روى السدي عن أبي صالح عن أم هانئ بنت أبي طالب قالت : خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرت إليه فعذرني ، ثم أنزل الله تعالى : إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك قالت : فلم أكن أحل له ; لأني لم أهاجر ، كنت من الطلقاء . خرجه أبو عيسى وقال : هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه . قال ابن العربي : وهو ضعيف جدا ولم يأت هذا الحديث من طريق صحيح يحتج بها .الثانية : لما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه فاخترنه ، حرم عليه التزوج بغيرهن والاستبدال بهن ، مكافأة لهن على فعلهن . والدليل على ذلك قوله تعالى : لا يحل لك النساء من بعد الآية . وهل كان يحل له أن يطلق واحدة منهن بعد ذلك ؟ فقيل : لا يحل له ذلك عزاء لهن على اختيارهن له . وقيل : كان يحل له ذلك كغيره من النساء ولكن لا يتزوج بدلها . ثم نسخ هذا التحريم فأباح له أن يتزوج بمن شاء عليهن من النساء ، والدليل عليه قوله تعالى : إنا أحللنا لك أزواجك والإحلال يقتضي تقدم حظر . وزوجاته اللاتي في حياته لم يكن محرمات عليه ، وإنما كان حرم عليه التزويج بالأجنبيات فانصرف الإحلال إليهن ، ولأنه قال في سياق الآية وبنات عمك وبنات عماتك الآية . ومعلوم أنه لم يكن تحته أحد من بنات عمه ولا من [ ص: 188 ] بنات عماته ولا من بنات خاله ولا من بنات خالاته ، فثبت أنه أحل له التزويج بهذا ابتداء . وهذه الآية وإن كانت مقدمة في التلاوة فهي متأخرة النزول على الآية المنسوخة بها ، كآيتي الوفاة في ( البقرة ) .وقد اختلف الناس في تأويل قوله تعالى : إنا أحللنا لك أزواجك فقيل : المراد بها أن الله تعالى أحل له أن يتزوج كل امرأة يؤتيها مهرها ، قال ابن زيد والضحاك . فعلى هذا تكون الآية مبيحة جميع النساء حاشا ذوات المحارم . وقيل : المراد أحللنا لك أزواجك ، أي الكائنات عندك ، لأنهن قد اخترنك على الدنيا والآخرة ، قال الجمهور من العلماء . وهو الظاهر ؛ لأن قوله : آتيت أجورهن ماض ، ولا يكون الفعل الماضي بمعنى الاستقبال إلا بشروط . ويجيء الأمر على هذا التأويل ضيقا على النبي صلى الله عليه وسلم . ويؤيد هذا التأويل ما قاله ابن عباس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزوج في أي الناس شاء ، وكان يشق ذلك على نسائه ، فلما نزلت هذه الآية وحرم عليه بها النساء إلا من سمي ، سر نساؤه بذلك .قلت : والقول الأول أصح لما ذكرناه ويدل أيضا على صحته ما خرجه الترمذي عن عطاء قال : قالت عائشة رضي الله عنها : ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله تعالى له النساء . قال : هذا حديث حسن صحيح .الثالثة : قوله تعالى : وما ملكت يمينك أحل الله تعالى السراري لنبيه صلى الله عليه وسلم ولأمته مطلقا ، وأحل الأزواج لنبيه عليه الصلاة والسلام مطلقا ، وأحله للخلق بعدد . وقوله مما أفاء الله عليك أي رده عليك من الكفار . والغنيمة قد تسمى فيئا ، أي مما أفاء الله عليك من النساء بالمأخوذ على وجه القهر والغلبة .الرابعة : قوله تعالى : وبنات عمك وبنات عماتك أي أحللنا لك ذلك زائدا من الأزواج اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك ، على قول الجمهور ، لأنه لو أراد أحللنا لك كل امرأة تزوجت وآتيت أجرها ، لما قال بعد ذلك : وبنات عمك وبنات عماتك لأن ذلك داخل فيما تقدم .قلت : وهذا لا يلزم ، وإنما خص هؤلاء بالذكر تشريفا ، كما قال تعالى : فيهما فاكهة ونخل ورمان . والله أعلم .الخامسة : قوله تعالى : خالاتك اللاتي هاجرن فيه قولان : الأول : لا يحل لك من [ ص: 189 ] قرابتك كبنات عمك العباس وغيره من أولاد عبد المطلب ، وبنات أولاد بنات عبد المطلب ، وبنات الخال من ولد بنات عبد مناف بن زهرة إلا من أسلم ، لقوله صلى الله عليه وسلم : المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله تعالى عنه . الثاني : لا يحل لك منهن إلا من هاجر إلى المدينة ، لقوله تعالى : والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا ومن لم يهاجر لم يكمل ، ومن لم يكمل لم يصلح للنبي صلى الله عليه وسلم الذي كمل وشرف وعظم ، صلى الله عليه وسلم .السادسة : قوله تعالى : ( معك ) المعية هنا الاشتراك في الهجرة لا في الصحبة فيها ، فمن هاجر حل له ، كان في صحبته إذ هاجر أو لم يكن . يقال : دخل فلان معي وخرج معي ، أي كان عمله كعملي وإن لم يقترن فيه عملكما . ولو قلت : خرجنا معا لاقتضى ذلك المعنيين جميعا : الاشتراك في الفعل ، والاقتران فيه .السابعة : ذكر الله تبارك وتعالى العم فردا والعمات جمعا . وكذلك قال : خالك ، وخالاتك والحكمة في ذلك : أن العم والخال في الإطلاق اسم جنس كالشاعر والراجز ، وليس كذلك العمة والخالة . وهذا عرف لغوي ، فجاء الكلام عليه بغاية البيان لرفع الإشكال ، وهذا دقيق فتأملوه ، قاله ابن العربي .الثامنة : قوله تعالى : وامرأة مؤمنة عطف على ( أحللنا ) المعنى وأحللنا كل امرأة تهب نفسها من غير صداق . وقد اختلف في هذا المعنى ، فروي عن ابن عباس أنه قال : لم تكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة إلا بعقد نكاح أو ملك يمين . فأما الهبة فلم يكن عنده منهن أحد . وقال قوم : كانت عنده موهوبة .قلت : والذي في الصحيحين يقوي هذا القول ويعضده ، روى مسلم عن عائشة [ ص: 190 ] رضي الله عنها أنها قالت : كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأقول : أما تستحي امرأة تهب نفسها لرجل ! حتى أنزل الله تعالى ترجي من تشاء منهن وتئوي إليك من تشاء فقلت : والله ما أرى ربك إلا يسارع في هواك . وروى البخاري عن عائشة أنها قالت : كانت خولة بنت حكيم من اللائي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدل هذا على أنهن كن غير واحدة . والله تعالى أعلم . الزمخشري : . وقيل الموهبات أربع : ميمونة بنت الحارث ، وزينب بنت خزيمة أم المساكين الأنصارية ، وأم شريك بنت جابر ، وخولة بنت حكيم .قلت : وفي بعض هذا اختلاف . قال قتادة : هي ميمونة بنت الحارث . وقال الشعبي : هي زينب بنت خزيمة أم المساكين امرأة من الأنصار . وقال علي بن الحسين والضحاك ومقاتل : هي أم شريك بنت جابر الأسدية . وقال عروة بن الزبير : أم حكيم بنت الأوقص السلمية .التاسعة : وقد اختلف في اسم الواهبة نفسها ، فقيل هي أم شريح الأنصارية ، اسمها غزية . وقيل غزيلة . وقيل ليلى بنت حكيم . وقيل : هي ميمونة بنت الحارث حين خطبها النبي صلى الله عليه وسلم ، فجاءها الخاطب وهي على بعيرها فقالت : البعير وما عليه لرسول الله صلى الله عليه وسلم . وقيل : هي أم شريك العامرية ، وكانت عند أبي العكر الأزدي . وقيل عند الطفيل بن الحارث فولدت له شريكا . وقيل : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها ، ولم يثبت ذلك . والله تعالى أعلم ، ذكره أبو عمر بن عبد البر . وقال الشعبي وعروة : وهي زينب بنت خزيمة أم المساكين . والله تعالى أعلم .العاشرة : قرأ جمهور الناس إن وهبت بكسر الألف ، وهذا يقتضي استئناف الأمر ، أي إن وقع فهو حلال له . وقد روي عن ابن عباس ومجاهد أنهما قالا : لم يكن عند النبي صلى الله عليه وسلم امرأة موهوبة ، وقد دللنا على خلافه . وروى الأئمة من طريق سهل وغيره في الصحاح : أن امرأة قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : جئت أهب لك نفسي ، فسكت حتى قام رجل فقال : زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة . فلو كانت هذه الهبة غير جائزة لما سكت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه لا يقر على الباطل إذا سمعه ، غير أنه يحتمل أن يكون سكوته منتظرا بيانا ، فنزلت الآية بالتحليل والتخيير ، فاختار تركها وزوجها من غيره . ويحتمل أن يكون سكت ناظرا في ذلك حتى قام الرجل لها طالبا . وقرأ الحسن البصري وأبي بن كعب والشعبي ( أن ) بفتح الألف . وقرأ [ ص: 191 ] الأعمش ( وامرأة مؤمنة وهبت ) . قال النحاس : وكسر إن أجمع للمعاني ، لأنه قيل إنهن نساء . وإذا فتح كان المعنى على واحدة بعينها ؛ لأن الفتح على البدل من امرأة ، أو بمعنى لأن .الحادية عشرة : قوله تعالى : ( مؤمنة ) يدل على أن الكافرة لا تحل له . قال إمام الحرمين : وقد اختلف في تحريم الحرة الكافرة عليه . قال ابن العربي : والصحيح عندي تحريمها عليه . وبهذا يتميز علينا ، فإنه ما كان من جانب الفضائل والكرامة فحظه فيه أكثر ، وما كان جانب النقائص فجانبه عنها أطهر ; فجوز لنا نكاح الحرائر الكتابيات ، وقصر هو صلى الله عليه وسلم لجلالته على المؤمنات . وإذا كان لا يحل له من لم تهاجر لنقصان فضل الهجرة فأحرى ألا تحل له الكافرة الكتابية لنقصان الكفر .الثانية عشرة : قوله تعالى : إن وهبت نفسها دليل على أن النكاح عقد معاوضة على صفات مخصوصة ، قد تقدمت في ( النساء ) وغيرها . وقال الزجاج : معنى إن وهبت نفسها للنبي حلت . وقرأ الحسن : ( أن وهبت ) بفتح الهمزة . و ( أن ) في موضع نصب . قال الزجاج : أي لأن . وقال غيره : ( أن وهبت ) بدل اشتمال من ( امرأة ) .الثالثة عشرة : قوله تعالى : إن أراد النبي أن يستنكحها أي إذا وهبت المرأة نفسها وقبلها النبي صلى الله عليه وسلم حلت له ، وإن لم يقبلها لم يلزم ذلك . كما إذا وهبت لرجل شيئا فلا يجب عليه القبول ، بيد أن من مكارم أخلاق نبينا أن يقبل من الواهب هبته . ويرى الأكارم أن ردها هجنة في العادة ، ووصمة على الواهب وأذية لقلبه ، فبين الله ذلك في حق رسوله صلى الله عليه وسلم وجعله قرآنا يتلى ، ليرفع عنه الحرج ، ويبطل بطل الناس في عادتهم وقولهم .الرابعة عشرة : قوله تعالى خالصة لك أي هبة النساء أنفسهن خالصة ومزية لا تجوز ، فلا يجوز أن تهب المرأة نفسها لرجل . ووجه الخاصية أنها لو طلبت فرض المهر قبل الدخول لم يكن لها ذلك . فأما فيما بيننا فللمفوضة طلب المهر قبل الدخول ، ومهر المثل بعد الدخول .الخامسة عشرة : أجمع العلماء على أن هبة المرأة نفسها غير جائز ، وأن هذا اللفظ من الهبة لا يتم عليه نكاح ، إلا ما روي عن أبي حنيفة وصاحبيه فإنهم قالوا : إذا وهبت فأشهد هو على نفسه بمهر فذلك جائز . قال ابن عطية : فليس في قولهم إلا تجويز العبارة ولفظة الهبة ، [ ص: 192 ] وإلا فالأفعال التي اشترطوها هي أفعال النكاح بعينه ، وقد تقدمت هذه المسألة في ( القصص ) مستوفاة . والحمد لله .السادسة عشرة : خص الله تعالى رسوله في أحكام الشريعة بمعاني لم يشاركه فيها أحد - في باب الفرض والتحريم والتحليل - مزية على الأمة وهبت له ، ومرتبة خص بها ، ففرضت عليه أشياء ما فرضت على غيره ، وحرمت عليه أفعال لم تحرم عليهم ، وحللت له أشياء لم تحلل لهم ، منها متفق عليه ومختلف فيه .فأما ما فرض عليه فتسعة : الأول - التهجد بالليل ، يقال : إن قيام الليل كان واجبا عليه إلى أن مات ، لقوله تعالى : يا أيها المزمل قم الليل الآية . والمنصوص أنه كان ، واجبا عليه ثم نسخ بقوله تعالى : ومن الليل فتهجد به نافلة لك وسيأتي . الثاني : الضحى . الثالث : الأضحى . الرابع : الوتر ، وهو يدخل في قسم التهجد . الخامس : السواك . السادس : قضاء دين من مات معسرا . السابع : مشاورة ذوي الأحلام في غير الشرائع . الثامن : تخيير النساء . التاسع : إذا عمل عملا أثبته . زاد غيره : وكان يجب عليه إذا رأى منكرا أنكره وأظهره ؛ لأن إقراره لغيره على ذلك يدل على جوازه ، ذكره صاحب البيان .وأما ما حرم عليه فجملته عشرة : الأول : تحريم الزكاة عليه وعلى آله . الثاني : صدقة التطوع عليه ، وفي آله تفصيل باختلاف . الثالث : خائنة الأعين ، وهو أن يظهر خلاف ما يضمر ، أو ينخدع عما يجب . وقد ذم بعض الكفار عند إذنه ثم ألان له القول عند دخوله . الرابع : حرم الله عليه إذا لبس لأمته أن يخلعها عنه أو يحكم الله بينه وبين محاربه . الخامس : الأكل متكئا . السادس : أكل الأطعمة الكريهة الرائحة . السابع : التبدل بأزواجه ، وسيأتي . الثامن : نكاح امرأة تكره صحبته . التاسع : نكاح الحرة الكتابية . العاشر : نكاح الأمة .وحرم الله عليه أشياء لم يحرمها على غيره تنزيها له وتطهيرا . فحرم الله عليه الكتابة وقول الشعر وتعليمه ، تأكيدا لحجته وبيانا لمعجزته قال الله تعالى : وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك . وذكر النقاش أن النبي صلى الله عليه وسلم ما مات حتى كتب ، والأول هو [ ص: 193 ] المشهور . وحرم عليه أن يمد عينيه إلى ما متع به الناس ، قال الله تعالى : لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم الآية .وأما ما أحل له صلى الله عليه وسلم فجملته ستة عشر : الأول : صفي المغنم . الثاني : الاستبداد بخمس الخمس أو الخمس . الثالث : الوصال . الرابع : الزيادة على أربع نسوة . الخامس : النكاح بلفظ الهبة . السادس : النكاح بغير ولي . السابع : النكاح بغير صداق . الثامن : نكاحه في حالة الإحرام . التاسع : سقوط القسم بين الأزواج عنه ، وسيأتي . العاشر : إذا وقع بصره على امرأة وجب على زوجها طلاقها ، وحل له نكاحها . قال ابن العربي : هكذا قال إمام الحرمين ، وقد مضى ما للعلماء في قصة زيد من هذا المعنى . الحادي عشر : أنه أعتق صفية وجعل عتقها صداقها . الثاني عشر : دخول مكة بغير إحرام ، وفي حقنا فيه اختلاف . الثالث عشر : القتال بمكة . الرابع عشر : أنه لا يورث . وإنما ذكر هذا في قسم التحليل لأن الرجل إذا قارب الموت بالمرض زال عنه أكثر ملكه ، ولم يبق له إلا الثلث خالصا ، وبقي ملك رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما تقرر بيانه في آية المواريث ، وسورة ( مريم ) بيانه أيضا . الخامس عشر : بقاء زوجيته من بعد الموت . السادس عشر : إذا طلق امرأة تبقى حرمته عليها فلا تنكح . وهذه الأقسام الثلاثة تقدم معظمها مفصلا في مواضعها . وسيأتي إن شاء الله تعالى .وأبيح له عليه الصلاة والسلام أخذ الطعام والشراب من الجائع والعطشان ، وإن كان من هو معه يخاف على نفسه الهلاك ، لقوله تعالى : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم . وعلى كل أحد من المسلمين أن يقي النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه . وأبيح له أن يحمي لنفسه . وأكرمه الله بتحليل الغنائم . وجعلت الأرض له ولأمته مسجدا وطهورا . وكان من الأنبياء من لا تصح صلاتهم إلا في المساجد . ونصر بالرعب ، فكان يخافه العدو من مسيرة شهر . وبعث إلى كافة الخلق ، وقد كان من قبله من الأنبياء يبعث الواحد إلى بعض الناس دون بعض . وجعلت معجزاته كمعجزات الأنبياء قبله وزيادة . وكانت معجزة موسى عليه السلام العصا وانفجار الماء من الصخرة . وقد انشق القمر للنبي صلى الله عليه وسلم وخرج الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم وكانت معجزة عيسى صلى الله عليه وسلم إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص . وقد سبح الحصى في يد النبي صلى الله عليه وسلم ، وحن الجذع إليه ، وهذا أبلغ . وفضله الله عليهم بأن جعل القرآن معجزة له ، وجعل معجزته فيه باقية إلى يوم القيامة ; ولهذا جعلت نبوته مؤبدة لا تنسخ إلى يوم القيامة .[ ص: 194 ] السابعة عشرة : أن يستنكحها أي ينكحها ، يقال : نكح واستنكح ، مثل عجب واستعجب ، وعجل واستعجل . ويجوز أن يرد الاستنكاح بمعنى طلب النكاح ، أو طلب الوطء . و ( خالصة ) نصب على الحال ، قال الزجاج . وقيل : حال من ضمير متصل بفعل مضمر دل عليه المضمر ، تقديره : أحللنا لك أزواجك ، وأحللنا لك امرأة مؤمنة أحللناها خالصة ، بلفظ الهبة وبغير صداق وبغير ولي .الثامن عشر : قوله تعالى من دون المؤمنين فائدته أن الكفار وإن كانوا مخاطبين بفروع الشريعة عندنا فليس لهم في ذلك دخول لأن تصريف الأحكام إنما يكون فيهم على تقدير الإسلام .قوله تعالى : قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وهو ألا يتزوجوا إلا أربع نسوة بمهر وبينة وولي . قال معناه أبي بن كعب وقتادة وغيرهما .التاسع عشر : لكيلا يكون عليك حرج أي ضيق في أمر أنت فيه محتاج إلى السعة ، أي بينا هذا البيان وشرحنا هذا الشرح لكيلا يكون عليك حرج . ف ( لكيلا ) متعلق بقوله : إنا أحللنا أزواجك أي فلا يضيق قلبك حتى يظهر منك أنك قد أثمت عند ربك في شيء . ثم آنس تعالى جميع المؤمنين بغفرانه ورحمته فقال تعالى : وكان الله غفورا رحيما .
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (50){ ياأيها النبى إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أزواجك اللاتى ءَاتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ الله عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عماتك وَبَنَاتِ وبنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكَ اللاَّتِى هَاجَرْنَ مَعَكَ وامْرَأَةً مُّؤمِنَةً إن وَهَبَتْ نَفْسَهَا للنَّبِىِّ إنْ أَرَادَ النَّبِىُّ أن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِن دُونِ المُؤمِنِينَ } .نداء رابع خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم في شأن خاص به هو بيان ما أحلّ له من الزوجات والسراري وما يزيد عليه وما لا يزيد مما بعضه تقرير لتشريع له سابق وبعضه تشريع له للمستقبل ، ومما بعضه يتساوى فيه النبي عليه الصلاة والسلام مع الأمة وبعضه خاص به أكرمه الله بخصوصيته مما هو توسعة عليه ، أو مما روعي في تخصيصه به علوّ درجته .ولعل المناسبة لورودها عقب الآيات التي قبلها أنه لما خاض المنافقون في تزوّج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنتتِ جحش وقالوا : تزوج من كانت حليلة متبنّاه ، أراد الله أن يجمع في هذه الآية مَن يحل للنبيء تزوجهن حتى لا يقع الناس في تردد ولا يفتنهم المرجفون . ولعل ما حدث من استنكار بعض النساء أن تهدي المرأة نفسها لرجل كان من مناسبات اشتمالها على قوله : { وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبيء } الآية ، ولذلك جمعت الآية تقرير ما هو مشروع وتشريع ما لم يكن مشروعاً لتكون جامعة للأحوال ، وذلك أوعب وأقطع للتردد والاحتمال .فأما تقرير ما هو مشروع فذلك من قوله تعالى : { إنا أحللنا لك أزواجك التي آتيت أجورهن } إلى قوله : { وبنات خالاتك } ، وأما تشريع ما لم يكن مشروعاً فذلك من قوله : { التي هاجرن معك } إلى قوله : { ولا أن تبدل بهن من أزواج } [ الأحزاب : 52 ] .فقوله تعالى : { إنا أحللنا لك أزواجك } خبر مُراد به التشريع . ودخول حرف ( إنّ ) عليه لا ينافي إرادة التشريع إذ موقع ( إنَّ ) هنا مجرد الاهتمام ، والاهتمام يناسب كلاّ من قصد الإِخبار وقصدِ الإِنشاء ، ولذلك عُطفت على مفعول { أحللنا } معطوفات قيدت بأوصاف لم يكن شرعها معلوماً من قبل وذلك في قوله : { وبنات عمك } وما عطف عليه باعتبار تقييدهن بوصف { الاتي هاجرن معك } ، وفي قوله : { وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها } باعتبار تقييدها بوصف الإِيمان وتقييدها ب«إن وهبت نفسها للنبي وأراد النبي أن يستنكحها» . هذا تفسير الآية على ما درج عليه المفسرون على اختلاف قليل بين أقوالهم .وعندي : أن الآية امتنان وتذكير بنعمة على النبي صلى الله عليه وسلم وتؤخذ من الامتنان الإِباحة ويؤخذ من ظاهر قوله : { لا يحل لك النساء من بعد } [ الأحزاب : 52 ] الاقتصار على اللاتي في عصمته منهن وقت نزول الآية ، ولتكون هذه الآية تمهيداً لقوله تعالى : { لا يحل لك النساء من بعد } الخ .وسيجيء ما لنا في معنى قوله : { من بعدُ } وما لنا في موضع قوله { إن أراد النبي أن يستنكحها } .ومعنى { أحللنا لك } الإِباحة له ، ولذلك جاءت مقابلته بقوله عقب تعداد المحلّلات له { لا يحل لك النساء من بعد } .وإضافة أزواج إلى ضمير النبي صلى الله عليه وسلم تفيد أنّهن الأزواج اللاتي في عصمته ، فيكون الكلام إخباراً لتقرير تشريع سابق ومسوقاً مساق الامتنان ، ثم هو تمهيد لما سيتلوه من التشريع الخاص بالنبي صلى الله عليه وسلم من قوله : { اللاتي هاجرن معك } إلى قوله : { لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج } [ الأحزاب : 52 ] . وهذا هو الوجه عندي في تفسير هذه الآية .وحكى ابن الفرس عن الضحاك وابن زيد أن المعنى بقوله : { أزواجك اللاتي آتيت أجورهن } أن الله أحلّ له أن يتزوج كل امرأة يُصدقها مهرها فأباح له كل النساء ، وهذا بعيد عن مقتضى إضافة أزواج إلى ضميره . وعن التعبير ب { آتيت أجورهن } بصيغة المضيّ . واختلف أهل التأويل في محمل هذا الوجه مع قوله تعالى في آخر الآية : { لا يحل لك النساء من بعد } فقال قوم : هذه ناسخة لقوله : { لا يحل لك النساء من بعد } ولو تقدمت عليها في التلاوة . وقال آخرون : هي منسوخة بقوله : { لا يحل لك النساء من بعد } .و { اللاتي آتيت أجورهن } صفة ل { أزواجك } ، أي وهن النسوة اللاتي تزوجتهن على حكم النكاح الذي يعم الأمة ، فالماضي في قوله : { آتيت أجورهن } مستعمل في حقيقته . وهؤلاء فيهن من هن من قراباته وهن القرشيات منهن : عائشة ، وحفصة ، وسودة ، وأم سلمة ، وأم حبيبة ، وفيهن من لسن كذلك وهنّ : جويرية من بني المصطلق ، وميمونة بنت الحارث من بني هلال ، وزينب أم المساكين من بني هلال ، وكانت يومئذٍ متوفاة ، وصفية بنت حيي الإِسرائيلية .وعطف على هؤلاء نسوة أخر وهنّ ثلاثة أصناف :«الصنف الأول» : ما ملكت يمينه مما أفاء الله عليه ، أي مما أعطاه الله من الفيء ، وهو ما ناله المسلمون من العدوّ بغير قتال ولكن تركَه العدو ، أو مما أعطي للنبيء صلى الله عليه وسلم مثل مارية القبطية أمّ ابنه إبراهيم فقد أفاءها الله عليه إذ وهبها إليه المقوقس صاحب مصر ، وإنما وهبها إليه هدية لمكان نبوءته فكانت بمنزلة الفيء لأنها ما لوحظ فيها إلا قصد المسالمة من جهة الجوار ، إذ لم تكن له مع الرسول صلى الله عليه وسلم سابق صحبة ولا معرفة ، والمعروف أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتسرّ غير مارية القبطية . وقيل : إنه تسرى جارية أخرى وهبتها له زوجه زينبُ ابنة جحش ولم يثبت . وقيل أيضاً : إنه تسرى ريحانَة من سبي قريظة اصطفاها لنفسه ولا تشملها هذه الآية لأنها ليست من الفيء ولكن من المغنم إلا أن يراد ب { مما أفاء الله عليك } المعنى الأعم للفيء وهو ما يشمل الغنيمة .وهذا الحكم يشركه فيه كثير من الأمة من كل من أعطاه أميره شيئاً من الفيء ، كما قال تعالى : { ما أفاء اللَّه على رسوله من أهل القرى فللَّه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } [ الحشر : 7 ] فمن أعطاه الأمير من هؤلاء الأصناف أمة من الفيء حلّت له .وقوله : { مما أفاء الله عليك } وصف لما ملكت يمينك وهو هنا وصف كاشف لأن المراد به مارية القبطية ، أو هي وريحانة إن ثبت أنّه تسراها .«الصنف الثاني» : نساء من قريب قرابته صلى الله عليه وسلم من جهة أبيه أو من جهة أمه مؤمنات مهاجرات . وأغنى قوله : { هاجرن معك } عن وصف الإِيمان لأن الهجرة لا تكون إلا بعد الإِيمان ، فأباح الله للنبيء عليه الصلاة والسلام أن يتزوج من يشاء من نساء هذا الصنف بعقد النكاح المعروف ، فليس له أن يتزوج في المستقبل امرأة من غير هذا الصنف المشروط بشرط القرابة بالعمومة أو الخؤولة وشرط الهجرة . وعندي : أن الوصفين ببنات عمه وعمّاته وبناتتِ خاله وخالاته ، وبأنهن هاجَرْن معه غير مقصود بهما الاحتراز عمن لسن كذلك ولكنه وصف كاشف مسوق للتنويه بشأنهن .وخص هؤلاء النسوة من عموم المنع تكريماً لشأن القرابة والهجرة التي هي بمنزلة القرابة لقوله تعالى : { والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا } [ الأنفال : 72 ] . وحكم الهجرة انقضى بفتح مكة . وهذا الحكم يتجاذبه الخصوصية للرسول صلى الله عليه وسلم والتعميم لأمته ، فالمرأة التي تستوفي هذا الوصف يجوز للرسول عليه الصلاة والسلام ولأمته الذين تكون لهم قرابة بالمرأة كهذه القرابة تزوجُ أمثالها ، والمرأة التي لم تستوف هذا الوصف لا يجوز للرسول عليه الصلاة والسلام تزوجها ، وهو الذي درج عليه الجمهور ، ويؤيده خبر روي عن أمّ هاني بنت أبي طالب . وقال أبو يوسف : يجوز لرجال أمته نكاح أمثالها . وباعتبار عدم تقييد نساء الرسول صلى الله عليه وسلم بعدد يكون هذا الإطلاق خاصاً به دون أمته إذ لا يجوز لغيره تزوج أكثر من أربع .وبنات عمّ النبي صلى الله عليه وسلم هن بنات إخوة أبيه مثل : بنات العباس وبنات أبي طالب وبنات أبي لهب . وأما بنات حمزة فإنهن بنات أخ من الرضاعة لا يحللن له ، وبناتُ عماته هن بنات عبد المطلب مثل زينب بنت جحش التي هي بنت أميمة بنت عبد المطلب .وبناتُ خاله هنّ بنات عبد مناف بن زُهرة وهن أخوال النبي صلى الله عليه وسلم عبد يغوث بن وهب أخو آمنة ، ولم يذكروا أن له بنات ، كما أني لم أقف على ذكر خالة لرسول الله فيما رأيت من كتب الأنساب والسير . وقد ذكر في «الإصابة» فريعة بنتَ وهب وذكروا هالة بنت وهب الزهرية إلا أنها لكونها زوجةَ عبد المطلب وابنتها صفية عمة رسول الله فقد دخلت من قبل في بنات عمه .وإنما أُفرد لفظ ( عم ) وجُمع لفظ ( عمات ) لأن العم في استعمال كلام العرب يطلق على أخي الأب ويطلق على أخي الجد وأخي جد الأب وهكذا فهم يقولون : هؤلاء بنو عم أو بنات عم ، إذا كانوا لعم واحد أو لعدة أعمام ، ويفهم المراد من القرائن . قال الراجز أنشده الأخفش :ما بَرئتْ من ريبة وذمّ ... في حربنا إلا بناتُ العمّوقال رؤبة بن العجاج :قالت بنات العم يا سلمى وإنْ ... كان فقيراً مُعدماً قالت وإنْفأما لفظ ( العمة ) فإنه لا يراد به الجنس في كلامهم ، فإذا قالوا : هؤلاء بنو عمةٍ ، أرادوا أنهم بنو عمةٍ معيّنة ، فجيء في الآية : { عماتك } جمعاً لئلا يفهم منه بنات عمة معينة . وكذلك القول في إفراد لفظ ( الخال ) من قوله : { بنات خالك } وجمع الخالة في قوله : { وبنات خالاتك } .وقال قوم : المراد ببنات العم وبنات العمات : نساء قريش ، والمراد ببنات الخال : النساء الزهريات ، وهو اختلاف نظري محض لا ينبني عليه عمل لأن النبي قد عُرفت أزواجه .وقوله : { اللاني هاجرن معك } صفة عائدة إلى { بنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك } كشأن الصفة الواردة بعد مفردات ، وهو شرط تشريع لم يكن مشروطاً من قبل .والمعية في قوله : { اللاتي هاجرن معك } معية المقارنة في الوصف المأخوذ من فعل { هاجرن } فليس يلزم أن يكنَّ قد خرجْنَ مصاحبات له في طريقه إلى الهجرة .«الصنف الثالث» : امرأة تَهب نفسها للنبيء صلى الله عليه وسلم أي تجعل نفسها هبة له دون مهر ، وكذلك كان النساء قبل الإسلام يفعلن مع عظماء العرب ، فأباح الله للنبيء أن يتخذها زوجة له بدون مهر إذا شاء النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، فهذا حقيقة لفظ { وهبت } ، فالمراد من الهبة : تزويج نفسها بدون عوض ، أي بدون مهر ، وليست هذه من الهبة التي تستعمل في صيغ النكاح إذا قارنها ذكر صداق لأن ذلك اللفظ مجاز في النكاح بقرينة ذكر الصداق ويصح عقد النكاح به عندنا وعند الحنفية خلافاً للشافعي .فقوله : { وامرأة } عطف على { أزواجك } . والتقدير : وأحللنا لك امرأة مؤمنة .والتنكير في { امرأة } للنوعية : والمعنى : ونُعلمك أنا أحللنا لك امرأة مؤمنة بقيد أن تهب نفسها لك وأن تريد أن تتزوجها فقوله : { للنبيء } في الموضعين إظهار في مقام الإِضمار . والمعنى : إن وهبتْ نفسها لك وأردتَ أن تنكحها . وهذا تخصيص من عموم قوله : { وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك } فإذا وهبت امرأة نفسها للنبيء صلى الله عليه وسلم وأراد نكاحها جاز له ذلك بدون ذينك الشرطين ولأجل هذا وصفت { امرأة } ب { مؤمنة } ليعلم عدم اشتراط ما عدا الإيمان . وقد عُدّت زينب بنت خُزيمة الهلالية وكانت تدعى في الجاهلية أمَّ المساكين في اللاتي وهبن أنفسهن ، ولم تلبث عنده زينب هذه إلا قليلاً فتوفيت وكان تزوجها سنة ثلاث من الهجرة فليست مما شملته الآية .ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج غيرها ممن وهبت نفسها إليه وهن : أم شريك بنت جابر الدوسية واسمها عزية ، وخولة بنت حكيم عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسها فقالت عائشة : أما تستحيي المرأة أن تهب نفسها للرجل ، وامرأة أخرى عرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم روى ثابت البناني عن أنس قال : «جاءت امرأة إلى رسول الله فعرضت عليه نفسها فقالت : يا رسول الله ألك حاجة بي؟ فقالت ابنةُ أنس وهي تسمع إلى رواية أبيها : ما أقل حياءها وَاسَوأتاه واسوأتاه . فقال أنس : هي خير منك رغبت في النبي فعرضت عليه نفسها» . وعن سهل بن سعد أن امرأة عرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجبها . فقال رجل : «يا رسول الله زوجنيها ، إلى أن قال له ، ملّكناكها بما معك من القرآن» فهذا الصنف حكمه خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم وذلك أنه نكاح مخالف لسنة النكاح لأنه بدون مهر وبدون ولي .وقد ورد أن النسوة اللاتي وهبن أنفسهن للنبيء صلى الله عليه وسلم أربع هن : ميمونة بنت الحارث ، وزينب بنت خزيمة الأنصارية الملقبة أمّ المساكين ، وأم شريك بنت جابر الأسدية أو العامرية ، وخولة بنت حكيم بنت الأوقص السَلَمية . فأما الأوليان فتزوجهما النبي صلى الله عليه وسلم وهما من أمهات المؤمنين والأخريان لم يتزوجهما .ومعنى { وهبت نفسها للنبيء } أنها ملّكته نفسها تمليكاً شبيهاً بملك اليمين ولهذا عطفت على { ما ملكت يمينك } ، وأردفت بقوله : { خالصة لك من دون المؤمنين } أي خاصة لك أن تتخذها زوجة بتلك الهبة ، أي دون مهر وليس لبقية المؤمنين ذلك . ولهذا لما وقع في حديث سهل بن سعد المتقدم أن امرأة وهبت نفسها للنبيء صلى الله عليه وسلم وعلم الرجل الحاضر أن النبي عليه الصلاة والسلام لا حاجة له بها سأل النبي عليه الصلاة والسلام أن يُزوجه إياها علماً منه بأن تلك الهبة لا مهر معها ولم يكن للرجل ما يصدقها إياه ، وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم منه ذلك فقال له ما عندك؟ قال : ما عندي شيء . قال : اذهب فالتمس ولو خاتماً من حديد فذهب ثم رجع فقال : لا والله ولا خاتَماً من حديد ، ولكن هذا إزاري فلها نصفه . قال سهل : ولم يكن له رداء ، فقال النبي : " وما تصنع بإزارك إن لبستَه لم يكن عليها منه شيء وإن لبستْه لم يكن عليك منه شيء ثم قال له ماذا معك من القرآن؟ فقال : معي سورة كذا وسورة كذا لسُور يُعدّدها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ملكناكها بما معك من القرآن " .وفي قوله : { إن وهبت نفسها للنبي } إظهار في مقام الإضمار لأن مقتضى الظاهر أن يقال : إن وهبت نفسها لك . والغرض من هذا الإِظهار ما في لفظ { النبي } من تزكية فعل المرأة التي تهب نفسها بأنها راغبة لكرامة النبوءة .وقوله : { إن أراد النبي أن يستنكحها } جملة معترضة بين جملة { إن وهبت } وبين { خالصة } وليس مسوقاً للتقييد إذ لا حاجة إلى ذكر إرادته نكاحها فإن هذا معلوم من معنى الإِباحة ، وإنما جيء بهذا الشرط لدفع توهم أن يكون قبوله هبتها نفسها له واجباً عليه كما كان عرف أهل الجاهلية . وجوابه محذوف دل عليه ما قبله ، والتقدير : إن أراد أن يستنكحها فهي حلال له ، فهذا شرط مستقل وليس شرطاً في الشرط الذي قبله .والعدول عن الإِضمار في قوله : { إن أراد النبي } بأن يقال : إن أراد أن يستنكحها لما في إظهار لفظ { النبي } من التفخيم والتكريم .وفائدة الاحتراز بهذا الشرط الثاني إبطال عادة العرب في الجاهلية وهي أنهم كانوا إذا وهبت المرأة نفسها للرجل تعين عليه نكاحها ولم يجز له ردُّها ، فأبطل الله هذا الالتزام بتخيير النبي عليه الصلاة والسلام في قبول هِبة المرأة نفسها له وعدمه ، وليرفع التعيير عن المرأة الواهبة بأن الرد مأذون به .والسين والتاء في { يستنكحها } ليستا للطلب بل هما لتأكيد الفعل كقول النابغة :وهم قتلوا الطائي بالحجر عنوةً ... أبا جابر فاستنكحوا أم جابرأي بنو حُنّ قتلوا أبا جابر الطائي فصارت أم جابر المزوجة بأبي جابر زوجة بني حُنّ ، أي زوجة رجل منهم . وهي مثل السين والتاء في قوله تعالى : { فاستجاب لهم ربهم } [ آل عمران : 195 ] .فتبيَّن من جعل جملة { إن أراد النبي أن يستنكحها } معترضة أن هذه الآية لا يصح التمثيل بها لمسألة اعتراض الشرط على الشرط كما وقع في رسالة الشيخ تقي الدين السبكي المجعولة لاعتراض الشرط على الشرط ، وتبعه السيوطي في الفن السابع من كتاب «الأشباه والنظائر النحوية» ، ويلوح من كلام صاحب «الكشاف» استشعار عدم صلاحية الآية لاعتبار الشرط في الشرط فأخذ يتكلف لتصوير ذلك .وانتصب { خالصة } على الحال من { امرأة } ، أي خالصة لك تلك المرأة ، أي هذا الصنف من النساء ، والخلوص معنيٌّ به عدم المشاركة ، أي مشاركةِ بقية الأمة في هذا الحكم إذ مادة الخلوص تجمع معاني التجرّد عن المخالطة . فقوله : { من دون المؤمنين } لبيان حال من ضمير الخطاب في قوله : { لك } ما في الخلوص من الإجمال في نسبته . وقد دل وصف { امرأة } بأنها { مؤمنة } أن المرأة غير المؤمنة لا تحل للنبيء عليه الصلاة والسلام بهبة نفسها . ودل ذلك بدلالة لحن الخطاب أنه لا يحلّ للنبيء صلى الله عليه وسلم تزوج الكتابيات بَلْهَ المشركات ، وحكى إمام الحرمين في ذلك خلافاً .قال ابن العربي : والصحيح عندي تحريمها عليه . وبهذا يتميز علينا؛ فإن ما كان من جانب الفضائل والكرامة فحظه فيه أكثر وإذا كان لا تحل له من لم تُهاجر لنقصانها فضلَ الهجرة فأحرى أن لا تحلّ له الكتابية الحرة .{ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فى أزواجهم وَمَا مَلَكَتْ أيْمَانُهُمْ } .جملة معترضة بين جملة { من دون المؤمنين } وبين قوله : { لكيلا يكون عليك حرج } أو هي حال سببي من المؤمنين ، أي حال كونهم قد علمنا ما نَفرض عليهم .والمعنى : أن المؤمنين مستمر ما شُرع لهم من قبلُ في أحكام الأزواج وما ملكتْ أيمانهم ، فلا يَشملهم ما عُيّن لك من الأحكام الخاصة المشروعة فيما تقدم آنفاً ، أي قد علمنا أن ما فرضناه عليهم في ذلك هو الَّلائق بحال عموم الأمة دون ما فرضناه لك خاصة .و { ما فرضنا عليهم } موصول وصلته ، وتعدية { فرضنا } بحرف ( على ) المقتضي للتكليف والإِيجاب للإِشارة إلى أن من شرائع أزواجهم وما ملكَتْ أيمانهم ما يَوَدُّون أن يخفف عنهم مثل عدد الزوجات وإيجاب المهور والنفقات ، فإذا سمعوا ما خص به النبي صلى الله عليه وسلم من التوسعة في تلك الأحكام وَدّوا أن يلحقوا به في ذلك ، فسجل الله عليهم أنهم باقون على ما سبق شرعه لهم في ذلك ، والإخبار بأن الله قد علم ذلك كناية عن بقاء تلك الأحكام لأن معناه أنّا لم نغفل عن ذلك ، أي لم نبطله بل عن علم خصصنا نبيئنا بما خصصناه به في ذلك الشأن ، فلا يشمل ما أحللناه له بقيةَ المؤمنين .وظرفية { في } مجازية لأن المظروف هو الأحكام الشرعية لا ذَوات الأزواج وذواتُ ما ملكته الأيمان .{ لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ الله غَفُوراً رَحِيماً } .تعليل لما شرعه الله تعالى في حق نبيئه صلى الله عليه وسلم في الآيات السابقة من التوسعة بالازدياد من عدد الأزواج وتزوج الواهبات أنفسهن دون مهر ، وجَعل قبول هبتها موكولاً لإِرادته ، وبما أبقى له من مساواته أمته فيما عدا ذلك من الإباحة فلم يضيّق عليه ، وهذا تعليم وامتنان .والحرج : الضيق ، والمراد هنا أدنى الحرج ، وهو ما في التكليف من بعض الحرج الذي لا تخلو عنه التكاليف ، وأما الحرج القوي فمنفي عنه وعن أمته . ومراتب الحرج متفاوتة ، ومناط ما يُنفى عن الأمة منها وما لا ينفى ، وتقديراتُ أحوال انتفاء بعضها للضرورة هو ميزان التكليف الشرعي فالله أعلم بمراتبها وأعلم بمقدار تحرج عباده وذلك مبين في مسائل العزيمة والرخصة من علم الأصول ، وقد حرر ملاّكه شهاب الدين القرافي في الفرق الرابع عشر من كتابه «أنواء البروق» . وقد أشبعنا القول في تحقيق ذلك في كتابنا المسمى «مقاصد الشريعة الإسلامية» .وأعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سلك في الأخذ بهذه التوسعات التي رفع الله بها قدره مسلك الكُمّل من عباده وهو أكملهم فلم ينتفع لنفسه بشيء منها فكان عبداً شكوراً كما قال في حديث استغفاره ربه في اليوم استغفاراً كثيراً .والتذييل بجملة { وكان الله غفوراً رحيماً } تذييل لما شرعه من الأحكام للنبيء صلى الله عليه وسلم لا للجملة المعترضة ، أي أن ما أردناه من نفي الحرج عنك هو من متعلقات صفتي الغفران والرحمة اللتين هما من تعلقات الإِرادة والعلم فهما ناشئتان عن صفات الذات ، فلذلك جعل اتصاف الله بهما أمراً متمكّناً بما دلّ عليه فعل { كان } المشير إلى السابقية والرسوخ كما علمته في مواضع كثيرة .
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
ثم بين - سبحانه - بعد ذلك جانبا من مظاهر فضله عليه . وتكريمه له حيث خصه بأمور تتعلق بالنكاح لم يخص بها أحدا غيره . فقال - تعالى - : ( ياأيها النبي إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ . . . . على كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيباً ) .والمراد بالأجور فى قوله - سبحانه - : ( ياأيها النبي إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ . . . ) المهور التى دفعها صلى الله عليه وسلم لأزاوجه .قال ابن كثير : يقول - تعالى - مخاطبا - نبيه - صلوات الله وسلامه عليه - بأن قد أحل له من النساء أزواجه اللائى أعطاهن مهورهن ، وهى الأجور ها هنا ، كما قاله مجاهد وغير واحد .وقد كان مهره صلى الله عليه وسلم لنسائه : اثنتى عشرة أوقية ونصف أوقية . فالجمعي خمسمائة درهم إلا أم حبيبة بنت أبى سفيان فإنه أمهرها عنه النجاشى - رحمه الله - بأربعمائة دينار ، وإلا صفية بنت حيى فإنه اصطفاها من سبى خيبر ، ثم أعتقها وجعل عتقها صداقها . وكذلك جويرية بنت الحارث المصطلقية ، أدى عنها كتابتها إلى ثبات بن قيس وتزوجها .وفى قوله : ( آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ) إشارة إلى أن إعطاء المهر كاملا للمراة دون إبقاء شئ منه ، هو الأكمل والأفضل ، وأن تأخير شئ منه إنما هو مستحدث ، لم يكن معروفا عند السلف الصالح .وأُطْلِق على المهر أجْرٌ لمقابلته الاستمتاع الدائم بما يحل الاستمتاع به من الزوجة ، كما يقابل الأجر بالمنفعة .وقوله : ( وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ الله عَلَيْكَ ) بيان لنوع آخر مما أحله الله - تعالى - لنبيه صلى الله عليه وسلم .والمعنى : يأيها النبى إنا أحللنا لك - بفضلنا - على سبيل التكريم والتشريف لك ، الاستمتاع بأزواجك الكائنات عندك ، واللاتى أعطيتهن مهورهن - كعائشة وحفصة وغيرهما - ، لأنهن قد اخترنك على الحياة الدنيا وزينتها .كما أحللنا لك التمتع بما ملكت يمينك من النساء اللائى دخلن فى ملكك عن طريق الغنيمة فى الحرب ، كصفية بنت حيى بن أخطب ، وجويرية بنت الحارث .ثم بين - سبحانه - نوعا ثالثا أحله - سبحانه - له فقال : ( عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكَ اللاتي هَاجَرْنَ مَعَكَ ) .أى : وأحللنا لك - أيضا - الزواج بالنساء اللائى تربطك بهن قرابة من جهة الأب ، أو قرابة من جهة الأم .وقوله ( اللاتي هَاجَرْنَ مَعَكَ ) إشارة إلى ما هو أفضل ، وللإِيذان بشرف الهجرة وشرف من هاجر .والمراد بالمعية هنا . الاشتراك فى الهجرة . لا المصاحبة فيها ، لما فى قوله - تعالى - حكاية عن ملكة سبأ : ( قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ العالمين ) .قال بعض العلماء : وقد جاء فى الآية الكريمة عدة قيود ، ما أريد بواحد منها غلى التنبيه على الحالة الكريمة الفاضلة .منها : وصف النبى صلى الله عليه وسلم باللاتى آتى أجورهن ، فإنه تنبيه على الحالة الكاملة ، فإن الأكمل إيتاء المهر كاملا دون أن يتأخر منه شئ .ومنها : أن تخصيص المملوكات بأن يكن من الفئ ، فإن المملوكة إذا كانت غنيمة من أهل الحرب كانت أحل وأطيب مما يشترى من الجلب ، لأن المملوكة عن طريق الغنيمة تكون معروفة الحالة والنشأة .ومنها : قيد الهجرة فى قوله : ( اللاتي هَاجَرْنَ مَعَكَ ) ، ولا شك أن من هاجرت مع النبى صلى الله عليه وسلم أولى بشرف زوجة النبى صلى الله عليه وسلم ممن عداها .ثم بين - سبحانه - نوعا رابعا من النساء ، أحله لنبيه صلى الله عليه وسلم فقال : ( وامرأة مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النبي أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ المؤمنين ) . والجملة الكريمة معطوفة على مفعول ( أَحْلَلْنَا ) .وقد اشتملت هذه الجملة على شرطين ، الثانى منهما قيد للأول ، لن هبتها نفسها له صلى الله عليه وسلم لا توجب حلها له إلا بقبوله الزواج منها .وقوله ( يَسْتَنكِحَهَا ) بمعنى ينكحها . يقال : نكح واستنكح ، بمعنى عجل واستعجل : ويجوز أن يكون بمعنى طلب النكاح .وقوله : ( خَالِصَةً ) منصوب على الحال من فاعل ( وَهَبَتْ ) أى : حال كونها خالصة لك دون غيرك . أو نعت لمصدر مقدر . أى : هبة خالصة . . .والمعنى وأحللنا لك كذلك امرأة مؤمنة ، إن ملكتك نفسها بدون نفسها بدون مهر وإن أنت قبلت ذلك عن طيب خاطر منك ، وهذا الإِحلال إنما هو خاص بك دون غيرك من المؤمنين ، لأن غيرك من المؤمنين لا تحل لهم من وهبت نفسها لواحد منهم إلا بولى ومهر .وقد ذكروا ممن وهبن أنفسهن له صلى الله عليه وسلم خولة بنت حكيم ، وأم شريك بنت جابر ، وليلى بنت الحطيم . .وقد اختلف العلماء فى كونه صلى الله عليه وسلم قد تزوج بواحدة من هؤلاء الواهبات أنفسهن له أم لا .والأرجح أنه صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بواحدة منهن ، وإنما زوجهن لغيره . ويشهد لذلك ما رواه الشيخان " عن سهل بن سعد الساعدى ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت : يا رسول الله ، إنى قد وهبت نفسى لك . فقامت قياما طويلا ، فقام رجل فقال : يا رسول الله ، زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل عندك من شئ تصدقها إياه؟ فقال : ما عندى إلا إزارى هذا . فقال صلى الله عليه وسلم : إن أعطيتها إزارك جلست لا إزار لك ، فالتمس شيئا . فقال : لا أجد شيئا : فقال : التمس ولو خاتما من حديد ، فقام الرجل فلم يجد شيئا . فقال له النبى صلى الله عليه وسلم : هل معك من القرآن شئ؟ قال نعم . سورة كذا وسورة كذا - لسور يسميها - فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : زوجتكها بما معك من القرآن " .وإلى هنا يتضح لنا أن المقصود بالإِحلال فى الآية الكريمة : الإِذن العام والتوسعة عليه صلى الله عليه وسلم فى الزواج من هذه الأصناف ، والإِباحة له فى ان يختار منهن من تقتضى الحكمة الزاوج منها ، واختصاصه صلى الله عليه وسلم بأمور تتعلق بالنكاح ، لا تحل لأحد سواه .ولهذا قال - سبحانه - بعد ذلك : ( قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ في أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ) فإن هذه الجملة الكريمة معترضة ومقررة لمضمون ما قبلها ، من اختصاصه صلى الله عليه وسلم بأمور فى النكاح لا تحل لغيره ، كحل زواجه ممن تخبه نفسها بدون مهر ، إن قبل ذلك العرض منها .أى : هذا الذى أحللناه لك - أيها الرسول الكريم - هو خاص بك ، أما بالنسبة لغيرك من المؤمنين فقد علمنا ما فرضناه عليهم فى حق أزواجهم من شرائط العقد وحقوقه ، فلا يجوز لهم الإِخلال بها ، كما لا يجوز لهم الاقتداء بك فيما خصك الله - تعالى - به ، على سبيل التوسعة عليك ، والتكريم لك ، فهم لا يجوز لهم التزوج إلا بعقد وشهود ومهر ، كما لا يجوز لهم أن يجمعوا بين أكثر من أربع نسوة .وعلمنا - أيضا - ما فرضناه عليهم بالنسبة لما ملكت أيمانهم ، من كونهن ممن يجوز سبيه وحربه ، لا ممن لا يجوز سبيه ، أو كان له عهد مع المسلمين .وقوله : ( لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ ) متعلق بقوله : ( أَحْلَلْنَا ) وهو راجع إلى جميع ما ذكر ، فيكون المعنى :أحللنا من آتيت أجورهن من النساء ، والمملوكات ، والأقارب ، والواهبة نفسها لك ، لندفع عنك الضيق والحرج ، ولتتفرغ لتبليغ ما أمرناك بتبليغه .وقيل : إنه متعلق بخالصة ، أو بعاملها ، فيكون المعنى : خصصناك بنكاح من وهبت نفسها لك بدون مهر ، لكى لا يكون عليك حرج فى البحث عنه .وترى بعضه أنه متعلق بمحذوف ، أى : بينا لك ما بينا من أحكام خاصة بك ، حتى تخرج من الحرج ، وحتى يكون ما تفعله هو بوحى منا وليس من عند نفسك .ثم ختم - سبحانه - الآية بقوله : ( وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً ) أى : وكان الله - تعالى - وما زال واسع المغفرة والرحمة لعباده المؤمنين .
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
قوله - عز وجل - : ( يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن ) أي : مهورهن ، ( وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك ) رد عليك من الكفار بأن تسبي فتملك مثل صفية وجويرية ، وقد كانت مارية مما ملكت يمينه فولدت له إبراهيم ( وبنات عمك وبنات عماتك ) يعني : نساء قريش ( وبنات خالك وبنات خالاتك ) يعني : نساء بني زهرة ( اللاتي هاجرن معك ) إلى المدينة فمن لم تهاجر منهن معه لم يجز له نكاحها .وروى أبو صالح عن أم هانئ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما فتح مكة خطبني فأنزل الله هذه الآية فلم أحل له ، لأني لم أكن من المهاجرات وكنت من الطلقاء ، ثم نسخ شرط الهجرة في التحليل .( وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين ) أي . أحللنا لك امرأة مؤمنة وهبت نفسها لك بغير صداق ، فأما غير المؤمنة فلا تحل له إذا وهبت نفسها منه .واختلفوا في أنه هل كان يحل للنبي - صلى الله عليه وسلم - نكاح اليهودية والنصرانية بالمهر ؟فذهب جماعة إلى أنه كان لا يحل له ذلك ، لقوله : " وامرأة مؤمنة " ، وأول بعضهم الهجرة في قوله : " اللاتي هاجرن معك " على الإسلام ، أي : أسلمن معك . فيدل ذلك على أنه لا يحل له نكاح غير المسلمة ، وكان النكاح ينعقد في حقه بمعنى الهبة من غير ولي ولا شهود ولا مهر ، وكان ذلك من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - في النكاح لقوله تعالى : ( خالصة لك من دون المؤمنين ) كالزيادة على الأربع ، ووجوب تخيير النساء كان من خصائصه ولا مشاركة لأحد معه فيه .واختلف أهل العلم في انعقاد النكاح بلفظ الهبة في حق الأمة ؟ فذهب أكثرهم إلى أنه لا ينعقد إلا بلفظ الإنكاح والتزويج ، وهو قول سعيد بن المسيب ، والزهري ، ومجاهد ، وعطاء ، وبه قال ربيعة ومالك والشافعي .وذهب قوم إلى أنه ينعقد بلفظ الهبة والتمليك ، وهو قول إبراهيم النخعي ، وأهل الكوفة .ومن قال لا ينعقد إلا بلفظ الإنكاح أو التزويج اختلفوا في نكاح النبي - صلى الله عليه وسلم - : فذهب قوم إلى أنه كان ينعقد بلفظ الهبة ، لقوله تعالى : " خالصة لك من دون المؤمنين " .وذهب آخرون إلى أنه لا ينعقد إلا بلفظ الإنكاح أو التزويج كما في حق الأمة لقوله - عز وجل - : ( إن أراد النبي أن يستنكحها ) وكان اختصاصه - صلى الله عليه وسلم - في ترك المهر لا في لفظ النكاح .واختلفوا في التي وهبت نفسها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهل كانت عنده امرأة منهن ؟ .فقال عبد الله بن عباس ، ومجاهد : لم يكن عند النبي - صلى الله عليه وسلم - امرأة وهبت نفسها منه ، ولم يكن عنده امرأة إلا بعقد نكاح أو ملك يمين ، وقوله : " إن وهبت نفسها " على طريق الشرط والجزاء .وقال آخرون : بل كانت عنده موهوبة ، واختلفوا فيها فقال الشعبي : هي زينب بنت خزيمة الهلالية ، يقال لها : أم المساكين .وقال قتادة : هي ميمونة بنت الحارث .وقال علي بن الحسين ، والضحاك ومقاتل : هي أم شريك بنت جابر من بني أسد .وقال عروة بن الزبير : هي خولة بنت حكيم من بني سليم .قوله - عز وجل - : ( قد علمنا ما فرضنا عليهم ) أي : أوجبنا على المؤمنين ( في أزواجهم ) من الأحكام أن لا يتزوجوا أكثر من أربع ولا يتزوجوا إلا بولي وشهود ومهر ( وما ملكت أيمانهم ) أي : ما أوجبنا من الأحكام في ملك اليمين ( لكيلا يكون عليك حرج ) وهذا يرجع إلى أول الآية أي : أحللنا لك أزواجك وما ملكت يمينك والموهوبة لك لكي لا يكون عليك حرج وضيق . ( وكان الله غفورا رحيما )