تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
تؤخر مَن تشاء مِن نسائك في القَسْم في المبيت، وتضم إليك مَن تشاء منهن، ومَن طَلَبْتَ ممن أخَّرت قَسْمها، فلا إثم عليك في هذا، ذلك التخيير أقرب إلى أن يفرحن ولا يحزنَّ، ويرضين كلهن بما قسمت لهنَّ، والله يعلم ما في قلوب الرجال مِن مَيْلها إلى بعض النساء دون بعض. وكان الله عليمًا بما في القلوب، حليمًا لا يعجل بالعقوبة على من عصاه.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
«ترجئ» بالهمزة والياء بدله تؤخر «من تشاء منهنَّ» أي أزواجك عن نوبتها «وتؤوي» تضم «إليك من تشاء» منهن فتأتيها «ومن ابتغيت» طلبت «ممن عزلت» من القسمة «فلا جُناح عليك» في طلبها وضمها إليك خُيِّر في ذلك بعد أن كان القسم واجبا عليه «ذلك» التخيير «أدنى» أقرب إلى «أن تقرَّ أعينهنَّ ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن» ما ذكر المخيّر فيه «كلهن» تأكيد للفاعل في يرضين «والله يعلم ما في قلوبكم» من أمر النساء والميل إلى بعضهن، وإنما خيَّرناك فيهن تيسيرا عليك في كل ما أردت «وكان الله عليما» بخلقه «حليما» عن عقابهم.
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
قوله تعالى : ترجي من تشاء منهن وتئوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليما حليما .فيه إحدى عشرة مسألة :الأولى : قوله تعالى : ترجي من تشاء قرئ مهموزا وغير مهموز ، وهما لغتان ، يقال : أرجيت الأمر وأرجأته إذا أخرته . وتئوي تضم ، يقال : آوى إليه . ( ممدودة الألف ) ضم إليه . وأوى ( مقصورة الألف ) انضم إليه .الثانية : واختلف العلماء في تأويل هذه الآية ، وأصح ما قيل فيها . التوسعة على النبي صلى الله عليه وسلم في ترك القسم ، فكان لا يجب عليه القسم بين زوجاته . وهذا القول هو الذي يناسب ما مضى ، وهو الذي ثبت معناه في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : كنت أغار على [ ص: 195 ] اللائي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأقول : أوتهب المرأة نفسها لرجل ؟ فلما أنزل الله عز وجل ترجي من تشاء منهن وتئوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت قالت : قلت والله ما أرى ربك إلا يسارع في هواك . قال ابن العربي : هذا الذي ثبت في الصحيح هو الذي ينبغي أن يعول عليه . والمعنى المراد : هو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مخيرا في أزواجه ، إن شاء أن يقسم قسم ، وإن شاء أن يترك القسم ترك . فخص النبي صلى الله عليه وسلم بأن جعل الأمر إليه فيه ، لكنه كان يقسم من قبل نفسه دون أن يفرض ذلك عليه ، تطييبا لنفوسهن ، وصونا لهن عن أقوال الغيرة التي تؤدي إلى ما لا ينبغي . وقيل : كان القسم واجبا على النبي صلى الله عليه وسلم ثم نسخ الوجوب عنه بهذه الآية . قال أبو رزين : كان رسول الله قد هم بطلاق بعض نسائه فقلن له : اقسم لنا ما شئت . فكان ممن آوى عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب ، فكان قسمتهن من نفسه وماله سواء بينهن . وكان ممن أرجى سودة وجويرية وأم حبيبة وميمونة وصفية ، فكان يقسم لهن ما شاء . وقيل : المراد الواهبات . روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في قوله : ترجي من تشاء منهن قالت : هذا في الواهبات أنفسهن . قال الشعبي : هن الواهبات أنفسهن ، تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم منهن وترك منهن . وقال الزهري : ما علمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرجأ أحدا من أزواجه ، بل آواهن كلهن . وقال ابن عباس وغيره : المعنى في طلاق من شاء ممن حصل في عصمته ، وإمساك من شاء . وقيل غير هذا . وعلى كل معنى فالآية معناها التوسعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والإباحة . وما اخترناه أصح والله أعلم .الثالثة : ذهب هبة الله في الناسخ والمنسوخ إلى أن قوله : ترجي من تشاء الآية ، ناسخ لقوله : لا يحل لك النساء من بعد الآية . وقال : ليس في كتاب الله ناسخ تقدم المنسوخ سوى هذا . وكلامه يضعف من جهات . وفي ( البقرة ) عدة المتوفى عنها أربعة أشهر وعشر ، وهو ناسخ للحول وقد تقدم عليه .الرابعة : قوله تعالى : ومن ابتغيت ممن عزلت ( ابتغيت ) طلبت ، والابتغاء الطلب . و ( عزلت ) أزلت ، والعزلة الإزالة ، أي إن أردت أن تئوي إليك امرأة ممن عزلتهن من القسمة وتضمها إليك فلا بأس عليك في ذلك . كذلك حكم الإرجاء ، فدل أحد الطرفين على الثاني .[ ص: 196 ] الخامسة : قوله تعالى : فلا جناح عليك أي لا ميل ، يقال : جنحت السفينة أي مالت إلى الأرض . أي لا ميل عليك باللوم والتوبيخ .السادسة : قوله تعالى : ذلك أدنى أن تقر أعينهن قال قتادة وغيره : أي ذلك التخيير الذي خيرناك في صحبتهن أدنى إلى رضاهن إذ كان من عندنا ، لأنهن إذا علمن أن الفعل من الله قرت أعينهن بذلك ورضين ؛ لأن المرء إذا علم أنه لا حق له في شيء كان راضيا بما أوتي منه وإن قل . وإن علم أن له حقا لم يقنعه ما أوتي منه ، واشتدت غيرته عليه وعظم حرصه فيه . فكان ما فعل الله لرسوله من تفويض الأمر إليه في أحوال أزواجه أقرب إلى رضاهن معه ، وإلى استقرار أعينهن بما يسمح به لهن ، دون أن تتعلق قلوبهن بأكثر منه وقرئ : ( تقر أعينهن ) بضم التاء ونصب الأعين . و ( تقر أعينهن ) على البناء للمفعول . وكان عليه السلام مع هذا يشدد على نفسه في رعاية التسوية بينهن ، تطييبا لقلوبهن كما قدمناه ويقول : اللهم هذه قدرتي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك يعني قلبه ، لإيثاره عائشة رضي الله عنها دون أن يكون يظهر ذلك في شيء من فعله . وكان في مرضه الذي توفي فيه يطاف به محمولا على بيوت أزواجه ، إلى أن استأذنهن أن يقيم في بيت عائشة . قالت عائشة : أول ما اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة ، فاستأذن أزواجه أن يمرض في بيتها - يعني في بيت عائشة - فأذن له . . الحديث ، خرجه الصحيح . وفي الصحيح أيضا عن عائشة رضي الله عنها قالت : إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتفقد ، يقول : أين أنا اليوم أين أنا غدا استبطاء ليوم عائشة رضي الله عنها . قالت : فلما كان يومي قبضه الله تعالى بين سحري ونحري ، صلى الله عليه وسلم .السابعة : على الرجل أن يعدل بين نسائه لكل واحدة منهن يوما وليلة ، هذا قول عامة العلماء . وذهب بعضهم إلى وجوب ذلك في الليل دون النهار . ولا يسقط حق الزوجة مرضها [ ص: 197 ] ولا حيضها ، ويلزمه المقام عندها في يومها وليلتها وعليه أن يعدل بينهن في مرضه كما يفعل في صحته ، إلا أن يعجز عن الحركة فيقيم حيث غلب عليه المرض ، فإذا صح استأنف القسم . والإماء والحرائر والكتابيات والمسلمات في ذلك سواء . قال عبد الملك : للحرة ليلتان وللأمة ليلة . وأما السراري فلا قسم بينهن وبين الحرائر ، ولا حظ لهن فيه .الثامنة : ولا يجمع بينهن في منزل واحد إلا برضاهن ، ولا يدخل لإحداهن في يوم الأخرى وليلتها لغير حاجة . واختلف في دخوله لحاجة وضرورة ، فالأكثرون على جوازه ، مالك وغيره . وفي كتاب ابن حبيب منعه . وروى ابن بكير عن مالك عن يحيى بن سعيد أن معاذ بن جبل كانت له امرأتان ، فإذا كان يوم هذه لم يشرب من بيت الأخرى الماء . قال ابن بكير : وحدثنا مالك عن يحيى بن سعيد أن معاذ بن جبل كانت له امرأتان ماتتا في الطاعون . فأسهم بينهما أيهما تدلى أولا .التاسعة : قال مالك : ويعدل بينهن في النفقة والكسوة إذا كن معتدلات الحال ، ولا يلزم ذلك في المختلفات المناصب . وأجاز مالك أن يفضل إحداهما في الكسوة على غير وجه الميل . فأما الحب والبغض فخارجان عن الكسب فلا يتأتى العدل فيهما ، وهو المعني بقوله صلى الله عليه وسلم في قسمه اللهم هذا فعلي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك . أخرجه النسائي وأبو داود عن عائشة رضي الله عنها . وفي كتاب أبي داود ( يعني القلب ) ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم وقوله تعالى : والله يعلم ما في قلوبكم . وهذا هو وجه تخصيصه بالذكر هنا ، تنبيها منه لنا على أنه يعلم ما في قلوبنا من ميل بعضنا إلى بعض من عندنا من النساء دون بعض ، وهو العالم بكل شيء لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء يعلم السر وأخفى لكنه سمح في ذلك ، إذ لا يستطيع العبد أن يصرف قلبه عن ذلك الميل ، وإلى ذلك يعود قوله : وكان الله غفورا رحيما . وقد قيل في قوله : ذلك أدنى أن تقر أعينهن وهي :العاشرة : أي ذلك أقرب ألا يحزن إذا لم يجمع إحداهن مع الأخرى ويعاين الأثرة والميل . وروى أبو داود عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من كانت له امرأتان فمال إلى [ ص: 198 ] إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل ويرضين بما آتيتهن كلهن توكيد للضمير ، أي ويرضين كلهن . وأجاز أبو حاتم والزجاج ويرضين بما آتيتهن كلهن على التوكيد للمضمر الذي في ( آتيتهن ) . والفراء لا يجيزه ؛ لأن المعنى ليس عليه ، إذ كان المعنى وترضى كل واحدة منهن ، وليس المعنى بما أعطيتهن كلهن . النحاس : والذي قاله حسن .الحادية عشرة : قوله تعالى : والله يعلم ما في قلوبكم خبر عام ، والإشارة إلى ما في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من محبة شخص دون شخص . وكذلك يدخل في المعنى أيضا المؤمنون . وفي البخاري عن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل ، فأتيته فقلت : أي الناس أحب إليك ؟ فقال : ( عائشة ) فقلت : من الرجال ؟ قال : ( أبوها ) قلت : ثم من ؟ قال : ( عمر بن الخطاب . . ) فعد رجالا . وقد تقدم القول في القلب بما فيه كفاية في أول ( البقرة ) ، وفي أول هذه السورة . يروى أن لقمان الحكيم كان عبدا نجارا قال له سيده : اذبح شاة وائتني بأطيبها بضعتين ، فأتاه باللسان والقلب . ثم أمره بذبح شاة أخرى فقال له : ألق أخبثها بضعتين ، فألقى اللسان والقلب . فقال : أمرتك أن تأتيني بأطيبها بضعتين فأتيتني باللسان والقلب ، وأمرتك أن تلقي بأخبثها بضعتين فألقيت اللسان والقلب ؟ فقال : ليس شيء أطيب منهما إذا طابا ، ولا أخبث منهما إذا خبثا .
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آَتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (51){ تُرْجِى مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وتؤوى إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ وَمَنِ ابتغيت مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أدنى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلاَ يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَآ ءَاتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ والله يَعْلَمُ مَا فِى قلُوبِكُمْ وَكَانَ الله عَلِيماً حَلِيماً } .استئناف بياني ناشىء عن قوله : { إنا أحللنا لك أزواجك } إلى قوله : { لكيلا يكون عليك حرج } [ الأحزاب : 50 ] فإنه يثير في النفس تطلباً لبيان مدى هذا التحليل . والجملةُ خبر مستعمل في إنشاء تحليل الإِرجاء والإِيواء لمن يشاء النبي صلى الله عليه وسلموالإِرجاء حقيقته : التأخير إلى وقت مستقبل . يقال : أرجأت الأمر وأرجيْته مهموزاً ومخففاً ، إذا أخرته .وفعله ينصرف إلى الأحوال لا الذوات ، فإذا عدي فعله إلى اسم ذات تعين انصرافه إلى وصف من الأوصاف المناسبة والتي تراد منها ، فإذا قلت : أرجأت غريمي ، كان المراد : أنك أخرت قضاء دينه إلى وقت يأتي .والإِيواء : حقيقته جعل الشيء آوياً ، أي راجعاً إلى مكانه . يقال : آوى ، إذا رجع إلى حيث فارق ، وهو هنا مجاز في مطلق الاستقرار سواء كان بعد إبعاد أم بدونه ، وسواء كان بعد سبق استقرار بالمكان أم لم يكن .ومقابلة الإِرجاء بالإِيواء تقتضي أن الإِرجاء مراد منه ضد الإِيواء أو أن الإِيواء ضد الإِرجاء وبذلك تنشأ احتمالات في المراد من الإِرجاء والإِيواء صريحهما وكنايتهما .فضمير { منهن } عائد إلى النساء المذكورات ممن هن في عصمته ومن أحل الله له نكاحهن غيرهن من بنات عمه وعماته وخاله وخالاته ، والواهبات أنفسهن ، فتلك أربعة أصناف :الصنف الأول : وهنّ اللاء في عصمة النبي عليه الصّلاة والسّلام فهن متصلن به فإرجاء هذا الصنف ينصرف إلى تأخير الاستمتاع إلى وقت مستقبل يريده ، والإِيواء ضده . فيتعين أن يكون الإِرجاء منصرفاً إلى القَسْم فوسع الله على نبيئه صلى الله عليه وسلم بأن أباح له أن يسقط حق بعض نسائه في المبيت معهن فصار حق المبيت حقاً له لا لهن بخلاف بقية المسلمين ، وعلى هذا جرى قول مجاهد وقتادة وأبي رزين ، قاله الطبري .وقد كانت إحدى نساء النبي صلى الله عليه وسلم أسقطت عنه حقها في المبيت وهي سودة بنت زمعة ، وهبت يومها لعائشة فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة بيومها ويوم سودة وكان ذلك قبل نزول هذه الآية ، ولما نزلت هذه الآية صار النبي عليه الصلاة والسلام مخيراً في القسم لأزواجه . وهذا قول الجمهور ، قال أبو بكر بن العربي : وهو الذي ينبغي أن يعول عليه . وهذا تخيير للنبيء صلى الله عليه وسلم إلا أنه لم يأخذ لنفسه به تكرماً منه على أزواجه . قال الزهري . ما علمنا أن رسول الله أرجأ أحداً من أزواجه بل آواهن كلَّهن .قال أبو بكر بن العربي : وهو المعنى المراد . وقال أبو رَزين العُقيلي : أرجأ ميمونة وسَودة وجويرية وأم حبيبة وصفية ، فكان يقسم لهن ما شاء ، أي دون مساواة لبقية أزواجه . وضعفه ابن العربي .وفسر الإِرجاء بمعنى التطليق ، والإِيواءُ بمعنى الإِبقاء في العصمة ، فيكون إذناً له بتطليق من يشاء تطليقها وإطلاق الإِرجاء على التطليق غريب .وقد ذكروا أقوالاً أخر وأخباراً في سبب النزول لم تصح أسانيدها فهي آراء لا يوثق بها . ويشمل الإِرجاء الصنف الثاني وهن ما ملكت يمينه وهو حكم أصلي إذ لا يجب للإِماء عدل في المعاشرة ولا في المبيت .ويشمل الإِرجاء الصنف الثالث وهن : بنات عمه وبنات عماته وبنات خاله وبنات خالاته ، فالإِرجاء تأخير تزوج مَن يحلّ منهن ، والإِيواء العقد على إحداهن ، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج واحدة بعد نزول هذه الآية ، وذلك إرجاء العمل بالإِذن فيهن إلى غير أجل معين .وكذلك إرجاء الصنف الرابع اللاء وهَبْن أنفسهن ، سواء كان ذلك واقعاً بعد نزول الآية أم كان بعضه بعد نزولها فإرجاؤهن عدم قبول نكاح الواهبة ، عُبر عنه بالإِرجاء إبقاء على أَملها أن يقبلها في المستقبل ، وإيواؤهن قبول هبتهن .قرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم وأبو جعفر وخلف { ترجي } بالياء التحتية في آخره مخَّفف ( تُرجىء ) المهموز . وقرأه ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم ويعقوب { ترجىءُ } بالهمز في آخره . وقال الزجاج : الهمز أجود وأكثر . والمعنى واحد .واتفق الرواة على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستعمل مع أزواجه ما أبيح له أخذاً منه بأفضل الأخلاق ، فكان يعدل في القسم بين نسائه ، إلاّ أن سَودة وهبت يومها لعائشة طلباً لمسرّة رسول الله صلى الله عليه وسلموأما قوله : { ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك } فهذا لبياننِ أن هذا التخيير لا يوجب استمرار ما أخذ به من الطرفين المخيَّرِ بينهما ، أي لا يكون عمله بالعزل لازمَ الدوام بمنزلة الظهار والإِيلاء ، بل أَذن الله أن يرجع إلى من يعزلها منهن ، فصرح هنا بأن الإِرجاء شامل للعزل .ففي الكلام جملة مقدرة دل عليها قوله : { ابتغيت } إذ هو يقتضي أنه ابتغى إبطال عزلها ، فمفعول { ابتغيت } محذوف دل عليه قوله : { وتؤوي إليك من تشاء } كما هو مقتضى المقابلة بقوله : { ترجي من تشاء } ، فإن العزل والإِرجاء مؤداهما واحد .والمعنى : فإن عزلْتَ بالإِرجاء إحداهن فليس العزل بواجب استمراره بل لك أن تعيدها إن ابتَغَيْتَ العود إليها ، أي فليس هذا كتخيير الرجل زوجه فتختار نفسها المقتضي أنها تَبِين منه . ومتعلق الجُناح محذوف دل عليه قوله : { ابتغيت } أي ابتغيت إيواءها فلا جناح عليك من إيوائها .و { من } يجوز أن تكون شرطية وجملة { فلا جناح عليك } جواب الشرط . ويجوز أن تكون موصولة مبتدأ فإن الموصول يعامل معاملة الشرط في كلامهم بكثرة إذا قصد منه العموم فلذلك يقترن خبر الموصول العام بالفاء كثيراً كقوله تعالى :{ فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه } [ البقرة : 203 ] ، وعليه فجملة { فلا جناح عليك } خبر المبتدأ اقترن بالفاء لمعاملة الموصول معاملة الشرط ومفعول { عزلت } محذوف عائد إلى { مَن } أي التي ابتغيتها ممن عزلتهن وهو من حذف العائد المنصوب .{ ذَلِكَ أدنى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلاَ يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَآ ءَاتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ والله يَعْلَمُ مَا فِى قلُوبِكُمْ وَكَانَ الله عَلِيمًا حَلِيمًا } .الإِشارة إلى شيء مما تقدم وهو أقربه ، فيجوز أن تكون الإشارة إلى معنى التفويض المستفاد من قوله : { ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء } ، ويجوز أن تكون الإشارة إلى الابتغاء المتضمن له فعل { ابتغيت } أي فلا جناح عليك في ابتغائهن بعد عزلهن ذلك أدنى لأن تقرَّ أعينهُنّ . والابتغاء : الرغبة والطلب ، والمراد هنا ابتغاء معاشرة مَن عَزلَهن .فعلى الأول يكون المعنى أن في هذا التفويض جعل الحق في اختيار أحد الأمرين بيد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبق حقاً لهن فإذا عين لإِحداهن حالة من الحالين رضيته به لأنه يجعل الله تعالى على حكم قوله : { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن تكون لهم الخيرة من أمرهم } [ الأحزاب : 36 ] فقرت أعين جميعهن بما عُينت لكل واحدة لأن الذي يعلم أنه لا حق له في شيء كان راضياً بما أوتي منه ، وإن علم أنّ له حقاً حسب أن ما يؤتاه أقل من حقه وبالغ في استيفائه . وهذا التفسير مروي عن قتادة وتبعه الزمخشري وابن العربي والقرطبي وابن عطية ، وهذا يلائم قوله : { ويرضين } ولا يلائم قوله : { أن تقر أعينهن } لأن قرة العين إنما تكون بالأمر المحبوب ، وقوله : { ولا يحزن } لأن الحزن من الأمر المكدّر ليس باختياري كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " فلا تَلمنِي فيما لا أملك " . وعلى الوجه الثاني يكون المعنى : ذلك الابتغاء بعد العزل أقرب لأن تَقَرَّ أعين اللاتي كنت عزلتَهُن . ففي هذا الوجه ترغيب للنبي صلى الله عليه وسلم في اختيار عدم عزلهن عن القسم وهو المناسب لقوله : { أن تقر أعينهن ولا يحزن } كما علمت آنفاً ، ولقوله : «ويرضَيْنَ كلُّهن» ، ولما فيما ذكر من الحسنات الوافرة التي يرغب النبي صلى الله عليه وسلم في تحصيلها لا محالة وهي إدخال المسرّة على المسلم وحصول الرضى بين المسلمين وهو مما يعزّز الأخوة الإسلامية المرغب فيها . ونقل قريب من هذا المعنى عن ابن عباس ومجاهد واختاره أبو علي الجبّائي وهو الأرجح لأن قرة العين لا تحصل على مضض ولأن الحط في الحق يوجب الكدر . ويؤيده أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأخذ إلا به ولم يحفظ عنه أنه آثر إحدى أزواجه بليلة سوى ليلة سودة التي وهبتها لعائشة ، استمر ذلك إلى وفاته صلى الله عليه وسلم وقد جاء في الصحيح أنه كان في مرضه الذي توفي فيه يُطاف به كل يوم على بيوت أزواجه ، وكان مبدأ شكواه في بيت ميمونة إلى أن جاءت نوبة ليلة عائشة فأذِنَّ له أزواجُه أن يمرض في بيتها رفقاً به .وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال حين قَسَم لَهُن " اللهم هذه قسمتي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك " ولعل ذلك كان قبل نزول التفويض إليه بهذه الآية .وفي قوله : { ويرضين بما آتيتهن كلهن } إشارة إلى أن المراد الرضى الذي يتساوَيْن فيه وإلا لم يكن للتأكيد ب { كلهن } نكتة زائدة ، فالجمع بين ضميرهن في قوله : { كلهن } يومىء إلى رضى متساوٍ بينهن .وضميرا { أعينهن ولا يحزن } عائدان إلى ( مَن ) في قوله : { ممن عزلت } . وذكر { ولا يحزن } بعد ذكر { أن تقر أعينهن } مع ما في قُرّة العين من تضمّن معنى انتفاء الحزن بالإيماء إلى ترغيب النبي صلى الله عليه وسلم في ابتغاء بقاء جميع نسائه في مواصلته لأن في عزل بعضهن حزناً للمعزولات وهو بالمؤمنين رؤوف لا يحب أن يُحْزِن أحداً .و { كلهن } توكيد لضمير { يَرْضَيْنَ } أو يتنازعه الضمائر كلّها .والإِيتاء : الإِعطاء وغلب على إعطاء الخير إذا لم يذكر مفعوله الثاني ، أو ذكر غير معيّن كقوله : { فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين } [ الأعراف : 144 ] ، فإذا ذكر مفعوله الثاني فالغالب أنه ليس بسوء . ولم أره يستعمل في إعطاء السوء فلا تقول : آتاه سجناً وآتاه ضرباً ، إلا في مقام التهكم أو المشاكلة ، فما هنا من القبيل الأول ، ولهذا يبعد تفسيره بأنهن يرضين بما أذِن الله فيه لرسوله من عزلهن وإرجائهن . وتوجيهه في «الكشاف» تكلف .والتذييل بقوله : { والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليماً حليماً } كلام جامع لمعنى الترغيب والتحذير ففيه ترغيب النبي صلى الله عليه وسلم في الإِحسان بأزواجه وإمائه والمتعرضات للتزوج به ، وتحذير لهن من إضمار عدم الرضى بما يلقَيْنَه من رسول الله صلى الله عليه وسلموفي إجراء صفتي { عليماً حليماً } على اسم الجلالة إيماء إلى ذلك ، فمناسبة صفة العلم لقوله : { والله يعلم ما في قلوبكم } ظاهرة ، ومناسبة صفة الحليم باعتبار أن المقصود ترغيب الرسول صلى الله عليه وسلم في أليق الأحوال بصفة الحليم لأن همه صلى الله عليه وسلم التخلق بخلق الله تعالى وقد أجرى الله عليه صفات من صفاته مثل رؤوف رحيم ومثل شاهد . وقالت عائشة رضي الله عنها : ما خُيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين شيئين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً . ولهذا لم يأخذ رسول الله بهذا التخيير في النساء اللاتي كنّ في معاشرته ، وأخذ به في الواهبات أنفسهن مع الإحسان إليهن بالقول والبذل فإن الله كتب الإحسان على كل شيء . وأخذ به في ترك التزوج من بنات عمه وعماته وخاله وخالاته لأن ذلك لا حرج فيه عليهن .
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
وقوله - عز وجل - ( تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وتؤوي إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ ) شروع فى بيان جانب آخر من التوسعة التى وسعها - سبحانه - لنبيه صلى الله عليه وسلم فى معاشرته لنسائه ، بعد بيان ما أحله له من النساء .وقوله : ( تُرْجِي ) من الإِرجاء بمعنى التأخير والتنحية ، وقرئ مهموزا وغير مهموز . تقول : أرجيت الأمر وأرجأته ، إذا أخرته ، ونحيته جانبا حتى يحين موعده المناسب .وقوله : ( وتؤوي ) من الإِيواء بمعنى الضمر والتقريب ، ومنه قوله - تعالى - : ( وَلَمَّا دَخَلُواْ على يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخَاهُ . . ) أى : ضمة إليه وقربه منه .والضمير فى قوله ( مِنْهُنَّ ) يعود إلى زوجاته صلى الله عليه وسلم اللائى كن فى عصمته .قال القرطبى ما ملخصه : واختلف العلماء فى تأويل هذه الآية ، وأصح ما قيل فيها : التوسعة على النبى صلى الله عليه وسلم فى ترك القَسْم ، فكان لا يجب عليه القسم بين زوجاته .وهذا القول هو الذى يناسب ما مضى ، وهو الذى ثبت معناه فى الصحيح ، عن عائشة - رضى الله عنها - قالت : كنت أغار على اللائى وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأقول : أو تهب المرأة نفسها لرجل؟ فلما أنزل الله - تعالى - : ( تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ . . . ) .قالت : قلت : والله ما رأى ربك إلا يسارع فى هواك .قال ابن العربى : هذا الذى ثبت فى الصحيح هو الذى ينبغى أن يعول عليه . والمعنى المراد : هو أن النبى صلى الله عليه وسلم كان مخيرا فى أزواجه ، إن شاء أن يقسم قسم ، وإن شاء أن يترك القسم ترك . لكنه كان يقسم من جهة نفسه ، تطييبا لنفوس أزواجه .وقيل كان القسم واجبا عليه ثم نسخ الوجوب بهذه الآية .وقيل : الآية فى الطلاق . أى : تطلق من تشاء منهن وتؤوى إليك من تشاء .وقيل : المراد بالآية : الواهبات أنفسهن له صلى الله عليه وسلم .ثم قال القرطبى : وعلى كل معنى ، فالآية معناها التوسعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والإِباحة ، وما اخترناه أصح والله أعلم .أى : لقد وسعنا عليك - أيها الرسول الكريم - فى معاشرة نسائك ، فأبحنا لك أن تؤخر المبيت عند من شئت منهن ، وأن تضم إليك من شئت منهن ، بدون التقيد بوجوب القسم بينهن ، كما هو الشأن بالنسبة لأتباعك حيث أوجبنا عليهم العدل بين الأزواج فى البيوتة وما يشبهها .ومع هذا التكريم من الله - تعالى - لنبيه ، إلا أنه صلى الله عليه وسلم كان يقسم بينهن إلى أن لحق بربه؟ عدا السيدة سودة ، فإنها قد وهبت ليلتها لعائشة . .أخرج البخارى عن عائشة رضى الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم كان يستأذن فى يوم المرأة منا بعد أن نزلت هذه الآية ترجى من تشاء منهن . .فقيل : لها ما كنت تقولين؟ فقالت : كنت أقول : إن كان ذاك إليَّ فإنى لا أريد يا رسول الله أن أوثر عليك أحدا .وقوله - تعالى - : ( وَمَنِ ابتغيت مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ ) . زيادة فى التوسعة عليه صلى الله عليه وسلم وفى ترك الأمر لإرادته واختياره .أى : أبحنا لك - أيها الرسول الكريم - أن تقسم بين نسائك ، وأن تترك القسمة بينهن ، وأبحنا لك - أيضا - أن تعود إلى طلب من اجتنبت مضاجعتها إذ لا حرج عليك فى كل ذلك . بعد أن فوضنا الأمر إلى مشيئتك واختيارك .فالابتغاء بمعنى الطلب ، وعزلت اجتنبت واعتزلت وابتعدت ، و ( مَّنْ ) شرطية ، وجوابها : ( فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ ) أى : فلا حرج ولا إثم عليك فى عدم القسمة بين أزواجك ، وفى طلب إيواء من سبق لك أن اجتنبتها .قال الشوكانى : والحاصل أن الله - سبحانه - فوض الأمر إلى رسوله صلى الله عليه وسلم كى يصنع مع زوجاته ما شاء ، من تقديم وتأخير ، وعزل وإمساك ، وضم من أرجأ ، وإرجاء من ضم إليه ، وما شاء فى أمرهن فعل توسعة عليه ، ونفيا للحرج عنه .وإسم الإشارة فى قوله : ( ذَلِكَ أدنى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلاَ يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَآ آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ . . . ) يعود إلى ما تضمنه الكلام السابق من تفويض أمر الإِرجاء والإِيواء إلى النبى صلى الله عليه وسلم .وأدنى بمعنى أقرب . ( تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ ) كناية عن تقبل ما يفعله معهن برضا وارتياح نفس . يقال قرت عين فلان ، إذا رأت ما ترتاح لرؤيته ، مأخوذ من ا لقرار بمعنى الاستقرار والسكون . .وقوله : ( وَلاَ يَحْزَنَّ ) معطوف على ( أَن تَقَرَّ ) وقوله ( وَيَرْضَيْنَ ) معطوف عليه - أيضا - .والمعنى ، ذلك شرعناه لكل من تفويض الأمر اليك فى شأن أزاجك ، أقرب إلى رضى نفوسهن لما تصنعه معهن ، واقرب إلى عدم حزنهن وإلى قبولهن لما تفعله معهن ، لأنهن يعلمن أن ما تفعله معهن إنما هو من الله - تعالى - وليس باجتهاد منك ، ومتى علمن ذلك طابت نفوسهن سواء ويت بينهن فى القسم والبيتوتة والمجامعة . . أم لم تسو .قال القرطبى : قال قتادة وغيره : أى : ذلك التخيير ذلك خيرناك فى حصبتهن أدنى إلى رضاهن ، إذ كان من عندنا - لا من عندك - ، لأنهن إذا علمت أن الفعل من الله قرت أعينهن بذلك ورضين . .وكان - عليه الصلاة والسلام - مع هذا يشدد على نفسه فى رعاية التسوية بينهن ، تطييبا لقلوبهن ويقول : " اللهم هذه قدرتى فيما أملك ، فلا تلمنى فيما تملك ولا أملك " .وقوله - سبحانه - ( والله يَعْلَمُ مَا فِي قلُوبِكُمْ ) خطاب للنبى صلى الله عليه وسلم ولأزواجه ، ويندرج فيه جميع المؤمنين والمؤمنات وجمع بجمع الذكور للتغليب .أى : والله - تعالى - يعلم ما فى قلوبكم من حب وبغض ، ومن ميل إلى شئ ، ومن عدم الميل إلى شئ آخر .قال صاحب الكشاف : وفى هذه الجملة وعيد لمن لم ترض منهن بما دبر الله - تعالى - من ذلك ، وبعث على تواطؤ قلوبهن والتصافى بينهن ، والتوافق على طلب رضا رسولا لله صلى الله عليه وسلم وما فيه طيب نفسه .( وَكَانَ الله ) - تعالى - ( عَلِيماً ) بكل ما تظهره القلوب وما تسره ( حَلِيماً ) حيث لم يعاجل عباده بالعقوبة قبل الإرشاد والتعليم .
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
( ترجي ) أي : تؤخر ( من تشاء منهن وتؤوي ) أي : تضم ( إليك من تشاء )اختلف المفسرون في معنى الآية : فأشهر الأقاويل أنه في القسم بينهن ، وذلك أن التسوية بينهن في القسم كانت واجبا عليه ، فلما نزلت هذه الآية سقط عنه وصار الاختيار إليه فيهن .قال أبو رزين ، وابن زيد نزلت هذه الآية حين غار بعض أمهات المؤمنين على النبي - صلى الله عليه وسلم - وطلب بعضهن زيادة النفقة ، فهجرهن النبي - صلى الله عليه وسلم - شهرا حتى نزلت آية التخيير ، فأمره الله - عز وجل - أن يخيرهن بين الدنيا والآخرة وأن يخلي سبيل من اختارت الدنيا ويمسك من اختارت الله ورسوله والدار الآخرة ، على أنهن أمهات المؤمنين ولا ينكحن أبدا ، وعلى أنه يؤوي إليه من يشاء منهن ، ويرجي من يشاء ، فيرضين به قسم لهن أو لم يقسم ، أو قسم لبعضهن دون بعض ، أو فضل بعضهن في النفقة والقسمة ، فيكون الأمر في ذلك إليه يفعل كيف يشاء ، وكان ذلك من خصائصه فرضين بذلك واخترنه على هذا الشرط .واختلفوا في أنه هل أخرج أحدا منهم عن القسم ؟ فقال بعضهم : لم يخرج أحدا ، بل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع ما جعله الله له من ذلك - يسوي بينهن في القسم إلا سودة فإنها رضيت بترك حقها من القسم ، وجعلت يومها لعائشة .وقيل : أخرج بعضهن .روى جرير عن منصور عن أبي رزين قال : لما نزل التخيير أشفقن أن يطلقهن ، فقلن : يا نبي الله اجعل لنا من مالك ونفسك ما شئت ودعنا على حالنا ، فنزلت هذه الآية ، فأرجى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعضهن وآوى إليه بعضهن ، وكان ممن آوى إليه عائشة ، وحفصة ، وزينب ، وأم سلمة ، فكان يقسم بينهن سواء ، وأرجى منهن خمسا : أم حبيبة ، وميمونة ، وسودة ، وصفية وجويرية ، فكان يقسم لهن ما شاء .وقال مجاهد : " ترجي من تشاء منهن " يعني : تعزل من تشاء منهن بغير طلاق ، وترد إليك من تشاء بعد العزل بلا تجديد عقد .وقال ابن عباس : تطلق من تشاء منهن وتمسك من تشاء .وقال الحسن : تترك نكاح من شئت وتنكح من شئت من نساء أمتك .وقال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا خطب امرأة لم يكن لغيره خطبتها حتى يتركها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .وقيل : تقبل من تشاء من المؤمنات اللاتي يهبن أنفسهن لك فتؤويها إليك وتترك من تشاء فلا تقبلها .أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا محمد بن سلام ، أخبرنا ابن فضيل ، أخبرنا هشام عن أبيه قال : كانت خولة بنت حكيم من اللائي وهبن أنفسهن للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت عائشة : أما تستحي المرأة أن تهب نفسها للرجل ؟ فلما نزلت : ( ترجي من تشاء منهن ) قلت : يا رسول الله ما أرى ربك إلا يسارع في هواك .قوله - عز وجل - : ( ومن ابتغيت ممن عزلت ) أي : طلبت وأردت أن تؤوي إليك امرأة ممن عزلتهن عن القسم ( فلا جناح عليك ) لا إثم عليك ، فأباح الله له ترك القسم لهن حتى إنه ليؤخر من يشاء منهن في نوبتها ويطأ من يشاء منهن في غير نوبتها ، ويرد إلى فراشه من عزلها تفضيلا له على سائر الرجال ( ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ) أي : التخيير الذي خيرتك في صحبتهن أقرب إلى رضاهن وأطيب لأنفسهن وأقل لحزنهن إذا علمن أن ذلك من الله - عز وجل - ( ويرضين بما آتيتهن ) أعطيتهن ) ( كلهن ) من تقرير وإرجاء وعزل وإيواء ( والله يعلم ما في قلوبكم ) من أمر النساء والميل إلى بعضهن ( وكان الله عليما حليما )