تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
قد سمع الله قول خولة بنت ثعلبة التي تراجعت في شأن زوجها أوس بن الصامت، وفيما صدر عنه في حقها من الظِّهار، وهو قوله لها: "أنت عليَّ كظهر أمي"، أي: في حرمة النكاح، وهي تتضرع إلى الله تعالى؛ لتفريج كربتها، والله يسمع تخاطبكما ومراجعتكما. إن الله سميع لكل قول، بصير بكل شيء، لا تخفى عليه خافية.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
«قد سمع الله قول التي تجادلك» تراجعك أيها النبي «في زوجها» المظاهر منها وكان قال لها: أنت عليَّ كظهر أمي، وقد سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأجابها بأنها حرمت عليه على ما هو المعهود عندهم من أن الظهار موجبه فرقة مؤبدة وهي خولة بنت ثعلبة، وهو أوس بن الصامت «وتشتكي إلى الله» وحدتها وفاقتها وصبية صغارا إن ضمتهم إليه ضاعوا أو إليها جاعوا «والله يسمع تحاوركما» تراجعكما «إن الله سميع بصير» عالم.
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
وهي اثنتان وعشرون آيةمدنية في قول الجميع . إلا رواية عن عطاء : أن العشر الأول منها مدني وباقيها مكي ، وقال الكلبي : نزل جميعها بالمدينة غير قوله تعالى : ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم نزلت بمكة .بسم الله الرحمن الرحيمقد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصيرفيه مسألتان :الأولى : قوله تعالى : قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله التي اشتكت إلى الله هي خولة بنت ثعلبة . وقيل : بنت حكيم . وقيل اسمها جميلة . وخولة أصح ، وزوجها أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت ، وقد مر بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته والناس معه على حمار ، فاستوقفته طويلا ، ووعظته وقالت : يا عمر قد كنت تدعى عميرا ، ثم قيل لك : عمر ، ثم قيل لك : أمير المؤمنين ، فاتق الله يا عمر ، فإنه من أيقن بالموت خاف الفوت ، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب ، وهو واقف يسمع كلامها ، فقيل له : يا أمير المؤمنين ، أتقف لهذه العجوز هذا الوقوف ؟ فقال : والله لو حبستني من أول النهار إلى آخره لا زلت إلا للصلاة المكتوبة ، أتدرون من هذه العجوز ؟ هي خولة بنت ثعلبة سمع الله [ ص: 243 ] قولها من فوق سبع سموات ، أيسمع رب العالمين قولها ولا يسمعه عمر ؟ وقالت عائشة رضي الله عنها : تبارك الذي وسع سمعه كل شيء ، إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى علي بعضه ، وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي تقول : يا رسول الله ! أكل شبابي ونثرت له بطني ، حتى إذا كبر سني وانقطع ولدي ظاهر مني ، اللهم إني أشكو إليك ! فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الآية : قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله خرجه ابن ماجه في السنن . والذي في البخاري من هذا عن عائشة قالت : الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات ، لقد جاءت المجادلة تشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنا في ناحية البيت ما أسمع ما تقول ، فأنزل الله عز وجل : قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها . وقال الماوردي : هي خولة بنت ثعلبة . وقيل : بنت خويلد . وليس هذا بمختلف ، لأن أحدهما أبوها والآخر جدها فنسبت إلى كل واحد منهما . وزوجها أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت . وقال الثعلبي قال ابن عباس : هي خولة بنت خويلد . الخزرجية ، كانت تحت أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت ، وكانت حسنة الجسم ، فرآها زوجها ساجدة فنظر عجيزتها فأعجبه أمرها ، فلما انصرفت أرادها فأبت فغضب عليها ، قال عروة : وكان امرأ به لمم فأصابه بعض لممه فقال لها : أنت علي كظهر أمي . وكان الإيلاء والظهار من الطلاق في الجاهلية ، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها : حرمت عليه فقالت : والله ما ذكر طلاقا ، ثم قالت : أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي ووحشتي وفراق زوجي وابن عمي وقد نفضت له بطني ، فقال : حرمت عليه ، فما زالت تراجعه ويراجعها حتى نزلت عليه الآية . وروى الحسن : أنها قالت : يا رسول الله ! قد نسخ الله سنن الجاهلية ، وإن زوجي ظاهر مني ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أوحي إلي في هذا شيء فقالت : يا رسول الله ، أوحي إليك في كل شيء وطوي عنك هذا ؟ ! فقال : هو ما قلت لك فقالت : إلى الله أشكو لا إلى رسوله . فأنزل الله : قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله الآية . وروى [ ص: 244 ] الدارقطني من حديث قتادة أن أنس بن مالك حدثه قال : إن أوس بن الصامت ظاهر من امرأته خويلة بنت ثعلبة فشكت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : ظاهر حين كبرت سني ورق عظمي . فأنزل الله تعالى آية الظهار ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأوس : اعتق رقبة قال : مالي بذلك يدان . قال : فصم شهرين متتابعين قال : أما إني إذا أخطأني أن آكل في يوم ثلاث مرات يكل بصري . قال : فأطعم ستين مسكينا قال : ما أجد إلا أن تعينني منك بعون وصلة . قال : فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر صاعا حتى جمع الله له ، والله غفور رحيم . إن الله سميع بصير قال : فكانوا يرون أن عنده مثلها وذلك لستين مسكينا ، وفي الترمذي وسنن ابن ماجه : أن سلمة بن صخر البياضي ظاهر من امرأته ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : اعتق رقبة قال : فضربت صفحة عنقي بيدي . فقلت : لا والذي بعثك بالحق ما أصبحت أملك غيرها . قال : فصم شهرين فقلت : يا رسول الله ! وهل أصابني ما أصابني إلا في الصيام . قال : فأطعم ستين مسكينا الحديث . وذكر ابن العربي في أحكامه : روي أن خولة بنت دليح ظاهر منها زوجها ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : قد حرمت عليه فقالت : أشكو إلى الله حاجتي . ثم عادت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حرمت عليه فقالت : إلى الله أشكو حاجتي إليه وعائشة تغسل شق رأسه الأيمن ، ثم تحولت إلى الشق الآخر وقد نزل عليه الوحي ، فذهبت أن تعيد ، فقالت عائشة : اسكتي فإنه قد نزل الوحي . فلما نزل القرآن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزوجها : اعتق رقبة قال : لا أجد . قال : صم شهرين متتابعين قال : إن لم آكل في اليوم ثلاث مرات خفت أن يعشو بصري . قال : فأطعم ستين مسكينا . قال : فأعني . فأعانه بشيء . قال أبو جعفر النحاس : أهل التفسير على أنها خولة وزوجها أوس بن الصامت ، واختلفوا في نسبها ، قال بعضهم : هي أنصارية وهي بنت ثعلبة ، وقال بعضهم : هي بنت دليح ، وقيل : هي بنت خويلد ، وقال بعضهم : هي بنت الصامت ، وقال بعضهم : هي أمة كانت لعبد الله بن أبي ، وهي التي أنزل الله فيها ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لأنه كان يكرهها على الزنى . وقيل : هي بنت حكيم . قال النحاس : وهذا ليس [ ص: 245 ] بمتناقض ، يجوز أن تنسب مرة إلى أبيها ، ومرة إلى أمها ، ومرة إلى جدها ، ويجوز أن تكون أمة كانت لعبد الله بن أبي فقيل لها : أنصارية بالولاء ، لأنه كان في عداد الأنصار وإن كان من المنافقين .قرئ " قد سمع الله " بالادغام ، و " قد سمع الله " بالإظهار . والأصل في السماع إدراك المسموعات ، وهو اختيار الشيخ أبي الحسن . وقال ابن فورك : الصحيح أنه إدراك المسموع .قال الحاكم أبو عبد الله في معنى السميع : إنه المدرك للأصوات التي يدركها المخلقون بآذانهم من غير أن يكون له أذن ، وذلك راجع إلى أن الأصوات لا تخفى عليه ، وإن كان غير موصوف بالحس المركب في الأذن ، كالأصم من الناس لما لم تكن له هذه الحاسة لم يكن أهلا لإدراك الصوت . والسمع والبصر صفتان كالعلم والقدرة والحياة والإرادة ، فهما من صفات الذات لم يزل الخالق سبحانه وتعالى متصفا بهما . وشكى واشتكى بمعنى واحد .وقرئ " تحاورك " أي : تراجعك الكلام وتجادلك أي : تسائلك .
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1)افتتحت آيات أحكام الظهار بذكر سبب نزولها تنويهاً بالمرأة التي وجَّهت شَكواها إلى الله تعالى بأنها لم تقصّر في طلب العدل في حقها وحق بَنِيها . ولم ترضَ بعُنجهية زوجها وابتداره إلى ما ينثر عقد عائلته دون تبصّر ولا روية ، وتعليماً لنساء الأمة الإِسلامية ورجالها واجب الذود عن مصالحها .تلك هي قضية المرأة خولة أو خُويلة مصغراً أو جميلة بنت مالك بن ثعلبة أو بنت دُلَيْج ( مصغراً ) العَوْفية . وربما قالوا : الخزرجية ، وهي من بني عوف بن مالك بن الخزرج ، من بطون الأنصار مع زوجها أوس بن الصامت الخزرجي أخي عُبادة بن الصامت .قيل : إن سبب حدوث هذه القضية أن زوجها رآها وهي تصلي وكانت حسنة الجسم ، فلما سلمت أرادها فأبت فغضب وكان قد ساء خلقه فقال لها : أنتتِ عليّ كظهر أمي .قال ابن عباس : وكان هذا في الجاهلية تحريماً للمرأة مؤبَّداً ( أي وعمل به المسلمون في المدينة بعلم من النبي صلى الله عليه وسلم وإقراره الناس عليه فاستقرّ مشروعاً ) فجاءت خولة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكرت له ذلك ، فقال لها : حَرُمتتِ عليه ، فقالت للرسول صلى الله عليه وسلم إن لي صبية صغاراً إن ضممتهم إليه ضاعوا وإن ضممتهم إليّ جاعوا ، فقال : «ما عندي في أمرككِ شيء» ، فقالت : يا رسول الله ما ذكَر طلاقاً . وإنما هو أبو وَلَدِي وأحب الناس إليّ فقال : «حَرُمتتِ عليه» . فقالت : أشكو إلى الله فاقتي ووجدي . كلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «حَرُمتتِ عليه» هتفت وشكت إلى الله ، فأنزل الله هذه الآيات .وهذا الحديث رواه داود في كتاب الظهار مجملاً بسند صحيح . وأما تفصيل قصته فمن روايات أهل التفسير وأسباب النزول يزيد بعضها على بعض ، وقد استقصاها الطبري بأسانيده عن ابن عباس وقتادة وأبي العالية ومحمد بن كعب القرظي وكلها متفقة على أن المرأة المجادِلة خولة أو خويلة أو جميلة ، وعلى أن زوجها أَوس بن الصامت .وروى الترمذي وأبو داود حديثاً في الظهار في قصة أخرى منسوبة إلى سَلمة بن صخر البَيَاضي تشبه قصة خولة أنه ظاهرَ من امرأته ظهاراً موقناً برمضان ثم غلبته نفسهُ فَوطئها واستفتى في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آخر القصة ، إلاّ أنهما لم يذكرا أن الآية نزلت في ذلك .وإنما نسب ابنُ عطية إلى النقاش أن الآية نزلت بسبب قصة سلمة ولا يعرف هذا لغيره . وَأحسب أن ذلك اختلاط بين القصتين وكيف يصح ذلك وصريح الآية أن السائلة امرأة والذي في حديث سلمة بن صخر أنه هو السائل .و { قد } أصله حرف تحقيق للخبر ، فهو من حروف توكيد الخبر ولكن الخطاب هنا للنبيء صلى الله عليه وسلم وهو لا يخامره تردد في أن الله يعلم ما قالته المرأة التي جادلت في زوجها .فتعيّن أن حرف { قد } هنا مستعمل في التوقع ، أي الإِشعار بحصول ما يتوقعه السامع . قال في «الكشاف» : لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمجادِلة كانا يتوقعان أن يسمع الله لمجادلتها وشكواها وينزل في ذلك ما يفرج عنها ا ه .ومعنى التوقع الذي يؤذن به حرف { قد } في مثل هذا يؤول إلى تنزيل الذي يَتوقع حصول أمر لشدة استشرافه له منزلةَ المتردد الطالب فتحقيق الخبر من تخريج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر لنكتة كما قالوا في تأكيد الخبر ب ( إنَّ ) في قوله تعالى : { ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون } [ المؤمنون : 27 ] إنه جُعل غير السائل كالسائل حيث قُدم إليه ما يلوِّح إليه بالخبر فيستشرف له استشراف الطالب المتردد . ولهذا جزم الرضيّ في «شرح الكافية» بأن { قَد } لا بدّ فيها من معنى التحقيق . ثم يضاف إليه في بعض المواضع معان أخرى .والسماع في قوله : { سمع } معناه الاستجابة للمطلوب وقبُوله بقرينة دخول { قد } التوقعية عليه فإن المتوقَّع هو استجابة شكواها .وقد استُحضرت المرأة بعنوان الصلة تنويهاً بمجادلتها وشكواها لأنها دلت على توكلها الصادق على رحمة ربها بها وبأبنائها وبزوجها .والمجادلة : الاحتجاج والاستدلال ، وتقدمت في قوله : { يجادلونك في الحق بعد ما تبين } في سورة [ الأنفال : 6 ] .والاشتكاء : مبالغة في الشكوى وهي ذكر ما آذاه ، يقال : شكا وتشكى واشتكى وأكثرها مبالغة . اشتكى ، والأكثر أن تكون الشكاية لقصد طلب إزالة الضرّ الذي يشتكي منه بحكم أو نصر أو إشارة بحيلةِ خلاص .وتعلق فعل التجادل بالكون في زوجها على نية مضاف معلوم من المقام في مثل هذا بكثرة : أي في شأن زوجها وقضيته كقوله تعالى : { يجادلنا في قوم لوط } [ هود : 74 ] ، وقوله : { ولا تخاطبني في الذين ظلموا } [ المؤمنون : 27 ] وهو من المسألة الملقبة في «أصول الفقه» بإضافة التحليل والتحريم إلى الأعْيان في نحو { حرمت عليكم الميتة } [ المائدة : 3 ] .والتحاور تفاعل من حار إذا أجاب . فالتحاور حصول الجواب من جانبين ، فاقتضت مراجعةً بين شخصين .والسماع في قوله : { والله يسمع تحاوركما } مستعمل في معناه الحقيقي المناسب لصفات الله إذ لا صارف يصرف عن الحقيقة . وكون الله تعالى عالماً بما جرى من المحاورة معلوم لا يراد من الإِخبار به إفادة الحكم ، فتعيّن صرف الخبر إلى إرادة الاعتناء بذلك التحاور والتنويه به وبعظيم منزلته لاشتماله على ترقّب النبي صلى الله عليه وسلم ما ينزله عليه من وحي ، وترقب المرأة الرحمةَ ، وإلا فإن المسلمين يعلمون أن الله عالم بتحاورهما .وجملة { والله يسمع تحاوركما } في موضع الحال من ضمير { تجادلك } . وجيء بصيغة المضارع لاستحضار حالة مقارنة علم الله لتحاورهما زيادة في التنويه بشأن ذلك التحاور .وجملة { الله سميع بصير } تذييل لجملة { والله يسمع تحاوركما } أي : أن الله عالم بكل صوت وبكل مرئيّ . ومن ذلك محاورة المجادلة ووقوعها عند النبي صلى الله عليه وسلم وتكرير اسم الجلالة في موضع إضماره ثلاث مرات لتربية المهابة وإثارة تعظيم منته تعالى ودواعي شكره .
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
ذكر المفسرون فى سبب نزول هذه الآيات روايات منها ما أخرجه الإمام أحمد عن يوسف بن عبد الله بن سلام ، عن خولة بنت ثعلبة قالت : فىَّ والله وفى - زوجى - أوس بن الصامت أنزل الله صدر سورة المجادلة .قالت : " كنت عنده ، وكان شيخا كبيرا قد ساء خلقه ، قالت : فدخل على يوما فراجعته بشىء فغضب ، فقال : أنت على كظهر أمى .قالت : ثم خرج فجلس فى نادى قومه ساعة ، ثم رجع ، فإذا هو يريدنى عن نفسى ، فقالت له : كلا والذى نفس خوله بيده لا تخلص إلىَّ ، وقلت ما قلت ، حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه .قالت : فواثبنى ، فامتنعت عنه ، فغلبته بما تغلب به المرأة الشيخ الضعيف فألقيته عنى .ثم خرجت إلى بعض جاراتى ، فاستعرت منها ثيابا ، ثم خرجت حتى جئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلست بين يديه ، فذكرت له - صلى الله عليه وسلم - ما لقيت من زوجى ، وجعلت أشكو إليه ما ألقى من سوء خلقه .قالت : فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " يا خويلة ، ابن عمك شيخ كبير فاتى الله فيه " .قالت : فوالله ما برحت حتى نزل فىَّ قرآن ، فتغشى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كان يتغشاه ، ثم سرى عنه ، فقال لى : " يا خويلة قد أنزل الله فيك وفى صاحبك قرآنا " . ثم قرأ على هذه الآيات " .وفى رواية : " أنها أتت النبى - صلى الله عليه وسلم - فقالت له : يا رسول الله ، إن أوساً تزوجنى وأنا شابة مرغوب فى ، فلما خلا سنى ، ونثرت بطنى ، جعلنى عليه كأمه ، وتركنى إلى غير أحد ، فإن كنت تجد لى رخصة يا رسول الله فحدثنى بها .فقال - صلى الله عليه وسلم - : " ما أمرت بشىء فى شأنك حتى الآن " وفى رواية أنه قال لها : " ما أراك إلا قد حرمت عليه " .فقالت : يا رسول الله ، إنه ما ذكر طلاقا ، وأخذت تجادل النبى - صلى الله عليه وسلم - ثم قالت : اللهم إنى أشكو إليك فافتى ، وشدة حالى ، وإنلى من زوجى أولاداً صغاراً ، إن ضمَّهم إليه ضاعوا ، وإن ضممتهم إلى جاعوا .قالت : وما برحت حتى نزل القرآن ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : " يا خولة أبشرى " ثم قرأ على هذه الآيات " .و " قد " فى قوله - تعالى - : ( قَدْ سَمِعَ . . . ) ؟قلت : " معناه التوقع ، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمجادلة كانا يتوقعان أن يسمع الله - تعالى - مجادلتها وشكواها ، وينزل فى ذلك ما يفرج كربها " .والسماع فى قوله - تعالى - : ( سَمِعَ ) بمعنى علم الله - تعالى - التام بما دار بين تلك المرأة ، وبين الرسول - صلى الله عليه وسلم - سبحانه - لشكواها ، وحكمه فى تلك المسألة ، بما يبطل ما كان شائعاً بشأنها قبل نزول هذه الآية .وقوله : ( تُجَادِلُكَ ) من المجادلة ، وهى المفاوضة على سبيلا المغالبة والمنازعة ، وأصلها من جدلت الحبل : إذا أحكمت فتله .وقوله : ( تشتكي ) من الشكو ، وأصله فتح الشَّكوة - وهى سقاء صغير يجعل فيه الماء - وإظهار ما فيها ، ثم شاع هذا الاستعمال فى إظهار الإنسان لما يؤلمه ويؤذيه ، وطلب إزالته .والمعنى : قد سمع الله - تعالى - سماعا تاما ، قول هذه المرأة التى تجادلك - أيها الرسول الكريم - فى شأن ما دار بينها وبين زوجها ، وفيما صدر عنه فى حقها من الظهار ، وسمع - سبحانه - شكواها إليه ، والتماسها منه - عز وجل - حل قضيتها ، وتفريج كربتها ، وإزالة ما نزل بها من مكروه .وقال - سبحانه - ( التي تُجَادِلُكَ ) بأسلوب الاسم الموصول للإشعار بأنها كانت فى نهاية الجدال والشكوى ، وفى أقصى درجات التوكل على ربها ، والأمل فى تفريج كربتها ، رحمة بها وبزوجها وبأبنائها .وقوله - سبحانه - : ( للَّهِ والله يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ ) جملة حالية ، والتحاور : مراجعة الكلام من الجانبين . يقال : حاور فلان فلانا فى الكلام إذا راجعه فيما يقوله .أى : والحال أن الله - تعالى - يسمع ما يدور بينك - أيها الرسول الكريم - وبين تلك المرأة ، من مراجعة فى الكلام ، ومن أخذ ورد فى شأن قضيتها .والمقصود بذلك ، بيان الاعتناء بشأن هذا التحاور ، والتنويه بأهميته ، وأنه - تعالى - قد تكرم وتفضل بإيجاد التشريع الحكيم لحل هذه القضية .وعبر - سبحانه - بصيغة المضارع ، لزيادة التنويه بشأن ذلك التحاور ، واستحضار صورته فى ذهن السامع ، ليزداد عظة واعتبارا .وجملة : ( تَحَاوُرَكُمآ إِنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) تذييل قصد به التعليل لما قبله بطريق التحقيق .أى : أنه - سبحانه - يسمع كل المسموعات ، ويبصر كل المبصرات ، على أتم وجه وأكمله ، ومن مقتضيات ذلك ، أن يسمع تحاوركما ، ويبصر ما دار بينكما .قال القرطبة : " أخرج ابن ماجة أن عائشة - رضى الله عنها - قالت : " تبارك الذى وسع سمعه كل شىء إنى لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ، ويخفى على بعضه ، وهى تشتكى زوجها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهى تقول : يا رسول الله!! أكل شبابى ، ونثرت له بطنى ، حتى إذا كبر سنى . . . ظاهر منى!! اللهم إنى أشكو إليك .وفى البخارى عن عائشة قالت : الحمد لله الذى وسع سمعه الأصوات ، لقد جاءت المجادلة تشكو إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا فى ناحية البيت ما أسمع ما تقول ، فأنزل الله - تعالى - : ( قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ التي تُجَادِلُكَ ) .
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
مدنية( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها ) الآية . نزلت في خولة بنت ثعلبة كانت تحت أوس بن الصامت ، وكانت حسنة الجسم وكان به لمم فأرادها فأبت ، فقال لها : أنت علي كظهر أمي ، ثم ندم على ما قال . وكان الظهار والإيلاء من طلاق أهل الجاهلية . فقال لها : ما أظنك إلا قد حرمت علي . فقالت : والله ما ذاك طلاق ، وأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعائشة رضي الله عنها تغسل شق رأسه - فقالت : يا رسول الله إن زوجي أوس بن الصامت تزوجني وأنا شابة غنية ذات مال وأهل حتى إذا أكل مالي وأفنى شبابي وتفرق أهلي وكبر سني ظاهر مني ، وقد ندم ، فهل من شيء يجمعني وإياه تنعشني به ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : حرمت عليه ، فقالت : يا رسول الله والذي أنزل عليك الكتاب ما ذكر طلاقا وإنه أبو ولدي وأحب الناس إلي ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : حرمت عليه ، فقالت : أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي قد طالت صحبتي ونفضت له بطني . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما أراك إلا قد حرمت عليه ، ولم أومر في شأنك بشيء ، فجعلت تراجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وإذا قال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : حرمت عليه هتفت وقالت : أشكو إلى الله فاقتي وشدة حالي وإن لي صبية صغارا إن ضممتهم إليه ضاعوا وإن ضممتهم إلي جاعوا ، وجعلت ترفع رأسها إلى السماء وتقول : اللهم إني أشكو إليك ، اللهم فأنزل على لسان نبيك ، وكان هذا أول ظهار في الإسلام .فقامت عائشة تغسل شق رأسه الآخر . فقالت : انظر في أمري جعلني الله فداءك يا نبي الله ، فقالت عائشة : أقصري حديثك ومجادلتك أما ترين وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ - وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل عليه أخذه مثل السبات - فلما قضي الوحي قال لها : ادعي زوجك فدعته ، فتلا عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " قد سمع الله قول التي تجادلك " الآيات .قالت عائشة : تبارك الذي وسع سمعه الأصوات كلها إن المرأة لتحاور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا في ناحية البيت أسمع بعض كلامها ويخفى علي بعضه إذ أنزل الله : " قد سمع الله " الآيات .ومعنى قوله : ( قول التي تجادلك ) تخاصمك وتحاورك وتراجعك في زوجها ( وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما ) مراجعتكما الكلام ( إن الله سميع بصير ) سميع لما تناجيه وتتضرع إليه ، بصير بمن يشكو إليه .