تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
ومن لا قدرة له على مهور الحرائر المؤمنات، فله أن ينكح غيرهن، من فتياتكم المؤمنات المملوكات. والله تعالى هو العليم بحقيقة إيمانكم، بعضكم من بعض، فتزوجوهن بموافقة أهلهن، وأعطوهن مهورهن على ما تراضيتم به عن طيب نفس منكم، متعففات عن الحرام، غير مجاهرات بالزنى، ولا مسرات به باتخاذ أخلاء، فإذا تزوجن وأتين بفاحشة الزنى فعليهن من الحدِّ نصف ما على الحرائر. ذلك الذي أبيح مِن نكاح الإماء بالصفة المتقدمة إنما أبيح لمن خاف على نفسه الوقوع في الزنى، وشق عليه الصبر عن الجماع، والصبر عن نكاح الإماء مع العفة أولى وأفضل. والله تعالى غفور لكم، رحيم بكم إذ أذن لكم في نكاحهن عند العجز عن نكاح الحرائر.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
(ومن لم يستطع منكم طولا) أي غنى لـ (أن ينكح المحصنات) الحرائر (المؤمنات) هو جري على الغالب فلا مفهوم له (فمن ما ملكت أيمانكم) ينكح (من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم) فاكتفوا بظاهره وكِلوا السرائر إليه فإنه العالم بتفضيلها ورب أمة تفضل حرة فيه وهذا تأنيس بنكاح الإماء (بعضكم من بعض) أي أنتم وهن سواء في الدين فلا تستنكفوا من نكاحهن (فانكحوهن بإذن أهلهن) مواليهن (وآتوهن) أعطوهن. (أجورهن) مهورهن (بالمعروف) من غير مطل ونقص (محصنات) عفائف حال (غير مسافحات) زانيات جهرا (ولا متخذات أخذان) أخلاء يزنون بهن سرا (فإذا أحصن) زوجن وفي قراءة بالبناء للفاعل تزوجن (فإن أتين بفاحشة) زنا (فعليهن نصف ما على المحصنات) الحرائر الأبكار إذا زنين (من العذاب) الحد فيجلدن خمسين ويغربن نصف سنة ويقاس عليهن العبيد ولم يجعل الإحصان شرطا لوجوب الحد لإفادة أنه لا رجم عليهن أصلا (ذلك) أي نكاح المملوكات عند عدم الطول (لمن خشي) خاف (العنت) الزنا وأصله المشقة سمي به الزنا لأنه سببها بالحد في الدنيا والعقوبة في الآخرة (منكم) بخلاف من لا يخافه من الأحرار فلا يحل له نكاحها وكذا من استطاع طول حرة وعليه الشافعي وخرج بقوله "" من فتياتكم المؤمنات "" الكافرات: فلا يحل له نكاحها ولو عدل وخاف (وأن تصبروا) عن نكاح المملوكات (خير لكم) لئلا يصير الولد رقيقا (والله غفور رحيم) بالتوسعة في ذلك.
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
قوله : ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم والله غفور رحيمفيه إحدى وعشرون مسألة :الأولى : قوله تعالى : ومن لم يستطع منكم طولا الآية نبه تعالى على تخفيف في النكاح وهو نكاح الأمة لمن لم يجد الطول . واختلف العلماء في معنى الطول على ثلاثة أقوال :الأول : السعة والغنى ؛ قاله ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير والسدي وابن زيد ومالك في المدونة . يقال : طال يطول طولا في الإفضال والقدرة . وفلان ذو طول أي ذو قدرة في ماله ( بفتح الطاء ) . وطولا ( بضم الطاء ) في ضد القصر . والمراد هاهنا القدرة على المهر في قول أكثر أهل العلم ، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور . قال أحمد بن المعذل : قال عبد الملك : الطول كل ما يقدر به على النكاح من نقد أو عرض أو دين على ملي . قال : وكل ما يمكن بيعه وإجارته فهو طول . قال : وليست الزوجة ولا الزوجتان ولا الثلاثة طولا . وقال : وقد سمعت ذلك من مالك رضي الله عنه . قال عبد الملك : لأن الزوجة لا ينكح بها ولا يصل بها إلى غيرها إذ ليست بمال . وقد سئل مالك عن رجل يتزوج أمة وهو ممن يجد الطول ؛ فقال : أرى أن يفرق بينهما . قيل له : إنه يخاف العنت . قال : السوط يضرب به . ثم خففه بعد ذلك .[ ص: 120 ] القول الثاني : الطول الحرة . وقد اختلف قول مالك في الحرة هل هي طول أم لا ؛ فقال في المدونة : ليست الحرة بطول تمنع من نكاح الأمة ؛ إذا لم يجد سعة لأخرى وخاف العنت . وقال في كتاب محمد ما يقتضي أن الحرة بمثابة الطول . قال اللخمي : وهو ظاهر القرآن . وروي نحو هذا عن ابن حبيب ، وقاله أبو حنيفة . فيقتضي هذا أن من عنده حرة فلا يجوز له نكاح الأمة وإن عدم السعة وخاف العنت ، لأنه طالب شهوة وعنده امرأة ، وقال به الطبري واحتج له . قال أبو يوسف : الطول هو وجود الحرة تحته ؛ فإذا كانت تحته حرة فهو ذو طول ، فلا يجوز له نكاح الأمة .القول الثالث : الطول الجلد والصبر لمن أحب أمة وهويها حتى صار لذلك لا يستطيع أن يتزوج غيرها ، فإن له أن يتزوج الأمة إذا لم يملك هواها وخاف أن يبغي بها وإن كان يجد سعة في المال لنكاح حرة ؛ هذا قول قتادة والنخعي وعطاء وسفيان الثوري .فيكون قوله تعالى : لمن خشي العنت على هذا التأويل في صفة عدم الجلد . وعلى التأويل الأول يكون تزويج الأمة معلقا بشرطين : عدم السعة في المال ، وخوف العنت ؛ فلا يصح إلا باجتماعهما . وهذا هو نص مذهب مالك في المدونة من رواية ابن نافع وابن القاسم وابن وهب وابن زياد . قال مطرف وابن الماجشون : لا يحل للرجل أن ينكح أمة ، ولا يقران إلا أن يجتمع الشرطان كما قال الله تعالى . وقاله أصبغ . وروي هذا القول عن جابر بن عبد الله وابن عباس وعطاء وطاوس والزهري ومكحول ، وبه قال الشافعي وأبو ثور وأحمد وإسحاق ، واختاره ابن المنذر وغيره . فإن وجد المهر وعدم النفقة فقال مالك في كتاب محمد : لا يجوز له أن يتزوج أمة . وقال أصبغ : ذلك جائز ؛ إذ نفقة الأمة على أهلها إذا لم يضمها إليه . وفي الآية قول رابع : قال مجاهد : مما وسع الله على هذه الأمة نكاح الأمة والنصرانية ، وإن كان موسرا . وقال بذلك أبو حنيفة أيضا ، ولم يشترط خوف العنت ؛ إذا لم تكن تحته حرة . قالوا : لأن كل مال يمكن أن يتزوج به الأمة يمكن أن يتزوج به الحرة ؛ فالآية على هذا أصل في جواز نكاح الأمة مطلقا .قال مجاهد : وبه يأخذ سفيان ، وذلك أني سألته عن نكاح الأمة فحدثني عن ابن أبي ليلى عن المنهال عن عباد بن عبد الله عن علي رضي الله عنه قال : إذا نكحت الحرة على الأمة كان للحرة يومان وللأمة يوم . قال : ولم ير علي به بأسا . وحجة هذا القول عموم قوله تعالى : وأحل لكم ما وراء ذلكم . وقوله تعالى : ومن لم يستطع منكم طولا إلى قوله : ذلك لمن خشي العنت منكم ؛ لقوله عز وجل : فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة . [ ص: 121 ] وقد اتفق الجميع على أن للحر أن يتزوج أربعا وإن خاف ألا يعدل . قالوا : وكذلك له تزوج الأمة وإن كان واجدا للطول غير خائف للعنت . وقد روي عن مالك في الذي يجد طولا لحرة أنه يتزوج أمة مع قدرته على طول الحرة ؛ وذلك ضعيف من قوله . وقد قال مرة أخرى : ما هو بالحرام البين ، وأجوزه . والصحيح أنه لا يجوز للحر المسلم أن ينكح أمة غير مسلمة بحال ، ولا له أن يتزوج بالأمة المسلمة إلا بالشرطين المنصوص عليهما كما بينا . والعنت الزنى ؛ فإن عدم الطول ولم يخش العنت لم يجز له نكاح الأمة ، وكذلك إن وجد الطول وخشي العنت . فإن قدر على طول حرة كتابية وهي المسألة :الثانية : فهل يتزوج الأمة ؛ اختلف علماؤنا في ذلك ، فقيل : يتزوج الأمة فإن الأمة المسلمة لا تلحق بالكافرة ، فأمة مؤمنة خير من حرة مشركة . واختاره ابن العربي . وقيل : يتزوج الكتابية ؛ لأن الأمة وإن كانت تفضلها بالإيمان فالكافرة تفضلها بالحرية وهي زوجة . وأيضا فإن ولدها يكون حرا لا يسترق ، وولد الأمة يكون رقيقا ؛ وهذا هو الذي يتمشى على أصل المذهب .الثالثة : واختلف العلماء في الرجل يتزوج الحرة على الأمة ولم تعلم بها ؛ فقالت طائفة : النكاح ثابت . كذلك قال سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي ، وروي عن علي . وقيل : للحرة الخيار إذا علمت . ثم في أي شيء يكون لها الخيار ؛ فقال الزهري وسعيد بن المسيب ومالك وأحمد وإسحاق في أن تقيم معه أو تفارقه . وقال عبد الملك : في أن تقر نكاح الأمة أو تفسخه . وقال النخعي : إذا تزوج الحرة على الأمة فارق الأمة إلا أن يكون له منها ولد ؛ فإن كان لم يفرق بينهما . وقال مسروق : يفسخ نكاح الأمة ؛ لأنه أمر أبيح للضرورة كالميتة ، فإذا ارتفعت الضرورة ارتفعت الإباحة .الرابعة : فإن كانت تحته أمتان علمت الحرة بواحدة منهما ولم تعلم بالأخرى فإنه يكون لها الخيار . ألا ترى لو أن حرة تزوج عليها أمة فرضيت ، ثم تزوج عليها أمة فرضيت ، ثم تزوج عليها أخرى فأنكرت كان ذلك لها ؛ فكذلك هذه إذا لم تعلم بالأمتين وعلمت بواحدة . قال ابن القاسم : قال مالك : وإنما جعلنا الخيار للحرة في هذه المسائل لما قالت العلماء قبلي . يريد سعيد بن المسيب وابن شهاب وغيرهما . قال مالك : ولولا ما قالوه لرأيته حلالا ؛ لأنه في كتاب الله حلال . فإن لم تكفه الحرة واحتاج إلى أخرى ولم يقدر على صداقها جاز له أن يتزوج الأمة [ ص: 122 ] حتى ينتهي إلى أربع بالتزويج بظاهر القرآن . رواه ابن وهب عن مالك . وروى ابن القاسم عنه : يرد نكاحه . قال ابن العربي : والأول أصح في الدليل ، وكذلك هو في القرآن ؛ فإن من رضي بالسبب المحقق رضي بالمسبب المرتب عليه ، وألا يكون لها خيار ؛ لأنها قد علمت أن له نكاح الأربع ؛ وعلمت أنه إن لم يقدر على نكاح حرة تزوج أمة ، وما شرط الله سبحانه عليها كما شرطت على نفسها ، ولا يعتبر في شروط الله سبحانه وتعالى علمها . وهذا غاية التحقيق في الباب والإنصاف فيه .الخامسة : قوله تعالى : المحصنات يريد الحرائر ؛ يدل عليه التقسيم بينهن وبين الإماء في قوله : من فتياتكم المؤمنات . وقالت فرقة : معناه العفائف . وهو ضعيف ؛ لأن الإماء يقعن تحته فأجازوا نكاح إماء أهل الكتاب ، وحرموا البغايا من المؤمنات والكتابيات . وهو قول ابن ميسرة والسدي . وقد اختلف العلماء فيما يجوز للحر الذي لا يجد الطول ويخشى العنت من نكاح الإماء ؛ فقال مالك وأبو حنيفة وابن شهاب الزهري والحارث العكلي : له أن يتزوج أربعا . وقال حماد بن أبي سليمان : ليس له أن ينكح من الإماء أكثر من اثنتين . وقال الشافعي وأبو ثور وأحمد وإسحاق : ليس له أن ينكح من الإماء إلا واحدة . وهو قول ابن عباس ومسروق وجماعة ؛ واحتجوا بقوله تعالى : ذلك لمن خشي العنت منكم وهذا المعنى يزول بنكاح واحدة .السادسة : قوله تعالى : فمن ما ملكت أيمانكم أي فليتزوج بأمة الغير . ولا خلاف بين العلماء أنه لا يجوز له أن يتزوج أمة نفسه ؛ لتعارض الحقوق واختلافها .السابعة : قوله تعالى : من فتياتكم أي المملوكات ، وهي جمع فتاة . والعرب تقول للمملوك : فتى ، وللمملوكة فتاة . وفي الحديث الصحيح : لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي ولكن ليقل فتاي وفتاتي وسيأتي . ولفظ الفتى والفتاة يطلق أيضا على الأحرار في ابتداء الشباب ، فأما في المماليك فيطلق في الشباب وفي الكبر .الثامنة : قوله تعالى : المؤمنات بين بهذا أنه لا يجوز التزوج بالأمة الكتابية ، فهذه الصفة مشترطة عند مالك وأصحابه ، والشافعي وأصحابه ، والثوري والأوزاعي والحسن [ ص: 123 ] البصري والزهري ومكحول ومجاهد .وقالت طائفة من أهل العلم منهم أصحاب الرأي : نكاح الأمة الكتابية جائز . قال أبو عمر : ولا أعلم لهم سلفا في قولهم ، إلا أبا ميسرة عمرو بن شرحبيل فإنه قال : إماء أهل الكتاب بمنزلة الحرائر منهن . قالوا : وقوله المؤمنات على جهة الوصف الفاضل وليس بشرط ألا يجوز غيرها ؛ وهذا بمنزلة قوله تعالى : فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة فإن خاف ألا يعدل فتزوج أكثر من واحدة جاز ، ولكن الأفضل ألا يتزوج ؛ فكذلك هنا الأفضل ألا يتزوج إلا مؤمنة ، ولو تزوج غير المؤمنة جاز . واحتجوا بالقياس على الحرائر ، وذلك أنه لما لم يمنع قوله : المؤمنات في الحرائر من نكاح الكتابيات فكذلك لا يمنع قوله : المؤمنات في الإماء من نكاح إماء الكتابيات . وقال أشهب في المدونة : جائز للعبد المسلم أن يتزوج أمة كتابية . فالمنع عنده أن يفضل الزوج في الحرية والدين معا . ولا خلاف بين العلماء أنه لا يجوز لمسلم نكاح مجوسية ولا وثنية ، وإذا كان حراما بإجماع نكاحهما فكذلك وطؤهما بملك اليمين قياسا ونظرا .وقد روي عن طاوس ومجاهد وعطاء وعمرو بن دينار أنهم قالوا : لا بأس بنكاح الأمة المجوسية بملك اليمين . وهو قول شاذ مهجور لم يلتفت إليه أحد من فقهاء الأمصار . وقالوا : لا يحل أن يطأها حتى تسلم . وقد تقدم القول في هذه المسألة في " البقرة " مستوفى . والحمد لله .التاسعة : قوله تعالى : والله أعلم بإيمانكم المعنى أن الله عليم ببواطن الأمور ولكم ظواهرها ، وكلكم بنو آدم وأكرمكم عند الله أتقاكم ، فلا تستنكفوا من التزوج بالإماء عند الضرورة ، وإن كانت حديثة عهد بسباء ، أو كانت خرساء وما أشبه ذلك . ففي اللفظ تنبيه على أنه ربما كان إيمان أمة أفضل من إيمان بعض الحرائر .العاشرة : قوله تعالى : بعضكم من بعض ابتداء وخبر ؛ كقولك زيد في الدار . والمعنى أنتم بنو آدم . وقيل : أنتم مؤمنون . وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ؛ المعنى : ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فلينكح بعضكم من بعض : هذا فتاة هذا ، وهذا فتاة هذا . فبعضكم على هذا التقدير مرفوع بفعله وهو فلينكح . والمقصود بهذا الكلام توطئة نفوس العرب التي كانت تستهجن ولد الأمة وتعيره وتسميه الهجين ، فلما جاء الشرع بجواز نكاحها علموا أن ذلك التهجين لا معنى له ، وإنما انحطت الأمة فلم يجز للحر التزوج بها إلا عند الضرورة ؛ لأنه تسبب إلى إرقاق الولد ، وأن الأمة لا تفرغ للزوج على الدوام ، لأنها مشغولة بخدمة المولى .[ ص: 124 ] الحادية عشرة : قوله تعالى : فانكحوهن بإذن أهلهن أي بولاية أربابهن المالكين وإذنهم . وكذلك العبد لا ينكح إلا بإذن سيده ؛ لأن العبد مملوك لا أمر له ، وبدنه كله مستغرق ، لكن الفرق بينهما أن العبد إذا تزوج بغير إذن سيده فإن أجازه السيد جاز ؛ هذا مذهب مالك وأصحاب الرأي ، وهو قول الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح وسعيد بن المسيب وشريح والشعبي . والأمة إذا تزوجت بغير إذن أهلها فسخ ولم يجز بإجازة السيد ؛ لأن نقصان الأنوثة في الأمة يمنع من انعقاد النكاح البتة . وقالت طائفة : إذا نكح العبد بغير إذن سيده فسخ نكاحه ؛ هذا قول الشافعي والأوزاعي وداود بن علي ، قالوا : لا تجوز إجازة المولى إن لم يحضره ؛ لأن العقد الفاسد لا تصح إجازته ، فإن أراد النكاح استقبله على سنته . وقد أجمع علماء المسلمين على أنه لا يجوز نكاح العبد بغير إذن سيده . وقد كان ابن عمر يعد العبد بذلك زانيا ويحده ؛ وهو قول أبي ثور . وذكر عبد الرزاق عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ، وعن معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أنه أخذ عبدا له نكح بغير إذنه فضربه الحد وفرق بينهما وأبطل صداقها . قال : وأخبرنا ابن جريج عن موسى بن عقبة أنه أخبره عن نافع عن ابن عمر أنه كان يرى نكاح العبد بغير إذن وليه زنى ، ويرى عليه الحد ، ويعاقب الذين أنكحوهما . قال : وأخبرنا ابن جريج عن عبد الله بن محمد بن عقيل قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيما عبد نكح بغير إذن سيده فهو عاهر . وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : هو نكاح حرام ؛ فإن نكح بإذن سيده فالطلاق بيد من يستحل الفرج . قال أبو عمر : على هذا مذهب جماعة فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق ، ولم يختلف عن ابن عباس أن الطلاق بيد السيد ؛ وتابعه على ذلك جابر بن زيد وفرقة . وهو عند العلماء شذوذ لا يعرج عليه ، وأظن ابن عباس تأول في ذلك قول الله تعالى : ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء . وأجمع أهل العلم على أن نكاح العبد جائز بإذن مولاه ؛ فإن نكح نكاحا فاسدا فقال الشافعي : إن لم يكن دخل فلا شيء لها ، وإن كان دخل فعليه المهر إذا عتق ؛ هذا هو الصحيح من مذهبه ، وهو قول أبي يوسف ومحمد لا مهر عليه حتى يعتق . وقال أبو حنيفة : إن دخل عليها فلها المهر . وقال مالك والشافعي : إذا كان عبد بين رجلين فأذن له أحدهما في النكاح فنكح [ ص: 125 ] فالنكاح باطل ، فأما الأمة إذا آذنت أهلها في النكاح فأذنوا جاز ، وإن لم تباشر العقد لكن تولي من يعقده عليها .الثانية عشرة : قوله تعالى : وآتوهن أجورهن دليل على وجوب المهر في النكاح ، وأنه للأمة .بالمعروف معناه بالشرع والسنة ، وهذا يقتضي أنهن أحق بمهورهن من السادة ، وهو مذهب مالك . قال في كتاب الرهون : ليس للسيد أن يأخذ مهر أمته ويدعها بلا جهاز . وقال الشافعي : الصداق للسيد ؛ لأنه عوض فلا يكون للأمة . أصله إجازة المنفعة في الرقبة ، وإنما ذكرت لأن المهر وجب بسببها . وذكر القاضي إسماعيل في أحكامه : زعم بعض العراقيين إذا زوج أمته من عبده فلا مهر . وهذا خلاف الكتاب والسنة وأطنب فيه .الثالثة عشرة : قوله تعالى : محصنات أي عفائف . وقرأ الكسائي " محصنات " بكسر الصاد في جميع القرآن ، إلا في قوله تعالى : والمحصنات من النساء . وقرأ الباقون بالنصب في جميع القرآن . ثم قال : غير مسافحات أي غير زوان ، أي معلنات بالزنى ؛ لأن أهل الجاهلية كان فيهم الزواني في العلانية ، ولهن رايات منصوبات كراية البيطار .ولا متخذات أخدان أصدقاء على الفاحشة ، واحدهم خدن وخدين ، وهو الذي يخادنك ، ورجل خدنة ، إذا اتخذ أخدانا أي أصحابا ، عنأبي زيد . وقيل : المسافحة المجاهرة بالزنى ، أي التي تكري نفسها لذلك . وذات الخدن هي التي تزني سرا . وقيل : المسافحة المبذولة ، وذات الخدن التي تزني بواحد . وكانت العرب تعيب الإعلان بالزنى ، ولا تعيب اتخاذ الأخدان ، ثم رفع الإسلام جميع ذلك ، وفي ذلك نزل قوله تعالى : ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ؛ عن ابن عباس وغيره .الرابعة عشرة : قوله تعالى : فإذا أحصن قراءة عاصم وحمزة والكسائي بفتح الهمزة . الباقون بضمها . فبالفتح معناه أسلمن ، وبالضم زوجن . فإذا زنت الأمة المسلمة جلدت نصف جلد الحرة ؛ وإسلامها هو إحصانها في قول الجمهور ، ابن مسعود والشعبي والزهري وغيرهم . وعليه فلا تحد كافرة إذا زنت ، وهو قول الشافعي فيما ذكر ابن المنذر . وقال آخرون : إحصانها التزوج بحر . فإذا زنت الأمة المسلمة التي لم تتزوج فلا حد عليها ، قال سعيد بن جبير والحسن وقتادة ، وروي عن ابن عباس وأبي الدرداء ، وبه قال أبو عبيد . قال : [ ص: 126 ] وفي حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عنه أنه سئل عن حد الأمة فقال : إن الأمة ألقت فروة رأسها من وراء الدار . قال الأصمعي : الفروة جلدة الرأس . قال أبو عبيدة : وهو لم يرد الفروة بعينها ، وكيف تلقي جلدة رأسها من وراء الدار ، ولكن هذا مثل ! إنما أراد بالفروة القناع ، يقول ليس عليها قناع ولا حجاب ، وأنها تخرج إلى كل موضع يرسلها أهلها إليه ، لا تقدر على الامتناع من ذلك ؛ فتصير حيث لا تقدر على الامتناع من الفجور ، مثل رعاية الغنم وأداء الضريبة ونحو ذلك ؛ فكأنه رأى أن لا حد عليها إذا فجرت ؛ لهذا المعنى . وقالت فرقة : إحصانها التزوج ، إلا أن الحد واجب على الأمة المسلمة غير المتزوجة بالسنة ، كما في صحيح البخاري ومسلم أنه قيل : يا رسول الله ، الأمة إذا زنت ولم تحصن ؟ فأوجب عليها الحد . قال الزهري : فالمتزوجة محدودة بالقرآن ، والمسلمة غير المتزوجة محدودة بالحديث .قال القاضي إسماعيل في قول من قال " إذا أحصن " أسلمن : بعد ؛ لأن ذكر الإيمان قد تقدم لهن في قوله تعالى : من فتياتكم المؤمنات . وأما من قال : " إذا أحصن " تزوجن ، وأنه لا حد على الأمة حتى تتزوج ؛ فإنهم ذهبوا إلى ظاهر القرآن وأحسبهم لم يعلموا هذا الحديث . والأمر عندنا أن الأمة إذا زنت وقد أحصنت مجلودة بكتاب الله ، وإذا زنت ولم تحصن مجلودة بحديث النبي صلى الله عليه وسلم ولا رجم عليها ؛ لأن الرجم لا يتنصف . قال أبو عمر : ظاهر قول الله عز وجل يقتضي ألا حد على أمة وإن كانت مسلمة إلا بعد التزويج ، ثم جاءت السنة بجلدها وإن لم تحصن ، فكان ذلك زيادة بيان .قلت : ظهر المؤمن حمى لا يستباح إلا بيقين ، ولا يقين مع الاختلاف ، لولا ما جاء في صحيح السنة من الجلد في ذلك . والله أعلم . وقال أبو ثور فيما ذكر ابن المنذر : وإن كانوا اختلفوا في رجمهما فإنهما يرجمان إذا كانا محصنين ، وإن كان إجماع فالإجماع أولى .الخامسة عشرة : واختلف العلماء فيمن يقيم الحد عليهما ؛ فقال ابن شهاب : مضت السنة أن يحد العبد والأمة أهلوهم في الزنى ، إلا أن يرفع أمرهم إلى السلطان فليس لأحد أن يفتات عليه ؛ وهو مقتضى قوله عليه السلام : إذا زنت أمة أحدكم فليحدها الحد . وقال علي رضي الله عنه في خطبته : يا أيها الناس ، أقيموا على أرقائكم الحد ، من أحصن منهم ومن لم يحصن ، فإن أمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم زنت فأمرني أن أجلدها ، فإذا هي حديث عهد بنفاس ، فخشيت إن أنا جلدتها أقتلها ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : أحسنت . [ ص: 127 ] أخرجه مسلم موقوفا عن علي . وأسنده النسائي وقال فيه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم من أحصن منهم ومن لم يحصن وهذا نص في إقامة السادة الحدود على المماليك من أحصن منهم ومن لم يحصن . قال مالك رضي الله عنه : يحد المولى عبده في الزنى وشرب الخمر والقذف إذا شهد عنده الشهود بذلك ، ولا يقطعه في السرقة ، وإنما يقطعه الإمام ؛ وهو قول الليث . وروي عن جماعة من الصحابة أنهم أقاموا الحدود على عبيدهم ، منهم ابن عمر وأنس ، ولا مخالف لهم من الصحابة .وروي عن ابن أبي ليلى أنه قال : أدركت بقايا الأنصار يضربون الوليدة من ولائدهم إذا زنت ، في مجالسهم . وقال أبو حنيفة : يقيم الحدود على العبيد والإماء السلطان دون المولى في الزنى وسائر الحدود ؛ وهو قول الحسن بن حي . وقال الشافعي : يحده المولى في كل حد ويقطعه ؛ واحتج بالأحاديث التي ذكرنا . وقال الثوري والأوزاعي : يحده في الزنى ؛ وهو مقتضى الأحاديث ، والله أعلم . وقد مضى القول في تغريب العبيد في هذه السورة .السادسة عشرة : فإن زنت الأمة ثم عتقت قبل أن يحدها سيدها لم يكن له سبيل إلى حدها ، والسلطان يجلدها إذا ثبت ذلك عنده ؛ فإن زنت ثم تزوجت لم يكن لسيدها أن يجلدها أيضا لحق الزوج ؛ إذ قد يضره ذلك . وهذا مذهب مالك إذا لم يكن الزوج ملكا للسيد ، فلو كان ، جاز للسيد ذلك لأن حقهما حقه .السابعة عشرة : فإن أقر العبد بالزنى وأنكره المولى فإن الحد يجب على العبد لإقراره ، ولا التفات لما أنكره المولى ، وهذا مجمع عليه بين العلماء . وكذلك المدبر وأم الولد والمكاتب والمعتق بعضه . وأجمعوا أيضا على أن الأمة إذا زنت ثم أعتقت حدت حد الإماء ؛ وإذا زنت وهي لا تعلم بالعتق ثم علمت وقد حدت أقيم عليها تمام حد الحرة ؛ ذكره ابن المنذر .الثامنة عشرة : واختلفوا في عفو السيد عن عبده وأمته إذا زنيا ؛ فكان الحسن البصري يقول : له أن يعفو . وقال غير الحسن : لا يسعه إلا إقامة الحد ، كما لا يسع السلطان أن يعفو عن حد إذا علمه ، لم يسع السيد كذلك أن يعفو عن أمته إذا وجب عليها الحد ؛ وهذا على مذهب أبي ثور . قال ابن المنذر : وبه نقول .التاسعة عشرة : قوله تعالى : فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب أي الجلد ويعني بالمحصنات هاهنا الأبكار الحرائر ؛ لأن الثيب عليها الرجم والرجم لا يتبعض ، [ ص: 128 ] وإنما قيل للبكر محصنة وإن لم تكن متزوجة ؛ لأن الإحصان يكون بها ؛ كما يقال : أضحية قبل أن يضحى بها ؛ وكما يقال للبقرة : مثيرة قبل أن تثير . وقيل : المحصنات المتزوجات ؛ لأن عليها الضرب والرجم في الحديث ، والرجم لا يتبعض فصار عليهن نصف الضرب . والفائدة في نقصان حدهن أنهن أضعف من الحرائر . ويقال : إنهن لا يصلن إلى مرادهن كما تصل الحرائر . وقيل : لأن العقوبة تجب على قدر النعمة ؛ ألا ترى أن الله تعالى قال لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم : يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين فلما كانت نعمتهن أكثر جعل عقوبتهن أشد ، وكذلك الإماء لما كانت نعمتهن أقل فعقوبتهن أقل . وذكر في الآية حد الإماء خاصة ، ولم يذكر حد العبيد ؛ ولكن حد العبيد والإماء سواء ؛ خمسون جلدة في الزنى ، وفي القذف وشرب الخمر أربعون ؛ لأن حد الأمة إنما نقص لنقصان الرق فدخل الذكور من العبيد في ذلك بعلة المملوكية ، كما دخل الإماء تحت قوله عليه السلام : من أعتق شركا له في عبد . وهذا الذي يسميه العلماء القياس في معنى الأصل ؛ ومنه قوله تعالى : والذين يرمون المحصنات الآية . فدخل في ذلك المحصنين قطعا ؛ على ما يأتي بيانه في سورة " النور " إن شاء الله تعالى .الموفية عشرين : وأجمع العلماء على أن بيع الأمة الزانية ليس بيعها بواجب لازم على ربها ، وإن اختاروا له ذلك ؛ لقوله عليه السلام : إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ثم إن زنت فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر . أخرجه مسلم عن أبي هريرة . وقال أهل الظاهر بوجوب بيعها في الرابعة . منهم داود وغيره ؛ لقوله فليبعها وقوله : ثم بيعوها ولو بضفير . قال ابن شهاب : فلا أدري بعد الثالثة أو الرابعة ؛ والضفير الحبل . فإذا باعها بزناها ؛ لأنه عيب فلا يحل أن يكتم . فإن قيل : إذا كان مقصود الحديث إبعاد الزانية ووجب على بائعها التعريف بزناها فلا ينبغي لأحد أن يشتريها ؛ لأنها مما قد أمرنا بإبعادها . فالجواب أنها مال ولا تضاع ؛ للنهي عن إضاعة المال ، ولا تسيب ؛ لأن ذلك إغراء لها بالزنى وتمكين منه ، ولا تحبس دائما ، فإن فيه تعطيل منفعتها على سيدها فلم يبق إلا بيعها . ولعل السيد الثاني يعفها بالوطء أو يبالغ في التحرز فيمنعها من ذلك . وعلى الجملة فعند تبدل الملاك تختلف عليها الأحوال . والله أعلم .[ ص: 129 ] الحادية والعشرون : وأن تصبروا خير لكم أي الصبر على العزبة خير من نكاح الأمة ، لأنه يفضي إلى إرقاق الولد ، والغض من النفس والصبر على مكارم الأخلاق أولى من البذالة . وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : أيما حر تزوج بأمة فقد أرق نصفه . يعني يصير ولده رقيقا ؛ فالصبر عن ذلك أفضل لكيلا يرق الولد . وقال سعيد بن جبير : ما نكاح الأمة من الزنى إلا قريب ، قال الله تعالى : وأن تصبروا خير لكم ، أي عن نكاح الإماء . وفي سنن ابن ماجه عن الضحاك بن مزاحم قال : سمعت أنس بن مالك يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من أراد أن يلقى الله طاهرا مطهرا فليتزوج الحرائر . ورواه أبو إسحاق الثعلبي من حديث يونس بن مرداس ، وكان خادما لأنس ، وزاد : فقال أبو هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : الحرائر صلاح البيت والإماء هلاك البيت - أو قال - فساد البيت .
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
عطف قوله : { ومن لم يستطع منكم طولاً } على قوله : { وأحل لكم ما وراء ذلكم } [ النساء : 24 ] تخصيصاً لعمومه بغير الإماء ، وتقييداً لإطلاقه باستطاعة الطَّول .والطَّول بفتح الطاء وسكون الواو القدرة ، وهو مصدر طال المجازي بمعنى قدر ، وذلك أنّ الطُّول يستلزم المقدرة على المناولة؛ فلذلك يقولون : تطاول لكذا ، أي تمطَّى ليأخذه ، ثم قالوا : تطاول ، بمعنى تكلّف المقدرة «وأين الثريا من يد المتطاول» فجعلوا لطال الحقيقي مصدراً بضم الطاء وجعلوا لطال المجازي مصدراً بفتح الطاء وهو ممّا فرّقت فيه العرب بين المعنيين المشتركين .{ والمحصنات } [ النساء : 24 ] قرأه الجمهور بفتح الصاد وقرأه الكسائي بكسر الصاد على اختلاف معنيي ( أحصن ) كما تقدّم آنفاً ، أي اللاَّتي أحصنّ أنفسهنّ ، أو أحصنهنّ أولياؤهن ، فالمراد العفيفات . والمحصنات هنا وصف خرج مخرج الغالب ، لأنّ المسلم لا يقصد إلاّ إلى نكاح امرأة عفيفة ، قال تعالى : { والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك } [ النور : 30 ] أي بحسب خلق الإسلام ، وقد قيل : إنّ الإحصان يطلق على الحرية ، وأنّ المراد بالمحصنات الحرائر ، ولا داعي إليه ، واللغة لا تساعد عليه .وظاهر الآية أنّ الطوْل هنا هو القدرة على بذل مهر لامرأة حرّة احتاج لتزوّجها : أولى ، أو ثانية ، أو ثالثةً ، أو رابعة ، لأنّ الله ذكر عدم استطاعة الطوْل في مقابلة قوله : { أن تبتغوا بأموالكم } [ النساء : 24 ] { فأتوهن أجورهن فريضة } [ النساء : 24 ] ولذلك كان هذا الأصحّ في تفسير الطوْل . وهو قول مالك ، وقاله ابن عباس ، ومجاهد ، وابن جبير ، والسدّي ، وجابر بن زيد . وذهب أبو حنيفة إلى أنّ من كانت له زوجة واحدة فهي طَوْل فلا يباح له تزوّج الإماء؛ لأنّه طالب شهوة إذْ كانت عنده امرأة تعفّه عن الزنا . ووقع لمالك ما يقرب من هذا في كتاب محمد بن الموّاز ، وهو قول ابن حبيب ، واستحسنه اللخمي والطبري ، وهو تضييق لا يناسب يسر الإسلام على أنّ الحاجة إلى امرأة ثانية قد لا يكون لشهوة بل لحاجة لا تسدّها امرأة واحدة ، فتعيّن الرجوع إلى طلب التزوّج ، ووجودِ المقدرة . وقال ربيعة ، والنخعي ، وقتادة ، وعطاء ، والثوري ، الطوْل : الصبر والجلَد على نكاح الحرائر .ووقع لمالك في كتاب محمد : أنّ الذي يجد مهر حرّة ولا يقدر على نفقتها ، لا يجوز له أن يتزوّج أمة ، وهذا ليس لكون النفقة من الطوْل ولكن لأنّ وجود المهر طول ، والنفقة لا محيص عنها في كليهما ، وقال أصبغ : يجوز لهذا أن يتزوّج أمة لأنّ نفقة الأمة على أهلها إن لم يضمَّها الزوج إليه ، وظاهرٌ أنّ الخلاف في حاللٍ . وقوله : { أن ينكح } معمول ( طَوْلا ) بحذف ( اللاَّم ) أو ( على ) إذ لا يتعدّى هذا المصدر بنفسه .ومعنى { أن ينكح المحصنات } أي ينكح النساء الحرائر أبكاراً أو ثيّبات ، دلّ عليه قوله : { فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات } .وإطلاق المحصنات على النساء اللاتي يتزوجهنّ الرجال إطلاق مجازي بعلاقة المآل ، أي اللائي يَصِرن محصنات بذلك النكاح إن كنّ أبكاراً ، كقوله تعالى : { قال أحدهما إني أراني أعصر خمراً } [ يوسف : 36 ] أي عنباً آيلا إلى خمر؛ أو بعلاقة ما كان ، إن كنّ ثيّبات كقوله : { وآتوا اليتامى أموالهم } [ النساء : 2 ] وهذا بيِّن ، وفيه غنية عن تأويل المحصنات بمعنى الحرائر ، فإنّه إطلاق لا تساعد عليه اللغة ، لا على الحقيقة ولا على المجاز ، وقد تساهل المفسّرون في القول بذلك .وقد وُصف المحصنات هنا بالمؤمنات ، جريا على الغالب ، ومُعظم علماء الإسلام على أنّ هذا الوصف خرج للغالب ولعلّ الذي حملهم على ذلك أنّ استطاعة نكاح الحرائر الكتابيات طول ، إذْ لم تكن إباحة نكاحهنّ مشروطة بالعجز عن الحرائر المسلمات ، وكان نكاح الإماء المسلمات مشروطاً بالعجز عن الحرائر المسلمات ، فحصل من ذلك أن يكون مشروطاً بالعجز عن الكتابيات أيضاً بقاعدة قياس المساواة . وعلّة ذلك أنّ نكاح الأمة يُعرّض الأولاد للرقّ ، بخلاف نكاح الكتابية ، فتعطيل مفهوم قوله : { المؤمنات } مع { المحصنات } حصل بأدلّة أخرى ، فلذلك ألغَوْا الوصف هنا ، وأعملوه في قوله : { من فتياتكم المؤمنات } . وشذّ بعض الشافعية ، فاعتبروا رخصة نكاح الأمة المسلمة مشروطة بالعجز عن الحرّة المسلمة ، ولو مع القدرة على نكاح الكتابية ، وكأنَّ فائدة ذكر وصف المؤمنات هنا أنّ الشارع لم يكترث عند التشريع بذكر غير الغالب المعتبر عنده ، فصار المؤمنات هنا كاللَّقب في نحو ( لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ) .والفتيات جمع فتاة ، وهي في الأصل الشابّة كالفتى ، والمراد بها هنا الأمة أطلق عليها الفتاة كما أطلق عليها الجَارية ، وعلى العبد الغلام ، وهو مجاز بعلاقة اللزوم ، لأنّ العبد والأمة يعاملان معاملة الصغير في الخدمة ، وقلّة المبالاة . ووصف المؤمنات عقب الفتيات مقصود للتقييد عند كافّة السلف ، وجمهور أيّمة الفقه ، لأنّ الأصل أن يكون له مفهوم ، ولا دليل يدلّ على تعطيله ، فلا يجوز عندهم نكاح أمة كتابية . والحكمة في ذلك أنّ اجتماع الرقّ والكفر يُباعد المرأة عن الحرمة في اعتبار المسلم ، فيقلّ الوفاق بينهما ، بخلاف أحد الوصفين . ويظهر أثر ذلك في الأبناء إذ يكونون أرقّاء مع مشاهدة أحوال الدّين المخالف فيمتدّ البون بينهم وبين أبيهم . وقال أبو حنيفة : موقع وصف المؤمنات هنا كموقعه مع قوله : { المحصنات المؤمنات } ، فلم يشترط في نكاح الأمة كونها مؤمنة ، قال أبو عُمر بن عبد البرّ : ولا أعرف هذا القول لأحد من السلف إلاّ لعَمْرو بن شرحبيل وهو تابعيّ قديم روى عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب؛ ولأنَّ أبا حنيفة لا يرى إعمال المفهوم .وتقدّم آنفاً معنى { ملكت أيمانكم } .والإضافة في قوله : { أيمانكم } وقوله : { من فتياتكم } للتقريب وإزالة ما بقي في نفوس العرب من احتقار العبيد والإماء والترفّع عن نكاحهم وإنكاحهم ، وكذلك وصف المؤمنات ، وإن كنّا نراه للتقيد فهو لا يخلو مع ذلك من فائدة التقريب ، إذ الكفاءة عند مالك تعتمد الدين أوَّلاً .وقوله : { والله أعلم بإيمانكم } اعتراض جمع معاني شتّى ، أنّه أمر ، وقيدٌ للأمر في قوله تعالى : { ومن لم يستطع منكم طولاً } إلخ؛ وقد تَحول الشهوة والعجلة دون تحقيق شروط الله تعالى ، فأحالهم على إيمانهم المطلّع عليه ربّهم . ومن تلك المعاني أنّه تعالى أمر بنكاح الإماء عند العجز عن الحرائر ، وكانوا في الجاهلية لا يرضون بنكاح الأمة وجعْلَها حليلة ، ولكن يقضون منهنّ شهواتهم بالبغاء ، فأراد الله إكرام الإماء المؤمنات ، جزاء على إيمانهنّ ، وإشعاراً بأنّ وحدة الإيمان قرّبت الأحرار من العبيد ، فلمَّا شَرَع ذلك كلّه ذيّله بقوله : { والله أعلم بإيمانكم } ، أي بقوّته ، فلمّا كان الإيمان ، هو الذي رفع المؤمنين عند الله درجات كان إيمان الإماء مُقنعا للأحرار بترك الاستنكاف عن تزوجهنّ ، ولأنّه رُبّ أمةٍ يكون إيمانها خيراً من إيمان رجل حرّ ، وهذا كقوله { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } [ الحجرات : 13 ] . وقد أشار إلى هذا الأخير صاحب «الكشاف» ، وابن عطية .وقوله : { بعضكم من بعض } تذييل ثان أكّد به المعنى الثاني المراد من قوله : { والله أعلم بإيمانكم } فإنّه بعد أن قرّب إليهم الإماء من جانب الوحدة الدينية قرّبهنّ إليهم من جانب الوحدة النوعية ، وهو أنّ الأحرار والعبيد كلّهم من بني آدم ف ( مِن ) اتّصالية .وفرّع عن الأمر بنكاح الإماء بيان كيفية ذلك فقال : { فأنكحوهن بإذن أهلهن } وشرط الإذن لئلاّ يكون سرّا وزني ، ولأنّ نكاحهنّ دون ذلك اعتداء على حقوق أهل الإماء .والأهْل هنا بمعنى السَّادة المالكين ، وهو إطلاق شائع على سادة العبيد في كلام الإسلام . وأحسب أنّه من مصطلحات القرآن تلطّفا بالعبيد ، كما وقع النهي أن يقول العبد لسيّده : سيّدي ، بل يقول : مولاي . ووقع في حديث بريرة «أنّ أهلها أبوا إلاّ أن يكون الولاء لهم» .والآية دليل على ولاية السيّد لأمته ، وأنّه إذا نَكحت الأمة بدون إذن السيّد فالنكاح مفسوخ ، ولو أجازه سيّدها . واختلف في العبد : فقال الشعبي : والأوزاعي ، وداود : هو كالأمة . وقال مالك ، وأبو حنيفة ، وجماعة من التابعين : إذا أجازه السيد جاز ، ويُحتجّ بها لاشتراط أصل الولاية في المرأة ، احتجاجاً ضعيفاً ، واحتجّ بها الحنفية على عكس ذلك ، إذ سمّى الله ذلك إذناً ولم يسمّه عقداً ، وهو احتجاج ضعيف ، لأنّ الإذن يطلق على العقد لا سيما بعد أن دخلت عليه باء السببية المتعلّقة ب ( انكحوهنّ ) .والقول في الأجور والمعروف تقدّم قريباً . غير أنّ قوله : { وأتوهن } وإضافة الأجور إليهنّ ، دليل على أنّ الأمة أحقّ بمهرها من سيّدها . ولذلك قال مالك في كتاب الرهون ، من المدونة : إنّ على سيّدها أن يجهّزها بمهرها . ووقع في كتاب النكاح الثاني منها : إنّ لسيّدها أن يأخذ مَهرها ، فقيل : هو اختلاف من قول مالك ، وقيل : إنّ قوله في كتاب النكاح : إذا لم تُبَوَّأ أو إذا جهّزها من عنده قبل ذلك ، ومعنى تُبَوَّأ إذا جعل سكناها مع زوجها في بيت سيّدها .وقوله : { محصنات } حال من ضمير الإماء ، والإحصان التزوّج الصحيح ، فهي حال مقدّرة ، أي ليصرن محصنات .وقوله : { غير مسافحات } صفة للحال ، وكذلك { ولا متخذات أخدان } قصد منها تفظيع ما كانت ترتكبه الإماء في الجاهلية بإذن مواليهنّ لاكتساب المَال بالبغاء ونحوه ، وكان الناس يومئذ قريبا عصرهم بالجاهلية .والمسافحات الزواني مع غير معيّن . ومتّخذاتُ الأخذَان هنّ متّخذات أخلاّء تتّخذ الواحدة خليلاً تختصّ به لا تألف غيره . وهذا وإن كان يشبه النكاح من جهة عدم التعدّد ، إلاّ أنّه يخالفه من جهة التستّر وجهل النسب وخلع برقع المروءة ، ولذلك عطفه على قوله : { غير مسافحات } سدّ المداخل الزني كلّها . وتقدّم الكلام على أنواع المعاشرة التي كان عليها أهل الجاهلية في أول هذه السورة .وقرأه الكسائي بكسر الصاد وقرأه الجمهور بفتح الصاد .وقوله : { فإذا أُحْصنّ } أي أحصنهنّ أزواجُهن ، أي فإذا تزوجن . فالآية تقتضي أنّ التزوّج شرط في إقامة حدّ الزنا على الإماء ، وأنّ الحدّ هو الجلد المعيّن لأنّه الذي يمكن فيه التنصيف بالعدد . واعلم أنّا إذا جرينا على ما حقّقناه ممّا تقدّم في معنى الآية الماضية تعيّن أن تكون هذه الآية نزلت بعد شرع حدّ الجلد للزانية والزاني بآية سورة النور . فتكون مخصّصة لعموم الزانية بغير الأمة ، ويكون وضع هذه الآية في هذا الموضع ممّا ألحق بهذه السورة إكمالا للأحكام المتعلّقة بالإماء كما هو و اقع في نظائر عديدة ، كما تقدّم في المقدّمة الثامنة من مقدّمات هذا التفسير . وهذه الآية تحيّر فيها المتأوّلون لاقتضائها أن لا تحدّ الأمة في الزنى إلاّ إذا كانت متزوّجة ، فتأوّلها عمر بن الخطاب ، وابن مسعود ، وابن عُمَر بأنّ الإحصان هنا الإسلام ، ورأوا أنّ الأمة تحدّ في الزنا سواء كانت متزوّجة أم عزبى ، وإليه ذهب الأيّمة الأربعة . ولا أظنّ أنّ دليل الأيّمة الأربعة هو حمل الإحصان هنا على معنى الإسلام ، بل ما ثبت في «الصحيحين» أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن؛ فأوجب عليها الحدّ . قال ابن شهاب فالأمة المتزوّجة محدودة بالقرآن ، والأمة غير المتزوّجة محدودة بالسنّة . ونِعْم هذا الكلام . قال القاضي إسماعيل بن إسحاق : في حمل الإحصان في الآية على الإسلام بُعد؛ لأنّ ذكر إيمانهن قد تقدّم في قوله : { من فتياتكم المؤمنات } وهو تدقيق ، وإن أباه ابن عطية .وقد دلّت الآية على أنّ حدّ الأمة الجلد ، ولم تذكر الرجم ، فإذا كان الرجم مشروعاً قبل نزولها دلّت على أنّ الأمة لا رجم عليها ، وهو مذهب الجمهور ، وتوقّف أبو ثور في ذلك ، وإن كان الرجم قد شرع بعد ذلك فلا تدلّ الآية على نفي رجم الأمة ، غير أنّ قصد التنصيف في حدّها يدلّ على أنّها لا يبلغ بها حدّ الحرّة ، فالرجم ينتفي لأنّه لا يقبل التجزئة ، وهو ما ذَهِل عنه أبو ثور .وقد روي عن عمر بن الخطاب : أنّه سئل عن حدّ الأمة فقال : «الأمة ألقت فَروة رأسها من وراء الدار» أي ألقت في بيت أهلها قناعها ، أي أنّها تخرج إلى كلّ موضع يرسلها أهلها إليه لا تقدر على الامتناع من ذلك ، فتصير إلى حيث لا تقدر على الامتناع من الفجور ، قالوا : فكان يرى أن لا حدّ عليها إذا فجرت ما لم تتزوّج ، وكأنّه رأى أنّها إذا تزوّجت فقد منعها زوجها . وقولُه هذا وإن كان غير المشهور عنه ، ولكنّنا ذكرناه لأنّ فيه للمتبصّر بتصريف الشريعة عبرة في تغليظ العقوبة بمقدار قوّة الخيانة وضعف المعذرة .وقرأ نافع ، وابن كثير ، وابن عامر ، وحفص عن عاصم ، وأبو جعفر ، ويعقوب : { أحصن } بضمّ الهمزة وكسر الصاد مبنيّا للنائب ، وهو بمعنى مُحْصَنات المفتوح الصاد . وقرأه حمزة ، والكسائي وأبو بكر عن عاصم ، وخلَف : بفتح الهمزة وفتح الصاد ، وهو معنى محصِنات بكسر الصاد .وقوله : { ذلك لمن خشى العنت منكم } إشارة إلى الحكم الصالح لأن يتقيّد بخشية العنت ، وذلك الحكم هو نكاح الإماء .والعنت : المشقّة ، قال تعالى : { ولو شاء الله لأعنتكم } [ البقرة : 220 ] وأريد به هنا مشقّة العُزبة التي تكون ذريعة إلى الزنا ، فلذلك قال بعضهم : أريد العَنت الزنا .وقوله : { وأن تصبروا خير لكم } أي إذا استطعتم الصبر مع المشقّة إلى أن يتيسّر له نكاح الحرّة فذلك خير ، لئلا يوقع أبناءه في ذلّ العبودية المكروهة للشارع لولا الضرورة ، ولئلا يوقع نفسه في مذّلة تصرّف الناس في زوجه .وقوله : { والله غفور رحيم } أي إن خفتم العَنت ولم تصبروا عليه ، وتزوّجتم الإماء ، وعليه فهو مؤكّد لمعنى الإباحة . مؤذن بأنّ إباحة ذلك لأجل رفع الحرج ، لأنّ الله رحيم بعباده . غفور فالمغفرة هنا بمعنى التجاوز عمّا ما يقتضي مقصدُ الشريعة تحريمَه ، فليس هنا ذنب حتّى يغفر .
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
وبعد أن بين - سبحانه - المحرمات من النساء ، وبين من يحل نكاحه منهن ، عقب ذلك ببيان ما ينبغى أن يفعله من لا يستطيع نكاح المحصنات المؤمنات فقال - تعالى - ( وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ . . . . ) .قوله ( طَوْلاً ) أى سعة وقدرة وغنى فى المال .قال صاحب الكشاف : الطول : الفضل . يقال : لفلان على فلان طول أى : زيادة وفضل . وقد طاله طولا فهو طائل . قال الشاعر :لقد زادنى حبا لنفسى أننى ... بغيض إلى كل امرئ غير طائلومنه قولهم : ما خلا منه بطائل . أى بشئ يعتد به مما له فضل وخطر . ومنه الطول فى الجسم لأنه زيادة فيه .والمراد بالمحصنات هنا الحرائر بدليل مقابلتهن بالمملوكات ، وعبر عنهن بذلك ، لأن حريتهن أحصنتهن عن النقص الذى فى الإِماء .والمراد بقوله ( مِّن فَتَيَاتِكُمُ ) أى من إمائكم وأرقائكم .والمعنى : ومن لم يستطع منكم يا معشر المؤمنين الأحرار أن يحصل زيادة فى المال تمكنه من أن ينكح الحرائر المؤمنات ، فله فى هذه الحالة أن ينكح بعض الإِماء المؤمنات اللائى هن مملوكات لغيركم .و ( مَن ) فى قوله ( وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ ) شرطية ، وجوابها قوله ، فمما ملكت أيمانكم ، ويصح أن تكون موصولة ويكون قوله ( فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم ) هو الخبر .وقوله ( مِنكُمْ ) حال من الضمير فى ( يَسْتَطِعْ ) وقوله ( طَوْلاً ) مفعول به ليستطع . هذا ، والآية تفيد بمضمونها أنه لا يحل الزواج من الإِماء إلا إذا كان المسلم الحر ليس فى قدرته أن يتزوج امرأة حرة .ولذا قال بعضهم : إن الله - تعالى - شرط فى نكاح الإِماء شرائط ثلاثة : اثنان منها فى الناكح ، والثالث فى المنكوحة .أما اللذان فى الناكح فأحدهما أن يكون غير واجد لما يتزوج به الحرة المؤمنة من الصداق .والثاني هو المذكور فى آخر الآية وهو قوله : ( ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ العنت مِنْكُمْ ) .وأما الشرط الثالث المعتبر فى المنكوحة فهو أن تكون الأمة مؤمنة لا كافرة . . وقد خالف الإِمام أبو حنيفة هذا الشرط الثالث فأباح للمسلم الزواج من الأمة الكتابية إن لم يكن عنده زوجة حرة فإن كان متزوجا بحرة فإنه لا يجوز له أن يتزوج أمة مطلقا لا مسلمة ولا كتابية ، وإن عقد عليها كان عقده باطلا وقد بنى حكمه هذا على أساس تفسيره للطول بأنه الزواج بحرة .أما المالكية والشافعية فقد قالوا : الطول : السعة والقدرة على المهر والنفقة فمن عجز عن مهر الحرة ونفقتها وهو قادر على الزواج من أمة فإنه يجوز له الزواج بها ولو كانت عنده زوجة حرة .وفى التعبير عن الإِماء بقوله ( فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ المؤمنات ) تكريم لهؤلاء الأرقاء ، وإعزاز لإِنسانيتهن ، وتعليم للمسلمين أن يلتزموا الأدب فى مخاطبتهم لأرقائهم ولذا ورد فى الحديث الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يقولن أحدكم عبدى وأمتى ، ولكن ليقل فتاى وفتاتى " .وقوله - تعالى - ( والله أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ ) جملة معترضة سيقت بين إباحة النكاح من الاماء المؤمنات وبين صورة العقد عليهن تأنيسا للقلوب ، وإزالة للنفرة عن ناكح الاماء ببيان أن مناط التفاخر إنما هو الايمان لا التباهى بالأحساب والأنساب .والمعنى : أنه - تعالى - أعلم منكم بمراتب إيمانكم الذى هو مناط التفضيل وأنتم وفتياتكم من أصل واحد فلا ينبغى أن يستعلى حر على عبد ، ولا حرة على أمة ، فرب إنسان غير حر أفضل عند الله بسبب إيمانه وعمله الصالح من إنسان حر .فالمقصود من هذه الجملة الكريمة إزالة ما كانت تستهجنه العرب من الزواج بالاماء ، ونهيهم عما كان متداولا بينهم من احتقارهم لولد الأمة وتسميتهم إياه بالهجين - أى الذى أبوه عربى وأمه أمة .وإلى هذا أشار صاحب الكشاف بقوله : فإن قلت : فما معنى قوله ( والله أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ ) ؟ قلت : معناه : أن الله أعلم بتفاضل ما بينكم وبين أرقائكم فى الايمان ورجحانه ونقصانه فيهم وفيكم . وربما كان إيمان الأمة أرجح من إيمان الحرة والمرأة أرجح فى الايمان من الرجل . وحق المؤمنين أن لا يعيروا إلا فضل الإيمان لا فضل الأحساب والأنساب . وهذا تأنيس بنكاح الاماء وترك الاستنكاف منه . وقوله ( بَعْضُكُمْ مِّن بَعْضٍ ) أى : أنتم وأرقاؤكم متناسبون متواصلون لاشتراككم فى الايمان لا يفضل حر عبدا إلا برجحان فيه .ثم بين - سبحانه - كيفية الزواج بهن فقال : ( فانكحوهن بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بالمعروف مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ) والمراد بأهلهن : مواليهن الذين يملكونهن : عبر عن المالكين لهن بالأهل ، حملا للناس على الأدب فى التعبير ، ولأنه يجب أن تكون العلاقة بين العبد ومالكه علاقة أهل لا علاقة استعلاء .والمراد بالأجور هنا : المهور التى تدفع لهن فى مقابل نكاحهن .والمراد بالمحصنات هنا : العفائف البيدات عن الفاحشة والريبة . والمرأة المسافحة هى التى تؤاجر نفسها لكل رجل أرادها . والتى تتخذ الخدن هى التى تتخذ لها صاحبا معينا . وكان أهل الجاهلية يفصلون بين القسمين فيستقبحون الزنا العلنى ويستحلون السرى ، فجاءت شريعة الإِسلام بتحريم القسمين . قال - تعالى ( وَلاَ تَقْرَبُواْ الفواحش مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ) وقال - تعالى ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفواحش مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ) وقوله ( فانكحوهن بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ) مترتب ومتفرع على ما قبله من أحكام .والمعنى : إذا عرفتم حكم الله فى شأن فتياتكم المؤمنات فانكحوهن بعد أن يأذن لكم فى ذلك مواليهن ويرضون عن هذا النكاح ، وأدوا إليهن مهورهن بالقدر المتعارف عليه شرعا وعادة عن طيب نفس منكم ، وبدون مطل أو بخس . فإنه لا يصح أن تتخذوا من كون المنكوحة أمة سبيلا لغمط حقها ، وتصغير شأنها .وقد اتفق العلماء على أن نكاح الأمة بغير إذن سيدها غير جائز ، عملا بظاهر هذه الآية الكريمة ، فان قوله - تعالى - : ( فانكحوهن بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ) يقتضى كون الإِذن شرطا فى جواز النكاح ، ولأن منافع الأمَّة لسيدها وهى ملك له فلا يجوز نكاحها إلا بإذنه .قال القرطبى : قوله - تعالى - ( فانكحوهن ) أى بولاية أرباهن المالكين وإذنهم . وكذلك العبد لا ينكح إلا بإذن سيده ، لأن العبد مملوك لا أمر له ، وبدنه كله مستغرق ، لكن الفرق بينما أن العبد إذا تزوج بغير إذن سيده فإن أجازه السيد جاز ، هذا المذهب مالك واصحاب الرأى ، والأمة إذا تزوجت بغير إذن أهلها فسخ ولم يجز ولو بإجازة السيد .وقوله ( وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) صريح فى وجوب دفع مهر فى مقابل نكاح الأمة ولكن من الذى يستلم هذا المهر؟يرى كثير من العلماء أن الذى يتسلم المهر هو السيد المالك للأمة . لأن المهر قد وجب عوضا عن منافع بضع المملوكة للسيد ، وهو الذى أباحها للزوج فوجب أن يكون هو المستحق لستلم المهر؛ ولأن العبد وما ملكت يداه لسيده أى آتوا أهلهن أجورهن فالكلام على حذف مضاف .ويرى الإِمام مالك أن الآية على ظاهرها ، وأن المهر إنما يدفع للأمة لأنها أحق به من سيدها ، وأنه ليس للسيد أن يأخذ من أمته ويدعها بلا جهاز فالعقد يتولاه السيد أما المهر فيعطى للأمة لتتولى إعداد نفسها للزواج منه .وقوله ( مُحْصَنَاتٍ ) حال من المفعول فى قوله ( فانكحوهن ) أى : فانحكوهن حال كونهن عفائف عن الفاحشة .وقوله ( غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ ) تأكيد له أى غير مجاهرات بالزنا .وقوله ( وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ) تأكيد آخر لبعدهن عن الريبة . والأخدان جمع خدن وهو الصاحب والصديق .والمراد به هنا : من تتخذه المرأة صاحبا لها لارتكاب الفاحشة معه سراً .وقد وصف الله - تعالى - الزوجات الإِماء بذلك ، لتحريضهن على التمسك بأهداب الفضيلة والشرف ، إذ الرق مظنة الانزلاق والوقوع فى الفاحشة لما يصاحبه من هوان وضعف ، ولا شئ كالهوان يفتح الباب أمام الرذيلة والفاحشة ومن هنا قالت هند بنت عتبة - باستغراب واستنكار - لرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أخذ العهد عليها وعلى المؤمنات بقوله ( وَلاَ يَزْنِينَ ) قالت يا رسول الله : أو تزنى الحرة؟!!ثم بين - سبحانه - عقوبة الإِماء إذا ما ارتكبن الفاحشة فقال - تعالى - ( فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المحصنات مِنَ العذاب ) .ومعنى الإِحصان هنا : الزواج . والمراد بالفاحشة : الزنا . والمراد بالعذاب : الحد الشرعى أى : فإذا أحسن أى بالتزويج ، فإن أتين بفاحشة الزنا وثبت ذلك عليهن ، ففى هذه الحالة حدهن نصف حد الحرائر من النساء .أى أن الأمة إذا زنت فحدها أنت تجدل خمسين جدلة ولا رجم عليها لأنه لا يتنصف فلا يكون مرادا هنا .وظاهر الجملة الكريمة يفيد أن الأمة لا تحد إذا زنت متى كانت غير متزوجة وقد أخذ بهذا الظاهر بعض العلماء . ولكن جمهور العلماء يرون أن الأمة يقام عليها الحد إذا زنت سواء أكانت متزوجة أم غير متزوجه .فالآية الكريمة صرحت بأن الأمة إذا ارتكبت الفحشاء تكون عقوبتها نصف عقوبة الحرة ، لأن الجريمة يضعف أثرها بضعف مرتكبها ، ويقوى أثرها بقوة مرتكبها ، فكان من العدل أن يعاقب الأرقاء لضعفهم بنصف عقوبة الأحرار الأقوياء .فأين هذا السمو والرحمة والدالة فى التشريع من مظالم القوانين الوضعية ففى القانون الرومانى كان العبد إذا زنى بحرة قتل ، وإذا زنى الشريف حكم عليه بغرامة . ولقد حذر النبى صلى الله عليه وسلم من ذلك بقوله : " إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا : إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد . . . " .ثم ختم - سبحانه - الآية بقوله : ( ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ العنت مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) .واسم الإِشارة " ذلك " يعود إلى نكاح الإِماء .والعنت : المشقة الشديدة التى يخشى معها التلف أو الوقوع فى الفاحشة التى نها الله - تعالى - عنها . ولذا قال بعضهم المراد به هنا : الزنا .أى : ذلك الذى شرعناه لكم من إباحة الزواج بالإِماء عند الضرورة يكون بالنسبة لمن خشى على نفسه العزبة التى قد تفضى به إلى الوقوع فى الفاحشة والآثام . ( وَأَن تَصْبِرُواْ ) على تحمل المشقة متعففين عن نكاحهن حتى يرزقكم الله الزواج بالحرة ، فصبركم هذا خير لكم من نكاح الإِسماء وإن رخص لكم فيه .وقوله ( والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) أى واسع المغفرة كثيرها ، فيغفر لمن لم يصبر عن نكاحن - وفى ذلك تنفير عنه حتى لكأنه ذنب - وهو - سبحانه - واسع الرحمة بعباده حيث شرع لهم ما فيه تيسير عليهم ورأفة بهم .قالوا : وإنما كان الصبر عن نكاح الإِماء خيراً من نكاحهن ، لأن الولد الذى يأتى عن طريقهن يكون معرضا للرق ، ولأن الأمة فى الغالب لا تستطيع أن تهيئ البيت الصالح للزوجية من كل الوجوه لانشغالها بخدمة سيدها .وقد أشار صاحب الكشاف إلى هذا المعنى بقوله : فإن قلت : لم كان نكاح الأمة منحطا عن نكاح الحرة؟ قلت : لما فيه من اتباع الولد الأم فى الرق . ولثبوت حق المولى فيها وفى استخدامها . ولأنها ولأنها ممتهنة مبتذلة خراجة ولاجة ، وذلك كله نقصان راجع إلى الناكح ومهانة .والعزة من صفات المؤمنين .وبذلك نرى أن الآية الكريمة وإن كانت قد رخصت فى زواج الإِماء عند الضرورة الشديدة إلا أنها حضت المؤمنين على الصبر عن نكاحهن لما فى نكاحهن من أضرار يأباها الشخص العزيز النفس ، الكريم الخلق . والسبيل الأمثل للزواج بهن يكون بعد شرائهن وإعتاقهن ، وبذلك يقل الرقيق ويكثر الأحرار ولذا لو جامعها مولاها كان ابنه حراً وكان طريقا لحريتها ومنع بيعها .وبعد أن بين - سبحانه - فيما سبق من آيات كثيراً من الأوامر والنواهى والمحرمات والمباحات . . عقب ذلك ببيان جانب من مظهر فضله على عباده ورحمته بهم فقال - تعالى - : ( يُرِيدُ الله . . . . ضَعِيفاً ) .
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
قوله تعالى : ( ومن لم يستطع منكم طولا ) أي : فضلا وسعة ، ( أن ينكح المحصنات ) الحرائر ( المؤمنات ) قرأ الكسائي ( المحصنات ) بكسر الصاد حيث كان ، إلا قوله في هذه السورة والمحصنات من النساء ، وقرأ الآخرون بفتح جميعها ، ( فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم ) إمائكم ، ( المؤمنات ) أي : من لم يقدر على مهر الحرة المؤمنة ، فليتزوج الأمة المؤمنة .وفيه دليل على أنه لا يجوز للحر نكاح الأمة إلا بشرطين ، أحدهما : أن لا يجد مهر حرة ، والثاني أن يكون خائفا على نفسه من العنت ، وهو الزنا ، لقوله تعالى في آخر الآية : ( ذلك لمن خشي العنت منكم ) وهو قول جابر رضي الله عنه ، وبه قال طاوس وعمرو بن دينار ، وإليه ذهب مالك والشافعي .وجوز أصحاب الرأي للحر نكاح الأمة إلا أن تكون في نكاحه حرة ، أما العبد فيجوز له نكاح الأمة وإن كان في نكاحه حرة أو أمة ، وعند أبي حنيفة رضي الله عنه لا يجوز إذا كانت تحته حرة ، كما يقول في الحر .وفي الآية دليل على أنه لا يجوز للمسلم نكاح الأمة الكتابية لأنه قال ( فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ) جوز نكاح الأمة بشرط أن تكون مؤمنة ، وقال في موضع آخر : " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب " ( المائدة - 5 ) أي : الحرائر ، جوز نكاح الكتابية ، بشرط أن تكون حرة ، وجوز أصحاب الرأي للمسلم نكاح الأمة الكتابية ، وبالاتفاق يجوز وطؤها بملك اليمين .[ ( والله أعلم بإيمانكم ) أي : لا تتعرضوا للباطن في الإيمان وخذوا بالظاهر فإن الله أعلم بإيمانكم ] .( بعضكم من بعض ) قيل : بعضكم إخوة لبعض ، وقيل : كلكم من نفس واحدة فلا تستنكفوا من نكاح الإماء ، ( فانكحوهن ) يعني : الإماء ( بإذن أهلهن ) أي : مواليهن ، ( وآتوهن أجورهن ) مهورهن ، ( بالمعروف ) من غير مطل وضرار ، ( محصنات ) عفائف بالنكاح ، ( غير مسافحات ) أي : غير زانيات ، ( ولا متخذات أخدان ) أي : أحباب تزنون بهن في السر ، قال الحسن : المسافحة هي أن كل من دعاها تبعته ، وذات أخدان أي : تختص بواحد لا تزني إلا معه ، والعرب كانت تحرم الأولى وتجوز الثانية ، ( فإذا أحصن ) قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر بفتح الألف والصاد ، أي : حفظن فروجهن ، وقال ابن مسعود : أسلمن ، وقرأ الآخرون : ( أحصن ) بضم الألف وكسر الصاد ، أي : زوجن ( فإن أتين بفاحشة ) يعني : الزنا ، ( فعليهن نصف ما على المحصنات ) أي : ما على الحرائر الأبكار إذا زنين ، ( من العذاب ) يعني : الحد ، فيجلد الرقيق إذا زنى خمسين جلدة ، وهل يغرب؟ فيه قولان ، فإن قلنا يغرب فيغرب نصف سنة على القول الأصح ولا رجم على العبيد .روي عن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة قال : أمرني عمر بن الخطاب رضي الله عنه في فتية من قريش فجلدنا ولائد من ولائد الإمارة خمسين في الزنا .ولا فرق في حد المملوك بين من تزوج أو لم يتزوج عند أكثر أهل العلم ، وذهب بعضهم إلى أنه لا حد على من لم يتزوج من المماليك إذا زنى ، لأن الله تعالى قال : ( فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات ) وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وبه قال طاوس .ومعنى الإحصان عند الآخرين الإسلام ، وإن كان المراد منه التزويج فليس المراد منه أن التزويج شرط لوجوب الحد عليه ، بل المراد منه التنبيه على أن المملوك وإن كان محصنا بالتزويج فلا رجم عليه ، إنما حده الجلد بخلاف الحر ، فحد الأمة ثابت بهذه الآية ، وبيان أنه بالجلد في الخبر وهو ما أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا عبد العزيز بن عبد الله ، حدثني الليث ، عن سعيد يعني المقبري ، عن أبيه ، عن أبي هريرة رضي الله عنهم قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ، ثم إن زنت فليجلدها الحد ولا يثرب ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر " .قوله تعالى : ( ذلك ) يعني : نكاح الأمة عند عدم الطول ، ( لمن خشي العنت منكم ) يعني : الزنا ، يريد المشقة لغلبة الشهوة ، ( وإن تصبروا ) عن نكاح الإماء متعففين ، ( خير لكم ) لئلا يخلق الولد رقيقا ( والله غفور رحيم ) .