تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
ليس على أصحاب الأعذار من العُمْيان وذوي العرج والمرضى إثم في ترك الأمور الواجبة التي لا يقدرون على القيام بها، كالجهاد ونحوه، مما يتوقف على بصر الأعمى أو سلامة الأعرج أو صحة المريض، وليس على أنفسكم- أيها المؤمنون- حرج في أن تأكلوا من بيوت أولادكم، أو من بيوت آبائكم، أو أمهاتكم، أو إخوانكم، أو أخواتكم، أو أعمامكم، أو عماتكم، أو أخوالكم، أو خالاتكم، أو من البيوت التي وُكِّلْتم بحفظها في غيبة أصحابها بإذنهم، أو من بيوت الأصدقاء، ولا حرج عليكم أن تأكلوا مجتمعين أو متفرقين، فإذا دخلتم بيوتًا مسكونة أو غير مسكونة فليسلِّم بعضكم على بعض بتحية الإسلام، وهي: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أو السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، إذا لم يوجد أحد، وهذه التحية شرعها الله، وهي مباركة تُنْمِي المودة والمحبة، طيبة محبوبة للسامع، وبمثل هذا التبيين يبيِّن الله لكم معالم دينه وآياته؛ لتعقلوها، وتعملوا بها.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
«ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج» في مؤاكلة مقابليهمْ «ولا» حرج «على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم» أولادكم «أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه» خزنتموه لغيركم «أو صديقكم» وهو من صدقكم في مودته المعنى يجوز الأكل من بيوت من ذكر وإن لم يحضروا إذا علم رضاهم به «ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا» مجتمعين «أو أشتاتا» متفرقين جمع شت نزل فيمن تحرج أن يأكل وحده وإذا لم بجد يؤاكله يترك الأكل «فإذا دخلتم بيوتا» لكم لا أهل بها «فسلموا على أنفسكم» قولوا السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فإن الملائكة ترد عليكم وإن كان بها أهل فسلموا عليهم «تحية» حيا «من عند الله مباركة طيبة» يثاب عليها «كذلك يبيَّن الله لكم الآيات» أي يفضل لكم معالم دينكم «لعلكم تعقلون» لكي تفهموا ذلك.
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
قوله تعالى : ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلونفيه إحدى عشرة مسألة :الأولى : قوله تعالى : ليس على الأعمى حرج اختلف العلماء في تأويل هذه الآية على أقوال ثمانية . أقربها : هل هي منسوخة ، أو ناسخة ، أو محكمة ؛ فهذه ثلاثة أقوال :الأول : أنها منسوخة من قوله تعالى : ولا على أنفسكم إلى آخر الآية ؛ قاله عبد الرحمن بن زيد ، قال : هذا شيء قد انقطع ، كانوا في أول الإسلام ليس على أبوابهم أغلاق ، وكانت الستور مرخاة ، فربما جاء الرجل فدخل البيت وهو جائع وليس فيه أحد ؛ فسوغ الله - عز وجل - أن يأكل منه ، ثم صارت الأغلاق على البيوت فلا يحل لأحد أن يفتحها ، فذهب هذا وانقطع . قال صلى الله عليه وسلم - : لا يحتلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه . . الحديث . خرجه الأئمة .[ ص: 290 ] الثاني : أنها ناسخة ؛ قاله جماعة . روى علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قال : لما أنزل الله - عز وجل - يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل قال المسلمون : إن الله - عز وجل - قد نهانا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ، وأن الطعام من أفضل الأموال ، فلا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد ، فكف الناس عن ذلك ؛ فأنزل الله - عز وجل - : ليس على الأعمى حرج إلى أو ما ملكتم مفاتحه . قال : هو الرجل يوكل الرجل بضيعته .قلت : علي بن أبي طلحة هذا هو مولى بني هاشم سكن الشام ، يكنى أبا الحسن ويقال : أبا محمد ، اسم أبيه أبو طلحة سالم ، تكلم في تفسيره ؛ فقيل : إنه لم ير ابن عباس ، والله أعلم .الثالث : أنها محكمة ؛ قاله جماعة من أهل العلم ممن يقتدى بقولهم ؛ منهم سعيد بن المسيب ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود . وروى الزهري ، عن عروة ، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : كان المسلمون يوعبون في النفير مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكانوا يدفعون مفاتيحهم إلى ضمناهم ويقولون : إذا احتجتم فكلوا ؛ فكانوا يقولون : إنما أحلوه لنا عن غير طيب نفس ؛ فأنزل الله - عز وجل - : ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم إلى آخر الآية . قال النحاس : يوعبون أي يخرجون بأجمعهم في المغازي ؛ يقال : أوعب بنو فلان لبني فلان إذا جاءوهم بأجمعهم . وقال ابن السكيت : يقال أوعب بنو فلان جلاء ؛ فلم يبق ببلدهم منهم أحد . وجاء الفرس بركض وعيب ؛ أي بأقصى ما عنده . وفي الحديث : في الأنف إذا استوعب جدعه الدية إذا لم يترك منه شيء . واستيعاب الشيء استئصاله . ويقال : بيت وعيب إذا كان واسعا يستوعب كل ما جعل فيه . والضمنى هم الزمنى ، واحدهم ضمن زمن . قال النحاس : وهذا القول من أجل ما روي في الآية ؛ لما فيه عن الصحابة والتابعين من التوفيق أن الآية نزلت في شيء بعينه . قال ابن العربي : وهذا كلام منتظم لأجل تخلفهم عنهم في الجهاد وبقاء أموالهم بأيديهم ، لكن قوله : أو ما ملكتم مفاتحه قد اقتضاه ؛ فكان هذا القول بعيدا جدا . لكن المختار أن يقال : إن الله رفع الحرج عن الأعمى فيما يتعلق بالتكليف الذي يشترط فيه البصر ، وعن الأعرج فيما يشترط في التكليف به من المشي ؛ وما يتعذر من الأفعال مع وجود العرج ، وعن المريض فيما يؤثر المرض في إسقاطه ؛ كالصوم وشروط الصلاة وأركانها ، والجهاد ونحو ذلك . ثم قال بعد ذلك مبينا : وليس عليكم حرج في [ ص: 291 ] أن تأكلوا من بيوتكم . فهذا معنى صحيح ، وتفسير بين مفيد ، يعضده الشرع والعقل ، ولا يحتاج في تفسير الآية إلى نقل .قلت : وإلى هذا أشار ابن عطية فقال : فظاهر الآية وأمر الشريعة يدل على أن الحرج عنهم مرفوع في كل ما يضطرهم إليه العذر ، وتقتضي نيتهم فيه الإتيان بالأكمل ، ويقتضي العذر أن يقع منهم الأنقص ، فالحرج مرفوع عنهم في هذا . فأما ما قال الناس في الحرج : هنا وهي :الثانية : قال ابن زيد : هو الحرج في الغزو ؛ أي لا حرج عليهم في تأخرهم . وقوله تعالى : ولا على أنفسكم الآية ، معنى مقطوع من الأول . وقالت فرقة : الآية كلها في معنى المطاعم . قالت : وكانت العرب ومن بالمدينة قبل المبعث تتجنب الأكل مع أهل الأعذار ؛ فبعضهم كان يفعل ذلك تقذرا لجولان اليد من الأعمى ، ولانبساط الجلسة من الأعرج ، ولرائحة المريض وعلاته ؛ وهي أخلاق جاهلية وكبر ، فنزلت الآية مؤذنة . وبعضهم كان يفعل ذلك تحرجا من غير أهل الأعذار ، إذ هم مقصرون عن درجة الأصحاء في الأكل ، لعدم الرؤية في الأعمى ، وللعجز عن المزاحمة في الأعرج ، ولضعف المريض ؛ فنزلت الآية في إباحة الأكل معهم . وقال ابن عباس في كتاب الزهراوي : إن أهل الأعذار تحرجوا في الأكل مع الناس من أجل عذرهم ؛ فنزلت الآية مبيحة لهم . وقيل : كان الرجل إذا ساق أهل العذر إلى بيته فلم يجد فيه شيئا ذهب به إلى بيوت قرابته ؛ فتحرج أهل الأعذار من ذلك ؛ فنزلت الآية .الثالثة : قوله تعالى : ( ولا على أنفسكم ) هذا ابتداء كلام أي : ولا عليكم أيها الناس . ولكن لما اجتمع المخاطب وغير المخاطب غلب المخاطب لينتظم الكلام . وذكر بيوت القرابات وسقط منها بيوت الأبناء ; فقال المفسرون : ذلك لأنها داخلة في قوله : " في بيوتكم " لأن بيت ابن الرجل بيته وفي الخبر " أنت ومالك لأبيك " . لأنه ذكر الأقرباء بعد ، ولم يذكر الأولاد . قال النحاس : وعارض بعضهم هذا القول فقال : هذا تحكم على كتاب الله تعالى ; بل الأولى في الظاهر ألا يكون الابن مخالفا لهؤلاء ، وليس الاحتجاج بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أنت ومالك لأبيك " بقوي لوهي هذا الحديث ، وأنه لو صح لم تكن فيه حجة ; إذ قد يكون النبي صلى الله عليه وسلم علم أن مال ذلك المخاطب لأبيه . وقد قيل إن المعنى : أنت لأبيك ، ومالك مبتدأ ; أي : ومالك لك . والقاطع لهذا التوارث بين الأب والابن . وقال الترمذي الحكيم : ووجه قوله تعالى : " ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم " كأنه يقول : مساكنكم التي فيها أهاليكم وأولادكم ; فيكون للأهل والولد هناك شيء قد أفادهم هذا الرجل الذي له المسكن ، فليس عليه حرج أن يأكل معهم من ذلك القوت ، أو يكون للزوجة والولد هناك شيء من ملكهم فليس عليه في ذلك حرج . الرابعة : قوله تعالى : أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم قال بعض العلماء : هذا إذا أذنوا له في ذلك . وقال آخرون : أذنوا له أو لم يأذنوا فله أن يأكل ؛ لأن القرابة التي بينهم هي إذن منهم . وذلك لأن في تلك القرابة عطفا تسمح النفوس منهم بذلك العطف أن يأكل هذا من شيئهم ويسروا بذلك إذا علموا . ابن العربي : أباح لنا الأكل من جهة النسب من غير استئذان إذا كان الطعام مبذولا ، فإذا كان محرزا دونهم لم يكن لهم أخذه ، ولا يجوز أن يجاوزوا إلى الادخار ، ولا إلى ما ليس بمأكول وإن كان غير محرز عنهم إلا بإذن منهم .الخامسة : قوله تعالى : أو ما ملكتم مفاتحه يعني مما اختزنتم وصار في قبضتكم . وعظم ذلك ما ملكه الرجل في بيته وتحت غلقه ؛ وذلك هو تأويل الضحاك ، وقتادة ، ومجاهد . وعند جمهور المفسرين يدخل في الآية الوكلاء والعبيد والأجراء . قال ابن عباس : عني وكيل الرجل على ضيعته ، وخازنه على ماله ؛ فيجوز له أن يأكل مما هو قيم عليه . وذكر معمر ، عن قتادة ، عن عكرمة قال : إذا ملك الرجل المفتاح فهو خازن ، فلا بأس أن يطعم الشيء اليسير . ابن العربي : وللخازن أن يأكل مما يخزن إجماعا ؛ وهذا إذا لم تكن له أجرة ، فأما إذا كانت له أجرة على الخزن حرم عليه الأكل . وقرأ سعيد بن جبير ( ملكتم ) بضم الميم وكسر اللام وشدها . وقرأ أيضا ( مفاتيحه ) بياء بين التاء والحاء ، جمع مفتاح ؛ وقد مضى في ( الأنعام ) . وقرأ قتادة ( مفتاحه ) على الإفراد . وقال ابن عباس : نزلت هذه الآية في الحارث بن عمرو ، خرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غازيا وخلف مالك بن زيد على أهله ، فلما رجع وجده مجهودا فسأله عن حاله فقال : تحرجت أن آكل من طعامك بغير إذنك ؛ فأنزل الله تعالى هذه الآية .[ ص: 293 ] السادسة : قوله تعالى : أو صديقكم الصديق بمعنى الجمع ، وكذلك العدو ؛ قال الله تعالى : فإنهم عدو لي . وقال جرير :دعون الهوى ثم ارتمين قلوبنا بأسهم أعداء وهن صديقوالصديق من يصدقك في مودته وتصدقه في مودتك . ثم قيل : إن هذا منسوخ بقوله : لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم ، وقوله تعالى : فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها الآية ، وقوله - عليه السلام - : لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة نفس منه . وقيل : هي محكمة ؛ وهو أصح . ذكر محمد بن ثور ، عن معمر قال : دخلت بيت قتادة فأبصرت فيه رطبا فجعلت آكله ؛ فقال : ما هذا ؟ فقلت : أبصرت رطبا في بيتك فأكلت ؛ قال : أحسنت ؛ قال الله تعالى : أو صديقكم . وذكر عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة في قوله : أو صديقكم قال : إذا دخلت بيت صديقك من غير مؤامرته لم يكن بذلك بأس . وقال معمر قلت لقتادة : ألا أشرب من هذا الحب ؟ قال : أنت لي صديق ! فما هذا الاستئذان . وكان - صلى الله عليه وسلم - يدخل حائط أبي طلحة المسمى ببيرحا ويشرب من ماء فيها طيب بغير إذنه ، على ما قاله علماؤنا ؛ قالوا : والماء متملك لأهله . وإذا جاز الشرب من ماء الصديق بغير إذنه جاز الأكل من ثماره وطعامه إذا علم أن نفس صاحبه تطيب به لتفاهته ويسير مؤنته ، أو لما بينهما من المودة . ومن هذا المعنى إطعام أم حرام له - صلى الله عليه وسلم - إذ نام عندها ؛ لأن الأغلب أن ما في البيت من الطعام هو للرجل ، وأن يد زوجته في ذلك عارية . وهذا كله ما لم يتخذ الأكل خبنة ، ولم يقصد بذلك وقاية ماله ، وكان تافها يسيرا .السابعة : قرن الله - عز وجل - في هذه الآية الصديق بالقرابة المحضة الوكيدة ، لأن قرب المودة لصيق . قال ابن عباس في كتاب النقاش : الصديق أوكد من القرابة ؛ ألا ترى استغاثة الجهنميين فما لنا من شافعين ولا صديق حميم .قلت : ولهذا لا تجوز عندنا شهادة الصديق لصديقه ، كما لا تجوز شهادة القريب لقريبه .[ ص: 294 ] وقد مضى بيان هذا والعلة فيه في ( النساء ) . وفي المثل - أيهم أحب إليك أخوك أم صديقك - قال : أخي إذا كان صديقي .الثامنة : قوله تعالى : ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا قيل : إنها نزلت في بني ليث بن بكر ، وهم حي من بني كنانة ، وكان الرجل منهم لا يأكل وحده ويمكث أياما جائعا حتى يجد من يؤاكله . ومنه قول بعض الشعراء :إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له أكيلا فإني لست آكله وحديقال ابن عطية : وكانت هذه السيرة موروثة عندهم عن إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - فإنه كان لا يأكل وحده . وكان بعض العرب إذا كان له ضيف لا يأكل إلا أن يأكل مع ضيفه ؛ فنزلت الآية مبينة سنة الأكل ، ومذهبة كل ما خالفها من سيرة العرب ، ومبيحة من أكل المنفرد ما كان عند العرب محرما ، نحت به نحو كرم الخلق ، فأفرطت في إلزامه ، وإن إحضار الأكيل لحسن ، ولكن بألا يحرم الانفراد .التاسعة : قوله تعالى : جميعا أو أشتاتا جميعا نصب على الحال . و أشتاتا جمع شت ، والشت المصدر بمعنى التفرق ؛ يقال : شت القوم أي تفرقوا . وقد ترجم البخاري في صحيحه باب ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج الآية . و - النهد والاجتماع - . ومقصوده فيما قاله علماؤنا في هذا الباب : إباحة الأكل جميعا وإن اختلفت أحوالهم في الأكل . وقد سوغ النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك ، فصارت تلك سنة في الجماعات التي تدعى إلى الطعام في النهد ، والولائم ، وفي الإملاق في السفر . وما ملكت مفاتحه بأمانة ، أو قرابة ، أو صداقة فلك أن تأكل مع القريب أو الصديق ووحدك . والنهد : ما يجمعه الرفقاء من مال أو طعام على قدر في النفقة ينفقونه بينهم ؛ وقد تناهدوا ؛ عن صاحب العين . وقال ابن دريد : يقال من ذلك : تناهد القوم الشيء بينهم . الهروي : وفي حديث الحسن أخرجوا نهدكم فإنه أعظم للبركة وأحسن لأخلاقكم . النهد : ما تخرجه الرفقة عند المناهدة ؛ وهو استقسام النفقة بالسوية في السفر وغيره . والعرب تقول : هات نهدك ؛ بكسر النون . قال المهلب : وطعام [ ص: 295 ] النهد لم يوضع للآكلين على أنهم يأكلون بالسواء ، وإنما يأكل كل واحد على قدر نهمته ، وقد يأكل الرجل أكثر من غيره . وقد قيل : إن تركها أشبه بالورع . وإن كانت الرفقة تجتمع كل يوم على طعام أحدهم فهو أحسن من النهد لأنهم لا يتناهدون إلا ليصيب كل واحد منهم من ماله ، ثم لا يدري لعل أحدهم يقصر عن ماله ويأكل غيره أكثر من ماله وإذا كانوا يوما عند هذا ويوما عند هذا بلا شرط فإنما يكونون أضيافا والضيف يأكل بطيب نفس مما يقدم إليه . وقال أيوب السختياني : إنما كان النهد أن القوم كانوا يكونون في السفر فيسبق بعضهم إلى المنزل ، فيذبح ، ويهيئ الطعام ، ثم يأتيهم ، ثم يسبق أيضا إلى المنزل فيفعل مثل ذلك ؛ فقالوا : إن هذا الذي تصنع كلنا نحب أن نصنع مثله فتعالوا نجعل بيننا شيئا لا يتفضل بعضنا على بعض ، فوضعوا النهد بينهم . وكان الصلحاء إذا تناهدوا تحرى أفضلهم أن يزيد على ما يخرجه أصحابه ، وإن لم يرضوا بذلك منه إذا علموه فعله سرا دونهم .العاشرة : قوله تعالى : فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون اختلف المتأولون في أي البيوت أراد ؛ فقال إبراهيم النخعي ، والحسن : أراد المساجد ؛ والمعنى : سلموا على من فيها من ضيفكم . فإن لم يكن في المساجد أحد فالسلام أن يقول المرء : السلام على رسول الله . وقيل : يقول السلام عليكم ؛ يريد الملائكة ، ثم يقول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين . وذكر عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله تعالى : فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم الآية ، قال : إذا دخلت المسجد فقل السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين . وقيل : المراد بالبيوت البيوت المسكونة ؛ أي فسلموا على أنفسكم . قاله جابر بن عبد الله ، وابن عباس أيضا ، وعطاء بن أبي رباح . وقالوا : يدخل في ذلك البيوت غير المسكونة ، ويسلم المرء فيها على نفسه بأن يقول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين . قال ابن العربي : القول بالعموم في البيوت هو الصحيح ، ولا دليل على التخصيص ؛ وأطلق القول ليدخل تحت هذا العموم كل بيت كان للغير أو لنفسه ، فإذا دخل بيتا لغيره استأذن كما تقدم ، فإذا دخل بيتا لنفسه سلم كما ورد في الخبر ، يقول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ؛ قاله ابن عمر . وهذا إذا كان فارغا ، فإن كان فيه أهله وخدمه فليقل : السلام عليكم . وإن كان مسجدا فليقل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين . وعليه حمل ابن عمر [ ص: 296 ] البيت الفارغ . قال ابن العربي : والذي أختاره إذا كان البيت فارغا ألا يلزم السلام ، فإنه إن كان المقصود الملائكة فالملائكة لا تفارق العبد بحال ، أما إنه إذا دخلت بيتك يستحب لك ذكر الله بأن تقول : ما شاء الله لا قوة إلا بالله . وقد تقدم في سورة ( الكهف ) . وقال القشيري في قوله : إذا دخلتم بيوتا : والأوجه أن يقال إن هذا عام في دخول كل بيت ، فإن كان فيه ساكن مسلم يقول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وإن لم يكن فيه ساكن يقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، وإن كان في البيت من ليس بمسلم قال السلام على من اتبع الهدى ، أو السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين . وذكر ابن خويز منداد قال : كتب إلي أبو العباس الأصم ، قال حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : حدثنا جعفر بن ميسرة ، عن زيد بن أسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا دخلتم بيوتا فسلموا على أهلها ، واذكروا اسم الله ، فإن أحدكم إذا سلم حين يدخل بيته وذكر اسم الله تعالى على طعامه ، يقول الشيطان لأصحابه : لا مبيت لكم هاهنا ولا عشاء ، وإذا لم يسلم أحدكم إذا دخل ولم يذكر اسم الله على طعامه قال الشيطان لأصحابه أدركتم المبيت والعشاء .قلت : هذا الحديث ثبت معناه مرفوع من حديث جابر ، خرجه مسلم . وفي كتاب أبي داود ، عن أبي مالك الأشجعي قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا ولج الرجل بيته فليقل اللهم إني أسألك خير الولوج وخير الخروج ، باسم الله ولجنا وباسم الله خرجنا وعلى الله ربنا توكلنا ، ثم ليسلم على أهله .الحادية عشرة : قوله تعالى : ( تحية ) مصدر ؛ لأن قوله : ( فسلموا ) معناه فحيوا . وصفها بالبركة لأن فيها الدعاء واستجلاب مودة المسلم عليه . ووصفها أيضا بالطيب لأن سامعها يستطيبها . والكاف من قوله : ( كذلك ) كاف تشبيه . و ( ذلك ) إشارة إلى هذه السنن ؛ أي كما بين لكم سنة دينكم في هذه الأشياء يبين لكم سائر ما بكم حاجة إليه في دينكم .
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آَبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61){ لَّيْسَ عَلَى الاعمى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الاعرج حَرَجٌ وَلاَ عَلَى المريض حَرَجٌ } .اختلف في أن قوله تعالى : { ليس على الأعمى حرج } الخ منفصل عن قوله { ولا على أنفسكم } وأنه في غرض غير غرض الأكل في البيوت ، أي فيكون من تمام آية الاستيذان ، أو هو متصل بما بعده في غرض واحد .فقال بالأول الحسن وجابر بن زيد وهو مختار الجبائي وابن عطية وابن العربي وأبي حيان . وقال ابن عطية : إنه ظاهر الآية . وهو الذي نختاره تفادياً من التكلف الذي ذكره مخالفوهم لبيان اتصاله بما بعده في بيان وجه الرخصة لهؤلاء الثلاثة الأصناف في الطعام في البيوت المذكورة ، ولأن في قوله : { أن تأكلوا من بيوتكم } إلى آخر المعدودات لا يظهر اتصاله بالأعمى والأعرج والمريض ، فتكون هذه الآية نفياً للحرج عن هؤلاء الثلاثة فيما تجره ضرارتهم إليهم من الحرج من الأعمال ، فالحرج مرفوع عنهم في كل ما تضطرهم إليه أعذارهم ، فتقتضي نيتهم الإتيان فيه بالإكمال ويقتضي العذر أن يقع منهم . فالحرج منفي عن الأعمى في التكليف الذي يشترط فيه البصر ، وعن الأعرج فيما يشترط فيه المشي والركوب ، وعن المريض في التكليف الذي يؤثر المرض في إسقاطه كالصوم وشروط الصلاة والغزو . ولكن المناسبة في ذكر هذه الرخصة عقب الاستئذان أن المقصد الترخيص للأعمى أنه لا يتعين عليه استئذان لانتفاء السبب الموجِبهِ . ثم ذكر الأعرج والمريض إدماجاً وإتماماً لحكم الرخصة لهما للمناسبة بينهما وبين الأعمى .وقال بالثاني جمهور المفسرين وقد تكلفوا لوجه عدّ هذه الأصناف الثلاثة في عداد الآكلين من الطعام الذي في بيوت من ذكروا في الآية الموالية .والجملة : على كلا الوجهين مستأنفة استئنافاً ابتدائياً .{ وَلاَ على أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ ءَابَآئِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أمهاتكم أَوْ بُيُوتِ إخوانكم أَوْ بُيُوتِ أخواتكم أَوْ بُيُوتِ أعمامكم أَوْ بُيُوتِ عماتكم أَوْ بُيُوتِ أخوالكم أَوْ بُيُوتِ خالاتكم أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً } .مناسبة عطف هذه الرخص على رخصة الأعمى ، على تقدير أنه منفصل عنه كما تقدم وهو المختار عند المحققين ، هو تعلق كليهما بالاستئذان والدخول للبيوت سواء كان لغرض الطعام فيها أو كان للزيارة ونحوها لاشتراك الكل في رفع الحرج ، وعلى تقدير أنه متصل به على قول الجمهور فاقتران الجميع في الحكم هو الرخصة للجميع في الأكل ، فأذن الله للأعمى والأعرج والمريض أن يدخلوا البيوت للأكل لأنهم محاويج لا يستطيعون التكسب وكان التكسب زمانئذٍ بعمل الأبدان فرخص لهؤلاء أن يدخلوا بيوت المسلمين لشبع بطونهم .هذا أظهر الوجوه في توجيه عد هؤلاء الثلاثة مع من عطف عليهم . وقد ذكر المفسرون وجوهاً أخر أنهاها أبو بكر ابن العربي في «أحكام القرآن» إلى ثمانية ليس منها واحد ينثلج له الصدر .ولا نطيل بها .وأعيد حرف ( لا) مع المعطوف على المنفي قبله تأكيداً لمعنى النفي وهو استعمال كثير .والمقصود بالأكل هنا الأكل بدون دعوة وذلك إذا كان الطعام محضراً دون المختزن .والمراد بالأنفس ذوات المخاطبين بعلامات الخطاب فكأنه قيل : ولا عليكم جناح أن تأكلوا إلى آخره ، فالخطاب للأمة .والمراد بأكل الإنسان من بيته الأكل غير المعتاد ، أي أن يأكل أكلاً لا يشاركه فيه بقية أهله كأن يأكل الرجل وزوجه غائبة ، أو أن تأكل هي وزوجها غائب فهذه أثرة مرخص فيها .وعطف على بيوت أنفسهم بيوتُ آبائهم ، ولم يذكر بيوت أولادهم مع أنهم أقرب إلى الآكلين من الآباء فهم أحق بأن يأكلوا من بيوتهم . قيل : لأن الأبناء كائنون مع الآباء في بيوتهم ، ولا يصح ، فقد كان الابن إذا تزوج بنى لنفسه بيتاً كما في خبر عبد الله بن عمر . فالوجه أن بيوت الأبناء معلوم حكمها بالأولى من البقية لقول النبي صلى الله عليه وسلم « أنت ومالك لأبيك » .وهؤلاء المعدودون في الآية بينهم من القرابة أو الولاية أو الصداقة ما يعتاد بسببه التسامح بينهم في الحضور للأكل بدون دعوة لا يتحرج أحد منهم من ذلك غالباً .و ( ما) في قوله : { ما ملكْتُم مفاتحه } موصولة صادقة على المكان أو الطعام ، عطف على { بيوت خالاتكم } لا على { أخوالكم } ولهذا جيء ب ( ما) الغالب استعمالها في غير العاقل .ومِلك المفاتيح أريد به حفظها بقرينة إضافته إلى المفاتيح دون الدور أو الحوائط . والمفاتح : جمع مَفْتح وهو اسم آلة الفتح . ويقال فيها مفتاح ويجمع على مفاتيح .وهذه رخصة للوكيل والمختزن للطعام وناطور الحائط ذي الثمر أن يأكل كل منهم مما تحت يده بدون إذن ولا يتجاوز شبع بطنه وذلك للعرف بأن ذلك كالإجارة فلذلك قال الفقهاء : إذا كان لواحد من هؤلاء أجرة على عمله لم يجز له الأكل مما تحت يده .و ( صديق) هنا مراد به الجنس الصادق بالجماعة بقرينة إضافته إلى ضمير جماعة المخاطبين ، وهو اسم تجوز فيه المطابقة لمن يجري عليه إن كان وصفاً أو خبراً في الإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث وهو الأصل ، والغالب في فصيح الاستعمال أن يلزم حالة واحدة قال تعالى : { فما لنا منْ شافعين ولا صديق حميم } [ الشعراء : 100 ، 101 ] ومثله الخليط والقطين .والصديق : فعيل بمعنى فاعل وهو الصادق في المودة . وقد جعل في مرتبة القرابة مما هو موقور في النفوس من محبة الصلة مع الأصدقاء . وسئل بعض الحكماء : أي الرجلين أحب إليك أخوك أم صديقك؟ فقال : إنما أحب أخي إذا كان صديقي .وأعيدت جملة : { ليس عليكم جُناح } تأكيداً للأولى في قوله : { ولا على أنفسكم } إذ الجناح والحرج كالمترادفين .وحسّن هذا التأكيد بُعد ما بين الحال وصاحبها وهو واو الجماعة في قوله : { أن تأكلوا من بيوتكم } ، ولأجل كونها تأكيداً فصلت بلا عطف .والجميع : المجتمعون على أمر .والأشتات : الموزعون فيما الشأن اجتماعهم فيه ، قال تعالى : { تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى } [ الحشر : 14 ] .والأشتات : جمع شَتّ ، وهو مصدر شتّ إذا تفرق . وأما شتّى فجمع شتيت .والمعنى : لا جناح عليكم أن يأكل الواحد منكم مع جماعة جاءوا للأكل مثله؛ أو أن يأكل وحده متفرقاً عن مشارك ، لئلا يحسب أحدهم أنه إن وجد من سبقه للأكل أن يترك الأكل حتى يخرج الذي سبقه ، أو أن يأكل الواحد منكم مع أهل البيت . أو أن يأكل وحده .وتقدم قراءة { بيوت } بكسر الباء للجمهور وبضمها لورش وحفص عن عاصم عند قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم } في هذه السورة ( 27) .{ فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُواْ على أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ الله مباركة طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ الله لَكُمُ الايات لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } .تفريع على الإذن لهم في الأكل من هذه البيوت بأن ذكَّرهم بأدب الدخول المتقدم في قوله : { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها } [ النور : 27 ] لئلا يجعلوا القرابة والصداقة والمخالطة مبيحة لإسقاط الآداب فإن واجب المرء أن يلازم الآداب مع القريب والبعيد ولا يغرنَّه قول الناس : إذا استوى الحب سقط الأدب .ومعنى { فسلموا على أنفسكم } فليسلم بعضكم على بعض ، كقوله : { ولا تقتلوا أنفسكم } [ النساء : 29 ] .ولقد عكف قوم على ظاهر هذا اللفظ وأهملوا دقيقته فظنوا أن الداخل يسلم على نفسه إذا لم يجد أحداً وهذا بعيد من أغراض التكليف والآداب . وأما ما ورد في التشهد من قول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فذلك سلام بمعنى الدعاء بالسلامة جعله النبي صلى الله عليه وسلم لهم عوضاً عما كانوا يقولون : السلام على الله ، السلام على النبي ، السلام على جبريل ومكائيل ، السلام على فلان وفلان . فقال لهم رسول الله : « إن الله هو السلام ، إبطالاً لقولهم السلام على الله » ثم قال لهم : « قولوا السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فإنكم إذا قلتموها أصابت كل عبد لله صالح في السماء وفي الأرض » .وأما السلام في هذه الآية فهو التحية كما فسره بقوله : { تحية من عند الله مباركة طيبة } ولا يؤمر أحد بأن يسلم على نفسه .والتحية : أصلها مصدر حيّاه تحية ثم أدغمت الياءان تخفيفاً وهي قول : حياك الله . وقد تقدم في قوله تعالى : { وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها } في سورة النساء ( 86) .فالتحية مصدر فعل مشتق من الجملة المشتملة على فعل ( حيّا) مثل قولهم : جزّاه . إذا قال له : جزاك الله خيراً ، كما تقدم في فعل { وتسلموا على أهلها } [ النور : 27 ] آنفاً .وكان هذا اللفظ تحية العرب قبل الإسلام تحية العامة قال النابغة: ... حيّاككِ ربي فإنا لا يحل لنالهو النساء وإن الدين قد عزَما ... وكانت تحية الملوك «عم صباحاً» فجعل الإسلام التحية كلمة «السلام عليكم» ، وهي جائية من الحنيفية { قالوا سلاماً قال سلام } [ هود : 69 ] وسماها تحية الإسلام ، وهي من جوامع الكلم لأن المقصود من التحية تأنيس الداخل بتأمينه إن كان لا يعرفه وباللطف له إن كان معروفاً .ولفظ «السلام» يجمع المعنيين لأنه مشتق من السلامة فهو دعاء بالسلامة وتأمين بالسلام لأنه إذا دعا له بالسلامة فهو مسالم له فكان الخبر كناية عن التأمين ، وإذا تحقق الأمران حصل خير كثير لأن السلامة لا تجامع شيئاً من الشر في ذات السالم ، والأمان لا يجامع شيئاً من الشر يأتي من قِبل المعتدي فكانت دعاء ترجى إجابته وعهداً بالأمن يجب الوفاء به . وفي كلمة { عليكم } معنى التمكن ، أي السلامة مستقرة عليكم .ولكون كلمة ( السلام) جامعة لهذا المعنى امتن الله على المسلمين بها بأن جعلها من عند الله إذ هو الذي علّمها رسوله بالوحي .وانتصب { تحية } على الحال من التسليم الذي يتضمنه { فسلّموا } نظير عود الضمير على المصدر في قوله : { اعدلوا هو أقرب للتقوى } [ المائدة : 8 ] .والمباركة : المجعولة فيها البركة . والبركة : وفرة الخير . وإنما كانت هذه التحية مباركة لما فيها من نية المسالمة وحسن اللقاء والمخالطة وذلك يوفر خير الأخوة الإسلامية .والطيِّبة : ذات الطيِّب ، وهو طِيب مجازي بمعنى النزاهة والقبول في نفوس الناس ووجه طِيب التحية أنها دعاء بالسلامة وإيذان بالمسالمة والمصافاة . ووزن { طيبة } فيعلة مبالغة في الوصف مثل : الفيصل . وتقدم في قوله تعالى : { قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة } في آل عمران ( 38) وفي قوله : { وجَرَيْن بِهِمْ بريح طيبة } في سورة يونس ( 22) .والمعنى أن كلمة «السلام عليكم» تحية خيرٌ من تحية أهل الجاهلية . وهذا كقوله تعالى : { وتحيتهم فيها سلام } [ يونس : 10 ] أي تحيتهم هذا اللفظ .وجملة { كذلك يبين الله لكم الآيات } تكرير للجملتين الواقعتين قبلها في آية الاستئذان لأن في كل ما وقع قبل هذه الجملة بياناً لآيات القرآن اتضحت به الأحكام التي تضمنتها وهو بيان يرجى معه أن يحصل لكم الفهم والعلم بما فيه كمال شأنكم .
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
ثم انتقلت السورة الكريمة بعد ذلك إلى الحديث عن أحكام أخرى فيها ما فيها من حسن للتنظيم فى العلاقات بين الأقارب والأصدقاء ، وفيها ما فيها من اليسر والسماحة ، فقال - تعالى - : ( لَّيْسَ عَلَى الأعمى . . ) .ذكر المفسرون فى سبب نزول هذه الآية روايات منها ما روى عن ابن عباس أنه قال : لما أنزل الله - تعالى - : ( يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ تأكلوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بالباطل . . ) تحرج المسلمون عن مؤاكلة المرضى والعمى والعرج ، وقالوا : الطعام أفضل الأموال ، وقد نهانا الله عن أكل المال والباطل ، والأعمى لا يبصر موضع الطعام الطيب ، والأعرج لا يتمكن من الجلوس ، ولا يستطيع المزاحمة ، والمريض يضعف عن التناول ولا يستوفى من الطعام حقه ، فأنزل الله هذه الآية .وقيل نزلت ترخيصا لهؤلاء فى الأكل من بيوت من سمى الله فى هذه الآية ، وذلك أن هؤلاء كانوا يدخلون على الرجل لطلب الطعام ، فإذا لم يكن عنده شىء ذهب بهم إلى بيت أبيه ، أو بيت أمه ، أو بعض من سمى الله فى هذه الآية ، فكان أهل الزمانة يتحرجون من ذلك ، ويقولون ذهب بنا إلى غير بيته ، فأنزل الله هذه الآية .وقيل نزلت رخصة للأعمى والأعرج والمريض عن التخلف عن الجهاد . . .ويبدو لنا أن الآية الكريمة نزلت لتعليم المؤمنين ألوانا متعددة من الآداب التى شرعها الله - تعالى - لهم ، ويسرها لهم بفضله وإحسانه ، حتى يعلموا أن شريعته - سبحانه - مبنية على اليسر لا على العسر ، وعلى التخفيف ورفع الحرج ، لا على التشديد والتضييق .والحرج : الضيق ومنه الحرجة للشجر الملتف المتكاثف بعضه ببعض ، حتى ليصعب على الشخص أن يمشى فيه . والمراد به هنا : الإثم .والمعنى : ليس على الأعمى والأعرج والمريض حرج أو إثم فى الأكل من بيوت هؤلاء الذين سماهم الله - تعالى - .كذلك ليس عليكم حرج أو إثم - أيها المؤمنون - فى أن تأكلوا أنتم ومن معكم ( مِن بُيُوتِكُمْ ) التى هى ملك لكم .وذكر - سبحانه - بيوتهم هنا مع أنه من المعروف أنه لا حرج فى أن يأكل الإنسان من بيته ، للإشعار بأن أكلهم من بيوت الذين سيذكرهم - سبحانه - بعد ذلك من الآباء والأمهات والأقارب ، يتساوى فى نفى الحرج مع أكلهم من بيوتهم أى أن أكل الناس من بيوتهم لم يذكر هنا لنفى حرج كان متوهما ، وإنما ذكر لإظهار التسوية بين أكلهم من بيوت أقاربهم وأصدقائهم ، وبين أكلهم من بيوتهم .وبعضهم يرى أن المراد بقوله ( أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ ) أى : من بيوت زوجاتهم وأولادهم .ثم ذكر - سبحانه - بيوتا أخرى لا حرج عليهم فى الأكل منها فقال : ( أَوْ بُيُوتِ آبَآئِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاَتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَّفَاتِحهُ ) أى : أو البيوت التى تملكون التصرف فيها بإذن أصحابها ، كأن تكونوا وكلاء عنهم فى التصرف فى أموالهم .ومفاتح : جمع مفتح - بكسر الميم - وهو آلة الفتح وملك هذه المفاتح : كناية عن كون الشىء تحت يد الشخص وتصرفه .وقوله ( أَوْ صَدِيقِكُمْ ) معطوف على ما قبله والصديق هو من يصدق فى مودتك ، وتصدق أنت فى مودته ، وهو اسم جنس يطلق على الواحد والجمع ، والمراد هنا : الجمع . أى : ولا حرج عليكم - أيضا - فى الأكل من بيوت اصدقائكم .فالآية الكريمة قد أجازت الأكل من هذه البيوت المذكورة ، وهى أحد عشر بيتا - وإن لم يكن فيها أصحابها ، ما دام الآكل قد علم رضا صاحب البيت بذلك ، وأن صاحب البيت ، لا يكره هذا ولا يتضرر منه ، استناداً إلى القواعد العامة فى الشريعة ، والتى منها : " لا ضرر ولا ضرار " وأنه " لا يحل مال امرىء مسلم إلا بطيب نفس منه " .قال صاحب الكشاف : فإن قلت : فما معنى ( أَوْ صَدِيقِكُمْ ) قلت : معناه : أو بيوت أصدقائكم ، والصديق يكون واحدا وجمعا ، وكذلك الخليط والقطين والعدو .ويحكى عن الحسن أنه دخل داره ، وإذا جماعة من أصدقائه قد استلوا سلالا من تحت سريره فيها أطايب الأطعمة . وهم مكبون عليها يأكلون فتهللت أسارير وجهه سرورا وضحك وقال : هكذا وجدناهم ، هكذا وجدناهم . يريد أكابر الصحابة ومن لقيهم من البدريين .وكان الرجل منهم يدخل دار صديقه وهو غائب فيسأل جاريته كيسه . فيأخذ منه ما شاء ، فإذا حضر مولاها فأخبرته ، أعتقها سرورا بذلك .وقوله - سبحانه - : ( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً ) بيان لنوع آخر من أنواع السماحة فى شريعة الإسلام .والأشتات : جمع شَتّ - بفتح الشين - يقال : شت الأمر يشت شتا وشتاتا ، إذا تفرق . ويقال : هذا أمر شت ، أى : متفرق .أى : ليس عليكم - أيها المؤمنون - حرج أو إثم فى أن تأكلوا مجتمعين أو متفرقين ، وقد كان بعضهم من عاداته أن لا يأكل منفردا ، فإن لم يجد من يأكل معه عاف الطعام ، فرفع الله - تعالى - هذا الحرج المتكلف ، ورد الأمر إلى ما تقتضيه شريعة الإسلام من بساطة ويسر وعدم تكلف ، فأباح لهم أن يأكلوا فرادى ومجتمعين .فالجملة الكريمة بيان للحالة التى يجوز عليها الأكل ، بعد بيان البيوت التى يجوز الأكل منها والمتأمل فى هذه الآية الكريمة يراها قد اشتملت على أحكم الأداء للترتيب اللفظى والموضوعى ، فقد بدأت ببيت الإنسان نفسه ، ثم بيوت الآباء ، فالأمهات ، فالإخوة ، فالأخوات ، فالأقارب ، فالبيوت التى يملكون التصرف فيها؛ فبيوت الأصدقاء . . .ثم لم يكتف بذلك ، وإنما بينت الحالة التى يباح الأكل منها . . .ثم بعد ذلك علمتنا آداب دخول البيوت التى ندخلها للأكل أو لغيره ، فقال - تعالى - : ( فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُواْ على أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ الله مُبَارَكَةً طَيِّبَةً ) .والمراد بأنفسكم هنا : أهل تلك البيوت التى يدخلونها ، لأنهم بمنزلة أنفسهم فى شدة المودة والمحبة والألفة ، و " تحية " منصوب بفعل مقدر أى : فحيوا تحية .أى : فإذا دخلتم أيها المؤمنون والمؤمنات بيوتا فسلموا على أهلها الذين هم بمنزلة أنفسكم ، وحيوهم تحية ثابتة من عند الله ، مباركة طيبة ، أى مستتبعة لزيادة البركات والخيرات ولزيادة المحبة والمودة .ووصف - سبحانه - هذه التحية بالبركة والطيب ، لأنها دعوة مؤمن لمؤمن وكلاهما يرجو بها من الله - تعالى - زيادة الخير وطيب الرزق .وتحية الإسلام أن يقول المسلم لأخيه المسلم : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بقوله : ( كَذَلِكَ يُبَيِّنُ الله لَكُمُ الآيات لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) .أى : مثل هذا البيان القويم ، يبين الله - تعالى - لكم الآيات المحكمة ، والإرشادات النافعة ، لكى تعقلوا ما اشتملت عليه من هدايات ، توصلكم متى انتفعتم بها إلى السعادة والفلاح .
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
قوله تعالى : ( ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ) الآية ، اختلف العلماء في هذه الآية ، فقال ابن عباس رضي الله عنهما لما أنزل الله - عز وجل - قوله : ياأيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ( النساء - 29 ) ، تحرج المسلمون عن مؤاكلة المرضى والزمنى والعمي والعرج ، وقالوا الطعام أفضل الأموال ، وقد نهانا الله عن أكل المال بالباطل . والأعمى لا يبصر موضع الطعام الطيب ، والأعرج لا يتمكن من الجلوس ، ولا يستطيع المزاحمة على الطعام ، والمريض يضعف عن التناول فلا يستوفي الطعام ، فأنزل الله هذه الآية وعلى هذا التأويل يكون " على " بمعنى " في " أي : ليس في الأعمى ، يعني : ليس عليكم في مؤاكلة الأعمى والأعرج والمريض .وقال سعيد بن جبير والضحاك وغيرهما كان العرجان والعميان والمرضى يتنزهون عن مؤاكلة الأصحاء ، لأن الناس يتقذرون منهم ويكرهون مؤاكلتهم ، ويقول الأعمى : ربما أكل أكثر ، ويقول الأعرج : ربما أخذ مكان الاثنين ، فنزلت هذه الآية . وقال مجاهد : نزلت الآية ترخيصا لهؤلاء في الأكل من بيوت من سمى الله في هذه الآية ، وذلك أن هؤلاء كانوا يدخلون على الرجل لطلب الطعام فإذا لم يكن عنده ما يطعمهم ذهب بهم إلى بيوت آبائهم وأمهاتهم أو بعض من سمى الله في هذه الآية ، فكان أهل الزمانة يتحرجون من ذلك الطعام ويقولون ذهب بنا إلى بيت غيره ؟ فأنزل الله هذه الآية وقال سعيد بن المسيب : كان المسلمون إذا غزوا خلفوا زمناهم ويدفعون إليهم مفاتيح أبوابهم ويقولون قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في بيوتنا ، فكانوا يتحرجون من ذلك ويقولون لا ندخلها وهم غيب ، فأنزل الله هذه الآية رخصة لهم قال الحسن : نزلت هذه الآية رخصة لهؤلاء في التخلف عن الجهاد . قال : تم الكلام عند قوله : " ولا على المريض حرج " ، وقوله تعالى : ) ( ولا على أنفسكم ) كلام منقطع عما قبلهوقيل : لما نزل قوله : لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ( النساء - 29 ) ، قالوا : لا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد ، فأنزل الله - عز وجل - ( ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم ) أي : لا حرج عليكم أن تأكلوا من بيوتكم . قيل : أراد من أموال عيالكم وأزواجكم وبيت المرأة كبيت الزوج . وقال ابن قتيبة : أراد من بيوت أولادكم ، نسب بيوت الأولاد إلى الآباء كما جاء في الحديث : " أنت ومالك لأبيك " ، ( أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : عني بذلك وكيل الرجل وقيمه في ضيعته وماشيته ، لا بأس عليه أن يأكل من ثمر ضيعته ، ويشرب من لبن ماشيته ، ولا يحمل ولا يدخر . وقال الضحاك : يعني في بيوت عبيدكم ومماليككم ، وذلك أن السيد يملك منزل عبده ، والمفاتيح الخزائن ، لقوله تعالى : وعنده مفاتح الغيب ( الأنعام - 59 ) ويجوز أن يكون الذي يفتح به . قال عكرمة : إذا ملك الرجل المفتاح فهو خازن ، فلا بأس أن يطعم الشيء اليسير . وقال السدي : الرجل يولي طعامه غيره يقوم عليه فلا بأس أن يأكل منه وقال قوم : " ما ملكتم مفاتحه " ما خزنتموه عندكم قال مجاهد وقتادة : من بيوت أنفسكم مما أحرزتم وملكتم .) ( أو صديقكم ) الصديق الذي صدقك في المودة . قال ابن عباس : نزلت في الحارث بن عمرو رضي الله عنه ، خرج غازيا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلف مالك بن زيد على أهله ، فلما رجع وجده مجهودا فسأله عن حاله ، فقال : تحرجت أن آكل طعامك بغير إذنك فأنزل الله هذه الآية . وكان الحسن وقتادة يريان دخول الرجل بيت صديقه والتحرم بطعامه من غير استئذان منه في الأكل بهذه الآية . والمعنى : ( ليس عليكم جناح أن تأكلوا ) من منازل هؤلاء إذا دخلتموها وإن لم يحضروا ، من غير أن تتزودوا وتحملوا .قوله : ( ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا ) نزلت في بني ليث بن عمرو ، وهم حي من بني كنانة كان الرجل منهم لا يأكل وحده حتى يجد ضيفا يأكل معه ، فربما قعد الرجل والطعام ، بين يديه من الصباح إلى الرواح ، وربما كانت معه الإبل الحفل ، فلا يشرب من ألبانها حتى يجد من يشاربه ، فإذا أمسى ولم يجد أحدا أكل ، هذا قول قتادة والضحاك وابن جريج وقال عطاء الخراساني عن ابن عباس رضي الله عنهما : كان الغني يدخل على الفقير من ذوي قرابته وصداقته فيدعوه إلى طعامه ، فيقول : والله إني لأجنح ، أي : أتحرج أن آكل معك وأنا غني وأنت فقير ، فنزلت هذه الآية . وقال عكرمة وأبو صالح : نزلت في قوم من الأنصار كانوا لا يأكلون إذا نزل بهم ضيف إلا مع ضيفهم ، فرخص لهم أن يأكلوا كيف شاءوا ، جميعا أو أشتاتا متفرقين .( فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم ) أي : يسلم بعضكم على بعض ، هذا في دخول الرجل بيت نفسه يسلم على أهله ومن في بيته ، وهو قول جابر وطاوس والزهري وقتادة والضحاك وعمرو بن دينار . وقال قتادة : إذا دخلت بيتك فسلم على أهلك فهو أحق من سلمت عليه ، وإذا دخلت بيتا لا أحد فيه فقل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين . حدثنا أن الملائكة ترد عليه وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إن لم يكن في البيت أحد فليقل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، السلام على أهل البيت ورحمة الله . وروى عمرو بن دينار عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : ( فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم ) قال : إذا دخلت المسجد فقل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ( تحية من عند الله ) نصب على المصدر ، أي : تحيون أنفسكم تحية ، ) ( مباركة طيبة ) وقال ابن عباس رضي الله عنهما : حسنة جميلة . وقيل : ذكر البركة والطيبة هاهنا لما فيه من الثواب والأجر ( كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون )