تَفْسِيرُ ٱلْمُيَسَّر
Tafsir Al-Muyassar —
کنگ فہد قرآن کمپلیکس
يا معشر المؤمنين إنما المشركون رِجْس وخَبَث فلا تمكنوهم من الاقتراب من الحرم بعد هذا العام التاسع من الهجرة، وإن خفتم فقرًا لانقطاع تجارتهم عنكم، فإن الله سيعوضكم عنها، ويكفيكم من فضله إن شاء، إن الله عليم بحالكم، حكيم في تدبير شؤونكم.
تَفْسِيرُ ٱلْجَلَالَيْنِ
Tafsir al-Jalalayn —
جلال الدین محلی اور جلال الدین سیوطی
«يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس» قذر لخبث باطنهم «فلا يقربوا المسجد الحرام» أي لا يدخلوا الحرم «بعد عامهم هذا» عام تسع من الهجرة «وإن خفتم عَيْلةٌ» فقرا بانقطاع تجارتهم عنكم «فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء» وقد أغناهم بالفتوح والجزية «إن الله عليم حكيم».
تَفْسِيرُ ٱلْقُرْطُبِيِّ
Tafsir al-Qurtubi —
علامہ قرطبی
قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيمفيه سبع مسائل :الأولى : قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس ابتداء وخبر . واختلف العلماء في معنى وصف المشرك بالنجس ، فقال قتادة ومعمر بن راشد وغيرهما : لأنه جنب إذ غسله من الجنابة ليس بغسل . وقال ابن عباس وغيره : بل معنى الشرك هو الذي نجسه . قال الحسن البصري من صافح مشركا فليتوضأ . والمذهب كله على إيجاب الغسل على الكافر إذا أسلم إلا ابن عبد الحكم فإنه قال : ليس بواجب ؛ لأن الإسلام يهدم ما كان قبله . وبوجوب [ ص: 39 ] الغسل عليه قال أبو ثور وأحمد . وأسقطه الشافعي وقال : أحب إلي أن يغتسل . ونحوه لابن القاسم . ولمالك قول : إنه لا يعرف الغسل ، رواه عنه ابن وهب وابن أبي أويس . وحديث ثمامة وقيس بن عاصم يرد هذه الأقوال . رواهما أبو حاتم البستي في صحيح مسنده . وأن النبي صلى الله عليه وسلم مر بثمامة يوما فأسلم فبعث به إلى حائط أبي طلحة فأمره أن يغتسل ، فاغتسل وصلى ركعتين . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد حسن إسلام صاحبكم وأخرجه مسلم بمعناه . وفيه : أن ثمامة لما من عليه النبي صلى الله عليه وسلم انطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل . وأمر قيس بن عاصم أن يغتسل بماء وسدر .فإن كان إسلامه قبيل احتلامه فغسله مستحب . ومتى أسلم بعد بلوغه لزمه أن ينوي بغسله الجنابة . هذا قول علمائنا ، وهو تحصيل المذهب . وقد أجاز ابن القاسم للكافر أن يغتسل قبل إظهاره للشهادة بلسانه إذا اعتقد الإسلام بقلبه وهو قول ضعيف في النظر مخالف للأثر . وذلك أن أحدا لا يكون بالنية مسلما دون القول . هذا قول جماعة أهل السنة في الإيمان : إنه قول باللسان وتصديق بالقلب ، ويزكو بالعمل . قال الله تعالى : إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه .الثانية : قوله تعالى فلا يقربوا المسجد الحرام ( فلا يقربوا ) نهي ، ولذلك حذفت منه النون . ( المسجد الحرام ) هذا اللفظ يطلق على جميع الحرم ، وهو مذهب عطاء فإذا يحرم تمكين المشرك من دخول الحرم أجمع . فإذا جاءنا رسول منهم خرج الإمام إلى الحل ليسمع ما يقول . ولو دخل مشرك الحرم مستورا ومات نبش قبره وأخرجت عظامه . فليس لهم الاستيطان ولا الاجتياز . وأما جزيرة العرب ، وهي مكة والمدينة واليمامة واليمن ومخاليفها ، فقال مالك : يخرج من هذه المواضع كل من كان على غير الإسلام ، ولا يمنعون من التردد بها مسافرين . وكذلك قال الشافعي رحمه الله ، غير أنه استثنى من ذلك اليمن . ويضرب لهم أجل [ ص: 40 ] ثلاثة أيام كما ضربه لهم عمر رضي الله عنه حين أجلاهم . ولا يدفنون فيها ويلجئون إلى الحل .الثالثة : واختلف العلماء في دخول الكفار المساجد والمسجد الحرام على خمسة أقوال ، فقال أهل المدينة : الآية عامة في سائر المشركين وسائر المساجد . وبذلك كتب عمر بن عبد العزيز إلى عماله ونزع في كتابه بهذه الآية . ويؤيد ذلك قوله تعالى : في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه . ودخول الكفار فيها مناقض لترفيعها . وفي صحيح مسلم وغيره : إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من البول والقذر . . . الحديث . والكافر لا يخلو عن ذلك . وقال صلى الله عليه وسلم : لا أحل المسجد لحائض ولا لجنب والكافر جنب . وقوله تعالى : إنما المشركون نجس فسماه الله تعالى نجسا . فلا يخلو أن يكون نجس العين أو مبعدا من طريق الحكم . وأي ذلك كان فمنعه من المسجد واجب لأن العلة وهي النجاسة موجودة فيهم ، والحرمة موجودة في المسجد . يقال : رجل نجس ، وامرأة نجس ، ورجلان نجس ، وامرأتان نجس ، ورجال نجس ، ونساء نجس ، لا يثنى ولا يجمع لأنه مصدر . فأما النجس - بكسر النون وجزم الجيم - فلا يقال إلا إذا قيل معه رجس . فإذا أفرد قيل نجس - بفتح النون وكسر الجيم - ونجس - بضم الجيم - . وقال الشافعي رحمه الله : الآية عامة في سائر المشركين ، خاصة في المسجد الحرام ، ولا يمنعون من دخول غيره ، فأباح دخول اليهودي والنصراني في سائر المساجد . قال ابن العربي : وهذا جمود منه على الظاهر ؛ لأن قوله عز وجل : إنما المشركون نجس تنبيه على العلة بالشرك والنجاسة . فإن قيل : فقد ربط النبي صلى الله عليه وسلم ثمامة في المسجد وهو مشرك . قيل له : أجاب علماؤنا عن هذا الحديث - وإن كان صحيحا - بأجوبة : أحدها : أنه كان متقدما على نزول الآية . الثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد علم بإسلامه فلذلك ربطه . [ ص: 41 ] الثالث : أن ذلك قضية في عين فلا ينبغي أن تدفع بها الأدلة التي ذكرناها ، لكونها مقيدة حكم القاعدة الكلية . وقد يمكن أن يقال : إنما ربطه في المسجد لينظر حسن صلاة المسلمين واجتماعهم عليها ، وحسن آدابهم في جلوسهم في المسجد ، فيستأنس بذلك ويسلم ، وكذلك كان . ويمكن أن يقال : إنهم لم يكن لهم موضع يربطونه فيه إلا في المسجد ، والله أعلم . وقال أبو حنيفة وأصحابه : لا يمنع اليهود والنصارى من دخول المسجد الحرام ولا غيره ، ولا يمنع دخول المسجد الحرام إلا المشركون وأهل الأوثان . وهذا قول يرده كل ما ذكرناه من الآية وغيرها . قال الكيا الطبري : ويجوز للذمي دخول سائر المساجد عند أبي حنيفة من غير حاجة . وقال الشافعي : تعتبر الحاجة ، ومع عدم الحاجة لا يجوز دخول المسجد الحرام . وقال عطاء بن أبي رباح : الحرم كله قبلة ومسجد ، فينبغي أن يمنعوا من دخول الحرم ، لقوله تعالى : سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام . وإنما رفع من بيت أم هانئ . وقال قتادة : لا يقرب المسجد الحرام مشرك إلا أن يكون صاحب جزية أو عبدا كافرا لمسلم . وروى إسماعيل بن إسحاق حدثنا يحيى بن عبد الحميد قال حدثنا شريك عن أشعث عن الحسن عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يقرب المسجد مشرك إلا أن يكون عبدا أو أمة فيدخله لحاجة . وبهذا قال جابر بن عبد الله فإنه قال : العموم يمنع المشرك عن قربان المسجد الحرام ، وهو مخصوص في العبد والأمة .الرابعة : قوله تعالى بعد عامهم هذا فيه قولان : أحدهما - أنه سنة تسع التي حج فيها أبو بكر . الثاني سنة عشر قاله قتادة . ابن العربي : وهو الصحيح الذي يعطيه مقتضى اللفظ وإن من العجب أن يقال : إنه سنة تسع وهو العام الذي وقع فيه الأذان . ولو دخل غلام رجل داره يوما فقال له مولاه : لا تدخل هذه الدار بعد يومك لم يكن المراد اليوم الذي دخل فيه .الخامسة : وإن خفتم عيلة قال عمرو بن فائد : المعنى وإذ خفتم . وهذه عجمة والمعنى بارع ب ( إن ) . وكان المسلمون لما منعوا المشركين من الموسم وهم كانوا يجلبون الأطعمة والتجارات ، قذف الشيطان في قلوبهم الخوف من الفقر وقالوا : من أين نعيش . فوعدهم الله أن يغنيهم من فضله . قال الضحاك : ففتح الله عليهم باب الجزية من أهل [ ص: 42 ] الذمة بقوله عز وجل : قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر الآية . وقال عكرمة : أغناهم الله بإدرار المطر والنبات وخصب الأرض فأخصبت تبالة وجرش وحملوا إلى مكة الطعام والودك وكثر الخير وأسلمت العرب : أهل نجد وصنعاء وغيرهم فتمادى حجهم وتجرهم وأغنى الله من فضله بالجهاد والظهور على الأمم . والعيلة : الفقر . يقال : عال الرجل يعيل إذا افتقر . قال الشاعر :وما يدري الفقير متى غناه وما يدري الغني متى يعيلوقرأ علقمة وغيره من أصحاب ابن مسعود " عائلة " وهو مصدر كالقائلة من قال يقيل . وكالعافية . ويحتمل أن يكون نعتا لمحذوف تقديره : حالا عائلة ، ومعناه : خصلة شاقة . يقال منه : عالني الأمر يعولني : أي شق علي واشتد . وحكى الطبري أنه يقال : عال يعول إذا افتقر .السادسة : في هذه الآية دليل على أن تعلق القلب بالأسباب في الرزق جائز وليس ذلك بمناف للتوكل وإن كان الرزق مقدرا وأمر الله وقسمه مفعولا ولكنه علقه بالأسباب حكمة ليعلم القلوب التي تتعلق بالأسباب من القلوب التي تتوكل على رب الأرباب . وقد تقدم أن السبب لا ينافي التوكل قال صلى الله عليه وسلم : لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا . أخرجه البخاري . فأخبر أن التوكل الحقيقي لا يضاده الغدو والرواح في طلب الرزق . ابن العربي : ولكن شيوخ الصوفية قالوا : إنما يغدو ويروح في الطاعات فهو السبب الذي يجلب الرزق . قالوا : والدليل عليه أمران : أحدهما : قوله تعالى : وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك الثاني : قوله تعالى : إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه فليس ينزل الرزق من محله ، وهو السماء ، إلا ما يصعد وهو الذكر الطيب والعمل الصالح وليس بالسعي في الأرض فإنه ليس فيها رزق . والصحيح ما أحكمته السنة عند فقهاء الظاهر وهو العمل بالأسباب الدنيوية من الحرث والتجارة في الأسواق والعمارة للأموال وغرس الثمار . وقد كانت الصحابة تفعل ذلك [ ص: 43 ] والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم . قال أبو الحسن بن بطال : أمر الله سبحانه عباده بالإنفاق من طيبات ما كسبوا إلى غير ذلك من الآي . وقال : فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه . فأحل للمضطر ما كان حرم عليه عند عدمه للغذاء الذي أمره باكتسابه والاغتذاء به ، ولم يأمره بانتظار طعام ينزل عليه من السماء ، ولو ترك السعي في ترك ما يتغذى به لكان لنفسه قاتلا . وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلوى من الجوع ما يجد ما يأكله ، ولم ينزل عليه طعام من السماء ، وكان يدخر لأهله قوت سنته حتى فتح الله عليه الفتوح . وقد روى أنس بن مالك أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم ببعير فقال : يا رسول الله ، أعقله وأتوكل أو أطلقه وأتوكل ؟ قال : اعقله وتوكل .قلت : ولا حجة لهم في أهل الصفة ، فإنهم كانوا فقراء يقعدون في المسجد ما يحرثون ولا يتجرون ، ليس لهم كسب ولا مال ، إنما هم أضياف الإسلام عند ضيق البلدان ، ومع ذلك فإنهم كانوا يحتطبون بالنهار ويسوقون الماء إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقرءون القرآن بالليل ويصلون . هكذا وصفهم البخاري وغيره . فكانوا يتسببون . وكان صلى الله عليه وسلم إذا جاءته هدية أكلها معهم ، وإن كانت صدقة خصهم بها ، فلما كثر الفتح وانتشر الإسلام خرجوا وتأمروا - كأبي هريرة وغيره - وما قعدوا . ثم قيل : الأسباب التي يطلب بها الرزق ستة أنواع : أعلاها كسب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ؛ قال : جعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري . خرجه الترمذي وصححه . فجعل الله رزق نبيه صلى الله عليه وسلم في كسبه لفضله ، وخصه بأفضل أنواع الكسب ، وهو أخذ الغلبة والقهر لشرفه . الثاني : أكل الرجل من عمل يده ، قال صلى الله عليه وسلم : إن أطيب ما أكل الرجل من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده خرجه البخاري . وفي التنزيل وعلمناه صنعة لبوس لكم وروي أن عيسى عليه السلام كان يأكل من غزل أمه . [ ص: 44 ] الثالث : التجارة ، وهي كانت عمل جل الصحابة رضوان الله عليهم ، وخاصة المهاجرين ، وقد دل عليها التنزيل في غير موضع . الرابع : الحرث والغرس . وقد بيناه في سورة " البقرة " الخامس : إقراء القرآن وتعليمه والرقية ، وقد مضى في " الفاتحة " السادس : يأخذ بنية الأداء إذا احتاج ، قال صلى الله عليه وسلم : من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله . خرجه البخاري . رواه أبو هريرة رضي الله عنه .السابعة : قوله تعالى إن شاء دليل على أن الرزق ليس بالاجتهاد ، وإنما هو من فضل الله تولى قسمته بين عباده وذلك بين في قوله تعالى : نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا الآية .
تَنْوِيرُ ٱلْمِقْبَاسِ مِن تَفْسِيرِ ٱبْنِ عَبَّاس
Tafsir Tanwir al-Miqbas —
حضرت ابن عباسؓ
استئناف ابتدائي للرجوع إلى غرض إقصاء المشركين عن المسجد الحرام المفاد بقوله : { ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله } [ التوبة : 17 ] الآية ، جيء به لتأكيد الأمر بإبعادهم عن المسجد الحرام مع تعليله بعلّة أخرى تقتضي إبعادهم عنه : وهي أنّهم نجس ، فقد علّل فيما مضى بأنّهم شاهدون على أنفسهم بالكُفر ، فليسوا أهلاً لتعمير المسجد المبني للتوحيد ، وعلّل هنا بأنّهم نجس فلا يعمروا المسجد لطهارته .و { نجس } صفة مشبهة ، اسم للشيء الذي النجاسة صفة ملازمة له ، وقد أنيط وصف النجاسة بهم بصفة الإشراك ، فعلمنا أنّها نجاسة معنوية نفسانية وليست نجاسة ذاتية .والنجاسة المعنوية : هي اعتبار صاحب وصف من الأوصاف محقّراً متجنَّباً من الناس فلا يكون أهلاً لفضل ما دام متلبّساً بالصفة التي جعلته كذلك ، فالمشرك نجَس لأجل عقيدة إشراكه ، وقد يكون جسده نظيفاً مطيّباً لا يستقذر ، وقد يكون مع ذلك مستقذرَ الجسد ملطخاً بالنجاسات لأنّ دينه لا يطلب منه التطهّر ، ولكن تنظّفهم يختلف باختلاف عوائدهم وبيئتهم . والمقصود من هذا الوصف لهم في الإسلام تحقيرهم وتبعيدهم عن مجامع الخير ، ولا شكّ أنّ خباثة الاعتقاد أدنى بصاحبها إلى التحقير من قذارة الذات ، ولذلك أوجب الغسل على المشرك إذا أسلم انخلاعاً عن تلك القذارة المعنوية بالطهارة الحسّيّة لإزالة خباثة نفسه ، وإنّ طهارة الحدث لقريب من هذا .وقد فرّع على نجاستهم بالشرك المنع من أن يقربوا المسجد الحرام ، أي المنع من حضور موسم الحجّ بعد عامهم هذا .والإشارة إلى العام الذي نزلت فيه الآية وهو عام تسعة من الهجرة ، فقد حضر المشركون موسم الحجّ فيه وأعلن لهم فيه أنّهم لا يعودون إلى الحجّ بعد ذلك العام ، وإنّما أمهلوا إلى بقية العام لأنّهم قد حصَلوا في الموسم ، والرجوع إلى آفاقهم متفاوت «فأريد من العام موسم الحجّ ، وإلاّ فإنّ نهاية العام بانسلاخ ذي الحجّة وهم قد أمهلوا إلى نهاية المحرم بقوله تعالى : { فسيحوا في الأرض أربعة أشهر } [ التوبة : 2 ].وإضافة ( العام ) إلى ضمير ( هم ) لمزيد اختصاصهم بحكم هائل في ذلك العام كقول أبي الطيب :فإن كان أعجبكم عامكم ... فعودوا إلى مصر في القابلوصيغة الحصر في قوله : { إنما المشركون نجس } لإفادة نفي التردّد في اعتبارهم نجساً ، فهو للمبالغة في اتّصافهم بالنجاسة حتّى كأنّهم لا وصف لهم إلاّ النجسية .ووصف ( العام ) باسم الإشارة لزيادة تمييزه وبيانه .وقوله : { فلا يقربوا المسجد } ظاهره نهي للمشركين عن القرب من المسجد الحرام . ومواجهةُ المؤمنين بذلك تقتضي نهي المسلمين عن أن يقرب المشركون المسجد الحرام . جعل النهي عن صورة نهي المشركين عن ذلك مبالغة في نهي المؤمنين حين جُعلوا مكلّفين بانكفاف المشركين عن الاقتراب من المسجد الحرام من باب قول العرب : «لا أرينّك ههنا» فليس النهي للمشركين على ظاهره .والمقصود من النهي عن اقترابهم من المسجد الحرام النهي عن حضورهم الحج لأنّ مناسك الحجّ كلّها تتقدّمها زيارة المسجد الحرام وتعقبها كذلك ، ولذلك لمّا نزلت «براءة» أرسل النبي صلى الله عليه وسلم بأن ينادَى في الموسم أن لا يحجّ بعد العام مشرك وقرينة ذلك توقيت ابتداء النهي بما بعد عامهم الحاضر . فدلّ على أنّ النهي منظور فيه إلى عمل يكمل مع اقتراب اكتمال العام وذلك هو الحجّ . ولولا إرادة ذلك لما كان في توقيت النهي عن اقتراب المسجد بانتهاء العام حكمة ولكان النهي على الفور .{ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ إِنَّ الله عَلِيمٌ حَكِيمٌ }.عطف على جملة النهي . والمقصود من هذه الجملة : وعد المؤمنين بأن يغنيهم الله عن المنافع التي تأتيهم من المشركين حين كانوا يفدون إلى الحجّ فينفقون ويهدُون الهدايا فتعود منهم منافع على أهل مكة وما حولها ، وقد أصبح أهلها مسلمين فلا جرم أن ما يرد إليها من رزق يعود على المؤمنين .والعَيْلة : الاحتياج والفقر أي إنْ خطر في نفوسكم خوف الفقر من انقطاع الإمداد عنكم بمنع قبائِل كثيرة من الحجّ فإنّ الله سيغنيكم عن ذلك . وقد أغناهم الله بأن هَدى للإسلام أهل تَبَالَة وجُرَش من بلاد اليمن ، فأسلموا عقب ذلك ، وكانت بلادهم بلاد خصب وزرع فحملوا إلى مكّة الطعام والمِيرة ، وأسلم أيضاً أهل جُدَّة وبلدهم مرفأ ترد إليه الأقوات من مصر وغيرها ، فحملوا الطعام إلى مكة ، وأسلم أهل صنعاء من اليمن ، وبلدهم تأتيه السفن من أقاليم كثيرة من الهند وغيرها .وقوله : { إن شاء } يفتح لهم باب الرجاء مع التضرّع إلى الله في تحقيق وعده لأنّه يفعل ما يشاء .وقوله : { إن الله عليم حكيم } تعليل لقوله : { وإن خفتم عيلة } أي أنّ الله يغنيكم لأنّه يعلم ما لكم من المنافع من وفادة القبائِل ، فلمّا منعكم من تمكينهم من الحجّ لم يكن تاركاً منفعتكم فقَدر غناكم عنهم بوسائل أخرى عَلِمَها وأحكم تدبيرها .
ٱلتَّفْسِيرُ ٱلْوَسِيط
Tafsir Al-Waseet —
علمائے جامعہ ازہر
وبعد هذا التذكير والتوجيه من الله - تعالى - لعباده المؤمنين - وجه - سبحانه - إليهم نداء أمرهم فيه بمنع المشركين من قربان المسجد الحرام ، ووعدهم بالعطاء الذى يغنيهم ، فقال : ( ياأيها الذين آمنوا . . . . ) .وقوله : ( نَجَسٌ ) بالتحريك - مصدر نجس الشئ ينجس فهو نجس إذا كان قذراً غير نظيف ، وفعله من باب " تعب " وفى لغة من باب " قتل " .قال صاحب الكشاف : النجس : مصدر . يقال نجس نجسا وقذر قذرا ، لأن معهم الشرك الذى هو بمنزلة النجس ، ولأنهم لا يتطهرون ولا يغتسلون ولا يجتنبون النجاسات فهى ملابسة لهم . أو جعلوا كأنهم النجاسة بعينها ، مبالغة فى وصفهم بها .قيل : وجوز أن يكون لفظ " نجس " صفة مشبهة - وإليه ذهب الجوهرى ولا بد حينئذ من تقدير موصوف مفرد لفظاً مجمع معنى ، ليصح الإِخبار به عن الجمع . أى جنس ونجس ونحوه .وقوله : ( إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ ) فيه ما فيه من التعبير البديع المصور المجسم لهم ، حتى لكأنهم بأرواحهم وماهيتهم وكيانهم : النجس يمشى على الأرض فيتحاشاه المتطهرون ، ويتحاماه الأتقياء من الناس .وقوله : ( فَلاَ يَقْرَبُواْ المسجد الحرام بَعْدَ عَامِهِمْ هذا ) تفريع على نجاستهم والمراد النهى عن الدخول إلا أنه عبر عنه بالنهى عن القرب مبالغة فى إبعادهم عن المسجد الحرام .والنهى وإن كان موجهاً إلى المشركين ، إلا أن المقصود منه نهى المؤمنين عن تمكينهم من ذلك ، والمراد بقوله : ( بَعْدَ عَامِهِمْ هذا ) العام الذى حصل فيه النداء بالبراءة من المشركين ، وبعدم طوافهم بالمجسد الحرام . . وهو العام التاسع من الهجرة .قال ابن كثير : أمر الله عباده المؤمنين الطاهرين ديناً وذاتاً بنفى المشركين الذين هم نجس دينا - عن المسجد الحرام ، وأن لا يقربوه بعد نزول هذه الآية . وكان نزولها فى سنة تسع .ولهذا بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليا صحبة أبى بكر رضى الله عنهما - عامئذ ، وأمره أن ينادى فى المشركين : أن لا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان . فأتم الله ذلك وحكم به شرعاً وقدراً .وقوله : ( وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ ) بشارة من الله تعالى للمؤمنين بأن سيعطيهم من فضله ما يغنيهم عن المشركين .والعيلة : الفقر والفاقة : يقال : عال الرجل يعيل عيلة فهو عائل إذا افتقر ، ومنه قول الشاعر :وما يدرى الفقير متى غناه ... وما يدرى الغنى متى يقيلوقرئ " عائلة " بمعنى المصدر كالعافية : اسم فاعل صفة لموصوف مؤنث مقدر أى : حالا عائلة .قال ابن جرير - بعد أن ساق روايات فى سبب نزول الآية - : عن عطية العوفى قال : لما قيل " ولا يحج بعد العام مشرك " قالوا : قد كنا نصيب من بياعاتهم فى الموسم ، قال فنزلت ( ياأيها الذين آمنوا إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ المسجد الحرام بَعْدَ عَامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِن فَضْلِهِ ) الآية .والمعنى : لا تمكنوا أيها المؤمنون . المشركين من دخول المسجد الحرام بعد هذه السنة ، لأنهم نجس . . . ولا تخشوا الفقر والفاقة بسبب عدم تمكينهم ، حيث إنكم تتبادلون معهم التجارات والمبايعات . . لأن الله - تعالى - قد وعدكم أن يغنيكم من فضله بالعطايا والخيرات التى تكفيكم أمر معاشكم . .وقد أنجز الله - تعالى - لهم وعده ، فأرسل السماء عليهم مدرارا ، وفتح لهم البلاد ، فكثرت بين أيديهم الغنائم وألوان الخيرات ، ودخل فى دين الله من هم أيس حالا وأغنى مالا من هؤلاء المشركين . .قال صاحب الكشاف : قوله : ( فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِن فَضْلِهِ ) أى : من عطائه أو من تفضله بوجه آخر ، فأرسل عليهم السماء مدرارا ، فأغزر بها خيرهم ، وأكثر مسيرهم . وأسلم أهل تبالة وجرس فحملوا إلى مكة الطعام وما يعاش به : فكان أعود عليهم مما خافوا العيلة لفواته .والتقييد بالمشيئة فى قوله : ( إِن شَآءَ ) ليس للتردد ، بل هو لتعليم المؤمنين رعاية الأدب مع الله - تعالى - كما فى قوله : ( لَتَدْخُلُنَّ المسجد الحرام إِن شَآءَ الله آمِنِينَ ) ولبيان أن هذا الاغناء بإرادته - سبحانه - وحده ، فعليهم أن يجعلوا اعتمادهم عليه ، وتضرعهم إليه لا إلى غيره ، وللتنبيه على أن عطاءه سبحانه لهم ، هو من باب التفضل ولا الوجوب ، لأنه لو كان واجبا مع قيده بالمشيئة .ولما كانت مشيئته - سبحانه - تجرى حسب مقتضى علمه وحكمته ، فقد ختم الآية بقوله : ( إِنَّ الله عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) .أى : إن الله عليم بأحوالكم ومصالحكم ، وبما يكون عليه أمر حاضركم ومستقبلكم حكيم فيما شرعه لكم . فاستجيبوا له لتنالوا السعادة فى دنياكم وآخرتكم .هذا ، ومن الأحكام والآداب التى استنبطها العلماء من هذه الآية ما يأتى :1- أن المراد بالمشركين فى الآية ما يناول عبدة الأوثان وغيرهم من أهل الكتاب . كما هو مقتضى ظاهر اللفظ ، وكما يدل عليه قوله - تعالى - ( إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ . . ) أى : لا يغفر أن يشرك به بأى لون من ألوان الشرك .ويرى كثير من الفقهاء أن المراد بالمشركين هنا عبدة الأوثان فحسب ، لأن الحديث خاص بهم من أول السورة إلى هنا .2- يرى جمهور الفقهاء أن نجاسة المشركين مرجعها إلى خبث بواطنهم لعبادتهم سوى الله - تعالى - أما أبدانهم فطاهرة .وقد بسط صاحب المنار القول فى هذه المسألة فقال ما ملخصه : " قال بعضهم بنجاسة أعيان المشركين ، ووجوب تطهير ما تصيبه أبدانهم مع البلل .حكى هذا القول عن ابن عباس والحسن البصرى . . وجمهور الظاهرية . .ويرى جمهور السلف والخلف وأصحاب المذاهب الأربعة أن أعيانهم طاهرة . لأنه من المعلوم أن المسلمين كانوا يعاشرون المشركين ويخالطونهم . ومع هذا فالنبى - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر بغسل شئ مما أصابته أبدانهم .. بل الثابت أنه - صلى الله عليه وسلم - توضأ من مزادة مشركة وأكل من طعام اليهود . . وأطعم هو وأصحابه وفداً من الكفار ولم يأمر بغسل الأوانى التى أكلوا وشربوا وروى الإِمام أحمد وأبو داود من حديث عبد الله بن مسعود قال : كنا نغزو مع رسول الله ، فنصيب من آنية المشركين وأسقيتهم فنستمتع بها ولا يعيب ذلك علينا . .3- اختلف الفقهاء فى المراد بالمسجد الحرام فى قوله - تعالى - ( فَلاَ يَقْرَبُواْ المسجد الحرام بَعْدَ عَامِهِمْ هذا . . . ) .فقال ابن عباس وابن جبير ومجاهد وعطاء : المراد به الحرم كله فيشمل المسجد الحرام ومكة ، لأن المسجد الحرام حيث أطلق فى القرآن فالمراد به الحرم كله . وعليه فالكافر يمنع من دخول الحرم كله . .ويرى الشافعى أن المراد المسجد الحرام بخصوصه أخذا بظاهر اللفظ .قال القرطبى : وقال الشافعى : الآية فى سائر المشركين ، خاصة فى المسجد الحرام ، ولا يمنعون من دخول غيره ، فأباح دخول اليهود والنصرانى فى سائر المساجد .ويرى الإِمام مالك أن المراد المسجد الحرام بالنص وبقية المساجد تقاس عليه ، لأن العلة - وهى النجاسة - موجودة فى المشركين ، والحرمة موجودة فى كل مسجد .وعليه فلا يجوز تمكينهم لا من المسجد الحرام ولا من غيره من المساجد .ويرى الأحناف أن المراد بالمسجد الحرم كله ، إلا أن النهى هنا ليس منصباً على دخوله وإنما هو منصب على المنع من الحج والعمرة . ومن الحج إليه أى : لا تمكنوا - أيها المؤمنون - المشركين من الطواف بالمسجد الحرام بعد عامهم هذا .قال الآلوسى : ويؤيده قوله - تعالى - ( لْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هذا ) ، فإن تقييد النهى يدل على اختصاص المنهى عنه بوقت من اوقات العام . أى : لا يحجوا ولا يعتمروا بعد حج عامهم هذا وهو عام تسعة من الهجرة . . ويدل عليه نداء على - كرم الله وجهه - يوم نادى ببراءة ألا لا يحج بعد عامنا هذا مشرك ، وكذا قوله - سبحانه - ( وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً ) أى فقراً بسبب منعهم ، لما أنهم كانوا يأتون فى الموسم بالمتاجر ، فإنه إنما يكون إذا منعوا من دخول الحرم كما لا يخفى .ثم قال : والحاصل أن الإِمام الأعظم يقول بالمنع عن الحج والعمرة ويحمل النهى عليه ، ولا يمنعون عنده من دخول المسجد الحرام ومن دخول سائر المساجد .4- قال القرطبى : فى هذه الآية دليل على أن تعلق القلب بالأسباب فى الرزق جائز ، وليس ذلك بمناف للتوكل ، وإن كان الرزق مقدراً ، ولكنه علقه بالأسباب لتظهر القلوب التى تتعلق بالأسباب ، من القلوب التى تتوكل على رب الأرباب وقد تقدم أن السبب لا ينافى التوكل ، ففى الحديث الذى أخرجه البخارى أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال :" لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير ، تغدو خماصا وتروح بطانا " - أى : تغدو صباحا وهى جياع ، وتعود عشية وهى ممتلئة البطون - .هذا ، وبتدبير آيات السورة الكريمة - من أولها إلى هنا - نراها قد وضحت العلاقات النهائية بين المسلمين وعبدة الأوثان ، وفصلت كثيراً من الأحكام التى تخص الفريقين ، ومن ذلك أنها قررت :1- براءة الله ورسوله من عهود المشركين الذين مردوا على نقض المواثيق .2- إعطاؤهم مهلة مقدارها أربعة أشهر يتدبرون خلالها أمرهم ، دون أن يتعرض المسلمون لهم بسوء .3- إعلان الناس جميعاً يوم الحج الأكبر بهذه البراءة . .4- أمر المؤمنين بإتمام مدة العهد لمن حافظ من المشركين على عهده .5- بيان ما يجب على المؤمنين فعله إذا ما انقضت أشهر الأمان التى أعطيت للمشركين .6- إرشاد المؤمنين إلى أن من الواجب عليهم تأمين المشرك المستجير بهم حتى يسمع كلام الله ، ويطلع على حقيقة الإِسلام . . ثم توصيله إلى موضع أمنه إن لم يسلم .7- بيان الأسباب التى تدعو إلى قتال المشركين ، وإلى وجوب البراءة منهم .8- بيان بعض الحكم والأسرار التى من أجلها شرع الجهاد فى الإِسلام .9- بيان أن المشركين ليسوا أهلاً لعمارة مساجد الله . . وأن الذين هم أهل لذلك : المؤمنون الصادقون .10- توجيه المؤمنين إلى أن إيمانهم يحتم عليهم أن يؤثروا محبة الله ورسوله على أى شئ آخر ، من الآباء والأبناء والإِخوان .11- تذكيرهم بجانب من نعم الله عليهم حيث نصرهم فى مواطن كثيرة ونصرهم يوم غزوة حنين ، بعد أن هزموا فى أول المعركة دون أن تنفعهم كثرتم التى أعجبوا بها .12- نهيهم عن تمكين المشركين من قربان المسجد الحرام ، وإزالة الوساوس التى قد تخطر ببالهم بسبب هذا النهى ، بأن وعدهم - سبحانه - بأنه سيعطيهم من فضله ما يغنيهم عن المكاسب التى تأتيهم عن طريق تبادل المنافع مع المشركين فى موسم الحج .هذه أهم الموضوعات التى تعرضت لها سورة التوبة فى ثمان وعشرين آية من أولها إلى هنا . وهى موضوعات وضحت . كما أسلفنا . الأحكام النهائية فى علاقات المسلمين بالمشركين عبدة الأوثان .
تَفْسِيرُ ٱلْبَغَوِيِّ
Tafsir al-Baghawi —
علامہ بغوی
قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس ) الآية ، قال الضحاك وأبو عبيدة : نجس قذر . وقيل : خبيث . وهو مصدر يستوي فيه الذكر والأنثى والتثنية والجمع ، فأما النجس : بكسر النون وسكون الجيم ، فلا يقال على الانفراد ، إنما يقال : رجس نجس ، فإذا أفرد قيل : نجس ، بفتح النون وكسر الجيم ، وأراد به : نجاسة الحكم لا نجاسة العين ، سموا نجسا على الذم . وقال قتادة : سماهم نجسا لأنهم يجنبون فلا يغتسلون ويحدثون فلا يتوضئون . قوله تعالى : ( فلا يقربوا المسجد الحرام ) أراد منعهم من دخول الحرم لأنهم إذا دخلوا الحرم فقد قربوا من المسجد الحرام ، وأراد به الحرم وهذا كما قال الله تعالى : " سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام " [ الإسراء - 1 ] ، وأراد به الحرم لأنه أسري به من بيت أم هانئ .قال الشيخ الإمام الأجل : وجملة بلاد الإسلام في حق الكفار على ثلاثة أقسام :أحدها : الحرم ، فلا يجوز للكافر أن يدخله بحال ، ذميا كان أو مستأمنا ، لظاهر هذه الآية ، وإذا جاء رسول من بلاد الكفار إلى الإمام والإمام في الحرم لا يأذن له في دخول الحرم ، بل يبعث إليه من يسمع رسالته خارج الحرم . وجوز أهل الكوفة للمعاهد دخول الحرم .والقسم الثاني من بلاد الإسلام : الحجاز ، فيجوز للكافر دخولها بالإذن ولكن لا يقيم فيها أكثر من مقام السفر وهو ثلاثة أيام ، لما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لئن عشت إن شاء الله تعالى لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع فيها إلا مسلما " . فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوصى فقال : " أخرجوا المشركين من جزيرة العرب " فلم يتفرغ لذلك أبو بكر رضي الله عنه ، وأجلاهم عمر رضي الله عنه في خلافته ، وأجل لمن يقدم منهم تاجرا ثلاثا . وجزيرة العرب من أقصى عدن أبين إلى ريف العراق في الطول ، وأما العرض فمن جدة وما والاها من ساحل البحر إلى أطراف الشام .والقسم الثالث : سائر بلاد الإسلام ، يجوز للكافر أن يقيم فيها بذمة وأمان ، ولكن لا يدخلون المساجد إلا بإذن مسلم .قوله : ( بعد عامهم هذا ) يعني : العام الذي حج فيه أبو بكر رضي الله عنه بالناس ، ونادى علي كرم الله وجهه ببراءة ، وهو سنة تسع من الهجرة .قوله ( وإن خفتم عيلة ) وذلك أن أهل مكة كانت معايشهم من التجارات وكان المشركون يأتون مكة بالطعام ويتجرون ، فلما منعوا من دخول الحرم خافوا الفقر ، وضيق العيش ، وذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى : ( وإن خفتم عيلة ) فقرا وفاقة . يقال : عال يعيل عيلة ، ( فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم ) قال عكرمة : فأغناهم الله عز وجل بأن أنزل عليهم المطر مدرارا فكثر خيرهم . وقال مقاتل : أسلم أهل جدة وصنعاء وجريش من اليمن وجلبوا الميرة الكثيرة إلى مكة فكفاهم الله ما كانوا يخافون . وقال الضحاك وقتادة : عوضهم الله منها الجزية فأغناهم بها .